|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() ![]() فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية سُورَةُ الْبَقَرَةِ المجلد الثالث الحلقة (67) من صــ 209 الى صــ 216 وهكذا الحسد يقع كثيرا بين المتشاركين في رئاسة أو مال إذا أخذ بعضهم قسطا من ذلك وفات الآخر؛ ويكون بين النظراء لكراهة أحدهما أن يفضل الآخر عليه كحسد إخوة يوسف كحسد ابني آدم أحدهما لأخيه فإنه حسده لكون أن الله تقبل قربانه ولم يتقبل قربان هذا؛ فحسده على ما فضله الله من الإيمان والتقوى - كحسد اليهود للمسلمين - وقتله على ذلك؛ ولهذا قيل أول ذنب عصي الله به ثلاثة: الحرص والكبر والحسد. فالحرص من آدم والكبر من إبليس والحسد من قابيل حيث قتل هابيل. وفي الحديث {ثلاث لا ينجو منهن أحد: الحسد والظن والطيرة. وسأحدثكم بما يخرج من ذلك إذا حسدت فلا تبغض وإذا ظننت فلا تحقق وإذا تطيرت فامض} رواه ابن أبي الدنيا من حديث أبي هريرة. وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم {دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء وهي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين} فسماه داء كما سمى البخل داء في قوله: {وأي داء أدوأ من البخل} فعلم أن هذا مرض وقد جاء في حديث آخر {أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء} فعطف الأدواء على الأخلاق والأهواء. فإن " الخلق " ما صار عادة للنفس وسجية. قال تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم} قال ابن عباس وابن عيينة وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم عنهم: على دين عظيم وفي لفظ عن ابن عباس: على دين الإسلام. وكذلك قالت عائشة - رضي الله عنها -: كان خلقه القرآن. وكذلك قال الحسن البصري: أدب القرآن هو الخلق العظيم. وأما " الهوى " فقد يكون عارضا والداء هو المرض وهو تألم القلب والفساد فيه وقرن في الحديث الأول الحسد بالبغضاء؛ لأن الحاسد يكره أولا فضل الله على ذلك الغير؛ ثم ينتقل إلى بغضه؛ فإن بغض اللازم يقتضي بغض الملزوم فإن نعمة الله إذا كانت لازمة وهو يحب زوالها وهي لا تزول إلا بزواله أبغضه وأحب عدمه والحسد يوجب البغي كما أخبر الله تعالى عمن قبلنا: أنهم اختلفوا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم فلم يكن اختلافهم لعدم العلم بل علموا الحق ولكن بغى بعضهم على بعض كما يبغي الحاسد على المحسود. وفي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لا تحاسدوا ولا تباغضوا؛ ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال: يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام} وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته من رواية أنس أيضا {والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه}. وقد قال تعالى: {وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا} {ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما}. فهؤلاء المبطئون لم يحبوا لإخوانهم المؤمنين ما يحبون لأنفسهم بل إن أصابتهم مصيبة فرحوا باختصاصهم وإن أصابتهم نعمة لم يفرحوا لهم بها بل أحبوا أن يكون لهم منها حظ فهم لا يفرحون إلا بدنيا تحصل لهم أو شر دنيوي ينصرف عنهم إذا كانوا لا يحبون الله ورسوله والدار الآخرة ولو كانوا كذلك لأحبوا إخوانهم وأحبوا ما وصل إليهم من فضله وتألموا بما يصيبهم من المصيبة ومن لم يسره ما يسر المؤمنين ويسوءه ما يسوء المؤمنين فليس منهم. ففي الصحيحين عن عامر قال سمعت النعمان بن بشير يخطب ويقول: {سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد. إذا اشتكى منه شيء تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر} وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه}. والشح مرض والبخل مرض والحسد شر من البخل كما في الحديث الذي رواه أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار} وذلك أن البخيل يمنع نفسه والحسود يكره نعمة الله على عباده وقد يكون في الرجل إعطاء لمن يعينه على أغراضه وحسد لنظرائه وقد يكون فيه بخل بلا حسد لغيره والشح أصل ذلك. وقال تعالى: {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إياكم والشح فإنه أهلك من كان قبلكم أمرهم بالبخل فبخلوا وأمرهم بالظلم فظلموا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا} وكان عبد الرحمن بن عوف يكثر من الدعاء في طوافه يقول: اللهم قني شح نفسي فقال له رجل: ما أكثر ما تدعو بهذا فقال: إذا وقيت شح نفسي وقيت الشح والظلم والقطيعة. والحسد يوجب الظلم فصل: فالبخل والحسد مرض يوجب بغض النفس لما ينفعها بل وحبها لما يضرها ولهذا يقرن الحسد بالحقد والغضب وأما مرض الشهوة والعشق فهو حب النفس لما يضرها وقد يقترن به بغضها لما ينفعها والعشق مرض نفساني وإذا قوي أثر في البدن فصار مرضا في الجسم إما من أمراض الدماغ كالماليخوليا؛ ولهذا قيل فيه هو مرض وسواسي شبيه بالماليخوليا وإما من أمراض البدن كالضعف والنحول ونحو ذلك. والمقصود هنا " مرض القلب " فإنه أصل محبة النفس لما يضرها كالمريض البدن الذي يشتهي ما يضره وإذا لم يطعم ذلك تألم وإن أطعم ذلك قوي به المرض وزاد. كذلك العاشق يضره اتصاله بالمعشوق مشاهدة وملامسة وسماعا بل ويضره التفكر فيه والتخيل له وهو يشتهي ذلك فإن منع من مشتهاه تألم وتعذب وإن أعطي مشتهاه قوي مرضه وكان سببا لزيادة الألم. وفي الحديث: {أن الله يحمي عبده المؤمن الدنيا كما يحمي أحدكم مريضه الطعام والشراب} وفي مناجاة موسى المأثورة عن وهب التي رواها الإمام أحمد في (كتاب الزهد " {يقول الله تعالى: إني لأذود أوليائي عن نعيم الدنيا ورخائها كما يذود الراعي الشفيق إبله عن مراتع الهلكة. وإني لأجنبهم سكونها وعيشها كما يجنب الراعي الشفيق إبله عن مبارك الغرة وما ذلك لهوانهم علي ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالما موفرا لم تكلمه الدنيا ولم يطفئه الهوى}. وإنما شفاء المريض بزوال مرضه بل بزوال ذلك الحب المذموم من قلبه. (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين (111) [فصل: نقض دعواهم الاستغناء باليهودية والنصرانية] فصل ثم قالوا: " إنا نعجب من هؤلاء القوم، الذين مع أدبهم وما يأخذون به أنفسهم من الفضل، كيف لم يعلموا أن الشرائع شريعتان: شريعة عدل وشريعة فضل؛ لأنه لما كان الباري عدلا وجوادا وجب أن يظهر عدله على خلقه فأرسل موسى إلى بني إسرائيل فوضع شريعة العدل وأمرهم بفعلها إلى أن استقرت في نفوسهم، ولما كان الكمال الذي هو الفضل لا يمكن أن يضعه إلا أكمل الكمال، وجب أن يكون هو - تقدست أسماؤه وجلت آلاؤه - الذي يضعه؛ لأنه ليس شيء أكمل منه، ولأنه جواد؛ وجب أن يجود بأجل الموجودات وليس في الموجودات أكمل من كلمته؛ لذلك وجب أن يجود بكلمته، فلهذا وجب أن يجود بكلمته، فلهذا وجب أن يتحد بذات محسوسة يظهر منها قدرته وجوده. ولما لم يكن في المخلوقات أجل من الإنسان، اتحد بالطبيعة البشرية من السيدة الطاهرة، من مريم البتول المصطفاة على نساء العالمين، وبعد هذا الكمال ما تبقى شيء يوضع؛ لأن جميع ما يتقدمه وما يأتي مقتضيه، وما يأتي بعد الكمال غير محتاج إليه؛ لأن ليس شيء يأتي بعد الكمال فيكون فاضلا، بل دون، أو أخذ منه. فهو فاضل لا يحتاج إليه، وفي هذا القول نفع. والسلام على من اتبع الهدى، وهذا مما عرفته من أن القوم الذين رأيتهم وخاطبتهم في محمد - عليه السلام - وما يحتجون به عن أنفسهم، فإن يكن ما ذكروه صحيحا؛ فلله الحمد. وإن كان خلاف ذلك فمولانا يكتب ذلك، فقد جعلوني سفيرا، والحمد لله رب العالمين ". والجواب على هذا من وجوه، أحدها: أن يقال: بل الشرائع ثلاثة: شريعة عدل فقط، وشريعة فضل فقط، وشريعة تجمع العدل والفضل، فتوجب العدل، وتندب إلى الفضل، وهذه أكمل الشرائع الثلاث وهي شريعة القرآن الذي جمع فيه بين العدل والفضل. مع أنا لا ننكر أن يكون موسى - عليه السلام - أوجب العدل وندب إلى الفضل، وكذلك المسيح - أيضا - أوجب العدل وندب إلى الفضل. وأما من يقول: إن المسيح أوجب الفضل وحرم على كل مظلوم أن يقتص من ظالمه، أو أن موسى لم يندب إلى الإحسان، فهذا فيه غضاضة بشريعة المرسلين. لكن قد يقال: إن ذكر العدل في التوراة أكثر، وذكر الفضل في الإنجيل أكثر، والقرآن جمع بينهما على غاية الكمال. والقرآن بين أن السعداء أهل الجنة، وهم أولياء الله نوعان: أبرار مقتصدون، ومقربون سابقون؛ فالدرجة الأولى تحصل بالعدل: وهي أداء الواجبات وترك المحرمات، والثانية لا تحصل إلا بالفضل: وهو أداء الواجبات والمستحبات، وترك المحرمات والمكروهات. فالشريعة الكاملة تجمع العدل والفضل؛ كقوله - تعالى - {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} [البقرة: 280]. فهذا عدل واجب، من خرج عنه استحق العقوبة في الدنيا والآخرة. ثم قال: {وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون} [البقرة: 280]. فهذا فضل مستحب مندوب إليه، من فعله أثابه الله ورفع درجته، ومن تركه لم يعاقبه. وقال - تعالى -:. {ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله} [النساء: 92]. فهذا عدل. ثم قال - تعالى -: {إلا أن يصدقوا} [النساء: 92]. فهذا فضل. وقال - تعالى -:. {والجروح قصاص} [المائدة: 45]. فهذا عدل. ![]()
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() ![]() |