|
ملتقى الإنشاء ملتقى يختص بتلخيص الكتب الاسلامية للحث على القراءة بصورة محببة سهلة ومختصرة بالإضافة الى عرض سير واحداث تاريخية عربية وعالمية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن(66) مثنى محمد هبيان (قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ لَّا ذَلُولٞ تُثِيرُ ٱلۡأَرۡضَ وَلَا تَسۡقِي ٱلۡحَرۡثَ مُسَلَّمَةٞ لَّا شِيَةَ فِيهَاۚ قَالُواْ ٱلۡـَٰٔنَ جِئۡتَ بِٱلۡحَقِّۚ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفۡعَلُونَ) [البقرة: 71] السؤال الأول:ما الفرق في استعمالات الفعل (كاد) في قوله تعالى: (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفۡعَلُونَ) [البقرة:71] و (إِذَآ أَخۡرَجَ يَدَهُۥ لَمۡ يَكَدۡ يَرَىٰهَاۗ) [النور:40] و (وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزۡلِقُونَكَ بِأَبۡصَٰرِهِمۡ ) [القلم:51]؟ وما الفرق بين كاد وعسى؟ الجواب: ( كاد ) (كاد) من أفعال المقاربة، أي: قارب الحصول ولم يحصل بينما (عسى) هو لمقاربة الأمر على سبيل الرجاء. ـ خبر كاد فعل مضارع غير مقترن بأنْ على الغالب، وذلك لقربها من الوقوع. ـ خبر عسى فعل مضارع مقترن بأنْ على الغالب؛ لأنّ (أنْ) تدل على الاستقبال. وقيل: إنَّ (كاد) إثباتها نفي ونفيها إثبات، فإن قلت: كاد يفعل , فمعناه لم يفعل, وإنْ قلت: ما كاد يفعل, فمعناه أنه فعله بعد جهد، بدليل قوله تعالى: (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفۡعَلُونَ) [البقرة:71]. ومعنى قوله تعالى: (إِذَآ أَخۡرَجَ يَدَهُۥ لَمۡ يَكَدۡ يَرَىٰهَاۗ) [النور:40] أي: مبالغة في (لم يرها) , أي: لم يقرب أنْ يراها فضلاً عن أنْ يراها, والأصح أنّ المعنى أنه يراها بعد اجتهاد ويأس من رؤيتها. ومعنى قوله تعالى: (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفۡعَلُونَ) [البقرة:71]أي: ذبحوها بعد الجهد، وبعد أنْ كان بعيداً في الظن أن يذبحوها. ومعنى قوله تعالى: (وَلَا يَكَادُ يُبِينُ) [الزُّخرُف:52] هذا الكلام عن لسان فرعون في موسى عليه السلام، ولا شك أنّ موسى كان يبين بدلالة المحاجات المتعددة التي ذكرها القرآن مع فرعون والمعنى أنه كان يبين لكنْ بصعوبة. ومعنى قوله تعالى: (لَّا يَكَادُونَ يَفۡقَهُونَ قَوۡلٗا) [الكهف:93] هذه المحاورة تدل على أنهم يفقهون ولكنْ بصعوبة, ولا تدل على أنهم لا يفقهون وإلا فما هذه المحاورة بينهما؟ ومعنى قوله تعالى: (وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزۡلِقُونَكَ بِأَبۡصَٰرِهِمۡ ) [القلم:51] دلالة على شدة تحديق المشركين ونظرهم للرسول صلى الله عليه وآله وسلم في حالة قراءة النبي للقرآن، وهو قوله: (لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكۡرَ) [القلم:51] غيظاً وسخطاً بحيث لو أمكنهم أنْ يصرعوه لصرعوه. السؤال الثاني: قوله تعالى في الآية: (يَفۡعَلُونَ) ما الفرق بين (يعملون) و(يفعلون) وما الفرق بين الفعل والعمل والصنع؟ الجواب: 1ـ العمل هو إيجاد الأثر في الشيء وعلى الأغلب فيه قصد ويحتاج إلى امتداد زمن، يقال: فلان يعمل من الطين خزفاً، وهو مختص بالإنسان من المخلوقات، كما ينسب العمل إلى الله سبحانه نحو: (مِّمَّا عَمِلَتۡ أَيۡدِينَآ أَنۡعَٰمٗا) [يس:71]. 2ـ الفعل عام، وقد يكون بقصد أو بغير قصد، ويصلح أنْ يقع من الحيوان أو الجماد، كما تقول: فعل الرياح. 3ـ الصنع: أخص من الاثنين، وهو إجادة العمل ويحتاج إلى دقة ولا ينسب إلى حيوان أو جماد. 4ـ الفعل عام، والعمل أخصّ من الفعل، والصنع أخص. ونستطيع أن ننظر في معاني الآيات، فالتي فيها زمن يقول: (يعملون) وما ليس فيه امتداد زمن وهو مفاجئ يقول: (يفعلون). شواهد قرآنية: العمل: ـ قوله تعالى عن الجان: (يَعۡمَلُونَ لَهُۥ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَٰرِيبَ) [سبأ:13]، وهذا العمل يقتضي منهم وقتاً. ـ قوله تعالى: (مِّمَّا عَمِلَتۡ أَيۡدِينَآ أَنۡعَٰمٗا) [يس:71] ما قال: فعلت؛ لأنّ خلق الأنعام والثمار يحتاج لوقت، فالله تعالى عندما يخلق التفاحة لا يخلقها فجأة، فقال: عملت أيدينا، يعني هذا النظام معمول بهذا الشكل؛ لأنّ فيه امتداد زمن. قوله تعالى:( وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ) [البقرة:96] أي: في الحياة؛ لأنّ العمل عادة فيه مدة. شواهد قرآنية: الفعل: ـ قوله تعالى عن الملائكة: (وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ) [النحل:50]؛ لأنّ فعل الملائكة يتم برمش العين. ـ قوله تعالى (أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصۡحَٰبِ ٱلۡفِيلِ) [الفيل:1] باللحظة أرسل عليهم حجارة. ـ قوله تعالى (أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ) [الفجر:6] خسف بهم. ـ قوله تعالى (وَتَبَيَّنَ لَكُمۡ كَيۡفَ فَعَلۡنَا بِهِمۡ) [إبراهيم:45] أي: العقوبات، وغضب الله سبحانه وتعالى لمّا ينزل على الضالين والظالمين أنفسهم ينزل فوراً ولا يحتاج لامتداد زمن. ـ قوله تعالى (وَمَا كَادُواْ يَفۡعَلُونَ) [البقرة:71] أي: كادوا لا يفعلون والذبح سريع فهو فعل. شواهد قرآنية: الصنع: ـ قوله تعالى: (صُنۡعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيٓ أَتۡقَنَ كُلَّ شَيۡءٍۚ) [النمل:88]. ـ قوله تعالى: (وَسَوۡفَ يُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ) [المائدة:14] أي: ما يخططون ويدبرون بدقة ضد المسلمين. والله أعلم.
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 25-08-2024 الساعة 03:10 PM. |
#2
|
||||
|
||||
![]() مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (68) مثنى محمد هبيان (وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖ قَالُوٓاْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمۡ لِيُحَآجُّوكُم بِهِۦ عِندَ رَبِّكُمۡۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ)[البقرة: 76] السؤال الأول:قوله تعالى: (بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمۡ) [البقرة:76] ما الفرق بين (فتح الله لك) و(فتح الله عليك)؟ وما طبيعة اللام في قوله تعالى:( لِيُحَآجُّوكُم) ؟وما دلالة هذه الآية؟ الجواب: 1ـ فتح الله لك: تأتي في الخير وفي غير الخير. 2ـ فتح الله عليك: تأتي في الخير وفي غير الخير، لكنْ تأتي من فوق. شواهد قرآنية: ـ قوله تعالى: (وَلَوۡ فَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَابٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعۡرُجُونَ) [الحِجر:14] هذا في الشر. ـ قوله تعالى: (حَتَّىٰٓ إِذَا فَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَابٗا ذَا عَذَابٖ شَدِيدٍ إِذَا هُمۡ فِيهِ مُبۡلِسُونَ) [المؤمنون:77] هذا في الشر. ـ قوله تعالى: (لَفَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَرَكَٰتٖ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ) [الأعراف:96] هذا في الخير. ـ قوله تعالى: (قَالُوٓاْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمۡ لِيُحَآجُّوكُم بِهِۦ عِندَ رَبِّكُمۡۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ) [البقرة:76] هذا في الخير، والله أعلم. 3ـ اللام في قوله تعالى: (لِيُحَآجُّوكُم) هي لام العاقبة أو الصيرورة , وليست للتعليل لأنهم لم يقصدوا ذلك , وإنما كان المآل والعاقبة , ولكنها مثل لام التعليل في النحو , والفعل ( يحاجوكم ) فعل مضارع منصوب بأنْ المضمرة بعد لام العاقبة , واللام ومجرورها متعلقان بالفعل (تحدثونهم). 4ـ كان بعض منافقي اليهود يقولون للذين آمنوا إذا لقوهم: آمنا بدينكم وبرسولكم , وإذا خلا بعضهم ببعض قال الرؤساء لهم في إنكار:أتحدثون المؤمنين بما بيّن الله لكم في التوارة من أمر محمد في نعته وصفته, لتكون لهم الحجة عند ربكم يوم القيامة !!! أفلا تفقهون فتحذروا !!؟؟ (أَوَ لَا يَعۡلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَ)[البقرة: 77] السؤال الأول:هل هذا الاستفهام في الآية حقيقي؟ وما غاية هذا الاستفهام؟ الجواب: هل ينتظر المستفهِم جواباً لسؤاله؟ إنك قد تقول لولدك أو عاملك: ألم تعلم أني أكره هذا الأمر؟ فسؤالك لا تنتظر له جواباً، وإنما غايتك لوم الفاعل, وهذا لا يُنتظر منه جواباً وإنما الغاية لوم الفاعل. وفي قوله تعالى: (أَوَ لَا يَعۡلَمُونَ) [البقرة:77] استفهام غايته التوبيخ ولوم القوم. والهمزة في (أَوَلَا) هي للاستفهام التقريري, ومعناه حمل المخاطب على الإقراروالاعتراف مع التوبيخ واللوم.والواو عاطفة وهي بنيّة التقديم على الهمزة وإنما أُخرت لقوة الهمزة , و( لا ) نافية. والله أعلم.
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 31-08-2024 الساعة 10:33 AM. |
#3
|
||||
|
||||
![]() مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (69) مثنى محمد هبيان (وَمِنۡهُمۡ أُمِّيُّونَ لَا يَعۡلَمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّآ أَمَانِيَّ وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا يَظُنُّونَ)[البقرة: 78] السؤال الأول:الأميّ هو من لا يعرف القراءة ولا الكتابة لكن من أين أتى هذا اللفظ؟ ومن أين اكتسب معناه؟ الجواب: إن كلمة (أُمِّيٍّ ) اسم منسوب, والنِّسبةُ: هي كل اسم انتهى بياء مشددة , فإذا أردنا أن ننسب رجلاً إلى اليمن نقول هو يمنيٌّ، فما الكلمة التي نُسِب إليها الأُمِّيُّ؟ إن هذا الاسم منسوب إلى الأمِّ، أي: الوالدة؛ لأنه بقي على الحال التي بقي عليها مدة حضانة أمه له فلم يكتسب علماً جديداً , لذلك قيل عنه أميّ. السؤال الثاني: ما المعسكرات التي واجهت الدعوة الإسلامية في مكة والمدينة؟ الجواب: المعسكرات التي واجهت الدعوة الإسلامية هي: آ ـ المشركون في مكة. ب ـ أهل الكتاب في المدينة , ومعظمهم من اليهود، أمّا النصارى فعددهم قليل. وأهم فرق اليهود قسمان: 1 ـ (وَمِنۡهُمۡ أُمِّيُّونَ لَا يَعۡلَمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّآ أَمَانِيَّ) [البقرة:78] وهؤلاء لا يعرفون من التوراة إلا ما يقوله لهم أحبارهم فقط, وهؤلاء ربما لو كانوا يعلمون ما في التوراة من صفات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لآمنوا به, والله لم ينفِ عنهم مطلق العلم ولكنه نفى خصوصية العلم؛ لأنه قال: (لَا يَعۡلَمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّآ أَمَانِيَّ) [البقرة:78].وهؤلاء هم العوام من اليهود , وليسوا من أهل العلم , وهؤلاء إنما معهم ظنون وتقاليد لأهل العلم منهم. والأماني بالتخفيف جمع أُمنِيَةٍ، وبالتشديد جمع أُمنِيَّةٍ , وهؤلاء الأميّون يأخذون المعلومات البسيطة من أحبارهم فيصدقونهم دون مناقشة، فيحمل هؤلاء الأحبار أوزارهم وأوزار الذين يضلونهم بغير علم. وكلمة (أَمَانِيَّ) [البقرة:78] لها معان مشتركة في أصل واحد، ومنها: آ ـ ما يتخيله الإنسان فيقدّر في نفسه وقوعه، كقوله تعالى: (يَعِدُهُمۡ وَيُمَنِّيهِمۡۖ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ إِلَّا غُرُورًا) [النساء:120] ويكون معنى الآية [78] أنّ أمانيهم في أنّ الله تعالى لا يؤاخذهم بخطاياهم، وأنّ آباءهم يشفعون لهم، وأنّ النار لا تمسهم إلا أياماً معدودة , وأنهم شعب الله المختار , وأنهم أبناء الله وأحباؤه , وأن الجنة خُلقت لهم لا لغيرهم. ب ـ (إِلَّآ أَمَانِيَّ): بمعنى أكاذيب سمعوها من علمائهم فقبلوها على التقليد. ج ـ (إِلَّآ أَمَانِيَّ): إلا ما يقرؤون، أي: إلا بقدر ما يتلى عليهم فيسمعونه ثم إنهم لا يتمكنون من التدبر والتأمل. 2 ـ وقسم يعلمون التوراة، ولكنهم يغيرون ما فيها ويكتبونه بأيديهم ويقولون هذا من عند الله، ولذلك توعدهم الله بالعذاب: (فَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتۡ أَيۡدِيهِمۡ وَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا يَكۡسِبُونَ) [البقرة:79] وهؤلاء متعمدون للإثم, وليست صكوك الغفران إلا شكلاً من أشكال كسبهم الحرام. فذكر القرآنُ الكريم في آيات سورة البقرة ( 76:78 ) علماء اليهود , وعوامَهم , ومنافقيهم , ومن لم ينافق منهم , فالعلماء منهم متمسكون بما هم عليه من الضلال , والعوام مقلدون لهم , ولا بصيرة عندهم , فلا مطمع لكم في الطائفتين. السؤال الثالث: ما نوع الاستثناء في قوله تعالى: (إِلَّآ أَمَانِيَّ) ؟ الجواب: هذا استثناء منقطع , لأنّ الأماني ليست مندرجة تحت مدلول الكتاب , ولهذا وجب نصبُه رغم تقدم النفي , وإنما يكون ذلك في كل موضع حسن أنْ يوضع فيه مكان ( إلا ) بـ ( لكن ) فيُعلم حينئذ انقطاع معنى الثاني عن معنى الأول.والله أعلم. (فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ يَكۡتُبُونَ ٱلۡكِتَٰبَ بِأَيۡدِيهِمۡ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ لِيَشۡتَرُواْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ فَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتۡ أَيۡدِيهِمۡ وَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا يَكۡسِبُونَ) [البقرة: 79] السؤال الأول:ما الفرق بين (يا ويلنا) وبين (يا ويلتي)؟ الجواب: الويل: هو الهلاك والعذاب، واسم لوادٍ في جهنم، ويجمع على ويلات, وقد تلحقه الهاء فيصبح: الويلة: وهي الفضيحة والخزي. وقد وردت (الويل) في عدة صيغ في القرآن الكريم وهي: آ ـ (وَيۡلٞ) في سبعة وعشرين موضعاً. ب ـ (وَيۡلَكَ) الأحقاف [17]. ج ـ (وَيۡلَكُمۡ) [طه:61]، القصص[ 80]. د ـ (يَٰوَيۡلَنَا) الأنبياء[14،46، 97]، يس [52]، الصافات[20]، القلم[31]. وكذلك وردت (الويلة ) في صيغتين: آ ـ (يَٰوَيۡلَتَىٰ) [هود:72]، الفرقان[ 28]. ب ـ (يَٰوَيۡلَتَنَا) [الكهف:49]. السؤال الثاني: ما فائدة ذكر كلمة (أَيۡدِيهِمۡ) في الآية؟ الجواب: ذكرُ كلمة (أَيۡدِيهِمۡ) مع أنّ الكتابة تتم باليد؛ لتأكيد وقوع الكتابة من قِبَلهم وتبيان أنهم عامدون في ذلك, كما تقول: (نظر بعينه) مع أنّ النظر لا يكون ولا يتم إلا بالعين, وتقول: (تكلّم بفمه ) فالغاية من هذا كله تأكيد العمل. والله أعلم.
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 31-08-2024 الساعة 10:34 AM. |
#4
|
||||
|
||||
![]() مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (71) مثنى محمد هبيان (بَلَىٰۚ مَن كَسَبَ سَيِّئَةٗ وَأَحَٰطَتۡ بِهِۦ خَطِيَٓٔتُهُۥ فَأُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ)[البقرة: 81] السؤال الأول:قوله تعالى: (بَلَىٰۚ مَن كَسَبَ سَيِّئَةٗ وَأَحَٰطَتۡ بِهِۦ خَطِيَٓٔتُهُۥ فَأُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ) [البقرة:81] كيف تحيط الخطايا والإثم بالإنسان؟ الجواب: الخطيئة اسم لما يقترفه الإنسان من آثام وجرائم، تأمل السِّوار الذي يحيط بالمعصم لا يبقي منفذاً من اليد خالياً دون إحاطة، وهذه صورة الخطايا والآثام عندما تكثر فهي تلتف حول الجسم والروح ولا تدع للإنسان مجالاً لحرية الهروب من الخطأ، كذلك الفاسق لو أبصر أيمن منه وأيسر منه ولو أبصر فوقه أو أسفل منه لما رأى إلا المنكر الذي ألِفَه واعتاده , لذلك فإنّ إحاطة الخطيئة بصاحبها معناها أنها لم تدع له منفذاً , وهذا لا يكون إلا الشرك, لأنّ من كان معه إيمان لا تحيط به خطيئته. السؤال الثاني: مادلالة هذه الآية وما يستفاد منها؟ الجواب: 1ـ بلى: حرف جواب في النفي، أي: ينفي الذي قبلها، أي: نفى قول اليهود: (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّآ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَةٗۚ قُلۡ أَتَّخَذۡتُمۡ عِندَ ٱللَّهِ عَهۡدٗا فَلَن يُخۡلِفَ ٱللَّهُ عَهۡدَهُۥٓۖ أَمۡ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ) [البقرة:80]. 2ـ هنا نلاحظ أنّ الحق سبحانه قال: (بَلَىٰۚ مَن كَسَبَ سَيِّئَةٗ) [البقرة:81] وكان السياق أنْ يقال: اكتسب , ولكنْ لأنهم ظنوا أنهم كسبوا. ونلاحظ أنّ القرآن استعمل كسب مع السيئة؛ لأنه يتحدث عن الذين أسرفوا على أنفسهم وبالغوا في المعصية حتى أحبوها وعشقوها، بل ويتحدثون بها ويجاهرون, فكأنّ المعصية تأتي منهم طبيعية يفعلونها بدون افتعال ولا احتياط، فهي في حقهم كسب لا اكتساب , ويفرحون بها كأنها مكسب، فلا يؤنبون أنفسهم ولا يلومونها ولا يندمون على معصيتهم. 3ـ وقوله تعالى: (وَأَحَٰطَتۡ بِهِۦ خَطِيَٓٔتُهُ) [البقرة:81] أي: إحاطة لا يوجد فيها منفذ للإفلات من الخطيئة؛ ولذلك هؤلاء ليسوا عصاة فقط، بل كانوا كافرين مشركين، فكان الجزاء(فَأُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ) [البقرة:81] بالجملة الاسمية الدالة على الثبات. هناك من يندم على المعصية وهذا له توبة، وهناك من يفرح بالمعصية وهذا يزداد معصية. 4ـ هذه الآية تبين حكم الله الثابت العام لكل أحد , ويدخل به بنو إسرائيل وغيرهم , وهو ردٌ من الله تعالى على بعض أمنيات اليهود بأنّ النار لن تصيبهم في الآخرة إلا أياماً معدودة , فبين الله أنه من أحاطت به خطاياه من كل جانب فعمّ الشرك والكفر فما دونه, لأنّ من معه إيمان لا تحيط به خطيئته , فهو مخلد في النار, ملازم لها ملازمة دائمة. السؤال الثالث: ما دلالة الحرف (بلى) وكم مرة ورد في القرآن الكريم؟ الجواب: (بلى) حرف جواب لاستفهام فيه حرف نفي، كقولك: ألم تفعل كذا؟ فيقول: بلى، وكما في قوله تعالى: (أَلَسۡتُ بِرَبِّكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدۡنَآۚ) [الأعراف:172]. وفي «مختار الصحاح»: (بلى) جواب للتحقيق توجب ما يقال لك؛ لأنها ترك للنفي وهي ضد ( لا). وقيل: الألف في ( بلى ) أصلية , وقيل: الأصل (بل) والألف زائدة , وقيل: هي للتأنيث بدليل إمالتها. وقد وردت (بلى) في القرآن الكريم في (22) موضعاً، وفي ( 16) سورة, وتنقسم إلى ثلاثة أقسام: 1ـ وهو اختيار القراء وأهل اللغة: الوقف عليها؛ لأنها جواب لما قبلها غير متعلق بما بعدها؛ وذلك في عشر مواضع: البقرة موضعان( 81-112) آل عمران موضعان ( 76ـ 125) الأعراف (172) النحل (28) يس ( 81) غافر ( 50) الأحقاف ( 33) الانشقاق( 15)، وقد أجاز بعضهم الابتداء بها وليس بمختار، والله أعلم. 2ـ ما لا يجوز الوقف عليه لتعلق ما بعدها بما قبلها، وذلك في سبع مواضع: الأنعام ( 30) في قوله تعالى (قَالَ أَلَيۡسَ هَٰذَا بِٱلۡحَقِّۚ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَاۚ) [الأنعام:30] وفي النحل (38) سبأ ( 3) ,الزمر (59) الأحقاف (34) التغابن (7) القيامة ( 4). 3 ـ وفيه الخلاف بين جواز الوقف ومنعه , والأحسن عدم الوقف لاتصالها بما قبلها؛ وذلك في خمس مواضع: البقرة ( 260) في قوله تعالى (قَالَ أَوَ لَمۡ تُؤۡمِنۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطۡمَئِنَّ قَلۡبِيۖ) [البقرة:260], الزمر (71) الزخرف ( 80) الحديد ( 14) الملك ( 9). السؤال الرابع: ما الفرق بين أدوات الجواب التالية: نعم ـ بلى ـ أجل ـ أي ـ جلل؟ الجواب: أحرف الجواب هي: نعم: حرف تصديق ووعد وإعلام. ـ التصديق: بعد الخبر، نحو: قد زارك محمد، فتقول: نعم. ـ الوعد: بعد الأمر والنهي، نحو: لا تخبره بما حدث، فتقول: نعم. ـ الإعلام: بعد الاستفهام، نحو: أحضر خالد؟ فتقول: نعم. بلى: مختصة بإبطال النفي، وهي لا تقع إلا بعد النفي. شواهد قرآنية: ـ (أَلَسۡتُ بِرَبِّكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ) [الأعراف:172]. ـ (ٓ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ نَذِيرٞ* قَالُواْ بَلَىٰ) [المُلك:8 – 9]. أجل: حرف جواب يقع بعد الخبر كثيراً فيكون تصديقاً له، نحو: أزارك خالد؟ فتجيب: أجل. إي: بكسر الهمزة وسكون الياء وهي مثل (نعم) غير أنها لا تقع إلا قبل القسم فتكون تصديقاً للمخبر ووعداً للطالب وإعلاماً للمستفهم، قال تعالى: (وَيَسۡتَنۢبُِٔونَكَ أَحَقٌّ هُوَۖ قُلۡ إِي وَرَبِّيٓ إِنَّهُۥ لَحَقّٞۖ) [يونس:53]. وللعلم فإن (إي) لا تكون إلا قبل القسم، وأمّا (نعم) فتكون مع القسم وغيره. جلل: حرف بمعنى( نعم)، واسم بمعنى (عظيم). والله أعلم.
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 16-09-2024 الساعة 11:29 AM. |
#5
|
||||
|
||||
![]() مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (72) مثنى محمد هبيان (وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ لَا تَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَانٗا وَذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسۡنٗا وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ ثُمَّ تَوَلَّيۡتُمۡ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنكُمۡ وَأَنتُم مُّعۡرِضُونَ)[البقرة: 83] السؤال الأول:ما الفرق بين (وَذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ) [البقرة:83] و(وَبِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ) [النساء:36]؟ الجواب: 1ـ لدينا آيتان، الأولى تتحدث عن اليهود، وهي قوله تعالى: (وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ لَا تَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَانٗا وَذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ) [البقرة:83]؟ وفيها (ذي القربى) بدون باء. و الآية الثانية تتحدث عن المسلمين، وهي قوله تعالى: (وَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡ*ٔٗاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنٗا وَبِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ) [النساء:36] وفيها (بذي الْقُرْبَى) مع الباء. هل هذه الباء زائدة وليس لها معنى؟ في الحقيقة لا؛ فرب العالمين بهذه الباء يرسم ما هومستقبل القربى عند اليهود وما هو مستقبل القربى عند المسلمين، أي: الترابط الأسري، والتناسب الخَلقي ومدى مسؤولية كل واحد في الأسرة. ورب العالمين يعلم مقدماً أنه ما من أمة على وجه الأرض سوف تصل إلى ما وصل إليه المسلمون من العناية بالرحم و بالقربى، والكل يشهد بذلك، ونحن لا يوجد لدينا من يترك أمه وأباه في الملجأ، ولا يوجد من لا يعرف عمه أو خاله، أو من لا يعرف أباه أو جده، هذا مستحيل، في حين نجد عكس ذلك في بقية الأمم خاصة في أيامنا هذه. فرب العالمين عز وجل عندما ترك الباء بهذه الآية [البقرة 83] وأثبتها في آية [النساء 36] أشار بذلك إلى أنّ هذه الأمة وحدها هي التي سوف تُعنى بالأرحام والأقارب والوالدين والتماسك الأسري مع الأعمام والأخوال والأجداد والجدات. هذا هو أثر الباء، ووجودها في آية المسلمين وحذفها من آية أخرى لغير المسلمين. 2ـ في آية البقرة ذُكرت الباء مع (وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَانٗا) [البقرة:83] وحُذفت مع كلمة (وَذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ) [البقرة:83] وأمّا في آية النساء فقد ذكرت الباء مع الوالدين وذي القربى. 3ـ السياق في سورة النساء هو الكلام عن القرابات من أول السورة إلى آخرها، وليس في هذه الآية فقط؛ لذلك كان ذكر الباء مع ذي القربى في هذه الآية لمراعاة التفصيل والتوكيد. وأمّا آية سورة البقرة فليس السياق في القرابات، وإنما عما مضى من أخذ ميثاق بني إسرائيل فحُذفت الباء في (وَذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ) مراعاة للاختصار. والله أعلم. السؤال الثاني: المطلوب إعطاء مختصر عن أهم النقاط في تفسير آية البقرة 83؟ الجواب: 1ـ قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي (يعبدون) بالياء على أنهم غيب أخبر عنهم, والباقون بالتاء على أنهم مخاطبون، والاختيار التاء. 2ـ في قوله تعالى: (تَعۡبُدُونَ) من الإعراب على خمسة وجوه: آـ على الرفع بتقدير: بأنْ لا يعبدوا , إلا أنه لما أُسقطت (أن) رُفِعَ الفعل، كما قال طَرَفَة: ألا أيُّهذا اللائمي أحضـرَ الوغـــى=وأن أشهدَ اللَّذاتِ هل أنت مُخلِدِي فأراد (أنْ أحضر) ولذلك عطف عليه (أنْ أشهد)، وأجاز هذا الوجه الأخفش والفراء والزجّاج.ب ـ موضعه رفع على أنه جواب القسم، كأنه قيل: وإذ أقسمنا عليهم لا تعبدون, وهذا الوجه أجازه المبرد والكسائي والفراء وأحد قولي الأخفش. ج ـ في موضع نصب حال على تقدير: أخذنا ميثاقكم غير عابدين إلا الله. د ـ قول الفراء أنّ موضع (لا تعبدون) على النهي، إلا أنه جاء على لفظ الخبر، كقوله تعالى (لَا تُضَآرَّ وَٰلِدَةُۢ بِوَلَدِهَا) [البقرة:233]. هـ ـ التقدير: أنْ لا تعبدوا، وتكون (أنْ) مع الفعل بدلاً عن الميثاق. 3ـ هذا الميثاق يدل على تمام ما لا بدّ منه في الدين , وهذا الميثاق هو من أصول الدين وشرائعه التي أمر الله بها عباده في كل رسالة, فلم يدخلها النسخ , وهذا الميثاق مكون من عشرة بنود وهي: الإيمان بالله وحده ـ بر الوالدين ـ الإحسان إلى الأقارب والأرحام ـ الإحسان إلى اليتامى ـ الإحسان إلى المساكين ـ مخاطبة الناس بالكلام الطيب ـ المحافظة على الصلاة ـ إخراج الزكاة ـ ألا يسفك بعضهم دماء بعض ـ ألا يخرج بعضهم بعضاً من داره.( البقرة 83 ـ 84 ). 4ـ قوله تعالى: (وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَانٗا) [البقرة:83] انتصب بتقدير: أحسنوا بالوالدين إحساناً، أو: وصيناهم بالوالدين، أو بتقدير: أنْ تعبدوا وتحسنوا. 5ـ أردف الحق عبادته بالإحسان إلى الوالدين، وذلك: آـ نعمة الله على العبد أعظم النعم، ثم نعمة الوالدين. ب ـ الله سبحانه هو الموجد والمؤثر الحقيقي للعبد، والوالدان هما المؤثر بحسب العرف الظاهر. ج ـ لبيان عظم حقهما على الولد. 6ـ قوله تعالى: (وَٱلۡيَتَٰمَىٰ) [البقرة:83] اليتيم الذي مات أبوه حتى يبلغ الحلم، وجمعه أيتام ويتامى، ولا يقال لمن ماتت أمه: إنه يتيم , أمّا في غير الإنسان فيُتمه من قِبَلِ أمِّه. 7ـ قوله تعالى: (وَٱلۡمَسَٰكِينِ) [البقرة:83] جمع مسكين، أُخذ من السكون كأنّ الفقر قد سكنه، وهو أشد فقراً من الفقير عند أكثر أهل اللغة, وقيل غير ذلك. وتأخرت درجتهم عن اليتامى؛ لأنّ المسكين قد ينتفع به في الاستخدام والميل إلى مخالطته أكثر من الميل إلى مخالطة اليتامى؛ ولأنّ المسكين يمكنه الاشتغال بتعهد نفسه ومصالح معيشته أكثر من اليتيم. 8ـ قوله تعالى: (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسۡنٗا) [البقرة:83] أي: قولاً حسناً، لكنه جاء بصيغة الصفة المشبهة كقولك: رجل عدل, ليكون التقدير: ليكن قولكم للناس هو الحُسن بذاته. وهذا القول خطاب بعد الإخبار على طريقة الالتفات، كقوله تعالى (حَتَّىٰٓ إِذَا كُنتُمۡ فِي ٱلۡفُلۡكِ وَجَرَيۡنَ بِهِم بِرِيحٖ طَيِّبَةٖ) [يونس:22]. والكلام مع الناس سواء كان في الأمور الدينية أو الدنيوية الأفضل أنْ يكون بالتلطف. 9ـ قوله تعالى: (ثُمَّ تَوَلَّيۡتُمۡ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنكُمۡ وَأَنتُم مُّعۡرِضُونَ) [البقرة:83] وفيه وجوه: آـ أنّ المقصود من تقدم من بني إسرائيل. ب ـ أنه خطاب لمن كان في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ج ـ المراد بقوله: (ثُمَّ تَوَلَّيۡتُمۡ) [البقرة:83] من تقدم، وقوله: (وَأَنتُم مُّعۡرِضُونَ) [البقرة:83] من تأخر. والله أعلم. السؤال الثالث: استعمل القرآن في سياق الدعاء والبر للوالدين لفظة (ٱلۡوَٰلِدَيۡنِ) [النساء:135] دون لفظة (الأبوين) فما دلالة ذلك؟ الجواب: الوالدان مثنى الوالد والوالدة, وهو تغليب للمذكر كعادة العرب في التغليب؛ إذ يغلّبون المذكر كالشمس والقمر يقولون عنهما (القمران)، والأبوان هما الأب والأم، ولكنه غلّب المذكر ولو غلب الوالدة لقال: الوالدتان، وسواء قال: بأبويه أو بوالديه فهو تغليب للمذكر. لكنك لا تجد في القرآن الكريم البر أو الدعاء أو التوصية إلا بذكر الوالدين لا الأبوين كما في الآيات المذكورة أعلاه. ولم يرد استعمال (الأبوين) إلا مرة واحدة في المواريث؛ لأنّ نصيب الأب أكبر من نصيب الأم أو التساوي في الأنصبة, لكنْ في البر والتوصية والدعاء لم يأت إلا بلفظ الوالدين إلماحاً إلى أنّ نصيب الأم ينبغي أنْ يكون أكثر من نصيب الأب. كما أنّ لفظ (الأبوين) قد يأتي للجدين، كما قال تعالى: (كَمَآ أَتَمَّهَا عَلَىٰٓ أَبَوَيۡكَ مِن قَبۡلُ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَۚ) [يوسف:6] ويأتي لآدم وحواء: (كَمَآ أَخۡرَجَ أَبَوَيۡكُم مِّنَ ٱلۡجَنَّةِ) [الأعراف:27] فاختيار (الوالدين) له دلالات مهمة، وينطبق هذا على وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للصحابي الذي سأله: من أحق الناس بحسن صحابتي يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم : «أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك» فأعطى كلا منهما على قدر ما قدم. قد تقول: إنّ هذا الأمر تخلّف في قصة سيدنا يوسف عليه السلام عندما قال: (وَرَفَعَ أَبَوَيۡهِ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ وَخَرُّواْ لَهُۥ سُجَّدٗاۖ) [يوسف:100] فاختار الأبوين , والجواب أنّ الأمر لم يختلف، وبيان ذلك: آ ـ في قصة يوسف لم يرد ذكر للأم مطلقاً، بل ورد ذكر الأب الحزين الذي فقد ابنه وذهب بصره. ب ـ في هذا الاختيار أيضاً تكريم للأم؛ لأنّ العادة أنْ يكرم الابن أبويه وليس أنْ يكرم الأبوان الابن، وسجود التكريم حصل من الأبوين للابن، ولذلك جاء بلفظ الأبوين لا الوالدين إكراماً للأم، فلم يقل: (ورفع والديه). ج ـ وفيها إلماحٌ أنّ العرش ينبغي أنْ يكون للرجال. وهذا يناسب ما ذكر عن الأب فهو الأنسب من كل ناحية. وهنا يرد سؤال: لماذا لم يرد ذكر الأم في قصة يوسف مع أنّ الأم هي التي تتأثر وتتألم وتحزن أكثر؟ والجواب: أنّ الأم إمّا أنْ تكون قد توفيت من قبل على بعض الروايات، أو أنّ أم يوسف هي أم ليوسف وأخيه بنيامين فقط وليست أم بقية الإخوة, لذلك يكون كلامها حساساً مع إخوته, أمّا يعقوب عليه السلام فهو أبوهم جميعاً، فإذا عاتبهم أو كلمهم فهو أبوهم , أمّا الأم فليست أمهم فإذا تكلمت ففي الأمر حساسية وهذا من حسن تقديرها للأمور، فكتمت ما في نفسها وأخفت لوعتها وتركت الأب يتصرف، وهذا من حسن التقدير والأدب. السؤال الرابع: وردت كلمة (إِحۡسَانٗا) [البقرة:83] وكلمة (حُسۡنٗاۖ) [العنكبوت: 8] في سياق الدعاء للوالدين، فما الفرق بينهما؟ الجواب: الله سبحانه وتعالى في جميع القرآن الكريم إذا أمر بالبر والدعاء يستعمل الوالدين وليس الأبوين، ولم يستعمل الأبوين إلا في موضوع المواريث أو في أمور أخرى, ولم يذكر في القرآن موقف بر أو دعاء إلا بلفظ الوالدين, وهو مثنى الوالد مع تغليب المذكر, ومشتقة من الولادة والولادة تقوم بها الأم، وهذه إشارة إلى أنّ البر بالأم أولى قبل الأب، كما جاء في الحديث الشريف: «أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك». وقد وردت كلمة الوالدين بالدعاء لهما في سبع آيات يمكن الاطلاع عليها من خلال الجدول التــالي: ![]() أولاً: هذه الدراسة أو المقارنة هي لآيات الوالدين في [العنكبوت والأحقاف ولقمان] فقط ونلاحظ ما يلي: 1ـ المراتب: الإحسان أعلى من الحُسن , فأنْ تعامل إنساناً بحُسنٍ أمرٌ عادي لكن أنْ تحسن إليه هذه مرتبة أعلى من الحُسن؛ لأنّ الإحسان يتعدى خيره للآخرين، تقول: أحسنت إليه. 2ـ حُسناً: مصدر حَسُنَ، وهو فعل لازم، تقول: حَسُنَ الشيء في نفسه, وإحساناً مصدر أحْسَنَ، فعلٌ متعدٍّ، تقول: أحسنت إليه, فالكلمتان حُسناً وإحساناً مصدران مختلفان لفعلين مختلفين, لكنّ (إحساناً) أعلى من(حسناً)، والإحسان أمكن من الحُسن في فعل الخير ونفع الآخرين. 3ـ نلاحظ ما يلي: آ ـ ذكر في آية الأحقاف أمرين: الحمل والوضع، وكلاهما كُره ومشقة, واستعمل: إحساناً. ب ـ في آية العنكبوت: لم يذكر الحمل أصلاً ولا الوضع، واستعمل: حسناً. ج ـ في آية لقمان: ذكر الحمل فقط ولم يذكر الوضع، ولم يستعمل حسناً أو إحساناً. النتيجة: الوضع الأصعب في آية الأحقاف فناسب (إحساناً)؛ لأنها أعلى من (حسناً). 4ـ في الأحقاف الوالدان مؤمنان، وفي العنكبوت ولقمان الوالدان كافران, وبالتالي الوالدان المؤمنان يستحقان الإحسان أكثر من الوالدين الكافرين؛ فناسب في الأحقاف (إحساناً). ثانياً ـ مقارنة بين آيتي لقمان وآية العنكبوت(حالة الوالدين في الآيتين مشركان): 1ـ في آية لقمان لم يذكر (حسناً) أو (إحساناً)، وإنما بيّن الحيثيات والمصاحبة, وذكر فيها: آ ـ الوالدان مشركان أشد كفراً بسبب الفقرة التالية، وهي: ب ـ المجاهدة من كليهما بصيغة الاستعلاء (عَلَىٰٓ أَن تُشۡرِكَ) [لقمان:15] وكأنها شرط، وفيها معنى شدة الحمل على الشيء وشدة الحمل على المجاهدة وهي أقوى من (لتشرك) التي تفيد بيان الغرض والتعليل. ج ـ سياق السورة في آداب المصاحبة من الابن للأب وبالعكس؛ ومع الوالدين ومع المجتمع ؛ وتشمل هذه الآداب: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وعدم التكبر عليهم، وعدم الاختيال. 2ـ في آية العنكبوت: ذكر (حُسناً) وذكر فيها: آ ـ الوالدان مشركان. ب ـ المجاهدة من كليهما بصيغة (لِتُشۡرِكَ) [العنكبوت:8] اللام للتعليل, فهي أقل من (عَلَىٰٓ أَن تُشۡرِكَ). ج ـ لم يذكر المصاحبة. فناسب في لقمان طلب حسن المصاحبة في الدنيا انسجاماً مع طابع السورة, وناسب في العنكبوت (بِوَٰلِدَيۡهِ حُسۡنٗاۖ) [العنكبوت:8]. والنتيجة من استعراض آيات العنكبوت والأحقاف ولقمان من ناحية السياق أو من ناحية واقع الوالدين أنّ المناسب هو: الحُسن في العنكبوت والإحسان في الأحقاف والمصاحبة بالمعروف في لقمان, والله أعلم. هذا الموضوع هوملخص رأي الدكتور فاضل صالح السامرائي حفظه الله ورعاه. وأما رأي الشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى فهو التالي حول تفسير آية لقمان [14، 15]: آ ـ قال: (وَوَصَّيۡنَا) [لقمان:14] ولم يقل: (وأوصينا)؛ لأنّ القرآن يستعمل التشديد إذا كان أمر الوصية شديداً ومهماً؛ لذلك يستعمل (وصّى) في أمور الدين، وفي الأمور المعنوية، والفعل المشدد يفيد التكرار؛ أي: يفيد استمرار الإحسان والبر بالوالدين. ب ـ بالرغم أنّ الوصية بالوالدين، إلا أنّ حيثيات الوصية خاصة بالأم (حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ وَهۡنًا عَلَىٰ وَهۡنٖ) [لقمان:14] فلم يذكر شيئا عن دور الأب، والسبب ـ والله أعلم ـ أنّ الله أراد أنْ يذكرنا بدور الأم خاصة؛ لأنها تصنع لك وأنت صغيرٌ لا تدرك ما تصنعه؛ فهو مستور عنك لا تعرفه, أمّا أفعال الأب وصنعه لك فجاء حال كِبَرِك وإدراكك للأمور من حولك ,فالابن يعرف ما قدّم أبوه من أجله، فدور الأب ظاهر على خلاف دور الأم؛ لذلك ذكره الله تعالى هنا (حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ وَهۡنًا عَلَىٰ وَهۡنٖ) [لقمان:14] ويأتي من يقول: أليس الابن نتيجة التقاء الأب والأم فهما فيه سواء؟ فنقول: بلى، ولكنّ مشقة الأم فيه أوضح أثناء الحمل وعند الولادة, ولولا أنْ الله ربط النسل بالشهوة لزهد الناس فيه لما تتحمله الأم من مشاق، ولما يتحمله الأب من تبعات الأولاد. ونعرف قصة المرأة التي ذهبت تقاضي زوجها؛ لأنه يريد أنْ يأخذ ولدها منها، فقالت للقاضي وقد قال لها: أليس الولد ولدكما معاً؟ قالت: بلى، ولكن حَمَلَه خِفّاً ووضعه شهوة، وحملتُه وهناً ووضعته كرهاً فحكم لها. ومعنى: (وَهۡنًا عَلَىٰ وَهۡنٖ) [لقمان:14] أي: ضعفاً على ضعف، فاجتمع للمرأة ضعفها الذاتي مع ضعفٍ بسبب الجنين الذي يتغذى منها ويكبر في أحشائها يوماً بعد يوم، ومن حكمة الله في خلق الرحم أنْ جعله قابلاً للتمدد والاتساع ليحتوي الجنين في مراحل نموه إلى أن يزيد الجنين زيادة لا يتحملها اتساع الرحم فينفجر إيذاناً بولادة إنسان جديد له مقومات حياة مستقلة غير متصل بأمه بعد أنْ كان تابعاً لأمه في غذائه وفي تنفسه، ومن العجيب أنّ الرحم يتسع بقدرة الله لعدة توائم كما نرى ونسمع. ج ـ ثم قال تعالى: (أَنِ ٱشۡكُرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيۡكَ إِلَيَّ ٱلۡمَصِيرُ) [لقمان:14] فالله هو المستحق للشكر أولاً؛ لأنه سبحانه هو الذي أنشأ من عدم وأمدَّ من عدم، ثم للوالدين لأنهما السبب الظاهري في الإيجاد وإنشاء الولد, وأنت لا تحسن شكر الله الخالق الأول والمسبب الأعلى حتى تحسن شكر الوالدين وهما السبب الثاني في وجودك. د ـ ذكرت الآية الحمل والفصال، أي: الفطام، وبين الحمل والفطام كانت الولادة من الأم الوالدة؛ لذلك كانت الآيات التي تتحدث عن البر أو الدعاء أو التوصية للوالدين بصيغة الوالدين للتذكير بالأم التي كانت قد ولدتك، ومن هنا كان الاختيار لكلمة الوالدين دون الأبوين. هـ ـ في هذه الآية جاءت الوصية للوالدين دون ذكرٍ لهاتين الكلمتين (حُسۡنٗاۖ) و(إِحۡسَانٗا)بل ذكر فيها حيثيات هذه الوصية وأسبابها وعللها. وـ في خمس آيات وردت كلمة (إِحۡسَانٗا) وهي المذكورة في الآيات أعلاه في سور [ البقرة و النساء والأنعام والإسراء والأحقاف ] بينما وردت كلمة (حُسۡنٗاۖ) في آية واحدة في سورة العنكبوت. لكن ما الفرق بين (إِحۡسَانٗا) و(حُسۡنٗاۖ)؟ الفرق: أنّ الإحسان مصدر أحسن، أي: الوصية بالإحسان إليهما. تقول: أحسن فلان لفلان إحساناً, أما حُسنا فمن الحُسن وهو المصدر الأصيل لهذه المادة (حَسُن) أي: أوصيك أنْ تعمل لهم الحُسن ذاته، كما تقول: فلان عادل , فوصفته بالعدل فإنْ أردت أنْ تبالغ في هذا الوصف تقول: فلان عدل، أي: في ذاته لا مجرد وصف له، أي: كأنّ العدل تمثَّل به، وكذلك رجل صومٌ لا صائم، وهذا يسمى الوصف بالمصدر، لذلك نسمي: الكاتب بالعدل، ولا نسميه: الكاتب العادل. إذن: (حسناً)آكد في الوصف من (إحساناً), فلماذا جاءت في هذه الآية فقط: (وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ حُسۡنٗاۖ) [العنكبوت:8] قالوا: لأنّ هذه الآية تتعرض لمسألة صعبة تمس قمة العقيدة فسوف يطلب الوالدان من الابن أنْ يشرك بالله ؛ لذا احتاج الأمر أنْ يوصى الابن بالحُسن في ذاته وفي أسمى توكيداته (حُسۡنٗاۖ) حتى لا يظن الابن أنّ دعوة الوالدين إياه إلى الشرك مبرر لإهانتهما أو التخلي عنهما، لذلك يعلمنا ربنا أنْ يكون الموقف كما في الآية 15 من سورة لقمان (فَلَا تُطِعۡهُمَاۖ وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفٗاۖ) [لقمان:15].والله أعلم.
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 02-10-2024 الساعة 03:55 PM. |
#6
|
||||
|
||||
![]() مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (144) مثنى محمد هبيان الجزء الثاني من اللمسات البيانية في آية البقرة 177 ﴿۞لَّيۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ وَٱلۡكِتَٰبِ وَٱلنَّبِيِّۧنَ وَءَاتَى ٱلۡمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلۡمُوفُونَ بِعَهۡدِهِمۡ إِذَا عَٰهَدُواْۖ وَٱلصَّٰبِرِينَ فِي ٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلۡبَأۡسِۗ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ١٧٧﴾ [البقرة: 177] السؤال الثامن:لِمَ قدَّمَ الملائكةَ والكتبَ في الذكر على الرسل؟ الجواب: بالطبع لا علم لنا بوجود الملائكة وصدق الكتب إلاّ من خلال صدق الرسل، فكانت الرسل كالأصل في معرفة الملائكة والكتب، كما أنّ هذا الترتيب هو ترتيب الوجود الخارجي لا ترتيب الاعتبار الذهني، فقد وجدت الملائكة، أولاً ثم حصل بواسطتهم تبليغ الكتب إلى الرسل عليهم السلام. السؤال التاسع: لم قدّم الإيمان على أفعال الجوارح مثل إيتاء المال والصلاة والزكاة؟ الجواب: للتنبيه على أنّ أعمال القلوب أشرف عند الله من أعمال الجوارح. السؤال العاشر: ماذا تفيد (الواوات) من معنى في الآية؟ الجواب: هذه الواوات في الآية للجمع، لذلك من شرائط تمام البر أنْ تجتمع هذه الأوصاف معاً. ولذلك قال بعضهم هذه الصفة خاصة للأنبياء عليهم السلام؛ لأنّ غيرهم لا تجتمع فيه هذه الصفات كلها. وقال آخرون: هذه عامة في جميع المؤمنين. السؤال الحادي عشر: ما دلالة انتقال الحديث من الإفراد إلى الجمع في الآية؟ الجواب: نلحظ انتقال الحديث إلى الجمع، فالكلام المتقدم فردي، وقد تقدمت (مَن) وهي تحتمل الجمع والإفراد، فبدأ بالإفراد (الإيمان ـ الإنفاق الفردي من رعاية ذوي القربى واليتامى والإنفاق على المساكين، والصلاة والزكاة). ثم انتقل إلى العمل الجماعي لأنّ (مَن) تجمع الاثنين: الإفراد والجمع، وفي العمل الجماعي ذكر: 1ـ الوفاء بالعهد، ويجوز أنْ نقول: (نحترم من يفي بعهده ـ ومن يوفون بعهدهم)؛ لأنها تصدق على الواحد والكثرة. وقد جعل الوفاء بالعهد عاماً ليشمل وفاء المجتمع بالعهد، والفرد جزء من المجتمع، فأي فرد من المسلمين يمكن أنْ يعاهد عن بقية المسلمين، وهم جميعا ملزمون بالوفاء بعهده (يسعى بذمتهم أدناهم). والوفاء بالعهد ليس سهلاً على المرء في مواطن كثيرة، إذ يصعب على النفس، وقد تشعر أن فيه هضماً لحقها، ونتذكر جميعا كيف كان المسلمون يأتون من مكة إلى الرسول ﷺ فيردهم وفاء لعهده مع المشركين في صلح الحديبية. 2ـ قوله تعالى: ﴿ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْۖ﴾ جاء باسم الإشارة ﴿ أُوْلَٰٓئِكَ ﴾ للبعيد ليقول: إنّ على المسلم أنْ يسعى ليكون مثلهم ويصل إليهم وإلى هذه الصفات. ﴿ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ ﴾ والسؤال هنا لم جاء بالضمير ﴿ هُمُ ﴾ ؟ والجواب أنّ ﴿ هُمُ ﴾ [البقرة:177] ضمير فصل يؤتى به ليميز بين الخبر والصفة، وفيه أيضاً معنى التوكيد، ونفي الوصفية التي قد تفهم إنْ حُذف الضمير، فأثبت لهم الخبرية توكيداً وتخصيصاً. 3ـ جاء بعد كل الصفات المتقدمة بوصف المتقين، لأنّ ما ذكره الله عزوجل في هذه الآية من العقائد والأعمال الحسنة،هي برهان الإيمان ونوره، والمتصفون بها هم ﴿ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ ﴾. والله أعلم. السؤال الثاني عشر: ما دلالة هذه الآية بشكل عام؟ الجواب: 1 ـ هذه الآية لخّصت الدينَ كله، فالحق سبحانه قال في بدايتها: ﴿ لَّيۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ ﴾: ثم جاء التفصيل على النحو التالي: أولاً: من آمن: 1ـ بالله. 2ـ واليوم الآخر. 3ـ والملائكة. 4ـ والكتاب. 5 ـ والنبين. ثانياً: وآتى المال على حبه: 1ـ ذوي القربى. 2ـ واليتامى. 3ـ والمساكين. 4ـ وابن السبيل. 5ـ والسائلين. 6ـ وفي الرقاب. ثالثاً: وكذلك: 1ـ وأقام الصلاة. 2 ـ وآتى الزكاة. 3ـ والموفون بعهدهم إذا عاهدوا. 4 ـ والصابرين: آ ـ في البأساء. ب ـ والضرّاء. ج ـ وحين البأس. ثم تختم الآية بقوله تعالى: ﴿ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ ﴾. 2ـ كانت اليهود تتوجه للمغرب كقِبلة لهم، والنصارى تتوجه للمشرق كقبلة لهم،ويعتبرون ذلك هو البِر، فأنزل الله هذه الآية، فبيّن أنّ البرّ ليس هو أمر القبلة حتى يحدث فيه الخلاف والشقاق، لأنّ التوجه للقبلة هو من الوسائل وليس من المقاصد، وإنما البرّ المطلوب هو الخصال العشر التي تضمنتها الآية، خمس منها في أصول الإيمان والعقيدة وهي: ـ الإيمان بالله تعالى. ـ الإيمان باليوم الآخر. ـ الإيمان بالملائكة. ـ الإيمان بجميع كتب الله المنزّلة. ـ الإيمان بجميع أنبياء الله ورسله. وهذا في قوله تعالى: ﴿ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ وَٱلۡكِتَٰبِ وَٱلنَّبِيِّۧنَ ﴾. وأمّا الإيمان بالقضاء والقدر فقد جاء في آية القمر: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَٰهُ بِقَدَرٖ٤٩﴾ [القمر:49]. وأمّا الخمس الأخرى فتتعلق بالأعمال الصالحة في التعامل مع الناس وهي: ـ بذل المال قليلاً أو كثيراً لـ: ﴿ ذَوِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ ﴾. ـ أقام الصلاة. ـ آتى الزكاة. ـ الوفاء بالعهد والمواثيق. ـ الصبر في البأساء والضراء وحين البأس. 3 ـ النتيجة: ﴿ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ١٧٧ ﴾. والله أعلم.
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]() مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (74) مثنى محمد هبيان (ثُمَّ أَنتُمۡ هَٰٓؤُلَآءِ تَقۡتُلُونَ أَنفُسَكُمۡ وَتُخۡرِجُونَ فَرِيقٗا مِّنكُم مِّن دِيَٰرِهِمۡ تَظَٰهَرُونَ عَلَيۡهِم بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَإِن يَأۡتُوكُمۡ أُسَٰرَىٰ تُفَٰدُوهُمۡ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيۡكُمۡ إِخۡرَاجُهُمۡۚ أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَٰبِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضٖۚ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفۡعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمۡ إِلَّا خِزۡيٞ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰٓ أَشَدِّ ٱلۡعَذَابِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ٨٥) [البقرة: 85] السؤال الأول:في هذه الآية جاءت هاء التنبيه مؤخرة على الضمير (ثُمَّ أَنتُمۡ هَٰٓؤُلَآءِ) [البقرة:85] بينما جاءت هاء التنبيه مقدمة في آية آل عمران 119 في قوله تعالى (هَٰٓأَنتُمۡ أُوْلَآءِ) [آل عمران:119] فما السبب؟ الجواب: 1ـ يُقدم التنبيه أو يُؤخر أو يُكرر بحسب الحاجة إليه, وقد يُحذف إذا لم يكن له داعٍ. 2ـ في آية آل عمران قدّم التنبيه؛ لأنه تحذيرٌ لعباده المؤمنين مما هم فيه، وأنه ينبغي لهم أنْ يحذروا وينتبهوا. بينما في آية البقرة أخَّر التنبيه؛ لأنه أراد أنْ يُحضِّر أنفسهم أمام أعينهم هم ليشهدوا أعمالهم وصفاتهم, أي: أنتم هؤلاء المشاهدون الحاضرون بصورتكم الواضحة التي لا تخفى , فهو لم يرد تحذيرهم من أمر كما في آية آل عمران. فالتنبيه في آل عمران لتنبيه المؤمنين ولفت انتباههم إلى أمر قد يكونون غافلين عنه, وأمّا آية البقرة فلإحضار صورتهم أمام أعينهم ليشاهدوها. السؤال الثاني: قوله تعالى في آية البقرة: (ثُمَّ أَنتُمۡ هَٰٓؤُلَآءِ) [البقرة:85] فيه إشكال لغوي؛ لأنّ قوله (أَنتُمۡ) للحاضرين وقوله: (هَٰٓؤُلَآءِ) للغائبين فكيف يكون الحاضر نفس الغائب؟ الجواب: التقدير هو: ـ ثم أنتم يا هؤلاء. ـ ثم أنتم، أعني: هؤلاء الحاضرين. ـ هؤلاء تأكيد لأنتم، والخبر (تقتلون). السؤال الثالث: ما دلالة هذه الآية؟ الجواب: 1ـ ذكرت الآية أربع حالات لليهود فيها إيمان ببعض الكتاب دون بعض: آـ قتل اليهودي لليهودي الآخر المتحالف مع قبيلة أخرى: (ثُمَّ أَنتُمۡ هَٰٓؤُلَآءِ تَقۡتُلُونَ أَنفُسَكُمۡ) ب ـ إخراج بعضهم بعضاً من داره: (وَتُخۡرِجُونَ فَرِيقٗا مِّنكُم مِّن دِيَٰرِهِمۡ). ج ـ يتعاون بعضهم مع الأعداء على إخوانه ويتقوى بهم على إخوانه ظلماً وعدواناً: (تَظَٰهَرُونَ عَلَيۡهِم بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ) .ومعنى: (تَظَٰهَرُونَ) أي تتعاونون , وحذفت إحدى التاءين , وأصل المظاهرة مشتقة من الظهر لأن يقوي بعضهم بعضاً. وهم في هذه البنود الثلاثة مخالفون للعهد والميثاق الذي أُخذ عليهم. د ـ التعاون على فك الأسرى من اليهود: (وَإِن يَأۡتُوكُمۡ أُسَٰرَىٰ تُفَٰدُوهُمۡ) أي تنقذوهم من الأسر بالمال. فنفذوا الأخيرة فقط ـ وهي فداء الأسير ـ وخالفوا في البنود الثلاثة الأولى فوبّخهم الله بقوله: (أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَٰبِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضٖۚ). 2ـ بيّن الله عقوبة من ينقض الميثاق بقوله: (فَمَا جَزَآءُ مَن يَفۡعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمۡ إِلَّا خِزۡيٞ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰٓ أَشَدِّ ٱلۡعَذَابِۗ).والفاء في: (فَمَا) هي فاء الفصيحة لأنها أفصحت عن شرط مقدر كأنه قيل: إنْ شئتم أن تعرفوا جزاء من يفعل ذلك فهو... 3ـ ثم قال تعالى: (وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ) أي أنه مطلع عالم بدقائق أعمالهم , محيط بكل شؤونهم , وسوف يعاقبهم على أفعالهم وأقوالهم. السؤال الرابع: ما دلالة كتابة كلمة (ٱلۡحَيَوٰةِ) بالواو في الآية؟ الجواب: ذكر الداني في كتابه ( المقنع ) أنه رُسمت في كل المصاحف الألف واواً على لفظ التفخيم لأغراض شريفة سامية تعزز المعنى , وتعطي للكلمة القرآنية آفاقها الواسعة حسب السياق , وهذه الكلمات وتسمى الأصول الأربعة هي: (ٱلصَّلَوٰةَ) (ٱلزَّكَوٰةَ) (ٱلۡحَيَوٰةِ) (ٱلرِّبَوٰاْ). وقد وردت كلمة (ٱلۡحَيَوٰةِ) بالواو , بهذه الصورة لتبين أهمية الحياة كدار ابتلاء وكمزرعة للآخرة , وقد وردت (71) مرة في القرآن الكريم بهذا الرسم , غير أنه حين تُنسب الحياة إلى الكافرين فإنها تأتي بالصورة العادية , حيث وردت خمس مرات في القرآن الكريم كله , كما يلي: (وَقَالُوٓاْ إِنۡ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنۡيَا وَمَا نَحۡنُ بِمَبۡعُوثِينَ٢٩) [الأنعام:29]. (إِنۡ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنۡيَا نَمُوتُ وَنَحۡيَا وَمَا نَحۡنُ بِمَبۡعُوثِينَ٣٧) [المؤمنون:37]. (أَذۡهَبۡتُمۡ طَيِّبَٰتِكُمۡ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنۡيَا) [الأحقاف:20]. (وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنۡيَا نَمُوتُ وَنَحۡيَا) [الجاثية:24]. (يَقُولُ يَٰلَيۡتَنِي قَدَّمۡتُ لِحَيَاتِي٢٤﴾ [الفجر:24]. والله أعلم. ***** (أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشۡتَرَوُاْ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا بِٱلۡأٓخِرَةِۖ فَلَا يُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ٨٦)[البقرة: 86] السؤال الأول:ما الفرق بين استخدام كلمة (يُنصَرُونَ) [البقرة:86] في هذه الآية وكلمة (يُنظَرُونَ) في آية البقرة 162، وآية آل عمران 88؟ الجواب: لنستعرض الآيات أولاً: ـ قوله تعالى: (أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشۡتَرَوُاْ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا بِٱلۡأٓخِرَةِۖ فَلَا يُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ٨٦) [البقرة:86]. ـ قوله تعالى: (خَٰلِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ يُنظَرُونَ١٦٢) [البقرة:162]. ـ قوله تعالى: (خَٰلِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ يُنظَرُونَ٨٨) [آل عمران:88]. ثانياً: لو نظرنا في سياق الآيات في سورة البقرة التي سبقت آية 86 لوجدنا الآية (وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ لَا تَسۡفِكُونَ دِمَآءَكُمۡ وَلَا تُخۡرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ ثُمَّ أَقۡرَرۡتُمۡ وَأَنتُمۡ تَشۡهَدُونَ٨٤ ثُمَّ أَنتُمۡ هَٰٓؤُلَآءِ تَقۡتُلُونَ أَنفُسَكُمۡ وَتُخۡرِجُونَ فَرِيقٗا مِّنكُم مِّن دِيَٰرِهِمۡ تَظَٰهَرُونَ عَلَيۡهِم بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَإِن يَأۡتُوكُمۡ أُسَٰرَىٰ تُفَٰدُوهُمۡ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيۡكُمۡ إِخۡرَاجُهُمۡۚ أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَٰبِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضٖۚ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفۡعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمۡ إِلَّا خِزۡيٞ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰٓ أَشَدِّ ٱلۡعَذَابِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ٨٥) [البقرة: 84،85] فالآيات تتكلم عن القتال والحرب والمحارب يريد النصر لذا ناسب أن تختم الآية 86 بكلمة (يُنصَرُونَ). أمّا في الآية الثانية في سورة البقرة وآية سورة آل عمران ففي الآيتين وردت قبلهما ذكر اللعنة, واللعنة معناها الطرد من رحمة الله والإبعاد , والمطرود كيف تنظر إليه؟ و كلمة (يُنظَرُونَ) تحتمل معنيين: آ ـ لا يُمهلون في الوقت. ب ـ ولا يُنظر إليهم نَظَرَ رحمة. فإذا أُبعد الإنسانُ عن ربه وطُرد من رحمة الله كيف يُنظر إليه؟ إنه خارج النظر. فلمّا ذكرت اللعنة في سياق الآيتين في سورة البقرة وسورة آل عمران استوجب ذكر (يُنظَرُونَ). السؤال الثاني: ماذا تعني الباء في الآية (ٱشۡتَرَوُاْ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا بِٱلۡأٓخِرَةِۖ) [البقرة:86]؟ الجواب: في أمور الشراء الباء مع الذاهب؛ فهم أخذوا الحياة الدنيا وكان الثمن الذاهب لها هو خسرانهم الآخرة.والله أعلم. جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 20-10-2024 الساعة 05:22 AM. |
#8
|
||||
|
||||
![]() مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (75) مثنى محمد هبيان (وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَقَفَّيۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِۦ بِٱلرُّسُلِۖ وَءَاتَيۡنَا عِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَيَّدۡنَٰهُ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِۗ أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمۡ رَسُولُۢ بِمَا لَا تَهۡوَىٰٓ أَنفُسُكُمُ ٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡ فَفَرِيقٗا كَذَّبۡتُمۡ وَفَرِيقٗا تَقۡتُلُونَ) [البقرة: 87] السؤال الأول:هل لمعنى لفظة (وَأَيَّدۡنَٰهُ) [البقرة:87] الواردة في الآية علاقة باليد؟ وما دلالة (وَقَفَّيۡنَا) [البقرة:87]؟ الجواب: معنى (وَأَيَّدۡنَٰهُ) أي: قوّيناه وشددنا أزره وعضده, والفعل (أيدناه) مأخوذ من اليد، فما صلة اليد بقويّناه؟ اليد تطلق عادة على القدرة والمنعة؛ لأنها آلة القوة والدفاع عن النفس ومنع الآخرين من الاعتداء. وأما معنى الفعل (وَقَفَّيۡنَا) أي أتبعنا , والمادة كلها تدل على التبعية ,والقفا كل تابع وهو مؤخر العنق , ومنه قافية الشعر لأنها تتبع البيت. ومعنى قوله تعالى: (وَقَفَّيۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِۦ بِٱلرُّسُلِۖ) أي اتبعنا بعضهم بعضاً على منهاج واحد فكان منهم: داود وسليمان وإلياس واليسع ويونس وزكريا ويحيى عليهم السلام , إلى أن كانت رسالة عيسى عليه السلام حيث أنزل الله عليه الإنجيل وأيده بالمعجزات الباهرات , ثم ختم الله الرسالات برسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم , ولكنّ الكفر برسل الله ظلّ ملازماً لليهود , وذلك أنهم كانوا يقولون للنبي عليه السلام: يكفينا ما أنزل الله علينا من الكتب , وما أُرسل فينا من الرسل , فنحن ماضون على شريعة الرسل السابقين , ومتّبعون لمنهجهم. السؤال الثاني: لماذا اختلفت صيغة الفعل في قوله تعالى: (فَفَرِيقٗا كَذَّبۡتُمۡ وَفَرِيقٗا تَقۡتُلُونَ) [البقرة:87]؟ الجواب: (كذبتم) فعل ماض، و(تقتلون ) فعل مضارع. آ ـ الأفعال تعبّر أحياناً عن الأحداث المستقبلية بأفعال ماضية، كقوله تعالى: (وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ زُمَرًاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتۡ أَبۡوَٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَا سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡ طِبۡتُمۡ فَٱدۡخُلُوهَا خَٰلِدِينَ) [الزُّمَر:73]. ب ـ أو تعبر عن الأحداث الماضية بأفعال مضارعة حكاية الحال فتُعبّر عن حدث ماضٍ بفعل مضارع، كأنما نريد أنْ نستحضر الحدث أمامنا، مثل قوله تعالى في سورة الأعراف: (وَهُوَ ٱلَّذِي يُرۡسِلُ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦۖ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَقَلَّتۡ سَحَابٗا ثِقَالٗا سُقۡنَٰهُ لِبَلَدٖ مَّيِّتٖ فَأَنزَلۡنَا بِهِ ٱلۡمَآءَ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِۚ كَذَٰلِكَ نُخۡرِجُ ٱلۡمَوۡتَىٰ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ) [الأعراف:57]. ج ـ الفعل المضارع (تَقۡتُلُونَ) جاء ليدل على إمكانية تجدد وتكرار الحدث، وهم قد فعلوا ذلك فعلاً عندما حاولوا قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لولا أنْ عصمه الله منهم. السؤال الثالث: ما ترجمة: (عِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ) [البقرة:87]؟ الجواب: عيسى: اسم معرب , من يسوع , أو يشوع , ومعناه: السيد أو المبارك , وقد وُلد عيسى في بيت لحم سنة ست مئة وعشرين قبل الهجرة , أثناء حكم الرومان , وكان حاكم القدس من قِبَل الرومان اسمه ( هيردوس ) وجاءته الرسالة في سن الثلاثين , وبقي في الدنيا إلى سن الثالثة والثلاثين , حيث رُفع إلى السماء. مريم: اسم عبراني , وهي ابنة عمران , من سبط يهوذا , وَلدت عيسى وهي في الثالثة عشرة من عمرها , وكان أبوها قد مات قبل ولادتها , فكفلها زكريا زوج خالتها , وكان كاهناً من أحبار اليهود. (وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلۡفُۢۚ بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفۡرِهِمۡ فَقَلِيلٗا مَّا يُؤۡمِنُونَ)[البقرة: 88] السؤال الأول:مامعنى قوله تعالى (غُلۡفُۢۚ) [البقرة:88]؟ الجواب: الغلف: جمع أغلُف، وهي الأغشية، والمعنى أنهم يقولون: قلوبنا غلف مملوءة بالعلم والحكمة وهي مغشاة بأغطية مانعة من وصول أثر دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهم , أو هي كالغلاف الخالي لا شيء فيه.وكلمة (غُلۡفُۢۚ) جمع أغلف , كأنما أُغشي غلافاً فهو لا يعي , والمعنى أنّ قلوبهم مغشاة بأغطية لا يدري أحدٌ ما وراءها. السؤال الثاني: ما دلالة قوله تعالى (فَقَلِيلٗا مَّا يُؤۡمِنُونَ) [البقرة:88]؟ الجواب: في معانيها وجوه: آـ لا يؤمن منهم إلا القليل. ب ـ لا يؤمنون إلا بقليل مما كلفوا، حيث إنهم يؤمنون بالله ويكفرون بالرسل. ج ـ لا يؤمنون أصلاً لا قليلاً ولا كثيراً، كما يقال: قليلاً ما يفعل، بمعنى لا يفعل البتة. السؤال الثالث: لماذا نصبت (فَقَلِيلٗا) ؟ الجواب: لفظة (قليلاً) نصبت على تقدير: آـ نائب مفعول مطلق بتقدير: إيماناً قليلاً , و( ما ) صلة. ب ـ بنزع الخافض، أي: بقليل ما يؤمنون. والله أعلم.
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 20-10-2024 الساعة 05:24 AM. |
#9
|
||||
|
||||
![]() مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (77) مثنى محمد هبيان (وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ ءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ نُؤۡمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا وَيَكۡفُرُونَ بِمَا وَرَآءَهُۥ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَهُمۡۗ قُلۡ فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ٩١) [البقرة: 91] السؤال الأول:ما المقصود بـ (بِمَا وَرَآءَهُۥ) [البقرة:91] في الآية؟ الجواب: 1ـ الدين الذي كان سائداً قبل الإسلام في جزيرة العرب هو اليهودية وليس النصرانية, واليهود كانوا قبائل في جزيرة العرب، واليهودي لا يؤمن بنبوة عيسى عليه السلام، ولذلك بقي يهودياً وإلا لأصبح نصرانياً أو مسلماً. 2ـ وقوله تعالى: (وَيَكۡفُرُونَ بِمَا وَرَآءَهُۥ) أي: وراء ما أنزل الله عليهم مما أنزل الله على رسله ما قبل التوراة وما بعدها؛ لأنّ وراء تفيد: خلف وأمام، ولا شكّ أنّ هذا يشمل القرآن الكريم. وجاء بما يدلّ على القرآن بالصيغة الاسمية مع واو الحال {وهو الحق}ليدل عليه بشكل ثابت وقطعي، وعلى حاله بكونه (مُصَدِّقٗا) للتوراة من غير تفاوت بينهما في الأصول. 3ـ والقرآن يدلّ على نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم , فلمّا أخبر الله عنه أنه مصدق للتوراة وجب اشتمال التوراة على الإخبار عن نبوته، وإلا لم يكن القرآن مصدقاً للتوراة بل كان مكذباً لها. 4ـ وإذا كانت التوراة مشتملة على نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهم قد اعترفوا بوجوب الإيمان بها لزمهم من هذه الجهة الإيمان بالقرآن وبنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم . السؤال الثاني: ما دلالة صيغة الفعل المضارع في (تَقۡتُلُونَ) ؟ الجواب: هذا يُسمّى حكاية الحال، بمعنى أنه إذا كان الحدث ماضياً وكان مهماً فإنّ العرب تأتي بصيغة المضارع حتى تجعل الحدث وكأنه شاخص ومُشاهد أمامك. والمضارع يدل على الحال والاستقبال، والإنسان يتفاعل عادة مع الحدث الذي يشاهده أكثر من الحدث الذي لم يره أو الذي وقع منذ زمن بعيد، فالعرب تحول صيغة الأحداث إلى صيــغة مضارع وإنْ كانت ماضية. وهذا الأمر ورد في القرآن كثيراً، كما في قوله تعالى في سورة البقرة: (قُلۡ فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) [البقرة:91] قتل الأنبياء هو حالة مستغربة، وفي القرآن يأتي بصيغة المضارع مع الأشياء التي تدل على الحركة والحيوية والمهمة. وقد جاء في قوله تعالى في سورة فاطر: (وَٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ فَتُثِيرُ سَحَابٗا فَسُقۡنَٰهُ إِلَىٰ بَلَدٖ مَّيِّتٖ فَأَحۡيَيۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۚ كَذَٰلِكَ ٱلنُّشُورُ) [فاطر:9] جاء فعل (أرسل) بصيغة الماضي ثم فعل (فَتُثِيرُ) بصيغة المضارع ثم فعل (فَسُقۡنَٰهُ) بصيغة الماضي مع أنّ السّوق يأتي بعد الإثارة والأحداث كلها ماضية؛ لكنّ الإثارة مشهد حركة فجعلها بصيغة المضارع ليدلّ على الحضور. وهذا الأمر نجده أيضاً في السيرة، ففيما روي عن الصحابي الذي قتل أبا رافع اليهودي الذي آذى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال يصف ما حصل شعراً: فناديت أبا رافع فقال نعم فأهويت عليه بالسيف فأضربه وأنا دهش؟ فجعل صيغة المضارع للمشهد الأبرز وهو الضرب، فكأنّ السامع يرى الحادثة أمامه ويرى الصحابي وهو يضربه. السؤال الثالث: ما دلالة قوله تعالى: (إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) في هذه الآية وفي القرآن الكريم؟ الجواب: ورد هذا التركيب (إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) في القرآن الكريم في (16) موضعاً وهي ( البقرة 91،93،248،278) وآل عمران ( 49 ,139، 175 ) المائدة ( 23، 57،112 ) الأعراف ( 85 ) الأنفال ( 1)التوبة (13) هود( 86 ) النور( 17 ) الحديد (8 ). بينما ورد التركيب (إِن كَانُواْ مُؤۡمِنِينَ) في مكان واحد في آية التوبة في قوله تعالى: (يَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمۡ لِيُرۡضُوكُمۡ وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَحَقُّ أَن يُرۡضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤۡمِنِينَ) [التوبة:62]. وهذا التركيب العجيب يضع الناس أمام أنفسهم وجهاً لوجه , وسر هذا التركيب يكمن في كلمة (إنْ) وهي أداة شرط تستعمل في القرآن عندما يكون الأمر موضع شك قابلاً للظن والاحتمال , أمّا (إذا) فتستعمل في مواضع اليقين. وقد ورد تركيب (إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) مع فئتين من الناس: الأولى: وهم المؤمنون الصادقون الذين لا يُشَكُّ في صدقهم وحسن بلائهم وسابق جهادهم وصحبتهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم . الثانية: وهم المنافقون الفاسقون الذين لا يُشَكُّ في خياناتهم وتلونهم وكذبهم. ومن السهل أنْ نفهم التركيب (إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) مع الفئة الثانية فهم يكذبون على الله وعلى رسوله وعلى المؤمنين، ولذلك يخاطبهم الله عز وجل بأسلوب الشك في إيمانهم ويبين للمؤمنين الصادقين كذبهم ونفاقهم، قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ ءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ نُؤۡمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا وَيَكۡفُرُونَ بِمَا وَرَآءَهُۥ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَهُمۡۗ قُلۡ فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) [البقرة:91]. أمّا ورود هذا التركيب مع فئة المؤمنين الصادقين المخلصين كما في آية الأنفال: (يَسَۡٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡأَنفَالِۖ قُلِ ٱلۡأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصۡلِحُواْ ذَاتَ بَيۡنِكُمۡۖ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) [الأنفال:1] وقد نزلت هذه الآية الكريمة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة بدر ومعه الصحابة الذين هم أكرم أهل الأرض بعد أنبياء الله , فمن الواضح أنّ مثل هذه الآية عندما ترد مع مثل هؤلاء الناس تكون تطهيراً لهم وتعليماً وتذكيراً، كأنها تضعهم في منزلة الشك في إيمانهم إنْ لم يفعلوا ما يأمرهم الله به فيهبوا للعمل بأحكام الله فيدفعوا عنهم صورة التردد والشك، وليدخلوا في دائرة الإيمان الوثيق الذي يعلمه الله منهم بصدق أقوالهم وأعمالهم. السؤال الرابع: ما دلالة لفظة (قَبۡلُ) في هذه الآية (قُلۡ فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ) [البقرة:91]؟ الجواب: قوله تعالى: (مِن قَبۡلُ) طمأنة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أنّ قتلهم الأنبياء انتهى , وفي الوقت نفسه قضاء على آمال اليهود في أنْ يقتلوا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم . وبذلك نزع الله الخوف من صدور وقلوب المؤمنين على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنّ ما جرى للرسل السابقين من بني إسرائيل لن يجري على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنهم لو تآمروا على قتله عليه الصلاة والسلام فلن يفلحوا. واليهود بعد نزول هذه الآية لم يتوقفوا عن تآمرهم على قتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرة بمحاولة إلقاء الحجر عليه، ومرة بدس السم له، ومحاولات أخرى لكنها فشلت كلها. السؤال الخامس: كيف جاز قوله تعالى: (فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ) ولا يجوز أنْ يقال: أنا أضربك أمس؟ وما نوع الفاء في لفظة: (فَلِمَ تَقۡتُلُونَ) ؟ الجواب: 1ـ في الأمر قولان: آ ـ أنّ ذلك جائز إذا كان بمنزلة الصفة اللازمة، كقولك: ويحك لِمَ تكذب؟ كأنك قلت: لم يكن هذا من شأنك , وكقوله تعالى: (وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتۡلُواْ ٱلشَّيَٰطِينُ) [البقرة:102] ولم يقل: ما تلت؛ لأنه أراد من شأنها التلاوة. ب ـ كأنه قال: لم ترضون بقتل الأنبياء من قبل إنْ كنتم آمنتم بالتوراة؟ 2ـ الفاء (فَلِمَ) تسمى الفصيحة لأنها قد أفصحت عن شرط مقدر , أي إنْ كانت دعواكم صحيحة فَلِمَ تقتلون؟ واللام حرف جر , و( ما ) اسم استفهام في محل جر باللام , وحُذفت الألف من ( ما ) فرقاً بينها وبين ( ما ) الخبرية. والجار والمجرور متعلقان بالفعل ( تقتلون ). والله أعلم. السؤال السادس: ما دلالة هذه الآية بشكل عام؟ الجواب: 1ـ عندما قال المسلمون لليهود آمنوا بمحمد , ردّ عليهم اليهود: نحن نؤمن بما أُنزل على نبينا موسى عليه السلام ولا نؤمن بغيره (وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ ءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ نُؤۡمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا وَيَكۡفُرُونَ بِمَا وَرَآءَهُۥ) . 2ـ قال تعالى: (وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَهُمۡۗ) فجاء بألف التعريف ( الحق ) بصيغة التعريف لا بصيغة التنكير, ليبيّن أنه الحق بصورة دائمة , وهو يوافق التوراة التي بين أيديكم , فوحي السماء واحد لا يختلف. 3 ـ ردّ الله عليهم مقالتهم بأمرين: آ ـ من يكفر بالقرآن فقد كفر بالتوراة , لأنه الحق المطابق للواقع الموافق للتوراة , فهو: (ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَهُمۡۗ) . ب ـ إنْ كنتم مؤمنين بما أُنزل عليكم (فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) أي إنْ كنتم كما تزعمون أنكم تؤمنون بكتب الله كالتوراة والإنجيل , وبرسل الله كموسى وعيسى عليهما السلام فلِمَ قتلتم أيها اليهود أنبياء الله كيحيى وزكريا؟! وقد حرّم الله عليكم ذلك في التوراة , ولمَ كذبتم نبيكم موسى عليه السلام؟!!! والله أعلم.
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 07-11-2024 الساعة 11:18 AM. |
#10
|
||||
|
||||
![]() مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن(78) مثنى محمد هبيان (وَلَقَدۡ جَآءَكُم مُّوسَىٰ بِٱلۡبَيِّنَٰتِ ثُمَّ ٱتَّخَذۡتُمُ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَنتُمۡ ظَٰلِمُونَ)[البقرة: 92] السؤال الأول:متى تُذكَّر (ٱلۡبَيِّنَٰتُ) أو تؤنَّثُ في الاستعمال القرآني؟ الجواب: جاءت كلمة (ٱلۡبَيِّنَٰتُ) بصورها المختلفة في القرآن الكريم أكثر من 52 مرة، فإنْ جاءت بمعنى المعجزات تؤنث، وإنْ جاءت بمعنى حبل الله أو القرآن أو بمعنى الأمر والنهي تذكّر. شواهد قرآنية على التأنيث، أي: بمعنى المعجزات والنبوءات: ـ (فَإِن زَلَلۡتُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡكُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [البقرة:209]. ـ (كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّۧنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِۚ وَمَا ٱخۡتَلَفَ فِيهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۖ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَا ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلۡحَقِّ بِإِذۡنِهِۦۗ وَٱللَّهُ يَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٍ) [البقرة:213]. ـ (تِلۡكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلۡنَا بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۘ مِّنۡهُم مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُۖ وَرَفَعَ بَعۡضَهُمۡ دَرَجَٰتٖۚ وَءَاتَيۡنَا عِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَيَّدۡنَٰهُ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِۗ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقۡتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِنۢ بَعۡدِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُ وَلَٰكِنِ ٱخۡتَلَفُواْ فَمِنۡهُم مَّنۡ ءَامَنَ وَمِنۡهُم مَّن كَفَرَۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقۡتَتَلُواْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفۡعَلُ مَا يُرِيدُ) [البقرة:253]. ـ (ثُمَّ ٱتَّخَذُواْ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُ فَعَفَوۡنَا عَن ذَٰلِكَۚ وَءَاتَيۡنَا مُوسَىٰ سُلۡطَٰنٗا مُّبِينٗا) [النساء:153] شواهد قرآنية على التذكير، أي: بمعنى الأمر والنهي: ـ (كَيۡفَ يَهۡدِي ٱللَّهُ قَوۡمٗا كَفَرُواْ بَعۡدَ إِيمَٰنِهِمۡ وَشَهِدُوٓاْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقّٞ وَجَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ) [آل عمران:86]. ـ (وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخۡتَلَفُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ) [آل عمران:105]. ـ (قُلۡ إِنِّي نُهِيتُ أَنۡ أَعۡبُدَ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَمَّا جَآءَنِيَ ٱلۡبَيِّنَٰتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرۡتُ أَنۡ أُسۡلِمَ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ) [غافر:66]. السؤال الثاني: ما دلالة هذه الآية؟ الجواب: 1ـ المعنى العام: لقد جاءكم نبي الله موسى عليه السلام بالمعجزات الواضحات الدالة على صدقه , كالطوفان والجراد والقمّل والضفادع وغير ذلك ,ومع ذلك اتخذتم العجل معبوداً , بعد ذهاب موسى إلى ميقات ربه ,فلم يكن اتخاذكم العجل معبوداً عن جهل ,لذلك صار الظلم وصفاً لكم , وجاء بواو الحال المقرونة بالصيغة الاسمية الدالة على ثبوت الظلم وملازمته لكم (وَأَنتُمۡ ظَٰلِمُونَ) . 2ـ قوله تعالى: (وَلَقَدۡ) جاء بصيغة التوكيد , فاللام جواب قسم محذوف , و( قد ) حرف تحقيق. 3ـ قوله تعالى: (مِنۢ بَعۡدِهِۦ) ولم يقل: (بَعدَه ) ليفيد بقصر الزمن, أي بعد مفارقة موسى عليه السلام إلى الطور. (وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيۡنَٰكُم بِقُوَّةٖ وَٱسۡمَعُواْۖ قَالُواْ سَمِعۡنَا وَعَصَيۡنَا وَأُشۡرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡعِجۡلَ بِكُفۡرِهِمۡۚ قُلۡ بِئۡسَمَا يَأۡمُرُكُم بِهِۦٓ إِيمَٰنُكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) [البقرة: 93] السؤال الأول:ما معنى (وَأُشۡرِبُواْ) في الآية؟ الجواب: الإشراب هو أنْ تسقي غيرك وتجعله يشرب، فكيف أُشربوا العجل؟ إنّ الشرب هو جريان الماء في عروق الإنسان، وقد عبّر الله تعالى عن شدة شغف اليهود بالعجل بشرب الماء؛ لأنّ الماء أسرى الأجسام في غيره, ولذلك يقال: الماء مطية الأدوية ومركبها التي تسافر به في أقطار البدن, فجعل شدة حبهم للعجل وعدم قدرتهم على إخراج هذا الحب الذي خالطهم أشبه ما يكون بالماء الذي لا غنى لأحد عنه وهو يسري في عروق الإنسان فيصبح جزءاً من جسم الإنسان , وكذلك حُبُّ بني إسرائيل للعجل خالط لحومهم ودماءهم حتى غدا جزءاً منهم. وقد عُبّر عن حبّ العجل بالشرب دون الأكل لأنّ شرب الماء يتغلغل في الأعضاء حتى يصل إلى باطنها والطعام لا يتغلغل فيها , وفي هذا تشبيه بليغ حيث جُعلت القلوب لتمكّن حبِّ العجل منها كأنها تشرب , وقوله تعالى: (فِي قُلُوبِهِمُ) بيان لمكان الإشراب. السؤال الثاني: ما أهم اللمسات اللغوية في الآية؟ الجواب: 1ـ إنّ إظلال الجبل لا شك أنه من أعظم المخوِّفات , ومع ذلك فقد أصرّوا على كفرهم وصرّحوا بقولهم: (سَمِعۡنَا وَعَصَيۡنَا) وهذا يدل على أنّ التخويفَ وإنْ عَظُمَ لا يوجب الانقياد. 2ـ قوله تعالى: (بِكُفۡرِهِمۡۚ) فالمراد باعتقادهم التشبيه على الله وتجويزهم العبادة لغيره سبحانه وتعالى. 3ـ قوله تعالى: (قُلۡ بِئۡسَمَا يَأۡمُرُكُم بِهِۦٓ إِيمَٰنُكُمۡ) فيه مسألتان: آ ـ المراد بئسما يأمركم به إيمانكم بالتوراة , لأنه ليس في التوراة عبادة العجل , وإضافة الأمر إلى إيمانهم تهكم , كما قال في قصة شعيب: (أَصَلَوٰتُكَ تَأۡمُرُكَ) [هود:87]. ب ـ الإيمانُ عَرَض , ولا يصح منه الأمرُ والنهي , لكنّ الداعي إلى الفعل قد يشبه الأمر. 4ـ قوله تعالى: (إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) فالمراد التشكيك في إيمانهم والقدح في صحة دعواهم. والله أعلم.
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 07-11-2024 الساعة 11:19 AM. |
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |