شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله - الصفحة 86 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1087 - عددالزوار : 127461 )           »          أدركتني دعوة أمي! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          الوقف الإسلامي وصنائعه الحضارية .. روائع الأوقاف في الصحة العامة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          حقيقة الإسلام ومحاسنه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          المرأة .. والتنمية الاقتصادية في الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          أسباب الثبات على الدين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          مكارم الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 4776 )           »          مفاسد الغفلة وصفات أصحابها! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          من جهود علماء الكويت في ترسيخ عقيدة السلف الصالح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          سفراء الدين والوطن .. الابتعاث فرص تعليمية وتحديات ثقافية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-07-2025, 09:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,727
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [516]
الحلقة (546)





شرح سنن أبي داود [516]

من أعظم النعم على المسلم أن يسن خيراً ثابتاً في الشريعة مسبقاً لم يكن يفعل، بل كان مجهوراً، فمن كان سبباً في إحياء وإظهار هذا الخير بين الناس، فله أجر من فعله، وفي مقابل هذا: من سن منكراً أو بدعة فاقتدى به الناس في ذلك فعليه أوزار من تبعه، والعياذ بالله، فياويل من فتحوا دور البغا، أو أحدثوا بدعة في دين الله، أو شرعوا تشريعات تضاهي شريعة الله، كم من الآثام سيحملون؟ والأوزار سيقلون؟

باب لزوم السنة



شرح حديث (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب لزوم السنة. حدثنا يحيى بن أيوب حدثنا إسماعيل -يعني ابن جعفر - أخبرني العلاء -يعني ابن عبد الرحمن _ عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً) ]. قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب لزوم السنة. ولزوم السنة: هو الثبات عليها، والأخذ بها، والبعد والحذر مما يخالفها، وقد سبق أن مر قبل هذا الباب باب يشبهه، وهو بلفظ: باب في لزوم السنة، وهذا الباب: باب لزوم السنة، ومؤداهما واحد، إلا أننا نجد أن أكثر ما في هذا الباب الثاني هي الآثار، وأما الباب الأول الذي تقدم فكله أحاديث مرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا أدري ما وجه هذا التفاوت في التبويب مع أن الترجمة واحدة تقريباً، إلا أن الأول فيه زيادة (في)، أي: باب في لزوم السنة، وهذا باب لزوم السنة. وأورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً)، وهذا الحديث عظيم، وهو يدل على عظم شأن الدعوة إلى الخير، وكثرة ثوابها وأجرها، ويدل أيضاً على خطر الدعوة إلى الضلالة، وكثرة عذابها وآثامها. وفي هذا الحديث أيضاً الحث على الدعوة إلى الخير، والدعوة إلى الهدى، والدعوة إلى الكتاب السنة، ولزوم ما كان عليه سلف هذه الأمة؛ لأن في ذلك الخير والثواب من الله عز وجل، والله تعالى يثيب الداعي على دعوته سواء قُبل منه أو لم يقبل، وسواء استجيب له أو لم يستجب؛ لأنه أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، ولأنه دل على الخير وحذر من الشر، فهو مأجور على فعله، وإن استجيب له فإن الله تعالى يأجر ذلك المستجيب له على عمله، ويأجر من كان سبباً في هدايته مثل أجره، أي: أن الداعي يجد من الأجر مثل أجر المدعو الذي يستجيب للدعوة ويعمل عملاً صالحاً، ثم وضح ذلك بقوله: (من غير أن ينقص ذلك من أجورهم شيئاً) أي: أن هذا الثواب الذي يجده الداعي بسبب اهتداء غيره على يديه ليس مأخوذاً من أجر المدعو، أو أنه بعض من أجر المدعو، وإنما يكون أجر المدعو له كاملاً، والله تعالى يثيب الداعي بمثل ما أثاب به المدعو تفضلاً منه وإحساناً؛ لأنه هو الذي دله على الخير، وهو السبب في هذا الخير الذي حصل لذلك المدعو، فقوله صلى الله عليه وسلم: (من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً) فيه احتراز لئلا يظن أن هذا الأجر الذي يناله الداعي من الله هو جزء من الأجر الذي يجده المدعو على عمله الصالح، والذي يظفر بهذا الأجر العظيم وهذا الثواب الجزيل على التمام والكمال هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه هو الذي دل أمته على كل خير، وحذرها من كل شر، فله أجور أعماله صلى الله عليه وسلم، وله مثل أجور أمته كلها من أولها إلى آخرها، فمن دل على هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، وهذا يدل على عظم مكانته وعلو منزلته، وأسعد الناس حظاً ونصيباً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقتضى هذا الحديث هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم وأرضاهم؛ لأنهم هم الذين تلقوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم الحق والهدى، ونقلوه إلى الناس، ودلوا الناس عليه، فكل من حفظ سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبلغها للناس، وعمل بها الناس من بعده، فإنه يكون مأجوراً على ذلك بمثل أجور كل الذين عملوا بهذه السنة التي جاءت من طريقه، ولهذا فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وأرضاهم، هم الواسطة بين الناس وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام، فما عرف الناس حقاً ولا هدىً إلا عن طريق الصحابة، فهم الذين تلقوا الكتاب والسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الذين نقلوهما إلى الناس من بعدهم على التمام والكمال، فلهم أجور أعمالهم، ولهم مثل أجور من استفاد خيراً بسببهم، وكل سنة رواها صحابي عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ثم تلقاها الناس عنه وعملوا بها، فإن ذلك الصحابي الذي حفظها وأداها له مثل أجور كل من عمل بهذه السنة التي جاءت من طريقه. وعلى العكس من ذلك: الدعوة إلى الضلال، فإن من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه من غير أن ينقص من آثامهم شيئاً، أي: أن هذا الذي دعي إلى الإثم وأخذ به فإنه يعاقب ويؤاخذ على ضلاله الذي حصل، ثم يعاقب الداعي الذي دعاه إلى الضلالة، فيكون عليه من الإثم مثل آثام ذلك الذي دعي وعمل بتلك البدعة، أو بذلك الأمر المحرم، فكما أن من دعا إلى هدى له من الأجر مثل أجور من تبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً، فكذلك من دعا إلى ضلالة فإن عليه من الإثم مثل آثام من تبعه ولا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً، فهذا يدلنا على الترغيب في الخير، والدعوة إلى الحق والهدى، وبيان ما فيه من الأجر العظيم والثواب الجزيل، ويدل أيضاً على خطر الدعوة إلى الضلال، وما فيها من الإثم العظيم، والخطر الكبير، وأن الواجب على الإنسان أن يحرص على أن يكون من دعاة الهدى، ليظفر بالثواب من الله عز وجل على دعوته سواء استجيب له أو لم يستجب، وإن استجيب له فإنه يؤجر بمثل أجور الذين تبعوه واستفادوا من دعوته، وعلى العكس من ذلك: من دعا إلى ضلالة فإنه يأثم، سواء تضرر بدعوته واستجيب إلى ما دعا إليه من الضلالة، أو لم يستجب؛ لأن مجرد دعوته إلى الضلال إضلال منه لغيره، فهو يأثم بهذه الدعوة، لكنه إن توبع على ذلك فإنه يأثم مثل آثام الذين استجابوا لدعوته إلى الضلال، وهذا من جوامع كلمه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهو حديث عظيم، فيه الترغيب والترهيب، وكثيراً ما يأتي في الكتاب والسنة الجمع بين الترغيب والترهيب.. الترغيب فيما هو خير، والتحذير مما هو شر.
تراجم رجال إسناد حديث (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه...)


قوله: [ حدثنا يحيى بن أيوب ]. يحيى بن أيوب ثقة، أخرج له البخاري في (خلق أفعال العباد) و مسلم و أبو داود و النسائي في (مسند علي ). [ حدثنا إسماعيل -يعني ابن جعفر - ]. كلمة: (يعني) قالها من دون يحيى بن أيوب : إما أبو داود أو من دون أبي داود ، والمقصود من ذلك أن يحيى بن أيوب لما روى الحديث لم يعبر إلا بقوله: إسماعيل فقط، ولم يأت بالنسب، ولكن من دونه أراد أن يوضح هذا الراوي المهمل الذي ذكر باسمه فقط، فأضاف إليه هذه الجملة وهي قوله: (يعني ابن جعفر)، فالمقصود من ذلك أن هذه الزيادة جاءت للتوضيح، وهي ممن دون التلميذ، وكلمة (يعني) فعل مضارع وفاعلها ضمير مستتر يرجع إلى يحيى بن أيوب . و إسماعيل بن جعفر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وفي طبقته إسماعيل بن علية ، فكلاهما من شيوخ شيوخ أبي داود ، فإذا جاء إسماعيل فيحتمل أن يكون هذا ويحتمل أن يكون هذا، لكن إذا جاءت مثل هذه العبارة وضحت من هو هذا المهمل، ولو لم تأت فإنه يمكن معرفة المهمل بشيوخه وتلاميذه. [ أخبرني العلاء -يعني ابن عبد الرحمن - ]. العلاء هو ابن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي ، وهو صدوق، أخرج له البخاري في (جزء القراءة) و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. أبوه ثقة أخرج له البخاري في (جزء القراءة) ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
شرح حديث (إن أعظم المسلمين في المسلمين جرماً من سأل عن أمر لم يحرم فحرم على الناس من أجل مسألته)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا سفيان عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه رضي الله عنه، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن أعظم المسلمين في المسلمين جرماً من سأل عن أمر لم يحرم فحرم على الناس من أجل مسألته) ]. أورد أبو داود حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه: (إن أعظم المسلمين في المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته) أي: أنه تسبب في حصول ذلك الضرر للناس، ومعلوم أن هذا إنما هو في زمن التشريع والوحي، والمقصود بذلك الأسئلة التي يكون فيها تجاوز وتشديد أو يكون فيها تعنت وتنطع، أو غير ذلك مما يترتب عليه إلحاق الضرر بالناس، وأما الأسئلة التي يحتاج إليها الناس في معرفة أمور الدين؛ فيعرفون ما هو واجب عليهم كي يفعلوه، وما هو محرم عليهم كي يتركوه، فإن هذا موجود وحاصل، وقد جاء في القرآن عدة أسئلة سألوا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابهم الله عز وجل عنها في القرآن في مواضع عديدة، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحتاجونه، وقد أمر الله تعالى بذلك فقال: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، وإنما المقصود من ذلك الأسئلة التي يترتب عليها مضرة، والتي لا يصلح ولا ينبغي أن يسأل عنها، وذلك مثل السؤال الذي سأله الرجل لما نزلت فريضة الحج، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (إن الله فرض عليكم الحج فحجوا، فقام رجل وقال: يا رسول الله! أفي كل عام؟ أي: هل فرضه الله تعالى علينا في كل عام؟ فغضب الرسول لهذا السؤال، وقال: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم) فكيف يحج الناس كلهم في كل سنة؟! ثم إن مكة لا تسع الناس، فهذا السؤل ما كان ينبغي أن يسأل عنه؛ ولهذا قال: (ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم، واختلافهم على أنبيائهم) أي: الأسئلة التي فيها تكلف، وهذا من جنس أسئلة بني إسرائيل عن البقرة التي أمروا بذبحها، وكان يكفيهم أن يذبحوا أي بقرة فيحصل المقصود بها، لكنهم تشددوا تعنتوا، فسألوا ما لونها؟ وما هي؟ حتى جاء وصفها على هيئة، فقيل: إنهم بحثوا عن تلك البقرة المصوفة فصعب عليهم الحصول عليها، مع أنه كان يكفيهم أن يذبحوا أي بقرة، فتلك الأسئلة هي التي نهي عنها، وهي التي حذر منها، وما أعلم مثالاً على تحريم شيء بسبب مسألة إنسان فترتب على ذلك حرج بالمسلمين، ولكن هذا فيه ترهيب وتحذير من مثل هذه الأسئلة، والمقصود هو التنفير من مثل هذه الأسئلة التي هي من جنس ذلك السؤال الذي سأله السائل عن الحج. وأما مناسبة هذا الحديث للباب فهو يشبه الجملة الثانية من الحديث السابق: (من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً)، والمراد: أن من كان سبباً في لحوق الضرر بالمسلمين بسبب سؤاله عن أمر كان حلالاً فحرم عليهم، فإنه يصيبه ذلك الإثم بسبب ذلك الجرم الذي حصل منه، وهو يشبه ما جاء في الحديث الآخر (ما قُتلت نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها؛ لأنه أول من سن القتل).
تراجم رجال إسناد حديث (إن أعظم المسلمين في المسلمين جرماً من سأل عن أمر لم يحرم فحرم على الناس من أجل مسألته)


قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في (عمل اليوم والليلة). [ حدثنا سفيان عن الزهري ]. سفيان هو ابن عيينة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عامر بن سعد ]. هو عامر بن سعد بن أبي وقاص ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح أثر معاذ بن جبل (إن من ورائكم فتناً يكثر فيها المال...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب الهمداني حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب أن أبا إدريس الخولاني عائذ الله أخبره أن يزيد بن عميرة -وكان من أصحاب معاذ بن جبل - أخبره قال: كان لا يجلس مجلساً للذكر حين يجلس إلا قال: الله حكم قسط، هلك المرتابون، فقال معاذ بن جبل رضي الله عنه يوماً: إن من ورائكم فتناً يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن، حتى يأخذه المؤمن والمنافق والرجل والمرأة والصغير والكبير والعبد والحر، فيوشك قائل أن يقول: ما للناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن؟ ما هم بمتبعي حتى أبتدع لهم غيره، فإياكم وما ابتدع، فإن ما ابتدع ضلالة، وأحذركم زيغة الحكيم، فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحق، قال: قلت لمعاذ : ما يدريني -رحمك الله- أن الحكيم قد يقول كلمة الضلالة، وأن المنافق قد يقول كلمة الحق؟ قال: بلى، اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات التي يقال لها: ما هذه؟! ولا يثنينك ذلك عنه؛ فإنه لعله أن يراجع، وتلقى الحق إذا سمعته فإن على الحق نوراً. قال أبو داود : قال معمر عن الزهري في هذا الحديث: ولا ينئينك ذلك عنه، مكان: يثنينك، وقال صالح بن كيسان عن الزهري في هذا: المشبهات، مكان: المشتهرات، وقال: ولا يثنينك كما قال عقيل ، وقال ابن إسحاق عن الزهري قال: بلى ما تشابه عليك من قول الحكيم حتى تقول: ما أراد بهذه الكلمة؟ ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال يزيد بن عميرة وهو من أصحابه: إن معاذاً لم يكن يجلس مجلساً للذكر إلا قال: إن الله حكم قسط، هلك المرتابون، أي: إنه كان يقول هذه العبارة ويكررها في مجالسه التي يذكر فيها الناس ويعظهم، ثم إنه قال يوماً من الأيام: (إن من ورائكم -يعني: أمامكم- فتناً يكثر فيها المال) أي: يفيض فيها المال على الناس. قوله: [ (ويفتح فيها القرآن، حتى يأخذه المؤمن والمنافق، والرجل والمرأة، والصغير والكبير) ] أي: كلهم يقرأ القرآن، فالمؤمن يقرأ القرآن، والمنافق يقرأ القرآن، والصغير يقرأ القرآن، والكبير يقرأ القرآن، والمرأة تقرأ القرآن، والرجل يقرأ القرآن، فكل هؤلاء يكونون على علم ومعرفة بالقرآن. قوله: [ فيوشك قائل أن يقول: ما بال الناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن؟! ] معنى ذلك: أنه يدعوهم إلى القرآن وإلى ما فيه فلا يستجيبون له، ثم بعد ذلك يقوم بأمر منكر، وهو: أنه يفكر أو تحدثه نفسه بأن يحدث لهم شيئاً غير القرآن حتى يتبعوه؛ لأنهم لم يتبعوه على الحق. قوله: [ (ما هم بمتبعي حتى أبتدع لهم غيره) ]، فيبتدع لهم بدعة فيدعوهم إليها، وعند ذلك قال معاذ : (فإياكم وما ابتدع) وهذا فيه تحذير وترهيب مما ابتدعه المبتدع ودعاهم إليه. قوله: [(فإن ما ابتدع ضلالة)]؛ لأن كل بدعة ضلالة، وقد قال رسول الله صلى الله وسلم: (وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة). قوله: [ (وأحذركم زيغة الحكيم) ] وهو الإنسان الذي عنده حكمة، وعنده كلام حسن جميل، فيحصل منه خطأ وزلل، أو يغويه الشيطان فيحصل منه سوء فهم، فيأتي بكلام باطل يعتبر زيغة وزلة من هذا الحكيم، فيجب أن يحذر من تلك الزلات، ويجب أن تجتنب حتى لا يغتر بها. قوله: [ (فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم) ] أي: إن الشيطان قد يضل الإنسان حتى يقول كلمة الباطل والضلال، مع أنه معروف بالكلام الطيب والجميل، فإنه يحذر من زلله وخطئه وزيغه، وعكس ذلك أن المنافق قد يقول كلاماً حسناً جميلاً، فالحق يؤخذ ممن جاء به، والباطل يترك ممن جاء به. قوله: [ (قلت لمعاذ : ما يدريني رحمك الله! أن الحكيم قد يقول كلمة الضلالة، وأن المنافق قد يقول كلمة الحق؟) ] أي: أن يزيد بن عميرة سأل معاذ بن جبل عن ذلك، فأجابه معاذ بقوله: (بلى، اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات التي يقال لها: ما هذه؟) أي: اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات أو المشبهات التي تجعل الإنسان يسأل عنها: ما هذه؟ أي: لكونها شيئاً غريباً يلفت النظر، فهي قد اشتهرت بغرابتها، وبمخالفتها للكلام الحسن الذي معه، وهذا يشبه ما جاء في الحديث الذي فيه: (استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك) أي: أن الإنسان قد يرتاب ويتوقف ويتردد في الشيء لأن فيه شبهة جعلته يتردد فيه، وجعلته يقف ويسأل عن ذلك، فالإنسان أحياناً قد يسأل عن شيء فيه اشتباه؛ لأن نفسه مترددة فيه، وهناك أشياء لا يسأل عنها، وهذا مثل بعض التسميات، فيأتي ويسأل عن بعض الأسماء: هل يجوز التسمية بهذا الاسم أو لا يجوز؟ لأنه في نفسه شيء من هذه التسمية، فهذا مثال يبين أن الإنسان قد يحصل منه التوقف أو التردد في شيء، فكلام الحكيم الذي يجتنب ويحذر هو الذي يشتهر بمخالفته لغيره مما هو مستقيم، مما يجعل الناس يقولون: ما هذا؟ فهذه هي علامة ذلك الكلام الذي يكون فيه زيغ الحكيم. قوله: [ (قال اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات التي يقال لها: ما هذه؟ ولا يثنينك ذلك عنه، فإنه لعله أن يراجع) ]، أي: أن هذا الحكيم الذي حصل منه هذا الزلل والخطأ فأمرت باجتنابه وتركه، لا يثنينك ذلك عنه، بمعنى أنك لا تنابذه وتبتعد عنه وتعاديه، فلعله أن يراجع فيعود ما كان على ما كان، وقد يكون لُبس عليه، وقد يكون قال بقول خطأ فنبه عليه فرجع، فيجتنب خطؤه ولا يفاصل ويعادى، ولهذا قال: لا يثنينك، أي: لا يرجعنك ويعطفنك عنه، وفي بعض الروايات: لا ينئينك عنه، أي: لا يبعدك عنه ذلك؛ وهو من النأي، وهو البعد، وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ [الأنعام:26] أي: يبتعدون عنه. قوله: [ (وتلقى الحق إذا سمعته فإن على الحق نوراً) ]، وهذا يرجع إلى المنافق، أي: إن الحق يعرف ممن هو مبطل وعلى ضلال، فإذا كان كلاماً حسناً وصحيحاً فهو مقبول، والحق ضالة المؤمن يأخذه حيث وجده؛ ولهذا جاء في القرآن لما ذكر الله عز وجل عن الكفار: وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا [الأعراف:28]، فأنكر الله عليهم واحدة وأقر الثانية؛ لأنها حق مطابق للواقع، فقولهم: ((وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا)) هذا حق، فلم يرد عليهم الله تعالى ذلك، ولم يتعرض لها، وإنما تعرض للفقرة الثانية وهي قولهم: ((وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا))، فقال: إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ [الأعراف:28]، ولهذا جاء في القرآن: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ [الزخرف:22]، وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ [الزخرف:23]، فهذا هو الواقع. [ قال أبو داود : قال معمر عن الزهري في هذا الحديث: ولا ينئينك ذلك عنه مكان (يثنينك) ] أي: أن معمراً روى الحديث عن الزهري ، ولكنه أتى بدل: (يثنينك) (ينئينك)، ومعنى (وينئينك): يبعدنك فهو من النأي، وهو: البعد، والمعنى: لا تنأ ولا تبتعد عنه، ولا تفاصله وتتركه وتنفض يدك منه، ولا تسلط لسانك عليه بسبب هذه الزلة، فإنه لا يسلم أحد من الزلل، ولا يسلم أحد من الخطأ، ولو كان كل من أخطأ ينابذ ويبتعد عنه لما سلم أحد من ذلك، فالعالم إذا حصل منه خطأ فإنه يقبل ما عنده من الحق، ويحذر مما عنده من الخطأ، ولا يترك ما عنده من العلم، فإن من العلماء من ابتلوا ببعض مشايخهم، فحصل لهم التضرر ببعض المشايخ، فصار عندهم شيء من الانحراف في العقيدة، ومع ذلك فهم علماء ومحدثون، ولهم مؤلفات واسعة، والناس لا يستغنون عن علمهم وعن حديثهم، فلو كان كل من حصل منه خطأ يترك ويترك ما عنده، لتركت هذه المجلدات الكثيرة التي ألفها بعض أهل العلم من المحدثين الذين حصل منهم شيء من الأخطاء في العقيدة، مثل ما حصل للإمام البيهقي رحمة الله عليه، فإن له كلاماً في العقيدة في بعض الجوانب لم يصب فيه، قيل: إن السبب في ذلك هو من المشايخ، حيث يحصل بسببهم شيء من المخالفة في بعض الأمور، والإمام البيهقي محدث وإمام كبير، وله كتاب (السنن الكبرى) في مجلدات كثيرة، والناس يرجعون إليه وإلى علمه، فلو كان كل من حصل منه خطأ يترك من أجل ذلك فلن يسلم أحد من أن يترك، وكل الناس سيتركون، أو لا يسلم من الترك إلا من شاء الله عز وجل، فمن ذا الذي يسلم من الخطأ؟ وإنما الذي ينابذ هو المبتدع الذي يدعو إلى بدعة، وأما إنسان من أهل السنة وممن خدم السنة، واجتهد في نفع الناس، ثم حصل منه خطأ فإنه لا يترك، ولا تترك جهوده، ولا يحذر منه، وإنما يحذر من خطئه وزلته، وينتفع بعلمه، ويدعا له، ويحث على الاستفادة من علمه. قوله: [ وقال صالح بن كيسان عن الزهري: في هذا المشبهات، مكان (المشتهرات) ]، أي: أن صالح بن كيسان عبر بقوله: (المشبهات) بدل (المشتهرات)، وكل منهما صحيح، فالمشتهرات هي التي اشتهرت بغرابتها، والمشبهات هي التي فيها شبهة، وهذا مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى...) الحديث. قوله: [ وقال: لا يثنينك، كما قال عقيل ] أي: في الرواية التي ساقها المصنف، ولم يقل: (ينئينك) كما قال معمر . قوله: [وقال ابن إسحاق عن
تراجم رجال إسناد أثر معاذ بن جبل (إن من ورائكم فتناً يكثر فيها المال...)


قوله: [ حدثنا يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب الهمداني ]. يزيد بن خالد ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا الليث ]. هو الليث بن سعد المصري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عقيل ]. هو عقيل بن خالد بن عقيل ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب أن أبا إدريس الخولاني عائذ الله ]. ابن شهاب مر ذكره، و أبو أدريس الخولاني اسمه: عائذ الله ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن يزيد بن عميرة ]. يزيد بن عميرة ثقة، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ معاذ بن جبل ]. معاذ بن جبل رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : قال معمر عن الزهري ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وقال صالح بن كيسان عن الزهري ]. صالح بن كيسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وقال ابن إسحاق عن الزهري ]. ابن إسحاق هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. ويؤخذ من قول معاذ رضي الله عنه: (ولا يثنينك ذلك عنه) أن إقامة الحجة واجبة على المخالف، وأنه لا ينابذ ابتداء.
الأسئلة



من ابتدع بدعة وسار عليها الناس، ثم تاب هو منها


السؤال: من ابتدع بدعة وسار الناس عليها، ثم تاب هذا المبتدع، ولكن الناس ما زالوا سائرين على منهجه، فهل يقال: إن عليه آثام من تبعه، مثل أبي الحسن الأشعري رحمه الله؟ الجواب: إذا تاب من بدعته فقد سلم من مغبتها، فلا يصل إليه إثم العاملين بها.

حكم من يحج عنه من أسلم على يديه

السؤال: استدل العلماء بحديث (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه...) على أنه لا يجوز أن يحج أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأجر له، فهل يشمل هذا من أسلم على يديه شخص أنه لا يحج عنه؛ لأن الأجر له؟ الجواب: أما بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم فالإنسان إذا أراد أن يصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم شيء من الأجر بسببه فما عليه إلا أن يعمل عملاً صالحاً، فإن الله تعالى يثيب نبيه عليه الصلاة والسلام بمثل ما أثابه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم له مثل أجور جميع أمته من أولها إلى آخرها، فهو الذي دلهم إلى الحق والهدى، ولهذا لم يكن الصحابة يحجون عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كانوا يعملون الأعمال الصالحة، والله تعالى يثيب نبيه مثل ما أثابهم، لكن لا يقال: إن من أحسن إلى إنسان فإن ذلك المحسن إليه لا يحج عنه، سواء كان إحسانه بكونه أسلم على يديه، أو كونه رباه ونشأه، أو عمل له أعمالاً أخرى، فإن هذا من مقابلة الإحسان بالإحسان.

طلب العلم عند أهل البدع


السؤال: هل يدل أثر معاذ على جواز طلب العلم عند أهل البدع إذا علمت بدعتهم؟ وكثير من طلاب العلم يقولون: إن الحق يؤخذ من كل أحد حتى من المبتدع، وبناء على ذلك فيجوز القراءة في كتب أهل البدع، ويجوز الاستماع لأشرطتهم، لأخذ الحق الذي عندهم، فما رأيكم في ذلك؟ الجواب: لا يجوز القراءة في كتب أهل البدع، ولا الاستماع إلى أشرطتهم إلا لبيان ما عندهم من الضلال؛ حتى يحذر الناس ذلك، فعلى المسلم أن يشتغل بشيء لا يكون مظنة للضرر، بل يكون مأمون الجانب، فالإنسان يمكنه أن يستمع من الأشرطة، وأن يقرأ من الكتب الشيء الكثير مما هو سليم ومأمون الجانب، ويترك الذين عندهم اشتباه، أو عندهم انحرافات وأخطاء وزلات، ولا يقول: أنا آخذ وأترك، فعمرك لا يتسع لأن تقرأ كل شيء، وأن تستمع لكل شيء، فمادام أن الأمر كذلك فاشغل وقتك فيما السلامة فيه محققة. وقد يستمع الإنسان لبعض الكلام في الأشرطة، أو يقرأ بعض الكتب فيكون ذلك سبباً في تضرره."


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 03-07-2025, 09:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,727
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [517]
الحلقة (547)





شرح سنن أبي داود [517]

إن من أعظم النعم على المسلم بعد الإيمان أن يوفق إلى التمسك بالسنة، فإن ذلك نجاة له من الفتن والمحن، ونجاة من الأهواء والمحدثات، وصدق من قال: إن من نعمة الله على المحدث أن يوفقه إلى صاحب سنة. ومن أعظم الناس تمسكاً بالسنة هم سلف الأمة الصالح، وصدرها الأول، فلتتبع آثارهم، ويهتدى بهديهم، فإن ظريقتهم أعلم وأسلم وأحكم.

تابع لزوم السنة


شرح أثر عمر بن عبد العزيز الطويل في التمسك بالسنة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان قال: كتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن القدر، ح وحدثنا الربيع بن سليمان المؤذن حدثنا أسد بن موسى حدثنا حماد بن دليل سمعت سفيان الثوري يحدثنا عن النضر ح وحدثنا هناد بن السري عن قبيصة حدثنا أبو رجاء عن أبي الصلت ، وهذا لفظ حديث ابن كثير ومعناهم، قال: كتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن القدر، فكتب: (أما بعد، أوصيك بتقوى الله، والاقتصاد في أمره، واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وترك ما أحدث المحدثون بعد ما جرت به سنته، وكفوا مؤنته، فعليك بلزوم السنة فإنها لك -بإذن الله- عصمة، ثم اعلم أنه لم يبتدع الناس بدعة إلا قد مضى قبلها ما هو دليل عليها أو عبرة فيها، فإن السنة إنما سنها من قد علم ما في خلافها -ولم يقل ابن كثير من قد علم- من الخطأ والزلل والحمق والتعمق، فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم، فإنهم على علم وقفوا، وببصر نافذ كفوا، ولهم على كشف الأمور كانوا أقوى، وبفضل ما كانوا فيه أولى، فإن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقتموهم إليه، ولئن قلتم إنما حدث بعدهم، ما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم، ورغب بنفسه عنهم، فإنهم هم السابقون، فقد تكلموا فيه بما يكفي، ووصفوا منه ما يشفي، فما دونهم من مقصر، وما فوقهم من محسر، وقد قصر قوم دونهم فجفوا، وطمح عنهم أقوام فغلوا، وإنهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم. كتبت تسأل عن الإقرار بالقدر، فعلى الخبير -بإذن الله- وقعت، ما أعلم ما أحدث الناس من محدثة، ولا ابتدعوا من بدعة هي أبين أثراً، ولا أثبت أمراً من الإقرار بالقدر، لقد كان ذكره في الجاهلية الجهلاء، يتكلمون به في كلامهم وفي شعرهم، يعزون به أنفسهم على ما فاتهم، ثم لم يزده الإسلام بعد إلا شدة، ولقد ذكره رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في غير حديث ولا حديثين، وقد سمعه منه المسلمون فتكلموا به في حياته وبعد وفاته، يقيناً وتسليماً لربهم، وتضعيفاً لأنفسهم أن يكون شيء لم يحط به علمه، ولم يحصه كتابه، ولم يمض فيه قدره، وإنه مع ذلك لفي محكم كتابه، منه اقتبسوه، ومنه تعلموه، ولئن قلتم لم أنزل الله آية كذا؟ ولم قال كذا؟ لقد قرءوا منه ما قرأتم، وعلموا من تأوليه ما جهلتم، وقالوا بعد ذلك: كله بكتاب وقدر، وكتبت الشقاوة، وما يقدر يكن، وما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا نملك لأنفسنا ضراً ولا نفعاً، ثم رغبوا بعد ذلك ورهبوا) ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، وذلك أنه سئل عن القدر، فأجاب عنه بهذا الجواب الواسع، فقال في أوله: [ كتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن القدر فكتب: أما بعد، أوصيك بتقوى الله، والاقتصاد في أمره، واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ]. وهذا فيه الرجوع إلى أهل العلم، وسؤالهم عن أمور الدين، سواء كان ذلك في الأصول أو الفروع، فهذا الرجل كتب يسأل عن القدر، فأجابه عمر رضي الله عنه بهذا الجواب، وقد أوضح فيه ما يتعلق بهذا الموضوع الذي سأله عنه، وزاده تثبيتاً وإيضاحاً بقوله: (على الخبير وقعت) أي: أنك سألت من عنده علم بهذا الذي سألت عنه؛ ليطمئن إلى الجواب، وليكون على هذا النهج والطريق الصحيح الذي كان عليه سلف هذه الأمة من الصحابة، ومن سار على منوالهم، ثم إنه أوصاه في البداية بأربع جمل، فقال: (أوصيك بتقوى الله)، وتقوى الله عز وجل هي سبب كل خير وصلاح وفلاح وسعادة في الدنيا والآخرة، وتقوى الله عز وجل هي: طاعته، وهي: أن يجعل الإنسان بينه وبين غضب الله وقاية تقيه منه، وذلك بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
موافقة عقيدة السلف الصالح وما كانوا عليه للفطرة السليمة


هذا الأثر الطويل هو عن تابعي، وهو عمر بن عبد العزيز الخليفة الإمام المشهور الذي كان على رأس المائة، وقد ولي الخلافة لمدة سنتين، وتوفي وعمره أربعون سنة -رحمة الله عليه- وكان إماماً فقيهاً محدثاً، وقد جاءت عنه نقول كثيرة في بيان السنة، وفي التحذير من البدع والأهواء، ومن ذلك هذا الأثر الطويل الذي ساقه المصنف هنا، وقد جاء عنه أثر آخر مشهور وهو أن رجلاً سأله عن شيء من الأهواء، فقال له: (الزم دين الصبي والأعرابي، والْهُ عما سوى ذلك) أي: خذ بما هو باقٍ على الفطرة، وهو الذي عليه العوام والصبيان والأعراب الذين لم تتلوث أفكارهم بشيء من الأهواء، فهم ما زالوا على الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وهذا كما كشأن الجارية التي سألها رسول الله صلى الله عليه فقال لها: (أين الله؟ فأشارت إلى السماء، وسألها عن نفسه، فأشارت إلى أنه رسول الله -صلوات الله وسلامه وبركاته عليه)، فعقيدة أهل السنة والجماعة مطابقة للفطرة، وعقائد المتكلمين خارجة عن الفطرة، ولهذا فإن العوام على عقيدة سليمة، وأما الذين تعلموا في المؤسسات العلمية التي تنهج مناهج مخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة فقد انحرفوا عن الجادة بسبب ذلك، ولهذا قال عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه كما جاء في (طبقات ابن سعد ): (إلزم دين الصبي والأعرابي)، أي: الزم الشيء الذي كان عليه الصبيان والأعراب، وهو الفطرة التي فطر الله الناس عليها، فصر إليه ولا تصر إلى شيء يخالفه، وهذا الذي قاله عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه قد جاء عن بعض المتكلمين الذين ابتلوا بعلم الكلام، ومنهم الرازي، فإنه كان من المتمكنين في علم الكلام، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في ترجمته في (لسان الميزان) نقلاً عن بعض أهل العلم عنه أنه كان يقول مع تبحره في علم الكلام: الفائز من كان على عقيدة العجائز، يعني: على الفطرة. إن كثير ممن ابتلوا بعلم الكلام ندموا على ذلك، وأظهروا الندم والحسرة، وفيهم من ذم علم الكلام كما حصل من الغزالي في كتابه: ( الإحياء) فإنه ذمه ذماً بليغاً، ونقل ذلك عنه في (شرح الطحاوية) وقال: كلامُ مثله في ذلك حجة بالغة؛ لأنه تكلم فيه عن علم، فقد كان متمكناً فيه، وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر:14]، وقد ذمه ذماً بليغاً وعظيماً. إذاً: فعقيدة العوام والأعراب والصبيان عقيدة مبنية على الفطرة، فلم تتلوث بأفكارٍ خارجة عن الفطرة جاءت نتيجةً للتعلم، أو بسبب الأخذِ عن أهل البدع والأهواء.
الأمر بتقوى الله تعالى والاقتصاد في أمره


وقد أورد أبو داود رحمه الله هذا الأثر الطويل عن عمر بن عبد العزيز وقد سأله رجل عن القدر، فكتب إليه، وأوضح وبين له الجواب، وأتى قبل الإجابة على السؤال بتمهيد بيّن أموراً عامة تتعلق بالعقيدة، وبيّن المسلك الذي ينبغي على الإنسان أن يسلكه، فأوصاه أولاً بتقوى الله، وتقوى الله عز وجل هي وصية الله للأولين والآخرين، قال الله عز وجل: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء:131] وتقوى الله عز وجل هي سبب كل خير، وهي سبب كل صلاح وفلاح في الدنيا والآخرة، وهي: أن يجعل الإنسان بينه وبين غضب الله وقاية تقيه منه، وذلك بامتثال الأوامر، واجتناب النواهي، والتصديق بالأخبار، فهذا هو المعنى الشرعي للتقوى، وأما المعنى اللغوي للتقوى فهو: أن يجعل الإنسان بينه وبين الشيء الذي يخافه وقاية تقيه منه، وهذا المعنى أعم من المعنى الشرعي، والمعاني الشرعية في الغالب هي جزء من المعاني اللغوية، فتجد المعنى اللغوي عاماً والمعنى الشرعي خاصاً، وذلك مثل الحج، فإنه في اللغة: القصد، وفي الشرع قصد خاص، وهو: قصد مكة لأداء مناسك مخصوصة، فهو إذاً جزء من جزئيات المعنى اللغوي وكذلك العمرة، فإن معناها لغة: الزيارة، وهذا معنى عام، وأما في الشرع: فهي زيارة البيت للطواف فيه، والسعي بين الصفا والمروة، وكذلك الصوم، فهو لغة: الإمساك، فيشمل الإمساك عن الكلام، والإمساك عن الأكل والشرب، فكل ذلك يقال له صوم في اللغة، وأما في الشرع: فهو إمساك مخصوص، أي: الإمساك عن الأكل والشرب وسائر المفطرات، وذلك من طلوع الشمس إلى غروبها، وعلى هذا فإن تقوى الله عز وجل معناها لغة: أن يجعل الإنسان بينه وبين ما يخافه وقاية تقيه منه، فإنه إذا خاف التأثر من الرمضاء والشوك والحجارة يجعل وقاية بلبس النعال والخفاف، وكذلك إذا تأذى من البرد فإنه يلبس الألبسة الثقيلة التي تقيه شدة البرد،.. وهكذا، وأما في الشرع فكما ذكرنا سابقاً. وكان أول شيء أوصى به ذلك الرجل هو تقوى الله، وهذه وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كان يوصي بها كثيراً، فكان إذا أمَّر أميراً على جيش أوصاه بتقوى الله، وأوصاه بمن معه من المسلمين خيراً، كما جاء في حديث بريدة بن الحصيب الطويل الذي اشتمل على وصايا عديدة تتعلق بالجهاد والغزو في سبيل الله، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن)، فتقوى الله عز وجل هي وصية الله للأولين والآخرين، وهي التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي بها، وهي معنى جامع لكل خير، فهي تشتمل على فعل المأمورات، وترك المحذورات. ثم أوصاه بعد ذلك بالاقتصاد فقال: (والاقتصاد في أمره) يعني: فيما يأمر الله تعالى به، فالإنسان يقتصد ويتوسط، فلا يكون مشدداً على نفسه، ولا مكثراً من الشيء حتى يمل منه ويفتر، ولا أن يكون مقصراً بحيث يكون مهملاً، ولكن عليه أن يأتي بالأشياء المشروعة، فيأتي بما هو واجب، ويحرص على أن يأتي بالأمور المستحبة، ويداوم على ذلك، وكما يقولون: قليلٌ تداوم عليه خير من كثير تنقطع عنه، وذلك أن الإنسان إذا داوم على الشيء -ولو كان قليلاً- فإنه يكون دائماً على صلة بالله، وذلك بالإتيان بالعبادة الواجبة، والتقرب إلى الله بالنوافل ولو كانت قليلة، وإذا داوم على ذلك فإنه في أي وقت يأتيه الموت يكون على حالة طيبة، وأما إذا كان يجتهد في بعض الأحيان ثم يهمل فقد يأتيه الموت في حال الإهمال، ولهذا جاء عن بعض العلماء أنه قيل له: إن أناساً يجتهدون في رمضان فإذا خرج تركوا، فقال: فبئس القوم هم، لا يعرفون الله إلا في رمضان.
اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم وترك البدع والمحدثات


قوله: [ واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ]، ومعلوم أن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم بالمعنى العام -كما مر في أول (كتاب السنة)- هي كل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (ومن رغب عن سنتي فليس مني)، فسنته هنا: ما جاء به من الكتاب والسنة، والتزام سنته يكون باتّباع كل ما جاء به عليه الصلاة والسلام من الوحي كتاباً وسنة، فمن فعل ذلك فهو سائر على منهاج النبوة، وهو سالك طريقة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وهذه هي الوصية الثالثة. ومعنى اتباع السنة: أن يعرف السنة ويعمل بها، فيكون بذلك متبعاً لا مبتدعاً. والوصية الرابعة -وهي تقابل اتباع السنة- وهي النهي عن اتباع المحدثات والأخذ بها، فعلى المسلم أن يترك ما أحدثه الناس في دين الله، وليكن متبعاً للسنة تاركاً للبدعة، وهاتان الوصيتان قد جاءتا في حديث العرباض بن سارية حيث قال: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً)، ثم أرشد إلى اتباع السنة بقوله: (فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)، فأمر باتباع السنة، وحذر من الوقوع في البدعة، ففيهما ترغيب في السنن، وتحذير من البدع، فقوله: (فعليكم بسنتي) ترغيب، وقوله: (وإياكم ومحدثات الأمور) ترهيب، وقد مر حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه مشروحاً قريباً في الباب الذي قبل هذا. قوله: [ وترك ما أحدث المحدثون بعد ما جرت به سنته ] أي: بعد أن جاءت الشريعة واكتملت، وثبتت السنة واستقرت، فلا يضاف إليها شيء؛ لأنها شريعة كاملة لا تحتاج إلى إضافات، فهي في غاية التمام والكمال، وكل ما يحتاج إليه الناس في أمور دينهم قد بينه الرسول صلى الله عليه وسلم، فالواجب هو الاتباع وترك الابتداع. قوله: [ بعد ما جرت به سنته ] أي: بعدما جاءت السنة واستقرت وعرفت، فإن إحداث شيء بعدها يُعدُّ من البدع، ويعدّ من محدثات الأمور؛ ولهذا فإن إضافة شيءٍ إلى شريعة الله عز وجل وإلحاقه وإلصاقه بها ولم يشرعه الله يُعدُّ اتهاماً للشريعة بالنقصان، وأنها تحتاج إلى تكميل، وقد جاء عن مالك بن أنس رحمة الله عليه أثر عظيم ذكره الشاطبي في كتاب (الاعتصام) قال: (من قال: إن في الإسلام بدعة حسنة فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم خان الرسالة؛ لأن الله تعالى يقول: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3]، ثم قال: ما لم يكن ديناً يومئذ فإنه لا يكون اليوم ديناً) يعني: أن ما لم يكن ديناً في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإنه لا يكون ديناً بعد ذلك، ومعنى ذلك: أن الإنسان عندما يأتي بشيءٍ لم يشرعه الله تعالى فيضيفه إلى الشريعة، فكأنه يزعم بلسان حاله أن الشريعة ناقصة تحتاج إلى تكميل، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبلغ الرسالة كاملة، والحق أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يمت إلا وقد بلغ كل شيءٍ أُمر بتبليغه، وقد ذكر البخاري رحمه الله في صحيحه أثراً عن الزهري أنه قال: (من الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم) فقوله: (من الله الرسالة) فقد حصل ذلك، وقد أرسل الله الرسل، وأنزل الكتب (وعلى الرسول البلاغ)، وقد حصل ذلك أيضاً على التمام والكمال (وعلينا التسليم)، وهنا ينقسم الناس إلى موفق ومخذول، فمنهم من يسلِّم فيسلم، ومنهم من لا يحصل منه التسليم فيحصل له الانحراف والإعراض عن الجادة التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فالحاصل أن الشريعة قد استقرت وليس هناك شيءٌ يضاف إليها بعدما أكملها الله عز وجل؛ ولهذا جاء عن الحسن البصري رحمة الله عليه في تفسير قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ [المائدة:67] أنه قال مشيراً إلى مذهب الجهمية الذي أحدثه الجعد بن درهم ، (لو كان ما يقوله الجعد حقاً لبلغه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله تعالى أمره بالتبليغ)، فكيف يكون حقاً ولم يبلغه الرسول صلى الله عليه وسلم؟! إذاً فهو باطل، وهو من محدثات الأمور، وهو داخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي) وليس هذا من سنته، وإنما هو خارج عن سنته، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يترك شيئاً يقرب إلى الله عز وجل إلا ودل عليه، ولم يترك شيئاً يباعد من الله عز وجل إلا حذر منه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. فهذه هي الوصايا الأربع النفيسة التي افتتح بها عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه إجابته لهذا الرجل الذي سأله عن القدر، ومهد له بهذا التمهيد، وأتى بهذه الأمور العامة التي عليه أن يأخذ وأن يتقيد بها؛ لأنها مدخل للقدر وغير القدر، فكل ذلك لابد أن ينبني على السنة، وأن يجتنب ما أحدث المحدثون، وابتدعه المبتدعون. قوله: [ واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وترك ما أحدث المحدثون بعد ما جرت به سنته، وكفوا مؤنته ] أي: بما أنزل الله عز وجل من الحق والهدى على رسوله، واتبعه على ذلك أصحابه، فالواجب أن يسار على منوالهم، وأن يسلك مسلكهم، ولا يُخرج عن هذا الطريق المستقيم الذي جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد كفوا تلك الأمور المحدثة بما أنزله الله عز وجل من الوحي، وبما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من السنن، فليسوا بحاجة إلى أن يأتوا بأشياء خارجة عن ذلك، ولا يجوز لأحد أن يضيف إليها شيئاً ليس منها، وإن حصل شيء من ذلك فإنه مردود على صاحبه كما جاء في الحديث المتفق على صحته عن أم المؤمنين عائشة وقد مر قريباً: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد). وقد عرفنا أيضاً أن العمل المقبول عند الله تعالى لا ينفع صاحبه إلا إذا توافر فيه أمران: الأول: أن يكون خالصاً لوجه الله، والثاني: أن يكون مطابقاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا اختل أحد هذين الشرطين فإن العمل يكون مردوداً على صاحبه.

التمسك بالسنة عصمة من الزيغ والضلال


قوله: [ فعليك بلزوم السنة ] أي: اتبع السنن، واحذر البدع، واسلك المسلك القويم، وسر على الصراط المستقيم الذي جاء به الرسول الكريم عليه أتم الصلاة وأزكى التسليم، وهو الذي كان عليه أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، فإنهم السباقون إلى كل خير، والحريصون عليه، ولتحذر من الأهواء والبدع التي أحدثت بعدهم، فإنه لا يمكن بحال من الأحوال أن يقال: إن شيئاً من الأهواء والبدع المحدثة التي جاءت بعد الصحابة أو في زمنهم ولم يكونوا عليها إنها حق، بل هي باطل، والحق هو ما كان عليه أصحاب رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ولو كانت تلك الأهواء التي ابتدعها من ابتدعها حقاً لبلغها الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال الحسن البصري ، ولو كانت حقاً لسبق إليها السابقون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أحسنوا في أعمالهم، وتقيدوا بسنة الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وقد سلم من تلك الأهواء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابتلي بها من بعدهم، فلا يمكن أن يقال بحال من الأحوال: إنه حق حجب عن الصحابة وحيل بينهم وبينه، وادخر لأناس يجيئون بعدهم، فهذا لا يصح أن يقال، ولا يصح أن يفكر فيه. قوله: [ فعليك بلزوم السنة فإنها لك بإذن الله عصمة ] أي: عصمة من الزلل، وعصمة من الضلال؛ لأنها حق جاء من عند الله الذي هو بكل شيء عليم، ولم تأت من عند البشر، فالواجب اتباع السنن التي جاءت من عند الله، والتي أنزلها الله وحياً على رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، فإن العصمة فيها؛ لأن العصمة إنما تكون فيما جاء عن المعصوم صلى الله عليه وسلم، وليست في كلام غير المعصوم، فغيره -عليه الصلاة والسلام- يخطئ ويصيب، وأما هو فهو معصوم فيما يبلغ عن الله، وكل ما يأتي به فهو حق، ومن أخذ به أخذ بما فيه من العصمة، ومن حاد عنه فإنه يقع في الأمور المنكرة والأمور المحدثة. قوله: [ ثم اعلم أنه لم يبتدع الناس بدعة إلا قد مضى قبلها ما هو دليل عليها، أو عبرة فيها ] أي: قد مضى في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يبِّين أنها ليست حقاً -أي هذه البدعة-؛ لأنها مخالفة لما جاء في الكتاب والسنة، فهي خارجة عن الجادة، وليست على الصراط المستقيم، كما قال تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153] فالدين قد كمل، والشريعة قد استقرت، ولهذا فإن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لما صلى بالناس في شهر رمضان بعض الصلوات جماعة ترك الصلاة بهم بعد ذلك خشية أن يفرض عليهم قيام رمضان، لأن الزمن زمن تشريع، ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستقرت الشريعة، وانقطع الوحي، وليس هناك مجال لفرض شيء، وعُلم بأن هذا الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم هو سنة ومستحب، فعند ذلك جمع عمر رضي الله عنه وأرضاه الناس إلى قيام الليل وصلاة التراويح في رمضان، فالذي خشي منه الرسول صلى الله عليه وسلم هو أن يفرض عليهم، أما وقد استقرت الشريعة، فليس هناك تشريع بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فعمر رضي الله عنه أعاد الناس إلى ما كانوا عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ فإن السنة إنما سنها من قد علم ما في خلافها -ولم يقل ابن كثير: من قد علم- من الخطأ والزلل والحمق والتعمق ]، لقد جاءت السنة من عند الله، فهو الذي سنها وشرعها وأوحاها إلى رسوله صلى الله علي وسلم، فهو يعلم ما في خلافها من الخطأ، وما في خلافها من الضلال، والحمق والتكلف، وعلى هذا فالسنة فيها العصمة كما مر في قوله: (عليك بلزوم السنة فإنها لك بإذن الله عصمة)، والذي سنها وأنزلها على رسوله صلى الله عليه وسلم هو الله سبحانه وتعالى، وهو يعلم ما في خلافها مما يحدثه الناس من الحمق، ومن التكلف، ومن الخطأ والزلل والضلال. إذاً: فالسنة سليمة من كل ضرر، وغيرها مما هو على خلافها كله ضرر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)، وهذا فيه بيان عظم شأن الشريعة وشأن السنن، وأنها من عند الله، وأن الذي شرعها هو بكل شيء عليم، وهو يعلم ما في خلافها من الضرر، وما فيها من الخير؛ ولهذا فإن لزومها فيه السعادة والسلامة، والخروج عنها إلى محدثات الأمور وإلى البدع المحدثة فيه الصفات الذميمة التي أشار إلى شيءٍ منها في قوله: (يعلم ما في خلافها من الحمق، والخطأ، والتعمق) أي: التكلف.

الرضا بما كان عليه السلف الأولون


قوله: [ فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم ]، القوم هنا هم: الصحابة، فلا تشذ عنهم، ولا تخرج عن طريقهم، ولا تتصور أن ما أنت عليه من الباطل حق ظفرت به، وأنه حُجب عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يظفروا به، فمعاذ الله أن يكون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حيل بينهم وبين الحق، وأن يكون قد ادُّخر لأناس يجيئون من بعدهم؛ ولهذا فإن الخير كل الخير، والسعادة كل السعادة في اتباع ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وأما ما أحدث بعدهم فهو من البدع التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة..) ولهذا قال هنا: (فارض لنفسك ما رضي به القوم) أي: يكفيك ما كفى الصحابة، فلا تخرج عن طريقهم، وقد جاء في الأثر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي أورده الدارمي في سننه في قصة الجماعة الذين كانوا متحلقين في المسجد، وكانوا يسبحون بالحصى، وفيهم شخص يقول: كبروا مائة.. هللوا مائة.. سبحوا مائة، ويعدون ذلك بالحصى حتى يكملوا هذا العدد، فوقف على رءوسهم أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود وقال: [ ما هذا يا هؤلاء؟! عدوا سيئاتكم فأنا ضامن ألّا يضيع من حسناتكم شيء، ثم قال: إما أن تكونوا على طريقة أهدى مما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أنكم مفتتحو باب ضلال، قالوا سبحان الله يا أبا عبد الرحمن ! ما أردنا إلا الخير في هذا الذي نفعله، فقال رضي الله عنه: (وكم من مريدٍ للخير لم يصبه)، أي: أن هذا من البدع والمحدثات، والحاصل أنه بيّن لهم أن الحق إنما هو في ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن مخالفتهم وفعل شيء لم يكن على منهجهم وطريقتهم إنما هو من الضلال والبدع المحدثة.
عظمة علم السلف وبعد نظرهم

قوله: [ فإنهم على علم وقفوا ] أي: أن المنهج الذي ساروا عليه، والمسلك الذي سلكوه إنما صاروا إليه عن علم وقفوا عليه من كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلم يحصل منهم شيء من الابتداع، وإنما صاروا إلى ما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم قال: [وببصرٍ نافذٍ كفوا] أي: أن ما أقدموا عليه فقد أقدموا عليه على دليل واضح، وحجةٍ بيِّنة، وما تركوه وكفوا عنه وأعرضوا عنه من هذه الأمور المحدثة، وهذه الأمور التي تعمق فيها المتعمقون، وتكلف فيها المتكلفون، إنما تركوه ببصرٍ نافذ، فأخذوا بالحق والهدى على بيّنة من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهو يبيّن أنّهم هدوا إلى الحق والهدى واتبعوه، وأن ذلك حصل بوقوفهم عليه، وأنهم كَفُّوا عن الأمور المحدثة والمنكرة، فلم يشغلوا أنفسهم بها، ولم يكلفوا أنفسهم شيئاً منها، وإنما التزموا المنهج القويم الذي جاء في القرآن الكريم، وتركوا السبل الخارجة عن ذلك الطريق الذي قال فيه الله عز وجل: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153]، فكلام هذا الإمام وهذا الخليفة العالم الفقيه المحدث رحمه الله تعالى درر، وهكذا من وفقه الله أن يكون على طريق الحق والهدى، فإنه يخرج منه درر. قوله: [ ولهم على كشف الأمور كانوا أقوى ]. أي: هم أقوى من غيرهم على إيضاح ما يحتاج إلى إيضاح، وهم أبعد الناس عن الأشياء التي فيها ضرر، وما حصل ذلك إلّا بنفاذ بصيرتهم. قوله: [ وبفضل ما كانوا فيه أولى ] أي: أولى من غيرهم في معرفة الحق والسير عليه، وأما الذين خرجوا عن منهجهم وطريقتهم فقد وقعوا في أمور سلم الله منها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحدثوا أموراً وابتدعوها ما أنزل بها من سلطان، فعليهم آثامها وآثام كل من ابتلي بها.
استحالة أن يكون المتأخرون على حق والسلف على خلافه


قوله: [ فإن كان الهدى ما أنتم عليه ] أيها المتأخرون! أي: أهل الأهواء والبدع، [ فقد سبقتموهم إليه ] أي: أن هذا الحق قد فات الصحابة ولم يظفروا به، وأنتم ظفرتم به، وهذا لا يمكن أن يكون؛ لأن الحق والهدى هو ما كان عليه أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، كما جاء في حديث الفرقة الناجية، قال: (هم من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي)، وكما قال عبد الله بن مسعود : (إما أنكم على طريقة أهدى مما كان عليه أصحاب الرسول، أو أنكم مفتتحو باب ضلالة). قوله: [ولئن قلتم إنما حدث بعدهم ما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم، ورغب بنفسه عنهم، فإنهم هم السابقون]، وهذا صحيح، فإن الذين أحدثوا ذلك هم الذين اتبعوا غير سبيل المؤمنين، ولهذا يقول الله عز وجل وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى [النساء:115]، إذاً: فهؤلاء خارجون عن سبيل المؤمنين، وصاروا إلى خلاف ذلك، ولا يمكن بحال من الأحوال أن يقال: إن هؤلاء الذين أحدثوا تلك الأمور هم أولى بالحق من الصحابة، بل إن الحق ما كان عليه الصحابة، وأما هؤلاء فخذلوا وابتلوا بتلك الأهواء والآراء المحدثة التي ما أنزل الله تعالى بها من سلطان.
الخير والهدى في اتباع سلف الأمة


قوله: [ فإنهم هم السابقون، فقد تكلموا فيها بما يكفي ووصفوا منه ما يشفي ] أي: أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم السباقون إلى كل خير، وهم الحريصون عليه، فلا يمكن أن يسبقهم غيرهم إلى ذلك بأن يحجب الحق عنهم ويدَّخر لأناسٍ يجيئون من بعدهم، بل إن الحق والهدى هو ما كانوا عليه رضي الله عنهم، وما سوى ذلك فهو من محدثات الأمور. قوله: [فإنهم هم السابقون، فقد تكلموا فيه بما يكفي، ووصفوا منه ما يشفي ] أي: بما يكفي عن ما أحدثه الناس، فقد تكلموا في أمور العقيدة، وفي مسائل العلم بما يكفي. قوله: [ ووصفوا منه ما يشفي ] أي: يشفي غيرهم، وليس الحق والهدى في كلام غيرهم ممن جاء بعدهم وأحدث المحدثات، وإنما الحق والهدى فيما كانوا عليه، وفيما قالوه، وفيما دلوا وأرشدوا إليه. قوله: [ فما دونهم من مقصر، وما فوقهم من محسر ] أي: أنهم حبسوا أنفسهم عن أشياء ولم يتكلموا فيها، فليس هناك أحدٌ سكت كسكوتهم، ولا هناك أحدٌ فوقهم كشف أشياء لم يكشفوها، أو أظهر أشياء لم يظهروها، بل إنهم سكتوا عن كل شر، وكذلك ليس فوقهم أحدٌ يكشف الأمور ويوضحها ويحسر عنها ويبينها، فهم قد بينوا كل حق، وسلموا من أن يقعوا في الأمور الباطلة والمحدثة.
خطأ وضلال من ترك منهج السلف الصالح


قوله: [ وقد قصّرَ قومٌ دونهم فجفوا، وطمح عنهم أقوامٌ فغلوا ]، وهذا يوضح الجملة السابقة في التقصير والحسر، فإن أناساً قصروا عنهم فجفوا، وأناساً تجاوزوا ما هم عليه، وكشفوا عن الأمور على وجهٍ يخالف ما أوضحوه وبينوه، وذلك بالدخول في علم الكلام، وتأويلهم النصوص الشرعية من كتاب وسنة على ما يوافق بدعهم، وليّهم أعناق النصوص حتى تتفق مع الباطل الذي كانوا عليه، وأما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد وقفوا عند النصوص فلم يقصروا عنها، ولم يتجاوزوها. قوله: [ وإنهم بين ذلك لعلى هدىً مستقيم ] أي: بين الإفراط والتفريط، وبين الغلو والجفاء، فهم على صراط مستقيم، وكما قال أبو سليمان الخطابي رحمه الله: فلا تغل في شيء من الأمر واقتصد كلا طرفي قصد الأمور ذميم فالطرفان اللذان يتوسطهما الحق مذمومان، وهما طرفا الإفراط والتفريط.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 03-07-2025, 09:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,727
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

الإيمان بالقدر ومنزلته في الدين ومراتبه

قوله: [ كتبت تسأل عن الإقرار بالقدر، فعلى الخبير بإذن الله وقعت ]، الكلام الذي مضى كله كلام عام يتعلق باتباع السنن، واتباع منهج الصحابة، والحذر من البدع مطلقاً، فهو كلام عام فيه وصايا نافعة، وفيه بيان المنهج الصحيح، والطريق المستقيم؛ طريق الفرقة الناجية، وهو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأن ما سوى ذلك فهو من البدع والمحدثات، وهذا الكلام يدخل فيه القدر وغير القدر، ثم إنه بعدما أتى بهذا الكلام المفيد العظيم رجع إلى سؤاله، ثم إنه قبل أن يجيبه على سؤاله في القدر قال له: (فعلى الخبير بإذن الله وقعت) أي: عندي علم ما تسأل عنه، وإنما قال هذا من أجل أن يحفزه على أن يعرف ما يقول له، وأنه إنما قال ذلك عن علمٍ وبصيرة، ثم أخذ يوضح له ذلك، ولم يقل هذا الذي قاله ثناءً على نفسه، وإنما قاله ترغيباً وتحفيزاً له إلى أخذ ما يقوله له، وحتى تطمئن إليه نفسه، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحصل منهم شيءٌ من هذا، وليس ذلك من أجل مدح النفس ولا الثناء عليها، وإنما هو من أجل أن يرغبوا الناس في تلقي ما يجيبون به، وهذا من كمال النصح من سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان. ثم بدأ بالكلام على القدر فقال: [ ما أعلم مما أحدث الناس من محدثة، ولا ابتدعوا من بدعة هي أبين أثراً، ولا أثبت أمراً من الإقرار بالقدر ]، وهذا يحتمل وجهين: الوجه الأول: أن المقصود بذلك أنه بدعة لغوية، وليس من البدع الشرعية، والمقصود بكونه بدعة أن الكتابة والتبيين فيه إنما جاء متأخراً، وأما التبيين والإيضاح فقد جاء في الشريعة وبينه الصحابة، ولكن تدوين القدر والكلام فيه إنما جاء بعد ذلك، كما أن السنن كلها إنما دونت بعد ذلك، (وهذا ذكره صاحب عون المعبود). الوجه الثاني: هذه البدع الواضحة الجلية التي أحدثها الناس فإن الإقرار بالقدر وأنه حق أوضح وأبين منها، فكما أنها ماثلة للعيان ومشاهدة ومعاينة وهي بدعٌ محققة ما أنزل الله بها من سلطان، فأمر القدر من حيث حصوله ووقوعه هو أبين من هذا الذي أحدثه الناس. قوله: [ لقد كان ذكره في الجاهلية الجهلاء، يتكلمون به في كلامهم وفي شعرهم، يعزون به أنفسهم على ما فاتهم ] أي: أن القدر قد جاء في كلام أهل الجاهلية. وقوله: (في الجاهلية الجهلاء) يحتمل وجهين: إما أن يكون: ولقد كان ذكره في الجاهلية الجهلاء، ويكون الجُهلاء فاعل، أو تكون: الجَهلاء بفتح وتكون وصفاً للجاهلية، أي: لقد كان ذكره في الجاهلية الجَهلاء، فيكون الفاعل محذوفاً دل عليه ما بعده، وتكون (الجَهلاء) وصفاً للجاهلية وأنها في غاية الجهالة والضلالة، فيكون الجهلاء إما أنه جمع جاهل، وإما أنه وصفٌ للجاهلية، فهي موصوفة بشدة الجهل. قوله: [ ثم لم يزده الإسلام بعدُ إلا شدة ] أي: أنه جاء في إثباته وتقريره وتوضيحه، وأن كل شيء بقضاء وقدر، وأنه لا يقع في ملك الله إلا ما شاءه الله سبحانه وتعالى، وكل أمر واقع فقد سبق به علم الله أزلاً، وقد كتب ذلك في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة كما ثبت ذلك في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أوجده الله تعالى طبقاً لما علمه أزلاً، وطبقاً لما كتب في اللوح المحفوظ، وطبقاً لما شاءه الله وأراده، وهذه هي مراتب القدر الأربع التي لا بد منها في الإيمان بالقدر، وهي: الأولى: العلم الأزلي، فالله تعالى قد علم أزلاً كل ما هو كائن، ولم يتجدد لله علم بشيء لم يكن يعلمه من قبل، بل الله تعالى بكل شيء عليم، فكل حركة أو سكون في الوجود فقد علمه الله تعالى أزلاً، وأما ما جاء في بعض الآيات من ذكر الاختبار حتى يعلم الله تعالى ما سيفعل العباد، كما قال الله عز وجل: وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ [البقرة:143]، فليس معنى ذلك: أنه يحصل لله علم لم يكن حاصلاً له من قبل، وإنما المقصود من ذلك: ظهور علم يترتب عليه ثوابٌ وعقاب، ويترتب عليه جزاء، فهذا هو المقصود من ذلك، وليس المقصود من ذلك أنه لم يكن يعلم حتى حصل هذا الشيء بهذا الاختبار والابتلاء، فالله تعالى يعلم كل شيء أزلاً. والمرتبة الثانية من مراتب القدر: كتابة الله عز وجل تلك الأمور التي ستقع في اللوح المحفوظ قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، كما ثبت ذلك في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمرتبة الثالثة: المشيئة والإرادة، وأن الله شاء وأراد وجود هذا الشيء. والمرتبة الرابعة: الإيجاد، وهو إيجاد الله لذلك الشيء الذي أراد وجوده، فيقع طبقاً لما علمه أزلاً، وطبقاً لما كتب في اللوح المحفوظ، وطبقاً لما شاءه وأراده، فما من أمر يقع في الوجود إلا وقد اجتمع فيه هذه المراتب الأربع، فمثلاً: وجودنا في هذا المكان، وفي هذا الزمان، فإن هذه المراتب الأربع تتوافر فيه، فالله تعالى قد علم أزلاً أننا سنجتمع في هذا الزمان وفي هذا المكان، وكتب في اللوح المحفوظ أننا سنجتمع، وشاء الله أن نجتمع، وحصل اجتماعنا على هذه الهيئة طبقاً لما علمه الله أزلاً، ولما كتبه في اللوح المحفوظ، ولما شاءه وأراده، فكل ما يقع فقد شاءه الله، وأما ما لم يقع فلم يشأه الله، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، (واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك) أي: أن الشيء الذي قُدِّر أن يحصل لك لا يتخلف عنك، والشيء الذي قد تخلف عنك لا يحصل لك، وعقيدة المسلمين مبنية على هاتين الكلمتين: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
إثبات القدر وورود أدلته في الكتاب والسنة


قوله: [ ولقد ذكره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غير حديث ولا حديثين، وقد سمعه منه المسلمون فتكلموا به في حياته وبعد وفاته ]. لقد جاء القدر في كتاب الله عز وجل، وذكره الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، فقال الله عز وجل: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49] وقال: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحديد:22] وقال: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا [التوبة:51] ، وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن (لو) تفتح عمل الشيطان)، فقوله: (احرص على ما ينفعك) أي: خذ بالأسباب، ومع أخذك بالأسباب اعتمد على مسبِّب الأسباب وهو الله سبحانه وتعالى، ولهذا قال: (واستعن بالله)؛ لأن الإنسان إذا أخذ بالأسباب ولم يحصل له عون وتوفيق من الله تعالى فلا يحصل ما يريد، فمجرد الأخذ بالأسباب لا يكفي، بل يُحتاج إلى شيء وراءه وهو توفيق الله وإعانته على حصول ذلك الشيء، كما أنه لا يترك الأسباب ويقول: أنا متوكل، وإذا قدر الله لي شيئاً فإنه سيأتيني، فهذا كلام باطل، فلو أن إنساناً قال: إذا قدر الله لي أن يأتيني ولد فسيأتيني ولو لم أتزوج، فيقال له: إن الولد لا يأتي إلا عن طريق الزواج، أو عن طريق التسرّي، لأن الزواج أخذ بالأسباب، ومع الأخذ بالأسباب قد يوجد الولد وقد لا يوجد، فالإنسان إذا تزوج فقد يولد له وقد لا يولد له. فمجرد الأخذ بالأسباب ليس هو كل شيء، لكن السبب مشروع، ومع الأخذ بالأسباب يستعين الإنسان بالله عز وجل، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً، وتروح بطاناً) فالطير لم تجلس في أوكارها، وتقول: إن قدِّر لي شيء فسيأتيني، بل إنها تغدو في الصباح خاوية البطون، وترجع في المساء ممتلئة البطون، إذاً فلا بد من الأخذ بالأسباب. وقال صلى الله عليه وسلم: (كل شيء بقدر حتى العجز والكسل) ، فكسل الكسول، ونشاط النشيط، كله مقدّر، فالإنسان المتحرك حركته بقدر، والإنسان الخامل خموله بقدر، وكل شيء بقضاء وقدر، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وكذلك جاءت نصوص كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في القدر، وقد عقد الإمام البخاري كتاباً في صحيحه سماه (كتاب القدر)، وكذلك مسلم عقد في صحيحه (كتاب القدر)، وكثير من المحدثين يعقدون في مؤلفاتهم كتباً باسم القدر، ويوردون الأحاديث التي وردت في ذلك عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، والإيمان بالقدر هو أحد أصول الإيمان الستة المبينة في حديث جبريل، حيث سأله عن الإيمان فقال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره). قوله: [ وقد سمعه منه المسلمون فتكلموا به في حياته وبعد وفاته يقيناً وتسليماً لربهم ]. أي: أن الصحابة سمعوا الكلام في القدر، فتكلموا فيه في حياة النبي عليه الصلاة والسلام، وآمنوا وسلموا به يقيناً وإيماناً وتصديقاً وإقراراً وتضعيفاً لأنفسهم، فلم يترددوا في شيء جاء عن الله ورسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وكذلك استبعدوا واستحالوا أن يقع شيء لم يقدره الله عز وجل. قوله: [ وتضعيفاً لأنفسهم أن يكون شيء لم يحط به علمه، ولم يحصه كتابه ] أي: نزهوا الله عز وجل عن أن يكون هناك شيء لم يحط به علمه، بل إن كل شيء قد أحاط الله به علماً، وكل ما قدر فقد سبق به علم الله، وهو مكتوب في اللوح المحفوظ، فنزهوا الله عز وجل أن يكون هناك شيء لم يحط به علمه، أو لم يشتمل عليه اللوح المحفوظ، وهاتان هما المرتبتان الأوليان من مراتب القدر: علم الله الأزلي، وكتابته في اللوح المحفوظ. قوله: [ ولم يمضِ في قدره ] أي: وقوع الشيء الذي قد شاءه الله وأراده، أو عدم وقوعه. قوله: [ وإنه مع ذلك لفي محكم كتابه ]. أي: كما أنه جاء ذكر القدر في السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام وسمعه الصحابة منه، وجاء في أحاديث كثيرة، فكذلك جاء في محكم كتاب الله عز وجل، ومما جاء في ذلك قول الله عز وجل: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49] وقول الله عز وجل: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا [الحديد:22] وقول الله عز وجل: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا [التوبة:51] وغير ذلك من الآيات، وهو في كتاب الله عز وجل واضح جلي لا خفاء فيه، وكذلك هو موجود في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في السنة على أنه أحد أركان الإيمان الستة كما في حديث جبريل: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره). قوله: [ منه اقتبسوه، ومنه تعلموه ]. يعني: من القرآن اقتبسوه ومنه تعلموه كما تعلموه من السنة، فقد اجتمع على ذلك الكتاب والسنة والإجماع، وهو أحد أصول الإيمان الستة المبينة في حديث جبريل.

عموم قضاء الله وقدره وشموله


قوله: [ ولئن قلتم: لم أنزل الله آية كذا؟ ولم قال كذا؟ لقد قرءوا منه ما قرأتم، وعلموا من تأويله ما جهلتم ]. أي: ولئن حصل من أحد منكم إيراد بعض الآيات التي قد يكون فيها اشتباه، ثم قلتم: لم كذا ولم كذا؟! فإنهم قد قرءوا هذا الذي قرأتموه، لكنهم قد علموا منه ما جهلتم، فهم تميزوا عنكم بأنهم علموا ما قد جهلتم، فأصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام -ومن سار على منوالهم - لا يضربون القرآن بعضه ببعض، ولا يأخذون بالمتشابه منه، وإنما يردون المتشابه إلى المحكم، والقرآن يصدق بعضه بعضاً، ويشبه بعضه بعضاً، ولا يضرب بعضه ببعض، ولا يُتبع منه المتشابه ويُترك المحكم، كما هي طريقة أهل الزيغ والضلال التي ذكرها الله في القرآن، والتي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمّى الله فاحذروهم). فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قرأوا القرآن، وعلموا ما فيه وفقهوا معانيه، وهؤلاء جهلوا. قوله: [ وقالوا بعد ذلك: كله بكتاب وقدر ]. يعني: أنه مكتوب في اللوح المحفوظ، ومقدّر بقضاء الله وقدره، فكل هذا الذي يحصل ويقع، وكل ما هو كائن في الوجود فهو بقضاء الله وقدره، ولا يمكن أن يكون في الوجود شيء إلا وقد قدّره الله وقضاه. قوله: [ وكتبت الشقاوة ]. أي: أن السعيد قد كُتبت سعادته، والشقي قد كتبت شقاوته. قوله: [ وما يقدر يكن ]. أي: كل ما هو مقدر لا بد وأن يكون، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ويمكن أن يُعرف الشيء الذي قدره الله وقضاه بأمرين: أحدهما: الوقوع، فكل شيء قد وقع فإنه مقدر؛ لأنه لو لم يُقدّر لما وقع، فما شاءه الله كان. الأمر الثاني: أن يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن أمر مستقبل، فخبره حق يجب تصديقه، ويجب اعتقاد أن هذا الذي أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم لا بد وأن يوجد طبقاً لما أخبر به، وهذا الذي سيوجد هو شيء مقدّر، أي: أنه لا يوجد إلا شيء مقدر ولا يقع في الكون إلا ما قدّره الله، والرسول صلى الله عليه وسلم أخباره صادقة؛ لأنه يخبر عن الله، وهو لا ينطق عن الهوى، كما أخبر عن خروج يأجوج ومأجوج، والدجال، ونزول عيسى بن مريم..، وغيرها من الأمور التي تقع في آخر الزمان، فإنها مقدرة وسبق بها القضاء والقدر، ومثل ما حصل من إخباره صلى الله عليه وسلم عن أمور قريبة من زمانه، وقد وقعت طبقاً لما أخبر به عليه الصلاة والسلام، مثل قوله عن الحسن وهو معه على المنبر - حيث كان الحسن صغيراً فحمله النبي صلى الله عليه وسلم - فقال: (إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)، وقد حصل ذلك بعد ثلاثين سنة من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، في عام (41هـ)، ووقع ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام، وعلى هذا فالمقدّر أمر من أمور الغيب، ولا يعلم ما قدّره الله وقضاه إلا هو سبحانه وتعالى. قوله: [ وما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن ]. هاتان الكلمتان فيهما بيان القدر، وأن كل شيء شاءه الله لا بد أن يكون، وكل شيء لم يشأه الله فلا يمكن أن يكون، كما قال الشاعر: فما شئتَ كان وإن لم أشأ وما شئتُ إن لم تشأ لم يكن أي: إذا شاء الإنسان شيئاً والله لم يشأه فلا يمكن أن يكون؛ لأن الذي يقع هو ما شاءه الله عز وجل. قوله: [ ولا نملك لأنفسنا ضراً ولا نفعاً ]. هذا فيه إشارة إلى مخالفة ما عليه القدرية الذين يزعمون بأن العباد يخلقون أفعالهم، وأنهم يملكون لأنفسهم الضر والنفع! فإن هذا كلام باطل، وأهل السنة والجماعة يخالفونهم في ذلك؛ لأن كل شيء بيد الله عز وجل، فالناس يفعلون الأسباب ويحصل منهم الاكتساب، ولكن لا يقع إلا ما قدره الله وقضاه، وكل ما أرادوه إذا لم يشأه الله فإنه لا يقع، وما شاءه الله عز وجل لا بد وأن يقع، حتى ولو لم يشاءوه. وهذا فيه إشارة إلى أن العبد لا يخلق فعله ولا ينفذه، وأن الله تعالى هو الخالق لكل شيء، والعبد مشيئته تابعة لمشيئة الله، كما قال الله عز وجل: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:28-29] فلا يمكن أن يوجد في ملك الله ما لم يشأه الله سبحانه وتعالى، وكل ما وقع فقد شاءه الله، ولا يمكن أن يقال: إنه قد وُجد شيء لم يشأه الله. كما يزعم المعتزلة القدرية القائلين بأن العباد يخلقون أفعالهم، وأن الله تعالى لم يقدرها عليهم، وأن الله تعالى ما أرادها وما شاءها، وإنما هم الذي شاءوها وأوجدوها!! فقوله: (لا نملك لأنفسنا ضراً ولا نفعاً)، يعني: أن كل شيء بيد الله، وكل شيء بقضاء الله وقدره وبخلقه وإيجاده.
أقسام أفعال العباد


وهنا مسألة يتكرر ذكرها وإيرادها، وهي: هل الإنسان مخيّر أو مسير؟ والجواب: أنه مُخيّر ومُسيّر، فلا يقال: 'نه مخير فقط، ولا مسير فقط؛ لأن القول بأنه مسير فقط هو قول: الجبرية الذين يزعمون أن الإنسان ليس عنده مشيئة ولا إرادة، وأنه مجبور على ما يحصل منه، وأن حركاته كحركات الريشة المعلقة في الهواء. والمعتزلة يقولون: إنه مخير، وإنه يخلق فعله ويوجده. وأهل السنة والجماعة يقولون: هو مسير باعتبار، ومخير باعتبار، أي: مخير باعتبار أن الله عز وجل جعل له عقلاً وجعل له قُدرة، وقد أُمر ونُهي، وعَرَف الخير والشر، وقيل له: إن فعلت كذا فلك كذا، وإن فعلت كذا فعليك كذا، فقد بين الله له الخير والشر، فهو يُقدم على الشيء بمشيئته وإرادته، لكن العمل الذي يعمله بمشيئته وإرادته لا يخرج عن مشيئة الله وإرادته، بل هو تابع لمشيئة الله وإرادته، فهو مخير باعتبار أنه مكلف وأنه مأمور ومنهي، وأنه قد بين الله له طريق الخير وطريق الشر، وقيل له: هذا الطريق يوصلك إلى الجنة، وهذا الطريق يوصلك إلى النار. فهو مخير بأن يسلك أحد الطريقين. وهو مسير باعتبار أنه لا يحصل منه إلا ما قدره الله وقضاه، فقضاء الله وقدره لا بد أن يكون، ولكن لا يقال: إن الإنسان مجبور! بل يجب التفريق بين الفعل الذي يكون باختيار الإنسان، والفعل الذي يكون بغير اختياره، فالأكل والشرب والذهاب والإياب والسفر والبيع والشراء..، كل هذه أفعال اختيارية، تُفعل بمشيئة الإنسان وإرادته، فيثاب على ما كان منها حسناً، ويعاقب على ما كان سيئاً. وهناك حركات اضطرارية، مثل حركة المرتعش الذي ترتعش يده، فليست هذه الحركة اختيارية بمشيئته وإرادته، بل هي خارجة عن مشيئته وإرادته، فهذا هو الذي يقال: إنه مجبور عليه، وإنه لا يدخل في مشيئته وإرادته، وأما كون الإنسان يبين له طريق الخير وطريق الشر، وأن هذا يوصل إلى الجنة وهذا يوصل إلى النار، ثم بعد ذلك يُقدم على هذا أو هذا، فإقدامه هذا بمشيئته وإرادته، ولكن مشيئة الإنسان وإرادته هي تحت مشيئة الله وإرادته وتابعة لها، كما قال تعالى: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:28-29]. فلا يقال: إنه مخير، بمعنى: أنه لم يُقدّر عليه شيء. ولا يقال: إنه مسير، بمعنى: أنه مجبور، وأنه ليس له مشيئة ولا إرادة، بل له مشيئة وإرادة، ولكنها لا تخرج عن مشيئة الله وإرادته. فهو باعتبار أنه يفعل ما يشاء بإرادته ومشيئته، فهو مخير، وباعتبار أنه لا يخرج عن مشيئة الله وإرادته فهو مسير. فإذا سئل الإنسان: هل أنت مخير أو مسير؟ فلا يكون الجواب بواحدة من الاثنتين، ولا يقول: ميسر. أو يقول: مخير، بل يكون الجواب بالجمع بينهما، أي: مسير ومخير، ويكون التفصيل كما سبق. وهذا يشبه المسألة المعروفة التي يقال: إذا أقيم الحد على إنسان، هل يكون هذا الحد زاجراً أو جابراً؟ والجواب: أنه زاجر وجابر في نفس الوقت، إذ يكون جابراً للنقص الذي حصل؛ لأنه قد وقعت عقوبته في الدنيا بإقامة الحد عليه، وفي نفس الوقت هو زاجر عن أن يعود إلى ذلك الفعل، وزاجر لغيره أيضاً أن يقع فيما وقع فيه هذا الذي أقيم عليه الحد، فيتعرض لتلك العقوبة التي عوقب بها هذا الجاني، فهذا مما يكون الجواب فيه بالجمع بين الاثنين، وليس باختيار واحد منهما. وكذلك يعرف النحويون الفاعل بتعريف يشمل الاثنين، فيقولون: الفاعل: اسم مرفوع يدل على من حصل منه الحدث أو قام به الحدث. فإذا أكل زيد أو شرب، نقول: حصل منه الحدث، لكن إذا قيل: مات زيد.. مرض زيد.. ارتعشت يده، فلا يقال: إنه حصل منه الحدث، وإنما هذا وصف حصل له، فارتعاش يده ليس من فعله، وإنما هو وصف قام به، وكذلك: مات زيد، فالموت حلّ به وقام به، وكذلك المرض حصل له وهو ليس من فعله، وإنما الذي من فعله هو الذي يدخل تحت مشيئته وإرادته، مثل: أكل، وشرب، ودخل، وخرج... وما إلى ذلك، فيقولون في تعريف الفاعل: اسم مرفوع يدل على من حصل منه الحدث وهو الأفعال الاختيارية- أو قام به الحدث -وهي الأمور الااضطرارية التي لا تدخل تحت مشيئته وإرادته.
مسارعة السلف إلى الطاعات مع علمهم أن كل شيء مقدر


قوله: [ ثم رغبوا بعد ذلك ورهبوا ]. يعني: كانوا يعلمون أن كل شيء مقدر، ومع ذلك كانوا يرغبون ويرهبون، فيفعلون الأعمال الصالحة رغبة فيما عند الله، ويتركون المعاصي خوفاً من عقوبة الله عز وجل، ويتضح هذا من سؤال الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم عندما قالوا له: (أنتكل على كتابنا وندع العمل؟ قال: لا، اعملوا فكلٌ ميسر لما خُلق له) فهم يعملون الأعمال الصالحة يرجون بذلك ثواب الله، ويتركون المعاصي خشية من عقاب الله عز وجل، وهذا الذي فعلوه من الرغبة والرهبة هو من أفعالهم الاختيارية، وحصول ذلك منهم يكون طبقاً لما شاءه الله وقدره وقضاه، ويوضح هذا قوله صلى الله عليه وسلم: (اعملوا، فكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة).

تراجم رجال إسناد أثر عمر بن عبد العزيز في التمسك بالسنة


قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. محمد بن كثير هو العبدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: كتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز ]. هذا الكلام مرسل؛ لأن سفيان لم يدرك عمر بن عبد العزيز ، فعمر بن عبد العزيز توفي سنة (101هـ)، وقد ولد سفيان قبل وفاة عمر بأربع سنوات، وتوفي سنة (161هـ) وعمره أربع وستون سنة، إذاً فهو لم يسمع من عمر بن عبد العزيز، وإنما أدركه وعمره ثلاث سنوات أو أربع سنوات، إذاً فالأثر مرسل، ولهذا جاءت طريق أخرى يروي فيها سفيان عن رجل وهو النضر. و عمر بن عبد العزيز هو الخليفة الإمام، وهو محدث فقيه ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا الربيع بن سليمان المؤذن ]. الربيع بن سليمان المؤذن هو المرادي ، وهو صاحب الشافعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب السنن. [ حدثنا أسد بن موسى ]. أسد بن موسى صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و أبو داود و النسائي. [ حدثنا حماد بن دليل ]. حماد بن دليل صدوق، أخرج له أبو داود. [ سمعت سفيان يحدث عن النضر ]. سفيان هو الثوري ، و النضر هو ابن عربي، وهو لا بأس به، أي: أنه صدوق، أخرج له أبو داود و الترمذي. وهذا الإسناد الثاني أنزل من الإسناد الأول، فبين أبي داود وبين سفيان في الإسناد الأول واحد، وهو محمد بن كثير، وأما في الإسناد الثاني فبينه وبين سفيان ثلاثة أشخاص، فالأول يعتبر عالياً، وأما الثاني فهو نازل؛ لكثرة الوسائط بينه وبين سفيان. [ ح وحدثنا هناد بن السري ]. هو هناد بن السري أبو السري، وهو ثقة، أخرج له البخاري في (خلق أفعال العباد) و مسلم وأصحاب السنن. [ عن قبيصة ]. هو قبيصة بن عقبة، وهو صدوق ربما خالف، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو رجاء ]. أبو رجاء، يقول عنه: الحافظ في التقريب: قيل هو الهروي ، والإ فمجهول، أخرج له أبو داود. [ عن أبي الصلت ]. أبو الصلت، قيل: شهاب الخراشي وإلا فمجهول. يعني: أن النسبة لهذا غير محققة, لكن كما هو معلوم قبله طريقان. [ وهذا لفظ حديث ابن كثير ومعناهم ]. أي: لفظ حديث ابن كثير في الطريق الأولى، ومعناهم، أي: معنى الطرق الأخرى. [ ثم قال: كتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن القدر ]. أي: وقد أجابه رحمة الله عليه بهذا الجواب العظيم، وبهذه الدرر التي تبين كيف كان سلف هذه الأمة، وكيف كانت سلامة معتقداتهم وسلامة ألسنتهم، وأنهم يتكلمون بالحق، ويتبعون النصوص، وليس كلامهم مبنياً على العقل، ولا علم الكلام المذموم، ولا على آراء الرجال، وإنما يتكلمون ويعولون على ما جاءت به نصوص الكتاب والسنة، فهم يأخذون بالنقول، ويأخذون بالعقول الصحيحة التي تطابق النقول، وأما غيرهم فإنهم يعولون على المعقول، ويحرفون المنقول.
الأسئلة



حكم ذكرنا للمدعو أنه اهتدى على أيدينا


السؤال: هل يجوز لنا أن نذكر للمدعو أنه اهتدى على أيدينا؟ الجواب: لا يصلح هذا؛ لأنه قد يكون فيه شيء من المنّ أو الإدلال عليه، وقد يظن أنك تبحث عن عوض، أو أنك تبحث عن مقابل، فمثل هذا لا يصلح، وإنما على الإنسان أن يفرح بهذا الذي حصل له من اهتداء بعض الناس على يديه، وعليه أن يرجو ثواب ذلك عند الله.

اشتراط البيان على من تاب من بدعته


السؤال: ذكر ابن القيم رحمه الله أن المبتدع يشترط في توبته البيان، وتحذير الناس من هذه البدعة، لقوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا [البقرة:160] فهل يقال: إن من دعا إلى ضلالة لا تقبل توبته ما لم يبين، حتى لا يحصل له آثام من تبعه؟ الجواب: نعم، لا بد من البيان، فمجرد التوبة بدون أن يبيِّن نقص فيها، فمن كمال توبته أن يبين حتى لا يغتر الناس بما حصل منه.

وصف من كانت له أخطاء عقدية بالإمامة

السؤال: هل صحيح أنه لا يوصف بالإمامة من كانت له أخطاء في العقيدة، فلا يقال: مثلاً حجة الإسلام الغزالي ، ولا الإمام ابن حجر ؟ الجواب: من كان عنده علم واسع وغزير ووجد عنده شيء من الأخطاء فلا بأس أن يقال له: إمام، فأخطاؤه مغمورة في جانب صوابه فيشهد له بالإمامة والتقدم في العلم، ويدعى له ويستغفر له، ويستفاد من علمه، ويحذر من خطئه. ومثل هذه الألقاب كحجة الإسلام مثلاً تركها أولى، وأما الغزالي فقد جاء عنه ما يدل على رجوعه وندمه على ما قد حصل منه فيما مضى، فيذكر بما حصل منه من الرجوع إلى الخير وينبه على ذلك، ويحذر مما في كتبه من الأمور الباطلة والمنكرة.

التحذير من الدعاة الذين فُتنوا بالتحليلات السياسية ولم ينقادوا لكلام العلماء

السؤال: الدعاة الذين فتنوا بالتحليلات السياسية والحديث عن فقه الواقع، وناقشهم العلماء في ذلك ولم يرجعوا، هل يحذر منهم ومن أشرطتهم، وهل يصرح بأسمائهم ويوصفون بالبدعة؟ الجواب: نعم، يحذر منهم، فالذين يركبون رءوسهم ويتكلمون في أهل العلم، ويحصل منهم كلام في الولاة مما يترتب عليه فتن، ويترتب عليه أمور منكرة، لاشك أن الابتعاد عن أشرطتهم والاشتغال بما هو مأمون الجانب أولى، وكما أسلفت فإن على الإنسان أن يشغل نفسه بما فيه السلامة، وأما الإنسان الذي عنده خلط واشتباه، فيستغنى عما عنده بالكتب والأشرطة التي هي مأمونة الجانب، فالذين هذا شأنهم وطريقتهم لاشك أنه يحذر منهم، ولا يشتغل بكلامهم، وإنما يشتغل بكلام أهل العلم المأمونين الذين يدعون إلى الله عز وجل على بصيرة ويحذرون من الفتن وأسبابها، ومن الوقوع فيها.

حكم امتحان الناس بالأشخاص

السؤال: هل يجوز أن يمتحن الناس بشخص معين، فيقال لأحدهم: ما قولك في فلان، ثم يصنَّف من خلال هذا الجواب؟ الجواب: لا يجوز مثل هذا، وهو من تلاعب الشيطان بالناس، فمن الخطأ أن يشغلوا أنفسهم بسؤال الأشخاص عن هذا، ثم بعد ذلك ينابذ ذلك الممتحن أو يقرَّب بناء على الجواب، والواجب على كل إنسان ناصح لنفسه أن يشتغل بطلب العلم، وأن يشغل نفسه بما ينفعه، وألا يشغل نفسه بما يضره ولا ينفعه.

حكم عد التسبيحات بالسبحة، وكذلك عد الآيات في الصلاة بها


السؤال: هذه مطوية توزع في فضل الذكر، وفي الصفحة الأخيرة منها، قال: عدّ الذكر بالسبحة، قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله: وعد التسبيح بالأصابع سنة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للنساء: (سبحن واعقدن بالأصابع؛ فإنهن مسئولات مستنطقات)، وأما عده بالنوى والحصى ونحو ذلك فحسن، وكان من الصحابة رضي الله عنهم من يفعل ذلك، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين تسبح بالحصى وأقرها على ذلك، وروي أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يسبح به، وأما التسبيح بما يُجعل في نظام من الخرز ونحوه فمن الناس من كرهه، ومنهم من لم يكرهه، وإذا حسنت به النية فهو حسن غير مكروه، وأما اتخاذه من غير حاجة، أو إظهاره للناس مثل تعليقه في العنق، أو جعله كالسوار في اليد أو نحو ذلك فهذا إما رياء للناس، أو مظنة المراءاة ومشابهة المرائين من غير حاجة، فالأول محرم، والثاني أقل أحواله الكراهة. مجموع الفتاوى (22/506). قال: وأما عن عد الآيات في الصلاة بالسبحة فسئل شيخ الإسلام رحمه الله عما إذا قرأ القرآن ويعد في الصلاة بسبحة هل تبطل صلاته أم لا؟ فأجاب: إن كان المراد بهذا السؤال أن يعد الآيات، أو يعد تكرار السورة الواحدة، مثل قوله قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] بالسبحة، فهذا لا بأس به. مجموع الفتاوى (2/625). الجواب: هذا غير واضح، ولا يصلح مثل هذا، ولا يشترط أن الإنسان يأخذ سبحة يعد بها الآيات، أو يعد تكرار السور، ولا أدري ما صحته، والحقيقة أنه كلام غريب، بل إنّ الإنسان لا يحمل في صلاته شيئاً يعد به، لا سبحة ولا غيرها، وإنما يضع يده اليمنى على يده اليسرى ويجعلها على صدره، ولا يشغل نفسه بحمل شيء؛ فإن ذلك غير لائق. وأما ما يتعلق بالتسبيح بالسبحة فما نعلم شيئاً يدل على ذلك، ولا شك أن الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت عنه هو أنه كان يسبح بأصابعه، فيكفي الناس ما ثبت، وأما قضية الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم فما نعلم شيئاً ثابتاً يدل على أنهم كانوا يعدون بالحصى، نعم أنه قد وجد ولكنه غير صحيح، وقد مر بنا في سنن أبي داود شيء من هذا، وهو غير ثابت، فما أعرف شيئاً ثابتاً في ذلك عن الصحابة، وإنما الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو التسبيح بالأصابع، فعلى الإنسان أن يحرص عليها، ولا يشتغل بشيء سواها.

من دعا إلى هدى كان له مثل أجور من تبعه.


السؤال: قد يثبت الله عز وجل المدعو على أداء العبادة واستجابته للداعي، ثم إن الله عز وجل قد يضاعف لمن يشاء من عباده، فهل يعني ذلك: أن الداعي ينال مثل أجر المدعو، سواء ضوعف له في أجره أو لم يضاعف له؟ الجواب: الحديث يدل على هذا، ففيه: (فله مثل أجور من تبعه من غير أن ينقص ذلك من أجورهم شيئاً)، ومعناه: أن الداعي يكون له من الأجر مثل أجر المدعو.

حكم العمل خارج مؤسسة الكفيل


السؤال: هل علي إثم إن دفعتُ نسبة إلى كفيلي مقابل عملي خارج المؤسسة؟ الجواب: على الإنسان في مثل هذا أن يتقيد بأنظمة الدولة، وإن احتاج إلى عمال فإنه يأتي بهم ليعملوا تحت إشرافه، وأما أن يأتي بهم ويتركهم حتى يأتوه بشيء، فهذا غير صحيح، وهذا غير لائق، وهذا لا تقره الدولة، فعلى الإنسان أن يتقيد بالأنظمة في هذا."



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 03-07-2025, 09:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,727
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [518]
الحلقة (548)





شرح سنن أبي داود [518]

إن الله تعالى يعلم ما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، وقدر أرزاق العباد وأعمارهم وآجالهم وأعمالهم في الأزل جل في علاه، لكنه لم يجبرهم سبحانه على أعمالهم وتصرفاتهم، بل بين لهم الخير وحضهم عليه، وأظهر لهم الشر وحذرهم منه، فبين للإنسان الطريقين، وهداه النجدين، فليختر العاقل الطريق الذي يريد سلوكه، والدار الذي يريد سكناه.

تابع لزوم السنة


شرح حديث (إنه سيكون في أمتي أقوام يكذّبون بالقدر)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثنا عبد الله بن يزيد قال: حدثنا سعيد -يعني ابن أبي أيوب- قال: أخبرني أبو صخر عن نافع قال: كان لابن عمر صديق من أهل الشام يكاتبه، فكتب إليه عبد الله بن عمر: إنه بلغني أنك تكلمت في شيء من القدر، فإياك أن تكتب إلي، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: إنه سيكون في أمتي أقوام يكذبون بالقدر) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: وأنه كان له صديق يكاتبه من أهل الشام، وأنه بلغه عنه أنه يقول بشيء من القدر، فكتب إليه: لا تكاتبني؛ فإني سمعت أنك تتكلم بشيء من القدر، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (سيكون في أمتي أقوام يكذبون بالقدر). أي: أن ابن عمر رضي الله عنه أراد أن يترك مراسلته وصداقته؛ لأنه سمع عنه أنه يتكلم في القدر. وقد ساق ابن عمر رضي الله عنه حديث جبريل الشهير عن أبيه وذلك لما جاءه اثنان من العراق، وقالا: إنه ظهر قبلنا أناس يقولون بالقدر، فقال: إذا لقيتموهم فأخبروهم أنني بريء منهم، وأنهم برآء مني، ثم ساق حديث جبريل الطويل عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أول حديث في (صحيح مسلم ) في كتاب الإيمان منه، وساقه من أجل قوله: (وتؤمن بالقدر خيره وشره).
تراجم رجال إسناد حديث (إنه سيكون في أمتي أقوام يكذّبون بالقدر)


قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الله بن يزيد ]. هو عبد الله بن يزيد المقري المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سعيد -يعني ابن أبي أيوب- ]. سعيد بن أبي أيوب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني أبو صخر ]. هو حميد بن زياد، وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) و مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي في (مسند علي ) و ابن ماجة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وهم: عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو و عبد الله بن عباس و عبد الله بن الزبير، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح أثر الحسن البصري (... إن الشياطين لا يفتنون بضلالتهم إلا من أوجب الله عليه الجحيم)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن الجراح حدثنا حماد بن زيد عن خالد الحذاء، قال: (قلت للحسن: يا أبا سعيد ! أخبرني عن آدم؛ أللسماء خلق أم للأرض؟ قال: لا، بل للأرض، قلت: أرأيت لو اعتصم فلم يأكل من الشجرة؟ قال: لم يكن له منه بد، قلت: أخبرني عن قوله تعالى: مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ * إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ [الصافات:162-163]؟ قال: إن الشياطين لا يفتنون بضلالتهم إلا من أوجب الله عليه الجحيم) ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن الحسن البصري رحمة الله عليه، وذلك أن خالد الحذاء سأله فقال: (يا أبا سعيد ! أخبرني عن آدم؛ أللسماء خلق أم للأرض؟ قال: بل للأرض) أي: أن الله أسكنه الأرض وجعله خليفة فيها. قوله: [ قلت: أرأيت لو اعتصم فلم يأكل من الشجرة؟ قال: لم يكن له منه بد ] أي: لم يكن له بد من أن يأكل من الشجرة؛ لأن الله قدر ذلك، وما دام أنه قدر فلا بد من وقوع المقدر، فلا يقال: إنه يمكن أن يعتصم أو يمتنع من الأكل بعدما وجد الأكل، وبعدما وجد المقدر، فهذا الجواب جواب عظيم، فالشيء المقدر الذي قد وقع بالفعل لا يقال: إنه يمكن خلافه؛ ولهذا قال رحمة الله عليه: (لم يكن له منه بد)، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل)؛ لأن ما قدره الله لا بد وأن يكون، فلا يصح أن يقول: لو أني فعلت لكان كذا وكذا، فما الذي يدريك أنه سيكون؟ إذ إنك قد تريد شيئاً ولا يقع، ولكن ما قدر فهو كائن، ولهذا قال الحسن رحمة الله عليه هنا في قضية الأكل من الشجرة: (لم يكن له منه بد)، (ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك). قوله: [ قلت: أخبرني عن قوله تعالى: مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ * إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ [الصافات:162-163]؟ قال: إن الشياطين لا يفتنون بضلالتهم إلا من أوجب الله عليه الجحيم ]. وهذا أيضاً يبين الإيمان بالقدر، وأن قوله: مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ [الصافات:162] أي كون الشياطين أو المضلين يفتنون غيرهم، ولا يفتنون أحداً إلا وقد كتب الله أنه يُفتن، وليس معنى ذلك: أنهم يوجدون هذه الفتن وليس لله تقدير لها، بل إن كل ما يحصل من هداية وضلالة فإنما يكون بقضاء الله وقدره، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا [الكهف:17] فما قدره الله من خير أو شر، وما قدره الله من هداية أو ضلال فلابد أن يكون.
تراجم رجال إسناد أثر الحسن البصري (إن الشياطين لا يفتنون بضلالتهم إلا من أوجب الله عليه الجحيم)


قوله: [ حدثنا عبد الله بن الجراح ]. عبد الله بن الجراح صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود و النسائي في (مسند مالك ) و ابن ماجة. [ حدثنا حماد بن زيد ]. هو حماد بن زيد البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خالد الحذاء ]. هو خالد بن مهران الحذاء وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، والحذاء لقب، وسبب تلقيبه بذلك أنه كان يجالس الحذائين، وهذه -كما يقولون- نسبة إلى أدنى مناسبة؛ لأن الأصل في الحذاء أنه هو الذي يبيع الأحذية، أو هو الذي يصنعها، وأما أن يلقب بذلك من يجلس عند الحذائين فهذا لا يسبق إلى الذهن، وهذا مثلما قالوا في يزيد الفقير، فالمتبادر إلى الذهن أن الفقير هو من الفقر، وهذا ليس مراداً، وإنما سبب ذلك أنه كان يشكو من فقار ظهره، فقيل له: الفقير. وقيل في سبب تلقيب الحذاء بهذا اللقب: أنه كان يقول للحذاء: احذ على كذا، احذ على كذا، أي: أنه كان يرسم له على مقدار النعل في الجلد شيئاً ثم يقول له: احذ عليه، أي: قص على مقدار هذا الذي رسمته لك، ثم يأتي بالمقص فيقص على هذا الرسم، فيطلع على مقدار الرجل، وهذا تقدير، ويقال له: خلق، وهو بمعنى التقدير، ولهذا يقول الشاعر: ولأنت تفري ما خلقت وبعـ ـض القوم يخلق ثم لا يفري يعني: أنت تقدر ثم تنفذ طبقاً لتقديرك، وغيرك يقدر ولكنه عندما يريد أن يقص فإن قصه لا يستقيم، فتجده يدخل ويخرج، فتكون فيه تعاريج. [ عن الحسن ]. هو الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شرح أثر الحسن البصري في قوله تعالى (ولذلك خلقهم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا خالد الحذاء عن الحسن في قوله تعالى: وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ [هود:119] قال: خلق هؤلاء لهذه، وهؤلاء لهذه ]. أورد المصنف هذا الأثر عن الحسن أنه قال في قوله تعالى: (( وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ )): خلق هؤلاء لهذه، أي: خلق أهل السعادة للجنة، وأهل الشقاوة للنار، أي: أنه قد سبق قضاء الله وقدره بأن الأشقياء للنار، وأن السعداء للجنة، لكن لا يقال: إنهم مجبورون على هذا، بل لهم عقول وإرادة ومشيئة، وقد رُغِّبوا ورُهِّبوا، فمن أقدم على سلوك الطريق الموصل إلى الجنة انتهى إليها، ومن أقدم على سلوك الطريق الموصل إلى النار انتهى إليها، كما قال عليه الصلاة والسلام: (اعملوا، فكل ميسر لما خلق له، فأما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة)، وكما قال تعالى: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد:10] أي: بينا له طريق الخير والشر.
تراجم رجال إسناد أثر الحسن البصري في قوله تعالى (ولذلك خلقهم)


قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. حماد هو ابن سلمة بن دينار البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا خالد الحذاء عن الحسن ]. خالد الحذاء و الحسن قد مر ذكرهما.
شرح أثر الحسن البصري في قوله (إلا من هو صال الجحيم) من طريق أخرى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو كامل حدثنا إسماعيل حدثنا خالد الحذاء قال: قلت للحسن: مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ * إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ [الصافات:162-163] قال: إلا من أوجب الله تعالى عليه أنه يصلى الجحيم ]. وهذا مثل الأثر السابق، وقوله: مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ * إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ [الصافات:162-163] أي: إلا من قدر الله وقضى عليه أنه يصلى الجحيم، فهذا هو الذي يفتنه المضلون، وأما من لم يُكتب عليه ذلك فإنه لا يحصل له، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلى بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف).
تراجم رجال إسناد أثر الحسن البصري في قوله (إلا من هو صال الجحيم) من طريق أخرى

قوله: [ حدثنا أبو كامل ]. هو أبو كامل الجحدري، وهو فضيل بن حسين، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي. [ حدثنا إسماعيل ]. هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم ابن علية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا خالد الحذاء عن الحسن ]. خالد الحذاء و الحسن قد مر ذكرهما.
شرح أثر الحسن (لأن أسقط من السماء إلى الأرض أحب إلى من أن أقول: الأمر بيدي)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هلال بن بشر حدثنا حماد أخبرني حميد قال: كان الحسن يقول: (لأن يسقط من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يقول: الأمر بيدي) ]. أورد المصنف هذا الأثر عن الحسن حيث قال: (لأن يسقط من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يقول: الأمر بيدي) أي: أنه يخلق فعله، وأن العباد يخلقون أفعالهم، وأن الله تعالى لم يقدر عليه شيئاً، بل إن الخالق لكل شيء هو الله تعالى، فهو يفعل بمشيئته وإرادته، ولكن لا يخرج بذلك عن مشيئة الله وإرادته، والمقصود من ذلك: نفي القول بالقدر الذي يقول به القدرية، وهو أن الإنسان يخلق فعله ويوجد فعله، وأن الله لم يقدر عليه شيئاً.
تراجم رجال إسناد أثر الحسن (لأن أسقط من السماء إلى الأرض أحب إلى من أن أقول: الأمر بيدي)


قوله: [ حدثنا هلال بن بشر ]. هلال بن بشر، ثقة أخرج له البخاري في (جزء القراءة) و أبو داود و النسائي. [ حدثنا حماد أخبرني حميد ]. حماد هو ابن زيد، وهو ثقة، وقد مر ذكره. [ عن حميد ]. هو حميد بن أبي حميد الطويل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن ]. الحسن مر ذكره.
شرح أثر الحسن البصري في قوله (هل من خالق غير الله) وتراجم رجاله


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا حميد قال: قدم علينا الحسن مكة، فكلمني فقهاء أهل مكة أن أكلمه في أن يجلس لهم يوماً يعظهم فيه، فقال: نعم، فاجتمعوا فخطبهم، فما رأيت أخطب منه، فقال رجل: يا أبا سعيد ! من خلق الشيطان؟ فقال: هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ [فاطر:3] خلق الله الشيطان، وخلق الخير، وخلق الشر، قال الرجل: قاتلهم الله! كيف يكذبون على هذا الشيخ؟! ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن الحسن، وهو أنه قدم مكة فقال حميد: إن أهل مكة طلبوا منه أن يكلمه بأن يذكرهم ويعظهم، فأجاب إلى ذلك، قال فاجتمعوا إليه، قال: فما رأيت أخطب منه، أي: أبلغ وأفصح منه، فقال له رجل: من خلق الشيطان؟ فقال: سبحان الله! هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ [فاطر:3]؟! ثم قال: الله خلق الخير وخلق الشر، فقال الرجل: قاتلهم الله كيف يكذبون على هذا الشيخ؟! أي: كأنه نُسب إليه أنه يقول بشيء من القدر، ولهذا اختبره وسأله هذا السؤال؛ حتى يعرف هل الأمر كما يقولون أو أنه بخلاف ما يقولون، فلما تبين له أن الأمر بخلاف ما يقال دعا على أولئك الذين ينسبون إليه تلك المقولة. قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا حميد عن الحسن ]. كلهم مر ذكرهم.
شرح أثر الحسن البصري في قوله: (كذلك نسلكه في قلوب المجرمين)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن كثير أخبرنا سفيان عن حميد الطويل عن الحسن : كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ [الحجر:12] قال: الشرك ]. أورد المصنف هذا الأثر عن الحسن في قوله تعالى: كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ [الحجر:12] قال: الشرك ] أي: أن كل شيء مقدر، فالهداية مقدرة، والغواية مقدرة، وشرك المشرك واقع بقضاء الله وقدره، وإيمان المؤمن واقع أيضاً بقضاء الله وقدره، لكن لا يقال: إنه مجبور وليس له إرادة ومشيئة، وإنما يحصل ذلك بمشيئته وإرادته التي لا تخرج عن مشيئة الله وإرادة الله. قوله: [ حدثنا ابن كثير أخبرنا سفيان عن حميد عن الحسن ]. كلهم مر ذكرهم.
شرح أثر الحسن البصري في قوله: (وحيل بينهم وبين ما يشتهون)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن رجل قد سماه غير ابن كثير عن سفيان عن عبيد الصيد عن الحسن في قول الله عز وجل: وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ [سبأ:54] قال: بينهم وبين الإيمان ]. أورد المصنف هذا الأثر عن الحسن قال: وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ [سبأ:54] قال: الإيمان. قيل: إن ذلك يكون عند البعث، فالإيمان لا ينفعهم إذا شاهدوا العذاب. والإسناد الأول فيه رجل مبهم، وقد سماه غير ابن كثير عن سفيان وأنه عبيد الصيد، وهو صدوق، أخرج له أبو داود. وهذا الأثر يضعفه الشيخ الألباني، ولعل وجه ذلك: أن الرجل الذي سمى المبهم عبيد بن الصيد هو أيضاً مبهم، فقد قال في الإسناد: عن ابن كثير عن سفيان، وقد سماه غير ابن كثير عن سفيان ...
شرح أثر ابن عون قال (يكذبون على الحسن كثيراً)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبيد حدثنا سليم عن ابن عون قال: كنت أسير بالشام فناداني رجل من خلفي فالتفت فإذا رجاء بن حيوة ، فقال: يا أبا عون ! ما هذا الذي يذكرون عن الحسن ؟! قال: قلت: إنهم يكذبون على الحسن كثيراً ]. أورد المصنف هذا الأثر عن ابن عون وهو يشبه ذلك الجواب الذي قاله ذلك الرجل بمكة، وذلك لما قال: قاتلهم الله، كيف يكذبون على هذا الشيخ؟ فقال رجاء بن حيوة: ما هذا الذي نسمعه عن الحسن ؟ قال: إنهم يكذبون عليه كثيراً، والمقصود من ذلك: أنه نسب إليه شيء من القدر، وقد تبين أنه سليم من ذلك.
تراجم رجال إسناد أثر ابن عون قال (يكذبون على الحسن كثيراً)


قوله: [ حدثنا محمد بن عبيد ]. هو محمد بن عبيد بن حساب، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي. [ حدثنا سليم ]. سليم هو ابن أخضر وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي. [ عن ابن عون ]. ابن عون هو عبد الله بن عون، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن ]. الحسن مر ذكره.
شرح أثر أيوب السختياني (كذب على الحسن ضربان من الناس...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد سمعت أيوب يقول: كذب على الحسن ضربان من الناس: قوم القدر رأيهم، وهم يريدون أن يُنَفِّقوا بذلك رأيهم، وقوم له في قلوبهم شنآن وبغض، يقولون: أليس من قوله كذا؟ أليس من قوله كذا؟ ]. أورد المصنف هذا الأثر عن أيوب السختياني أنه قال: كذب على الحسن ضربان من الناس -أي: صنفان من الناس- قوم أهل قدر يريدون أن يجروه إليهم وأن ينفقوا باطلهم بنسبة ذلك إلى الحسن، وقوم في قلوبهم شنآن -أي: بغض، فهم يضيفون إليه ما لم يقل به- فيقولون: أليس من قوله كذا؟ أليس من قوله كذا؟
تراجم رجال إسناد أثر أيوب السختياني (كذب على الحسن ضربان من الناس)


قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب ]. سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. حماد هو ابن زيد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت أيوب ]. هو أيوب السختياني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شرح أثر قرّة بن خالد (... لا تُغلبوا على الحسن فإنه كان رأيه السنة والصواب)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن المثنى أن يحيى بن كثير العنبري حدثهم قال: كان قرة بن خالد يقول لنا: يا فتيان! لا تغلبوا على الحسن فإنه كان رأيه السنة والصواب ]. أورد المصنف هذا الأثر عن قرة بن خالد أنه قال: يا فتيان! لا تغلبوا على الحسن، فإن رأيه السنة والصواب. أي: لا يغلبكم القدرية عليه، فإنه ليس منهم، وإنما هو منكم (فإن رأيه السنة والصواب)، فهو على الحق وليس على الضلالة.

تراجم رجال إسناد أثر قرّة بن خالد: (... لا تُغلبوا على الحسن فإنه كان رأيه السنة والصواب)

قوله: [ حدثنا ابن المثنى ]. هو محمد بن المثنى أبو موسى الزمن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن يحيى بن كثير حدثهم ]. يحيى بن كثير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ كان قرة بن خالد ]. قرة بن خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شرح أثر ابن عون (لو علمنا أن كلمة الحسن تبلغ ما بلغت لكتبنا برجوعه كتاباً...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن المثنى و ابن بشار قالا: حدثنا مؤمل بن إسماعيل حدثنا حماد بن زيد عن ابن عون قال: لو علمنا أن كلمة الحسن تبلغ ما بلغت لكتبنا برجوعه كتاباً، وأشهدنا عليه شهوداً، ولكنا قلنا: كلمة خرجت لا تحمل ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن عبد الله بن عون قال: لو كنا نعلم أن هذه الكلمة التي خرجت من الحسن تبلغ ما بلغت لكتبنا برجوعه كتاباً، وأشهدنا على ذلك شهوداً، لكننا قلنا: كلمة خرجت لا تحمل. أي: ولكنها حملت، وكأنه حصل منه كلام موهم، فتلقفه من تلقفه، وأشاعه من أشاعه، وما جاء عنه من النصوص الكثيرة تدل على سلامته.
تراجم رجال إسناد أثر ابن عون (لو علمنا أن كلمة الحسن تبلغ ما بلغت لكتبنا برجوعه كتاباً...)


قوله: [ حدثنا ابن المثنى و ابن بشار ]. ابن المثنى مر ذكره، و ابن بشار هو محمد بن بشار الملقب بندار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهما محمد بن المثنى و محمد بن بشار من شيوخ أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا مؤمل بن إسماعيل ]. مؤمل بن إسماعيل صدوق سيئ الحفظ، أخرج له البخاري تعليقاً و أبو داود في (القدر)، وهنا أخرج له في السنن كما هو موجود، فما أدري ما وجه ذكر نسبته إلى كتاب (القدر) فقط مع أنه موجود هنا. [ حدثنا حماد بن زيد عن ابن عون ]. قد مر ذكرهما.

شرح أثر الحسن البصري (ما أنا بعائد إلى شيء منه أبداً)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب قال: قال لي الحسن : ما أنا بعائد إلى شيء منه أبداً ]. أورد المصنف هذا الأثر عن أيوب وأن الحسن قال: ما أنا بعائد إلى شيء منه أبداً. وهذا الأثر يدل على أنه قد حصل منه شيء تلقفه الناس، وقد يكون هذا الذي حصل منه هو كلام مشتبه، ففهمه بعض الناس فهماًخاطئاً وأضيف إليه ذلك، فأخبر بأنه لا يعود إلى شيء مما نسب إليه. قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن الحسن ]. قد مر ذكرهم جميعاً.
شرح أثر عثمان البتي (ما فسَّر الحسن آية قط إلا على الإثبات)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هلال بن بشر حدثنا عثمان بن عثمان عن عثمان البتي قال: ما فسر الحسن آية قط إلا على الإثبات ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن عثمان البتي ، أنه قال: (ما فسر الحسن آية إلا على الإثبات) أي: إثبات القدر، وهذا فيه بيان دفع ما نسب إليه، وأنه ما فسر آية إلا على إثبات القدر، وهذا خلاف الشيء الذي نسب إليه، وهذه نصوص كثيرة، وآثار متعددة كلها تدل على سلامة الحسن مما نسب إليه من القدر.
تراجم رجال إسناد أثر عثمان البتي (ما فسَّر الحسن آية قط إلا على الإثبات)


قوله: [ حدثنا هلال بن بشر حدثنا عثمان بن عثمان ]. عثمان بن عثمان صدوق ربما وهم، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي. [ عن عثمان البتي ]. هو عثمان بن مسلم البتي، وهو صدوق، عابوا عليه الإفتاء بالرأي، أخرج له أصحاب السنن.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 03-07-2025, 09:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,727
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله


الأسئلة



حكم هجر صاحب البدعة إذا كان صديقاً، وقطع معاملته


السؤال: هل يهجر صاحب البدعة إن كان صديقاً لي؟ وهل أترك معاملته بسبب بدعته؛ استدلالاً بفعل ابن عمر ؟ الجواب: ينبغي عليك أن تحرص على مناصحته وتوجيهه وإرشاده، فإن حصل أثر لذلك فهو المطلوب، وإن لم يحصل وكانت تلك البدعة تقتضي ذلك، وهي واضحة جلية، وكان تركه يمكن أن يؤثر فيه، فلك أن تفعل ذلك.


التثبت في الأمور قبل الحكم على الآخرين


السؤال: لماذا تبرأ عبد الله بن عمر ممن تكلم في القدر ولم يتثبت أولاً قبل أن يتبرأ من صاحبه؟ الجواب: يمكن أنه قد تثبت، وأن هذا الذي قاله إنما قاله بناء على التثبت.


ضعف حديث (اللهم أجرني من النار! سبع مرات)


السؤال: ما صحة حديث أن يقال دبر كل صلاة: (اللهم أجرني من النار! سبع مرات)؟ الجواب: ضعفه الألباني.


عدم إخراج الإمام مسلم عن شيخه البخاري


السؤال: هل أخرج الإمام مسلم شيئاً من الأحاديث عن شيخه البخاري ؟ الجواب: ما أخرج عنه شيئاً، وذكروا أن سبب عدم إخراجه له أنه قد أدرك الذين أدركهم البخاري، وشاركه في شيوخه، ومعلوم أنهم يأخذون بالعالي، ولا يصيرون إلى النازل إذا وجدوا العالي، ومعلوم أن بين وفاتيهما خمس سنوات، وقد أدرك مسلم شيوخ البخاري مثل الإمام أحمد وغيره.


إخراج الإمام البخاري للإمام أحمد


السؤال: هل أخرج البخاري للإمام أحمد في كتابه؟ الجواب: نعم، أخرج له.


حال الإمام الترمذي من حيث الحكم على الأحاديث


السؤال: ما حال الإمام الترمذي من حيث التصحيح والتضعيف: هل يعد من المعتدلين أم من المتشددين؟ الجواب: ليس من المتشددين، ومعلوم أن الإمام الترمذي رحمة الله عليه له عناية بهذا الفن -أعني: الحكم على الأحاديث وبيان ما كان صحيحاً، وما كان حسناً، وما كان ضعيفاً- فهو متميز على غيره من الكتب الستة بهذه العناية فيما يتعلق بالتصحيح، وكذلك فيما يتعلق بذكر كلام الفقهاء من الصحابة ومن بعدهم في المسألة، واختلاف العلماء في العمل به، لكن تصنيفه من حيث التشدد فما هو بمتشدد، ومن العلماء من نسبه إلى التساهل، لكن الذي يظهر أنه معتدل، وقد صحح بعض الأحاديث وعابوا عليه إخراجها، مثل حديث: (الصلح جائز بين المسلمين)، فقد ذكره الحافظ في (البلوغ) وقال: صححه الترمذي، وعابوا عليه تصحيحه، ولعله اعتبره بطرقه.


حكم من بدع العلماء كشيخ الإسلام وأبي حنيفة وابن حجر وغيرهم


السؤال: ما قول فضيلتكم عن جماعة تبدع شيخ الإسلام و أبا حنيفة و ابن حجر و النووي و الألباني وغيرهم من علماء المسلمين؟ وما واجبنا نحو هؤلاء؟ الجواب: واجبكم نحو هؤلاء أن تناصحوهم، وأن تسألوا الله لهم الهداية، ولا تغتروا بكلامهم، ومثل هؤلاء يعتبرون قطاع طريق عن العلم.


ترجمة الخطبة بلغة القوم الذين يخاطبهم


السؤال: هل يصح إذا أراد الإنسان أن يخطب بهذا الكلام الذي قاله عمر بن عبد العزيز في خطبة جمعة في بلده أن يترجمه على المنبر بلغة القوم؟ الجواب: يصلح، لكن هذا الأثر فيه خفاء، فما كل الحاضرين يفهمه، لكنه يأتي بمعناه بعبارات واضحة جلية.


حكم إلقاء الخطبة بغير اللغة العربية


السؤال: ما حكم إلقاء الخطبة بغير العربية؟ الجواب: الأصل أن الخطبة لا تخلو من العربية، ولا تكون بالعربية في أناس لا يفهمون العربية؛ لأنها تعتبر صيحة في واد، ولا يستفاد منها، لكن يجمع بين العربية وغيرها.


حكم هذا الدعاء (اللهم! إن كنت كتبتني عندك أن أضل بعد الهدى فاقبض
روحي قبل أن أضل)


السؤال: ما حكم الدعاء: اللهم! إن كنت كتبتني عندك أن أضل بعد الهدى فاقبض روحي قبل أن أضل وأزيغ؟ الجواب: لا يصح مثل هذا الدعاء، وإنما يسأل الله الهداية، وأن يعصمه من الضلالة، فعليه أن يأتي بدعاء واضح.


معنى قوله تعالى (ولا يزالون مختلفين)


السؤال: يقول ربنا: وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ [هود:118-119] قال بعضهم: أي: خلقهم للاختلاف، فما قولكم؟ الجواب: وهذا الاختلاف أيضاً إلى جنة وإلى نار.


ضعف حديث (من لازم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً)


السؤال: ما صحة حديث: (من لازم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً)؟ وإذا كان الحديث ضعيفاً فهل يجوز للإنسان أن يكثر من الاستغفار رجاء تفريج الهموم؟ الجواب: الشيخ الألباني يضعفه.

التفضيل بين الصحابة


شرح حديث (كنا نقول في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحداً، ثم عمر...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في التفضيل. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أسود بن عامر حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه قال: (كنا نقول في زمن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لا نعدل بأبي بكر أحداً، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب في التفضيل]، أي: التفضيل بين الأشخاص، وأن هذا أفضل من هذا، ومعلوم أن التفضيل الذي يتعلق بتفاوت الناس في الدرجات عند الله عز وجل لا بد فيه من دليل؛ لأن هذا من الأمور الغيبية التي لا تعرف إلا بالدليل، كأن يأتي ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، سواء كان من قوله أو من إقراره، وأما التفضيل بأمور تظهر كأن يكون فلان أعلم من فلان، أو بغير ذلك فهذا يمكن أن يعرف بالمشاهدة والمعاينة، كما جاء في حديث: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة)، فهذا يمكن أن يعرف. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (كنا والنبي صلى الله عليه وسلم حي نخير فنقول: لا نعدل بأبي بكر أحداً ثم عمر ثم عثمان، ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم)، يعني: ما نقول: فلان أفضل من فلان، فهذا كان في زمنه صلى الله عليه وسلم وحياته، وأما بعد ذلك وبعد أن عرفت النصوص في التفضيل فإنه يتعين المصير إلى ما تثبت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن المعلوم أن الخلفاء الراشدين الأربعة رضي الله عنهم وأرضاهم هم أفضل من غيرهم، وهم خير هذه الأمة بعد نبيها، وترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، فهذا هو الذي تم ووقع، وهم جميعاً خلفاء راشدون بنص حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: (عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)، وخلافتهم خلافة نبوة كما جاء ذلك في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: (خلافة النبوة بعدي ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء)، فأهل السنة والجماعة متفقون على أن ترتيبهم في الخلافة هو هذا الترتيب الذي وقع وحصل، ومن اعترض عليه، أو تكلم وقدح فيه فقد قدح فيما حصل من أصحاب رسول الله عليهم الصلاة السلام الذين هم خير هذه الأمة، والذين هم أحرص الناس على كل خير، وأسبق الناس إليه رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. وأما بالنسبة للتفضيل فأبو بكر أفضل الصحابة ثم عمر ثم عثمان، وتقديم عثمان على علي هو المشهور عند أهل السنة والجماعة، وهو قول جمهورهم، وقد جاء عن بعض أهل السنة والجماعة أن علياً أفضل من عثمان، ولكن الذين يقولون بتفضيل علي على عثمان لا يقولون بأنه أحق وأولى منه بالخلافة، فقد جاء عن بعض السلف: أن من قدم علياً على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار؛ لأن هذا اعتراض على ما حصل وجرى منهم من تقديم عثمان على علي رضي الله تعالى عن الجميع، فترتيبهم في الخلافة أمر متفق عليه بين أهل السنة، وإنما الخلاف فيما يتعلق بالتفضيل، ومن المعلوم أنه حتى على هذا القول الذي قاله بعض أهل السنة من أن علياً أفضل فإنه يجوز ويسوغ تولية المفضول مع وجود الفاضل، لكن الذي استقر عليه قول أهل السنة جميعاً هو أن عثمان رضي الله عنه أفضل من علي، وأن ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في (العقيدة الواسطية): أن مسألة تقديم علي على عثمان ليست من المسائل التي يبدع فيها المخالف، فقد قال به جماعة من أهل السنة، وإن كان القول الصحيح خلاف ذلك القول، وهو ما عليه جمهور أهل السنة من تقديم عثمان على علي في الفضل، رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين. قوله: [(كنا لا نعدل بأبي بكر أحداً)]، أي: لا نقدم عليه ولا نسوي به أحداً، بل هو مقدم على غيره، والنصوص الكثيرة التي جاءت في بيان فضله وبيان عظيم قدره ومنزلته لا تخفى، ومن أوضحها وأشهرها الحديث الذي رواه جندب بن عبد الله البجلي وهو في (صحيح مسلم ) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس يقول: (إني أبرأ إلى الله أن يكون منكم خليل، فإن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً)، فقد أخبر عليه الصلاة والسلام عن أمر لا يكون، وهو كونه يتخذ خليلاً من أمته، وأخبر أنه لو كان هذا الذي لا يكون فإن الذي سيكون أحق به، والذي سيظفر به هو أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهذا يدل على فضله وعلى تقدمه على غيره، وكذلك ما جاء في تقديمه في الخلافة واتفاق المسلمين عليه، وقال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في حقه وفي حق خلافته: (يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر)، وقال عليه الصلاة والسلام: لعائشة: (ادعي لي أباك وأخاك؛ لأكتب كتاباً، فإني أخشى أن يتمنى متمن أو يقول قائل، ثم قال عليه الصلاة والسلام: يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر)، يعني: أن الذي يريد أن يكتبه سيتحقق وسيتم؛ لأن الله تعالى يأبى إلا أبا بكر، والمؤمنون يأبون إلا أبا بكر، وقد حصل هذا الذي أخبر به النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، وأبى الله إلا أبا بكر، وأبى المؤمنون إلا أبا بكر، فاتفق الصحابة والمسلمون على بيعة أبي بكر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسموه خليفة رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ورضي الله تعالى عن أبي بكر، وعن الصحابة أجمعين. ثم يليه عمر في الفضل، وهذا متفق عليه، وهو أيضاً يليه في الخلافة، ثم عثمان رضي الله تعالى عنه، وقد عرفنا أن في ذلك خلافاً لبعض أهل السنة، وأن ذلك لا يؤثر، ولا يعتبر صاحبه مبتدعاً أو صاحب بدعة، وإن كان القول الحق خلاف ذلك، وهو تقديم عثمان رضي الله تعالى عنه على علي، فكون ابن عمر رضي الله عنه يقول: (كنا نخير ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي، فنقول: لا نعدل بأبي بكر أحداً ثم عمر ثم عثمان، ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم). قال الخطابي: لعل الحديث محمول على الكبار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما من وراءهم فلا يشك بأن علياً رضي الله عنه هو الذي يلي عثمان، وأنه أفضل من غيره، ولكنه اقتصر على ذكر الكبار المتقدمين في السن، والذين لهم المنزلة والمكانة الرفيعة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم أهل مشورته والمقربون إليه، و علي رضي الله عنه كان دونهم في السن فليس من كبارهم، ولكن لا شك أنه هو خير أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام بعد الثلاثة: أبي بكر و عمر و عثمان. ثم إن هؤلاء الأربعة الذين هم خلفاؤه الراشدون، والذين هم أفضل هذه الأمة كلهم لهم صلة مصاهرة برسول الله صلى الله عليه وسلم، فعلي رضي الله عنه له القرابة والمصاهرة، و أبو بكر و عمر قد تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ببنتيهما، فتزوج عائشة بنت أبي بكر و حفصة بنت عمر، والأخيران عثمان و علي تزوجا من بنات الرسول صلى الله عليه وسلم، فعثمان رضي الله عنه تزوج ابنتين من بنات الرسول صلى الله عليه وسلم، وهما: رقية و أم كلثوم ، ولذا فإنه يقال له: ذو النورين، وعلي رضي الله عنه تزوج بفاطمة، إذاً فكلهم أصهاره، وكلهم بمنزلة قريبة منه، فالأولان تزوج منهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، والآخران تزوجا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين. ومعنى أن خلافة هؤلاء الأربعة خلافة نبوة أنهم جاءوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فهم خلفاؤه، وقد جاء الحديث باتباع سنتهم، ثم يكون بعد ذلك ملك كما جاء في الحديث: (وبعد ذلك يؤتي الله ملكه من يشاء)، فمعنى ذلك: أن الخلفاء الراشدين هم الذين جاءوا بعده مباشرة، ومدتهم ثلاثون سنة، فأبو بكر له سنتان وأشهر، و عمر له عشر سنوات وأشهر، و عثمان له اثنتا عشرة سنة وأشهر، وعلي رضي الله عنه مكث قريباً من خمس سنوات، فهذه ثلاثون سنة، فخلافتهم خلافة نبوة، أي: أنهم جاءوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا خلفاء له، وقاموا بالأمر بعده خير قيام. وقد ذكر شيخ الإسلام في (العقيدة الواسطية): أن رأي أهل السنة استقر على تفضيل عث

تراجم رجال إسناد حديث (كنا نقول في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحداً، ثم عمر، ثم عثمان...)


قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فإنه إنما أخرج له في (عمل اليوم والليلة). [ حدثنا أسود بن عامر ]. أسود بن عامر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة ]. هو عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله ]. هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر العمري المصغر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث (كنا نقول ورسول الله حي: أفضل أمة النبي بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثنا يونس عن ابن شهاب قال: قال سالم بن عبد الله: أن ابن عمر قال: (كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حي: أفضل أمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعده أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان رضي الله عنهم أجمعين) ]. أورد أبو داود أثر ابن عمر من طريق أخرى، وذلك من طريق ابنه سالم عنه قال: (كنا نقول والنبي صلى الله عليه وسلم حي: أفضل هذه الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان). وقوله: (بعد نبيها) أي: بعد بعثته، وليس معنى ذلك أنهم يفضلون على أحد من الأنبياء، بل إن الأنبياء أفضل من جميع البشر، ولكن المقصود بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، فخير هذه الأمة هم هؤلاء.

تراجم رجال إسناد حديث (كنا نقول ورسول الله حي: أفضل أمة النبي بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان)


قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي في (الشمائل). [ حدثنا عنبسة ]. هو عنبسة بن خالد الأيلي، وهو صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود. [ حدثنا يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال سالم ]. هو سالم بن عبد الله بن عمر، وهو ثقة فقيه، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ أن ابن عمر قال ]. هو عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وقد مر ذكره.

شرح أثر محمد بن الحنفية (قلت لأبي: أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان حدثنا جامع بن أبي راشد حدثنا أبو يعلى عن محمد بن الحنفية قال: قلت لأبي: أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ قال: أبو بكر، قال: قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر، قال: ثم خشيت أن أقول: ثم من؟ فيقول: عثمان، فقلت: ثم أنت يا أبت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن علي رضي الله عنه أنه سأله ابنه محمد بن علي المشهور بابن الحنفية : من خير الناس؟ فقال: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: عمر، وخشيت أن يقول: عثمان، فقلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين. وهذا يدلنا على تقديم أبي بكر و عمر، وأن هذا أمر مستقر ومعروف، بل علي نفسه رضي الله عنه ثبت عنه ذلك كما جاء في هذا الأثر الصحيح الثابت عنه، وهذا -كما هو معلوم- مبني على ما يعلمونه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام كما في حديث عمرو بن العاص أنه سأله: (من أحب الناس إليك؟ قال: عائشة، قال: ومن الرجال؟ قال: أبوها، قال: ثم من؟ قال: عمر)، فهم يعلمون ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقول محمد بن الحنفية: ثم خشيت أن يقول: عثمان. كأنه قد استقر أيضاً واشتهر عندهم أن عثمان هو الذي يلي عمر، وهذا مر في كلام ابن عمر السابق، فكأن ذلك أمر معروف بينهم.

تراجم رجال إسناد أثر محمد بن الحنفية (قلت لأبي: أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟...)


قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا جامع بن أبي راشد ]. جامع بن أبي راشد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو يعلى ]. أبو يعلى هو المنذر بن يعلى ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن الحنفية ]. هو محمد بن علي بن أبي طالب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: قلت لأبي ]. أبوه هو علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

شرح أثر سفيان الثوري (من زعم أن علياً رضي الله عنه كان أحق بالولاية منهما فقد خطأ أبا بكر وعمر والمهاجرين والأنصار...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن مسكين حدثنا محمد -يعني الفريابي- سمعت سفيان يقول: من زعم أن علياً رضي الله عنه كان أحق بالولاية منهما فقد خطّأ أبا بكر و عمر والمهاجرين والأنصار رضي الله عنهم جميعهم، وما أراه يرتفع له مع هذا عمل إلى السماء ]. ذكر المصنف هذا الأثر عن سفيان الثوري رحمه الله قال: من زعم أن علياً رضي الله عنه كان أحق بالولاية منهما فقد خطأ أبا بكر و عمر والمهاجرين. لأن أبا بكر بويع بالخلافة وقبل البيعة بالخلافة ممن بايع، وكذلك المهاجرين والأنصار بايعوه، فمن زعم أنه أحق بالولاية منهما فقد خطأهم جميعاً، واتبع غير سبيل المؤمنين؛ لأنهم اتفقوا على ذلك، ولهذا جاء عن بعض العلماء أنه قال فيما يتعلق بتفضيل غيرهما عليهما: أنه قد أزرى بالمهاجرين والأنصار، وكذلك من قال: إنه أحق منهما بالولاية فقد اعترض على المهاجرين والأنصار وخطأهم، وهم خير هذه الأمة، وأحرص الناس على كل خير، وأسبق الناس إليه، فرضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. قوله: [ وما أراه يرتفع له مع هذا عمل إلى السماء ] أي: أنه لن يقبل له عمل؛ لأنه خالف ما عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد أثر سفيان الثوري (من زعم أن علياً رضي الله عنه كان أحق بالولاية منهما فقد خطأ أبا بكر وعمر والمهاجرين والأنصار...)

قوله: [ حدثنا محمد بن مسكين ]. محمد بن مسكين ثقة، أخرج البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي. [ حدثنا محمد -يعني: الفريابي- ]. هو محمد بن يوسف الفريابي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت سفيان ]. سفيان هو الثوري، وقد مر ذكره.

شرح أثر سفيان الثوري (الخلفاء خمسة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا قبيصة حدثنا عباد السماك سمعت سفيان الثوري يقول: الخلفاء خمسة: أبو بكر و عمر و عثمان و علي و عمر بن عبد العزيز ]. ذكر المصنف هذا الأثر عن سفيان الثوري أنه قال: (الخلفاء خمسة: أبو بكر و عمر و عثمان و علي و عمر بن عبد العزيز )، فهؤلاء هم الخلفاء، ولاشك أن عمر بن عبد العزيز من الخلفاء، وقد تقدمه خلفاء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزال أمر الناس قائماً ما وليهم اثنا عشر خليفة)، ولا شك أن عمر بن عبد العزيز منهم، و معاوية رضي الله عنه قبله منهم، فبعد الخلفاء الراشدين ثمانية من بني أمية، وكلهم وصفوا بأنهم خلفاء، وقد كان الأمر كذلك، فكان أمر الناس ماضياً، وكان المسلمون لهم قوة، وكانوا يجاهدون، ويغزون الكفار في بلادهم، والجيوش في زمن بني أمية وصلت إلى المحيط الأطلسي غرباً، وإلى الصين والسند والهند شرقاً، وكان الأمر كما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان أمر الناس قائماً في ذلك الوقت، والجهاد قائم، والقوة للمسلمين، والتغلب لهم على أعدائهم، وهم يغزونهم إلى بلادهم، ويخرجونهم من الظلمات إلى النور، ويهدونهم إلى الصراط المستقيم، ويبصرونهم بالدين، ولم يأت بعد الخلفاء الراشدين من الولاة والملوك والخلفاء مثل معاوية رضي الله عنه؛ لأنه صحابي، والصحابة أفضل من غيرهم، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)، فالصحابة خير من التابعين، وكل واحد من الصحابة يعتبر خيراً من أي واحد من التابعين، فالصحابة لهم ميزة على غيرهم، و عمر بن عبد العزيز من التابعين، فمعاوية خير وأفضل منه، وهو أفضل من كل تابعي. وهذا الأثر الذي جاء عن سفيان غير صحيح؛ لأن في سنده عباد السماك وهو مجهول.

تراجم رجال إسناد أثر سفيان الثوري (الخلفاء خمسة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز)

قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا قبيصة ]. هو قبيصة بن عقبة، وهو صدوق ربما خالف، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عباد السماك ]. عباد السماك مجهول، أخرج له أبو داود . [ سمعت سفيان الثوري ]. سفيان الثوري قد مر ذكره.
لزوم التقيد بالنصوص عند التفضيل بين الصحابة


ينبغي معرفة المراتب بين الصحابة ومن ذلك تفضيل المهاجرين على الأنصار، وتفضيل العشرة المبشرين بالجنة على غيرهم، وهكذا، واعتقاد أن فلاناً خير من فلان، وفلاناً أفضل من فلان؛ يترتب عليه اعتقاد أنهم بهذه الدرجات وبهذه المنازل، وأنه لا يجوز خلاف ذلك بأن يجعل المفضول أفضل من الفاضل، فتخالف بذلك النصوص، بل الواجب هو اتباع النصوص، وتقديم من قدم الدليل وتأخير من أخر، وكلهم متقدمون، وأصحاب فضل ونبل وشرف رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، لكنهم متفاوتون في الفضل، ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الحديد:21]


إطلاق اسم الخليفة على معاوية وعمر بن عبد العزيز


السؤال: هل تسمية عمر بن عبد العزيز رحمه الله (خليفة) قدح في خلافة معاوية رضي الله عنه؟ مع العلم أن معاوية خير من عمر؟! الجواب: لا يقال إن تسميته خليفة قدح؛ لأن معاوية خليفة أيضاً، وقد ورد في الحديث: (لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر خليفة) وهم الخلفاء الراشدون وثمانية من بني أمية، وأولهم معاوية رضي الله عنه، فهو خير الثمانية وأفضلهم، كما قال شارح الطحاوية: وأول ملوك المسلمين معاوية وهو خير ملوك المسلمين، وقال الذهبي في كتابه السير: ملك الإسلام، يعني أول ملك في الإسلام، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (خلافة النبوة بعدي ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء) وقد آتى الله ملكه معاوية رضي الله عنه، ومكث في الخلافة عشرين سنة، من سنة واحد وأربعين إلى سنة ستين.

حديث (أي الناس أحب إليك؟ قال عائشة) لا يدل على أنها أفضل من كل الصحابة


السؤال: عندما سئل النبي صلى الله عليه وسلم: (أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، قال: فمن الرجال؟ قال: أبوها) فهل يدل هذا على تفضيل عائشة على أبيها؟ الجواب: لا يدل على ذلك؛ لأن الأصل عند أهل السنة والجماعة أن الصحابة جميعاً أفضلهم الخلفاء الراشدون: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان . وبعض أهل العلم -وأظنه ابن حزم - يقول: إن أمهات المؤمنين أفضل من غيرهن؛ لأنهن مع النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، وهن في درجته ومعه، فيكن أفضل من غيرهن، لكن النصوص على أن خير هذه الأمة -وهو الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة- بعد نبيها: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي .

حكم تسمية عمر بن عبد العزيز بـ(خامس الخلفاء الراشدين)

السؤال: هل يصح تسمية عمر بن عبد العزيز بالخليفة الخامس؟ الجواب: بعض أهل العلم قال هذا، لكنه غير صحيح؛ لأن معاوية رضي الله عنه هو الخليفة الخامس، وهو أول خليفة بعد الخلفاء الراشدين."



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 03-07-2025, 09:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,727
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [519]
الحلقة (549)





شرح سنن أبي داود [519]

جعل سبحانه وتعالى النبوة رحمة ببني البشر وسراجاً كاشفاً لما يجب على الخلق تجاه خالقهم وأنفسهم، وجعل سبحانه الخلافة امتداداً لمهمة الأنبياء عليهم السلام، والواجب الملقى على عواتق ولاة الأمر عظيم، فهم ساسة الناس وعليهم القيام بمصالح العباد، وإقامة شرع الله في الأرض، ولهم فضل عظيم عند الله وعند الخلق إن قاموا بذلك، وإن لم يقوموا بواجبهم كانت ولايتهم وبالاً عليهم.

ما جاء في الخلفاء


شرح حديث الرؤيا التي فسرها أبو بكر عند النبي فقال (أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الخلفاء. حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا عبد الرزاق -قال محمد : كتبته من كتابه- قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: كان أبو هريرة يحدث: (أن رجلاً أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أرى الليلة ظلة ينطف منها السمن والعسل، فأرى الناس يتكففون بأيديهم، فالمستكثر والمستقل، وأرى سبباً واصلاً من السماء إلى الأرض، فأراك يا رسول الله! أخذت به فعلوت به، ثم أخذ به رجل آخر فعلا به، ثم أخذ به رجل آخر فعلا به، ثم أخذ به رجل آخر فانقطع، ثم وصل فعلا به، قال أبو بكر: بأبي وأمي لتدعني فلأعبرنها، فقال: اعبرها، قال: أما الظلة فظلة الإسلام، وأما ما ينطف من السمن والعسل فهو القرآن لينه وحلاوته، وأما المستكثر والمستقل فهو المستكثر من القرآن والمستقل منه، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فهو الحق الذي أنت عليه، تأخذ به فيعليك الله، ثم يأخذ به بعدك رجل فيعلو به، ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به، ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع، ثم يوصل له فيعلو به، أي رسول الله! لتحدثني أصبت أم أخطأت؟ فقال: أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً، فقال: أقسمت -يا رسول الله- لتحدثني: ما الذي أخطأت؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقسم). أورد أبو داود رحمه الله باباً في الخلفاء. والخليفة هو الذي يلي الأمر، ويقال له: خليفة؛ لأنه يكون خليفة لمن قبله، ولهذا لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايع المسلمون أبا بكر صاروا يلقبونه بخليفة رسول الله، لأنه خلفه وقام بالأمر بعده، فيلقبونه: خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا اللقب اختص به؛ لأنه لما جاء عمر رضي الله عنه ثم عثمان ثم علي صار كل واحد منهم يقال له: أمير المؤمنين، وذلك لأن الإضافات ستكثر، فأبو بكر هو خليفة رسول الله، وعمر يصير خليفة خليفة رسول الله لو جعلت المسألة بالإضافة، و عثمان خليفة خليفة خليفة رسول الله، فتزاد كلمة، وعلي أيضاً يزيد كلمة، فهم بدلاً من هذه الإضافات اختاروا هذا اللقب الذي هو أمير المؤمنين، فصار أول من تلقب بلقب أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، ثم صار يقال لكل واحد من الخلفاء: أمير المؤمنين، فالخلفاء هم الولاة الذين يلون الأمر وكل واحد يخلف الثاني، ويأتي خليفة من بعده، فأبو بكر جاء بعده عمر وخلفه وولي الناس من بعده، وكان ذلك بعهد إليه أي أن أبا بكر عهد إلى عمر وأوصى بأن يكون هو الخليفة من بعده، واعتبر هذا الاختيار من أعظم حسنات أبي بكر رضي الله عنه؛ لأنه اختار للمسلمين رجلاً قوياً شجاعاً حصل على يديه الخير الكثير حيث فتحت الفتوحات، واتسعت رقعة البلاد الإسلامية، وقضي على دولة الفرس، وحجّم دولة الروم، وأنفقت كنوز كسرى وفلول الروم في سبيل الله على يديه حيث أخذتها الجيوش المظفرة التي بعث بها وأتوا بها إلى المدينة، وتولى قسمتها بنفسه رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ثم اختار الصحابة من بعده عثمان ثم بعد ذلك اختاروا علياً رضي الله تعالى عن الجميع؛ فهؤلاء هم أول الخلفاء، ثم جاء خلفاء من بعدهم. وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إنه رأى ظلة في منامه، والظلة: الشيء الذي له ظل، والمقصود بذلك سحابة لها ظل، تنطف السمن والعسل، يعني: يتساقط منها سمن وعسل، والناس يتكففون بأكفهم هذا السمن والعسل الذي ينزل، (فمنهم المستقل ومنهم المستكثر) أي: منهم الذي حصل شيئاً كثيراً وقع في كفه، ومنهم من حصل له شيء قليل، قال: (ورأيت سبباً نزل من السماء)، والسبب هو: الحبل. قال: (فأخذت به)، يخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم، (فعلوت به ثم أخذه رجل آخر من بعدك فعلا به، ثم آخر فعلا به، ثم آخر انقطع فعلا به) فأبو بكر رضي الله عنه بادر وقال: إنني أريد أن أعبر هذه الرؤيا، وطلب منه أن يأذن له فأذن له الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: (أما الظلة فظلة الإسلام)يعني: هذا الدين الذي جاء به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وأما كونها تنطف السمن والعسل فإن ذلك ما جاء به من القرآن، وأن الناس يتفاوتون في الأخذ من القرآن وفي العمل بما جاء في القرآن، فمنهم المستقل ومنهم المستكثر، يعني: على حسب ما يحصل منهم من التطبيق والتنفيذ لما جاء في القرآن، ثم الحبل الذي نزل من السماء وعلا به الرسول صلى الله عليه وسلم هو إشارة إلى ذهابه وإلى الخلفاء من بعده، وأبو بكر رضي الله عنه هو الذي يليه، ثم عمر ، ثم عثمان رضي الله عنه، ثم إنه يحصل ما يحصل له من قيام بعض الناس عليه وحصره في داره ثم قتله فيها، ثم إنه وصل بعد ذلك لعلي رضي الله عنه، يعني: علا به عثمان ثم انقطع، ثم وصل وجاء رجل آخر فعلا به وهو علي رضي الله عنه وأرضاه، فهذا هو تعبير هذه الرؤيا، ولما فسر أبو بكر رضي الله عنه هذا التفسير وعبرها بهذا التعبير قال: (أخبرني هل أصبت؟ قال عليه الصلاة والسلام: أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً، قال: أقسمت لتخبرني بذلك، قال له: لا تقسم) فقوله: لا تقسم أو قال: أقسمت، قيل: المقصود أنه قال: أقسمت ولم يقل: أقسمت بالله، ومثل هذا لا يعتبر قسماً، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقسم، ومن العلماء من يقول: إنه قسم، ولكن اليمين لا تبر إلا إذا كان يترتب على عدم الإبرار مضرة، وأما إذا كان عدم البر فيه مصلحة فإنها لا تبر اليمين، وليس كل من حلف على شيء أن يخبر به فإنه يلزم من حلف عليه الإخبار، فإنه إذا لم يكن في إخباره مصلحة فإنه يحنث في يمينه ويكفرها، وهو خير وأولى من أن يخبر بأمر لا ينبغي الإخبار عنه، ولعل الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخبره لأن في ذلك إشارة إلى ما حصل لعثمان رضي الله عنه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لو أخبر به لكان في ذلك حزن وتأثير على الناس بمثل هذا الخبر، فأخفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه بعد ذلك وقع وعرفه الناس بالوقوع، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله رداً على من تساءل بقوله: كيف لم يفسره الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يخبر به، ثم بعد ذلك يأتي الناس ويفسرونه؟ فقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخبر عن أمر سيقع لأنه يترتب عليه شيء، ولكنه بعدما وقع وبعدما ظهر والناس شاهدوه وعرفوه لم يعد هناك بأس أن يتحدث عنه الناس على ضوء ما وقع وعلى ضوء ما قد حصل. ومن قال: حلفت عليك أن تعمل كذا أو لا تعمل كذا، ما دام أنه ليس فيه (بالله) فهو ليس بحلف، وكلمة: حلفت أو أقسمت من دون أن يقول: (بالله) ما يعتبر قسماً، لكن حتى لو قال: أقسمت بالله، أو حلف عليه بالله أنه يخبره بسر من الأسرار التي لا ينبغي أن يخبره بها، فالذي حلف هو مخطئ في حلفه، وعليه أن يكفر عن يمينه، لكن الحديث ظاهره أنه ليس فيه حلف، يعني ليس فيه إلا كلمة: (أقسمت). أما قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقسم). معناه: نهي عن القسم في المستقبل، وليس بواضح أنه اعتبرها قسماً؛ لأن قوله: لا تقسم،تعني: لا يحصل منك قسم، لأنه هنا قال: (أقسمت) فقط. والرواية عند البخاري : (فوالله يا رسول الله! لتحدثني) هذا يوضح كلمة (أقسمت) ويكون الجواب مثل ما ذكر أنه ما يلزم أن كل من حلف تبر يمينه؛ لأن الإنسان قد يحلف على أن يخبر بسر لا ينبغي أن يخبر به. قوله: [ (أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً) ]. الإصابة معروفة في مسألة الحبل، والاتصال بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم وبالنسبة للسمن والعسل والظلة، ولكن يبدو أن الشيء الذي أخطأه هو بيان ما جاء في آخر القصة، مما حصل لعثمان، وتفسيره له قوله: (وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فهو الحق الذي أنت عليه، تأخذ به فيعليك الله، ثم يأخذ به بعدك رجل فيعلو به) هذا على أنه أبو بكر وهذا طبعاً فيما يتعلق بالخلافة، مجرد كونه يحكم بالحق، وأنه يعلو به، أو يكون عالياً به، بل أيضاً حتى في نفس كونه خليفة، وأنه تبعه ومات بعده. وهكذا تفسير قوله: (ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به) على أنه عمر . وقوله: (ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع، فيوصل له فيعلو به). وهذا فيه إشارة إلى خلافة عثمان ، وابن القيم رحمه الله قال: إن البخاري ما عنده كلمة: (له)، وإنما عنده: (فينقطع)، ثم يوصل، يعني: يوصل لغيره وليس له، والمقصود من ذلك: علي رضي الله عنه والخلافة التي جاءت بعد عثمان، فذكر ذلك ابن القيم في تهذيب السنن حيث قال: البخاري ما جاء عنده (له)، بخلاف مسلم وغيره فإنه جاء عندهم: (فيوصل له)، ومعنى ذلك: أنه يرجع إلى السابق، بينما المقصود عند البخاري: أنه يرجع إلى الذي جاء بعده، لأنه هو انتهى بكونه قتل رضي الله عنه. وفي اللفظ هنا أنهم ثلاثة فقط: (ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع، ثم يوصل له فيعلو به) ولا يوجد رابع. قوله: [ (ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع، ثم يوصل له فيعلو به) ]. الخلافة في حقه قطعت بموته، بخلاف غيره فإن الأول مات، وتاليه قتل ولكنه ما قتل على الخلافة رضي الله عنهم، وأما هذا فقد قتل على الخلاف

شرح حديث (الرؤيا التي فسرها أبو بكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال له (أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً) من طريق أخرى


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا محمد بن كثير حدثنا سليمان بن كثير عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذه القصة، قال: (فأبى أن يخبره) ] أورد أبو داود الحديث عن ابن عباس وفيه: (فأبى أن يخبره) ومعناه: أنه طلب منه أن يخبره والرسول ما أخبره، والألباني ضعف هذه الرواية، وسبب التضعيف هو سليمان بن كثير ؛ لأنه لا بأس به في غير الزهري ، وهنا روايته عن الزهري ، لكن قوله: (فأبى أن يخبره) هو مقتضى ما تقدم من أنه طلب وما تحقق له ذلك؛ لأن هذا إخبار عن الواقع، فالرسول صلى الله عليه وسلم ما أخبره، وامتنع عن إخباره وقد طلب منه وأكد ذلك عليه.
تراجم رجال إسنادي حديث الرؤيا التي فسرها أبو بكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: (أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً)


قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا عبد الرزاق ]. محمد بن يحيى بن فارس مر ذكره، وعبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال محمد : كتبته من كتابه]. محمد هو الذهلي، وقوله: كتبته من كتابه، أي: من كتاب شيخه عبد الرزاق . [ أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. مر ذكره. [ عن عبيد الله بن عبد الله ]. هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، وهو ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا محمد بن كثير ]. محمد بن كثير هو العبدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره. والعادة أن أبا داود يروي عنه مباشرة، إلا أنه هنا روى عنه بواسطة. [ حدثنا سليمان بن كثير ]. هو سليمان بن كثير العبدي، وهو لا بأس به في غير الزهري ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس ]. مر ذكرهم. وهذا يعتبر مرسل صحابي؛ لأن الرواية السابقة تدل على ذلك. فهناك يقول: (كان أبو هريرة يحدث)، وهنا (عن عبد الله ).
شرح حديث (من رأى منكم رؤيا؟ فقال رجل: أنا رأيت كأن ميزاناً نزل من السماء...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا الأشعث عن الحسن عن أبي بكرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم: من رأى منكم رؤيا؟ فقال رجل: أنا، رأيت كأن ميزاناً نزل من السماء فوزنت أنت وأبو بكر ، فرجحت أنت بأبي بكر ، ووزن عمر وأبو بكر فرجح أبو بكر ، ووزن عمر وعثمان فرجح عمر ، ثم رفع الميزان، فرأينا الكراهية في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. أورد أبو داود هذا الحديث عن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى منكم رؤيا؟ فقال رجل: أنا يا رسول الله! رأيت كأن ميزاناً نزل من السماء فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت بأبي بكر ، ثم وزن أبو بكر وعمر فرجح أبو بكر ، ثم وزن عمر وعثمان فرجح عمر ، ثم رفع الميزان، فرأينا الكراهية في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا مثل الذي قبله، يدل على خلافة الخلفاء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الترتيب، وأن أبا بكر بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام، وعمر بعد أبي بكر ، وعثمان بعد عمر رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين. فهو دال على خلافتهم وعلى أن كل واحد منهم يأتي بعد الآخر، وأما ذكر أنهم رأوا الكراهية في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم، فلعل ذلك لما يحصل لعثمان في آخر الأمر مما قد حصل ووقع.
تراجم رجال إسناد حديث (من رأى منكم رؤيا؟ فقال رجل: أنا رأيت كأن ميزاناً نزل من السماء...)


قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ]. هو محمد بن المثنى أبو موسى الزمن العنزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ]. محمد بن عبد الله الأنصاري من كبار شيوخ البخاري ، ممن روى عنه الثلاثيات، وهو ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الأشعث ]. الأشعث يحتمل أن يكون أشعث بن عبد الله الحداني ، أو أن يكون أشعث بن عبد الملك الحمراني ؛ لأن كلاً من هذين الاثنين روى عن الحسن البصري ، وروى عنه محمد بن عبد الله الأنصاري ، وكل منهما محتج به، فالحداني صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن، والحمراني ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن الحسن ]. هو الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بكرة ]. أبو بكرة هو نفيع بن الحارث رضي الله عنه، صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث (أيكم رأى رؤيا؟.. فقال: خلافة نبوة ثم يؤتي الله الملك من يشاء)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن علي بن زيد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم: أيكم رأى رؤيا؟ -فذكر معناه، ولم يذكر الكراهية- قال: فاستاء لها رسول الله صلى الله عليه وسلم -يعني: فساءه ذلك- فقال: خلافة نبوة، ثم يؤتي الله الملك من يشاء) ]. أورد المصنف الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، وما ذكر الكراهية، ولكن ذكر الاستياء، وهو بمعنى واحد، فكونه استاء أو أنهم رأوا الكراهية في وجهه معناهما واحد، وفيه أيضاً: أنه قال: (خلافة نبوة، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء).
تراجم رجال إسناد حديث (أيكم رأى رؤيا؟... فقال: خلافة نبوة ثم يؤتي الله الملك من يشاء)


قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة بن دينار البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن علي بن زيد ]. هو علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ]. عبد الرحمن بن أبي بكرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. مر ذكره. وهذا الإسناد فيه ابن جدعان ، ولكن الحديث ثابت بالطريق التي قبله. وقوله: [ (خلافة نبوة، ثم يؤتي الله الملك من يشاء) ]. جاء ما يدل عليه، وهو حديث سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال: (خلافة النبوة بعدي ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء).
شرح حديث (أري الليلة رجل صالح أن أبا بكر نيط برسول الله صلى الله عليه وسلم...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي عن ابن شهاب عن عمرو بن أبان بن عثمان عن جابر بن عبد الله أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أري الليلة رجل صالح أن أبا بكر نيط برسول الله صلى الله عليه وسلم، ونيط عمر بأبي بكر، ونيط عثمان بعمر قال جابر : فلما قمنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: أما الرجل الصالح فرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما تنوط بعضهم ببعض فهم ولاة هذا الأمر الذي بعث الله به نبيه صلى الله عليه وسلم). قال أبو داود : ورواه يونس وشعيب ، لما يذكرا عمرو بن أبان ]. أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أري الليلة رجل صالح أن أبا بكر نيط برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن عمر نيط بأبي بكر ، وعثمان نيط بعمر) فقالوا: أما الرجل الصالح -يعني أولوها- أن الرجل الصالح هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن هؤلاء الذين ذكروا من الخلفاء هم ولاة الأمر من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتنوط بعضهم ببعض أي أن كل واحد يلي الآخر ويخلفه ويجيء بعده، فرسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بعده أبو بكر ، ثم أبو بكر جاء بعده عمر ، ثم عمر جاء بعده عثمان . والحديث في إسناده ضعف من جهة أن الذي يروي عن جابر في بعض الطريق الموجودة مقبول، وأيضاً جاء عن بعض الرواة أن ذلك المقبول لم يذكر فيكون فيه انقطاع بين الزهري وبين جابر رضي الله تعالى عنه.
تراجم رجال إسناد حديث (أري الليلة رجل صالح أن أبا بكر نيط برسول الله صلى الله عليه وسلم...)


قوله: [ حدثنا عمرو بن عثمان ]. هو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي وهو صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة . [ حدثنا محمد بن حرب ]. هو محمد بن حرب الحمصي الأبرش، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزبيدي ]. الزبيدي هو محمد بن الوليد الزبيدي الحمصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن ابن شهاب ]. هو ابن شهاب محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن أبان ]. عمرو بن أبان مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو الصحابي الجليل، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. [ قال أبو داود : ورواه يونس وشعيب ، لم يذكرا عمرو بن أبان ]. قال أبو داود : ورواه يونس وشعيب عن الزهري ، ولم يذكرا عمرو بن أبان ، فيكون منقطعاً، والزهري لا يروي عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما فيكون منقطعاً، وعلى كل حال فهو إما منقطع وإما فيه ذلك الواسطة الذي هو مقبول ويحتاج إلى متابعة، ويونس هو ابن يزيد الأيلي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وشعيب هو ابن أبي حمزة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث (أن رجلاً قال: يا رسول! إني رأيت كأن دلواً دلي من السماء...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثني عفان بن مسلم حدثنا حماد بن سلمة عن أشعث بن عبد الرحمن عن أبيه عن سمرة بن جندب (أن رجلاً قال: يا رسول الله! إني رأيت كأن دلواً دلي من السماء، فجاء أبو بكر فأخذ بعراقيها، فشرب شرباً ضعيفاً، ثم جاء عمر فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع، ثم جاء عثمان فأخذ عراقيها فشرب حتى تضلع، ثم جاء علي فأخذ بعراقيها فانتشطت وانتضح عليه منها شيء) ]. أورد أبو داود هذا الحديث عن سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم بأنه رأى كأن دلواً دلي، فأخذ أبو بكر رضي الله عنه بعراقي الدلو، والعراقي هي الخشبتان المعترضتان اللتان تربط بها أطراف الدلو، فهذه يقال لها: العراقي، قال: (فجاء أبو بكر فأخذ بعراقيها فشرب شرباً ضعيفاً، ثم جاء عمر فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع). حتى تضلع، يعني: ملأ بطنه واتصل بطنه بضلعه من امتلاء البطن، وكذلك جاء عثمان فشرب حتى تضلع، ثم أخذها علي رضي الله عنه فانتشطت، يعني: اضطربت، فأصابه شيء منها، وهذا يدل على خلافة كل واحد منهم، وأن أبا بكر رضي الله عنه مدته وجيزة، و عمر مدته طويلة، وهي عشر سنوات وأشهر، و عثمان رضي الله عنه مدته اثنتا عشرة سنة، و علي رضي الله أربع سنوات وأشهر، ولكن الحديث في إسناده رجل فيه ضعف، وهو الذي يروي عن سمرة وهو مقبول.
تراجم رجال إسناد حديث (أن رجلاً قال: يا رسول! إني رأيت كأن دلواً دلي من السماء...)


قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ]. محمد بن المثنى هو أبو موسى العنزي الملقب بالزمن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثني عفان بن مسلم ]. هو عفان بن مسلم الصفار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد بن سلمة ]. هو حماد بن سلمة بن دينار البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أشعث بن عبد الرحمن ]. أشعث بن عبد الرحمن صدوق، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن أبيه ]. مقبول أخرج له أبو داود . [ عن سمرة بن جندب ]. سمرة بن جندب رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
ثبوت حديث رؤيا النبي للبئر والنزع منها، ودلالة ذلك على خلافة أبي بكر وعمر)


ورد في الصحيحين (أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى أنه كان على بئر وأن معه دلواً فنزع بها ما شاء الله أن ينزع، فأخذها أبو بكر فنزع ذنوباً أو ذنوبين وفي نزعه ضعف، ثم أخذها عمر فاستحالت غرباً، أي: دلواً كبيرة جداً، فلم أر عبقرياً يفري فريه حتى ضرب الناس بعطن) هذا ثابت في الصحيحين وفي غيرهما، وهو يدل على خلافة أبي بكر وأنها قصيرة، ويدل على خلافة عمر وأنها طويلة، وما حصل من النفع الكثير واتساع البلاد الإسلامية وقوة الإسلام وأهله في ذلك الزمان، حتى اتسعت رقعة البلاد الإسلامية، وفتحت الفتوحات الواسعة، وقضي على دولة الفرس وقوض دولة الروم، وهما الدولتان العظيمتان في ذلك الزمان، وأنفقت كنوز كسرى وقيصر ملكي الفرس والروم في سبيل الله، وذلك على يد الفاروق حيث أرسلت إليه في المدينة وتولى قسمتها رضي الله تعالى عنه وأرضاه. فالحديث الذي فيه رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الوصف في حق أبي بكر و عمر ثابت في الصحيحين، وأما هذا الذي فيه نزول الدلو، وأن أبا بكر شرب شرباً ضعيفاً و عمر شرب حتى تضلع -يعني: حتى اتصل أو التصق بطنه بضلعه من امتلائه بالماء- وكذلك عثمان هذا الحديث فيه ضعف.
شرح قول مكحول (لتمخرن الروم الشام أربعين صباحاً...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن سهل الرملي حدثنا الوليد حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن مكحول قال: لتمخرن الروم الشام أربعين صباحاً لا يمتنع منها إلا دمشق وعمان ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن مكحول قال: لتمخرن الروم الشام أربعين صباحاً، يعني: أربعين يوماً، ومعناه: أنهم يجوبونها مثلما تمخر السفينة في الماء حيث تشقه وتمضي فيه، لا يمتنع منها إلا دمشق وعمّان، وهما مدينتان من مدن الشام مشهورتان معروفتان. ولا يظهر له مناسبة فيما يتعلق بالخلفاء، إلا إذا كان كما يقول صاحب العون: انقضاء الخلافة وظهور الفتن بعد زمن الخلفاء الراشدين. لكن وكما هو معلوم فإن كانت الخلافة الراشدة قد انتهت، إلا أن الخلافة استمرت بعدها، وحصل لها ثبات واستقرار، وكلام مكحول كلام تابعي، فهو ليس ثابتاً، ولا يقال: له حكم الرفع؛ لأنه ما هو بكلام صحابي، وإنما هو كلام تابعي، وهو كلام مرسل، ويجوز أنه أخذ من بعض الكتب أو القصص أو الحكايات، فلا يعتبر ولا يعول عليه؛ لأنه ما جاء فيه شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو صح فيمكن أن يكون في المستقبل، ولا يقال: إنه بعد الخلافة الراشدة، لأنه بعد الخلافة الراشدة -كما هو معلوم- كانت الأمور مستقرة والمسلمون متمكنون من الشام، ولم يحصل للروم دخول بعد أن خرجوا منه في زمن عمر، ومعاوية رضي الله عنه بعدما حصل تنازل الحسن مكث في الخلافة عشرين سنة والأمر بيده، وأمر الإسلام ظاهر وقوي وعزيز، وقد غزوا البلاد المختلفة والجهاد ماض، والروم ما دخلوا بلاد الشام إلا دمشق وعمان، فالقول بأن الخلافة ضعفت بعد الخلفاء الراشدين غير صحيح.

تراجم رجال إسناد قول مكحول (لتمخرن الروم الشام أربعين صباحاً...)

قوله: [ حدثنا علي بن سهل الرملي ]. علي بن سهل الرملي صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا الوليد ]. الوليد هو ابن مسلم الدمشقي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سعيد بن عبد العزيز ]. سعيد بن عبد العزيز ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن مكحول ]. مكحول هو الشامي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. و الألباني ضعف هذا الأثر، ولا أدري هل تضعيفه من جهة الوليد بن مسلم وأنه مدلس، أو شيء آخر، لكن كما هو معلوم من حيث الثبوت لا يعتبر ثابتاً؛ لأن هذا إخبار عن أمر مستقبل، وهذا لا يعتبر إلا إذا جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يقال: إن له حكم الرفع؛ لأن هذا كلام تابعي، والصحابي إذا أخبر عن أمر ليس للرأي فيه مجال ولم يكن معروفاً بالأخذ بالإسرائيليات فإن له حكم الرفع -أي: كلام الصحابي- لأنه إخبار بالأمور المغيبة.
قول أبي الأعيس (سيأتي ملك من ملوك العجم...) وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن عامر المري حدثنا الوليد حدثنا عبد العزيز بن العلاء أنه سمع أبا الأعيس عبد الرحمن بن سلمان يقول: سيأتي ملك من ملوك العجم يظهر على المدائن كلها إلا دمشق ]. أورد هذا الأثر عن عبد الرحمن بن سلمان قال: يأتي ملك من ملوك العجم يظهر على المدائن كلها إلا دمشق، وهذا مثل الذي قبله، يعني: هو كلام تابعي وليس من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ولا كلام صحابي. قوله: [ حدثنا موسى بن عامر المري ]. موسى بن عامر المري صدوق له أوهام، أخرج له أبو داود . [ عن الوليد عن عبد العزيز بن العلاء ]. الوليد بن مسلم تقدم، وعبد العزيز بن العلاء صوابه: عبد الله بن العلاء وهو عبد الله بن العلاء بن زبر، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ أنه سمع أبا الأعيس عبد الرحمن بن سلمان ]. عبد الرحمن بن سلمان ، ذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وأخرج له أبو داود . والشيخ الألباني حكم عليه بأنه صحيح الإسناد مقطوع، والوليد بن مسلم صرح بالسماع هنا.
شرح حديث (موضع فسطاط المسلمين في الملاحم أرض يقال لها الغوطة..)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا برد أبو العلاء عن مكحول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (موضع فسطاط المسلمين في الملاحم أرض يقال لها: الغوطة) ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن مكحول ، وقد رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (موضع فسطاط المسلمين في الملاحم أرض يقال لها: الغوطة) وهي البساتين التي حول دمشق، والفسطاط معناه: الخباء، ومعنى ذلك: أن جيوش المسلمين تكون في ذلك المكان، وهذا مرسل؛ لأن التابعي إذا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا.. فهذا هو المرسل في اصطلاح المحدثين، والمرسل ضعيف؛ لأنه يحتمل أن يكون الذي سقط صحابياً أو تابعياً، وعلى فرض أنه تابعي فيحتمل أن يكون ثقة وأن يكون ضعيفاً، فهو من أجل احتمال أنه تابعي وأن التابعي يكون ضعيفاً أو ثقة اعتبر من قبيل الضعيف، ولو كان الساقط الصحابي فقط فلا يؤثر؛ لأن الصحابة كلهم عدول، ولهذا فقول صاحب البيقونية: ومرسل منه الصحابي سقط.. هذا الكلام غير مستقيم؛ لأنه لو كان السقوط للصحابي فقط ما كان هناك إشكال، ولكن الإشكال في كون المحذوف الساقط يحتمل أن يكون صحابياً وأن يكون تابعياً، وعلى احتمال أنه تابعي يكون ثقة أو ضعيفاً، لكن الحديث جاء عن أبي الدرداء بهذا اللفظ وزيادة، وقد سبق أن مر في باب المعقل من الملاحم، فيكون أثر مكحول صحيحاً بذاك الذي سبق أن مر وهو صحيح، وإلا لو كان الحديث ما جاء إلا من هذا الطريق فإنه لا يعتبر لكونه مرسلاً، ولكنه جاء من طريق أخرى غير هذا الطريق ومتصل، فيكون هذا له أصل في الصحيح.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 03-07-2025, 09:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,727
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله


تراجم رجال إسناد حديث (موضع فسطاط المسلمين في الملاحم أرض يقال لها الغوطة...)


قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. حماد هو ابن سلمة بن دينار ، وإذا جاء حماد غير منسوب ويروي عنه موسى بن إسماعيل فهو حماد بن سلمة كما عرفنا ذلك مراراً، و حماد بن سلمة مر ذكره. [ أخبرنا برد أبو العلاء ]. برد أبو العلاء صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن مكحول ]. مكحول قد مر ذكره.
شرح قول الحجاج بن يوسف: (إن مثل عثمان عند الله كمثل عيسى بن مريم...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو ظفر عبد السلام حدثنا جعفر عن عوف قال: سمعت الحجاج يخطب وهو يقول: إن مثل عثمان عند الله كمثل عيسى بن مريم، ثم قرأ هذه الآية يقرؤها ويفسرها: إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا [آل عمران:55] يشير إلينا بيده وإلى أهل الشام ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن الحجاج ، وهو يتعلق بالخلفاء على اعتبار أنه أمير لعبد الملك بن مروان أحد خلفاء بني أمية، و الحجاج -كما هو معلوم- معروف بالظلم، وقد قالت أسماء بنت أبي بكر لما قتل ابنها عبد الله بن الزبير : إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج في ثقيف كذاب ومبير) فأما الكذاب فقد عرفناه، وأما المبير فلا أخاله إلا أنت، والمبير هو الظالم المهلك، و الحجاج كان شديد البأس، وكان عنده ظلم وهو مشهور بذلك. أورد أبو داود عنه هذا الأثر أنه قال: إن مثل عثمان كمثل عيسى الذي قال الله تعالى فيه: إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [آل عمران:55] ومعناه: أن قرابة عثمان وهم بنو أمية فيهم الخلفاء وهو أحد أمرائهم، وأنهم باقون، وأن لهم التفوق على غيرهم، يقول: يشير إلينا وإلى أهل الشام، يعني: إلى أهل العراق وإلى أهل الشام أي: الذين اتبعوا بني أمية وتابعوهم ولم يخالفوهم، فهو يشير إلى هؤلاء الذين رضوا والذين هم مطيعون وليسوا معارضين لخلافة بين أمية.
تراجم رجال إسناد قول الحجاج بن يوسف: (إن مثل عثمان عند الله كمثل عيسى بن مريم...)

قوله: [ حدثنا أبو ظفر عبد السلام ]. هو عبد السلام بن مطهر، وهو صدوق، أخرج له البخاري وأبو داود . [ حدثنا جعفر ]. جعفر هو ابن سليمان الضبعي، وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عوف ]. هو عوف بن أبي جميلة الأعرابي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: سمعت الحجاج يخطب ]. الحجاج ليس له رواية، وإنما ورد ذكره في الكتب.
شرح قول الحجاج بن يوسف (رسول أحدكم في حاجته أكرم عليه أم خليفته في أهله؟)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني حدثنا جرير ح وحدثنا زهير بن حرب قالا: حدثنا جرير عن المغيرة عن الربيع بن خالد الضبي قال: سمعت الحجاج يخطب فقال في خطبته: رسول أحدكم في حاجته أكرم عليه أم خليفته في أهله؟ فقلت في نفسي: لله علي ألا أصلي خلفك صلاة أبداً، وإن وجدت قوماً يجاهدونك لأجاهدنك معهم. زاد إسحاق في حديثه قال: فقاتل في الجماجم حتى قتل ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن الحجاج وفيه: أنه خطب فقال في خطبته: رسول أحدكم في حاجته أكرم عليه أم خليفته في أهله؟ والمقصود من ذلك: معرفة الفرق بين هذا وهذا، وهذا الذي فهمه الربيع بن خالد الضبي ؛ ولذا قال: لله علي ألا أصلي خلفك صلاة أبداً، وفهم أنه يفضل الخلفاء على الرسل والأنبياء، ومعلوم أن هذا لو حصل أو ثبت يكون ردة، ولكن الإسناد لم يثبت؛ لأن فيه المغيرة بن مقسم الضبي وهو مدلس، ثم أيضاً يحتمل ألا يريد تفضيل الخلفاء على الأنبياء وعلى الرسل، وإنما يريد أن الإنسان إذا أرسل إنساناً في حاجة له وكذلك لو جعل أحداً يخلفه في أهله إذا غاب عنهم، فإن الذي يخلفه أولى من الذي يرسله في حاجة، فيكون من حيث المعنى لا شك أنه صحيح، وأما إذا أريد به المقارنة والموازنة بين الرسل وبين الخلفاء فإن هذا ردة والعياذ بالله وكفر بالله عز وجل. فهذا الأثر لم يثبت، ولو ثبت أن الحجاج يقارن بين الرسل وبين الخلفاء فهذا ردة، وكلام الذي نذر لا شك أنه مبني على أنه فهمه أنه مقارنة بين الرسل وبين الخلفاء.
تراجم رجال إسناد قول الحجاج بن يوسف (رسول أحدكم في حاجته أكرم عليه أم خليفة في أهله؟)


قوله: [ حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني ]. إسحاق بن إسماعيل الطالقاني ثقة، أخرج له أبو داود . [ حدثنا جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح، وحدثنا زهير بن حرب ]. (ح) وهي التحول من إسناد إلى إسناد. وزهير بن حرب هو أبو خيثمة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ قالا: حدثنا جرير عن المغيرة ]. المغيرة هو ابن مقسم الضبي، وهو ثقة ولكنه مدلس، وهنا روى بالعنعنة، فيكون ذلك الأثر غير صحيح، لعنعنة هذا المدلس. [ عن الربيع بن خالد الضبي ]. الربيع بن خالد الضبي ثقة، أخرج له أبو داود . [ زاد إسحاق في حديثه قال: فقاتل في الجماجم حتى قتل ]. أي: الربيع الذي نذر أنه إذا وجد أناساً يقاتلونه فسيقاتله معهم، وذلك في القتال الذي حصل بين الحجاج وبين عبد الرحمن بن الأشعث في دير الجماجم.
شرح قول الحجاج بن يوسف (اتقوا الله ما استطعتم ليس فيها مثنوية..)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو بكر عن عاصم قال: سمعت الحجاج وهو على المنبر يقول: اتقوا الله ما استطعتم، ليس فيها مثنوية، واسمعوا وأطيعوا ليس فيها مثنوية لأمير المؤمنين عبد الملك ، والله! لو أمرت الناس أن يخرجوا من باب من أبواب المسجد فخرجوا من باب آخر لحلت لي دماؤهم وأموالهم، والله! لو أخذت ربيعة بمضر لكان ذلك لي من الله حلالاً، ويا عذيري من عبد هذيل! يزعم أن قراءته من عند الله، والله! ما هي إلا رجز من رجز الأعراب ما أنزلها الله على نبيه عليه الصلاة والسلام، وعذيري من هذه الحمراء يزعم أحدهم أنه يرمي بالحجر فيقول إلى أن يقع الحجر: قد حدث أمر، فوالله! لأدعنهم كالأمس الدابر، قال: فذكرته للأعمش فقال: أنا والله سمعته منه ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن الحجاج عن الأعمش وعن عاصم بن أبي النجود بهدلة ، يقول بأنه سمع الحجاج يخطب ويقول: (اتقوا الله ما استطعتم ليس فيها مثنوية) يعني: بدون استثناء، يعني: اتقوا الله عز وجل في امتثال أوامره ليس في ذلك استثناء، وليس فيه إلا الاستجابة والالتزام بما جاء عن الله عز وجل من تقوى الله على حسب الاستطاعة فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] (واسمعوا وأطيعوا ليس فيها مثنوية لأمير المؤمنين عبد الملك بن مروان)، يعني: اسمعوا وأطيعوا بدون استثناء، ومعلوم أن السمع والطاعة لولاة الأمور فيها استثناء وليست على إطلاقها، بل ذلك في حدود طاعة الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، فيسمع له ويطاع في حدود طاعة الله ورسوله، وليس على الإطلاق؛ لأنه جاءت السنة عن الرسول عليه الصلاة والسلام بأنه يسمع لولاة الأمر فيما أمروا به فيما كان ليس معصية، أما إذا أمروا بمعصية فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، كما جاءت السنة بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد قال المفسرون في قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59]: إن فعل الأمر ( أطيعوا ) أعيد مع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعد مع ولاة الأمور، فلم يقل الله عز وجل: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأطيعوا أولي الأمر منكم، وإنما قال: (( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ )) فأعاد الفعل ( أطيعوا ) مع الرسول عليه الصلاة والسلام ولم يعده مع ولاة الأمور؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم معصوم لا يأمر إلا بما هو حق وهو مبلغ عن الله، وكل ما يأتي به فهو وحي من الله عز وجل، وأما ولاة الأمور فإنهم يصيبون ويخطئون، وليسوا بمعصومين، فلم يأت إعادة الأمر ( أطيعوا ) معهم كما أعيد مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ فتكون طاعتهم مقيدة في حدود ما هو طاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، أو في حدود ما ليس بمعصية لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإذا حصل منهم الأمر بما هو معصية فلا يسمع لهم ولا يطاع، وإنما يطاع لله ولرسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ويستجاب لما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ اتقوا الله ما استطعتم ليس فيها مثنوية، واسمعوا وأطيعوا ليس فيها مثنوية لأمير المؤمنين عبد الملك ، والله لو أمرت الناس أن يخرجوا من باب من أبواب المسجد فخرجوا من باب آخر لحلت لي دماؤهم وأموالهم ]. هذا كلام باطل، نعم عليهم السمع والطاعة إذا أمرهم بأمر ليس فيه معصية، ولكن كونه تحل له الدماء والأموال بمجرد المخالفة في مثل هذا الأمر الذي ذكره حيث يقول لهم: اخرجوا من هذا الباب، فخرجوا من باب آخر غير الباب الذي قال لهم فهذا باطل إذ لا تحل له دماؤهم إلا بما جاءت به الشريعة، وهذا الكلام إنما يدل على ظلمه وعلى جوره وعلى شدة بطشه وبأسه. قوله: [ والله! لو أخذت ربيعة بمضر لكان ذلك لي من الله حلالاً ]. وهذا كلام باطل أيضاً؛ فأخذ ربيعة بمضر يعني: يقتل قبيلة بقبيلة، أو يأخذ قبيلة بقبيلة، وربيعة بن نزار تنسب إليه القبيلة المشهورة الكبيرة الواسعة، و مضر بن نزار ينتهي إليه نسب الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن مضر هو جد الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس بينه وبين عدنان إلا اثنان فهو مضر بن نزار بن معد بن عدنان، و عدنان هو الأب الحادي والعشرون للرسول صلى الله عليه وسلم، فربيعة و مضر أخوان وهما أولاد نزار بن معد بن عدنان ، وهما قبيلتان مشهورتان كبيرتان واسعتان، فقوله: (لو أخذت ربيعة بمضر كان ذلك لي من الله حلالاً) لا يجوز أخذ شيء ولا قتل لأحد إلا في حدود ما هو سائغ شرعاً، أما مخالفة الشرع والقتل بالظلم فهذا حرام. قوله: [ ويا عذيري من عبد هذيل! يزعم أن قراءته من عند الله! والله! ما هي إلا رجز من رجز الأعراب ما أنزلها الله على نبيه صلى الله عليه وسلم ]. وهذا كلام باطل، والمقصود بذلك عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أن له مصحفاً، وهو ليس كما قال الحجاج وإنما هو عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا من ظلمه وبطشه وكذبه، فإن الأمر ليس كما يقول، ومعلوم أن عثمان رضي الله عنه وأرضاه جمع الناس على مصحف واحد، وأحرق ما سوى ذلك إلا ما كان عند عبد الله بن مسعود فإنه أبى أن يعطيهم إياه واحتفظ به، وقال الحجاج هذه المقالة لأنه لم يعط عثمان المصحف ليحرقه كما أحرق غيره، وبقي الناس على المصحف الذي جمعه عثمان رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فكلام الحجاج باطل. قوله: [ وعذيري من هذه الحمراء ]. المقصود من ذلك الموالي الذين قيل: إن أمهم حمراء وليسوا من العرب. قوله: [ يزعم أحدهم أنه يرمي بالحجر فيقول: إلى أن يقع الحجر قد حدث أمر ]. يزعم أحدهم أنه يرمي بالحجر فيقول: إلى أن يقع الحجر قد حدث أمر، ما أدري وجه هذا الكلام، يعني هل يقول: إنه قبل أن يقع الحجر، أنه حدث أمر، وأن هذا مبادرة أو سرعة إلى الكذب وإلى حصول شيء قبل أن يقع الحجر، في فترة وجيزة؛ لأن الحجر إذا رمي يقع بعد فترة وجيزة، ولا يطول بقاؤه في الهواء قبل أن يقع على الأرض، (قد حدث أمر) لعل المقصود أنه إخبار بأمور فيها إرجاف أو فيها أمور وفيها تنغيص وتكدير للصفو، أي: يريد الحجاج من وراء ذلك تخويف الناس وتهديدهم ألا يقع أمور فيها عدم بقاء الأمن واستمرار الأمن.. قوله: [ والله! لأدعنهم كالأمس الدابر ]. معناه: أنه يقضي عليهم فينتهي أمرهم مثلما انتهى أمس ومضى، ومعنى ذلك: أنه يقضي عليهم. وهذه العبارة تشبهها العبارة التي عند الأدباء في هذا الزمان، يقولون: أصبح في خبر كان، يعني: أنه مضى وانتهى. قوله: [ قال: فذكرته للأعمش ، فقال: أنا- والله- سمعته منه ]. يعني: هذا الكلام الذي قلته أيضاً أنا سمعته. وهذا كلام فيه حق، وفيه كلام فيه حق وباطل، وفيه كلام باطل، فالأول حق بلا شك، اتقوا الله ما استطعتم ليس فيها مثنوية، والثاني: اسمعوا وأطيعوا لأمير المؤمنين ليس فيها مثنوية، هذا فيه حق وباطل؛ لأنه إذا كان في غير معصية فهو حق، وإن كان في معصية فهو باطل، وأما ما بعد ذلك من التهديد والكلام فهو باطل.
تراجم رجال إسناد قول الحجاج بن يوسف (اتقوا الله ما استطعتم ليس فيها مثنوية ...)


قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو بكر ]. هو أبو بكر بن عياش، وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن عاصم ]. هو عاصم بن أبي النجود بهدلة، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وحديثه في الصحيحين مقروناً. [ ثم قال: فذكرته للأعمش ]. الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
هل الحجاج بن يوسف الثقفي كافر أم لا؟


ذكر الحافظ ابن حجر في التهذيب أن الشعبي و النخعي كفرا الحجاج . ولا شك أن ذاك الكلام الذي مر قريباً لو ثبت لكان كفراً واضحاً وهو قضية المقارنة بين الرسل والخلفاء، وهذا لا شك أنه أمر خطير، ولا يبعد أن يكون كفراً، وكون الذي جاء عن عبد الله بن مسعود أنه مصحف وأنه تلقاه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس من أراجيز الأعراب.
شرح قول الحجاج (هذه الحمراء هبرٌ هبرٌ ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا ابن إدريس عن الأعمش قال: سمعت الحجاج يقول على المنبر: هذه الحمراء هبر هبر، أما -والله- لو قد قرعت عصا بعصا لأذرنهم كالأمس الذاهب، يعني: الموالي ]. وهذا مثل الذي قبله إلا أن فيه زيادة (هبر هبر)، يعني: قطع قطع، وطبعاً هذا تهديد مثل الذي قبله، يعني: أجعلهم كالأمس الدابر. قوله: [ أما -والله- لو قد قرعت عصاً بعصا لأذرنهم كالأمس الذاهب ]. معنى ذلك: أنه لو حصل منهم أي شيء ولو كان شيئاً يسيراً مثل المضاربة بالعصي وأنه كان سبباً لبدء الفتنة لأفعلن بهم كذا وكذا، وأجعلهم كالأمس الدابر، معناه: أقضي عليهم، إذا حصل منهم أي شيء ولو كان شيئاً يسيراً فإني أعاقبهم تلك العقوبة التي هي إفناؤهم، فكأن هذا يشعر بأنه لو حصل أي شيء يسير كقرع عصا بعصا فأنا أعقابهم بتلك العقوبة التي هي قطعهم وإفناؤهم وجعلهم كالأمس الدابر، وهذا كذلك من الظلم؛ لأن مجرد حصول ضرب بعصا أو حصول شيء يسير لا تكون المعاقبة عليه بالإفناء.
تراجم رجال إسناد قول الحجاج (هذه الحمراء هبرٌ هبرٌ..)


قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا ابن إدريس ]. ابن إدريس هو عبد الله بن إدريس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. الأعمش مر ذكره.
ذكر الأقوال عن الحجاج كان الأولى عدم نقلها


ذكر الإمام أبو داود هذه الأخبار عن الحجاج لأنها تتعلق بالخلفاء والسمع والطاعة للخلفاء والقضاء على من يعارض الخلفاء، والحقيقة أن عدم ذكرها أولى، مثلما قال صاحب عون المعبود. ولأجل ذلك أُسقطت من رواية اللؤلؤي .
قول الحجاج (اتقوا الله ما استطعتم ليس فيها مثنوية...) من طريق أخرى، وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قطن بن نسير حدثنا جعفر -يعني ابن سليمان - حدثنا داود بن سليمان عن شريك عن سليمان الأعمش قال: جمعت مع الحجاج ، فخطب فذكر حديث أبي بكر بن عياش قال فيها: فاسمعوا وأطيعوا لخليفة الله وصفيه عبد الملك بن مروان .. وساق الحديث، قال: ولو أخذت ربيعة بمضر، ولم يذكر قصة الحمراء ]. ذكر أبو داود هذا الكلام عن الحجاج بمثل الذي تقدم، والذي فيه: أخذ ربيعة بمضر، وما وراءه من الكلام الباطل، وقال: لم يذكر قصة الحمراء الذين هم الموالي. قوله: [ حدثنا قطن بن نسير ]. قطن بن نسير صدوق يخطئ، أخرج له مسلم وأبو داود و الترمذي . [ حدثنا جعفر -يعني ابن سليمان - ]. هو جعفر بن سليمان الضبعي، وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا داود بن سليمان ]. داود بن سليمان ذكر في تحفة الأشراف قال: سليمان بن داود ، لكن ما أدري ما المقصود بسليمان بن داود ، والإسناد هذا ما أدري هل هو متصل أو أن فيه تحويلاً؛ لأن شريكاً طبقته متأخرة، وفي الغالب أن يكون بينه وبين أبي داود واسطة واحدة، فيحتمل أن يكون هناك طريق أخرى، ولكن ما أدري ما المقصود بسليمان بن داود هذا الذي ذكره في تحفة الأشراف. [ عن شريك ]. شريك هو ابن عبد الله النخعي الكوفي، وهو صدوق اختلط لما ولي القضاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن الأعمش ]. الأعمش مر ذكره.
شرح حديث (خلافة النبوة ثلاثون سنة...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سوار بن عبد الله حدثنا عبد الوارث بن سعيد عن سعيد بن جمهان عن سفينة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله الملك -أو ملكه- من يشاء) قال سعيد : قال لي سفينة : أمسك عليك: أبا بكر سنتين، و عمر عشراً، و عثمان اثنتي عشرة، و علياً كذا.. قال سعيد : قلت لسفينة : إن هؤلاء يزعمون أن علياً لم يكن بخليفة، قال: كذبت أستاه بني الزرقاء، يعني: مروان ]. أورد أبو داود هذا الحديث عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يؤتي الله الملك -أو ملكه- من يشاء) هذا شك من الراوي، هل قال: ملكه، أو الملك، وهذا فيه دليل على أن خلافة الخلفاء الراشدين الأربعة خلافة نبوة، وأنهم على منهاج النبوة، وهم الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم في حديث العرباض : (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ) فهذا الحديث يدل على فضل الخلفاء، وحديث سفينة يدل على فضل الخلفاء وعلى فضل خلافتهم، وأنها خلافة نبوة، وذلك أنهم أتوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، وهم على منهاجه وعلى طريقته، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم باتباع سنتهم مع سنته صلى الله عليه وسلم في حديث العرباض الذي أشرت إليه. ثم إن سفينة أخبر سعيد بن جمهان بتفصيل هذه الثلاثين فقال: (امسك) يعني: اعدد (أبا بكر سنتين) يعني: ولي الخلافة سنتين، طبعاً وفيه كسر، (و عمر عشراً، و عثمان اثنتي عشرة، و علياً كذا). ولم يذكر المقدار، ولكن خلافتهم هذه المدة التي هي الثلاثون هي خلافة نبوة كما وصف ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد ذلك يؤتي الله الملك من يشاء.
تراجم رجال إسناد حديث (خلافة النبوة ثلاثون سنة...)


قوله: [ حدثنا سوار بن عبد الله ]. سوار بن عبد الله ثقة، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عبد الوارث بن سعيد ]. هو عبد الوارث بن سعيد العنبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن جمهان ]. سعيد بن جمهان صدوق له أفراد، أخرج له أصحاب السنن. [ عن سفينة ]. هو سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه مسلم وأصحاب السنن.
شرح حديث (خلافة النبوة ثلاثون سنة...) من طريق أخرى


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن عون حدثنا هشيم عن العوام بن حوشب عن سعيد بن جمهان عن سفينة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله الملك من يشاء -أو ملكه من يشاء-) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله: (ثم يؤتي الله ملكه- أو يؤتي الملك- من يشاء) فهذه طريق أخرى إلى سعيد بن جمهان عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيه: قال سعيد بن جمهان قلت: لسفينة : (إن هؤلاء يزعمون أن علياً ليس خليفة، قال: كذبت أستاه بني الزرقاء يعني: مروان) يعني: مروان بن الحكم ، الذي هو أحد خلفاء بني أمية. وهذا كلام باطل، فخلافة علي رضي الله عنه خلافة ثابتة وخلافة راشدة، وبعد وفاة عثمان رضي الله عنه ما وجد على ظهر الأرض من هو أفضل منه؛ لأنه أفضل هذه الأمة بعد أبي بكر و عمر و عثمان رضي الله تعالى عن الجميع.
تراجم رجال إسناد حديث (خلافة النبوة ثلاثون سنة...) من طريق أخرى


قوله: [ حدثنا عمرو بن عون ]. عمرو بن عون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشيم ]. هو هشيم بن بشير الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن العوام بن حوشب ]. العوام بن حوشب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن جمهان عن سفينة ]. مر ذكرهما.
الأسئلة



حكم القول بأن الصحابة جملة وتفصيلاً في الجنة


السؤال: هل يشهد لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كلهم في الجنة بلا استثناء؟ الجواب: جاء في القرآن ما يدل على ذلك كما قال الله عز وجل: وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى [الحديد:10] والحسنى فسرت بأنها الجنة.

سبب الخلاف على الخلافة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم


السؤال: لماذا اختلف المسلمون في أول الأمر عندما اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة مع أنهم قد عرفوا أن أبا بكر أفضلهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: معلوم أن الاجتماع حصل من الأنصار أولاً، وأنهم رأوا أن الولاية تكون فيهم أو يكون لهم -على الأقل- نصيب من الولاية، وأرادوا أن يولوا سعد بن عبادة ، ولكن أبا بكر وعمر وبعض المهاجرين بادروا إليهم لئلا يحصل اتفاقهم على شيء يترتب عليه أضرار ومفاسد، فأرادوا أن يحسموا الأمر وأن يبين الأمر للجميع قبل أن يتخذ شيء، وقبل أن يحصل شيء من الأنصار يتفقون عليه، فلما بين عمر رضي الله عنه منزلة أبي بكر ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قدمه لإمامة الصلاة في مرض موته، وقد روجع في ذلك والرسول صلى الله عليه وسلم أصر على أن يكون هو الذي يتولى، قال عمر رضي الله عنه: رضيك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر ديننا، أفلا نرتضيك لأمر دنيانا؟ وبعد ذلك حصل الاتفاق من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك، ووقع الشيء الذي أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام حيث قال: (يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر) وقد يكون بعضهم خفي عليه ما يتعلق بأن الخلافة في قريش، كما بينه أبو بكر رضي الله عنه للأنصار في ذلك الاجتماع.

الحكم على حديث (من كنت مولاه فعلي مولاه) ومعناه


السؤال: هل يصح هذا الحديث: (من كنت مولاه فعلي مولاه)؟ وما معناه؟ الجواب: حديث صحيح. ومعناه: أن من كان الرسول صلى الله عليه وسلم مولاه فإن علياً مولاه، ومعنى ذلك: أن علياً رضي الله عنه بالمنزلة الرفيعة، ولكن لا يقال: إن هذا يختص بعلي رضي الله عنه وأرضاه، كما جاء في الحديث الآخر: (لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق)، وقد جاء هذا في حق الأنصار عموماً (آية الإيمان: حب الأنصار، وآية النفاق: بغض الأنصار)، ولكن التنصيص على علي رضي الله عنه في ذلك يدل على فضله، لا على أفضليته على من هو أفضل منه.

حكم قول (الله والنبي يحييانكم...)


السؤال: رجل قال لضيوفه: (تفضلوا إلى عشاكم، الله والنبي يحييانكم) فهل يصح هذا؟ الجواب: مثل هذا التعبير ما يصلح، وإنما يقول: تفضلوا حياكم الله، أما إضافة النبي صلى الله عليه وسلم فهذا خطأ ولا يصلح.

المبالغة في التبديع والتفسيق


السؤال: ما رأي فضيلتكم فيمن يتسرع في التبديع والتفسيق بقوله: أخبث من في الأرض أو أخطر العالمين، لرجل عرف بالمنهج السلفي والدعوة إليه، وله جهود مباركة في الدعوة إلى الله، ثم يبني على ذلك لزوم هجر ومقاطعة من لم يبدعه، ويجعل الخلاف في الأشخاص خلافاً في المنهج، فيسبب ذلك تفريقاً بين الشباب وزرعاً للعداوة بينهم؟ الجواب: مثل هذا الكلام من الأخطاء البينة والأخطاء الواضحة، والواجب هو الاعتدال والتوسط في الأمور والتحرز من آفات اللسان وما يحصل بسببه مما لا تحمد عقباه، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (من يضمن لي ما بين لحييه وبين رجليه أضمن له الجنة)، والمقصود من ذلك: اللسان والفرج، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في وصيته لمعاذ : (وهل يكب الناس في النار على وجوههم -أو قال: على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم). فالواجب على الإنسان أن يتحرز من لسانه وألا يطلقه فيما يعود عليه بالمضرة، ثم أيضاً كون الشخص يحصل منه خطأ ثم يقال كما جاء في السؤال: إنه أخبث من كذا وأخطر من كذا وأشد من كذا.. هذا أيضاً زيادة في ضرر الإنسان نفسه، بكونه يأتي بمبالغات، ويأتي بكلام لا يكون صحيحاً، ولا يكون مستقيماً ولا يكون مطابقاً للواقع، ثم أيضاً ما يحصل بسبب ذلك من الفوضى ومن إساءة الظن بالإخوان بعضهم ببعض ومن هجر وما إلى ذلك؛ كل هذا من الأمور التي هي من عمل الشيطان، والتي فيها كيد الشيطان للإنسان ليوقعه في المهالك ويوقعه فيما يعود عليه بالمضرة. والواجب أن يحاسب الإنسان نفسه ويحفظ لسانه، وآفات اللسان شأنها خطير وأمرها عظيم، ومن حظ الإنسان أن يحفظ لسانه عن أن يتكلم بشيء يعود عليه بالضرر، وما يحصل من بعض الإخوان من أهل السنة من أن يهتم بعضهم بالنيل من بعض والكلام في بعض وتصرف الجهود في ذلك ويترك الأعداء الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، هذا من الأمور التي فيها كيد الشيطان للإنسان بأن يصرفه عما ينبغي أن يكون عليه، وأن يصرفه إلى شيء ينبغي أن يصون نفسه منه.

حكم التسرع في التبديع والتفسيق


السؤال: نود إيضاح خطر التسرع في التبديع والتفسيق لمن عرف بسلامة العقيدة، وما يترتب على ذلك من الشحناء والهجر والخلاف؟! الجواب: الواجب على كل مسلم أن يحتاط لدينه وأن يحتاط لنفسه، وألا يقحم نفسه في أمور تعود عليه بالمضرة، بل الواجب هو التناصح بين المسلمين وخاصة أهل السنة والجماعة، ينصح بعضهم بعضاً، ويحسن بعضهم إلى بعض، ويتعاونون فيما بينهم على الخير، ويحذر بعضهم بعضاً مما وقع فيه ليرجع عنه، ولا ينقسم الناس بعد ذلك إلى من يؤيد هذا ضد هذا أو هذا ضد هذا، وإنما الإنسان يحرص على أن يكون الحق هو ضالته التي ينشدها، وأن يحب الخير لكل أحد، فيحب لمن أخطأ أن يرجع. وأما حصول الاختلاف وشغل الأوقات فيما يحصل بين أهل السنة والجماعة من كلام بعضهم في بعض ومتابعة طلبة العلم لذلك وانشغالهم به ويكون هو شغلهم الشاغل؛ فهذا لا يليق بطالب العلم، بل على طالب العلم أن يحرص على الاشتغال بالعلم وألا يشغل نفسه بقال فلان وقال فلان، ولا يجوز له أن يتبع ذلك الذي اشتغل به من قول فلان وفلان لأنه يترتب على ذلك شحناء وعداوة وهجر وتباغض وتباعد، فإن الواجب هو التناصح والواجب أن يحسن كل واحد إلى الآخر ويحب الخير لنفسه، ويحصل التعاون على البر والتقوى، وأما انقسام أهل السنة إلى متنازعين متخاصمين يتكلم بعضهم في بعض ويبدع بعضهم بعضاً وينال بعضهم من بعض ويهجر بعضهم بعضاً، فهذا ليس فيه مصلحة وإنما فيه مضرة، وكان ينبغي أن تشغل الأوقات في الكلام مع أعداء السنة الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، وأما من كان من أهل السنة وعنده خطأ فإنه يناصح ويجادل بالتي هي أحسن، ويحرص على هدايته وعلى تقريبه وعدم إبعاده ورميه ونبذه. فالواجب هو التوسط في الأمور والاعتدال فيها، وعدم الإفراط والتفريط، وما يحصل من التفسيق والتبديع والهجر وما إلى ذلك هذا من عمل الشيطان، وهذا من كيد الشيطان للإنسان، بل الواجب كما أشرت هو الاشتغال بالعلم وعدم الاشتغال بمتابعة ما يحصل بين بعض أهل السنة من كلام بعضهم في بعض؛ لأن ذلك يشغل عن العلم ويترتب عليه أمور منكرة مثل ما أشير إليه من حصول الهجر من بعضهم لبعض، وهذا غلط، إذ لو كان كل من حصل منه خطأ يهجر أو يهجر من يقرأ في كتبه أو يسمع كلامه لما سلم من ذلك أحد لأن الجميع معرّض للخطأ وبعض العلماء -ما نقول: كثير من العلماء- حصل منهم أخطاء، والناس ما هجروهم ولا تركوهم ولا تركوا كتبهم، وإنما استفادوا منهم، والخطأ يرد على صاحبه، لكن لا يكون ذلك سبباً لانقسام الناس إلى أقسام وإلى أحزاب، فإن هذا من كيد الشيطان للإنسان. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

حكم القول بوجود خلل في التربية حتى في الصحابة رضي الله عنهم


السؤال: ما حكم من يقول: إن هناك خللاً في التربية لا يستطيع أحد أن ينكره، ولم يخل منه حتى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: هذا من أبطل الباطل، وإضافة خلل أو نقص أو تنقيص أو ذم لأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم؛ هذا يدل على أن هذا المتكلم هو الحقيق بالذم، كما قال أبو المظفر السمعاني: إن القدح في أحد من الصحابة علامة على خذلان فاعله، بل هو بدعة وضلالة، فكيف ينال من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ويتكلم في حقهم، ويقال: إن فيهم خللاً ونقصاً في التربية، فمن هم المربون إذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسوا متصفين بهذا الوصف؟! وهذا كلام سيئ وكلام باطل، ولا يجوز أن تحرك الألسنة بمثل هذا الكلام الباطل.

قول التابعي الذي لا مجال فيه للرأي هل يعتبر مرسلاً؟!


السؤال: الحافظ ابن حجر رحمه الله ذكر في نتائج الأفكار أن التابعي إذا قال قولاً مما لا مجال للرأي فيه فله حكم الإرسال، فعلى هذا يكون أثر مكحول في غزو الروم للشام مرسلاً؟! الجواب: ما ندري عن هذا، لكن لو كان مرسلاً معناه أنه ما له قيمة، النتيجة واحدة؛ لأن المرسل لا عبرة به ولو صرح بإضافته للرسول صلى الله عليه وسلم، ويكون غير ثابت؛ لأن المرسل فيه سقوط، وقد يكون الساقط تابعياً كما أشرت. فالحاصل أنه حتى لو قيل: إنه يكون مرسلاً؛ فالنتيجة واحدة، وهي أنه لا يحتج به ولا يثبت.

هل الجرح أو التعديل الصادران من متفرس يعتبران


السؤال: إذا كان هناك شخص لا تخطئ له فراسة وقال في أحد جرحاً أو تعديلاً؛ فهل هذا يعتبر رجماً بالغيب؟ الجواب: هذا كلام ليس بمستقيم، وكون الإنسان له فراسة وأنه يصيب كثيراً وأنه دائماً وأبداً يكون كما يخمن هذا كلام غير مستقيم، وإذا جرح أحداً عن علم فهو كغيره، ولكن بعض الناس كما هو معلوم أشد تثبتاً من بعض، مثلما قال الذهبي رحمه الله في كتابه من يعتمد قوله في الجرح والتعديل، لما ذكر يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي وأشار إلى تمكنهما في علم الجرح والتعديل قال: إذا جرحا شخصاً فلا يكاد يندمل جرحه، معناه: أنهما يصيبان، لكن كما هو معلوم كل يصيب ويخطئ. وقولهم في فلان: لا تكاد تخطئ له فراسة، إن كان المقصود به: أن صوابه كثير. فهذا معقول، وأما كونه يقال عن شخص: إنه لا يخطئ. فهذا القول ليس بصحيح؛ لأنه لا أحد يسلم من الخطأ."



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 03-07-2025, 09:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,727
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [520]
الحلقة (550)





شرح سنن أبي داود [520]

إن الجمادات خلق من خلق الله تعالى، فتعظم ما عظم رب العزة سبحانه، وليس معظم في الإسلام شيء ككتاب الله تعالى؛ ولذا لو أنزل على جبل لخشع وتصدع من خشيته للمتكلم بهذا الكتاب وتعظيمه. وكذا عظم الجبل سيد البشر وأذعن لأمره؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام مرسل من خالقه ومرسيه، وكان تعظيمه له بأن كف عن ارجافه؛ لأن عليه النبي الكريم خير من مشى على ظهر المعمورة، وعليه صديق الأمة وأفضلها بعد نبيها، والشهيدان بكل ما تعنيه معنى الشهادة، وعما أفضل الأمة بعد صديقها بإجماع أهل السنة. فسبحان الله ما أطوع أحر لأمر النبي ومعرفته لمنازل الرجال.

تابع ما جاء في الخلفاء


شرح حديث (اثبت حراء؛ إنه ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء عن ابن إدريس أخبرنا حصين عن هلال بن يساف عن عبد الله بن ظالم ، وسفيان عن منصور عن هلال بن يساف عن عبد الله بن ظالم المازني ، ذكر سفيان رجلاً فيما بينه وبين عبد الله بن ظالم المازني قال: سمعت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قال: لما قدم فلان إلى الكوفة أقام فلان خطيباً، فأخذ بيدي سعيد بن زيد فقال: ألا ترى إلى هذا الظالم، فأشهد على التسعة إنهم في الجنة، ولو شهدت على العاشر لم إيثم -قال ابن إدريس : والعرب تقول: آثم- قلت: ومن التسعة؟ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حراء: (اثبت حراء؛ إنه ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد. قلت: ومن التسعة؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم و أبو بكر و عمر و عثمان و علي و طلحة و الزبير و سعد بن أبي وقاص و عبد الرحمن بن عوف قلت: ومن العاشر؟ فتلكأ هنية ثم قال: أنا)]. سبق أن مر جملة من الأحاديث في باب الخلفاء، ولكن فيها تفضيل منزلتهم، وليس هناك تعرض للخلافة أو الخلفاء، وإنما فيها التفضيل، كهذا الحديث، وإن كان أوله يتعلق بالأمراء وذكر الأمير، ولكن الحديث الذي سيق يدل على التفضيل، وفيه ذكر العشرة المبشرين بالجنة. وأورد أبو داود حديث سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، أحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وقد حدث به بمناسبة، وهي أنه لما قدم فلان الكوفة أقام فلان خطيباً، ولعل الذي قدم هو المغيرة بن شعبة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي أقيم خطيباً لعله شخص آخر أقامه المغيرة بن شعبة ، وهو الذي حصل منه الكلام الذي أنكره سعيد بن زيد رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فقال: انظر إلى هذا الظالم، يعني: الذي خطب، والذي أقيم خطيباً، ثم ذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر تسعة في الجنة، وقال: لو شئت لسميت العاشر، ويعني بذلك نفسه رضي الله عنه وأرضاه، فإنه هو أحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنه، فأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد حراء وأنه اضطرب فقال له: (اثبت حراء؛ إنما عليك نبي أو صديق أو شهيد) وكان معه أبو بكر وهو الصديق ، وشهيدان وهما: عمر و عثمان رضي الله تعالى عنهما، وذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم سمى تسعة أو عشرة وقال: إنهم من أهل الجنة، وقال سعيد عن نفسه: لو شئت لسميت العاشر، فقيل له: من؟ فقال: أنا، وهذا يدل على تواضع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهضمهم لأنفسهم تواضعاً لله عز وجل، فهو مع كونه أحدهم لم يبادر إلى إظهار نفسه وإلى إبراز نفسه وإضافة هذا الفضل إلى نفسه، وإنما ذكر فضل غيره ممن كان معه وسكت، فروجع في ذلك فقيل: من العاشر؟ فتلكأ وما استعجل في الجواب، بل تردد وتمهل، ثم بعد ذلك قال: أنا، مخبراً بالواقع وبما جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يدل على فضل هؤلاء، وفي هذا الحديث إثبات أن أولهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكون معه تسعة، لكن العشرة هم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في بعض الروايات، والعاشر أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه، والعشرة هم: أبو بكر و عمر و عثمان و علي و طلحة و الزبير و سعد و سعيد و عبد الرحمن بن عوف و أبو عبيدة بن الجراح ، فهؤلاء وصفوا بهذا الوصف وحصل لهم لقب العشرة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام سردهم في حديث واحد فقال: فلان في الجنة وفلان في الجنة، فكل واحد منهم يكون مبتدأ ويخبر عنه بأنه في الجنة، فلهذا اشتهروا بهذا اللقب، وصار ينص عليهم بهذا الوصف الذي هو العشرة، والترضي عن العشرة وبيان فضل العشرة الذين هم هؤلاء. والحديث ليس فيه أبو عبيدة بن الجراح ، وإنما فيه أولهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعاشرهم سعيد بن زيد الذي أخبر عن نفسه في آخر الأمر بعدما سئل وتلكأ، وهو العاشر رضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين، وهذا يدل على فضلهم وأنهم من أهل الجنة، والشهادة بالجنة حصلت لغيرهم في مناسبات، لكنهم وصفوا بهذا الوصف أو لقبوا بهذا اللقب لأنهم سردوا في حديث واحد وهم عشرة، وأما غيرهم فقد جاء في مناسبات مختلفة، مثل: ثابت بن قيس بن شماس ، و عكاشة بن محصن ، و الحسن و الحسين ، و بلال ، وغيرهم من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام أكرمهم الله وتفضل عليهم بأن جعلهم من أهل الجنة وشهد لهم بذلك رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. [ أقام فلان خطيباً ]. في عون المعبود قال: المقصود من فلان وفلان: معاوية و المغيرة بن شعبة ، ولا أدري هل معاوية قدم الكوفة هو والمغيرة ، وأنه المقصود من الاثنين، أو أن المقصود به المغيرة وأنه قدم الكوفة أميراً عليها..
تراجم رجال إسناد حديث (اثبت حراء؛ إنه ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد)


قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن إدريس ]. هو عبد الله بن إدريس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا حصين ]. هو حصين بن عبد الرحمن السلمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هلال بن يساف ]. هلال بن يساف ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن ظالم ]. عبد الله بن ظالم صدوق، أخرج له أصحاب السنن. [ وسفيان عن منصور ]. وهذه طريق ثانية عن منصور ، فيحتمل أن يكون سفيان بن عيينة وأن يكون سفيان الثوري ، والمعروف في الرواية عن المنصور بن المعتمر هو سفيان الثوري ، و هلال بن يساف معروف بالرواية عن سفيان الثوري ، وكلاهما بصري، و سفيان بن عيينة مكي، فكون عبد الله بن إدريس يروي عن حصين ويروي عن سفيان عن منصور هو الذي لا إشكال فيه، وأما كون الراوي محمد بن العلاء يروي عن سفيان فهذا غير واضح، وإنما إذا كانت الرواية عن سفيان بن عيينة إذ قد أدركه، وأما سفيان الثوري فلم يدركه، فقد توفي سفيان الثوري وعمر محمد بن العلاء ست سنوات؛ لأن الثوري توفي سنة مائة وواحد وستين، و محمد بن العلاء توفي سنة سبع وأربعين وعمره ست وثمانون سنة، فمعناه أنه أدرك أربعين وسبع، وذاك توفي سنة واحد وستين، فيكون لما توفي الثوري عمره ست سنوات، فلم يدركه إدراكاً بيناً، وإنما أدركه وهو صغير، لكن إذا كان عبد الله بن إدريس هو الذي يروي عن سفيان، والذي يروي عن الحصين يكون ليس فيه إشكال، و سفيان هو الثوري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور ]. هو منصور بن المعتمر الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هلال بن يساف عن عبد الله بن ظالم المازني ]. مر ذكرهما. ذكر سفيان رجلاً فيما بين هلال بن يساف وبين عبد الله بن ظالم المازني في الذي بعد هذا هو ابن حيان . وهنا سفيان جزماً هو الثوري فعليه يحمل الأول. وقول صاحب العون هو ابن عيينة أو الثوري ما هو بواضح، ثم أيضاً كونه يروي عن منصور هذا يوضح أنه سفيان الثوري . [ سمعت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ]. سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
تراجم رجال إسناد حديث (اثبت حراء إنه ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد) من طريق أخرى، وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال أبو داود : رواه الأشجعي عن سفيان عن منصور عن هلال بن يساف عن ابن حيان عن عبد الله بن ظالم بإسناده نحوه ]. أورد أبو داود الطريق التي ذكر فيها سفيان رجلاً بين هلال بن يساف وبين عبد الله بن ظالم وهذا الرجل ذكر هنا في هذه الطريق المعلقة، وأنه ابن حيان . [ رواه الأشجعي ]. الأشجعي هو عبيد الله بن عبيد الرحمن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود ، وهنا ذكره تعليقاً، ومعلوم أن التعاليق عند أبي داود لا يعتبر من رجاله إذا كان ما روى له في المتصلات، ولهذا يأتي كثيراً ذكر هؤلاء الذين يأتون في التعاليق ولا يرمز لهم برواية أبي داود عنهم. [ عن سفيان عن منصور عن هلال بن يساف عن ابن حيان ]. ابن حيان لا يعرف ولم يسم، ويقال: اسمه حيان بن غالب، أخرج له أبو داود والنسائي .
أبو عبيدة بن الجراح من العشرة وإن لم يذكر في هذا الحديث


ترك سعيد بن زيد رضي الله عنه ذكر أبي عبيدة مع كونه -بلا شك- من العشرة لعله على اعتبار أنه ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم، فيكون عشرة برسول الله صلى الله عليه وسلم.
إنكار سعيد بن زيد على المغيرة كونه لم ينكر الطعن في آل البيت


جاء في مسند الإمام أحمد : أن الخطيب هو غير المغيرة ، وفيه: إنكار سعيد بن زيد على المغيرة وذلك لعدم إنكاره على هذا الخطيب، فقال له: أيسب عندك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تنكر؟! وسيأتي في حديث آخر أنه قيس بن علقمة ، وهو الذي حصل منه الطعن وأنكر عليه سعيد بن زيد ، لكن كون الذي قدم وأقام خطيباً، لعله المغيرة ، وقد قدم أميراً على الكوفة، وأقام خطيباً يعني: شخصاً آخر، ويكون هذا هو الذي حصل منه الكلام الذي عيب وأنكر عليه.
شرح حديث (عشرة في الجنة...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حفص بن عمر النمري حدثنا شعبة عن الحر بن الصياح عن عبد الرحمن بن الأخنس أنه كان في المسجد، فذكر رجل علياً رضي الله عنه، فقام سعيد بن زيد رضي الله عنه فقال: أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أني سمعته وهو يقول: (عشرة في الجنة: النبي في الجنة، وأبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، و علي في الجنة، و طلحة في الجنة، و الزبير بن العوام في الجنة، و سعد بن مالك في الجنة، و عبد الرحمن بن عوف) ولو شئت لسميت العاشر، قال: فقالوا: من هو؟ فسكت، قال: فقالوا: من هو؟ فقال: هو سعيد بن زيد ]. ذكر أبو داود رحمه الله تعالى: الحديث من طريق أخرى وهو مثل الذي قبله تماماً، يعني عشرة وذكر منهم: الرسول صلى الله عليه وسلم. وفيه أن رجلاً تكلم، وذكر علياً ؛ فأتى بالحديث، وبيّن أن علياً من أهل الجنة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
تراجم رجال إسناد حديث (عشرة في الجنة...)

قوله: [ حدثنا حفص بن عمر النمري ]. حفص بن عمر النمري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي . [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحر بن الصياح ]. الحر بن الصياح ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي. [ عن عبد الرحمن بن الأخنس ]. عبد الرحمن بن الأخنس مستور -أي: مجهول الحال- أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ فقام سعيد بن زيد ]. سعيد بن زيد مر ذكره.
شرح حديث سعيد بن زيد في ذكر العشرة من أهل الجنة من طريق أخرى


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو كامل حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا صدقة بن المثنى النخعي حدثني جدي رياح بن الحارث قال: (كنت قاعداً عند فلان في مسجد الكوفة وعنده أهل الكوفة، فجاء سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، فرحب به وحياه وأقعده عند رجله على السرير، فجاء رجل من أهل الكوفة يقال له: قيس بن علقمة ، فاستقبله فسب وسب، فقال سعيد : من يسب هذا الرجل؟! فقال: يسب علياً ، قال: ألا أرى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبون عندك ثم لا تنكر ولا تغير؟! أنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول -وإني لغني أن أقول عليه ما لم يقل فيسألني عنه غداً إذا لقيته-: أبو بكر في الجنة، و عمر في الجنة.. وساق معناه، ثم قال: لمشهد رجل مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يغبر فيه وجهه خير من عمل أحدكم عمره ولو عمر عمر نوح) ]. أورد أبو داود حديث سعيد بن زيد من طريق أخرى وفيه أن فلاناً وهو لم يسم، ولعله يشير بذلك إلى أمير الكوفة المغيرة بن شعبة ، وأنه جاء فحياه ورحب به، يعني: المغيرة رحب بسعيد بن زيد وأجلسه معه، ثم جاء رجل يقال له قيس بن علقمة ، فسب وسب، فقال: من يسب هذا؟! قالوا: علياً ، فقال: ما هذا؟! يعني: كيف يسب أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وأنت لا تنكر ولا تغير؟! ثم قال: أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (عشرة في الجنة) وإني لغني عن أن أقول عليه ما لم يقل، يعني: أنه لا يكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يضيف إليه شيئاً لم يقله، وهذا يدل على تثبته وعلى تحققه مما يحدث به ومما يخبر به، ثم ذكر معنى الحديث المتقدم، ثم قال: (لمشهد رجل منهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يغبر فيه وجهه خير من عمل أحدكم عمره ولو عمر عمر نوح) يعني: أن عمل الرجل من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزواته وفي جهاده لا يساويه عمل الكثير ممن جاء بعدهم؛ وذلك لأن الذي حصل منهم إنما حصل لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم والذب عنه ونشر دينه والأخذ عنه والتلقي عنه. قوله: [(لمشهد)] معناه: كونه يشهد غزوة من الغزوات فيحصل له الغبار في وجهه بسبب هذه الغزوة؛ شأن ذلك عظيم عند الله عز وجل. (خير من عمل أحدكم عمره ولو عمر عمر نوح) ومدة دعوة نوح عليه السلام تسعمائة وخمسين سنة فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا [العنكبوت:14] وهذا قبل أن يبعث ويرسل إلى قومه، ومعنى ذلك: أن العمل القليل من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم لا يساويه عمل الكثير من غيرهم، وهذا يدل على فضلهم ونبلهم رضي الله عنهم وأرضاهم، والمقصود بالمشهد: مشاهد الغزوات، ولهذا يأتي في تراجم الرجال من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم: وشهد المشاهد كلها، يعني: شهد الغزوات كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. أما طعن هذا الرجل في علي رضي الله عنه وسبه أمام المغيرة وسكوته عنه وعدم إنكاره عليه لا ندري به، لكن المظنون بأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم واللائق بهم أنهم على أحسن حال، ويجب أن تحسن بهم الظنون ولا يذكرون إلا بخير.
تراجم رجال إسناد حديث سعيد بن زيد في ذكر العشرة من أهل الجنة من طريق أخرى


قوله: [ حدثنا أبو كامل ]. هو أبو كامل الجحدري الفضيل بن حسين، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا عبد الواحد بن زياد ]. عبد الواحد بن زياد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا صدقة بن المثنى النخعي ]. صدقة بن المثنى النخعي ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي وابن ماجة . [ حدثني جدي رياح بن الحارث ]. رياح بن الحارث ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي وابن ماجة . [ فجاء سعيد بن زيد ]. سعيد بن زيد رضي الله عنه مر ذكره.
سب الصحابة من الكبائر


الوقوع في واحد من الصحابة وسبه لا يجوز، فهذا من الأمور الخطيرة والأمور الكبيرة، والذهبي رحمه الله ذكر ذلك في كتابه الكبائر، حيث جعل سب أصحاب رسول الله الكبيرة السبعين التي ختم بها كتابه الكبائر، وسب أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم أمر خطير؛ وذلك أنه سب لخير الناس وأفضل الناس، فـ: (سباب المسلم فسوق) كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (وقتاله كفر) فكيف بسب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا شك أنه من أخطر ما يكون ومن أسوأ ما يكون؛ لأنه سب لخير الناس.
شرح حديث (اثبت أحد؛ نبي وصديق وشهيدان)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع ح وحدثنا مسدد حدثنا يحيى المعنى -قالا: حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أن أنس بن مالك حدثهم: (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم صعد أحداً فتبعه أبو بكر و عمر و عثمان، فرجف بهم، فضربه نبي الله صلى الله عليه وسلم برجله وقال: اثبت أحد؛ نبي وصديق وشهيدان) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وهو يدل على فضل هؤلاء الذين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد أحداً فتبعه أبو بكر و عمر و عثمان ، فرجف الجبل فضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم برجله وقال: (اسكن أحد؛ نبي وصديق وشهيدان) والشهيدان هما: عمر و عثمان رضي الله تعالى عنهما، وهذا يدل على فضلهما وعلى أنهما نالا الشهادة.
تراجم رجال إسناد حديث (اثبت أحد؛ نبي وصديق وشهيدان)


قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي . [ حدثنا يزيد بن زريع ]. يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا مسدد عن يحيى ]. مسدد تقدم ذكره، و يحيى بن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ المعنى قالا: حدثنا سعيد بن أبي عروبة ]. ما أدري وجه التحويل مع أن الشيخ واحد والصيغة متفقة وهي التحديث فيما بين مسدد وشيخيه. [حدثنا سعيد بن أبي عروبة ]. سعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث (...أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد بن السري عن عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن عبد السلام بن حرب عن أبي خالد الدالاني عن أبي خالد مولى آل جعدة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتاني جبريل فأخذ بيدي فأراني باب الجنة الذي تدخل منه أمتي، فقال أبو بكر: يا رسول الله! وودت أني كنت معك حتى أنظر إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أتاني جبريل فأخذ بيدي فأراني باب الجنة، فقال أبو بكر : وددت أن أكون معك حتى أراه، فقال: أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي) يعني: أنك لن تراه فقط وإنما تأتيه وتتجاوزه داخلاً الجنة وتسبق كل أمتي، ولكن الحديث في إسناده رجل ضعيف، وهو الذي يروي عنه أبو خالد الدالاني ، ولا شك أن أبا بكر رضي الله عنه من أول من يدخل الجنة من هذه الأمة إن لم يكن أول من يدخلها منهم.
تراجم رجال إسناد حديث (... أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي)


قوله: [ حدثنا هناد بن السري ]. هناد بن السري أبو السري، وهو ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد ومسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الرحمن بن محمد المحاربي ]. عبد الرحمن بن محمد المحاربي لا بأس به، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد السلام بن حرب ]. عبد السلام بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي خالد الدالاني ]. أبو خالد الدالاني صدوق يخطئ كثيراً، أخرج له أصحاب السنن. [ عن أبي خالد مولى آل جعدة ]. هذا مجهول، أخرج له أبو داود . [ عن أبي هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، بل هو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 03-07-2025, 09:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,727
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح حديث (لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد و يزيد بن خالد الرملي أن الليث حدثهم عن أبي الزبير عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة) ]. أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة) وهذا يدل على فضل أهل بيعة الرضوان عموماً، وكانوا ألفاً وأربعمائة، وقوله: (لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة) أي: في بيعة الرضوان، فهو دال على فضلهم رضي الله عنهم وأرضاهم، ولهذا يأتي في تعريف الصحابة أن يقال: شهد بيعة الرضوان، شهد أحداً، فينصون على أنه من أهل بيعة الرضوان أو أنه ممن شهد بدراً، وذلك للفضل الذي ورد فيهما، فيذكر مع كونه صحابياً أنه من أهل بيعة الرضوان؛ لأن أهل بيعة الرضوان ورد فيهم فضل خاص وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة) فهو دال على فضلهم جميعاً، وأنهم لا يدخلون النار، وإنما يدخلون الجنة رضي الله عنهم وأرضاهم.
تراجم رجال إسناد حديث (لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة)


قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و يزيد بن خالد الرملي ]. يزيد بن خالد الرملي ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة . [ أن الليث حدثهم ]. هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزبير ]. هو أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي جليل، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وعنعنة أبي الزبير لا تضر؛ لأن الحديث من رواية الليث ، وما رواه الليث عن أبي الزبير فهو مما سمعه من جابر . والحديث نفسه ورد من طريق أخرى عن صحابي آخر، وهو في صحيح مسلم من حديث أم مبشر ، وهو بهذا الذي دل عليه حديث جابر . والإسناد رباعي؛ لأن أبا داود روى عن اثنين في طبقة واحدة، فلا يقال: إنه خماسي؛ لأن الاثنين في طبقة واحدة، وهما شيخا أبي داود .
النص على بعض الصحابة أنهم من أهل الجنة فيه زيادة مزية على أن بقية الصحابة تشملهم فضائل أخرى


النص على أهل بيعة الرضوان أنهم لا يدخلون النار فيه زيادة فضل على باقي الصحابة. ومعلوم أن من ورد فيه نص خاص بأنه من أهل الجنة فيشهد له تبعاً للنص، لكن لا يعني ذلك أن غيره يؤمر به إلى النار؛ لأنه قد جاء في القرآن ما يدل على أنهم وعدوا جميعاً الحسنى، والحسنى هي الجنة، كما قال الله عز وجل: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى [الحديد:10].
شرح حديث (فلعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد بن سلمة ح وحدثنا أحمد بن سنان حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا حماد بن سلمة عن عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -قال موسى -: (فلعل الله -وقال ابن سنان : اطلع الله- على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) ]. هذا الحديث يدل على فضل أهل بدر، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لعل الله اطلع على أهل بدر) كما قاله موسى أحد شيخي أبي داود ، واللفظ الثاني للشيخ الثاني: (اطلع الله) ولم يقل: لعل الله. وهذا يدل على فضل أهل بدر، وأن الله تعالى قد غفر لهم، ولهذا صار لهم فضيلة وصار لهم ميزة، فيقال لأحدهم: إنه بدري أو إنه شهد بدراً لهذه الفضيلة ولهذه الخصيصة، ولهذا جاء في قصة حاطب بن أبي بلتعة المشهورة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) فهو دال على فضلهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وكانوا أكثر من ثلاثمائة.
تراجم رجال إسناد حديث (فلعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)


قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد بن سلمة ]. هو حماد بن سلمة بن دينار البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ ح وحدثنا أحمد بن سنان ]. أحمد بن سنان ثقة، أخرج له البخاري و مسلم وأبو داود و النسائي في مسند مالك و ابن ماجة . [ حدثنا يزيد بن هارون ]. هو يزيد بن هارون الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا حماد بن سلمة عن عاصم ]. عاصم هو ابن أبي النجود بهدلة، وهو صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وحديثه في الصحيحين مقروناً. [ عن أبي صالح ]. هو أبو صالح السمان ، واسمه ذكوان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. مر ذكره رضي الله عنه وأرضاه.
توجيه الأحاديث الدالة على الوعيد بالنار لمن فعل فعلاً ثم صدر عن بعض الصحابة


الشيخ الألباني يصحح حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قاتل عمار وسالبه في النار) والذي قتله: أبو الغادية وهو صحابي!! لكن كل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم خير الناس، وما حصل منهم من أمور قد تستنكر أو تؤخذ عليهم، فلهم من الفضائل ولهم من المناقب ولهم من الميزات التي حصلت لهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يفوقون بها من بعدهم، وقد مر كلام سعيد بن زيد الذي قال فيه: (لمشهد أحدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يغبر فيه وجهه خير من عمل أحدكم عمره ولو عمر عمر نوح).
شرح حديث وقوف المغيرة بن شعبة على رأس النبي زمن الحديبية يحرسه


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ جدثنا محمد بن عبيد أن محمد بن ثور حدثهم عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية..) فذكر الحديث، قال: (فأتاه -يعني: عروة بن مسعود - فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم، فكلما كلمه أخذ بلحيته، و المغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم ومعه السيف، وعليه المغفر، فضرب يده بنعل السيف وقال: أخر يدك عن لحيته، فرفع عروة رأسه فقال: من هذا؟! قالوا: المغيرة بن شعبة) ]. ذكر أبو داود رحمه الله تعالى حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه الذي فيه: أن المغيرة بن شعبة كان من أهل بيعة الرضوان، وكان بارزاً في تلك الغزوة، وأنه كان واقفاً على رأس الرسول صلى الله عليه وسلم يحرسه ومعه السيف، فإذا جاء الكفار وجلسوا مع النبي صلى الله عليه وسلم للصلح، فإذا المغيرة واقف على رأسه، وهذا فيه الدلالة على إجلاله واحترامه وتوقيره وحرص الصحابة عليه، وهي منقبة للمغيرة بن شعبة كونه قام بهذه المهمة، وهو أنه كان واقفاً على رأس الرسول صلى الله عليه وسلم يحرسه، وكان عروة بن مسعود الثقفي يخاطب النبي عليه الصلاة والسلام وكان أثناء ذلك يأخذ بلحية الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان المغيرة يضرب يده بنعل السيف -وهو أسفل السيف- ويقول: أخر يدك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: من هذا؟! قالوا: المغيرة ، والحديث مختصر، وهو حديث طويل جاء في صحيح البخاري وفي غيره، وفيه عقد الصلح وما حصل عند عقده، وهو دال على فضل المغيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ودال أيضاً على أن الوقوف على رأس الإمام عند مجيء الأعداء وإظهار احترامه وتوقيره سائغ وجائز، وهو يدل على أن ما جاء في الحديث الصحيح من النهي عن القيام على رأس الرجل أنه إذا كان في غير هذه الحال كما جاء في صلاة النبي عليه الصلاة والسلام بأصحابه وهو جالس: (لما جحش وصلى بالناس جالساً، فجاء الناس وصلوا وراءه قياماً، فأشار إليهم أن اجلسوا، ولما سلم قال: كدتم أن تفعلوا آنفاً فعل فارس والروم، يقومون على ملوكهم وهم جلوس) فهذا يدل على استثناء مثل هذه الحال إذا كان المقام يقتضي بيان احترام الإمام وتوقيره وإظهار الاحتفاء به والحرص عليه والمحافظة عليه، وأن القيام على الرجل في مثل هذه الحالة سائغ، وليس من قبيل الممنوع الذي جاء النهي عنه في الحديث؛ لأنه تشبه بفعل الفرس والروم الذين يقومون على ملوكهم وهم جلوس، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أصحابه عن ذلك، وقد فعل المغيرة بن شعبة هذا الفعل، فيدل على أن مثل هذه الحالة مستثناة، وأن مثل ذلك سائغ وجائز. والقيام للرجل له ثلاث حالات: قيام للرجل، وقيام إلى الرجل، وقيام على الرجل، والذي معنا هو القيام على الرجل، وهو جائز في مثل هذه الصورة، وأما القيام إلى الرجل فهذا سائغ، كون الإنسان يكون جالساً ثم يأتي إنسان فيقوم من أجله ليصافحه أو ليعانقه أو ليستقبله فإن ذلك سائغ؛ لأنه قيام إليه، وأما القيام له وهو أن يقوم الإنسان من مجلسه ويجلس من أجل الرجل، يعني: لم يقم ليعانقه ولا ليصافحه ولا ليستقبله، وإنما هو قيام وجلوس للإكرام فقط، هذا هو الذي جاء النهي عنه وأنه لا يسوغ ولا يجوز، فإذاً القيام له ثلاث حالات: قيام إلى الرجل وهذا سائغ، وقيام للرجل وهذا لا يجوز، وقيام على الرجل وهذا يجوز في مثل الحال التي جاءت في هذا الحديث في قصة المغيرة بن شعبة .
تراجم رجال إسناد حديث وقوف المغيرة بن شعبة على رأس النبي زمن الحديبية يحرسه


قوله: [ حدثنا محمد بن عبيد ]. محمد بن عبيد يحتمل أن يكون المحاربي ، وأن يكون ابن حساب ، وكل منهما روى عنه أبو داود ، وكل منهما روى عن محمد بن ثور ، و محمد بن عبيد بن حساب الغبري ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . و المحاربي صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي . مع أن الموجود في تحفة الأشراف محمد بن عبد الأعلى الصنعاني . وقد تقدم الحديث في الجهاد من سنن أبي داود ، وتقدم التنبيه على هذا الاختلاف في اسم الراوي من تحفة الاشراف، لكن النسخ كلها اتفقت على محمد بن عبيد، حتى محمد عوامة ما نبه أن في إحدى النسخ الخطية اختلاف. ومحمد بن عبد الأعلى الصنعاني ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وعلى كل سواء كان أي واحد من هؤلاء فإنه محتج به. فالصنعاني ثقة، أخرج له مسلم و الترمذي و النسائي و ابن ماجة و أبو داود في القدر ما روى له في المتصل، لأن عندنا هنا محمد بن عبيد، ونبهنا أن في تحفة الأشراف محمد بن عبد الأعلى . وقد مر الحديث في الجهاد من سنن أبي داود وهو هناك وهنا -في الموضعين- محمد بن عبيد، إنما الخلاف في تحفة الأشراف، فقد ذكر أن أبا داود أخرجه في الجهاد وفي السنة، لكن عن محمد بن عبد الأعلى . هكذا في تحفة الأشراف، وفي أبي داود في الموضعين محمد بن عبيد. [ أن محمد بن ثور حدثهم ]. محمد بن ثور ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي. [ عن معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة بن الزبير ]. هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المسور بن مخرمة ]. المسور بن مخرمة رضي الله عنه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
فضل المغيرة بن شعبة في الحديبية


هذه القطعة من الحديث لا يستفاد منها إلا فضل المغيرة ، وهذا يبين أن المغيرة بن شعبة قد نال منه من نال وتكلم فيه من تكلم، فذكر في الحديث شأنه وحاله، وأنه من الأشخاص البارزين في بيعة الرضوان؛ لأن المبايعين في بيعة الرضوان كانوا ألفاً وأربعمائة، وليس جميعهم معروفين، لكن المغيرة كان في غاية الوضوح؛ لأنه كان قائماً على رأس الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو قائم بهذه المهمة العظيمة، وذلك يعد شرفاً له وفضلاً، بالإضافة إلى كونه من أهل البيعة ويشمله ما شملهم من الفضل.
شرح أثر عمر بن الخطاب في سؤاله الأسقف عن الخلفاء في الكتاب


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حفص بن عمر أبو عمر الضرير قال حدثنا حماد بن سلمة أن سعيد بن إياس الجريري أخبرهم عن عبد الله بن شقيق العقيلي عن الأقرع مؤذن عمر بن الخطاب قال: بعثني عمر إلى الأسقف فدعوته، فقال له عمر: وهل تجدني في الكتاب؟ قال: نعم، قال: كيف تجدني؟ قال: أجدك قرناً، فرفع عليه الدرة فقال له: قرن مه؟ فقال: قرن حديد، أمين شديد، قال: كيف تجد الذي يجيء من بعدي؟ فقال: أجده خليفة صالحاً غير أنه يؤثر قرابته، قال عمر : يرحم الله عثمان ، ثلاثاً، فقال: كيف تجد الذي بعده؟ قال: أجده صدأ حديد، فوضع عمر يده على رأسه فقال: يا دفراه يا دفراه! فقال: يا أمير المؤمنين! إنه خليفة صالح، ولكنه يستخلف حين يستخلف والسيف مسلول، والدم مهراق. قال أبو داود : الدفر: النتن ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن عمر رضي الله عنه أو عن الأقرع الذي هو مؤذن عمر أن عمر أرسله إلى الأسقف وهو عالم النصارى، فقال: كيف تجدني في الكتاب؟ يعني: في كتبكم، فقال: أجدك قرناً، قال: قرن مه؟ قال: قرن حديد، أمين شديد، قال: كيف تجد الذي بعدي؟ قال: إنه خليفة صالح، غير أنه يؤثر قرابته، قال: كيف تجد الذي بعده؟ قال: أجده صدأ حديد، الصدأ يعني: الشيء الذي ما هو جيد في الحديد، فوضع عمر يده على رأسه فقال: يا دفراه يا دفراه. والدفر هو: النتن. قال: يا أمير المؤمنين! إنه خليفة صالح، ولكنه يستخلف حين يستخلف والسيف مسلول والدم مهراق. وكما هو معلوم فعلي بن أبي طالب رضي الله عنه اتفقت عليه الأمة بعد قتل عثمان وأجمعوا عليه كما أجمعوا على خلافة أبي بكر، ولم يكن هناك بعد وفاة عثمان على وجه الأرض من هو خير منه، ولم يكن في أول الأمر شيء من هذا، أي أن الفتنة وقعت على عثمان وقتل وأهريق دمه، وأما هو ففي أول الأمر ما كان هذا الذي أشار إليه، ولكنه بعد ذلك حصلت الفتن، وحصل إراقة الدماء بين المسلمين، ثم بعد ذلك اجتمعت الكلمة بالصلح الذي حصل من الحسن رضي الله عنه وتنازله لمعاوية ، فاتحدت كلمة المسلمين، وصار على المسلمين خليفة واحد هو معاوية رضي الله تعالى عن الجميع. وهذا الأثر فيه نكارة في متنه، فمعناه: أن الذي بعد عمر هو عثمان ، والذي بعد عثمان هو علي ، ومعلوم أن عمر رضي الله عنه جعل الأمر في ستة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ما يدرى من يكون الخليفة منهم، وانتهت المسألة إلى أن دار الأمر بين عثمان و علي، ثم حصلت المشاورة في إسناد الأمر إلى علي أو عثمان. فلو كان ذلك مسلماً به لصار معروفاً، والإسناد رجاله لا بأس بهم، و الألباني ضعف الحديث، ولكن ما أدري ما وجه التضعيف، ولكن من ناحية المتن لاشك أن فيه نكارة.
تراجم رجال إسناد أثر عمر بن الخطاب في سؤاله الأسقف عن الخلفاء في الكتاب


قوله: [ حدثنا حفص بن عمر أبو عمر الضرير ]. حفص بن عمر أبو عمر الضرير صدوق، أخرج له أبو داود . [ حدثنا حماد بن سلمة ]. حماد بن سلمة مر ذكره. [ أن سعيد بن إياس الجريري أخبرهم ]. سعيد بن إياس الجريري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن شقيق العقيلي ]. عبد الله بن شقيق العقيلي ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن الأقرع مؤذن عمر بن الخطاب ]. الأقرع مؤذن عمر ثقة، أخرج له أبو داود . [ عن عمر ]. عمر رضي الله تعالى عنه، الصحابي الجليل، ثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. والإسناد ظاهره مستقيم، ولا أدري إذا كان فيه انقطاع أو كان فيه شيء، ولكن الألباني قال: إنه ضعيف الإسناد.
الأسئلة



ذكر من كفر الحجاج بن يوسف من السلف


السؤال: هل كفر الحجاج أحد من السلف؟! الجواب: يقول طاوس : عجبت لمن يسميه مؤمناً، وكفره جماعة منهم: سعيد بن جبير ، و النخعي و مجاهد و عاصم بن أبي النجود و الشعبي ، ذكر هذا الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب بعد أن ذكره تمييزاً.

حكم من تاب من انتقاص الصحابة


السؤال: وجد في أشرطة بعض الدعاة كلمات فيها لمز للصحابة، مثل قوله: تأويل فاسد.. وهذا صدر عنهم جهلاً بمراد الله ورسوله.. و أسامة بن زيد خالف الأصول.. وهناك سوء التربية.. فهذه كلمات صدرت من هذا الداعية عفا الله عنه، فما الموقف منها؟ الجواب: هذا الداعية قد ظهر منه الرجوع عن هذا، ومن تاب تاب الله عليه.

التحذير ممن يقع في الصحابة


السؤال: أنا مدرس لي زميل في العمل من الرافضة، فهل أسلم عليه وأصافحه وأجلس معه؟ الجواب: الإنسان عليه أن يحب في الله ويبغض في الله، ويوالي في الله ويعادي في الله، والحب في الله والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان، فمن كان مبغضاً للصحابة ومحارباً لهم فإنه يجب بغضه في الله عز وجل، وعدم مجالسته وعدم مخالطته؛ لأن ذلك يؤثر.

حكم من يبيع أشياء خفيةً لأن لديه ترخيصاً من ولي الأمر ببيع غيره


السؤال: لي صديق يشتغل في محل سجله التجاري مأكولات خفيفة، وقانوناً يمنع من بيع بعض المأكولات الثقيلة، إلا أن صاحب المحل يبيعها خفية بحجة أن الجميع يفعل هذا للهروب من الضرائب الباهضة، فهل هذا الأمر يعتبر خروجاً عن طاعة ولي الأمر؟ الجواب: المناسب لمثل هذا أن يأخذ الترخيص الذي يسوغ له أن يفعل هذه الأمور كلها، أما كونه يظهر شيئاً ثم يفعل خلافه فهذا لا ينبغي، وإذا أراد أن يحصل منه البيع على وجه أوسع وعلى وجه أتم وأكمل فإنه يحصل على الترخيص الذي يسوغ له ذلك حتى لا يحتاج إلى الحيل. وأما العامل فإنه يجوز له أن يعمل في هذا المحل ولكن عليه أن ينصح صاحب المحل. ومال صاحب المحل الذي يتقاضاه من هذا البيع لا بأس به، ولكن عليه أن يحسن العمل، وأن يكون لديه رخصة في بيع المأكولات الثقيلة.

فضل من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يره


السؤال: ما حال حديث: (أن الصحابة رضي الله عنهم سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم: هل يوجد قوم أحسن منا؟ قال: نعم، قوم يؤمنون بي ولم يروني)؟ الجواب: جاء حديث في فضل الذين يؤمنون به ولم يروه، لكن لا يقال: إنه يأتي أحد بعد الصحابة خير من الصحابة، بل العلماء متفقون على أن أي فرد من أفراد الصحابة هو خير ممن جاء بعدهم، أي فرد منهم، والتفضيل للجميع لا للمجموع، وقد جاء عن ابن عبد البر وحده القول بأنه قد يكون بعض من يأتي بعد الصحابة خير من بعض الصحابة، لكن الجمهور على القول بأن تفضيلهم هو تفضيل للجميع، وأن أي واحد منهم فهو أفضل من أي واحد بعدهم، ويوضح ذلك الأثر الذي مر بنا عن سعيد بن زيد أحد العشرة حيث قال: (لمشهد رجل منهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يغبر فيه وجهه خير من عمل أحدكم عمره ولو عمر عمر نوح). والجمع بين هذا الحديث وبين حديث: (يأتي زمان أجر العامل فيه أجر خمسين منكم) أنه قد تأتي شدة وأمور خطيرة تحتاج إلى صبر وتجلد، فيكون ذلك العمل عظيماً، لكن فضل الصحبة لا يعدله شيء.

شرعية قول (عليه الصلاة والسلام) عند ذكر أي نبي


السؤال: هل تشرع (الصلاة والسلام) عند ذكر أي نبي من الأنبياء عموماً؟ الجواب: نعم، يشرع الصلاة والسلام عليه.

عتق العبد أفضل من عتق الأمة


السؤال: أيهما أفضل أن أعتق عبداً أم أمة؟ الجواب: العبد أفضل؛ لأنه جاء أن: (من أعتق رجلاً كان فكاكاً من النار، ومن أعتق جاريتين كانتا فكاكاً من النار)، فدل على أن عتق الرجل أفضل؛ لهذا الحديث الصحيح، وهذا أحد المواضع الخمسة التي تكون المرأة فيها على النصف من الرجل، فهي على النصف من الرجل في خمسة أمور: في الشهادة، وفي الميراث، وفي الدية، وفي العتق، وفي العقيقة.

حكم وصف الله تعالى بـ (حاضر) و(ناظر)


السؤال: هل يجوز وصف الله تبارك وتعالى بحاضر أو ناظر؟ الجواب: الله تعالى شاهد كما جاء، وينبغي التقيد بما جاء في النصوص، ولا يخرج عنها إلى عبارة أخرى قد يلزم فيها لوازم وهي لم ترد، ولكن الذي ورد فيه النصوص هو الذي ينبغي للإنسان أن يعبر به.

حكم استدلال أصحاب الديمقراطية والتغريب بسؤال عبد الرحمن بن عوف المسلمين فيمن
يختارونه للخلافة


السؤال: هل حصل أن مر أحد الصحابة على جميع البيوت ليستشيرهم أيهم يختارون: علياً أم عثمان ؟ الجواب: ما يقال: إنه مر على الجميع، ولكن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه لما تولى هذه المهمة ما كان يتلذذ بنوم ولا يستريح، وكان يطوف على الناس ويسألهم، أما أنه مر على جميع البيوت فلا يظهر أن ذلك حصل. أما من استدل بهذا الفعل على الانتخابات والديمقراطية في الإسلام! فالإسلام في وادٍ وأصحاب الديمقراطية في وادٍ آخر، هذا شيء جاء من الغرب، والذي عليه المسلمون جاء من السماء."



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 03-07-2025, 09:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,727
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [521]
الحلقة (551)





شرح سنن أبي داود [521]

إن الله عز وجل اصطفى نبينا محمداً على سائر البشر وانتخب له الصحابة رضوان الله عليهم فكانوا وزرائه وحوارييه، فقاموا بهذا الدين خير قيام حتى بلغوا به أرجاء المعمورة، لذلك فقد جاء النهي عن انتقاصهم والوعيد الشديد في حق من سبهم ونال من أعراضهم؛ لأن مؤدي هذا الفعل القبيح الطعن في الشريعة بالطعن فيمن بلغوها ونشروها، وأعظم الصحابة وأفضلهم على الإطلاق هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه.

ما جاء في فضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم



إثبات فضل الصحابة في الكتاب والسنة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في فضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. حدثنا عمرو بن عون أنبأنا ح وحدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير أمتي القرن الذي بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم -والله أعلم أذكر الثالث أم لا- ثم يظهر قوم يشهدون ولا يستشهدون، وينذرون ولا يوفون، ويخونون ولا يؤتمنون، ويفشو فيهم السمن) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في فضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ]. هذه الترجمة معقودة لبيان الفضل الذي أكرم الله به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن لهم ميزة تميزوا بها على غيرهم، وهي أنهم وجدوا في القرن الذي بعث فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأكرمهم الله عز وجل في هذه الحياة الدنيا بصحبته، ومتع أبصارهم بالنظر إلى طلعته صلى الله عليه وسلم، وشنف أسماعهم بسماع حديثه من فمه الشريف، وأكرمهم ووفقهم للجهاد معه ونصرته والذب عنه، فصارت لهم هذه الفضائل وهذه الميزات التي ميزهم الله تعالى بها، ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الحديد:21] ولهذا فإن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام فضلوا على غيرهم بكونهم القرن الذي بعث فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم خير الناس: (خير أمتي القرن الذي بعثت فيهم) والمراد بالقرن هنا: المجموعة من الناس الذين رأوا النبي صلى الله عليه وسلم وصحبوه، فهؤلاء هم قرنه أو القرن الذي بعث فيه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فليس المقصود به مدة معينة محددة لها بداية ولها نهاية، وإنما المقصود منه هؤلاء القوم وهؤلاء الصحب الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم وأكرمهم الله بصحبته، وسمعوا كلامه وحديثه، ورأوا شخصه وطلعته صلى الله عليه وسلم، وتلقوا الحق والهدى منه، وبلغوهما إلى الناس، فجعلهم الله عز وجل الواسطة بين الناس وبين الرسول صلى الله عليه وسلم، ما عرف الناس حقاً ولا هدى، ولا وصل إلى الناس كتاب ولا سنة إلا عن طريق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا اشتهر عند العلماء أن الصحابي لا يحتاج إلى أن يعدل وأن يوثق، ولا يحتاج إلى أن يقال: فلان ثقة، وفلان عدل، وفلان كذا وفلان كذا، إذ يكفيهم تعديل الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وثناء الله وثناء رسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. ولهذا كان المجهول فيهم في حكم المعلوم، فجهالة الصحابي لا تؤثر، أما من دون الصحابة فإن جهالتهم تؤثر، ولهذا يأتي في كتب الحديث ذكر الرواية عن الصحابة، فيقال: عن رجل صحب النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك حجة ومتفق عليه عند أهل السنة، ولا خلاف في ذلك، أما من دون الصحابة من التابعين ومن دونهم، فإنه يحتاج إلى معرفة أحوالهم وإلى بيان عدالتهم وبيان جرحهم من تعدليهم، وقد يقال في بعض الصحابة: فلان صحابي من أهل بدر، أو شهد بيعة الرضوان، أو شهد بدراً، وذلك للفضل الذي حصل لأهل بدر والفضل الذي حصل لأهل بيعة الرضوان، أي: ليبين أنه من أهل هذا الفضل وممن دخل في هذا الفضل الذي هو كونه بدرياً أو كونه ممن شهد بيعة الرضوان، وقد جاءت نصوص الكتاب والسنة مبينة قدر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان فضلهم ونبلهم، وأثنى الله عليهم وأثنى عليهم رسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وجاء في ذلك آيات كثيرة، وجاء في ذلك أحاديث عديدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومما جاء في القرآن في فضل الصحابة قول الله عز وجل: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [التوبة:100]، وكذلك قول الله عز وجل: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الفتح:29]. فهذه الآية الكريمة فيها بيان أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكروا في التوراة والإنجيل، وأنهم ذكروا في الكتب السابقة قبل أن يوجدوا وقبل أن يأتي زمانهم، وهذا دال على فضلهم ونبلهم رضي الله عنهم وأرضاهم، فهم قد ذكروا في تلك الكتب وأثني عليهم فيها، وهذا مما يدل على فضلهم، وفيه أنهم يغاظ بهم الكفار، وذلك لأنهم يقومون بنصرة الدين بالجهاد في سبيل الله، فالكفار يغاظون بهم، ولهذا قال: (( لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ )) ثم أخبر أنه وعدهم بمغفرة ورحمة فقال: (( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا )) والمقصود من ذلك الصحابة، وقد قال منهم، وليس المقصود (من) التبعيضية، وإنما بياناً للجنس، (( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً )) أي أن هذا الوعد إنما هو لهم، ولو لم يأت بكلمة ( منهم ) لصار الأمر لا يخصهم، فلو قيل: وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات مغفرة وأجراً عظيماً. فيكون لهم ولغيرهم، لكن لما جاءت كلمة (منهم) عرف أن هذا الوعد لهم، لكن ليس لبعضهم وإنما هو لجميعهم، لأن من بيانية، وليست تبعيضية، ونظير ذلك قول الله عز وجل: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [المائدة:73] فقوله: (( الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ )) ليس المقصود بعضهم، بل كل الذين قالوا: إن الله ثالث ثلاثة توعدوا بهذا الوعيد، فكلمة منهم لبيان الجنس وليست للتبعيض. فقوله: (( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً )) (من) في قوله: (منهم) لبيان الجنس في جانب المدح وفي جانب أهل الحق، وقد تأتي لبيان الجنس في الذم مثل قوله تعالى: (( لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )) أي: من الذين قالوا: إن الله ثالث ثلاثة، فهذا في جانب الذم وفي جانب السوء، مع أنهم كلهم موعودون بهذا الوعد، وليس بعضهم؛ لأن (من) هنا لبيان الجنس وليست للتبعيض. وكذلك قول الله عز وجل: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى [الحديد:10] فإنه وإن حصل بينهم التفاوت في الدرجات وعلو المنازل إلا أن الكل وعد الحسنى، والحسنى هي: الجنة، كما قال الله عز وجل: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26]. أما سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد جاءت أحاديث كثيرة تدل على فضل الصحابة وعظيم منزلتهم.

شرح حديث (خير أمتي القرن الذي بعثت فيهم...)


وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عمران بن حصين : (خير أمتي القرن الذي بعثت فيهم) وهم الصحابة، وقوله: (الذي بعثت فيهم) يدلنا على أن المقصود هؤلاء الذين رأوه والذين سمعوا كلامه، والذين تلقوا الحق والهدى منه وبلغوهما إلى الناس، فهؤلاء هم خير أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال: (خير أمتي القرن الذي بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) أي: قرن الصحابة أولاً ثم قرن التابعين ثم قرن أتباع التابعين، وقد جاء الشك في حديث عمران بن حصين ، يعني هل ذكر الثالث أي: بعد قرنه صلى الله عليه وسلم، وليس المقصود من ذلك الشك في قرن أتباع التابعين، فإن الأحاديث التي وردت في ذكر القرون الثلاثة كثيرة، وإنما الشك في كونه ذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة، والصحيح أنه ذكر قرنين، مع قرنه، فقرنه الذي هو قرن الصحابة وقرن التابعين وأتباع التابعين، والقرن الرابع لم يثبت فيه شيء، وإنما الثابت هو القرن الثالث الذي هو قرن أتباع التابعين. فإذاً: الشك في القرن الثالث بعد قرنه صلى الله عليه وسلم، وليس بقرنه عليه الصلاة والسلام، فالقرون الثلاثة هذه جاءت عن جماعة من الصحابة. ويوضح ذلك الحديث الصحيح الذي جاء في صحيح البخاري وصحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يأتي على الناس زمان فيغزوا فئام منهم، فيقال: هل فيكم من صحب أو من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم -وهذا المراد به الصحابة- ثم يأتي على الناس زمان فيغزوا فئام منهم، فيقال: هل فيكم من رأى من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان فيغزوا فئام منهم، فيقال: هل فيكم من رأى من صحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم) وهذه القرون الثلاثة هي: قرن الصحابة، وقرن التابعين، وقرن أتباع التابعين. وقد ذهب أهل السنة والجماعة إلى تفضيل جميع أفراد الصحابة على جميع الأفراد الذين يجيئون بعد زمانهم، أي: أن كل واحد من الصحابة أفضل من أي واحد ممن يأتي بعدهم، ولم يأت ما يخالف ذلك إلا ما نقل عن ابن عبد البر رحمه الله أنه قال: يمكن أن يكون في بعض من يأتي بعد الصحابة من هو أفضل من بعض الصحابة. ولكن هذا خلاف ما عليه أهل السنة والجماعة والذي لا يعرف عنهم غيره، وهو أن التفضيل للجميع لا للمجموع، وأن أي واحد من الصحابة فإنه يكون أفضل من أي واحد ممن بعدهم، فإن ما حصل لهم من صحبة النبي صلى الله عليه وسلم والجهاد معه وتلقي الكتاب والسنة عنه وتأديتهما إلى الناس هذا شيء تميزوا به واختصوا به، فصار لهم فضل لا يدانيه أحد ولا يساويه أحد، ولهذا جاء في حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه الذي مر: (لمشهد رجل منهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يغبر به وجهه خير من عمل أحدكم عمره ولو عمر عمر نوح). قوله: [ (خير أمتي القرن الذي بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) ]، أي: الصحابة والتابعون وأتباع التابعين. قوله: [ والله أعلم أذكر الثالث أم لا؟ ]. أي: هل ذكر الثالث بعد قرنه؟ وليس الثالث مع قرنه، فإن الثلاثة القرون هذه جاءت فيها النصوص، وإنما الخلاف في القرن الرابع أي قرن أتباع أتباع التابعين، وإلا فإن الثلاثة القرون -قرن الصحابة وقرن التابعين وقرن أتباع التابعين- جاءت عن جماعة من الصحابة. قوله: [ (ثم يظهر قوم يشهدون ولا يستشهدون) ]. معناه: أنهم يتساهلون في أمر الشهادة ويحرصون على الشهادة دون أن تطلب منهم، وأما إذا كان الإنسان عنده شهادة وصاحب الشهادة لا يدري أن عند فلان شهادة وعنده فصل في أمر من الأمور، وشهادته تبين حقاً وتوضح حقاً فإن إدلاءه بشهادته محمود، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: (خيركم الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها) وأما إذا كان صاحب الحق يدري ويعرف، ولكن الإنسان يأتي فيخبر بأنه عنده شهادة، إما لأمر يكون بينه وبين ذلك الشخص الذي يشهد عليه أو لغير ذلك؛ فهذا هو الذي يكون مذموماً. قوله: [ (وينذرون ولا يوفون) ]. يعني: يحصل منهم النذر ثم لا يوفون، والنذر يجب الوفاء به إذا وجد، ولكن ليس من المرغب فيه أن ينذر الإنسان، وإنما على الإنسان إذا أراد أن يحسن أن يحسن بدون نذر، وإذا أراد أن يتقرب إلى الله عز وجل بقربة فليبادر إليها بدون أن يعلقها بشيء، ودون أن ينيطها بشيء؛ لأن إناطتها بشيء وتعليقها بشيء يعني أن هذا ما حصل منه ابتداءً من أجل أن يتقرب إلى الله عز وجل به، وإنما إذا حصل له كذا فإنه يفعل كذا وكذا، ثم إذا حصل له ذلك الشيء الذي يترتب عليه النذر ضاق صدره وصار يتألم ويبحث عن مخارج يتخلص بها من ذلك النذر الذي ألزم نفسه به، فيكون فعله لتلك العبادة ولتلك الطاعة لم يحصل في البداية على وجه مشروع وعلى وجه مستحب، وفي النهاية حصل التلكؤ وحصل الامتعاض والتأثر والتألم، وأنه لم يكن مرتاحاً إلى ذلك الذي تصدق به، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام (إن النذر لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل) فالبخيل لا يحسن، ولكنه ينيط إحسانه بشيء إذا وجد، وإذا وجد لزمه ذلك، وقد يبحث عن سبيل يتخلص به من ذلك النذر، فالنذر إذا وجد يجب الوفاء به، وهو عبادة لا تكون إلا لله عز وجل، لكن ليس مرغباً فيها وليس مأموراً بها؛ لأنها ليست عبادة متمحضة لله عز وجل ابتداءً، وإنما معلقة بشيء. قوله: [ (ويخونون ولا يؤتمنون) ]. يعني: تظهر فيهم الخيانة وقلة الأمانة. قوله: [ (ويفشو فيهم السمن) ]. لأنهم مهتمون بمتع الدنيا والانهماك فيها والافتتان فيها، وعدم الاشتغال بشيء آخر سواها.

تراجم رجال إسناد حديث (خير أمتي القرن الذي بعثت فيهم..)


قوله: [ حدثنا عمرو بن عون ]. عمرو بن عون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أنبأنا ح وحدثنا مسدد ]. التحويل جاء بعد ذكر الصيغة من الشيخ الأول، وذلك أن صيغة كلٍ من الشيخين تختلف في روايته عن أبي عوانة ؛ لأن عمرو بن عون قال: أنبأنا و مسدد ، قال: حدثنا أبو عوانة ، فهو من أجل ذلك أتى بالتحويل. ومسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا أبو عوانة ]. هو أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زرارة بن أوفى ]. زرارة بن أوفى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمران بن حصين ]. رضي الله عنهما أبو نجيد ، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

الأسئلة



لا تعارض بين (خير الناس قرني) و(خير أمتي قرني)

السؤال: هل هناك تعارض بين قوله: (خير القرون قرني)، ورواية: (خير أمتي قرني)؟ الجواب: ما هناك تعارض، لكن لا نعرف لفظاً (بخير القرون)، وإنما ورد قوله: (خير الناس)، أو (خير أمتي)، وهذه معناها واحد.


بداية قرن الصحابة ونهايته


السؤال: متى يبدأ القرن الأول ومتى ينتهي؟ الجواب: القرن الأول يبدأ ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه بحصول الإيمان به تكون بدأت الصحبة، وبوفاة آخر واحد من الصحابة ينتهي ذلك القرن، ويقال: إن أبا الطفيل هو آخر الصحابة موتاً، وكانت وفاته سنة مائة وعشر.


ضابط القرن الثاني والثالث بعد قرن الصحابة


السؤال: ما هو ضابط القرن الثاني والقرن الثالث؟ الجواب: القرن الثاني: هم التابعون، وهم الذين رأوا الصحابة، وفيهم كبار وفيهم متوسطون وفيهم صغار، ولهذا يقال: من كبار التابعين، أو من أوساط التابعين، أو من صغار التابعين، وقد جاء ذكر المثال لهذه الأصناف من التابعين في أول حديث في صحيح البخاري وهو حديث: (إنما الأعمال بالنيات) فقد رواه عمر بن الخطاب ورواه عن عمر علقمة بن وقاص الليثي وهو من كبار التابعين، ورواه عن علقمة بن وقاص محمد بن إبراهيم التيمي وهو من أوساط التابعين، ورواه عن محمد بن إبراهيم التيمي يحيى بن سعيد الأنصاري وهو من صغار التابعين، والتابعون كما هو معلوم فيهم المخضرمون الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكنهم ما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم وإنما رأوا كبار الصحابة ورووا عنهم، مثل قيس بن أبي حازم الذي قيل: إنه اتفق له أن يروي عن العشرة المبشرين بالجنة، وكذلك غيره ممن هم موصوفون بأنهم مخضرمون، وينتهي هذا القرن بوفاة آخر واحد رأى واحداً من الصحابة، وكذلك أتباع التابعين الذين رأوا التابعين. والأحاديث الثلاثية في صحيح البخاري فيها بيان الكبار من هؤلاء وهؤلاء، والثلاثيات هي التي يكون فيها بين البخاري والنبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشخاص؛ صحابي وتابعي وتابع تابعي، فهو يكون قد روى عن أتباع التابعين، مثل محمد بن عبد الله الأنصاري ، و مكي بن إبراهيم ، و أبي عاصم النبيل ، فهؤلاء هم ممن روى عنهم الثلاثيات، و البخاري توفي سنة مائتين وستة وخمسين، وأولئك الذين هم من كبار شيوخه ماتوا في حدود سنة مائتين وعشرين.


عدالة الصحابة مؤكدة وكذلك ضبطهم


السؤال: بالنسبة لعدالة الصحابة لا تحتاج إلى البحث، لكن هل يقال هذا أيضاً في ضبطهم فلا يبحث عن ضبطهم؟ الجواب: لا يبحث عن ضبطهم، ولا يقال: إن هذا ضابط أو غير ضابط، أو هذا يتوقف في خبره، بل كل ما جاء عنهم فإنه مقبول ومعول عليه.


تعليل الحديث بجهالة الصحابة غير مسلم به، وهو مذهب شواذ المبتدعة


السؤال: ألا يخرق الإجماع الذي ذكرتموه بأن الحديث إذا كان عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مقبول؛ قدح ابن القطان الفاسي رحمه الله في كتابه: بيان الوهم والإيهام في عدد من الأحاديث بجهالة الصحابي؟ الجواب: هذا ما له قيمة؛ لأن كتب الحديث فيها هذا الشيء، فهو موجود في صحيح البخاري وفي غيره، وفي تحفة الأشراف الأشخاص الذين ما سموا وقد جاءت الأحاديث عنهم في الكتب الستة، فالجهالة غير مؤثرة وغير معتبرة، ولم يخالف في عدالة الصحابة إلا أهل البدع، قال الحافظ ابن حجر : ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة، وقال السيوطي في كتابه تدريب الراوي: وقالت المعتزلة: هم عدول إلا من قاتل علياً ، وبه يتبين الشذوذ من المبتدعة.

النهي عن سب الصحابة


شرح حديث (لا تسبوا أصحابي...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في النهي عن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده! لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)]. أورد أبو داود هذه الترجمة: [ باب النهي عن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ]، وبعد أن ذكر فضلهم ذكر النهي عن سبهم، وهو دال على فضلهم أيضاً؛ لأن كونه ينهى عن سبهم هذا دال على فضلهم، وقد جاء في حديث أبي سعيد الذي أورده المصنف، وهو في الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده! لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) فهذا يدل على فضلهم، وآخر الحديث الذي فيه التعليل: (لو أن أحدكم فعل كذا وكذا.) هذا أيضاً دال على فضلهم، وأن القليل منهم لا يساويه الكثير من غيرهم. قوله: [ (لا تسبوا أصحابي) ] وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الذين رأوه وأكرمهم الله برؤيته وبسماع كلامه عليه الصلاة والسلام. قوله: [ (فوالذي نفسي بيده! لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) ]، يعني: لو كان إنسان عنده كوم من الذهب مثل جبل أحد وأنفقه في سبيل الله، لم يبلغ فضل الواحد من الصحابة الذي ينفق مداً -وهو ربع الصاع؛ لأن الصاع أربعة أمداد- أو نصيفاً، أي: نصف المد، فهذا يدل على فضلهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، والحديث جاء في بعض طرقه أنه حصل خلاف بين عبد الرحمن بن عوف وبين خالد بن الوليد ، وأن خالداً سب عبد الرحمن ، فقال عند ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده! لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) وهذا يدل على فضل السابقين، وعلى تميزهم على المتأخرين، لكن الكل اشترك في فضل الصحبة، وهم متفاوتون فيها، وليسوا على حد سواء، فالسابقون الأولون أفضل من غيرهم، والذين أسلموا أول من أسلم أفضل من غيرهم، والذين وردت فيهم نصوص تدل على فضلهم أفضل من غيرهم، وهكذا.. فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسبوا أصحابي) وإذا كان هذا الكلام قيل لـ خالد بن الوليد لما سب رجلاً من السابقين الأولين، فإن غير الصحابة ممن جاء بعدهم ممن لم يظفر بشرف الصحبة هو من باب أولى، فإذا كان الفرق والبون شاسعاً بين الصحابة المتأخرين وبين السابقين فإن الذين يجيئون بعد الصحابة ولم يظفروا بفضل الصحبة، ولم يظفروا بشرف النظر إليه صلى الله عليه وسلم وسماع حديثه من فمه الشريف صلى الله عليه وسلم من باب أولى أن يكون عمل الكثير منهم لا يساوي القليل من عمل أصحاب رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. وسب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكبائر، وقد ذكر الذهبي رحمه الله في آخر كتابه الكبائر: كبيرة سب الصحابة، وختم بها ذلك الكتاب المكون من سبعين كبيرة، ولا شك أن سبهم فيه مخالفة لنهي الرسول عليه الصلاة والسلام في ذلك، وفيه نيل من خير هذه الأمة، وتعرض لخير هذه الأمة التي هي خير الأمم، وأفضل هذه الأمة هم أصحاب رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، ولهذا جاءت النقول الكثيرة عن أهل العلم في التحذير من سبهم ومن ذكرهم بسوء، وقد قال أبو المظفر السمعاني -كما نقله عنه الحافظ ابن حجر في فتح الباري-: إن القدح في أحد من الصحابة علامة على خذلان فاعله، وهو بدعة وضلالة. ولما ذكر الحافظ ابن حجر في شرح حديث المصراة في صحيح البخاري أن أحد الحنفية قال: إن أبا هريرة ليس مثل عبد الله بن مسعود في الفقه، وهو الذي روى حديث المصراة، وهذا قدح في فقهه رضي الله عنه، فقال عند ذلك الحافظ ابن حجر : وقائل هذا الكلام إنما آذى نفسه، ومجرد تصور فساده يغني عن تكلف الرد عليه، ثم نقل كلام أبي المظفر السمعاني المتقدم. ومن أشد وأوضح ما جاء في ذلك ما نقله الخطيب البغدادي في كتابه الكفاية بإسناده إلى أبي زرعة الرازي قال: إذا رأيتم من ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلموا أنه زنديق، وذلك أن الكتاب حق والرسول صلى الله عليه وسلم حق، وإنما أدى إلينا الكتاب والسنة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء -أي الذين يقدحون فيهم- يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة. لأن القدح في الناقل قدح في المنقول، والمنقول هو الكتاب والسنة، والناقلون هم أصحاب رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، ورضي الله تعالى عن الصحابة. قال سعيد بن زيد رضي الله عنه: (لمشهد رجل منهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يغبر به وجهه خير من عمل أحدكم عمره ولو عمر عمر نوح). ونوح عليه السلام لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً كما جاء ذلك في آية العنكبوت، وهي مدة طويلة، وعمر طويل، وكل هذا يبين فضل الصحابة وخطورة سبهم والنيل منهم. ثم إن سب آحاد المسلمين والنيل من آحادهم يعتبر من الغيبة المحرمة، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم النيل منهم يكون أعظم وأشد؛ لأنه نيل من حملة الرسالة الذين هم الواسطة بين الناس وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما عرف الناس حقاً ولا هدى إلا عن طريق الصحابة، ولهذا فإن من فضائل أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ومن مناقبهم كثرة ثوابهم وأجرهم؛ لأن أحدهم إذا روى سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلقاها الناس من بعده وعملوا بها إلى يوم القيامة، فإن الله تعالى يثيب ذلك الصحابي مثل ثواب كل الذين عملوا بهذه السنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً) فمن فضلهم رضي الله عنهم وأرضاهم أنهم الذين تلقوا الكتاب والسنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكل من جاء بعدهم إنما أخذه عن طريقهم، فكل من تلقى سنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام وحفظها وأداها فإنه يؤجر عليها مثل كل من عمل بهذه السنة التي جاءت من طريقه، والدليل هذا الحديث الشريف الذي رواه مسلم في صحيحه: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه) وقد ذكره أبو داود وأخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 6 ( الأعضاء 0 والزوار 6)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 478.98 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 473.10 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (1.23%)]