|
الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
أفكار عن التعليم ومناهجه
أفكار عن التعليم ومناهجه أ. د. أبو اليزيد أبو زيد العجمي إذا كان التعليم مخ الحضارة؛ كما عبر بذلك أحد الباحثين[1] حين ناقش قضية مناهجنا التعليمية في ضوء المهام القومية (كما عبر هو)، أقول: إذا كان التعليم كذلك، فإننا حين نريد بناء أمتنا من جديد، وحين نريد تغيير وضعها إلى مكانها اللائق بها، فإن علينا أن نهتمَّ بالتعليم باعتباره أفضل الطرق في التغيير نحو الأفضل والأمثل. والتعليم عبارة عن طالب يجب أن تهيئه التنشئة الأولى لمفاهيم صحيحة بالنسبة للتعليم ورسالته في الحياة، وحتى لا يتقوقع في فهم أن التعليم مجرد طريق لكسب وظيفة يتعيش بها. والتعليم كذلك معلم يمكن أن يحول النص إلى حركة، ويشتق منه المعاني التي تخدم قضايا حياتنا، بعيدًا عن التجريدية والمثالية الحالمة، وهذا الواجب لا يقوم به إلا مَن أعد لهذه المهمة وعرَف أبعاد رسالته، وقبِل صعوباتها طلبًا للأجر من الله سبحانه. والتعليم كذلك مادة معرفية تسهم في بناء الإنسان، عقديًّا كي يستقيم فكره، وعلميًّا كي يعرف كيف يفكر وكيف يستنبط، وعمليًّا كي يعرف كيف يفيد أمته والبشرية كلها من خير ما عنده. والتعليم كذلك طريقٌ لتقديم هذه المعلومات بأنسب الطرق، وفي أنسب الأحوال؛ لذا حين نريد أن نضع منهجًا دراسيًّا، سواء في المستوى الأدنى أو الأعلى في التعليم، فإن علينا أن نطرح عدة أسئلة؛ منها: ما الذي نعمله؟ ولماذا نعمله؟ وكيف نعمله؟ ومن يعلمه؟ وغيرها من الأسئلة التي يتوقَّف على الإجابة عنها أمر كبير في اختيار كم التعليم وكيفه وأسلوبه وكل ظروفه. كذلك من مهام التعليم في مثل ظروفنا التقدم العلمي الفني، والأخذ بالمنهج التجريبي للحاق برَكْب الحضارة، أو لإحياء موقفنا الحضاري السابق، ثم ربط منجزات العلم بواقع الناس، وترتيب الأولويات في مسائل التعليم حسب الظروف العامة والخاصة لبلادنا. هذه القضايا كلها وما يدور في فلكها حفل بها تراثنا الفكري، وتحدث بعض علمائنا عنها تحت اسم التعليم، وبعضهم تحدَّث عنها تحت اسم الأدب، لكن جميعهم - كما أشرنا في بحثنا هذا - كانوا يَعُون جيدًا مسألة المناهج التعليمية؛ (نوعها، مناسباتها للظروف والعمار، تحويلها إلى عمل، تكاملها مع بعضها البعض، ترتيبها في التعلم)، وهم إن توسَّعوا في الحديث عن آداب العالم والمتعلم، فإنهم لم يفعلوا ذلك استطرادًا، ولكن - كما أشرت - إيمانًا منهم بأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وتلك نظرتهم التي أخذنا بها في بحثنا هذا. وهكذا تفيدنا قراءة تراثنا في تلمُّس الخطوات المنهجية والترتيبات العلمية لمناهجنا، حتى لا نقع فيما وقعنا فيه حين درسنا علومًا كثيرة كالإنسانيات في ضوء المنهج الغربي، والتفسيرات التي تتصادم مع عقيدتنا من جهة، وبالتالي مع واقعنا من جهة أخرى، وكفى العرب ما جَنَوه من ثمار مرَّة لهذا التقليد في باب المناهج المترجمة أو المعربة من هنا وهناك[2]. ونقدم هنا ما يبلور الفائدة التي يمكن أن نقدمها لواضعي مناهج التعليم، من خلال قراءتِنا لبعض جوانب هذه القضية في الفكر الإسلامي فيما يلي: 1- ضرورة تغيير المفاهيم لدى العامة تجاهَ مسألة التعليم؛ إذ يعتقدُ الكثير أن التعليم دون الجامعي ليس محققًا للكمال الشخصي، ويعتقد البعض كذلك أن التعليم النظري دون العلوم التجريبية، وقد نشأ عن هذه النظرات الخاطئة توجيه خاطئ من الآباء للأبناء، فكان أن أصبح عندنا وفرة في جانب وفقر في جانب. 2- ضرورة إعداد المعلم إعدادًا جيدًا، والبعد في إعداده عن المترجمات والنظريات التي تملأ مناهجنا في كليات التربية ودُور إعداد المعلمين، ثقة منا أن المعلم الجيد عنصر حضاري مهم يقدم لأمَّته الكثيرَ في باب السير نحو الأفضل، وهذا لا يتحقق إلا إذا رجعنا إلى فكرنا الإسلامي الذي اهتم بهذه القضية. 3- ضرورة التدقيق في اختيار المناهج، وذلك يطرح أسئلة كالتي طرحناها لنصل إلى أفضل المناهج وأنسبها كمًّا وكيفًا لتحقيق الغاية منها في صنع الشخصية والبناء العلمي والبناء الأخلاقي للإنسان من خلال هذه المناهج. 4- ضرورة الابتعاد عن الفتنة بالكمِّ في مسائل المنهج أو حتى عدد المعلمين، بل لا بد من النفاذ إلى الكيف المحقق لهدفنا في نموِّ هذه الأمة حضاريًّا. ولذا لا نفرح لفتح مدرسة ليس بها مدرسون، ولا جامعة ليس لها هيئة تدريس، وهلمَّ جرًّا. 5- ضرورة الأخذ بالمنهج التجريبي الذي عرَفه علماؤنا قبل (بيكون) و(مل)؛ لننتقل من مرحلة اجترار آراء الغير دون أن يكون لنا فيها نظرة أو موقف. 6- ضرورة أن يرتبط التعليم عندنا بخطةِ التنمية اللازمة لهذه الأمة، فنعيد ترتيب العقول في الثانوي العام أو الجامعة وَفْقَ احتياجاتنا الملحَّة، حتى لا تتبدد جهود في هذه الفترة نحن أحوج ما نكون إليها. 7- ضرورة التركيز على الجانب الأخلاقي في مناهجنا، حتى تتميز شخصيتنا الحضارية عن غيرنا، وحتى لا ننادي ذات يوم بما ينادي به أبناء الحضارة الغربية اليوم من أنها فقدت القِيم الإنسانية فأشقت أهلها بما ظنته تقدمًا. (إن عقلاء الغرب يصرخون بالعودة إلى القيم الإنسانية في غيبيات العلوم الإنسانية التي بدأت تفقد إنسانيتها هناك، وتتحول إلى آلة هدم، بل إن كثيرًا منهم يرى أن القيم الست الكبار سوف تؤدي بالإنسانية إلى كارثة محققة)[3]. 8- ضرورة التركيز على أن الشخصية التي نريد بناءها بالمناهج، إنما هي شخصية ذات مسؤوليات كبرى في العالم العربي والإسلامي، وهذا يتطلَّب بذل كل جهد في سبيل الوصول بها إلى هذا المستوى، بما يتطلبه من معرفة، وما يستلزمه من تبعات. [1] سيد دسوقي، (د)، التعليم مخ الحضارة، بحث قدم إلى ندوة التصورات المستقبلية لجامعة الخليج العربي، 26 رجب 1 شعبان، 1403 هـ. [2] انظر: بحث د، سيد دسوقي حسن؛ فهو جيد في هذا الباب. [3] القيم الست؛ هي: 1 - فكرة التطور حتى في القيم. 2 - فكرة البقاء للأقوى. 3 - فكرة ماركس في صراع الطبقات. 4 - فكرة فرويد في الدافع الجنسي. 5 - فكرة النسبية وإنكار كل مطلق. 6 - فكرة الوضعية وربط المعرفة كلها بها.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |