سلسلة شرح الأربعين النووية - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         سألت زوجَها طلاقًا في غيرِ ما بأسٍ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          النبأ العظيم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          هل قول الصحابي حجة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          من صلاة الفجر نبدأ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          بك نستعين يا الله.. (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          الجهاد في سبيل الله وعوامل النصر على الأعداء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          أحب الناس إلى الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          شرح النووي لحديث: لا تكونن إن استطعت أول من يدخل السوق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          حديث من دلائل النبوة:يوشك رجل شبعان متكئا علي أريكته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          أهمية الدعاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-12-2023, 04:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,272
الدولة : Egypt
افتراضي سلسلة شرح الأربعين النووية

سلسلة شرح الأربعين النووية: الحديث (1)
إنما الأعمال بالنيات
عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت

سلسلة شرح الأربعين النووية

الحديث1: إنما الأعمال بالنيات



عناصر الخطبة:
رواية الحديث.
المعنى الإجمالي للحديث.
المستفادات من الحديث والربط بالواقع.

الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل، فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد:
فإن أصدقَ الحديث كتابُ الله، وأحسنَ الهَدْيِ هَدْيُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحْدَثاتُها، وكلَّ مُحْدَثَةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أعاذني الله وإياكم من النار.

روى الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو إلى امرأة يَنْكِحُها، فهجرته إلى ما هاجر إليه))[1].

عباد الله: يُعَدُّ هذا الحديث من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم، ومن قواعد الإسلام؛ ولذلك افتتح به الإمام البخاري رحمه الله كتابه (الصحيح)؛ تنبيهًا لطالب العلم على ضرورة تصحيح النية، قال أبو عبيد: "ليس في الأحاديث أجمع ولا أغنى ولا أنفع ولا أكثر فائدةً منه"، فما هي الفوائد التي نفيدها من هذا الحديث؟

نستفيد من الحديث لواقعنا ما يلي:
1- النية الصالحة أساس في قبول الأعمال؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات))؛ أي: لا صحة ولا كمال للعمل إلا بالنية التي لا تكون إلا لوجه الله تعالى، ومن ثَمَّ فلا حاجة للتلفُّظ بها؛ لأنها بينك وبين الله، فإذا أردت الصلاة، فاسأل نفسك: لمن أتوجَّه بصلاتي؟ الجواب: الله، نقول: إذًا نيتك صالحة، الأمر نفسه يُقال عن وضوئك وصيامك، وزكاتك وحجك، وذبيحتك، وغيرها من الأعمال؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163]، وهذا هو معنى الإخلاص؛ أن تبتغي بعملك وجه الله؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [البينة: 5]، فأهمية النية في تمييز المقصود بالعمل، هل هو الله وحده، أم معه غيره؟ وهذه النية هي التي يركز عليها علماء السلوك، وتدخل في مقاصد المكلَّفين.

2- النية الصالحة وحدها لا تكفي لقبول الأعمال، بل لا بد من موافقة العمل للشريعة؛ في الأمثلة السابقة قلنا: لا بد من قصد وجه الله في العبادة كالصلاة وغيرها، لكن مثلًا شخص يقول: نيتي صادقة وأقصد بها وجه الله، ولكن أريد أن أصلي المغرب أربعًا أو أصلي الظهر جهرًا، أو أصوم شهرًا آخر غير رمضان، أو أشترط أن أعطي زكاة مالي لمن أريد – ولو لم يكن من المستحقين – أو أريد الحج بدون لباس الإحرام، ودون الحاجة للوقوف بعرفة، وغيرها من الأهواء، نقول له: عملك مردود، وإن كانت نيتك لله، ولكنه على خلاف مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من عمِل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رَدٌّ))[2] ، وقال صلى الله عليه وسلم: ((صلُّوا كما رأيتموني أصلي))[3] ، وقال صلى الله عليه وسلم: ((خُذُوا عني مناسككم))[4] ، فالعِبرة إذًا في قبول الأعمال الإخلاصُ، ومعرفة هل هو مشروع أو غير مشروع؟ قبل القدوم عليه؛ قال الفضيل بن عياض في قوله تعالى: ﴿ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [هود: 7]: "أخلصه وأصوبه"، وقال: "العمل لا يُقبَل حتى يكون خالصًا صوابًا، الخالص: إذا كان لله، والصواب: إذا كان على السنة"[5].

فاللهم اجعل أعمالنا خالصةً لوجهك الكريم، وموافقةً لشريعتك، آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى وآله وصحبه، ومن اقتفى؛ أما بعد عباد الله: فنستفيد كذلك:
3- تتجلى أهمية النية الصالحة في أمور؛ منها:
تمييز المقصود بالعمل، وهذا سبق الحديث عنه.

تمييز العبادات عن العادات؛ شخص - مثلًا - صام عن الأكل من طلوع الفجر إلى غروب الشمس في رمضان بنيَّة، فهذا متلبِّس بعبادة الصيام، وآخر صام يوم الاثنين تطوعًا، وآخر نصحه الطبيب بالصوم لمرض عنده، فالأول صام فرضًا، والثاني سُنَّةً، والثالث للتطبيب والتداوي وليس للعبادة، فالذي ميَّز لنا بين هؤلاء النية، وآخر دخل المسجد وبدأ يصلي ركعتي تحية المسجد، ثم أُقيمت الصلاة فالتحق بإمامه للصلاة، فالذي يميز بين الفرض والسنة هو النية.

تحويل العادات والمباحات إلى عبادات وقربات، الذهاب للمدرسة عادة ألِفها أبناؤنا، والأم تشتغل في البيت، وتقوم بعجن العجين وطبخ الطعام، وغسل الملابس وغيرها من الأعمال المنزلية، والأب يستيقظ صباحًا ويذهب لعمله؛ بحثًا عن الرزق، وكل هذا وغيره مباحات وعادات نقوم بها، لكن بالنية الصالحة نصيرها عبادات وقربات نُؤجَر عليها؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص: ((إنك لن تنفق نفقةً تبتغي بها وجه الله، إلا أُجِرْتَ، حتى ما تجعل في في امرأتك))[6] ، تصوروا معي رجلًا يلاطف زوجته ويداعبها، ويضع لقمةً في فمها، له بها أجر بالنية الصالحة، والعكس صحيح.

4- إن الجزاء بحسب النية؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((وإنما لكل امرئ ما نوى...))؛ أي: من نوى الخير أُجِرَ عليه، سواء عمله أو لم يعمله، ومن نوى الشر، فإن لم ينفذه أُجِرَ عليه، وإن نفذه عُوقِب به، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه عز وجل قال: ((إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بيَّن ذلك، فمن همَّ بحسنة فلم يعملها، كتبها الله له عنده حسنةً كاملةً، فإن هو همَّ بها فعملها، كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن همَّ بسيئة فلم يعملها، كتبها الله له عنده حسنةً كاملةً، فإن هو همَّ بها فعملها، كتبها الله له سيئةً واحدةً))[7].

فاللهم اجعلنا من أصحاب الحسنات، ونعوذ بك من السيئات، آمين.
(تتمة الدعاء).

[1] رواه البخاري، رقم: 1، ومسلم، رقم: 45.

[2] رواه مسلم، رقم: 1718.

[3] رواه البخاري، رقم: 631.

[4] رواه البيهقي في السنن الكبرى، رقم: 9524.

[5] تفسير البغوي: 8/176.

[6] رواه البخاري، رقم: 2295.

[7] رواه البخاري، رقم: 6491.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 09-05-2024 الساعة 07:49 PM.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 31-12-2023, 12:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,272
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة شرح الأربعين النووية: الحديث

سلسلة شرح الأربعين النووية:
الحديث (2): حديث جبريل
عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت

عناصر الخطبة:
رواية الحديث.
المعنى الإجمالي للحديث.
المستفادات من الحديث والربط بالواقع.
الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102].

﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء: 1].

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70، 71]،أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أعاذني الله وإياكم من النار.

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:«بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد، أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا»، قال: صدقت، قال: فعجبنا له يسأله، ويصدقه، قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: «أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره»، قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان، قال:«أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك»، قال: فأخبرني عن الساعة، قال:«ما المسئول عنها بأعلم من السائل» قال: فأخبرني عن أماراتها، قال: «أن تلد الأمة ربَّتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان»، قال: ثم انطلق فلبثت مليًّا، ثم قال لي: «يا عمر، أتدري من السائل؟» قلت: الله ورسوله أعلم، قال:«فإنه جبريل أتاكم يُعلِّمكم دينكم»[1].

عباد الله، هذا الحديث يجمع أنواع العلوم والأعمال الظاهرة والباطنة فهو كالفاتحة بالنسبة للقرآن، ويشتمل على شرح الدين كله، فبين أركان الإسلام والإيمان ومعنى الإحسان وبعض أمارات الساعة الصغرى، ونحتاج إلى خطب كثيرة لشرحه، لكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق، فما هي الفوائد التي نستفيدها من هذا الحديث؟


نستفيد من الحديث لواقعنا ما يلي:
1- من سئل عما لا يعلم أن يقول: (لا أدري)؛ ومن قال: لا أدري علمه الله ما لا يدري، وهذا من التواضع، ولا ينقص من قدر العالم شيئًا، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الساعة قال: "ما المسئول عنها بأعلم من السائل"، فهل نقص هذا من قدره صلى الله عليه وسلم؟ وإنك لتعجب من أشخاص لا علم لهم، فإذا سئلوا في أمر من أمور الدين، أو نقاش في قضية من قضاياه التي يأبى العلماء الخوض فيها، تراه سريعًا في الخوض بلا علم، لماذا تحترم كل التخصصات إلا المجال الديني أصبح مرتعًا لكل أحد؟ فالواجب أن نكل الأمور إلى أهلها، قال تعالى:﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43].

2- أن السؤال طريق من طرق التعلم:فهذا جبريل عليه السلام سأل النبي صلى الله عليه وسلم في محضر الصحابة خمسة أسئلة، سأله عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة وعن أماراتها، فخرج وقد تعلَّم الصحابة، وهكذا فلنكن؛ فلا تتحرجوا من سؤال أهل العلم في أمور دينكم، لماذا نستشير الطبيب فيما يتعلق بصحتنا، وإذا أردنا أمرًا دنيويًّا نكثر فيه من سؤال أهل الخبرة قبل الإقدام عليه، فمسائل الدين أوْلَى بالاحتياط، وإنك لتعجب من شخص طوال عمره لا يتقن وضوءه ولا يعرف كيف يتيمَّم أو يصلي إلى غير ذلك من أمور الدين ولا يبحث ولا يسأل، فهذا عجز ما بعده عجز، والله عز وجل لا يتعبَّد إلا بالعلم، والسؤال طريق لاستفادة العلم كما أسلفنا.

3- بعض آداب حضور مجالس العلم:المسلم مطالب لتعلم دينه بالحضور إلى دروس العلماء في المساجد وغيرها، لتعلم العلم ونيل فضل الجلوس معهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده"[2]، غير أنه يجب التأدُّب بآداب هذه المجالس، ومنها في هذا الحديث، أولًا: استحباب تحسين الهيئة والثياب والمحافظة على نظافته كما كانت هيئة جبريل عليه السلام عند دخوله، ثانيًا: الاقتراب من العالم وليس الجلوس بعيدًا كما يفعل البعض، يجلس بعيدًا بحيث لا يتمكن من السماع الجيد ويفوته الخير الكثير.

فاللهم اجعلنا ممَّن تتنزَّل عليهم السكينة وتغشاهم الرحمة وتحفهم الملائكة وتذكرهم فيمن عندك، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى وآله وصحبه، ومن اقتفى، أما بعد:
عباد الله، نستفيد كذلك:
4- توقيت الساعة وبعض علاماتها؛ توقيت الساعة أمر لا يعلمه إلا الله، قال تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾[الأعراف: 187]، فما يخبر به الدجَّالون والأفَّاكون والكذَّابون في زماننا من أن قيام الساعة سيكون في سنة كذا، اعلموا أنه كذب محض، وإن صدقناهم نكُنْ من المكذِّبين لكتاب ربنا وسنة نبينا، لكن هناك بعض العلامات التي تدل على قربها، ومنها في هذا الحديث علامتان:
الأولى: أن تلد الأَمَةُ ربَّتَها: يعني كثرة عقوق الوالدين، ومعاملة الأبناء لوالديهم وخاصةً الأم معاملة السيد لأمته، والقصص لهذا من الواقع كثيرة تدل على صدق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم.


الثانية: أن ترى الحُفاة العُراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان: والمراد أن أسافل الناس يصيرون رؤساء، وتكثر أموالهم، ويشيدون المباني العالية مباهاةً وتفاخرًا على عباد الله، وقد شاهدنا هذا في العصر الحاضر بوضوح.


5- أن الملائكة تتشكل في صورة بشر؛فهذا جبريل عليه السلام وهو ملك الوحي جاء في صفة رجل، وتمثل لمريم عليها السلام في صورة بشر، قال تعالى: ﴿ فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ﴾[مريم: 17]، وجاءت الملائكة لإبراهيم عليه السلام في صورة بشر ولم يعرفهم حتى أخبروه، وجاءت لوطًا عليه السلام في صورة شباب حسان الوجوه، وهذا من الغيب والأخبار التي يجب علينا الإيمان بها، دون الخوض في التفاصيل؛ لأن الله لم يتعبَّدنا بها، فلنجتهد إخواني في تعلُّم كتاب ربنا وسنة نبينا عسى أن نكون من المفلحين.

فاللهم عَلِّمنا ما ينفعنا وزدنا علمًا، آمين. (تتمة الدعاء).

[1] رواه مسلم، رقم: 8.

[2] رواه مسلم، رقم: 2699.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 09-01-2024, 03:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,272
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة شرح الأربعين النووية: الحديث




سلسلة شرح الأربعين النووية

الحديث3: بني الإسلام على خمس

عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت


عناصر الخطبة:
رواية الحديث.
المعنى الإجمالي للحديث.
المستفادات من الحديث والربط بالواقع.

الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل، فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد:
فإن أصدقَ الحديث كتابُ الله، وأحسنَ الهَدْيِ هَدْيُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحْدَثاتُها، وكلَّ مُحْدَثَةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

عن ابن عمر، رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بُنِيَ الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان))[1].

عباد الله: هذا الحديث له أهمية عظيمة؛ لأنه تعرَّض لبيان أسس وقواعد الإسلام، التي عليها بُنِيَ، والتي بها يكون العبد مسلمًا؛ وهي الشهادتان، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان، ولم يذكر بقية الأركان؛ لأن الإيمان بالله ورسوله مستلزم لجميع المعتقدات والعبادات، كما لم يذكر الجهاد وهو فريضة عظيمة؛ لأنه فرض كفاية، ولا يتعين على الجميع إلا في بعض الحالات، ومضمون هذا الحديث سبق الإشارة إليه في حديث جبريل في الخطبة الماضية، وكرر هنا لتأكيد معناه، فيجب الاعتناء به وحفظه ونشره بين المسلمين.

فما الفوائد التي نستفيدها من هذا الحديث؟
نستفيد من الحديث لواقعنا ما يلي:
1- ضرب الأمثلة المحسوسة طريقة نبوية في التعليم، النبي صلى الله عليه وسلم شبَّه الإسلام بالبناء الذي نسكن فيه ونتقي به الحر والبرد، وأن هذه الدار بها خمسة أعمدة عليها تقوم، فلو انهدم عمود منها، انهدم البناء، أو يوشك على الانهيار، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم يقرب إلينا الفهم على أن هناك من أركان الإسلام من إذا تهدَّم، تهدم البنيان أو ضعُف، ومرد ذلك إلى الدليل، أرأيتم كيف قرب إلينا الرسول صلى الله عليه وسلم الفَهم بالمثال المحسوس؟ فما أحوج المعلمين والأساتذة والآباء إلى استثمار الأمثلة المحسوسة لتقريب الفهم إلى أبنائهم ومتعلميهم!

2- الشهادتان أعظم أركان الإسلام وعنوان التوحيد، ومعنى (شهادة أن لا إله إلا الله) عبادته وحده، والبراءة من عبادة كل ما سواه، ومعنى (وأن محمدًا رسول الله) الشهادة بأنه نبي مرسل من عند الله، تجِب محبته وطاعته، وتصديقه في كل ما أخبر به، والشهادتان متلازمتان، فلا تصح الأولى إلا بالثانية، ولا تصح الثانية إلا بالأولى، وبها يدخل الإنسان في الإسلام، ويُعصَم دمه وماله؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((أُمِرْتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوا: لا إله إلا الله، عصموا مني دماءهم، وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله؛ ثم قرأ: ﴿ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ﴾ [الغاشية: 21، 22]))[2]، وبها الدخول إلى الجنة، والنجاة من النار؛ فاحرصوا عليها -عباد الله - وجدِّدوها دائمًا؛ تصديقًا بالقلب، ونطقًا باللسان، وعملًا بالجوارح.

3- الصلاة أعظم ركن بعد الشهادتين، وقد دلَّتِ الأدلة على أهميتها وركنيتها، وأمر الله عز وجل بها في كتابه الكريم في مواضع عديدة، وجاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث في ذلك، والغريب أن تجد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم من تَرَكَ الصلاة، ولا أقول هنا جحودًا، فهذا كافر - والعياذ بالله - ولكن تكاسلًا وغفلةً؛ فذهب جمهور العلماء ومنهم: مالك والشافعي وأبو حنيفة إلى أنه فاسق، ومن العلماء والصحابة من يكفِّره، ولكن نهمِس في أذنه قليلًا: هل تحب أن يختلف فيك العلماء بين مفسِّق ومكفِّر، فالحكمان أحلاهما مُرٌّ، اجتهِدْ ولا تتكاسل وقُمْ إلى الصلاة، تَفُزْ وتَكُنْ من المفلحين؛ قال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 1، 2].

4- الزكاة طهارة للنفس والمال: الغنيُّ الذي مَلَكَ النِّصاب، وتحققت فيه الشروط التي ذكرها الفقهاء في كتبهم، يجب عليه كل عام إحصاء أمواله، وإخراج ما يلزمه للمستحقين، وهي بركة للمال، وطهارة لنفس الغني من الشح والبخل، ولنفس الفقير من الحقد والحسد؛ قال تعالى: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾ [التوبة: 103]، كما أنها تحقق التضامن والتعاون بين أفراد المجتمع، ومن بخِل بماله، فإنه سيُحمى عليه في نار جهنم؛ قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾ [التوبة: 34، 35].

فاللهم اجعلنا من عبادك الموحِّدين المصلين المزكِّين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى وآله وصحبه، ومن اقتفى؛ أما بعد:
فيا عباد الله، نستفيد كذلك:
5- الحج ركن وشعيرة من شعائر الإسلام، وهو واجب بشرط الاستطاعة؛ قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ﴾ [آل عمران: 97]، والاستطاعة تشمل القدرة المالية والبدنية، وأمن الطريق، ووجود الْمَحْرَم أو الرفقة المأمونة بالنسبة للمرأة، ونضيف في زماننا الفوز بقرعة الحج، فمن له رغبة وشارك في القرعة ولم يفُزْ فيها فهو معذور، والذي نستغرب له أن تجد من توفرت فيه الاستطاعة، فلا يبادر إلى الحج فورًا، رغم أنه لا عذر له، وينشغل بالدنيا والأعمال، وقد يدركه الموت بدون حج - والعياذ بالله - قال صلى الله عليه وسلم: ((تعجَّلوا إلى الحج - يعني: الفريضة - فإن أحدكم لا يدري ما يعرِض له))[3].

6- صيام رمضان ركن وخاصية من خواص هذه الأمة، وهو فرض على المسلم البالغ العاقل المقيم - أي: غير المسافر - وعلى المرأة الطاهرة من دم الحيض والنِّفاس؛ قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، فالمطلوب - عباد الله - تربية أبنائنا على الصيام والصلاة في رمضان وغيره، حتى إذا بلغوا أطاقوه، كما علينا الوقوف ضد منتهكي حرمة الصيام بالإفطار العلني، والدعوة إليه بدعوى أنهم أحرار، متناسين أنه بحريتهم المزعومة يسيئون إلى حرية ومشاعر ملايين المسلمين، الذين يتقربون إلى ربهم في رمضان بأداء هذا الركن العظيم؛ طاعةً لربهم، وتقربًا إليه.

فاللهم اجعلنا من الصائمين، وارزقنا الحج إلى بيتك الحرام، آمين.


(تتمة الدعاء).

[1] رواه البخاري، رقم: 8، ومسلم، رقم: 16.

[2] رواه مسلم، رقم: 21.

[3] رواه أحمد في المسند، رقم:2867.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 09-01-2024, 03:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,272
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة شرح الأربعين النووية

سلسلة شرح الأربعين النووية

الحديث 4: ((إن أحدكم يُجمَع خَلْقُه في بطن أمه))

عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت

عناصر الخطبة:
رواية الحديث.
المعنى الإجمالي للحديث.
المستفادات من الحديث والربط بالواقع.

الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد:
فإن أصدقَ الحديث كتابُ الله، وأحسنَ الهَدْيِ هَدْيُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحْدَثاتُها، وكلَّ مُحْدَثَةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أعاذني الله وإياكم من النار.

عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: ((إن أحدكم يُجمَع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون في ذلك علقةً مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغةً مثل ذلك، ثم يُرسَل الْمَلَكُ فينفخ فيه الروح، ويُؤمَر بأربع كلمات: بكَتْبِ رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، فوالذي لا إله غيره، إن أحدكم لَيعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخلها))[1].

عباد الله: هذا الحديث له أهمية عظيمة؛ لأنه تعرض لأطوار ومراحل خلق الإنسان، الذي كرمه الله على سائر المخلوقات، وبيان ما يُكتَب ويُقدَّر للإنسان لحظة نفخ الملك للروح من الرزق والأجل والعمل، ثم بيَّن أن الأعمال بالخواتيم، فيُختم له بحسب عمله الصالح أو الفاسد، فما هي الفوائد التي نفيدها من هذا الحديث؟

نستفيد من الحديث لواقعنا ما يلي:
1- الإكثار من حمد الله على نعمة الخلق والإيجاد في أحسن صورة، بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم مراحل تكوين الجنين في بطن أمه، ففي المرحلة الأولى: يكون نطفةً؛ أي: التقاء الحيوان المنوي ببويضة المرأة أربعين يومًا، وفي المرحلة الثانية: يكون علقةً؛ أي: عبارة عن دم جامد غليظ متعلق بجدار الرحم لمدة أربعين يومًا؛ قال تعالى: ﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾ [العلق: 2]، وفي المرحلة الثالثة: يكون مضغةً؛ أي: بقدر قطعة من اللحم تُمضَغ لمدة أربعين يومًا، إذًا مجموع الأيام السابقة، مائة وعشرون يومًا، على رأسها يرسل الله الملك فينفخ فيه الروح، وهذا ما لا نقدر على الخوض في تفاصيله؛ قال تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85]، ثم تستكمل المراحل الأخرى؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ [المؤمنون: 12 - 14]، فالواجب – أيها الإخوة المؤمنون - أن نشكر الله على نعمة الخلق والإيجاد، والتصوير في أحسن صورة، ففضله وإنعامه علينا يفوق العَدَّ والحصر.

2- الإيمان بالقضاء والقدر طمأنينة؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((ويُؤمَر بأربع كلمات: بكَتْبِ رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد))، بعد نفخ الروح يُؤمَر الْمَلَكُ بكتب أربع كلمات:
الكلمة الأولى: ما قدره الله عليه من رزق في عمره؛ فاطمئن على رزقك، واقنع بما أعطاك الله، وخذ بالأسباب المشروعة في تحصيله، ولا تَبِعْ دينك بعَرَضٍ قليل من الدنيا؛ ورحمة الله على القائل: "علمتُ أن رزقي لا يأخذه غيري فاطمأنَّ قلبي".

الكلمة الثانية: ما قدره الله عليه من أجل؛ أي: إنه سيعيش كذا وكذا من السنين، فالعاقل من عمَّر العُمْرَ بالطاعات والعمل الصالح، حتى إذا جاء أجله فرِح بلقاء ربه؛ ورحمة الله على القائل: "وعلمت أن الموت ينتظرني فأعددت الزاد للقاء ربي".

الكلمة الثالثة: ما قدره الله عليه من عمل صالح أو طالح، فالله أعطى لك الحرية والإرادة فاجتهد في العمل الصالح، واترك العمل الفاسد؛ ورحمة الله على القائل: "وعلمت أن عملي لا يقوم به غيري، فشُغِلت به وحدي"، وهذا العمل سبب لِما يأتي في:
الكلمة الرابعة: وهي ما قدره الله عليه من شقاوة أو سعادة؛ تبعًا لعمله الصالح أو الفاسد؛ ورحمة الله على القائل: "وعلمت أن الله مطَّلِع عليَّ فاستحييت أن يراني على معصية".

قيل لأحد الصالحين: ما سر السَّكِينة التي تعتريك؟ فقال: "قرأت: ﴿ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ﴾ [يونس: 3]، فتركت أمري لصاحب الأمر، وقرأت: ﴿ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 6]، فأيقنت أن العسر زائل لا محالة، وقرأت: ﴿ فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 87]، فأدركت أن خير الله قادم لا محالة".

فاللهم اجعلنا من السعداء، ونعوذ بك من الشقاوة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى وآله وصحبه، ومن اقتفى؛ أما بعد عباد الله:
فنستفيد كذلك أن:
3- الأعمال بالخواتيم؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((فوالذي لا إله غيره، إن أحدكم لَيعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها، وإن أحدكم لَيعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخلها))، نستفيد من هذا المقطع من الحديث النبوي:
أن الأعمال سبب دخول الجنة والنار؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ﴾ [النساء: 124]، وقال في أهل النار: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى ﴾ [طه: 74]، والآيات في المعنى كثيرة.

ونستفيد أن الأعمال بالخواتيم، فمن خُتِمَ له بالعمل الصالح فهو من أهل الجنة، ولو كان يعمل بعمل أهل النار؛ لأنها توبة ورحمة من الله أن هداه لذلك، وحسن الخاتمة من توفيق الله سبحانه وتعالى للعبد؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا أراد الله بعبد خيرًا استعمله، فقيل: كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: يوفِّقه لعمل صالح قبل الموت))[2]، فمن عرف هذا سارع إلى التوبة من قريب؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [النساء: 17، 18]، وفُسِّرت من قريب بأن يتوب إلى الله قبل الغَرْغَرَةِ، وقبل خروج الروح؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر))[3]، وكم من رجل صالح خُتِم له بعمل صالح؛ وهو يصلي أو يقرأ القرآن أو في الحج أو وهو صائم! وبالمقابل كم من شخص قُبِضت روحه وهو في حالة سُكْرٍ أو في حادثة سير مع فتاة يجمعهما الحرام!

فاللهم اختم لنا بالعمل الصالح وتوفَّنا عليه، آمين.


(تتمة الدعاء).

[1] رواه البخاري، رقم: 8، ومسلم، رقم: 16.

[2] رواه الترمذي، رقم: 2142.

[3] رواه أحمد، رقم: 6160.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 09-05-2024 الساعة 07:49 PM.
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 09-05-2024, 07:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,272
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة شرح الأربعين النووية

سلسلة شرح الأربعين النووية

الحديث5: «من أحدث في أمرنا هذا...»

عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت

عناصر الخطبة:
رواية الحديث.
المعنى الإجمالي للحديث.
المستفادات من الحديث والربط بالواقع.
الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]،أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أعاذني الله وإياكم من النار.

عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه، فهو ردٌّ»[1]، وفي رواية: «من عمل عملًا ليس عليه أمرُنا فهو ردٌّ»[2].

عباد الله، هذا الحديث له أهمية عظيمة؛ لأنه من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، ومعدود من أصول الإسلام، وقاعدة من قواعد الدين.


وكما أن حديث: «إنما الأعمال بالنيَّات» ميزان للأعمال في باطنها، فهذا الحديث ميزان للأعمال في ظاهرها، وهو يفيد إجمالًا ردَّ كل البدع والمخترعات التي لا أصل لها في الدين، ومعنى الحديث: أن من اخترع وأنشأ في دين الله وشرعه ما ينافيه ويناقضه؛ وذلك بأن اتَّبَع هواه، فعمله هذا باطل ومردود عليه؛ ولذلك ينبغي حفظ الحديث، واستعماله في الاستدلال لإبطال المنكرات.


فما هي الفوائد التي نستفيدها من هذا الحديث؟


نستفيد من الحديث لواقعنا ما يلي:
1- الإحداث في الدين أسوأ من المعصية؛ لماذا؟ لأن المعصية يُتاب منها، فالعاصي يعلم أنه مخالف لرب العالمين، ولا تزال نفسه تلومه بتوفيق من الله حتى يتوب؛ كشارب الخمر، فإنه يعلم من نفسه يقينًا أنه مخالف لله، وقد يتوب يومًا، بخلاف المبتدع الذي يرى أنه متعبد لله فيزداد حبه لبدعته؛ بل أكثر من ذلك فإنه يدعو إليها راغبًا في الأجر، فتبقى مستديمةً، كمن يطوف حول القبر أو يسجد له؛ ولذلك إبليس يحب البدعة أكثر من المعصية باعتبار أنها أقوى من جهة الاستدامة، ولا مقاومة للبدع إلا بالعلم، ومجالسة العلماء الربانيين.

2- الأصل في العبادات التحريم: هذه قاعدة لعلمائنا، ومعناها أن كل عبادة لم يشرعها الله ولا رسوله يحرم على المسلم التعبد بها، وعليه قسموا البدعة إلى قسمين:
البدعة الأصلية: وهيما أحدث ولم يكن له أصل، فهو مردود، ومن أمثلتها: أننا نصوم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وشخص أراد أن يصوم من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، ونطوف حول الكعبة وهناك من يختار الطواف حول قبر، نقول له: عمل لا أصل له، فهو رَدٌّ عليك، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾ [الزمر: 65، 66]، وآخر يتقرَّب إلى الله بسماع الملاهي أو الرقص أو غيرها من البدع، وأصبحت دينًا عند البعض، فهذا وأضرابه يعتبر من البدع الأصلية، قال تعالى: ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ﴾ [الشورى: 21].

البدعة الإضافية: إن كان أصل العبادة صحيحًا ولكن أضيف إليها ما كدرها، فالزيادة بدعة إضافية؛ مثلًا: الشيعة يزيدون في الأذان (أشهد أن عليًّا وليُّ الله) فهذا من الإحداث والبدعة؛ فإن الأذان مشروع، وفي لفظه تام، إلا أنهم أضافوا قولًا غير مأثور، فهو بدعة إضافية يُرَدُّ ما أضيف، أو من زاد ركعةً فصلَّى الظهر أو العصر أو العشاء خمسًا، فإن كان متعمدًا بطلت صلاته، وإن كان سهوًا جبرت بسجدتَي السهو بعد السلام، وكمن داوم على الصلاة في بيته، ويترك الصلاة مع الجماعة في المسجد بدون عذر، نقول: صلاته صحيحة، ولكن فاته فضل صلاة الجماعة عند من يرى عدم وجوبها، وعليه إثم ترك صلاة الجماعة عند من يرى وجوبها.


فاللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتِّباعه، والباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى، وآله وصحبه ومن اقتفى، أما بعد:
عباد الله، نستفيد كذلك أن:
3- الأصل في المعاملات الحل:هذه قاعدة أصَّلَها علماؤنا، ومعناها أن المعاملات بين الناس لا يدخلها التحريم ولا الابتداع، فمن قال بحرمة معاملة فعليه أن يقيم الدليل، فإذا كان العقد غير منهي عنه ولا يضاد مقصود الشارع فهو حلال؛ لأنه مما ييسِّر المعاملات بين الناس؛ كعقد البيع والزواج والإجارة وغيرها، وما يشترطه طرفا العقد من شروط، قال صلى الله عليه وسلم: «المسلمون عند شروطهم»[3]، لكن إذا كان العقد مما نهى عنه الشرع فهو مردود؛ كمن يتزوَّج المحرمة عليه بالنسب أو الرضاع، أو من يبيع الخمر أو الخنزير أو المخدِّرات أو من يتعامل بالربا والقمار.

وهناك عقود تتوقف صحتها على إذن الطرف المتضرر؛ وهي التي يحصل بها ظلم لأحد الطرفين؛ كتزويج الأب ابنته دون إذنها، أو الوصية بأكثر من الثلث، أو الزوجة التي تتصدَّق من مال زوجها بغير إذنه، فصحة العقود السابقة متوقفة على إذن صاحب الحق، وإلا فهو باطل.

4- لا بدعة في المخترعات وأمور الحياة:البدعة في أصلها هي ما يضاهي الدين والشرع، ويقصد بها المبالغة في التعبد لله سبحانه، فالمخترعات وما جدَّ من جديد مما لا علاقة له بالدين وجب على المسلمين الاستفادة منها وتطويرها؛ كأنواع العلوم والخطط العسكرية والحربية والإنتاج الحربي والتقني والتكنولوجي وغيرها، فيأخذون بما جدَّ في عالم الطب ووسائل النقل والمواصلات وطرائق التعلم والتربية، وقوانين المرور وأنظمة الإدارات وغيرها مما لا ينحصر ويصعب إحصاؤه، كما يجب الحذر من أصحاب الفهم السقيم للبدعة.

فاللهم إنا نعوذ بك من البدع ما ظهر منها وما بطن، آمين. (تتمة الدعاء).

[1] رواه البخاري، رقم: 2697. ومسلم، رقم: 1718.

[2] رواه مسلم، رقم: 1718.

[3] رواه البخاري، باب أجر السمسرة.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 11-05-2024, 06:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,272
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة شرح الأربعين النووية



سلسلة شرح الأربعين النووية

الحديث6: «إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن...»

عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت

عناصر الخطبة:
رواية الحديث.

المعنى الإجمالي للحديث.

المستفادات من الحديث والربط بالواقع.

الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أعاذني الله وإياكم من النار.

عن النعمان بن بشير رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الحلال بيِّن، وإن الحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام؛ كالراعي يرعى حول الحِمى، يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمًى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجسدُ كُلُّه، وإذا فسدت، فسد الجسد كُلُّه، ألا وهي القلب»[1].

عباد الله،هذا الحديث له أهمية عظيمة؛ لأنه من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، ومعدود من أصول الإسلام، وقاعدة من قواعد الدين والشريعة، قال بعض العلماء: عمدة الدين عندنا كلمات مسندات من قول خير البرية: أترك الشبهات (ويقصد الحديث الذي بين أيدينا) وازهد ودَعْ ما ليس يعنيك (وهو حديث: «من حُسْن إسلام المرء تَرْكُه ما لا يعنيه»)، واعملَنَّ بنيَّةٍ (وهو حديث: «إنما الأعمال بالنيات») وقد سبق معنا.


والحديث يفيد أن الشريعة ثلاثة أقسام:
القسم الأول: الحلال البَيِّن الواضح، والقسم الثاني: الحرام البَيِّن الواضح، والقسم الثالث: المتشابه، وهو كل ما ليس بواضح حله أو حرمته؛ ولهذا لا يعرفه كثير من الناس، وأما العلماء فيعرفون حكمه بنص أو قياس، وأوصى صلى الله عليه وسلم بترك المشتبهات استبراءً للدين، ولأنها تؤدي للوقوع في الحرام، وشَبَّه ذلك بمن يرعى بالقرب من أرض محمية، فإنه لا يأمن من الوقوع فيها، ونبَّه صلى الله عليه وسلم في نهاية الحديث إلى أهمية القلب ودوره في صلاح باقي الجوارح أو فسادها تبعًا لصلاح القلب أو فساده.


فما هي الفوائد التي نستفيدها من هذا الحديث؟


نستفيد من الحديث لواقعنا ما يلي:
1- وجوب البُعْد عن الحرام البَيِّن والاكتفاء بالحلال البين؛ كشرب الخمر، وتناول المخدرات، وأكل لحم الخنزير، فهي حرام بيِّن، فنتركه إلى ما أباحه الله من أنواع الطيبات التي لا تنحصر؛ كثمرات النخيل والأعناب، وهي حلال بيِّن.

وعلى هذا القياس؛ فنترك الاستدانة بالربا إلى القرض الحسن، والكذب إلى الصدق، والخيانة إلى الوفاء، والسرقة إلى العمل والكسب الحلال، والزنا إلى الزواج أو الاستعفاف إلى حين القدرة عليه، ونترك قذف المحصنات المؤمنات والغيبة والنميمة إلى السكوت عن أعراض المؤمنين والمؤمنات، ونترك الغش في الميزان والامتحانات والعمل إلى الأمانة والصدق والوفاء والإتقان وغيرها، قال تعالى: ﴿ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ﴾ [الأنعام: 119]، وقال: ﴿ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ ﴾ [المائدة: 88].

2- قاعدة سد الذرائع والبعد عن المتشابه: سد الذرائع نقصد بها سد الطرق الموصِّلة إلى الحرام، أو كما نقول: الباب الذي يأتيك منه الريح أغلقه. وهذه قاعدة عظيمة لدى علمائنا، يدخل فيها الكثير من الأمثلة في واقعنا، ومنها: ترك المتشابهات؛ وهي غالبًا تكون في باب المكروهات التي لم تصل إلى درجة التحريم الصريح، لكن الورع يقتضي تركها؛ لأن تركها من كمال الإيمان.

ومن أمثلتها: من يبرم موعدًا مع شخص أمام خمَّارة، فهذا لا يليق، فالأماكن التي لا شبهة فيها كثيرة، وإذا رآك أحد أساء الظن بك، أو من يحمل شيئًا مباحًا في قنينة معروفة للخمور، نقول: لا يليق؛ وعليك سد ذريعة إساءة الظن بك، أو من يجلس مع رفقة سيئة تنطق بالكلام الفاحش أو تعاقر خمرًا أو تتناول مخدرات رغم أنه لا يفعل من ذلك شيئًا؛ لأنه إن فعل فقد وقع في الحرام البيِّن، ولكن من حمى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه.

وكمثال شخص يتردد على موقع (إنترنِت) أو يشاهد قنوات أو يقرأ كتابًا أو جريدةً يختلط فيها الحق بالباطل، والحلال بالحرام، ولا يستطيع التمييز بينهما؛ لأنه ليس بعالم، أو قد ينجرُّ إلى الحرام، نقول له: ابتعد؛ لأنك تحوم حول الحمى وحول الحرام، فإنك توشك أن تقع فيه. أو من يعمل في أماكن يختلط فيها الحلال بالحرام، ولا يأمن على نفسه من الوقوع في الحرام، فالأولى الابتعاد والبحث عن مكان يسلم له فيه دينه ورزقه، فما من مصيبة أعظم من الابتلاء في الدين، ومن ترك شيئًا لله عوَّضه الله خيرًا منه.

فاللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى، وآله وصحبه ومن اقتفى، أما بعد:
عباد الله، نستفيد كذلك:
4- السعي لإصلاح القلب لأنه أمير البدن: أشار النبي صلى الله عليه وسلم في نهاية الحديث إلى أهمية القلب، فقال: «ألا وإن في الجسد مضغةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجسدُ كُلُّه، وإذا فسدت، فسد الجسد كُلُّه، ألا وهي القلب»، والقلب سُمِّي كذلك لشدة تقَلُّبه، ومن أسباب الاهتمام به ما يلي:
أنه آلة لفقه الأمور والتذكُّر، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا ﴾ [الأعراف: 179]، وقال: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ ﴾ [ق: 37]؛ ولهذا استدل الكثير من العلماء على أن العقل في القلب.

وأن صلاحه يُورِث صلاحًا في السلوك، وفساده يورث فسادًا في السلوك، فهو كالأمير والملك، بصلاحه تصلح الرعية وبفساده تفسد. وقديمًا قيل: كل إناء بالذي فيه ينضح.

ونهتم به أيضًا؛ لأن هذا القلب يعتريه الفتور والمرض، قال تعالى: ﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ﴾ [البقرة: 10]، والمقصود بمرض القلب ما يُصاب به من أمراض الشبهات والشهوات؛ كالكفر والنفاق والشك والقسوة والحقد والحسد والكراهية وغيرها، فالواجب على المسلم إصلاح قلبه من هذه الأمراض ومجاهدة نفسه؛ لأن الله ضمن لمن أخذ بهذه الأسباب أن يُوفِّقه للهداية والاستقامة، قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69].

ونهتم به؛ لأنه محل نظر الله يوم القيامة؛ إذ الإنسان قد يظهر الإخلاص لكن علَّام الغيوب يعلم أنه مشرك، وقد يظهر التقوى والورع وحقيقته غير ذلك، وقد يظهر الإيمان لكنه منافق، وقد يظهر الفقر والحاجة ويتسوَّل الناس في الطرقات ولكنه يملك ما لا يملكون، وهكذا. قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى أجسادكم، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم»، وأشار بأصابعه إلى صدره [2].

فاللهم إنا نسألك قلبًا سليمًا ولسانًا صادقًا، آمين. (تتمة الدعاء).


[1] رواه مسلم، رقم: 1718.

[2] رواه مسلم، رقم: 2564.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 11-05-2024, 06:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,272
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة شرح الأربعين النووية

سلسلة شرح الأربعين النووية

الحديث7: «الدين النصيحة...»

عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت

عناصر الخطبة:
رواية الحديث.
المعنى الإجمالي للحديث.
المستفادات من الحديث والربط بالواقع.
الخطبةالأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أعاذني الله وإياكم من النار.

عن تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «الدين النصيحة»، قلنا: لمن؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم»[1].

عباد الله، هذا الحديث له أهمية عظيمة؛ لأنه ينص على أن عماد الدين وقوامه النصيحة، بمعنى أن الدين كُلَّه مجموع في هذا الباب، فبوجودها تكون للدين قائمة، وبفقدانها يدخل النقص على المسلمين في جميع شؤون حياتهم.

ومعنى النصيحة في أصل اللغة الخلوص، كما نخلص العسل من الشمع حتى يصبح عسلًا صافيًا. والمقصود هنا تقديم النصح للغير لوجه الله حتى يتخلَّص من الخَلَل الذي فيه، وهي نابعة من إرادة الخير للغير. ثم بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم الوجوه الخمسة للنصيحة؛ وهي النصيحة لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم. فما هي الفوائد التي نستفيدها من هذا الحديث؟

نستفيد من الحديث لواقعنا ما يلي:
1- كيف تكون النصيحة لله؟ الله عز وجل غني عن نصح الناصحين، وإنما تكون نصيحته بأداء حقوقه، ومنها: الإيمان به، وعبادته وحده لا شريك له، والإيمان بأسمائه وصفاته، وتعظيم حرماته وشعائره، والحياء منه، والخضوع له، ومحبته والمداومة على ذكره، وإحسان الظن به، وغيرها. قال العلماء في تفسير قوله تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [التوبة: 91]، قالوا: النصيحة لله إخلاص الاعتقاد في الوحدانية، ووصفه بصفات الألوهية، وتنزيهه عن النقائص، والرغبة في محابِّه، والبُعْد من مساخطه[2]. قال صلى الله عليه وسلم: «يا معاذ، أتدري ما حق الله على العباد؟»، قال: الله ورسوله أعلم، قال: «أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، أتدري ما حقهم عليه؟»، قال: الله ورسوله أعلم، قال: «ألَّا يُعذِّبهم»[3].

2- كيف تكون النصيحة لكتاب الله؟ بقراءته آناء الليل وأطراف النهار، وفهمه وتدبُّره، ويستعان في ذلك بكتب التفسير وسؤال العلماء، وتكون النصيحة له بالتخلُّق بأخلاق القرآن، وقد سُئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت: «كان خُلُقه القرآن»[4].قال العلماء: النصح لكتاب الله: قراءته والتفقُّه فيه، والذب عنه وتعليمه وإكرامه والتخلق به[5]. ومصيبتنا اليوم في البعد عن منهج القرآن، وترك التخلق بأخلاقه، وترك العمل بأحكامه، وترك فهمه وتدبره، واتخاذ قراءته للتبرك به في مناسبات الفرح والحزن غافلين عن اتخاذه كتاب هداية ورقي.

3- كيف تكون النصيحة لرسول الله؟ بالإيمان به، وأنه خاتم النبيِّين، والإيمان بعصمته من الخطأ في تبليغ الرسالة، وأنه بلغها، وعصمته من الكفر والشرك، وأن شريعته تامة كاملة وناسخة للشرائع قبلها، وأنه رسول للعالمين، وعدم الغلو في ذاته أو في وصفه أو رفعه فوق مكانته، قال العلماء في تفسير قوله تعالى: ﴿ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [التوبة: 91]، النصيحة لرسوله: التصديق بنبوَّته، والتزام طاعته في أمره ونهيه، وموالاة مَنْ والاه، ومعاداة من عاداه، وتوقيره، ومحبته ومحبة آل بيته، وتعظيمه وتعظيم سنته، وإحياؤها بعد موته بالبحث عنها، والتفقُّه فيها، والذب عنها ونشرها والدعاء إليها، والتخلق بأخلاقه الكريمة صلى الله عليه وسلم[6].

فاللهم اجعلنا ممن ينصح لك ولكتابك ولرسولك، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى، وآله وصحبه، ومن لآثارهم اقتفى، أما بعد:
عباد الله:
4- كيف تكون النصيحة لأئمة المسلمين؟ أئمة المسلمين هم العلماء والسلاطين والحكام، ونصيحتهم تكون بالسمع والطاعة لهم في غير معصية الله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا طاعة في معصية؛ إنما الطاعة في المعروف»[7]، قال العلماء: والنصح لأئمة المسلمين: ترك الخروج عليهم، وإرشادهم إلى الحق، وتنبيههم فيما أغفلوه من أمور المسلمين، ولزوم طاعتهم، والقيام بواجب حقهم[8]. وكذلك من حقوقهم الذب عنهم عند البغي عليهم ممن يقع في أعراضهم بالباطل، أو وقع في أعراضهم بحق؛ لكن المفسدة في ذلك أعظم، جمعًا لكلمة المسلمين ودفعًا لتنقصهم؛ لأن تنقص الرفعاء من أهل العلم والسيادة يختلف عن تنقص غيرهم، وذلك أنه كلما نقص الإنسان في أعين الناس؛ نقص تبعًا لذلك أمره ونهيه وقلَّ نفوذه عندهم، فلم يكن له عندهم حينئذٍ سمعٌ ولا طاعةٌ، وقلَّتْ هيبته في النفوس. وما من أحد إلا ويرد عليه الخطأ؛ فإذاعة أخطاء الذين لهم الانقياد بالسمع والطاعة من الأئمة وغيرهم من الأمور المذمومة شرعًا، وسترها أوْلَى من ستر عيوب سواد المسلمين.

5- كيف تكون النصيحة لعموم المسلمين؟ قال العلماء: والنصح للعامة: ترك معاداتهم، وإرشادهم وحب الصالحين منهم، والدعاء لجميعهم وإرادة الخير لكافتهم [9]. فالذي يغش في السلعة أو يُطفِّف في الكيل والوزن ما نصح المسلمين، والذي يستشيرك في أمر من أمور دنياه، أو يسألك عن مسألة في أمور دينه وأنت تعلم، فكتمت عنه؛ فقد غششته، والذي يزاول مهنةً ويعمل مقابل أجرة فغش في عمله ما نصح المسلمين، والذي تولَّى وظيفةً ويتكاسل في أداء مهامه، أو يتأخَّر عن الوقت أو يخرج قبل الوقت، أو يزاول عملًا في مكان آخر، ويضُرُّ بعمله الأصلي؛ فقد غشَّ المسلمين، وعلى هذا القياس. فارحم إخوانك وأدِّ الأمانة على وجهها، وإياك أن يؤتى المسلمون من قِبَلِك، قالصلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائرُ الجسد بالسهر والحُمَّى»[10]، ولا خير في أمة لا يتناصحون، ولا يقبلون النصيحة.

فاللهم اجعلنا ممن ينصحون لأئمة المسلمين وعامتهم، آمين. (تتمة الدعاء).

[1] رواه مسلم، رقم: 1718.

[2] تفسير القرطبي: 8/ 227.

[3] رواه مسلم، رقم: 1718.

[4] رواه أحمد، رقم: 25302.

[5] تفسير القرطبي: 8/ 227.

[6] نفسه: 8/ 227.

[7] رواه البخاري، رقم: 7257.

[8] تفسير القرطبي: 8/ 227.

[9] نفسه: 8/ 227.

[10] رواه مسلم، رقم: 2586.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 136.68 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 132.32 كيلو بايت... تم توفير 4.36 كيلو بايت...بمعدل (3.19%)]