مذكرات البرقعي - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         القلب المريض بالنفاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          يسروا ولا تعسروا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4588 - عددالزوار : 1296196 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4134 - عددالزوار : 824756 )           »          هل نفقة الأبناء تصبح دينًا على الأب تؤخذ من تركته؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 82 )           »          {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ}ا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 253 - عددالزوار : 42744 )           »          انفعالات المراهق- عندما ننظر للمراهق على أنه إنسان.. عندها فقط نعرف ما يريد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 5 - عددالزوار : 1037 )           »          الرجولة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 704 )           »          السبيل إلى معرفة التوحيد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 121 )           »          حكم حجز الأماكن في المسجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 111 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > الملتقى العام > ملتقى أعلام وشخصيات
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى أعلام وشخصيات ملتقى يختص بعرض السير التاريخية للشخصيات الاسلامية والعربية والعالمية من مفكرين وأدباء وسياسيين بارزين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-04-2024, 10:40 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,047
الدولة : Egypt
افتراضي مذكرات البرقعي

مذكرات البرقعي (1-7)


د. عادل بن صالح أحمد الغامدي








مقدمة
إنّ مِن العلماء الذين هداهم الله -سبحانه وتعالى-، ووفَّقهم ودلَّهم لسلوك الطريق الصحيح، هو: آية الله العظمى الشيخ أبو الفضل البرقعي؛ إذ كان تدبُّره لكتاب الله -عز وجل- سببًا في تركه كثيرًا من الغلو والخرافات التي كانت منتشرة في مجتمعه آنذاك، ولهذا ترك ما كان عليه القوم من التمسك بالمذهب الإمامي الإثني عشري، وبدأ في بيان الحقائق التي دلَّ عليها القرآن الكريم؛ فكان يدعو للتوحيد، ويحذّر من الشرك، ويدعو لاجتناب البدع والخرافات.

كتاب «سوانح الأيام»:
كتب البرقعي مذكراته ودوَّن مواقفه وأحداث حياته، وأودعها كتابه الموسوم بـ«سوانح الأيام»، ووضّح مراده من ذلك، فقال: «وأرجو أن تكون هذه الترجمة الشخصية، التي ألَّفها الرجل المعمّم، الذي درس في قم والنجف سنوات طويلة من عمره، سببًا لمعرفة الناس للإسلام الصحيح، وألا يُحمِّلوا دين الله القويم، أعمال الشيوخ الفاسدة والمخالفة للشرع، وأن يرجع الناس إلى القرآن والسنة، فيتدبروهما بصدق وتجرُّد ليعرفوا الإسلام، وأن تكون هذه السطور دافعًا لهم لكي يتركوا تقليد أقوال شيوخهم بدون تأمل»[1].
أهمية موضوع هذا الكتاب:
قد يتبادر إلى ذهن القارئ هنا سؤال، وهو: ما أهمية دراسة واستعراض تاريخ البرقعي، ومراحل حياته وتحولاته الفكرية والعقدية؟
وهو سؤال مهمّ أجاب عنه أحد الباحثين، فقال: «والشيخ البرقعي في الحقيقة، هو جزء من ظاهرة ينبغي علينا أن نعيها، وأن نسعى إلى تنميتها ونشرها، هذه الظاهرة هي هداية بعض مشايخ وأئمة التشيع، إلى فساد مذهبهم واقترابهم إلى اكتشاف الحق والصواب.. وقد ذكَر البرقعي في كتابه تأثره بمصطفى طباطبائي، وهو رجل تخرَّج من حوزات الشيعة في قم، وبلغ رتبة الاجتهاد عندهم، ثم ما لبث أن ترك التشيع.. وهناك الدكتور علي مظفريان، وهو طبيب جراح ترك التشيع، وصار إمامًا لمسجد أهل السنة في شيراز.
وهناك موسى الموسوي الذي أعلن عن عزمه على تصحيح مذهب الشيعة، وكتب كُتبًا في هذا الاتجاه؛ منها: الشيعة والتصحيح، ويا شيعة العالم استيقظوا، والثورة البائسة، وغيرها من الكتب، وهناك أحمد كسروي الذي ترك التشيع، بعد أن بلغ رتبة الاجتهاد عندهم، وله كتاب دراسة التشيع. ومثلهم أحمد الكاتب الذي نفى ولادة ما يُسمى عندهم المهدي المنتظر»[2].
ولهذا لا يمكننا إغفال حياة ومسيرة هذا الرجل، الذي بلغ أرفع المقامات لدى الشيعة، فأُطلق عليه لقب «آية الله العظمى»، وفي الوقت نفسه له علاقات وصلات قوية وطويلة الأمد مع مَن بلغوا مقام المرجعية، أو بلغوا درجة آية الله العظمى، مثل: حسين البروجردي، والخميني، ومحمد كاظم شريعتمداري، وعبدالكريم الحائري اليزدي، وحجّت كوّه كمري، وحسين منتظري، وأبو الحسن الأصفهاني، وآية الله أبو القاسم الكاشاني، وغيرهم كثير.
فهذا الرجل بما يُشكّله من ثِقَل علمي ومكانة اجتماعية ودور سياسي، لا بد من دراسة حياته والوقوف على أبرز تحوُّلاته الفكرية والعقدية، واستعراض مسيرته في النضال والصدع بالحق، ومعرفة واقع إيران الفكري والسياسي آنذاك.
الدراسات السابقة:
لقد وقفت على دراستين تناولت حياة البرقعي، وهما:
الدراسة الأولى: وهي بعنوان: «أعلام التصحيح والاعتدال مناهجهم وآراؤهم»، للدكتور خالد بن محمد البديوي، وهي رسالة ماجستير، وتُعدّ من أول ما كُتِبَ عن البرقعي برسالة علمية، وقد اهتمت بدراسة شخصيات عديدة، كان البرقعي أحد تلك الشخصيات، وهي رسالة علمية عُنِيَت بمحاولة التعرف على أسباب التحول العقدي والفكري لدى هؤلاء الأعلام، فجاءت مختصرةً؛ إذ لم يكن الهدف منها هو استيعاب ودراسة كل ما له علاقة بالبرقعي.
الدراسة الثانية: وهي بعنوان: «البرقعي وجهوده في الرد على الرافضة»، للدكتور خالد بن عبدالمحسن التويجري، وهي رسالة دكتوراه، وتُعدّ دراسة شاملة لاعتقاد البرقعي، تناول فيها الباحث أسباب تحوُّله للمنهج الصحيح، مع بيان معتقده وموافقته لأهل السنة، كما اشتملت الدراسة على موقفه من مصادر التلقي.
وصف الكتاب:
عنون البرقعي لمؤلّفه هذا وسمّاه: «سوانح الأيام- أيام من حياتي»؛ «مذكرات حياة عالم دين مصلح في إيران»، وهو من تحقيق الدكتور خالد البديوي ومجموعة من الباحثين، نشرته دار العقيدة للنشر والتوزيع، وهذه الطبعة الثانية، سنة 1435ه، وتوزيع شركة مكتبة العبيكان، بلغت عدد صفحاته (397) صفحة.
إجراءات الدراسة:
لم يكن هدفي من الكتابة حول هذا الموضوع، استيعاب ما نُقِلَ عن البرقعي، أو دراسة جميع جوانب حياته ومراحله الفكرية؛ إذ كان جهدي مُنصبًّا على محاولة إبراز أهم الأحداث في حياة البرقعي، وتسليط الضوء على الخطوط العريضة من حياته وذكرياته، كما عملت على إعادة ترتيب الكتاب بحسب الوقائع، وأضفت بعض الأمور المتعلقة بحياة البرقعي، من مراجع ومؤلفات أخرى، حتى تُساعد القارئ على تصوُّر الكتاب وفهمه.
فكنت أنقل بتصرُّف الأحداث والوقائع التي عاشها البرقعي، وكأني أتحدّث بلسانه في كثير من الأحيان، إلا ما اقتضاه النقل الحرفي لكلامه، فأنقل النص كما هو، وإذا بدا لي تعليق أو ربط بين الأحداث، فحينها أُورده في موضعه المناسب، وأحيانًا يستدعي المقام إضافة شيء غير موجود في الكتاب، ولكن أجد له ارتباطًا وثيقًا بموضوع الدراسة، فأُورده فيما له علاقة به، كما أضفتُ بعض التعليقات على ما ذكره البرقعي على سبيل النقد.
التعريف به:
هو آية الله العظمى أبو الفضل بن حسن أحمد، ينتهي نسبه إلى أحمد المبرقع بن الإمام محمد الجواد، كان من أهل مدينة قم، لُقِّب بالبرقعي؛ لأنه من نسل موسى المبرقع، كما يقال له الرضوي نسبة إلى الإمام الرضا، المولود في مدينة قم، واختُلف في سنة ولادته فقيل سنة 1329ه أو سنة 1330ه.
كان والده (حسن) فقيرًا مُعرضًا عن الدنيا، ومن أزهد الناس فيها، يكسب بيده قوت يومه، وقد وُصف بأنه كان حَسن الحال دائم السرور، جوادًا متواضعًا، كان من أهل العبادة، وممن يحب السهر، وبسبب فقره تعذَّر عليه الإنفاق على تعليم ابنه.
وأما والدته، وهي سكينة ابنة الحاج غلام رضا القمي، فقد كانت عابدة زاهدة قنوعة، وقامت بتحصيل المال وساعدته في الدراسة، وأما جده فقد كان عالمًا بارزًا ومجتهدًا معروفًا، زاهدًا بعيدًا عن الثراء، وهو من تلاميذ الميرزا الشيرازي، صاحب فتوى تحريم التبغ المشهورة[3]، وبالنظر إلى طبيعة هذه العائلة التي تربَّى فيها البرقعي، يمكننا معرفة سبب تلك الصفات التي تحلَّى بها البرقعي.
دراسته وإجازاته العلمية:
بدأ البرقعي طلب العلم في قم؛ حيث تعلم في صغره القراءة والكتابة وقراءة القرآن، ثم قدم إلى قم أحد علماء الشيعة، ويدعى الحاج عبدالكريم الحائري اليزدي، فقام بفتح حوزة علمية، وكان آنذاك عمر البرقعي اثنتي عشرة سنة تقريبًا، والتحق بالحوزة ودرس فيها ما يقرب من سنتين، فتقدم للاختبار لدى الحائري ونجح بتفوق، فخصَّص له راتبًا شهريًّا[4].
كما درس البرقعي عند كلّ مما يلي:
أبو القاسم الكبير القمي.
الحاج محمد علي القمي الكربلائي.
الميرزا محمد السامرائي.
محمد حجت كوّه كمري.
عبدالكريم الحائري.
أبو الحسن الأصفهاني.
كما أُعطي إجازة الاجتهاد مِن قِبَل الأسماء التالية:
محمد بن رجب علي الطهراني السامرائي.
ابن الميرزا خليل السامرائي.
آغا بزرك الطهراني.
عبدالنبي النجفي العراقي الرفسي.
أبو القاسم الكاشاني.
أبو الحسن الأصفهاني.
شهاب الدين المرعشي المعروف بالآغا نجفي المرعشي.
محمد حجت كوّه كمري[5].
صفاته:
ومن خلال استعراض سيرته يتجلى لنا، أنه كان حريصًا على الإخلاص لله -عز وجل- في دعوته إلى التوحيد وترك الشرك، ونبذ الخرافات المنتشرة في مجتمعه، كما اتصف بالورع والزهد وترك حطام الدنيا، والبعد عن حظوظ النفس، وكان صادعًا بالحق لا يخشى في الله لومة لائم، آمرًا بالمعروف وناهيًا عن المنكر، مبادرًا إلى إبراء الذمة وبيان الحق، في صبر وشجاعة وثبات.
الكتب والمؤلفات:
ألَّف البرقعي كثيرًا من المؤلفات، وهي قرابة الثمانين مؤلفًا، ويمكن تقسيمها بحسب تحوُّله الفكري والعقدي، إلى قسمين:
أ- الكتب التي ألَّفها قبل هدايته وبصيرته بالحق، ومنها:
عقل ودين.
تراجم الرجال.
عقائد الإمامية الإثني عشرية.
محاسن اللحية والشارب.
ب- مؤلفاته في تقرير مذهب أهل السنة، والرد على الشيعة الإثني عشرية، وترجمة بعض كتب أهل السنة، ومنها:
ترجمة العواصم والقواصم. (لم يُطبَع).
ترجمة كشف الشبهات. (لم يُطبَع).
الخرافات الكثيرة في زيارة القبور.
نقد كتاب المراجعات والرد عليه. (باللغة العربية).
العقيدة الإسلامية (وهو عبارة عن ترجمة كتاب التوحيد للإمام محمد بن عبد الوهاب، طُبِعَ باسم مستعار: عبد الله تقي زاده).
درس من الولاية.
ترجمة مختصر كتاب منهاج السنة النبوية لابن تيمية.
حوارات الأيام (سوانح الأيام).
كسر الصنم[6].
وفاته:
عانى البرقعي طيلة حياته من السجن والإيذاء والظلم والاضطهاد، فلم يتراجع عن مبادئه، ولم يَحِد عن منهجه قيد أنملة، وبقي صادعًا بالحق، محتسبًا في ذلك الأجر، حتى وافته المنية في سنة 1992م، فرحمه الله رحمة واسعة، وغفر الله له ما صدر منه من زلل أو خطأ، «وقد أوصى ألا يُدْفَن في مقبرة الشيعة، وحتى منَع من نَصب أبيات شعرية على قبره؛ حيث أنشدها من قبل لهذه الأيام»[7][8].
رحلات الوعظ الأولى:
ذكر البرقعي الباعث لسفر بعض طلاب الحوزة، للوعظ في مساجد القرى المجاورة، كما بيَّن أهمية ومنزلة حُسْن وجمال صوت الواعظ، في مقدار كسب الأموال، فقال: «كان الشيخ عبدالكريم الحائري، يعطي طلاب كل مدينة أو قرية راتبًا متناسبًا، مع ما كان يَرِد من أهل منطقة كل طالب من العطايا والصدقات... وكان راتب طلاب قم أقلّ من غيرهم؛ لأن ما يرد منها قليل، فكان من المهم لطلاب قم أن يستغلوا شهر محرم ورمضان، كي يُؤمّنوا ما يحتاجونه من خلال ما يقدمه الناس لهم بعد الوعظ، وبطبيعة الحال كلما كان صوت الواعظ أحسن كان عطاء الناس له أكثر، وهو ما لم يكن عندي»[9].
نزاع الوعّاظ في قرية ورامين:
ذهب البرقعي قبل رمضان إلى قرية يقال لها ورامين، وكان بها مسجد متواضع مبنيّ من الطين، لا بُساط له إلا التراب، مفروش بقطعة حصير ممزقة بالية، فأقام بهم الجماعة وألقى بعض الخطب، وعلم أنه كان يأتي للمسجد شيخ يدعى مرتضى تنكابني، ولكنه لم يأتِ هذا العام، ولم يبقَ على رمضان إلا يومين.
قرَّر البرقعي البقاء معهم، ولكنه فوجئ بمجيء رجل يدعى سلطان الواعظين، لقبه البرقعي بلقب شيطان الواعظين؛ لأنه صعد على المنبر واختلق أمورًا ليست في الكتاب ولا في السنة، غير أن صوته كان جميلًا، ونظرًا لحياء البرقعي، فقد استحيى من الصعود على المنبر ومنازعته في ذلك، وبقي في تعليم الناس على الأرض.
وفي اليوم الثاني يدخل المسجد شيخ جديد طويل القامة، يُدعى قوام الواعظين الشيرازي، وأتى معه ببعض المسؤولين الرسميين في المنطقة، ليُمكّنوه من صعود المنبر، فنشب الخلاف بينه وبين سلطان الواعظين.
ثم في اليوم الثالث جاء شيخ يدعى محمد رضا كيلاني الملقب بالبرهان، فصعد المنبر ووعظ أمام الشيخين السابقين[10]، وهنا يقول البرقعي: «لقد كان المشهد غريبًا، فرغم أنه لم يكن هناك أحد، يستمع للوعاظ في ذلك المسجد، كان المشايخ الواعظون يصعدون إلى منبره الواحد تلو الآخر، دون أن يدعوهم إلى ذلك أحد! فصرفت النظر كليًّا عن الصعود إلى منبر ذلك المسجد، إلى أن دخل شهر رمضان، فعلمت أن السيد مرتضى تنكابني إمام الجماعة، الذي يأتي كل سنة إلى هذا المسجد في رمضان، قد أتى هذه السنة أيضًا ليؤم المصلين فيه، فعرفت أنه لم يَعُد لي مكان في هذا المسجد، فقررت مغادرة القرية في اليوم الأول ذاته من شهر رمضان»[11].
جواد آباد:
انتقل البرقعي إلى قرية جواد آباد، فذهب إلى مسجدها الذي كان قديمًا بلا صيانة، وصلى المغرب مع إمام المسجد، فما سلّم البرقعي عليه تجاهله تمامًا، ولم يردَّ عليه السلام، ثم في صباح اليوم التالي رآه شخص من أهل القرية يدعى حاجي آغا، وسأله: لماذا لم يأتِ البارحة للإفطار في منزله؟ وأخبره: أن إمام المسجد النجفي طلب منه إحضار البرقعي، فرد عليه: لقد رآني الشيخ ولم يلتفت إليَّ، فضلًا عن أن يخبرني بدعوتك! وهنا تساءل البرقعي: لِمَ لَمْ يكترث به ذلك الشيخ النجفي؟![12]، فقال: «وأغلب الظن أنه أدرك أنه لو أخذني معه إلى منزل الحاجي للإفطار، ودار حديث حول المسائل الدينية، فاطلع مضيفنا على أنني من أهل العلم أيضًا، وأنني جئت للدعوة والتبليغ، لدعاني ذلك المضيف إلى التوقف في القرية والوعظ فيها، ولتقاسمت مع الشيخ عندئذ مهمة الوعظ والإرشاد، وعندئذ لن يستطيع أن ينتفع من أهل القرية بشكل كامل وحده!»[13].
قرية جعفر آباد ورمز آباد:
خرج البرقعي من قرية جواد آباد قاصدًا قرية جعفر آباد، فلما وصل إلى منزل رئيس القرية، أخبره بأن القرية لا يوجد فيها مجلس ديني في رمضان؛ لأن مسجدها خرب وقد تهدم سقفه، فاضطر البرقعي إلى تركها والانتقال إلى قرية رمز آباد؛ حيث وجد فيها شيخ القرية يتعاطى بعض المواد المخدرة، وسأل أحد وجهائها عن مؤذن المسجد، فأرسل إليه رجلًا يدعى مشهدي شعبان لكي يؤذن بالمسجد.
وصف البرقعي المسجد فقال: لا يوجد فيه إلا بساط صغير من حصير ممزق، وأبوابه متهالكة، ثم بحث عن سكن فعثر على غرفة يعيش فيها رجل مع عائلته، وقَبِل أن يؤجر البرقعي نصفها، فيضع بينهما ستارًا، على أن يأكلوا سويًّا، ويعطيه عن كل ليلة ثلاث قرانات.
كان المسجد خاليًا من المصلين، عدا خمسة أو ستة أشخاص، كان يدعوهم ويعظهم ويُذكّرهم بالله، وتارةً يخرج إلى الطرق أو حمام القرية أو عند دكانها، فيعظ الناس، ويجيب عن أسئلتهم، ثم استمر الحال على ذلك حتى ليلة الحادي والعشرين من رمضان؛ حيث جرت أحداث فتغير الحال؛ إذ في الليلة التي تليها وضعوا البسط في المسجد، وجلبوا مدفأة وجاء أناس كثيرون.
ثم في الليلة التي تليها، اجتمع أهل القرية مع رئيس البلدة في المسجد، وعرضوا على البرقعي المال، ولكنه رفض، وعلّل سب رفضه، بأنه فعل ذلك حتى يفهم الناس أن تعليم الدين لا علاقة له بدفع المال، ويقول: إنه وجد أثر ذلك ولمس ثمرته، فقد أدى عدم اكتراثه بالمال، ورفضه أخذ الأجرة على الدعوة، إلى تأثر الناس به وبكلامه وقبولهم له، ثم يمضي شهر رمضان، ويصلي بالناس صلاة العيد، ويغادرهم وقد تأثّر الناس لذهابه[14].
علق البرقعي على تجاربه في رحلاته الوعظية هذه؛ فقال: «في هذه المرة رجعت من سفري بخفي حنين، وقد كانت أغلب أسفاري في شهر المحرم ورمضان على هذه الحال، أرجع منها إما صفر اليدين دون أن آخذ شيئًا، أو بمال يسير جدًّا؛ لأني لم أكن طالب دنيا، ولا أخادع الناس للحصول على شيء من أموالهم»[15].



[1] سوانح الأيام، البرقعي، (ص299).
[2] مقدمة كتاب كسر الصنم، البرقعي، (ص15)، كتبه مراجع الكتاب: الباحث عمر بن محمود أبو عمر.
[3] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (21-24).
[4] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (23-24).
[5] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (309-317).
[6] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (129-139)، البرقعي وجهوده في الرد على الرافضة، خالد التويجري، (20-21).
[7] مقدمة كتاب كسر الصنم، البرقعي، (ص24)، هامش رقم (2).
[8] للاستزادة راجع: كسر الصنم، البرقعي، وأعلام التصحيح والاعتدال، خالد البديوي، البرقعي وجهوده في الرد على الرافضة، خالد التويجري.
[9] سوانح الأيام، البرقعي، (ص26).
[10] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (26-27).
[11] سوانح الأيام، البرقعي، (ص27).
[12] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (27-28).
[13] سوانح الأيام، البرقعي، (ص28).
[14] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (33-36).
[15] سوانح الأيام، البرقعي، (ص36).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 07-06-2024, 09:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,047
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مذكرات البرقعي

مذكرات البرقعي (2-7)


د. عادل بن صالح أحمد الغامدي








الملك رضا شاه البهلوي ومحاربته للدين وأهله:
وصف البرقعي تسلُّط الشاه على رقاب الناس، وسعيه لإفساد دينهم، فقال: «ومن الضروري أن أُبيّن أن بلاد إيران، قد تسلّط عليها تلك الأيام، رضا خان بهلوي بالبطش والإعدام، لكل مَن يخالفه ويقف أمامه، وكان سيئ النظرة إلى علماء الدين، ويراهم حجر عثرة في طريقه»[1]، ولهذا قام الشاه بإعدام آية الله فضل الله النوري، شنقًا بلا محاكمة في ميدان توبخانة، ووقف بعض العلماء تحت حبل المشنقة، لإظهار السرور بإعدامه، فكانوا يُصفّقون أثناء شنقه، حتى إن بعضهم وافقوا السلطة وفسَّقوا هذا العالِم، بل إن بعض مساجد إيران احتفلت بمقتله[2].
هذا السكوت مِن قِبَل علماء إيران، شجَّع الملك على محاربة أهل الدين حربًا شعواء، فقام ببعض الأمور والإجراءات التي تُخالف دين وعادات وأعراف الناس[3]، فقد «أمر بخلع الحجاب، وأن يلبس الرجال لباسًا موحدًا، من ضمنه القبعة البهلوية... وأن لا يلبس العمامة إلا رجل دين معه إذن من الحكومة، وكل عالِم يلبسها بلا إذن، فإن الشرطة تجبره على خلع ثياب المشيخة وتُتلف عمامته... شكّل لجنة امتحانية في مركز البلاد، مؤلفة من عدد من علماء الدين الكبار، وصارت اللجنة تمتحن كل شيخ معمّم، فإذا وجدته ذا علم ومعرفة، أجازت له التزيُّن بزي علماء الدين، وإلا فلا (هذا رغم قصد البهلوي من هذا العمل قصدًا خبيثًا؛ إذ كان يريد أن لا يبقى بين الناس عالم دين، وأن يسحب البساط من تحت علماء الإسلام).
وبالطبع لما كان أكثر المعممين أميين أو شبه أميين، اضطروا إلى التخلي عن لباس المشيخة؛ لأن الشرطة كانت تتعرَّض لهم في الأزقّة والأسواق، وتُطالبهم بإبراز التصريح بلبس لباس علماء الدين... ولهذا لم يبقَ من كل مائة شيخ إلا عدد ضئيل»[4].
كما وصف البرقعي دور الشاه في كتابه كسر الصنم، فقال: «وفي تلك الأيام كان الشاه رضا بهلوي، قد بدأ بممارسة ضغوطه على الرجال في فرض لباس موحّد، وعلى النساء لخلع حجابهن وسماه كشف الحجاب، وقد كانت المرأة قبل تلك الأيام، ملتزمة بالحجاب من رأسها وحتى قدميها، ولم يكن يُرَى منها شيء، حتى إن وجهها لم يكن يُعْرَف من ظهرها.
وكانت مسألة الحجاب هذه مسألة شديدة الوقع على الشعب الإيراني، ولكن البهلوي اشتد في ضغطه على الناس، وكان جنوده بأمره يهاجمون النساء ويخلعون الحجاب (الشادر) من فوق رؤوسهن ويمزقونه، وقد فزعت كثير من النسوة جراء تلك الممارسات، ومرضت بعضهن ومات البعض الآخر منهن، واجتمع الناس في خراسان في حرم الإمام الرضا وأروقته، وفي مسجد غوهر شادر، وتحصنوا هناك، وأرسلوا البرقيات إلى الدولة، يُعلنون فيها رفضهم لهتك أستار نسائهم، وطلبوا من الشاه والحكومة الكَفّ عن هذه الجريمة»[5].
هدّدت الحكومة هؤلاء المعتصمين، وأرسلت وحدات الجيش، فحاصرت المسجد، وقُتِلَ وجُرح في تلك الحادثة، عشرة آلاف شخص، وتم إلقاء القبض على كثير من الناس، فأُرسلوا إلى السجون أو تم نفيهم[6].
وهنا يخبر البرقعي عن الدور الذي قام به تجاه ذلك، فقال: «وكنتُ في قم، فأصدرتُ إعلانًا، ودعوتُ الناس فيه إلى القيام والتحرك، ولمَّا لم أجد مَن يستجب لندائي، اضطررتُ أن أخرج ليلًا، فألصق الإعلانات على الجدران بنفسي في الأسواق وأزقة المدينة، ولكني لم أرَ تحرُّكًا من أحد، ثم أصبحت الحكومة أشد جرأة، ومنعت تعليم الدين والخطابة.
وكان يتوجب عليَّ أن أخطب سرًّا أينما ذهبت، ومرّ عامان على هذا المنوال، إلى أن نشبت الحرب العالمية الثانية، وهاجمت جيوش الحلفاء إيران، وتفرَّق جيش البهلوي وتشتَّت، ثم أُجبر على تسليم الملك لابنه، ثم تم نفيه إلى جزيرة موريشيوس»[7].
تنفَّس الناس الصعداء، وظنوا أن ابن الشاه، قد استوعب الدروس، وأخذ العِبَر من مسيرة والده، وأدرك سوء عاقبته، ولهذا فلن يسير وفق طريقته، أو يتبع منهجه، ولكنّ أيًّا من هذا لم يحدث، فقال البرقعي: «والعجيب أن الشاه محمد رضا، لم يَعتبر بما فعلت الدنيا بأبيه، ولم يفهم أدنى حكمة، من فرحة الناس بسقوط أبيه وذهابه، وبدل من أن ينأى بنفسه عن صفاته وغطرسته؛ وصل إلى الملك وبدأ يتّبع خُطى أبيه، ليكون بالكامل عميلًا للأجنبي وعدوًّا لشعبه»[8].
مرجعية البروجردي:
مرض آية الله العظمى حسين البروجردي، فقدم إلى طهران للعلاج، ثم قرر السكنى في قم بعد خروجه من المستشفى، وهناك عزم على زيارة العلماء وتفقد المدرسين في الحوزة، فأبلغ خادم البروجردي البرقعي، بزيارة البروجردي له قبل المغرب بساعة في منزله، فظن البرقعي أن البروجردي سيأتي ومعه قليل من أصحابه، ولكنه فوجئ بمجيئه وبصحبته ما يزيد على ثلاثين مُرافقًا[9]، وهنا يقول البرقعي: «فسألت خادمه لِمَ لَمْ تخبرني بقدوم هذا العدد الكبير؟ فأخبرني بأن السيد دعاهم بنفسه، وقال لي: إن السيد البروجردي يُحب أن يصطحب معه رفقاء كثر في زياراته، فعلمت أن السيد البروجردي يحب اجتماع الحواشي حوله»[10].
أيادٍ خفية في تعيين البروجردي:
بعد عام من زيارة البروجردي للبرقعي في منزله، أُعلن في إذاعة لندن، نبأ وفاة المرجع العام للتقليد المقيم في النجف؛ آية الله أبي الحسن الأصفهاني، وذكرت الإذاعة تعيين البروجردي خلفًا له، وهنا أبدى البرقعي تعجُّبه واستغرابه؛ إذ كيف يتم تعيين المرجع دون الرجوع إلى علماء قم؛ إذ إن أكثر علمائها يرون وجود مَن هو أعلم من البروجردي[11]، فقال: «علمًا بأن أكثر علماء قم، يرون وجوب تعيين الأعلم من العلماء، والأعلم يحدّده أهل الخبرة، أي علماء قم والنجف، لا إذاعة لندن»[12].
في تلك الأيام اختلف علماء الشيعة في تحديد الأعلم والأحق بالتقليد، فاختار بعضهم حسين الطباطبائي القمي، فيما اختار غيرهم حجّت كوهّ كمري، وهناك من اختار البروجردي، وهناك من اختار غير هؤلاء.
كان البرقعي يصرّح لطلابه أن حجّت كوّه كمري هو الأعلم، وذكر حادثة تتعلق بهذا الشأن[13]، فقال: «وجدت في منزلي ورقة -أُلقيت ليلًا- وفيها تهديد لي ووعيد إن ذكرتُ لأحد أن الأعلم غير السيد البروجردي، وأن ذلك سيُعرّضني إلى هتك حرمتي، وإراقة ماء وجهي بين الناس»[14].
يرى البرقعي أن الطريقة التي تم بها تعيين البروجردي مرجعًا للتقليد، تدعو إلى الشك والريبة؛ فقد يكون وراء ذلك أيادي عميلة للغرب، وأحيانًا يسميها الأيادي الخفية، لا سيما وأن نتائج استخلاف البروجردي، تخدم تلك الجهات المريبة، فقال: «وأنا مُصاب بالذهول من الطريقة والأسلوب الجديد، في تعيين مرجع التقليد بالقوة والتهديد، وقد تأكدت أن أيادي عميلة للغرب، بدأت تلعب حتى بالمرجعية، وأنها هي التي تريد فرض السيد البروجردي مرجعًا للتقليد، وقد تأكدت أكثر من خلال بعض القضايا التي حدثت بعد ذلك، وكيف استفادوا منه، فوا أسفاه على المقلدين الذين تتلاعب بمرجعيتهم تلك الأيادي الخفية»[15].
كما أكد البرقعي على دور الأيادي الخفية في موطن آخر، فقال: «الواقع أن أصحاب السيد البروجردي، سعوا بكل قوة لإعلاء صيته ومنزلته، واستطاعوا فعلًا -وبمساعدة أيادٍ خفية- أن يوصلوه إلى أن يصبح مرجعًا عامًّا للشيعة، ولكنه لم يَعُد على الأمة بالنفع»[16].
أشار البرقعي إلى بعض النتائج والآثار، التي تلت تعيين البروجردي، فقال: «وعلى كل حال؛ فقد ترتب على تعيين البروجردي أمور مؤسفة، منها: استقواء رجال الدولة على الرعية، وتسلُّط الأقوى على الأضعف، وشيوع كثير من الأمور المخالفة للشرع، ونشأة مجلس نيابي انتصابي لا انتخابي»[17].
وفي هذا الإطار أورد البرقعي حادثة توضّح العلاقة الحميمة بين الشاه والبروجردي، وذلك بعد رجوع الشاه من إيطاليا، فقال: «لمّا رجع الشاه إلى إيران بمساعدة أمريكا، أرسل إليه السيد البروجردي رسالة ترحيب، نُشرت في الصحف والجرائد اليومية، ومنها جريدة كيهان واطلاعات، كتب فيها: (خلَّد الله ملكه وسلطانه)»[18].
جنازة رضا بهلوي:
ثم يواصل البرقعي إيراد بعض الشواهد، التي تدل على الريبة والتوجس من تعيين البروجردي، فيذكر تلك الحادثة التي وقعت في جنازة الشاه، فقال: «لما تُوفي جاؤوا بجثته، وأمر ابنه بإقامة جنازة عظيمة له، وبدفنه في مدينة قم، وطلبوا من كبار العلماء في قم، الحضور ليُصلّوا عليه، وعلى رأسهم آية الله البروجردي، وكان من المراجع ومن طلاب الرئاسة والزعامة، وكان على صلة بالدولة، وعلى علاقة جيدة بالمَلِك وحاشيته وأعضاء المجلس النيابي، فأبدى استعداده للصلاة على جثمان الشاه»[19].
لم تكن هذه العلاقة الجيدة بين البروجردي والشاه مقتصرة عليهما، بل كانت هناك علاقة مميزة، جمعت بين بعض المراجع، وعدد من مسؤولي حكومة الشاه، فقال البرقعي: «أشرت في هذا البيان إلى أن مكاتب كبار مسؤولي دولة الشاه، كانت تُحقّق للمراجع كثيرًا من طلباتهم، وأن الوثائق التي وُجدت بعد الثورة، تدل على صلتهم بنظام الطاغوت، والعجب أن مكانتهم استمرت بعد الثورة»[20].
كما ذكر البرقعي تلك الهدايا التي يقدمها الشاه للعلماء المشهورين وغيرهم، فقال: «كان من العادة في ذلك الوقت: أن يُرسل الشاه في أيام العيد هدية نقدية للعلماء المشهورين وبعض أئمة الجماعات، وأذكر أن موظفًا أتاني، وقدم لي ألف تومان هدية، وطلب مني أن أُوقّع في دفتره؛ إثباتًا لاستلام المبلغ المذكور... فلم أقبل تلك الهدية... ولا أرى جواز أخذها... وقد وقع لي مثل ذلك مرارًا، وكنت أختار الامتناع عن القبول»[21].
علاقة البرقعي بالكاشاني:
يثني البرقعي على آية الله أبو القاسم الكاشاني بصورة متكررة، فيرى أنه قد عرف بمواقفه التي لا تعجب الشاه، في الوقت الذي كان الغالبية يتلونون يوميًّا، إما موافقةً للشاه أو السكوت خوفًا من بطشه، كما كان للكاشاني عناية بالإصلاح، ولهذا فقد رأى الدخول في انتخابات مجلس الشورى، ليبدأ الإصلاح عن طريق المجلس، وهو أمرٌ لا تريده الدولة آنذاك[22].
ذهب البرقعي سنة 1370هـ إلى طهران قاصدًا الكاشاني؛ إذ كان من المقرّبين منه، وأثناء سعي الكاشاني في تعديل قانون الانتخابات، شاركه البرقعي في ذلك، ولهذا تم حبسهم في بهجت آباد، فلما مر على ذلك شهران، أُصيب البرقعي بمرض الملاريا بسبب كثرة البعوض، ونظرًا لعدم توفر العلاج، كان يُغْشَى على البرقعي أحيانًا، فكان الكاشاني يصنع بعض الأدوية، من الأعشاب المغلية لعلاجه.
ظلوا على هذا مدة من الزمن، حتى دخلوا شهرهم الثالث في السجن، فلما اشتد المرض على البرقعي، وأثَّر ذلك في الكاشاني، كتب البرقعي إلى رئيس الوزراء أحمد قوام[23]، فقال: «قضيتكم مع السيد الكاشاني، فما هو ذنبي؟ وأنا الآن مريض، فما الحل؟!»[24]، فأخرجوه للعلاج في مراكز طهران، ثم أعادوه إلى السجن، حتى أكمل مع الكاشاني ثلاثة أشهر، ثم بقوا على ذلك، إلى أن قررت الدولة إبعاد الكاشاني إلى قزوين، وإطلاق سراح البرقعي[25].
كان البرقعي من المعجبين بنضال الكاشاني، وفي الوقت نفسه يعيب على البروجردي، عدم اهتمامه بمصالح الناس، وانشغاله بالسعي خلف تحقيق مجده الشخصي، فقال: «وفي المشهد المقابل يذهب الشاه إلى البروجردي ويُقبّل يده؛ لأنه لم يكن يهتم بأمر الشعب وما يضره أو ينفعه، بينما السيد الكاشاني على النقيض من ذلك؛ حيث كان يتألم لواقع الرعية وخيانة الدولة، وهو الذي أفتى بالجهاد في بلاد العراق لطرد الإنجليز، بل وذهب وحارب بنفسه ضد بريطانيا، حتى خرجوا من العراق ونال استقلاله، ولا شك أن الشاه -وهو يُمثّل الإنجليز- لا بد أن يأخذ بثأر الإنجليز»[26].
نفي الكاشاني إلى لبنان:
أُعيد القبض على الكاشاني بطريقة وحشية، واتُّهم بأنه أراد قتل الشاه في الجامعة، وأُبْعِدَ إلى لبنان، وهنا قام البرقعي بتحريض الطلاب في المدرسة الفيضية في قم، وحثّهم على عدم السكوت تجاه القبض على الكاشاني، فتحرَّك أصحاب البروجردي لتفريق الناس من حوله، وجعلوا بعض الأوباش يفرقون الناس بأنابيب المياه، كما قاموا بإبلاغ الدولة، بأن البرقعي هو الوحيد الذي يعارض الدولة في قم، ونصحوهم بإبعاده حتى لا يكون في قم، مَن يُشنّع على الدولة أو يعارضها.
وفعلًا صدر القرار من طهران بإبعاد البرقعي، فجاء الجنود لمحاصرة بيت البرقعي والقبض عليه، ولكنه خرج قبل مجيئهم، ثم أدرك فيما بعد ألا فائدة من الفرار، فسلَّم نفسه للشرطة، ونُقل إلى شرطة طهران، وتعرَّض هناك للاستجواب والتحقيق، وبقي هناك عدة أيام، ثم جاء ضابط مِن قِبَل الشاه، وطلب منه ومن معه، أن يكتبوا عن الأمور التي تحدث في قم، وما هي مطالبهم؟ فكتب البرقعي خطابًا وأخذوه، ثم رجعوا في اليوم الثاني، وأخبروه أن الشاه أمر بإطلاق سراحه ورفقائه، فخرج من السجن وتوجَّه إلى منزل الكاشاني[27].
دور الكاشاني:
سعى الكاشاني كي يتولى الصالحون مجلس الشورى، ولهذا كان يفتي بوجوب الدخول في البرلمان، مِن قِبَل الصالحين الناصحين، مما جعله يسعى في تأييد محمد مصدّق، والثناء عليه في محاضراته ورسائله، ونتيجة لهذا الجهد والبذل مِن قِبَل الكاشاني، عرف الناس مصدّق وذاع صيته واشتهر؛ إذ لم يكن معروفًا قبل هذا، فقام أتباع الكاشاني بحثّ الناس على انتخاب الكاشاني ومصدّق، حتى فاز الرجلان بأغلبية الأصوات في مجلس طهران، فما كان من الدولة إلا أنها اضطرت للسماح بعودة الكاشاني إلى إيران، وإطلاق سراحه من السجن في لبنان[28].
وهنا لا بد من الإشارة إلى النصيحة التي بعث بها الكاشاني إلى البرقعي، فعندما كان الكاشاني في سجنه في لبنان، أرسل رسالة إلى البرقعي، فقال: «أيها السيد البرقعي! لا تجعل المسجد متجرًا كما يفعل الشيوخ الآخرون، واسعَ في توعية الناس، ولا تسمع كلام من يقول: الشيخ الصالح هو مَن لا يشتغل بأوضاع الناس والسياسة، واجتهد في حثّ الناس على انتخاب مصدّق»[29].
فدائيو الإسلام:
في سن الخامسة والثلاثين نظّم البرقعي جماعة من أصدقائه وأصحابه، عُرفت باسم (فدائيي الإسلام)، وكان بعضهم يدرس عنده في الحوزة بقم، تتراوح أعمارهم ما بين الخامسة عشرة والخامسة والعشرين، وكان أشبه بالقائد لهم، فمنزله كان مقرًّا لتجمعهم[30].
وصفهم البرقعي بأنهم مجموعة من طلاب العلم الفقراء، وكانوا شبابًا متدينين، حريصين على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتقليل الفساد، وكانوا قريبين منه وعلاقته بهم قوية، فكان منزله في قم مكانًا يجتمعون فيه، ولما انتقل إلى طهران، صاروا يأتون إليه في مسجده ومنزله، وكان من ضمنهم ختن البرقعي ويدعى محمود أميدي، وكذلك نواب صفوي، والأخوان عبدالحسين ومحمد الواحدي، وعامل يدعى طهماسب[31].
وضّح البرقعي طبيعة تلك العلاقة التي جمعته بهؤلاء، فقال: «كانت لي علاقة حميمة بفدائيي الإسلام في ذلك الوقت، ولم أتأخر عنهم بالمساعدة والإعانة بكل ما أستطيع، وكنت أناصحهم وأسعى في حوائجهم، وكانوا يرجعون إليَّ في الأمور العلمية والفقهية، ويشاوروني في مسائلهم ومشاكلهم، وفي كثير من الأحيان، كان منزلي مخبأ لهم»[32]، وقال أيضًا: «أنا كنت دائمًا إلى جانب جماعة فدائيي الإسلام، وكنت أتفق معهم قلبًا وقالبًا، ولم آلو في دعمهم وخدمتهم»[33].
وجَّه البرقعي فدائيي الإسلام بتنفيذ بعض الأعمال، ومن ذلك أنه حثّهم على إفشال جنازة الشاه، ولهذا قاموا بوضع العوائق أمام نجاحها، فكتبوا منشورًا قالوا فيه: إن هذا العمل مخالف للشريعة، وسوف يُعرّض صاحبه للقتل، فأثمر هذا ارتباكًا كبيرًا، وكان سببًا في عدم ظهور مراسيم الجنازة بالصورة المنشودة[34].
ألقت الدولة القبض عليهم، وعذّبت بعضهم، وعندما قررت الدولة قتل نواب صفوي والأخوين الواحدي، ذهب البرقعي إلى شخص يطلب منه، قيام البروجردي بالشفاعة لهؤلاء عند الشاه، لما يحظى به البروجردي من القبول لدى الشاه، ولكن البروجردي لم يتعاون بل رد ردًّا سيئًا[35].
توسل البرقعي بالخميني وهو أحد تلاميذ البروجردي، فقال: «فاضطررت لأتوسل بتلاميذ السيد البروجردي، وهو الذي وصل إلى الرياسة بعد ذلك، وعلى كل حال لم يتعاون معنا آية الله الخميني، ولم يفعل شيئًا، وكانت النتيجة أنهم قتلوا السادة العلويين، وأعلنوا ذلك في الصحف مع سبّهم وذمّهم»[36].
وهنا قد يرد تساؤل: لماذا لم يقتل الشاه البرقعي، أو يُلقي القبض عليه ويُودعه السجن مدة طويلة على الأقل، لا سيما وهو قريب من مجموعة فدائيي الإسلام؟!
يفسّر هذا تلك الحادثة الغريبة، التي كانت بمثابة طوق نجاة للبرقعي من حيث لا يعلم، أو يدور في خلده أنها كانت خيرة له؛ إذ قبل أسبوع من إلقاء القبض على مجموعة فدائيي الإسلام، دعاهم البرقعي إلى تناول الغداء في منزله بطهران، وسألهم على مائدة الطعام: لماذا ذهبتم إلى منزل شعبان جعفري، وهو من رجال الشاه، وكان معروفًا باسم شعبان الأحمق، واسترسل فقال: إن عملكم هذا خطأ، قد يؤدي إلى إساءة الظن بكم، فرد عليه نواب صفوي: ذهبنا لنعظه. فقال البرقعي: هذا الشخص لا يتعظ؛ إذ لا يعرف إلا الشرّ والمال والدرهم، ودخولكم عليه يؤدي إلى إساءة الظن بكم، فيقال: إن فدائيي الإسلام عملاء للإنجليز!، حينها غضب نواب صفوي، وضرب بصحن الطعام على الجدار، أمام عدد كبير من الضيوف الحاضرين[37].
علق البرقعي على هذه الحادثة فيما بعد، فقال: «ولاحقًا علمت أن تصرُّفه كان فضلًا من الله وخيرًا لي، فقد تبيّن أن بعض الحاضرين، كانوا جواسيس للحكومة، وكانوا يريدون أن يتعرفوا على من تربطهم علاقة بفدائيي الإسلام، ولما شاهدوا غضبه ومشاجرته معي، وضربه بصحن الطعام، ظنوا أني من المخالفين لهم، ولما قبضوا عليهم لم يؤذوني كثيرًا»[38].
كانت لجماعة فدائيي الإسلام أفعال انتقامية، تقوم على الاغتيالات والأعمال الدموية؛ إذ اتهمت بقتل أحمد الكسروي، رئيس المحاكم الإيرانية والأستاذ بجامعة طهران، وأن الذي أطلق عليه النار هو نواب صفوي في سنة 1946م، كما أُدينت بقتل رازمار رئيس الوزراء في طهران، حينما تقدم إليه أحد أتباع الجماعة ويدعى خليل طهماسبي، وأطلق عليه النار، ولكنّ الحقيقة التي عُرفت فيما بعد أنه لم يمت برصاصة الشاب، ولكن أُطلقت عليه في الوقت نفسه رصاصة من أحد الجنود، المحسوبين على الشاه أو رفاقه[39].
موقف البروجردي من فدائيي الإسلام:
اجتمع عدد من الطلاب المنتمين لجماعة فدائيي الإسلام، في المدرسة الفيضية، وصلوا المغرب جماعةً، فهجمت عليهم مجموعة بالعصي فضربوهم وجرحوهم، وقد قيل: إن ذلك كان بأمر البروجردي، وقد أمر أن تُقطع رواتب أيّ طالب من فدائيي الإسلام، وأن يُطرَدوا من غُرف الطلاب في المدرسة الفيضية[40].
موقف البروجردي من الكاشاني والبرقعي:
«حينما أُبعد الكاشاني إلى لبنان، اجتمع مائة شخص واعتصموا في منزل البروجردي، لكي يطالب الدولة بالعدول عن قرارها، ولكنهم لم يخرجوا بشيء، بل على العكس قام أتباع السيد البروجردي بأخذهم إلى قرية (وشنفه) -من القرى المجاورة-، ولم يستطيعوا أن يقابلوه أو يقابلوا أحدًا من مندوبيه، بل بمجرد أن دخل هؤلاء المنزل خرج البروجردي، وجاء موظف رسمي فبقي عند مدخل المنزل، ليمنع أيّ أحد أن يأتيهم بطعام ونحوه... لكي يملّوا ثم يتفرقوا من تلقاء أنفسهم»[41].
تحدّث البرقعي عن السبب الذي دعاه، لترك سؤال البروجردي عن الباعث، الذي منعه من الوقوف مع أنصار الكاشاني، فقال: إنه أراد أن يسأل عن ذلك، ولكنه صرف النظر لأن البروجردي سمعه ثقيل، وسيسمع القريبون منه كلام البرقعي فيعمدون إلى منعه، ثم إنه كتب رسالة إلى البروجردي عبر البريد المحلي، فلما رآها المحيطون بالبروجردي لم يوصلوها إليه، ثم كتب بعدها رسالتين ولكنها لم تصل أيضًا، وهنا قام البرقعي بحيلة؛ إذ كتب رسالة باسم مستعار في الخارج، وكتب اسمه في الداخل، فوصلت الرسالة، وبهذا استطاع أخذ موعد مع البروجردي، وكان مما قال له: لا بد أن تجعلوا لكم طريقة، حتى لا يفتح أصحابكم رسائل الناس، وبهذا تصل إليكم الرسائل، فرد عليه البروجردي: هم يوصلونها، فأخبره البرقعي بما وقع له في رسائله السابقة[42].
المقارنة بين البروجردي والكاشاني:
وهنا يعود البرقعي إلى ذكر حسنات الكاشاني، ومقارنتها مع الدور الذي يقوم به البروجردي؛ فقال: «وأما السيد آية الله الكاشاني، فقد كان على النقيض من البروجردي؛ حيث كان يجتهد في مساعدة الناس والوقوف معهم، وكان يتحمّل في طريقة إصلاح حال الرعية آنذاك الشدائد والمِحَن، وبفضل جهوده هو وأتباعه، صدر في إيران قرار تأميم النفط الإيراني، وتم تخفيض الضرائب، وبجهوده وصل مصدّق إلى رئاسة الوزراء، وبفضل إعلان آية الله الكاشاني الإضراب العام، توقّف الناس عن أعمالهم، وحصلت واقعة (الثلاثين من شهر تير)، حيث قام الناس بعزل قوام السلطنة الخبيث، الذي أنزل الجيش فقتل في الشوارع كثيرًا من الناس، وكثرت الفوضى؛ فاضطر الشاه لعزل أحمد قوام، ثم استلم مصدّق زمام الأمور، واضطر الشاه للهروب إلى إيطاليا، وبقي هناك أيامًا، اتصل فيها بالأمريكان فرتّبوا له الأمر، لكي يعود إلى البلاد بثورة داخلية، بشرط أن يكون عميلًا مخلصًا لأمريكا والمخابرات الأمريكية»[43].
العلاقة بين مصدق والكاشاني:
بدأ مصدّق بمعاداة الكاشاني؛ فقام بعزله عن أمور الدولة، وأقعده في بيته، بل زاد الأمر وتفاقم، فقام مصدّق وأصحابه، بإيذاء الكاشاني والسخرية منه في الجرائد، بكلامٍ لا يليق أبدًا، ففعلوا به ما لم يفعله أصحاب الشاه، وقام السفلة وأراذل الناس، بالهجوم على بيت الكاشاني، فرموه بالحجارة والأوساخ، وقتلوا أحد أصحابه.
قارن البرقعي بين مصدّق والكاشاني، فقال: «لم يكن مصدق رجل جهاد، ولا يجيد رفع السلاح والتعامل معه، خلافًا للكاشاني وفدائيي الإسلام، ولكنه نفّذ خطة أعدائه، فسجن هؤلاء جميعًا، وفرض الإقامة الجبرية على الكاشاني، الذي كان يحذر مصدّق، بأنهم يسعون إلى الانقلاب عليه، حتى انتهى أمره بذهاب ضابط إليه، مع بعض أفراد الشرطة، وألقوا القبض عليه، وهكذا عادت السلطة للشاه، الذي كان أول أمر فعله بعد عودته، هو القضاء على فدائيي الإسلام»[44].

[1] سوانح الأيام، البرقعي، (28-29).
[2] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (ص29).
[3] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (ص31).
[4] سوانح الأيام، البرقعي، (ص31).
[5] كسر الصنم، البرقعي، (377-378).
[6] انظر: كسر الصنم، البرقعي، (ص378).
[7] كسر الصنم، البرقعي، (378-379).
[8] كسر الصنم، البرقعي، (ص379).
[9] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (ص41).
[10] سوانح الأيام، البرقعي، (ص42).
[11] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (42-43).
[12] سوانح الأيام، البرقعي، (ص43).
[13] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (ص43).
[14] سوانح الأيام، البرقعي، (ص43).
[15] سوانح الأيام، البرقعي، (ص44).
[16] سوانح الأيام، البرقعي، (ص59).
[17] سوانح الأيام، البرقعي، (ص44).
[18] سوانح الأيام، البرقعي، (ص64).
[19] سوانح الأيام، البرقعي، (39-40).
[20] سوانح الأيام، البرقعي، (ص187).
[21] سوانح الأيام، البرقعي، (ص187).
[22] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (ص45).
[23] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (45-51).
[24] سوانح الأيام، البرقعي، (ص51).
[25] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (ص51).
[26] سوانح الأيام، البرقعي، (ص48).
[27] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (51-55).
[28] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (55-56).
[29] سوانح الأيام، البرقعي، (ص55).
[30] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (ص40).
[31] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (61-63).
[32] سوانح الأيام، البرقعي، (ص64).
[33] سوانح الأيام، البرقعي، (ص278).
[34] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (ص40).
[35] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (61-63).
[36] سوانح الأيام، البرقعي، (ص62).
[37] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (63-64).
[38] سوانح الأيام، البرقعي، (ص64).
[39] انظر: أعلام التصحيح والاعتدال، خالد البديوي، (ص157)، نقلًا عن جريدة الزمان، العدد (1381)، إيران من الداخل، فهمي هويدي، (ص24)، نقلًا عن العودة إلى القرآن، للسيد هادي خسروشاهي، (ص28)، مقدمة كتاب التشيع والشيعة، أحمد الكسروي، (ص5)، أتباع الشاه، ستيفن كنزر، (ص126)، مصدق والصراع على السلطة، كوما كاتوزيان، (140، 245).
[40] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (ص56).
[41] سوانح الأيام، البرقعي، (ص57).
[42] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (57-58).
[43] سوانح الأيام، البرقعي، (ص59).
[44] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (60-61).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 07-07-2024, 09:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,047
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مذكرات البرقعي

مذكرات البرقعي (3-7)


د. عادل بن صالح أحمد الغامدي







أسباب ترك البرقعي لـ«قم»:
هناك ثلاثة أصناف كانوا سببًا في مغادرة البرقعي لمدينة قم، والهجرة إلى طهران، وهم:
مسؤولو الدولة.
خدّام وعمّال متولي شؤون العتبة المقدسة، أي سادن ضريح فاطمة المعصومة، فقد كان نائبًا في قم بمجلس النواب.
علماء الدين، ويعني بهم البروجردي وأصحابه، فلم تكن له القدرة والنفوذ الذي يُمكّنه من مقاومتهم[1].
ذكريات مسجد حي وزير دفتر:
انتقل البرقعي إلى طهران، واشتغل بإمامة الناس وإرشادهم، في مسجد حي وزير دفتر، وهو مسجد بنت خالة مصدّق، وكان للكاشاني دور في إمامة البرقعي له، حينما رشَّحه للإمامة بعد وفاة الإمام السابق، فجاء معه وقدَّمه للصلاة وصلى خلفه.
وبعد مدة من الزمن، دبَّ الخلاف بين الكاشاني ومصدِّق وتفاقم، فانعكس هذا على موقف الناس من البرقعي؛ نظرًا للعلاقة التي تربطه بالكاشاني، فأصبح الناس على صنفين؛ فريق مؤيد للكاشاني والبرقعي ومُعادٍ لمصدّق، وفريق آخر مؤيد لمصدّق ومُعادٍ للكاشاني والبرقعي[2].
قبل مجيء البرقعي للمسجد، كان هناك مَن يجمع الناس في عاشوراء، ويدعو قرّاء المراثي وينظّم العزاء في المسجد، ويأخذ من وراء ذلك مبالغ طائلة من التجار وأعيان المنطقة، فلما أصبح إمامًا وقرب موعد عاشوراء، كان البرقعي أمام خيارين؛ الأول: السير على الطريقة السابقة، والمشاركة في أكل أموال الناس بالباطل، الثاني: الصدع بالحق والامتناع عن هذه الانحرافات، وهذا بدوره يجرّ إلى عداوة الجهلة وعامة الناس، ولكنَّه آثر الابتعاد عن طريقة المرائين المتاجرين باسم الدين، وكان لهذا ثمنًا باهظًا؛ إذ أوقعه ذلك في مشاكل وعداوات كثيرة[3].
رحلاته الدعوية:
حينما بلغ الأربعين من عمره أو أكثر بقليل، بدأ ببيان الحقائق الشرعية بمسجد حي وزير دفتر، كما كان يستغل الأسفار والمنابر في بيان ذلك، فيُجلّي معاني التوحيد للناس.
مدينة نيسابور:
في إحدى المرات ذهب إلى نيسابور؛ فرارًا من حرارة الجو في طهران، فأُخِذَ إلى المسجد لإقامة الصلاة جماعة وإلقاء محاضرة، وكانت نيسابور آنذاك تعجّ بالأفكار الصوفية، فاشتغل البرقعي بالرد على الصوفية وبيان أخطائها، فكثر الحاضرون عنده، حتى إنهم كانوا يأتون إليه من أماكن بعيدة، عبر السيارات أو بواسطة الدراجات الهوائية، وكان ذلك سببًا في وضوح أخطاء الأفكار الصوفية؛ حيث تبرَّأ منها كثير من الناس، وشكروه وثمَّنوا جهده.
وفي المقابل ذهب الصوفية، إلى إدارة نيسابور ومشهد، طالبين منع دروس البرقعي، فأرسل إليهم البرقعي[4]، وقال: «إذا كان لديكم كلام مفيد، فأنا جاهز للمباحثة والحوار، فلماذا لجأتم إلى أصحاب القوة؟ فلم يجيبوا بشيء»[5].
مدينة مشهد:
وفي إحدى أيام إجازات الشتاء سافر البرقعي إلى مدينة مشهد، فدعاه بعض أهلها للصلاة في مسجدهم وإلقاء الدروس، فاعتذر بأن للمسجد إمامًا، واقترحوا عليه وضع سجاد في الصحن العتيق، فيتمكن من إلقاء الدروس ليلًا، فاجتمع إليه الناس وبعض طلاب العلم، وبدأ حلقات التعليم في مدرسة ميرزا جعفر، فأُعجب الطلاب بدروسه، وقالوا: إنها أفضل من دروس سائر المراجع عندهم، فرَجَوْهُ أن يبقى في مشهد، ويواصل التدريس بها حتى يصبح مرجع التقليد فيها، واقترح عليه البعض أن يضع رواتب شهرية لطلاب العلوم الشرعية.
وهنا يذكر البرقعي بعض الأحداث التي عايشها، كان قاسمها المشترك هو المتاجرة باسم الدين، فقد جاءه واعظ من أهل مشهد يدعى توناني[6]، فدار بينهما الحديث التالي: «نحن نثني على آية الله الميلاني، ونعرّف الناس به كمرجع للتقليد، ويعطينا على ذلك مائة تومان، في كل مرة نذكره فيها، وحتى لو ذكرناه خمس مرات فهو يعطينا خمسمائة تومان، -وكانت المائة تومان وقتها تساوي مبلغًا كبيرًا-، فلو أعطيتنا مبلغًا، لنذكر اسمك على المنابر ونمدحك للزوار؟ فقلت: أولًا: ليس لدي مبلغ لأعطيكم إياه، ثانيًا: حتى لو كان المبلغ عندي، فلن أنفقه في هذه الأمور»[7].
وبعد أيام جاء خدام المسجد إلى البرقعي، وقالوا: لقد اتفقنا مع آية الله الميلاني، على أن أيّ زائر يأتي، نربطه مباشرة معه، كي يؤدي إليه الوجوه الشرعية، فيعطي لنا سهمًا من كل ما يأتيه من خلالنا، فإن كنت ستعطينا سهمًا محددًا مثله، من الوجوه الشرعية التي تأتيك، فنحن مستعدون لأن نأتيكم بالزوار، فقلت لهم: ليس هذا من طريقي[8].
وفي يوم آخر جاء ضابط برتبة عقيد يدعى صالحي، مكلَّف بجماعة هذا المسجد، وقال للبرقعي: طريقتنا في مشهد ألا يؤم الناس إلا من لديه تصريح رسمي! وهنا أدرك البرقعي أن الأوضاع في مشهد لا تصلح له؛ بسبب مضايقات المشايخ وتدخلات الدولة، ولهذا قرر مغادرتها والعودة إلى طهران[9].
مدينة قوجان:
سافر البرقعي إلى مدينة قوجان في أحد فصول الشتاء، فدعاه أهلها للإقامة فيها أيامًا لإمامتهم وإلقاء المواعظ، وطلب منه الشيخ الموحد الفاضل جلال الجلالي، أن يبقى لإرشاد الناس؛ فقبل الدعوة.
أوضح البرقعي لمن كان يحضر عنده في المسجد، أو في مدرسة (عوضيّة)، فساد بعض خرافات الصوفية، فما كان من الصوفية إلا أن لجأوا إلى إدارة المخابرات (السافاك)، وإلى إدارة الشرطة، فجاءه مسؤولو الشرطة، وهو على مائدة الغداء، فأخذوه ووضعوه بكل وحشية في سيارة الشرطة، وذهبوا به إلى إدارة السافاك، فلما دخل على رئيس الشرطة وسلَّم عليه، رد على البرقعي بكلام فاحش، وأخذ يضربه.
ثم نُقل البرقعي إلى إدارة الشرطة في مشهد وبات عندهم، فلما سمع أهل قوجان بما حصل للبرقعي، عطَّلوا الأسواق، وجاءت جماعة كبيرة منهم إلى مشهد؛ لمناصرته والوقوف معه، فانتهى الأمر بإطلاق سراحه وقت الظهيرة، وخرج فكان في انتظاره أهل قوجان، وقد استُقْبِلَ استقبالًا حارًّا[10].
وصف البرقعي خروجه من السجن وذهابه إلى قوجان، فقال: «وعندما أتينا قوجان رأينا الناس، من أهل قوجان والقرى التي حولها، قد اجتمعوا من نحو عشرين فرسخًا، وعندما قربت من المدينة، رأيت أنهم قد أتوا بكثير من الأبقار والخراف ليذبحوها، وقد بدا لي أن هذا العمل مشوبًا بالشرك، فمنعتهم أن يذبحوا لأجلي أي شيء... وكما أخبروني: هذا الاستقبال لم يسبق له نظير عندهم، وعندما دخلت المدينة حملوني فوق أكتافهم إلى المسجد، وصعدت على المنبر تلك الليلة وشكرتهم، ثم بيَّنت الحقائق القرآنية عدة ليالٍ، ثم رجعت إلى طهران»[11].
بداية الهداية:
وصف البرقعي البدايات الأولى لهدايته، فقال: «في هذه السنوات كنت أجد فسحة من الوقت، فاشتغلت بالمطالعة والتأليف والتدبر في آيات كتاب الله، وثبت لي شيئًا فشيئًا، أنني وجميع علمائنا غارقون في الخرافات، وأنَّا كنا نجهل معاني كتاب الله، وأن أفكارنا لا توافق القرآن، وببركة تدبُّر القرآن استيقظت شيئًا فشيئًا، وفهمت أن علماءنا ومقلديهم قد غيَّروا دين الإسلام، وأنهم باسم المذهب تركوا الإسلام الحقيقي.
وتبيَّن لي أن فئة باسم العارفين بالله، وأخرى باسم الشعراء والمفاخر الوطنية (القومية)، وفئة باسم الصوفية، وأخرى باسم الأخباريين، وأخرى باسم الفقهاء الأصوليين، وفئة باسم الحكماء والفلاسفة؛ كل هؤلاء ضيَّعوا الإسلام الأصيل، وروَّجوا أفكارًا بشرية زائغة عن الإسلام الصحيح»[12].
قام البرقعي بتأليف كُتُب يَرُدّ فيها على كل فئة من هؤلاء، ووضَّح أخطاءهم، وكان كلما أخرج كتابًا في الرد على فئة منهم، عَادَاهُ أصحابُها، فمثلًا تناول الصوفية ببعض الكتب مثل التفتيش وحقيقة العرفان، فعزم بعض مرشدي الصوفية على قتله، وهددوه بذلك عبر الهاتف، وأرسلوا له رسالة، يقولون فيها: إنهم سيضربونه بأصحابه؛ أيْ علماء الشيعة، وقاموا بجمع مبلغ كبير وأعطوه لمسؤولي وزارة الثقافة، حتى يجمعوا كل نُسَخ كتابه المطبوع المعنون باسم التفتيش[13].
وهنا يمكن القول: إن البرقعي قد ركّز على توضيح العقائد الصحيحة، وكشف العقائد الباطلة، وبيان ذلك للعوام، فكان كلما ألَّف في فنّ عاداه أهله، فعندما ألَّف كتابه الموسوم بـ(عقل ودين)، وهو ردّ على أهل الفلسفة وبيان مناقضة عقائد الفلاسفة للقرآن الكريم؛ لم يعجب ذلك المشايخ الذين يروّجون للفلسفة اليونانية.
وعندما ألَّف كتابًا بعنوان (فهرس العقائد الباطلة للشيخية)، أظهروا العداوة له، ولما ألَّف كتاب (الشعر والموسيقى) مبينًا مفاسدها، عادَاه الشعراء والمدّاحون، الذين يُردّدون الأشعار في المناسبات الدينية، ولما ألَّف كتاب (أحكام القرآن) عاداه الخرافيون[14].
أصداء كتاب (درس من الولاية):
إن أبرز مُؤلَّف للبرقعي كان سببًا في جمع الأعداء عليه، واتحادهم ضده، وجعلهم صفًّا واحدًا في مواجهته، كتاب (درس من الولاية)؛ إذ وضَّح فيه بعض الحقائق، وبيَّن من خلاله شيئًا من الشركيات، لدى مدّعي التشيع والصوفية والشيخية، وكتب فيه أن الأنبياء والأولياء، لا يشاركون الله في صفاته وأفعاله، وأن ولايتهم لا تتعدَّى الأمور التشريعية، فليس لهم قدرة على إيجاد الخلق والرزق.
انهالت على البرقعي التُّهَم والافتراءات مِن قِبَل علماء الدين آنذاك، على الرغم من أنه لم يَكتب فيه شيئًا سوى الآيات القرآنية والأحاديث الموافقة للقرآن[15]، وصف البرقعي ذلك، فقال: «كنت أعرف سبب مخالفة الصوفية والشيخية وأمثالهم كلهم لي، فكتابي هذا وكتبي السابقة، تجعل متاجرهم كاسدة، ولكن في هذه المرة عاداني أناس، كانوا يعدّون أنفسهم من المدافعين عن حقائق الشرع، فهل كسدت أيضًا مكاسبهم؟! على كل حال، قام كثير من أصحاب العمائم، وخاصة المداحين وقرّاء المراثي وغيرهم، بذمّي وتشويه صورتي والتحذير منّي.
وبعد صدور الكتاب مباشرة، دافع عني بعض العلماء مدة يسيرة، ولكنهم بعد أن رأوا الحملة التي قام بها أصحاب دكاكين المذهب، تراجعوا عن الدفاع عني وسكتوا، ولعل كثيرًا منهم لم يكونوا مستعدين، لمواصلة الدفاع عني أو عن كتابي»[16].
وقف البرقعي على منشور منسوب لآية الله الميلاني، يدّعي فيه أن كتاب (درس من الولاية) مخالف للقرآن الكريم، ولهذا ذهب بعض علماء قوجان إلى مشهد، وطلبوا من الميلاني الدليل على بطلان الحقائق التي ذكرها البرقعي، ولكنه عجز عن ذلك بعد مناقشة طويلة، غير أنه لم يتراجع عن البيان الذي أصدره[17].
ومن جهة أخرى، أجاب آية الله ذبيح الله محلاتي، على سؤال حول كتاب البرقعي، فقال: «قد قرأت كتاب (درس من الولاية) لحجة الإسلام العالم العدل السيد البرقعي، فرأيت عقيدة صحيحة، ورأيت أنه لا يُروِّج للوهابية إطلاقًا، وكلام الناس فيه اتهام باطل، فاتقوا الله حق تقاته، فإن السيد البرقعي إنما يردّ على أقوال ضالة»[18].
كما أثنى (علي مشكيني النجفي) على كتاب البرقعي، فقال: «أنا علي مشكيني، قد طالعت الكتاب المستطاب (درس من الولاية)، وسررت بمضامينه العالية، التي تطابق الدين السليم والقانون الشرعي»[19].
وهناك من أثنى على كتب البرقعي، وكتب كلامًا طويلاً كله مدح وإشادة بالبرقعي؛ فقال حجة الإسلام وحيد الدين مرعشي النجفي: «السيد العلامة البرقعي دامت إفاضاته العالية، شخص مجتهد عدل وإمامي المذهب... قد كتب مطالب عالية جدًّا، حول مكانة وشأن أمير المؤمنين (ع)، وسائر أئمة الهدى -عليهم السلام-، في كتاب (عقل ودين)، وكتاب (تراجم الرجال) الذي طُبع مؤخرًا، وفي جميع كتبه الأخرى.
وما أثاره عليه الأشخاص المغرضون والمتسرعون والمتعصبون، الذين لم يدرسوا كتابه المستطاب (درس من الولاية)؛ فهم بعيدون عن الإيمان، ويُجحفون السيد المعظم حقّه، وكلامهم ليس له تأثير على العلماء والعقلاء... وويل لمن آذى هذه الذرية الطاهرة، من أحفاد أئمة الهدى -عليهم السلام-، الذي عنده تصديق الاجتهاد، من عدد من المراجع، وهؤلاء إنما يتّهمون ويفترون على شخص مسلم، بل وعالم فقيه»[20].
أخذ وجهات نظر العلماء المعروفين:
لم يقف البرقعي عند هذا الحدّ، بل قام بخطوة إلى الأمام، فقال: «اجتهدت لأستوضح وجهة نظر بعض العلماء المعروفين، فذهبت إلى آية الله الحاج السيد عبدالحميد الماكوي، وهو وكيل آية الله السيد أبي القاسم الخوئي في طهران، وبيَّنت له القضية، وطلبت أن يوضّح رأيه في هذا الشأن، ولكنه مع الأسف لم يتجرأ، فاضطررت أن أطلب منه، أن يعلن كمندوب عن آية الله الخوئي رأيه، في موضوع الولاية التكوينية للأنبياء والمعصومين.
على كل حال لم يأخذ اسمي وقبل أن يعلن رأي الخوئي في المسألة، أتته الضغوط والاعتراضات وعلم أنه في خطر، فأنكر أنه أخرج شيئًا، بل قال: إن البرقعي قد خدعني وأجبرني، وقال كلامًا آخر من هذا القبيل... وأنا أنتظر يومًا سيحكم الله فيه بيننا»[21].
لقد سبق لهذا الوكيل أن نقل فتوى الخوئي، الواردة في كتاب التنقيح في شرح العروة الوثقى، (ج2/ص73)، وذيَّل اسمه في آخر الفتوى، بصفته مندوبًا عن الخوئي، وهذا نصها: «لا إشكال في نجاسة الغلاة، وفيهم مَن يُنسَب إليه الاعتراف بألوهيته –سبحانه-، إلا إنه يعتقد أن الأمور الراجعة إلى التشريع والتكوين، كلها بيد أمير المؤمنين أو أحدهم، فيرى أنه المحيي المميت، وأنه الخالق الرازق، وأنه الذي أيَّد الأنبياء السالفين سرًّا، وأيَّد النبي الأكرم جهرًا.
واعتقادهم هذا وإن كان باطلًا واقعًا، وعلى خلاف الواقع حقًّا؛ حيث إن الكتاب العزيز يدل على أن الأمور الراجعة إلى التكوين والتشريع، كلها بيد الله –سبحانه-... إلى أن قال: الاعتقاد بذلك عقيدة التفويض؛ لأن معناه أن الله -سبحانه- كبعض السلاطين والملوك، عزل نفسه عما يرجع إلى تدبير مملكته، وفوَّض الأمور الراجعة إليها إلى أحد وزرائه، وهذا كثيرًا ما يتراءى في الأشعار المنظومة بالعربية والفارسية؛ حيث ترى أن الشاعر يسند إلى أمير المؤمنين بعضًا من هذه الأمور.
وعليه فهذا الاعتقاد إنكار للضروري، فإن الأمور الراجعة إلى التكوين والتشريع، مختصة بذات الواجب -تعالى-، فيُتبنَّى كُفْر هذه الطائفة، على ما قدّمناه من إنكار الضروري»[22].

================================
[1] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (ص65).
[2] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (ص66).
[3] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (ص66).
[4] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (73-74).
[5] سوانح الأيام، البرقعي، (ص74).
[6] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (74-75).
[7] سوانح الأيام، البرقعي، (ص75).
[8] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (75-76).
[9] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (ص76).
[10] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (78-79).
[11] سوانح الأيام، البرقعي، (ص79).
[12] سوانح الأيام، البرقعي، (ص72).
[13] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (ص72).
[14] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (ص76).
[15] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (ص80).
[16] سوانح الأيام، البرقعي، (ص80).
[17] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (ص80).
[18] سوانح الأيام، البرقعي، (ص81).
[19] سوانح الأيام، البرقعي، (ص81).
[20] سوانح الأيام، البرقعي، (81-82).
[21] سوانح الأيام، البرقعي، (82-83).
[22] سوانح الأيام، البرقعي، (ص83).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 07-07-2024, 09:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,047
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مذكرات البرقعي

مذكرات البرقعي (4-7)


د. عادل بن صالح أحمد الغامدي





علاقة البرقعي بآية الله الخوئي وآية الله الشاهرودي:
كانت علاقة البرقعي بالخوئي قوية جدًّا، ولهذا كان الخوئي معجبًا بكلام البرقعي، وكذلك الحال مع آية الله الشاهرودي، وقد تحدَّث عن هذا فقال: «وكان آية الله الخوئي يعرفني جيدًا، وأذكر أني لما كنت أحاضر في النجف، وكنت وقتها مبتلًى بالخرافات، كان يُعجبه كلامي كثيرًا، ولشدة تأييده وإظهار رضاه عني، كان يُقبّل فمي بعد نزولي من المنبر، والسيد الشاهرودي أيضًا، كان يُشجّعني ويمدحني كثيرًا»[1].
لم تكن منزلة البرقعي معروفة لدى هذين الاثنين فقط، بل لقد كان معروفًا لمراجع النجف، واستعانوا به، في تدريس طلابهم، فقال: «وفي الوقت الذي انتشرت فيه الفِرَق الباطلة المتَّبِعَة للفلاسفة في النجف، رغب بعض الطلاب أن يتعلموا الفلسفة، فطلب مني مراجع النجف، أن أشرحها لطلاب تلك المنطقة؛ بسبب عدم تضلُّعهم بها، وكان أكثرهم لا يعلمون مُعارضة الفلسفة للقرآن والسُّنة.
ولهذا السبب كان آية الله شاهرودي، يبسط لي بساطًا في ساحة منزله، ويطلب مني أن أُبيِّن للطلاب المسائل الاعتقادية، وقد قبلتُ طلبه، وأخذتُ أبيِّن الحقائق للطلاب، وكان يُظهر رضاه ويحترمني، لكن في هذه الأيام الأخيرة، لما حاربت الخرافات تركني كل مَن يعرفني وسكتوا، بل أظهر بعضهم مخالفتي»[2].
علاقة البرقعي بآية الله محمد كاظم شريعتمداري:
جمعت البرقعي بشريعتمداري علاقة قوية، بدأت إبَّان الدراسة الحوزوية، حتى بلغت إلى التزكية والتأييد، والإجازة في التصرفات الشرعية عندهم، ولكن ذلك تغيَّر لاحقًا، وصف ذلك البرقعي، فقال: «ولأني كنت في شبابي، وفي أيام التحصيل، أدرس مع آية الله السيد كاظم شريعتمداري، وكانت لي علاقة معه أيام إقامتي في قم، ولم أكن أظن أنه سيترك الإنصاف، فقد دافَع عني قبل صدور كتابي (درس من الولاية)، وأهم من ذلك أنه كتب تأييدًا وتزكيةً لي، وكان يرى أن تصرفاتي في الأمور الشرعية مُجازة.
وبعد صدور كتابي (درس من الولاية) اختار السكوت، وبسبب علاقتي القديمة معه، فقد طبعت ووزعت جوابه على استفتاء صدر منه في هذا الموضوع، فطبعت الفتوى في ورقة صغيرة، وكنت أعطي هذه الورقة لكل من يأتي إلى منزلي أو المسجد»[3].
يشير البرقعي إلى نص الفتوى المتعلقة بالولاية التكوينية والشرعية، ففي سؤال وُجِّه لشريعتمداري، وهو: «انتشر كتاب بعنوان (عقائد الشيعة)، وقد ذكر الكتاب أننا نعتقد أن الإمام والرسول صلى الله عليه وسلم ، يتصرفون في أمور العالم بإذن الله، فهل هذا الأمر من عقائد الشيعة حقيقة؟ وهل على هذا دليل عقلي أو نقلي يثبت ذلك؟ الجواب: بسمه تعالى: جميع أمور الدنيا بيد الله -سبحانه وتعالى-، والإمام -عليه السلام- والرسول صلى الله عليه وسلم ، واسطتان لإيصال الأحكام الإلهية»[4].
إذن كان كتاب البرقعي نقطة فاصلة في علاقاته مع مراجع الشيعة، وبسبب الضجة حول هذا الكتاب، اختار بعض المراجع ومنهم شريعتمداري الانضمام لمخالفي البرقعي، الذي وصف ذلك فقال: «وآية الله شريعتمداري لم يكن يُخالفني حتى بعد نشر كتابي (درس من الولاية)، ولكنه بسبب الضجة لم يسكت، بل انضم إلى صفّ المخالفين وأعدائي الخرافيين، الذين خافوا أن يكون كتابي وكتبي الأخرى، سببًا لكساد سوقهم، خاصةً في شهر محرم تلك السنة»[5].
لم يكتفِ المخالفون للبرقعي بانضمام شريعتمداري لهم، بل سعوا في شهر المحرم من سنة 1397ه إلى استصدار رسالة مكتوبة، يعلن فيها البراءة من البرقعي، وذلك بغية محاصرة أثر مؤلفات البرقعي، ولهذا قام عدة أشخاص بإرسال رسالة إلى شريعتمداري، يطلبون منه أن يُعلن عن رأيه صراحة في البرقعي، فهم يقولون في السؤال: إنك سبق أن أجزته بالاجتهاد في كل الأمور الشرعية، فهل هذه الإذن صدر قبل أن يصبح وهابيًّا سُنيًّا، وقبل اعتقاده شرك المراجع، واتهامه للشيعة بالبدعة؟ أم هو بعد هذا؟[6] فأجابهم بقوله: «إن الإذن المكتوب تاريخه قبل هذه الأمور، والآن ليس للسيد أبي الفضل البرقعي أيّ علاقة بنا، والإذن الذي كتبته له بتاريخ قديم جدًّا، وهو باطل، وقد محا البرقعي تاريخه عمدًا»[7]، تلقّف هؤلاء هذه الفتوى، فقاموا بنشر جواب شريعتمداري، وعُلقت الفتوى في كل مكان، ومن ذلك أنها عُلقت على باب مسجد البرقعي[8].
كان هذا الموقف من شريعتمداري بمثابة إسدال الستار، على تلك العلاقة القديمة التي جمعته بالبرقعي، ولكنَّ البرقعي لم يُفاجأ من موقف شريعتمداري هذا؛ إذ فعل الشيء نفسه مع شخص آخر، فقال: «كنت أعرف السيد كاظم شريعتمداري من عهد التحصيل في الحوزة العلمية بقم، فقد كنَّا في صفّ واحد، وهو يعرفني جيدًا، ولكن لما ارتفع صوت أرباب البدعة، لم يقدم أدنى دفاع عني، تمامًا كما لم يدافع عن جاره، آية الله علي أصغر محيي الدين بنابي، الذي قدم من أذربيجان وبالتحديد من بناب وتبريز، وبدأ يبين حقائق القرآن مثل ما كنت أبيِّن، فأزاح غبار البدع والخرافات، عن وجه الإسلام المضيء فماذا حدث؟ تركه شريعتمداري وحيدًا، أمام المخالفين والخرافيين والمدافعين عن البدع... وهكذا فعل معي، فلم يكتفِ بالتخلي عني وكتمان الحق، بل كما لاحظتم أصدر بيانًا ضدي، مع أنه قبل ذلك كانت بيني وبينه روابط وثيقة وذكريات»[9].
من قصص البرقعي مع شريعتمداري
حلَّ البرقعي مع آخرين ضيوفًا في منزل شريعتمداري، فتكلم عن أصول الدين، وسأل البرقعي شريعتمداري: كم عدد أصول الدين؟ فقال: خمسة، فرد عليه البرقعي، وقال: هل عندنا آية أو حديث ينص على أنها خمسة؟ قال: لا. فقال البرقعي: بأي دليل تستند على أنها خمسة؟ ولماذا لم تكن ثلاثة أو أربعة أو حتى ستة؟ ففكر شريعتمداري، ثم قال: الحقيقة ليس لدينا حديث يدل على أنها خمسة، ولكن توصَّل علماؤنا بعد التحقيق، وبالأدلة العقلية والبراهين العلمية إلى هذه النتيجة[10]، «عندها ضحكت من جوابه فتعجب، وسأل: لِمَ تضحك أيها السيد البرقعي؟ فقلت: لأني أفهم منكم، أن الله -تبارك وتعالى- بعث رسولًا وأنزل كتابًا، وقال للناس: آمِنُوا، وأمَر الرسول أن يجاهد الناس حتى يؤمنوا، ولكن لم يُبيِّن في كتابه بِكَمْ يؤمن الناس من الأصول، بل قال: اصبروا مئات السنين، وسيخبركم علماء الحوزات بالأدلة العقلية والبراهين العلمية، بِكَمْ أصل تؤمنوا!! ألا يضحك مثل هذا المذهب؟! في حينها ضحك السيد شريعتمداري»[11].
علَّق البرقعي على هذه المسألة، وبيَّن الباعث لها، فقال: إن هؤلاء العلماء يعلمون جيدًا، أنهم إن رجعوا للقرآن، للاستدلال على عدد أصول الدين، فسيشكل الأمر عليهم جدًّا، ولهذا لجأوا إلى الاستدلال عليها بأمور أخرى، فقال: «ولهذا السبب نرى علماءنا يأتون إلى المسألة، من أول الأمر بدون القرآن، فيقولون: إن الأصول الخمسة قد أثبتها علماؤنا، بعد التحقيق بالأدلة العقلية والبراهين العلمية! ولدفع هذا الإشكال، ومن أجل تعريف الناس بأصول دينهم، ألَّفت كتابًا صغيرًا نحو عشرين صفحة، سميته (أصول الدين في نظر القرآن)، وقد وُزِّع بين الإخوة بصورة محدودة، بيَّنت فيه أصول الدين بوضوح بالأدلة القرآنية»[12].
عاقبة شريعتمداري:
لقد أثَّر موقف شريعتمداري في نفس البرقعي، فدارت الأيام وإذ بشريعتمداري يُجازَى بمثل ما فعل مع أصدقائه وجيرانه، فكان الجزاء من جنس العمل، وحكم عليه الخميني بالإقامة الجبرية في منزله، وصف ذلك البرقعي، فقال: «أما عن عاقبة شريعتمداري فبدأت مع عزم الشاه على إعدام السيد الخميني... فأراد شريعتمداري أن يقطع الطريق على الشاه، فأصدر إعلانه بأن الخميني بلغ درجة المرجعية، مع أن السيد الخميني وقتها لم يكن ذا رتبة علمية بين عامة العلماء، ولكن لما تولى الخميني السلطة بعد الشاه، ضاق صدر شريعتمداري؛ لأن الخميني علا عليه في الرتبة، فبدأ الخلاف والعداء يظهر منه تجاه السيد الخميني، وقيل بعد ذلك: بأنه كان على عِلْم بانقلابٍ ضد حكومة الخميني، ولكنه سكت ولم يُخبر عنه، ثم بدأت الصحف تُظهر أشياء من تاريخ شريعتمداري، فأظهرت صورته وهو جالس إلى جوار الشاه، وهو أمرٌ أسقطه عند العامة والخاصة، بل حتى مرجعيته سقطت بين المقلدين، نسأل الله أن يجعل عواقب أمورنا إلى خير»[13].
وضَّح طالب الرفاعي ما قام به الخميني وحكومته تجاه شريعتمداري، فقال: «فمن الإجراءات التي اتُّخِذَتْ ضده، هجومهم على مؤسسته دار التبليغ، وطلبوا من المرجع الكبير الظهور على شاشة التلفزيون، يعلن فيها اعتذاره، فخلعوا عمامته، وحصلت اعتداءات كثيرة»[14].
قبل وفاة شريعتمداري وأثناء الإقامة الجبرية، يحصل موقف مؤثر، وموعظة بليغة، كانت بمثابة نفثة مصدور، وآهات مظلوم، اكتوى بنار ظلم شريعتمداري، حينما أرسل البرقعي رسالة، يَعِظ فيها شريعتمداري، ويُذَكِّره بمواقفه السابقة، وأقواله تجاهه، فقال: «وفي تلك الأيام وأثناء إقامة شريعتمداري الجبرية في منزله (التي فرضتها عليه السلطات)، كتبتُ له رسالة قلت فيها: إن كان البرقعي لم يكن منك ولا معك، فإن رب البرقعي لم يكن معك فيما وقع لك، تُبْ الآن من إعراضك عن الحق، وإلا فإن آخرتك ستكون أسوأ من دنياك بكثير»[15].
ظل شريعتمداري قيد الإقامة الجبرية حتى وفاته، فلما تُوفِّي أخذ الحرس الثوري جنازته، ودفنوها بمعرفتهم في مكان غير معروف، وذلك سنة 1985م[16].
موقف محمد عليّ الأنصاري:
قام أحد مشايخهم، ويدعى محمد علي الأنصاري، بطباعة كتاب بعنوان (الدفاع عن الإسلام وعلماء الدين)، وصف فيه البرقعي بأبشع التُّهَم وأقذع الشتائم، بيَّن هذا البرقعي[17]، فقال: «وَصَفني في هذا الكتاب بالنَّجِس والضَّال، وبأنني لا أستحي وبالمجنون والناصبي، وأنني أقبح من المجوس واليهود وبالغبي، وأنني أقبح من الحجاج بن يوسف وزياد بن أبيه، ووصفني كذلك بالخبيث والسيئ وعديم الدين، وشبَّهني بمُؤسِّس البابية، سيد محمد علي الباب.
كما اتهمني بغير دليل بأنني طلبت مبلغًا من المملكة العربية السعودية، وأنني أتلقَّى توجيهات من الخارج، كما اتَّهمني بأنني أنكر حديث الغدير، بل اتهمني بأنني أُنكر السُّنة، وأنني أعادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واتهمني بمعاداة عليّ -عليه السلام-؛ معاذ الله من ذلك»[18].
كل هذه الإساءات والتُّهَم والشتائم، وهو لم يعرف البرقعي في يومٍ من الأيام، بل زاد الأمر وعمد إلى نسبة كلام إلى ابن البرقعي يسيء فيه إلى والده، ويقول: إن الابن مُخالف لأبيه، وهو لا يعرف لا الابن ولا والده، ولهذا رفع ابن البرقعي دعوى قضائية، فطلب الأنصاري العفو، وعرض على الابن مبلغًا ماليًّا حتى يترك الدعوى.
تم تهديد البرقعي وابنه بهدف سحب الشكوى، كما دخلت بعض الشفاعات إلى المحكمة لتبرئة الأنصاري، واستمرت الدعوى تسعة أشهر، تخللها جلستان شكليتان، فكان الأنصاري يُدْعَى للمحكمة فلا يَحضر، حتى فرضت المحكمة على المدعى عليه، أن يكتب رسالة اعتذار توبةً منه مما افتراه، واعتذار منه تجاه البرقعي وابنه[19].

الكتب والمؤلفات في الرد على كتاب (درس من الولاية):
خرجت بعض الردود على كتاب البرقعي (درس من الولاية)، وهذه أمثلة لأبرزها: كتاب (إثبات الولاية الحقة) لمؤلفه عليّ النمازي الشاهرودي، وكتاب (الدفاع عن حريم الشيعة) من تأليف رضا محلوجي، وكتاب (حقيقة الولاية) ألَّفه محمد باقر رشاد زنجاني، وكتاب (عقائد الشيعة) لمؤلفه خندق آبادي.
طالع البرقعي غالبية هذه الردود فوصفها بأنها غريبة وبعيدة عن الطرح العلمي[20]، ولم يجد فيها شيئًا يستحق النظر والتأمل، فقال: «ويمكنني القول بأنهم كتبوا في الرد على العقائد التي أوضحتها، حوالي مائة كتاب، وقد طالعت أكثرها، فلم أجد فيها ما يستحق النظر والتأمل»[21].
وفي مقابل هذه الردود قام أحد تلامذة البرقعي، وهو السيد محمد تقي خجسته، بإعداد الإجابات على هذه الكتب، عبر جمع أجوبة ومناقشات البرقعي على هذه الكتب، وطبعها في كتابين: الأول بعنوان (حديث الثقلين أو تعقيب على الشيخين نمازي ومحلوجي)، والثاني عنوانه (إشكالات حول كتاب درس من الولاية والحكم بشأنها)[22].
لقد كان البرقعي فيما مضى مرضيًّا عند هؤلاء المراجع وأتباعهم، ثم انقلب الحال إلى ما تقرأ، وهنا أورد البرقعي بعض مواقف القوم من مؤلفاته في الماضي، فقد كتب له أبو الحسن الأصفهاني إجازة الاجتهاد، وقام حسين الطباطبائي القمي بتجديد طبع كتاب البرقعي المسمى (حقيقة العرفان)، كما قام شريعتمداري بشراء خمسين نسخة من كتابه (عقل ودين)؛ رغبةً في مساعدته وإعانته، كما اشترى مراجع آخرون نُسخًا متعددة من الكتاب، وعلى رأسهم الخميني؛ إذ اشترى مائتي نسخة من الكتاب نفسه![23].
مراحل تحوُّلات البرقعي العقدية:
قد يتبادر إلى ذهن القارئ سؤال: كيف تغيَّر موقف البرقعي من التشيع الإمامي إلى موقف أهل السنة والجماعة؟
ويمكن الإجابة عن هذا السؤال، بأن هناك رأيين في محاولة فهم مراحل تحوُّلات البرقعي العقدية، فقد ذهب الدكتور خالد البديوي إلى أن البرقعي مرَّ بثلاث مراحل؛ هي:
المرحلة الأولى: كان البرقعي فيها متعصبًا للإمامية، والثانية: قام خلالها البرقعي بالإصلاح عن طريق السياسة؛ إذ كان يرى الدخول في المجال السياسي من أجل إصلاح أوضاع الناس الدينية والسياسية، والثالثة: قام البرقعي بالإصلاح الديني، عبر جهود نقدية جادة، حارب خلالها الغلو والخرافات وجاهدها[24].
كما ذهب رسول جعفريان إلى تقسيم هذه التحولات إلى ثلاث مراحل؛ فقال: المرحلة الأولى: ذهب فيها البرقعي بهدوء إلى بعض الحركات المنحرفة مثل الصوفية، فأنكر عليهم واتهمهم بالخرافة والبدعة. والثانية: حاول البرقعي أن يبرز خلالها، بصورة معتدلة، فيذكر بعض عقائد الإمامية المنتشرة بين الشيعة ويصفها بالخرافة، ولكن ذلك لم يمسّ أصول المذهب وأركانه. وأما الثالثة: فقد انتقد البرقعي أصل وأصول التشيع، ولهذا يرى جعفريان أن البرقعي هنا أصبح من أتباع الدعوة الوهابية[25].
وهذه محاولات جيدة في فهم مراحل التحول العقدي لدى البرقعي، ولكني أميل إلى ما ذهب إليه الدكتور خالد التويجري، حينما قال: «ولعل الأقرب -والله أعلم- فيما يتعلق بمراحل تحولات البرقعي، أنها كانت متدرجة ومتداخلة، ويصعب ضبطها بفترات محددة من عمره -رحمه الله-، لكن يجمعها أنه كان يبحث عن الحق ويسعى إليه، وبمجرد مناقشته في قضية بالدليل والبرهان يرجع إلى الحق، كما أخبر بذلك مَن كان يجالسه في دروسه»[26].
================================

[1] سوانح الأيام، البرقعي، (140-141).
[2] سوانح الأيام، البرقعي، (ص141).
[3] سوانح الأيام، البرقعي، (ص84).
[4] سوانح الأيام، البرقعي، (ص84).
[5] سوانح الأيام، البرقعي، (ص85).
[6] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (ص85).
[7] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (ص85).
[8] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (ص85).
[9] سوانح الأيام، البرقعي، (ص86).
[10] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (ص86).
[11] سوانح الأيام، البرقعي، (ص86).
[12] سوانح الأيام، البرقعي، (ص88).
[13] سوانح الأيام، البرقعي، (ص103).
[14] أمالي السيد طالب الرفاعي، رشيد الخيون، (ص350).
[15] سوانح الأيام، البرقعي، (103-104).
[16] انظر: أمالي السيد طالب الرفاعي، رشيد الخيون، (ص350).
[17] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (123-124).
[18] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (123-124).
[19] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (ص124).
[20] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (ص88).
[21] سوانح الأيام، البرقعي، (ص96).
[22] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (ص89).
[23] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (ص90).
[24] انظر: أعلام التصحيح والاعتدال، خالد البديوي، (69-81).
[25] انظر: المنظمات والمؤسسات الدينية والسياسية في إيران، رسول جعفريان، (ص141).
[26] البرقعي وجهوده في الرد على الرافضة، خالد التويجري، (ص187).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 06-08-2024, 02:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,047
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مذكرات البرقعي

مذكرات البرقعي (5-7)


د. عادل بن صالح أحمد الغامدي




السجون في حياة البرقعي:
فيما بعد قام البرقعي بتأليف بعض الكتب مثل «كسر الصنم»، و«دراسة علمية لأحاديث المهدي»، وهناك كتب ترجمها من العربية إلى الفارسية، مثل «المرشد إلى السُّنة في الردّ على أهل البدعة»، وهذا ما دعاهم إلى سجنه فحقّقوا معه، وأُخذ إلى غرفة صغيرة، طولها 130سم وعرضها متران، بقي فيها ستة أشهر، ثم نُقِلَ إلى سجن خاص بعلماء الدّين، حتى أكمل أربعة عشر شهرًا في سجن إيفين[1].
وصف البرقعي أوضاع هذا السجن، فقال: «كان السجن الخاص برجال الدين، أسوأ حالًا من الغرفة الانفرادية من وجوهٍ؛ فقد سجنوني مع بعض المشايخ الخرافيين المتعصبين الذين يغلب عليهم الجهل... أما بالنسبة للطعام في السجن فكان مناسبًا للشباب، أما أنا فلا يناسبني؛ لأنه لا أسنان لي، وليست لي القوة على الهضم، فكنتُ لا آكل إلا القليل وبصعوبة بالغة، والخبز الذي يُقدَّم سيئ، ولهذا كنت أطلب منهم أن يشتروا لي خبزًا غيره، على نفقتي، وأتناوله»[2].
بقي البرقعي في سجن إيفين أربعة عشر شهرًا، ثم طلبته إدارة السجن، وقالت له: أنت تستحق الإعدام، ولكن لكِبَر سنّك خُفِّف الحكم إلى النفي مدة خمس عشرة سنة إلى مدينة يزد، بعد أن تأتي بكفيل، حتى يتم إطلاق سراحك.
خرج البرقعي بكفالة وبدون محاكمة، وطلبوا منه أن يحضر لدى مدير شرطة يزد خلال أسبوع، ذهب البرقعي واستأجر بيتًا في يزد، ولكن لم يَدعه أهله أن يبقى فيه أكثر من ثلاث ليال، فقد جاءته مجموعة من الشرطة، وأخذوه إلى السجن، وبقي فيه ثلاثة أشهر.
كان هذا السجن أسوأ من سجن إيفين، وقد اشتد عليه أذاهم، وقالوا له: «إنهم يُنفّذون الأوامر القادمة من طهران»، وحينما طلب منهم الخروج المؤقَّت، اشترطوا عليه دَفْع كفالة ضخمة جدًّا، وكان مبلغًا يستحيل على مثله أن يجده، وكأنها كانت حجَّة لعدم خروجه من السجن.
كتب البرقعي رسائل للخميني، وأعطاها لمسؤولي السجن لكي يُوصّلوها، كما كتبت ابنته رسالة كذلك للخميني، ثم أرسل البرقعي بعدها رسالتين إلى الخميني وخامنئي، ثم كتب رسالة لمنتظري، وكذلك فعلت ابنته، كما كتب رسالة إلى وزير الاستخبارات والأمن[3].
ثم يأتي الفرج ويخرج من السجن، ولكن اشترطوا عليه شرطًا صعبًا، وفي هذا يقول البرقعي: «الحاصل أنه بعد سجن دام ثلاثة أشهر في يزد، أطلقوا سراحي بشرط أن آتيهم بعد شهر بنفسي، لأسجل حضوري لديهم يوميًّا»[4]، ثم انقضى الشهر فكان لزامًا أن يرجع إلى يزد، ولكن يُقدِّر الله أمرًا، فيمرض البرقعي مرضًا شديدًا، حتى أُدخل المستشفى، غير أن السلطات لم تُراعِ حاله هذا، فقد أمرته بالذهاب إلى مدينة يزد على هذه الحال!
ذهب البرقعي إلى يزد، وانقضت أيامًا وهو يُعرّف بنفسه يوميًّا، ثم خُفِّف الأمر حتى أصبح يأتيهم كل ثلاثة أيام، وفي هذه الأثناء يموت الخميني، ويكتب البرقعي رسالة إلى خامنئي، الذي أصدر أمرًا بإطلاق سراحه.
عاد البرقعي إلى طهران، ونظرًا لأن منزله غير متاح؛ إذ يوجد فيه مستأجر لا يريد الخروج، قرر الذهاب إلى مشهد، فلما دخل خراسان جاءه اتصال، بأن ثلاثة أشخاص هجموا على منزله في طهران، وقالوا: «إن السيد هرب من سجن يزد، وقد جئنا لنُعيده»!
أيقن البرقعي أنهم يريدون قتله، وأن عودته إلى طهران غير آمِنة، والأفضل له في هذه الحالة الاختفاء مدة من الزمن، فبقي كذلك ثلاثة أشهر، كتب فيها كتابه هذا (سوانح الأيام)، وسرد فيه ما جرى له في حياته، وكان ينتقل من منزل إلى آخر، وهو رجل طاعن في السن بلغ عمره ثلاثة وثمانين عامًا، ثم اضطر أن يكتب رسالة ثانية لخامنئي[5].
رجع البرقعي إلى طهران، وذهب إلى قرية اسمها (كن)؛ حيث يقع فيها منزل ولده محمد حسين البرقعي، وهنا يصف تلك اللحظات، فيقول: «أنا أكتب هذه السطور اليوم، ولا أعلم هل ستكون آخر أيامي في هذه القرية (كن)، أم لا؟، ولكن مما سرّني أن أهل كن، أسلم من غيرهم وأحسن، ولهذا أوصيت أن أُدْفَن بها»[6].
اشتغل البرقعي على إصلاح مؤلفاته، وخاصةً تلك التي كتبها بعد الثورة؛ إذ كان يمر بظروف صعبة، رافقها تشتُّت الخاطر، وفقدان كثير من المصادر، ثم استُدْعِيَ للتحقيق للمرة الرابعة سنة 1990م، فهيَّأ نفسه للسجن وذهب، وبعد التحقيق قالوا له: انتظر في الخارج، فنام، وبعد قليل أيقظه أحدهم، وقال له: تستطيع الذهاب![7]، وهنا قال البرقعي: «قبل هذه الحادثة، لم أكن مهتمًّا بإتمام ما كتبته عن حياتي، ولكن هذه الحادثة دفعتني لذلك»[8].
تكفير البرقعي والحكم عليه بالفسق:
تترسخ قناعة لدى البرقعي، بأن دولة الشاه كان لها دور كبير، في بعض ما تعرَّض له، فهو يرى أن كثيرًا ممن تزعموا تكفيره وتفسيقه وسبّه على المنابر، كانوا على علاقة مع أجهزة الدولة، مثل السافاك، وذكر بعض الأسماء، وهم: أشرف كاشاني، وجواد مناقبي، ومحمد رضا نوغاني، وإبراهيم ميلاني، والسيد شجاعي، وغيرهم، ويقول: إن علاقتهم بهذا الجهاز قد انكشفت بعد سقوط نظام الشاه، وظهور بعض الوثائق المؤكدة لذلك[9].
وعلى ذكر المدعو السيد شجاعي، ذكر البرقعي حادثة وقعت له مع هذا الرجل، فقد كان هذا الرجل ممَّن كفَّر البرقعي، فاتفقا للذهاب إلى المرجع آية الله الخوانساري، ليكون حَكمًا في أمر البرقعي، الذي وصف ذلك، فقال: «وعندما وصلنا إلى منزله، ورأيت جمال البيت واتساعه وأنواع الزينة والنقوش، وظهر لي زهد آية الله! هنا قلّ رجائي في الخوانساري أن يقول الحق... والخلاصة أننا عرضنا عليه القضية وطلبنا منه الجواب؟ فقال: البرقعي ضالّ؛ لأنه يقرّر في هذا الكتاب، أن كتاب الكافي للكليني ليس بكافٍ، ويقول: بأن القرآن يكفي، فقلت: إن هذا الكلام لا يكفي، لتحكم عليَّ بالضلال والفسق، ولكن الخوانساري أصرَّ على رأيه»[10].
ذكر البرقعي شاهدًا على علاقة علماء الشيعة بنظام الشاه آنذاك، واستغلالهم للدين في جمع الأموال، فذكر آية الله هادي الميلاني، الذي صرف عمره بدراسة الفلسفة اليونانية في النجف على يد الشيخية، ثم جاء إلى مشهد وهو فقير، ثم مات بعد أن ترك ثروة تُقدَّر بالملايين[11]، فقال: «جاء هذا السيد إلى مشهد، وليس لديه إلا عباءة عفا عليها الزمن، وعندما مات ترك ثروة لأولاده تُقدَّر بالملايين، واتضحت مؤخرًا علاقته بأجهزة الشاه، وقد ابتُلِيَ آخر أيامه بسرطان المعدة، ثم ودَّع الدنيا ومناصبها»[12].
اشتكى البرقعي من تهديدهم له، وهو مَن شارك بالمظاهرات ضد الشاه، وتعرَّض للإيذاء هو وعائلته وأصحابه مِن قِبَلهم، حتى بلغ الأمر إلى تكفيره مِن قِبَل المُعمّمين الجهلة، فقال: «والآن يهددوني بكل خيانة، مع أني شاركت في جميع المظاهرات ضد الشاه الطاغوت، وقد أُصيب حفيدي محسن بالرصاص مع مجموعة من الأصحاب، وقتلوا زوجتي، والآن يُكفّرني كلّ مَن وضع عمامة على رأسه، مع أنه لا يعلم من أصول دينه شيئًا»[13].
ونتيجة لهذه الحملة المنظمة ضد البرقعي من الحُكم عليه بالفسق، ثم القول بكفره، فإنه تعرَّض إلى بعض حوادث الظلم والجور، ومن ذلك ما وقع له في قرية اسمها (كن)، فقد كان لهذه القرية طريقان؛ طريق تُستخدَم بكثرة مِن قِبَل الباصات والسيارات، وأخرى غالبًا ما تكون خالية، إلا من بعض السيارات الشخصية، فوقفت له سيارة وعرض سائقها على البرقعي، أن يُوصّله إلى قرية (زيبا)، وفي الطريق يفتح السائق الباب، ويدفع البرقعي إلى خارج السيارة بقوة، ويسقط الشيخ الكبير في السن على الأرض![14]
فتاوى قتل البرقعي ومحاولة اغتياله:
تصاعدت حدة الصراع بين البرقعي ومخالفيه، حتى تجاوز ذلك السبّ والشتم والتفسيق والتكفير، إلى أن وصل إلى حد القتل، فقال: «وتطوَّر الأمر فصمَّموا على قتلي، وأصدر الشيوخ الجهال فتوى بقتلي، وكان هذا الجاهل سيدًا يسمى (بعلوي)، وكان صهر آية الله البروجردي، وقد أعلن أنه جمع مائتي ألف تومان سيكافئ بها من يقتلني... وأظن أن المُحرِّض له دولة الشاه وجهاز مخابراته (السافاك)، أو اليهود»[15].
لم يكن صهر البروجردي وحده مَن أمر بقتله، بل كان هناك آخرون تولوا هذا العمل، على رأسهم رجل يدعى سيد خسروشاهي، ظل يُكِنّ العداوة والخصومة للبرقعي، وكان يطمع في تولي الإمامة في مسجده، وله مع البرقعي مواقف عديدة، يقول البرقعي عن ذلك: «وقبل سنوات من إغلاق المسجد، قام بإغراء بعض الجهال بمبلغ من المال ليقتلوني في اليوم التاسع عشر من شهر رمضان المبارك... فسبحان الله! العجب أن هؤلاء الشيوخ يدّعون حبّ عليّ -رضي الله عنه-، ولكنهم يعملون عمل ابن ملجم قاتل عليّ»[16].
وفي إحدى الليالي دخل أحدهم المنزل، وكان البرقعي يصلي صلاة العشاء، فوصل إلى الركعة الثانية، فوصف ما حدث له، فقال: «فصوب إليَّ المسدس وأطلق عليَّ رصاصة، فدخلت الرصاصة في خدي ثم هرب، أنا لم أشعر بدخوله، ولكني شعرت بعد إطلاق الرصاصة، كأن قنبلة اخترقت رأسي، وشعرت بالدم ينزف... تلطخت سجادتي.. فقطعت الصلاة، وتحاملت على نفسي حتى وصلت إلى المغسلة، وسمعت شخصًا يقول: (انتهى الأمر.. انتهى الأمر)، بعدها سقطت مغمى عليّ عند المغسلة، وكنت في عمر الثمانين وأنزف نزفًا شديدًا»[17].
سمعت جارته صوت إطلاق النار، فأسعفته مع بعض الجيران، ونقلوه إلى المستشفى، وهنا يصرّح البرقعي تصريحًا خطيرًا، حينما أفصح عن الفاعل لهذه الجريمة، بناء على توافر قرائن عديدة، فقال: «استيقنت بعد ذلك أن حُكّام هذه الدولة، هم مَن أرسلوا لجنة الاغتيال، التابعة للحرس الثوري، لينفذوا هذه العملية الإجرامية»[18].
إبعاده عن المسجد:
سعى هؤلاء الشيوخ المخالفون للبرقعي، إلى أجهزة الدولة من الشرطة والسافاك ومجلس الأوقاف، لإبعاد البرقعي عن المسجد الذي يؤم الناس فيه، واستعانوا بالناس فحشدوهم في ميدان شوش وغيره، هاتفين بطلب عزل البرقعي، وأعدوا هادي خسروشاهي لاستلام إمامة المسجد، وهو من أنشط أهل الحي تأليبًا ومعاداة للبرقعي، وقد كان من أمر هذا الرجل، أنه كان يعمل في أوقاف تبريز، فطُرد منها على إثر خيانة في أموالها، فانتقل إلى السكنى في طهران بالقرب من مسجد البرقعي[19]، قال عنه البرقعي: «خسروشاهي هذا، كان على عداوة شديدة مع الموحدين، ولما كان مقيمًا في تبريز، كان شديد الوطأة، في معاداة الأستاذ الحاج ميرزا يوسف شعار، كما سعى في أذيته»[20].
سعى خسروشاهي في إبعاد البرقعي عن المسجد، وهو لم يكن جهدًا فرديًّا، بل أسهم معه مَراجع التقليد وأجهزة الدولة من الشرطة والأمن والسافاك والأوقاف. وتحدث البرقعي عن دور خسروشاهي معهم، فقال: «زار بعض مَراجع التقليد وتعاهدوا، فكتبوا وثيقة وقَّع عليها كثير من أئمة المساجد والوعاظ، موجزها: أن البرقعي وهابي!! وأنه يريد أن يخرّب الإسلام!!، وكتب بعضهم أيضًا أن البرقعي يهودي!! ثم بمساعدة قسم الشرطة رقم (12) والأمن العام وضباط السافاك (المخابرات) وآخرين في الأوقاف، هجموا على مسجدنا وأغلقوه وختموه بالشمع الأحمر، وأمسكوا بعض أصحابي وأخذوني إلى الشرطة، ثم منها إلى السجن، وبعد أيام في السجن، أخذوا عليَّ تعهدًا بأن أتخلى عن إمامة المسجد، ثم أخذوا ابني وسجنوه يومًا وليلة، وأخذوا عليه تعهدًا، بألا يذهب إليَّ ولا يتردد عليّ»[21].
إذن لقد كان لمراجع التقليد وعلماء الشيعة دَوْر في عزله من المسجد، أكّد ذلك البرقعي حينما قال: «لما أخذوني إلى السجن، بعد عزله من المسجد، زاره عقيد اسمه لطفي، فسأله البرقعي: لماذا تمنعوني من الذهاب إلى المسجد؟ وما الإشكال الذي رأيتموه عليّ[22]؟ فأجاب: نحن لم نقف ضدك، بل مراجع التقليد والعلماء، هم الذين يخالفونك»[23].
على كل حال، لقد فرح خسروشاهي بطرد البرقعي من المسجد، وصف ذلك البرقعي، فقال: «كان السيد خسروشاهي لشدة فرحه بطردي من المسجد، يدعو إلى المسجد كل ليلة، جماعة من المداحين وقراء المراثي، وأصحاب اللطميات وضرب الصدور»[24].
لم يكن بمقدور البرقعي مواجهة خسروشاهي، وجميع أجهزة الدولة، تقف معه وتؤيده، وقد بيَّن البرقعي هذه العلاقة، فقال: «حينما رجعت إلى المنزل، علمت أن السيد خسروشاهي، ذهب قبل ثلاثة أيام، مع أعضاء من الاستخبارات، وبعض المسؤولين في قسم الشرطة المركزية في المدينة، وآخرين من مجلس الأوقاف وبعض الوزراء، ذهبوا إلى حفل ذكرى تولي بهلوي للحكم، بحضور زوجة الشاه فرح بهلوي، وأقام هادي خسروشاهي فيهم صلاة الجماعة في المسجد، بمعنى أنه أصبح من زمرة الملك، بالطبع لم يكن باستطاعتي أن أواجه الشاه والسافاك ومدير الشرطة، فعزمت على صرف النظر عن المسجد»[25].
دور شريعتمداري في أحداث المسجد:
يرى البرقعي أن آية الله كاظم شريعتمداري كان السبب الرئيس في أخذ المسجد منه؛ وذلك لأنه لما زادت العداوة تجاهه على إثر انتشار كتابه «درس من الولاية»، وبعض الكتب الأخرى، أصدر شريعتمداري كما سبق جوابًا لبعض الخرافيين، أنه بريء من البرقعي، فكان هذا البيان سببًا في تهييج الناس ضدّه.
وهناك أمر آخر حملهم على إيقاف إمامة البرقعي لهذا المسجد، فقد أصبح مسجده مقرًّا للموحدين، ففيه يدرسون ويتباحثون، وفيه تُقام المحاضرات الأسبوعية، وتُبيَّن فيه بعض الحقائق، ويُردّ فيه على بعض الأوهام والبدع والخرافات المنتشرة آنذاك[26].
لم يكن شريعتمداري هو المرجع الوحيد، الذي تسبَّب بإبعاد البرقعي عن مسجده، بل انضم إليه عالم آخر، ذكره البرقعي بعد أن بيَّن بعض ما قام به شريعتمداري، فقال: «ولهذا كله كتب شريعتمداري رسائل للشاه والسافاك، أن يبعدوني عن إمامة المسجد، وحتى الخُمس الذي كان يأخذه شريعتمداري، أنفق كثيرًا منه في محاربتي، فأعطى مبالغ منه لرئيس المنطقة وللعسكر والأراذل من الناس، وحتى أصحاب الحمامات، أعطاهم ليُخرجوني من المسجد، وليتحدوا مع الدولة في طردي من المسجد.
وهناك شخص آخر غير شريعتمداري، كان له دور وهو السيد أحمد خوانساري، فقد كتب رسائل للدولة والسافاك، ليأخذوا المسجد مني»[27].
البرقعي بعد ترك إمامة المسجد:
ترك البرقعي إمامة المسجد مرغمًا بعد سبع وعشرين سنة، وجلس في منزله، ولكنهم لم يتركوه وشأنه، فهجموا عليه بعد شهرين واقتلعوا باب منزله، ودخل عليه آخرون من داخل المسجد، وكسروا الباب السفلي، ففزعت زوجته فزعًا شديدًا، فمرضت على إثر ذلك، ثم ماتت.
ذهب البرقعي إلى رئيس الشرطة، وقدَّم شكوى حول كسر باب منزله، فحقَّق في ذلك وكتب تقريرًا، أن الباب تم كسره[28]، «ولكن -للأسف- ذهب ثلاثون شخصًا من المتدينين المعممين، من مدعي ولاية الإمام عليّ إلى رئيس الشرطة، وشهدوا بأن هذه الدار، لم يكن لها باب أصلًا!! ولأنهم كانوا قدموا رشوة، فقد قُبلت شهادتهم الحمقاء، وهي شهادة زور»[29].
وبسبب كلام هؤلاء المعممين، أصبح كثير من الناس يعامل البرقعي معاملة سيئة، فامتنع الجزار والخباز عن البيع له، وهناك من يأتون ليلًا ويضربوا باب منزله ويُروّعون أهل المنزل، فإذا سألهم عن سبب مجيئهم، قالوا: أتينا لنناقشك!، وأحيانًا يرسلون من يتظاهر بالسؤال، فيدخل بيته ويسرق ما يَكتب، ونحو ذلك، وهذا ما أجبر البرقعي على ترك منزله المتواضع، التابع للأوقاف.
ترك البرقعي مسجده ومنزله الوقفي، وانفضَّ عنه الزملاء، وابتعد عنه الأهل والأصهار، حتى يحافظوا على مكانتهم، وأصبح مَن كان في يوم من الأيام من أشد المريدين له مخالفًا له، ثم استأجر منزلًا في شارع جمال زاده، مقابل كنيسة المسيحيين، فكان يرى النصارى يُروّجون لدينهم، بينما هو ليس له الحق في بيان التوحيد الذي يُقرّره القرآن الكريم[30].
وهنا كتب البرقعي رسالة لمسؤول هيئة الأوقاف، يشتكي من الإجحاف والتُّهَم التي تعرَّض لها، فقال: «معالي المسؤول عن هيئة الأوقاف السيد المحترم فشجي، أفيد معاليكم بأني السيد أبو الفضل البرقعي في السبعين من عمري، وقد بلغ عدد مؤلفاتي ورسائلي المطبوعة مائة مُؤلَّف، وقد اشتغلت لمدة سبع وعشرين سنة، بإمامة مسجد شارع وزير دفتر، وبسبب موافقتي لأهل السنة في بعض الأمور، مع كوني مسلمًا وشيعيًّا حقيقيًّا، ولأني أحارب الخرافات والمُحدثات في الدين؛ فقد مُنعت من إمامة المسجد بأمر من الأوقاف»[31].
يرى البرقعي أن حكومة الشاه استفادت من موقف معمّمي الشيعة تجاه البرقعي؛ إذ لم تكن معارضة لما حل بالبرقعي، بل كان ذلك موافقًا لأهدافها، كما قال القائل: «لم آمُر بها ولم تسؤني!» فقال: «وبطبيعة الحال فإن حكومة الشاه، لم تكن ساخطة على ما يجري لي؛ لأنهم لا يريدون أن يوجد في طهران أيّ مسجد يُوقظ الناس، أو يُعرّفهم بحقائق الإسلام، فالحكومة كانت تدعم انشغال الناس بالخرافات المذهبية، والشاه بنفسه يروّج لها، ويقول: التقيت بإمام الزمان، ونحو هذا الكلام»[32].
وبهذا الصدد نقل محقّق كتاب «سوانح الأيام»، نقلًا مُهمًّا يوضح فيه مخادعة محمد رضا بهلوي، ومجاراته للشيعة في بعض الخرافات، فقال في لقاء مع صحيفة إيطالية: «أنا لم أكن وحيدًا فريدًا، بل تُسعفني قوة لا يتمكّن أن يراها أحد، قدرة خفية باطنية، وإنني أستقي منها أوامر دينية؛ لأني شخص مبدئي وملتزم جدًّا، وكنت مع الله وأنا في الخامسة من عمري»، يعني أنه كان مُلهَمًا من ذلك الزمان.
الصحفية: إلهام يا صاحب الجلالة؟
الملك: نعم، إلهامات!
الصحفية: من أي شيء؟ وممَّن؟
الملك: آه أتعجب منكم؛ لأنكم لا تعرفون شيئًا حول هذا الموضوع، الكل يعلم ويعرف ما كنت أرى من رؤيا، فإني كنت أُلْهَم في رؤياي، وكانت إرهاصات في أوائل عمري، عندما كان عمري خمس سنوات.
والثانية في السادسة من عمري؛ ففي الأولى رأيت الإمام الحُجَّة، الشخص الذي على أساس مذهبنا غائب، وسوف يأتي ويُنقذ العالم، وذلك عندما حدثت لي حادثة، ووقعت عليَّ صخرة، فحال الإمام -عليه السلام- بيني وبين الصخرة، وإني رأيته بعيني لا في الرؤيا، وأنا الوحيد ممن رآه»[33].
وهذا المنهج مِن قِبَل الحكام وأصحاب السلطات، مع المذاهب والخرافات، أكَّده البرقعي، فقال: «وكل مذهب لا يستطيع أن يروّج لأيّ شيء من الخرافات إلا من خلال الاتصال بالدولة أو الملك، فالصوفية والبابية والشيخية، كلها كانت ربطت نفسها بالدولة والملك، وكان الملك ينسب نفسه للشيعة والتشيع، مخادعةً للناس ويجاريهم في خرافاتهم»[34].

===================================

[1] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (255-256).
[2] سوانح الأيام، البرقعي، (ص256).
[3] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (279-289).
[4] سوانح الأيام، البرقعي، (ص290).
[5] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (293-294).
[6] سوانح الأيام، البرقعي، (295-296).
[7] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (297-298).
[8] سوانح الأيام، البرقعي، (ص299).
[9] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (ص97).
[10] سوانح الأيام، البرقعي، (ص97).
[11] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (ص99).
[12] سوانح الأيام، البرقعي، (ص99).
[13] سوانح الأيام، البرقعي، (ص193).
[14] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (ص291).
[15] سوانح الأيام، البرقعي، (96-97).
[16] سوانح الأيام، البرقعي، (ص101).
[17] سوانح الأيام، البرقعي، (ص235).
[18] سوانح الأيام، البرقعي، (ص236).
[19] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (100-101).
[20] سوانح الأيام، البرقعي، (ص101).
[21] سوانح الأيام، البرقعي، (ص102).
[22] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (ص104).
[23] سوانح الأيام، البرقعي، (ص104).
[24] سوانح الأيام، البرقعي، (ص104).
[25] سوانح الأيام، البرقعي، (ص104).
[26] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (ص102).
[27] سوانح الأيام، البرقعي، (ص103).
[28] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (ص109).
[29] سوانح الأيام، البرقعي، (ص109).
[30] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (109-110).
[31] سوانح الأيام، البرقعي، (ص117).
[32] سوانح الأيام، البرقعي، (109-110).
[33] سوانح الأيام، البرقعي، (77-78)، هامش رقم (1)، نقلها المحقق من كتاب: قصص المستبدين، محمد الشيرازي، (ص34)، نقلًا عن صحيفة (أوريانا فالاجي).
[34] سوانح الأيام، البرقعي، (ص77).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



مجموعة الشفاء على واتساب


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 181.22 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 177.71 كيلو بايت... تم توفير 3.52 كيلو بايت...بمعدل (1.94%)]