التراث والنبراس (1) نظرات في أعياد الضاد - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         خروج النبي من المسجد مُسْرِعاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          شرح دعاء: اللهم اجعلني يوم القيامة فوق كثير من خلقك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          ثلاث حالات للناس عند الابتلاء؛ تحدث في آن واحد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          كيف تؤثر الصلاة في حياتنا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          طارق بن زياد.. والعبور إلى الأندلس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          أنماط الشخصية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          التعريف بكتاب الإحكام لابن حزم رحمه الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          اليقين ضد الشك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 681 )           »          الدعاة وقواعد الحكم على المخالفين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 53 )           »          من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الصمد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 25-09-2023, 06:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 141,692
الدولة : Egypt
افتراضي التراث والنبراس (1) نظرات في أعياد الضاد

التراث والنبراس (1) نظرات في أعياد الضاد
محمد صادق عبدالعال

طمَّ سيل العولمة، وانجرف تيار التغريب انجرافًا لا رابط له ولا ضابط، ولا حاجز ولا حابس، حتى استقرت لآلئ العربية في خِدرها المكنون وحجرها المصون، تبحث عن جند لها هم الغالبون، فصار المتمسكون بها يواجهون طواحين الهواء، وتعكير صفو الماء، حتى انبرى فريقٌ من أربابها يمارون في ديمومة العربية كلغة لها الغلبة، وحروف لها السبق والاستباق، ويعُدُّونها لغةً لم يعُدْ لها تواجدٌ، وإن جاءت، فعلى سبيل الهامش، ومن هنا تداعت أقلام الكُتَّاب الأحرار يفتشون في جواهر حرف الضاد؛ لتتكشف عظيم الأسرار لهذا الحرف المُكرَّم، والذي نزل به خير الكتب السماوية على الإطلاق، وفي عيد العربية من كل عام نستبشر بجندٍ لها يرفعون عن جمالها الحُجُبَ، ويجيِّشون لها جيش النُّجُب لمن أراد أن يجعلها على السطح والهامش، وفيما يلي من سطور وصفحات سوف نتعرض لآراء وهمزاتِ وصلٍ وقطع بها؛ منهم المُنصِف، وكثير منهم مفرطون.

ولقد حاولت جاهدًا أن تكون لي بصمة من أن تشوبَني شُبْهة المجانبة أو مجاراة تيارات العولمة الداعية والرامية في الوقت ذاته إلى إجفال العيون عن حرفنا المكنون؛ فكان الحضور إبراءَ ذِمَّة وهُوِيَّة أمةٍ هي خير أمة أُخرجت للناس، وحتى لا نُطيل كما ذكرت، فإني ما جئتُ وحدي، بل اتخذتُ ممن سبقوني نشرًا وعلَوني علمًا؛ منهم المؤيد، ومنهم المخالف، وما بين ذلك، وحتى أكون قد جعلت من هوامش مقالي توثيقاتٍ من ثِقات يرضى عنهم الناس، ويقنع بهم القُرَّاء، وفوق كل ذي علم عليم.

وسأحاول جاهدًا ألَّا أطيل؛ فمجمل الأمر محمول على الإقناع لا الاتباع، وما زلتُ مُصرًّا على تمسكي وتشبُّثي بما أنا عليه من أن العربية هي أسمى لغات الدنيا، ولم تقف يومًا كحجر عَثْرَةٍ في سبيل أي تقدم، غير أن أربابها هم المقصرون في حقها، لعدم تداركهم لجمالياتها السامية، ومقاصدها العالية.

نظرة أولى:
وفي أول إطلالة لمقال لـ(د/ إبراهيم عبدالرحمن محمد)، بعنوان: "من مشكلات اللغة العربية"، تكلم فيه أستاذنا الفاضل بصراحة مطلقة عن كُنْهِ المشكلة؛ حيث أرجع ما آلت إليه اللغة العربية الفصحى إلى اعتبارها لم تعد "لغة متحدثة"؛ بمعنى أن المثقفين وغير المثقفين يتحدثون العامية بمستويات ولهجات تختلف باختلاف البيئات، ولن أنقل عن الكاتب نقلَ ناسخ ومنسوخ، لكن الخلاصة في مقاله تتلخص في:
يرى أن القدامى قد وضعوا للغة العربية معيارية موروثة؛ لتظلَّ على حالها دون تطور؛ مخافةَ أن يُباعَد بين صورتها الحقيقية، ولغة القرآن الكريم كعنصر مشترك.

أوضح أن اللغويين القدامى اضطروا لذلك - يقصد معيارية اللغة - بسبب دخول عناصر من أبناء الأمم المفتوحة إلى الحياة العربية، وإحداث تغييرات اجتماعية وحضارية حادة في المجتمع الإسلامي، وهو ما كان سببًا في معاناة اللغة العربية من "اللحن"، الذي أخذ يفشو على ألسنة العامة والخاصة على حد سواء.

ويطول الحديث بالكاتب حتى يجعل من معيارية اللغة، ووضع ضوابط النحو والصرف لها - سببًا في عدم المواكبة لعصرنا الحالي؛ إذ أرجع الأمر في ذلك إلى ثلاثة أسباب؛ هي:
1) تثبيت اللغة العربية أبنية وأساليبَ وألفاظًا ودلالاتٍ، على نحو ما تؤول إليه هذه العناصر في اللغة المعيارية، ويسميها بمقاله لغة "عصر الاحتجاج"، ويرجعها على الأرجح إلى الفترة الواقعة بين العصر الجاهلي ومنتصف القرن الأول الهجري؛ يعني: فترة سيادة الإسلام على شبه جزيرة العرب.

2) يرى أن غلبة التنظير والتقعيد على التطبيق والتحليل في دراسة اللغة، وفصل النحو والصرف عن النصوص الإبداعية ودراستهما مستقلَّيْنِ في ذاتهما، وتغليب النظر العقلي في التقنين لهما؛ يعني: جَعْل النحو كالرياضيات والمنطق.

3) قال بأن الاعتماد في صناعة المعاجم التي تضبط دلالات اللغة قامت على الشعر الجاهلي، والذي استمدوا من لغته مادة لتلك المعاجم، ويُبرِّر بأن لغة الشعر بطبيعتها "لغة مجازية"؛ تُحمل الألفاظ فيها على وجوه مختلفة حسب ما تطرحه السياقات الشعرية، فضلًا عن معانٍ تفتقر إلى الترتيب التاريخي[1].

وأرى أن الكاتب لم يتجنَّ في تلك الجزئية ولم يبالغ؛ إذ هي حقًّا موجودة ومُثبتَة بكتاب "أساس البلاغة" للزمخشري، في "تصريف الأفعال وعودتها لمصادرها الأصلية ومواقعها الإعرابية"؛ فعلى سبيل الذكر لا الحصر؛ مثال: نراه في مادة فعل (س ف ر): سافر سفرًا بعيدًا، وبيني وبينه، مسافر بعيد، وما أحسن مسفر وجهه، ومسافر وجوههم، ويستشهد بقول امرئ القيس:
ثياب بني عوف طهارى نقية *** وأوجُهُهم عند المُسافر غران
وسفر البيت: كنسه بالمسفرة، والريح تجول بالسفير، وهو ما يتحاتُّ من الورق فتسفره، وأعلف دابته السفير؛ قال ذو الرمة:
وحائل من سفير الحول حائله *** حول الجراثيم في ألوانه شُهُبُ[2]
وأرى أن دليلًا لتوثيق كلام الكاتب من القرآن الكريم في تفسير الصيغ والمصادر والمشتقات، واقرؤوا إن شئتم قول ربنا: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ ﴾ [عبس: 38، 39].

ثم يرى الكاتب أعزه الله "أن هذه اللغة الشعرية التراثية" قد أسهمت في إقرار ظواهرَ لغوية مُضلِّلة؛ منها ما يُعرف "بالترادف اللغوي"، و"التضاد الدلالي"، وهي في حقيقتها معانٍ شعرية، كما أسهمت في طبع العقلية العربية المعاصرة بطابع تقليدي، يتمثل في معالجة ظواهر الحضارة الحديثة من خلال لغة قديمة.

هذا ما صرح به الكاتب بشأن المشكلة التي نتجت عن وضع معايير للغة العربية وضوابط نحو وصرف وبيان.

ومن البداهة أن يُبرهن المجادل والمناقش بدلائلَ تصدق قوله، حتى ولو تكهَّن بالنتائج؛ فيستطرد:
نتج عن ذلك كله "انفصام في اللغة العربية"؛ حيث صارت هناك لغتان:
لغة قريبة من الفصحى يصح أن نطلق عليها اصطلاحًا "فصحى العصر الحديث"؛ تمييزًا لها عن "اللغة المعيارية الثابتة"، والتي يدعو إليها اللغويون القدامى والمحدثون.

لغة عامية فَشَتْ على ألسنة العوام والخواص، من المثقفين وغيرهم، وهي لغة قد بنت لنفسها نظامًا نحويًّا وصرفيًّا وأسلوبيًّا خاصًّا، وقد اتسعت تلك اللغة لكثير جدًّا من ظواهر الحضارة الحديثة، ولكنها مع ذلك لغة مرفوضة ومطارَدة وغير مكتوبة، إلا في نماذجَ محدودةٍ من الشعر والنصوص الأدبية، ومع ذلك أصبحت تلك اللغة معمولًا بها في الشارع والجامعة ووسائل الإعلام، وتوارت الفصحى، وأضحت لغة غريبة - على حد قوله - ثم يُعرِّج الكاتب إلى حُزمةٍ من الحلول، التي يمكن أن تؤول بالفصحى إلى مُرتقاها الأعلى؛ تتمثل تلك الحلول في:
الإفراج عن اللغة العربية بأن يسمح حُرَّاسُها لها بأن تدخل إلى محرابها المقدس مفرداتُ الحضارة الحديثة، والعلوم الإنسانية؛ أُسوةً بما حدث في أوْجِ عصور العباسيين من العلوم الجديدة؛ كالفلسفة والمنطق، والتاريخ والجغرافيا، والطب والرياضيات، والفلك والهندسة، مباهيًا بانتقال مفردات هذه العلوم للغات الأوربية الحديثة؛ مثال: "الجبر لجابر بن حيان".

تدريس اللغة العربية في الجامعات والكليات والمعاهد العليا بوصفها اللغة القومية واللغة الأم، والتي يُحاضِر بها المتخصصون، ويؤلِّفون كتبهم الجامعية.

العدول عن فصل النحو عن النصوص الأدبية، والعودة إلى استخلاص قواعدهم من النصوص المدروسة.

أن تتم دراسة اللغة من خلال نصوص أدبية مختارة، تلائم الأذواق الحديثة، وتحقق مستوًى لغويًّا راقيًا[3].

نقطة اختلاف:
لا أدري أأتفق معك أستاذي في بعض ما كتبت أو اختلف في بعض؟ كما فعلت مع الذي دفعني للخوض في ثنايا هذا المقال... ربما؛ لكن عذرًا أستاذي، لن أوافقك بالكلية فيما اجتهدت فيه بمقالك الكريم، وإن كانت نواياك صادقة وطيبة، وبخاصة في تلك الجزئية التي ترى فيها أن من مُسببات انزواء الفصحى، وصيرورتها لغة غير متحدثة - هي المعيارية الضابطة لها ولأسلوب كتابتها، بالتأكيد أختلف فيها كثيرًا، واسمح لي أن أُبرهِنَ بنقاط ثلاثة هن ما نما لهن علمي، وسبحان الله العليم، ولكن قبل عرضهن، أسأل سؤالًا، ولربما راود السؤال نفسه من اطَّلع على مقالك، حتى ولو يمر على دراستي المتواضعة تلك: ألم تَعتَبِر أستاذي الكريم أن: "الاعتماد في صناعة المعاجم التي تضبط دلالات اللغة قامت على الشعر الجاهلي، والذي استمدوا من لغته مادة لتلك المعاجم، وتقول: بأن لغة الشعر بطبيعتها لغة مجازية تُحمل الألفاظ فيها على وجوه مختلفة، حسب ما تطرحه السياقات الشعرية، فضلًا عن معانٍ تفتقر إلى الترتيب التاريخي"؛ هذا ما نقلت عنك، فكيف وأنت تثبت أن تلك الفقرة من ضمن معوقات سيادة اللغة العربية كلغة متحدثة، ثم تُقدِّم بعدها واحدة من الحلول؛ وهي: "العدول عن فصل النحو عن النصوص الأدبية، والعودة إلى استخلاص قواعدهم من النصوص المدروسة"، أنَّى يكون هذا؟!

ربما يرى كاتبنا الجليل أن لغة الشعر الجاهلي كانت أثقلَ على ألسنة المعاصرين؛ نظرًا للهُوَّةِ الزمنية، وتناوب الثقافات، لعله يقصد ذلك، أو يعني اختفاء كلمات كثيرة من اللغة العربية، ونُفاجأ بها حين نطَّلع على قديم من أشعار العصر الجاهلي والمعلقات، وما شابه ذلك، ربما يقصد ذلك.

وأعود لسرد ما منَّ الله عليَّ به فأقول:
محاور الاختلاف:
المحور الأول: القرآن الكريم باعتباره النص الأقدس على الإطلاق، وهو المصدر الأول للتشريع، ومنه يكون التفسير للمعاني والمفردات، واشتماله على الإيجاز والإطناب والإجمال، والكناية والمجاز والتفصيل، وعلى العموم والخصوص، وعلى الإطلاق والتقييد، فضلًا عن تفسير القرآن بالقرآن كما قال بذلك علماؤنا الأجلاء؛ كقوله تعالى: ﴿ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ ﴾ [البقرة: 37]؛ فُسِّر ذلك قوله في آية أخرى: ﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين ﴾ [الأعراف: 23].

فلو أننا تجاهلنا "المعيارية" الخاصة بكلمات القرآن، وإعراب الكلمات وتصريفاتها، وسرَّحناها إلى حيث تشاء الألسنة والأفئدة، فكيف ستُفهم معاني القرآن الكريم أستاذي الجليل؟! ومعلوم أن التفسير للقرآن الكريم يُعوِّل على المعاني وموقف الجمل من الإعراب، وأوضاع اللغة العربية وأسرارها؛ لأنها تُعين على فَهم الآيات التي لا يتوقف فهمها على غير لغة العرب؛ [هذا ما خطه د/ محمد حسين الذهبي، في أول أداة من أدوات تفسير القرآن الكريم بالاجتهاد وقوة الاستنباط][4].

المحور الثاني: هو سؤال كنت أود ألَّا أطرحه، لكنَّ الحاجة المُلحَّةَ هي ما فرضت طرحه علينا: هل لغات الغرب المصنوعة على أعين مبتدعيها، وباختلاف ألسنة قائليها - لا تقوم هي الأخرى على المعيارية والضوابط؟ ألَا يوجد في اللغات الأخرى ما يجعل الدارس يشقى بها، كما في اللاتينية والفرنسية والإنجليزية من "ماضٍ، ومضارع بسيط، وتام، ومستقبل تام، وبسيط، إلى غير ذلك من ضوابطَ ابتدعوها؛ ليوكبوا رَكْبَ العربية في فصاحة وبيان؟!

اسمح لي معلمي أن أخالفك فيما قرأت عنك؛ إذ عزوتَ إليه ضياع العربية، وإن كنا نحن من سخِرنا من عربيتنا كما سخرنا من عروبتنا، ورسمنا معلم اللغة العربية كهلًا يقبع تحت نظارة سميكة، منطويًا على نفسه، كأن به علة، من يهُنْ يسهُلُ الهوانُ عليه أستاذي، وما لجرح بميتٍ إيلام.

المحور الثالث: المعجم العربي يستقبل كل عام المئات من الكلمات ليواكب ركب التقدم، واتساع الحضارة، والدليل إصدار المجمع اللغوي قرارًا بالقياس "للمصدر الصناعي"؛ لكثرة وروده عند العرب، ولحاجة العلم بعد ترجمة العلوم والتعمق في بحثها، أم أن المزيد من التنازلات لمجانبة الصدام الحضاري والفكري، والذي يؤثر بالضرورة على جوانب اقتصادية واجتماعية وسياسية - هو ما يضطرنا لذلك؟ لا والله لن يكون؛ لغتنا أسمى وأرقى من أن تُهمَّش أو تقبل التسطيح، لقد شرُفنا بها وبعزها؛ لكونها لغة القرآن الكريم.


لقد شهِد الكاتب نفسه - أقصد: د/ إبراهيم عبدالرحمن محمد - في ثنايا مقاله "من مشكلات اللغة العربية" بما أنا بصدد الذَّود عنه؛ ألَا وهي شهادته الضمنية باختلاف تراث العرب، والمخزون الثقافي الذي جاء إلينا عبر كتابات ومخطوطات القدامى - عن النصوص القرآنية كنصٍّ مقدس، لا يندرج تحت مظلة التراث، فحاشا لله أن تكون كلمات القرآن ككلام العرب فيما دهاها من اندثارٍ وعدم ملائمة، وإن كان القرآن قد أورد ألفاظًا يستخدمها العرب ليبيِّنَ سموَّه، ومواكبته لكل عصر وزمان، جاءت تلك الشهادة نصًّا بقول الكاتب أعزه الله: "ولقد واكب النص القرآني العظيم كثيرًا من مترادفات العرب في التأنيث مرة، وبالتذكير مرة؛ حتى لا يقال إن القرآن الكريم نزل على قبائل قريش وحدها، بل ضمن آياته الكريمة مترادفاتهم من حيث التذكير والتأنيث في كل قبائلها، كنص أعظم مما وجد عليه العرب تراثهم وكلامهم".

(الاعتماد في صناعة المعاجم التي تضبط دلالات اللغة قامت على الشعر الجاهلي، والذي استمدوا من لغته مادة لتلك المعاجم، وتقول: بأن لغة الشعر بطبيعتها لغة مجازية، تُحمل الألفاظ فيها على وجوه مختلفة، حسب ما تطرحه السياقات الشعرية، فضلًا عن معانٍ تفتقر إلى الترتيب التاريخي).

♦ ♦ ولقد ذهب د/ حسن عباس، صاحب مقال "كلمات نتحاشى استعمالها وهي صحيحة"، المنشور بمجلة العربي الشهرية في عددها (367) باب: جمال العربية، صفحات: (176، 177)؛ حيث قرر أن: الفصحى كلغة والعامية كلهجة تشكِّلان مستويَيْنِ من مستويات الخطابة، لا لغتين مختلفتين؛ فإن بينهم من الوشائج وصلات القربى ما لا يُغفَل، ثم أردف: إن الفصحى قد تهيأت لها فرصة للظَّفر بالعامية، حين عمَّ استعمال ما يمكننا أن نسميه "الفصحى الميسرة"، أو "الفصحى المعاصرة"، وعدد هيئات استخدامها؛ كوسائل الإعلام المسموع والمرئي، والصحافة العلمية والأدبية والسياسية منذ قرن ونيف، وقد ساعد هذا المستوى على اقتباس أنواع أدبية جديدة، لعل اقتباسها كان متعذرًا في ظل الأساليب التي كان يحلو لأصحابها أن يُزيِّنوها بالسجع والبديع، والجزِلِ الفَخمِ من الألفاظ، بل والغريب الحُوشِيِّ منها، مما لم يَعُدْ له وجود سوى في معاجم اللغة، وذكر الأنواع والأجناس الأدبية التي استُحدثت في أدبنا العربي من: الرواية، والمسرحية، والقصة القصيرة، والأقصوصة، والومضة، ومبتدعات العصر، ولقد وثَّق الكاتب الكريم نظريته بنماذجَ من كلمات عربية الأصل، وبكثرة استخدامها ظنَّ الكثير أنها عامية ككلمات وعبارات؛ مثل: (الطقطقة، طيب، طهارة المولود، البياع، البير، بطن الثوب، الرمرمة، العتب على النظر)، بالتأكيد تلك كلمات يحسبها الكثير منا عامية، لكن الكاتب قد أوضح لكل مفردة وعبارة جوازَ اعتبارها فصحى.

ولنا أن نقر بأن د/ حسن عباس في مقاله الذي تخطَّى نشره ربع قرن من الزمان أو يزيد - قد طبَّق المثل القائل "نصف العمى ولا العمى كله"، ولعل استحضاره نماذجَ لكلماتٍ ظنَّ الغالب بكثرة تداولها أنها عامية، وهي فصيحة كان معينًا له، لكن سيدي الكريم - أدعو الله أن يمد له في عمره إن كان حيًّا - لو أنه عاصر الآن الدخيل من الألفاظ والعبارات، والاندثار الساحق للخطاب الفصيح، ولا أعني الذي دعا للتخلي عنه - كالمُزركَش بألوان البديع والسجع، وكثرة المترادفات - بل اللغة المبسطة أو كما أسماها "الميسرة"، والتي أصبحت التائهة المنهكة المبعثرة - لَما كتب هذا المقال ليطمع ويطمح كل ذي قلم دعاه الاختيال لكتابة قصة، أو نسج رواية، أو ما ابتدع من أجناس أدبية اختلط فيها الفصيح بالعامي، فتشابكت وتشابهت اللغة مع اللهجة السائدة، والأمثلة كثيرة، ولو ذكرنا أسماءً لأربابها، ما نَجَونا من مقارع التوبيخ والإهانة، ولربما امتد الأمر لحد الإيذاء.

ولو علِم أستاذي الكريم ما آلت إليه اللغة الأم من تردٍّ وتهتُّكٍ، وما ذُبح منها على نُصُبِ ومِنصات التواصل والنقاش من سَلْخٍ لكل من أراد أن يعود بالبلاغة لجمال اللفظ، وانتقاء الكلمات - لقيل له كما قيل لأشياعه: تلك لغة العصور الوسطى، والعولمة قد فرضت، ومتطلبات العصر تستدعي، وما إلى ذلك من المفردات التي سكنت رؤوس كُتَّابٍ أفاضلَ أشاوسَ، لهم في الفكر والأدب باعٌ وباع.

ولي أن أطرح سؤالًا أكثر جرأة، أو قد يعتبره البعض تطاولًا على ثوابت رسخت في أذهان الكُتَّابِ والقُرَّاء معًا، ولا أعني الكل، بل لطائفة منهم، وإن أعجبتهم كثرتهم، وإليك أستاذي هذا المثال البسيط للغة المبسطة السهلة كيف آل بها الحال إلى ما لا يجب أن تكون عليه، والكارثة من وسائل الإعلام التي تعد وسيلة من وسائل التوعية اللغوية.

♦ إعلان لشركة من شركات الصيانة للأدوات الكهربائية يُذاع ويمر على أسماعنا ليل نهار:
تحذر شركة... من عدم التعامل مع أي أرقام عدا الرقم كذا، ولعل الغَيور على لغتنا الفصحى المنتبه لقيمة القواعد اللغوية يرى الخطأ في قولهم: "من عدم التعامل"، فالتحذير يكون من التعامل، لا من عدم التعامل، والخطأ الثاني: "أي أرقام"، فالصواب أن يُقال: أية أرقام؛ لكونها مؤنثة، وما زال العرض مستمرًّا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

فمنذ متى واللغة بشكل عام تعد عائقًا من معوقات التقدم والتحضر والرقي، إن لم تكُنْ عاملًا رئيسًا في إثبات هويته؟ بل إن الأديبة العراقية "نازك الملائكة" أكدت أهمية النحو والقواعد، ومعيارية كلٍّ منهما بتصريح عابر لها بمجلة "العربي" الشهرية، في عددها (346)، ص: 102؛ جاء فيه: "إن قواعد النحو العربي ليست إلا صورة من القوانين المنتظمة التي تخضع لها الجماعات، والجماعة التي تضيِّع قواعد لغتها لا بد وأن تضيع قواعد تفكيرها وحياتها، وأن لزوم القاعدة النحوية صورة من إحساس الأمة بالنظام، ودليل على احترامها لتاريخها، وثقتها بنفسها ثقةً كاملة أصيلة".

وبجولة في ثلاثية للاحتفال بالذكرى السنوية للغة العربية التي نُشرت بمجلة العربي في عددها (709) للباحث والأكاديمي الكريم د/ سليمان الشطي، أفاد في مقاله المعنون بـ"مشهد مؤلم اللغة العربية في عصرنا"، وبصفته الأكاديمية طرح بموضوعية جادة مشكلة اللغة العربية مع أصحابها، وساق أمثلة للغات أخرى لاقت من أربابها احترامًا ورعاية، حتى ولو كانت تلك اللغة قد اندثرت، أو اقتصرت على قلة من جغرافية الأرض، فذكر قائلًا ساخرًا:
هل اللغة العربية لغة يتيمة الأب؟ فقال: كل تلك اللغات لها آباء هُم رُعاتُها، وحُرَّاس يحمونها، وعلماء يخدمونها تطويرًا وتسهيلًا، مع تقديم وسائل تعلمها المطورة، وانطلق الباحث القدير يسرد قائمة ربما لم تكن الجامعة، ولكنها على سبيل الذكر لا الحصر؛ قال: "هناك المعاهد البريطانية المنتشرة تدعيمًا للغة الإنجليزية، فيرى الإنجليز أن أهم ما قدمته الأمة الإنجليزية للعالم ليس مخترعاتها فقط، ولكن هي اللغة البريطانية الإنجليزية، وحتى فرنسا تعتز بلغتها اعتزازًا في جامعاتها، وضرب أمثلةً بمعاهد فولتير، ومعاهد جوته، والغريب حتى في بلاد إسلامية مثل إيران، فإنها تعتز وتفتخر بالفارسية، برغم لغة القرآن الكريم التي بين أيديهم، والأغرب من ذلك اللغة العبرية التي اندثرت من زمن سحيق، أعاد اليهود لها حيويتها وسقَوها بماء الغَطْرسة والتجبر والتعالي مادةَ الحياة؛ فعادت قوية تفرض نفسها على ساحات التراجم والبحوث والهيئات، وقارئ التاريخ يعلم أن مؤتمر بازل كان من مقرراته إحياء التراث العبري، وتمكين اللغة العبرية من الحضور والظهور.

♦ ثم يتجرع الكاتب الأكاديمي قطرات من ماء الجراءة، فيقول موبخًا لنا:
حتى متى ستظل اللغة العربية لغة تائهة مهجورة، مع أن الدساتير العربية كلها تفتتح بمادة "اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد"، وأضاف أن هذا الحق المسلوب الذي نرنو إليه هو حق مُحصَّنٌ قانونيًّا حسبما نصت عليه دساتيرنا العربية.

والجدير بالذكر: هل الصين واليابان والولايات المتحدة الأمريكية تخلَّوا جميعًا هم ومن على شاكلتهم في الازدهار المادي عن لغاتهم وقواعدهم، حتى ولو كانت وضعية لم تحظَ بما حظيَت به الفصحى من كونها لغة القرآن الكريم؛ أقدس الكتب على الاطلاق؟؟ لا تعليق.

أستاذي الكريم أكتفي بهذا الطرح وهذين السؤالين، وأنتقل لفقرة تالية، وسوف نورد تلك المفردات التي جاء بها كاتبنا الجليل: د/ حسن عباس، في الباب الثاني، في جزئية مفردات يُتوهَّم عاميتها، وهي فصيحة بإذن الله تعالى وتوفيقه.

نظرة ثانية:
أ/ عبدالرازق البصير جندي مؤيد:
ثاني هؤلاء الذين جاؤوا معي هو الأستاذ "عبدالرزاق البصير" في كتابه: "نظرات في الأدب والنقد" بسلسلة كتاب العربي، مر على المقال أكثر من ربع قرن أو يزيد، ولا زال الأمر محل دراسة، ولم يخرج المقال عن الأول في فكرته كثيرًا فهو بعنوان: "الترجمة من العربية وإليها"، وبالتأكيد هو يناقش معضلات الترجمة، وكيف ستتصرف العربية معها، ولن نتعرض للمقال كله؛ فلسنا كما ذكرنا بمجرد قاصٍّ ولاصق، ولكن نأخذ ما يعنينا بأمر مقالنا، وأستسمح القارئ الكريم ألًّا ينفر أو ينفض عن كاهله مسؤولية ضياع اللغة العربية، وأضعف الإيمان أن ينجَدِلَ في طينة المشفقين، ولربما ما جاء به صاحب المقال الثاني: "أ/ عبدالرازق البصير" إنصافًا لي، وما أنا بصدد الذود عنه؛ إذ قال في مبتدأ المقال جملة أشرقت لها نفسي:
يتضح للمتأمل في تاريخ "لغة القرآن الكريم" أنها سلكت نهج الأخذ والعطاء منذ أقدم عصورها، شأنها في ذلك شأن اللغات الحية القوية التي تمتلك قابلية؛ ذلك أن لديها استعدادًا لتقبُّلِ ما يجدُّ في الحياة من تغير وتطور، فنحن ندرك جميعًا بأنها أخذت من اليونان والفرس والهند كثيرًا من المفردات؛ فعرَّبتها تعريبًا مكينًا، حتى أصبحت مفردات عربية لا يكاد ينتبه إليها إلا العلماء؛ "كالإستبرق، والسندس، والفردوس، وقسطاس"[5].

إذًا لا مجال للقول بأن اللغة العربية لم تعد لغةَ تخاطب، تلك التي قبِلتِ الآخر، وعرَّبت بتمكين، والتمكين يأتي من إيراد المولى عز وجل لها بنصوص القرآن، وقبل أن أنطلق جاءتني ريحٌ طيب من نيل مصر المِعطاء، تحمل بين طيَّاتِ أمواجه كلمات لشاعر لُقِّب بـ"شاعر النيل"؛ وهو (حافظ إبراهيم) حين قال مفاخرًا متباهيًا بلغتنا الجميلة:
أنا البحر في أحشائه الدر كامن *** فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
وقوله وهو يتعجب:
فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة *** وتنسيق أسماءٍ لمخترعاتِ
وتعزيزًا لِما أفاض هذا المنصف الجميل: أ/ عبدالرازق البصير، في التصريح بأن لغة القرآن الكريم صدَّرت مفردات جديدة مردها للغات أخرى؛ ما جعل اللغة العربية تكتسب سمة العالمية، أرى أن شأن اللغة العربية لم يسمُ في أي وقت بقدر ما سما وعلا، وناطَحَ السحاب بعد نزول القرآن الكريم بها، ووُصف بلسان عربي مبين، وأما عن تعزيز كلام الكاتب الجليل، فهو ما ذكره الإمام جلال الدين السيوطي: بأن الكلمات التي أُدرجت ضمن النصوص القرآنية من اللغات الأخرى تخطَّت المائة كلمة وتزيد، وذكر د/ محمد فريد عبدالله منها في مقاله: "أثر السياحة في اللغة العربية"، والمنشور له بمجلة العربي في عددها الصادر (265)، ص: 16 – 21، فنقل منها:
(أباريق، وسجيل، وإستبرق) عن الفارسية، (قسطاس، صراط، شيطان، إبليس) عن الرومية، (أرائك، جِبْت، ودُرِّي، كِفلين) عن الحبشية، (سُرادق، ويم، وطور، وربانيون) عن السريانية، (حَصَب، وسري) عن الزنجية، (فوم) عن العبرانية، (غسَّاق) عن التركية القديمة، وعن الهندية (مشكاة)؛ وهي الكوة التي لا تنفد، ومن القبطية (هيت لك)...

وكما أسلفنا أن تلك الكلمات لم تأتِ من باب انحصار العربية ولا قصورها، ولكن مشيئة الله عز وجل الذي منح العربية العالمية للشيوع والانتشار والسيادة، وهنا ملمح رائع لا يدركه غير المنصفين الذين يَرَون أن شمولية وعمومية الرسالة لأشرف الخلق والقرآن الكريم أوجبت لغةً تُخاطِب كل لسان، وتقترب من آذان السامعين والمنصتين، وخلق وشيجة بين العرب وغيرهم، إذا ما سمعوا في القرآن عن مفردات لهم، عُرِّبت لتخدم العقيدة السامية والرسالة الخاتمة.

وللمقال بقية بإذن الله، نستكمل فيه ما بدأناه، ونسترجع ما علمناه من سجايا لغة هي السامية، رغم أنف الكارهين.

[1] من مشكلات اللغة العربية، د/ إبراهيم عبدالرحمن محمد، مجلة العربي، العدد: 502، ص: 167، 168، 169.

[2] كتاب الشعب (112)، أساس البلاغة للزمخشري (ص: 442).

[3] من مشكلات اللغة العربية، د/ إبراهيم عبدالرحمن محمد، مجلة العربي، العدد: 502، ص: 167، 168، 169.

[4] سلسلة كتابك، علم التفسير، د/ محمد حسين الذهبي، ص: 20.

[5] كتاب العربي (28)، نظرات في النقد والأدب، د/ عبدالرزاق البصير، الترجمة من العربية وإليها، ص: 23.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 25-09-2023, 06:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 141,692
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التراث والنبراس (1) نظرات في أعياد الضاد

التراث والنبراس (2)

وما زال العرض مستمرًّا

محمد صادق عبدالعال


واستكمالًا لِما أردفناه من آراء واجتهادات بشأن الضاد المُتآمِر عليها كثيرٌ ممن ليسوا من بني عروبتنا، ناهيك عن آخرين ينطقون العربية تدعم أقلامهم تلك المجانبة، وتلتمس للآخر فرصَ تدبيرِ المؤامرة الكبرى لمحوِ هُوِيَّةِ العروبة، وقدسية العربية السامية بسموِّ القرآن العظيم، ولقد وقفنا في المقال الأول من "التراث والنبراس"، وإشكالية الضاد عند المنصف أ/ عبدالرازق البصير؛ حيث دحض فِرْيَةَ القول بأن تداخُلَ الثقافات قد زَوَتِ اللغة العربية إلى حيث لم تَعُدْ مقبولة ولا مواكبة؛ فقال: "وتتبع كثيرٌ من العلماء والمفسرين لتلك الكلمات – يعني: السندس والإستبرق - وأعادوا كل واحد منها إلى أصله، ونذكر منهم (أبو المنصور الجواليقي) مؤلف كتاب (المعرب)، والسيوطي مؤلف كتاب (المهذب) فيما في القرآن من المعرب، كما نجد قبل الإسلام مفردات أجنبية في شعر حسان بن ثابت، والأعشى، والمنخل، واليشكري، وعدي بن زيد العبادي"، ولا ننسى الأعلى من ذلك الإمام جلال الدين السيوطي حين أحصى - كما ذكرنا - أن أكثر من مائة ونيف كلمة في القرآن الكريم من لغات مختلفة.

ويرى الكاتب المنصف في طيات سطوره أن اللغة كسائر الكائنات الحية لا يمكن أن ترتقيَ وحدها، وإنما ترتقي حين يُعنَى بها أصحابها، فيبذلون في سبيلها ما ينبغي من جهد وطاقة، وهذا البذل لا يمكن أن يقوم به إلا العلماء الذين يعرفون ما تعنيه اللغة من مكانة؛ فهي في الواقع ركن من أركان حياة الأمة؛ لكونها المرآة التي ينعكس عليها ما توصَّل إليه أفرادها من مستوًى اجتماعي وثقافي وحضاري.

د/ أحمد أمين رحمه الله يتحدث عن العربية:
وتحت معنونةٍ مشرقة للكاتب ينقل فيها نصًّا عن المرحوم الدكتور "أحمد أمين" يتحدث عن لغتنا الجميلة فيقول: "في الحق أن اللغة العربية أرقى اللغات السامية، كما يقرر دارسو تلك اللغات، فلا تُعادِلها اللغة الآرامية ولا العبرية ولا غيرها من هذا الفرع السامي، وهي كذلك من أرقى لغات العالم، فهي تمتاز عن اللغات الآرِيَّةِ بكثرة مرونتها وسعة اشتقاقها، فإذا قِيس ما اشتُقَّ من كلمة عربية من صيغ متعددة لكل صيغة دلالة على معنًى خاصٍّ بما يقابلها من كلمة إفرنجية وما يشتق منها - كانت اللغة العربية غالبًا أوفر وأغنى"؛ [ضحى الإسلام، ج: 1، ص: 289][1].

طيب الله ثراك أيها المنصف الرائع إذ قلت في حق اللغة العربية ما يدحض أقوال المستغربين أصحاب القبعات الغربية، والتي ترى أن في التمسك باللغة العربية رجعيةً ورِدَّةً لزمن الضعف، ولو أنهم قرؤوا ما تمتاز به العربية من روعة في فصاحتها، لخرُّوا سُجَّدًا لله الذي حدثهم بها قرآنًا، وما أريد أن أغادر صفحات هذا المقال الطيب إذ أراه مغيثًا وسندًا يقابل هؤلاء المرجفين في السامية الراقية؛ لغة الضاد.

وبإطلالة على باقي سطور المقال، يتعرض الكاتب لواجهة تاريخية لشخوص كان لها بالغ الأثر في الحفاظ على هوية اللغة العربية؛ منهم - على سبيل الذكر لا الحصر - الأصمعي وأبو زيد الأنصاري والكسائي، وغيرهم من العلماء الذين بذلوا ما يملكون من جهد في التوجه إلى منابع اللغة؛ ليجمعوا أشتاتها من تلك المنابع، حتى قيل عن الكسائي أنه أنفق خمس عشرة قنينة حبر في الكتابة عن العرب سوى ما حفظه، وقيل عن أبي عمرو بن العلاء بأن كُتُبَهُ عن العرب الفصحاء قد ملأت بيتًا إلى قريب من السقف، ويُتوَّج ذلك الذكر التاريخي المشرف بما أردفه د/ أحمد أمين رحمه الله في توضيح السبب الرئيس للعناية الشديدة باللغة العربية إلى سببين؛ هما كما ذكر:
الأمر الأول: العربي يعتز بلغته كل الاعتزاز لاعتقاده أنها أفضل لغات العالم، كما نجد ذلك في بعض ما قاله الجاحظ، ثم ازداد هذا الاعتزاز بعد نزول القرآن الكريم، وانتشار لغة العرب بين الكثير من الأمم.

الأمر الثاني: شيوع اللحن الشديد بين الناس لكثرة امتزاج العرب بغيرهم من الأمم، ومصاهرتهم الأجانب؛ فكان الأشراف يأخذون أبناءهم إلى البادية لتعلُّمِ الفصاحة، واستدل بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنا أفصح العرب، بيد أني من قريش، وإني نشأت في بني سعد بن بكر))؛ [السيوطي، المزهر، ج: 1].

ويتفق مع أ/ عبدالرازق البصير أديب من أدباء القرن الماضي؛ ألا وهو: الأديب المعاصر/ محمد الإدريسي؛ وهو أكاديمي دارس لتاريخ الأدب والعربية، كتب بعدد مجلة العربي (709) مقاله المسمى بـ"مستقبل لغة الضاد" مجتمع المعرفة ورهان لغة الضاد، ليكتب إقرارًا بشهادة حق حاول الكثير من مرضى القلوب، وضِعاف الثقافة أن ينشروها للتشهير بالعربية كلغة سامية عالية مجيدة على أنها لم تعد مواكبة، وأنها من دواعي عرقلة حركات النهضة، ويصفون من يقتفيها بالملتصق بلغة العصور الوسطى، فيقر الإدريسي أعزه الله قائلًا:
"العربي يحب لغته لدرجة التقديس، ويعتبرها السلطة التي لها عليه تأثير، ليس فقط عن قوتها، بل عن قوته أيضًا، ولذلك يظل البحث في المسألة اللغوية من هذا المنظور بحثًا في علاقة اللغة بالإنسان، وهو بحث في أصول الفكر، ومرجعيات المفكرين"، صدقتَ والله أستاذنا الإدريسي، وكثَّر الله من أمثالك، وأمثال أستاذنا عبدالرازق البصير بما قلتما، وسجلتما من شهادة حق في حق لغة الضاد السامية العالية.

ملوك بني مروان سَدَنَةٌ للحرف المصون:
وعودة لعبدالرازق البصير حين عرَّج بمركبة الزمن لعهد الخلافة، فيذكر تحذير عبدالملك بن مروان لأبنائه من اللحْنِ، فيقول لهم: "إن اللحن في منطق الشريف أقبح من الجدري في الوجه، والشق في الثوب النفيس"؛ [الجاحظ، البيان، ج: 2، والمعجم العربي، ص: 25]، وينقل عنه ما قيل له ذات مرة من أحد المقربين: لقد أسرع الشيب إليك يا أمير المؤمنين! فقال: "شيبني صعود المنابر والخوف من اللحن"، وإن كان كتاب "عثرات الأقلام" الصادر عن شبكة الألوكة إليكترونيًّا قد أرجع المقالة إلى مسلمة بن عبدالملك، فالحاصل واحد، فالحكمة في دار الأمويين.

ثم يروي لنا بيت شعر ما أروعه! ليته نما لصدورنا كما ينمو إليها حب الفرنجة، ونظرة التحرر والتنصُّل مما هو أصيل، فيقول نقلًا عن أبي الطيب المتنبي:
وإنما الناس بالملوك وما *** تفلح عُربٌ ملوكُها عَجَمُ[2]
وفي نهاية المطاف يرى الكاتب الجليل أن المعاجم والقائمين عليها قد أنصفوا وأتْحفوا من تلاهم بما استحفظوا في بطون المعاجم وأمهات الكتب بمصادر وأصول اللغة العربية.

ولعلنا نلحظ أن اهتمام الحكام العرب قديمًا باللغة العربية وأصولها، والخوف من التصاق كلمات لا تمتُّ للغة بذات صلة ولا نسب - لم يكن من باب بساطة العيش وقلة الاحتياجات، أو أنها أزهى العصور، لكنه الخوف على ركيزة هامة من ركائز الهوية العربية، بل قل إن شئت هي الهوية في صورتها الأولى، حرِيٌّ بنا أن نتدارك ذلك السيْلَ العَرِم المُنْسَلَّ من تحت أقدامنا، الذي نما لقلوبنا ليتخلل الأطراف والأصابع، فيعرج إلى الأنامل ليخُطَّ بلغة الآخر ما أراد، ليُضيِّعَ واحدةً من عُمُدِ القومية العربية.

السقوط في بئر اللحن:
وعلى ذكر اللحن وشيوعه، ومخافة أمراء العرب وحُكَّامهم من مَغَبَّةِ تفشِّيه في عَضُدِ الدولة العربية الناطقة بلسان القرآن الكريم - أسعدني الحظ بأن أطَّلع على أحد إصدارات شبكة الألوكة الطيبة لكتاب إليكتروني على موقعها، لكاتبه أ/ بشار بكور، صدَّر في مُفتتحه موقفًا رائعًا للفاروق عمر بن الخطاب، يستحق الوقوف عنده، والأخذ به كمثالٍ من عهد الراشدين، الذين أرسوا البناء الصحيح لتلك الأمة الوسطية ليُحتذى به، ويكون حجة دامغة لمن يتهاون أو يقلل من قيمة اللغة العربية كإحدى مقومات الهوية العربية والإسلامية؛ حيث أورد الكاتب نصًّا: "يُروى أن سيدنا عمر بن الخطاب مرَّ على قوم يسيئون الرميَ فقرعهم - أي: وبَّخهم - فقالوا: يا أمير المؤمنين، إنا قومٌ متعلمين، فأعرض مُغضبًا وقال: والله لخطؤكم في لسانكم أشدُّ عليَّ من خطئكم في رميِكم".

وقارئ التاريخ يعلم أن فترة خلافة الفاروق عمر رضي الله عنه وما تلاها، كانت الفتوحات الاسلامية على أشدها، لكن عناية الفاروق بالمنطق الصحيح للغة العربية محلُّ اهتمام وتقدير؛ لعلمه بضرورة الحفاظ على اللغة كمقوِّم من مقومات السيادة العربية والإسلامية.

ومن نفس الكتاب الرائع، والذي اشتمل على كلمات تُنطَق وتُكتب خطأً، وقد شاع الخطأ بها حتى صار مألوفًا للكثير، وما نقَّب في أمره إلا العالمون، الذين اختصَّهم المولى بالدفاع عن لغة الضاد السامية - أردف الكاتب طرفة أخرى من "مسكوكات العرب" حول مخاطر شيوع اللحن، وقلق وأرق ولاة أمور المسلمين من شيوعه؛ فذكر ناقلًا:
"ذكر الضحاك بن رمل وكان من أصحاب المنصور، فقال: كنا مع سليمان بن عبدالملك بدابق، إذ قام إليه الشحاج الأزدي، فقال يا أمير المؤمنين: إن أبانا هلك وترك مال كثير، فوثب أخانا على مال أبانا فأخذه، فقال سليمان: فلا رحِم الله أباك، ولا نيَّح - صلب وشد - عظام أخيك، ولا بارك لك فيما ورثت، أخرجوا هذا اللحَّان عني".

وإن كان في القصة بعض المبالغة، لكن الكاتب نقلها نصًّا، ولننظر كيف كانت آذان الناس مُصغية وواعية، وتستطيع استنباط واستشعار الخطأ في اللغة العربية.

وتكلم أبو جعفر المنصور في مجلس فيه أعرابي فلحن، فصرَّ الأعرابي أذنيه، فلحن مرة أخرى أعظم من الأولى، فقال الأعرابي: أفٍّ لهذا، ثم تكلم ثالثة، فقال الأعرابي: أشهد أنك قد وُلِّيتَ هذا - يقصد: الإمارة - بقضاء وقدر[3].

وليس إيراد الموروث هذا من باب التسلية أو السرد والتباهي بحسن اطلاع، بل هي الحاجة إلى لفت النظر إلى أن اللغة العربية بقُدسيتها من أقوى مقومات الهوية العربية، أما الآن فحدِّثْ ولا حرج، بل قُلْ لقد انقلبت الموازين انقلابًا يثير العجب، لقد صار القابض على الفصحى كالقابض على الجمر، في زمان سَرَتِ البرودة إلى أجسادنا، ونمت لألسنتنا، فعجمت كلام العرب وتَفَرْنَجَتْ حسب هوى الآخر، وما تجرأ إلا لمَّا رأى ميولًا عربية لفرض العامية وغير العربية، وتهميش اللغة الأم.

النظرة الثالثة: أ/ ثريا عبدالله:
النظرة أو الإطلالة الثالثة لكاتبة لها ما يزيد عن ستين صفحة من القطع الصغير "بسلسلة كتابك"، والتي كانت تصدر عن دار المعارف بمصرنا الحبيبة، وتحمل معنونة "اللغة والمجتمع، جزئية: اللغة بين القومية والدولية" ما إن قرأت كلمة اللغة حتى قلت: لعلها الثالث المؤيد أو رمانة الميزان، وقد استهلت تلك الفقرة من الكتيب بقصيدة شاعر النيل رحمه الله حافظ إبراهيم، وهي التي كُتبت في أوائل القرن العشرين، ونُشرت عام 1903، والقصيدة بعنوان "اللغة العربية تنعى حظها بين أهلها"، ولعل الشاغل قديمًا هو نفس الشاغل حديثًا، وما إن وقعت عيني على تلك العصماء العمودية حتى قلت: تلك ضالَّتي وضالة مَن يشغله أمر العربية، فكتبت بعضًا منها زينة للدراسة، وإظهار للمحبة بالوراثة لتلك السامية الغالية، ولقد كان البيت الذي يقول فيه شاعرنا الراحل على لسان حرف الضاد:
فلا تَكِلوني للزمان فإنني *** أخاف عليكم أن تحين وفاتي
ومن يتأمل ويستشعر البيت بدقة، يجد المفارقة في قول الضاد أو العربية لأهلها: أخاف عليكم أن تحين وفاتي؛ ذلك أن تلك الكلمة لا تُقال إلا من أبٍ أو عائل أو سند، أو حتى قول نبي كريم لقومه، وهنا تنطلق القيمة لتبين لنا أهمية تلك اللغة لنا كعرب وكأمة يجمعها لسان واحد، ومما قال أيضًا شاعرنا الرقيق المستشعر عن بُعْدٍ زمني، وتوجس لهيمنة اللغات الأخرى على اللغة الأم:
أرى لرجال الغرب عزًّا ومَنعةً *** وكم عزَّ أقوامٌ بعزِّ لغاتِ
وقوله يرثي حالها وحال المحبين لها باستفهام استنكاري رافضًا:
أيهجرني قومي عفا الله عنهمُ
إلى لغةٍ لم تتصل برواةِ
سَرَت لوثَةُ الإفرنج فيها كما سرى
لعابُ الأفاعي في سبيل فراتِ
إلى معشر الكُتَّاب والجمع حافلٌ
بسطتُ رجائي بعد بسط شَكاتي
فإما حياة تبعث الميتَ في البِلى
وتُنبت في تلك الرُّموس رُفاتي
وإما ممات لا قيامةَ بعده
ممات لعمري لم يُقَسْ بمماتِ[4]



دواعي نظم قصيدة (اللغة العربية تنعى حالها) لشاعر النيل والضاد حافظ إبراهيم:
ومعلوم أن شاعرنا الراحل طيب الله ثراه قد كتب تلك القصيدة في أعقاب زيادة التفرْنُجِ، وبخاصة من خريجي المدارس الأجنبية وقتها؛ حيث لم تكن اللغة العربية لاقت درسًا وقتها في تلك المنشآت، ولم يتغير الحال عن تلك الوتيرة، حتى قيام ثورة يوليو منتصف القرن الماضي 1952، فيا لصدق حَدْسِك وسوء ظنِّك، الذي خلا من الإثم شاعرنا الطيب، فلو أنك اليوم معنا، وترى ما نحن فيه، لقلت واسترجعت: إنا لله وإنا إليه راجعون؛ إذ الكارثة لا تأتي ممن ليسوا من أبناء الضاد وحدهم، بل لهم من بيننا نصراء ومعاونين، يقللون من شأن عربيتنا.

ونعود للأستاذة ثريا عبدالله صاحبة الكتيب، نجدها قد اتخذت من الفيلسوف الألماني فيشته (1762 - 1810) مرجعًا لها تستند لِما يقول ويصدر من رؤى بشأن اللغة وأصحابها، فنقلت عنه نصًّا:
"الإنسان حينما يتحدث أو يتكلم لغة أجنبية، فإنه يحيا حياة مصطنعة؛ لأنه يبتعد عن المنابع الفطرية التلقائية لشخصيته"؛ [14، ص: 48]، ويعقب أيضًا: "إن مجرد وجود مصطلحات أجنبية داخل اللغة يُحدث ضررًا بالغًا؛ لأنه يلوِّث ينابيع الأخلاقيات السياسية"؛ [14، ص: 49].

فهل يقال هذا الكلام إلا من واثق وقانع بأن معايير القومية والانتماء أعلاها لغةٌ تجمع الناس حولها؟ كما ذكرت الكاتبة المتتبعة لنهج فيشته الألماني مثاله الحادث حينها عن الفرنسيين، الذين كانوا يتحدثون في الأصل اللغة التيتونية؛ يعني: لغة ألمانيا القديمة، ثم ابتعدوا عنها وجاؤوا بلغة أخرى مشتقة من اللاتينية، عندما فعلوا ذلك أُصيبوا بكل مصائب الرومان، وهم يعانون الآن من تصدُّعِ العلاقات الاجتماعية، والانحلال وعدم الاكتراث، ولو أنهم احتفظوا بلغتهم الأصيلة، ما سمحوا لأنفسهم الوقوع في مثل تلك الرزايا والبلايا"؛ [14، ص: 49].

إلى هذا الحد "اللغة" تُعَدُّ عنصرًا قويًّا من عناصر وهياكل المجتمعات، هذا ما يراه الفيلسوف الألماني فيشته، وأما الشاعر الذي سبق فيشته الألماني، ويُدعى هردر (1747 - 1803)، فإنه يرى من نتاج تغيير اللغة الأصلية لأي مجتمع تجعل التراث الذي تستند إليه لغتهم تراثًا مستعارًا وغريبًا عن حياتهم، ولقد أعجبني من الكاتبة أ/ ثريا عبدالله قولها: "معيار وجود أمة إذًا هو اللغة والجماعة التي تتحدث باللغة نفسها تعرف باسم الأمة، وكل أمة يجب أن تُنشِئَ دولةً، فإذا وجدت شعوب متفرقة تتحدث باللغة نفسها، فمن واجبها أن تتحد"؛ [14، ص: 51].

وحتى تلك الجزئية وأنا أعتبر الكاتبة ثالثة المؤيدين، وكان بالأجدر أن تتصدر القائمة.

كما ذكرت الكاتبة بعدما ذكرت قول الأرستقراطي الفرنسي جوبنيو (1816 - 1882) قوله: "إن لكل عنصر أو جنس لغة طبيعية تخصه، واختلاط العناصر كارثة تهدد بقاء العنصر الآري، وكل عناصر خلق الدولة من حضارة وديانة"؛ [14، ص: 53]، حيث اعتبرت الكاتبة أن هذا تطرفًا، وقالت: "نحن لا نؤيد مثل تلك الأفكار" وكان الأحرى بالكاتبة في كل تلك السياقات التي عوَّلت عليها، وجاءت بها كبراهين ودلائل إثبات أن تأتيَ بنماذج وأمثلة لكُتَّاب عرب قدامى أو معاصرين، فهل ضاقت الأرض عنهم حتى تفزع لغيرهم؟! تلك واحدة من آرائها جعلتني أتراجع عن ضمِّها لفريق المؤيدين بكفاءة، ثم تأتي الثانية والتي قطعت بها عدم جواز اعتبارها أولى المنصفين في هذه الدراسة المتواضعة، حين صرحت بقولها وهي تقارن ما دها الألمان باختلاط الأجناس وتعدد اللغات:
وعلى الرغم من أننا نتكلم لغة أصيلة وهي اللغة العربية، فإننا نرفض كل تزمُّت، وأضع تحت كلمة (تزمت) تلك ألف خطٍّ وخط"، تقول: إنها ترفض كل تزمت باسم النقاء اللغوي، وكل محاولة لاستبعاد الألفاظ الأجنبية من لغتنا؛ لأنه يهدد لغتنا بالهزال والانعزالية، ويهددنا اجتماعيًّا بالانغلاق، ويصعِّب كل تقارب عالمي.

نقطة اختلاف:
سيدتي النجيبة، هنا نفترق؛ فإما الوصل بقطع هذا الكلام والتبرؤ منه، وإما الاستمرار، وحينها سأقول لكِ:
إن نقاء اللغة ليس تزمتًا كما تزعمين، فلو أنكِ شققتِ على نفسكِ بعض الوقت، وعقدتِ مقارنة قصيرة بين العربية كلغة القرآن الكريم، وباقي اللغات التي توارثتها الشعوب، وفرضتها قُوى الاستعمار، وأغلبية السواد - لعلمتِ أنه لا يوجد مجال حتى لعقد مقارنة بين لغة خُطَّ بها أعظم دساتير الخليقة - وهو القرآن الكريم - حتى قيام الساعة، وبين أي لغة من تلك اللغات أو تلك اللهجات.

♦ ولقد أخذت عنكِ قولكِ الثاني، وربما كان تصريحًا منكِ حين قلتِ معللة:
"وبعد انهيار الإمبراطورية الرومانية وقدوم الإسلام، اعتنى المسلمون بنشر الدين الإسلامي أكثر من اهتمامهم في فتوحاتهم بنشر اللغة العربية"؛ [14، ص: 53]، وأفردت أمثلة باعتناق الهنود والفرس والترك وغيرهم من شعوب أوروبا للإسلام دون فرض اللغة العربية عليهم، وهذا صحيح، لكن جماليات القرآن الكريم ومعانيه لا يستطيع أن يستنبطها ويستخرج إشراقاتها البلاغية غير معنيٍّ باللغة أو عالم بها، فضلًا عن مجازاتها الواسعة، واتساع نطاق معاني المفردة الواحدة لمعانٍ كثيرة، لا يدركها غير الراسخين في اللغة، ومثال بسيط ولا داعي للإطالة:
مفردة (الهيجا) في اللغة يظنها البعض أنها تعني (الحرب)، وأنها مصطلح جاهلي قديم؛ نظرًا لطبيعة صحراء ومفاوز جزيرة العرب، غير أن قواميس اللغة أجازت لها أربعة معانٍ؛ منها: (الحرب، الجفاف، الحركة، الريح الشديدة)، وكلها مفردات فيها حركة، إلى غير ذلك من مفردات كثيرة، تتعد معانيها، وتختلف مراميها، وتلك مزايا تخص العربية وحدها.

ولو أنكِ أو ممن يكتبون على شاكلتكِ سيدتي قد اطَّلعتم بشيء من الجهد في المعاجم العربية، أو كتب التفاسير للقرآن الكريم، وتعرضتم للغويات والمفردات - لوجدتم ما يقطع الرجاء فيما تكتبون، فكم من كلمات ومفردات تدخل لقواميسنا العربية من باب التعريب، وسماحة العربية، لا نقصانها ولا العوز لمفردات تساندها، فهل ستجد العربية منا نُصَراء وجندًا مناصرة؟!

وللمقال بقية مع بعض الجهود العربية للذود عن الضاد السامية.

[1] كتاب العربي (28)، نظرات في النقد والأدب، د/ عبدالرزاق البصير، الترجمة من العربية وإليها، ص: 24.

[2] تابع: كتاب العربي (28)، نظرات في الأدب والنقد، د/ عبدالرزاق البصير، الترجمة من العربية وإليها، ص: 25.

[3] عثرات الأقلام، تأليف: بشار بكور، دار الرواد للنشر، دمشق، سوريا، شبكة الألوكة، كتاب تقني، ص: 2.

[4] سلسلة كتابك (152)، اللغة والمجتمع، اللغة بين القومية والدولية، ثريا عبدالله، ص: 45، 48، 49، 51، 52، 53.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 25-09-2023, 06:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 141,692
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التراث والنبراس (1) نظرات في أعياد الضاد

التراث والنبراس (3)

المفكرون واستشعار الخطر

محمد صادق عبدالعال

ويظل حرف الضاد مرصودًا ولا يخلو من اللمز ولا ينجو من الهمز ولا من وقع السهام المٌصوبة إليه حتى من ذويه الذين هم أولى الناس به اِعتزازًا، وأجدر الخلق به افتخارًا، وخليق بهم إثبات حضوره وبعثهِ ونشوره، متى طَمَّ سيل الفرنجة واستحال الحديث للأعجمية أَميَّل وعن العربية بمنأى ومَعزِل؛ ذلك لما له من مهابة وشرف انتساب لكن العازفون عن الجمال المطبوع يعوزن لغيره المصنوع فيختلقون لأقلامهم المعاذير بحجة التغيير؛ فيصادفون على نفس الطريقة أمثالهم فيمجدَّون لهم ذلك الصنيع، وما أراه غير تشنيع، ولا أجد من حَرج أن أذكرهم بقوله تعالى: ﴿ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ [الرحمن: 13]!! فإن لم يكن للعربية فضلٌ سوى التنَّعم بحلاوة النص القرآني لكفى، فسبحان من اصطفى لنا خير نبي ولقرآنه الكريم أعظم حرف والله على ما أقول وكيل.

وفي سطور ليست بالقليلة ولا بالطويلة سوف نسجل شهادات دفاع وذود عن العربية السامية رجال عرفوا لتلك اللغة العالية المقاصد العظيمة المعاني قدرها ودورها الرائد في كل زمان ومكان، رحم الله منهم من سبقنا لدار الحق ونصر وأعان من لا زال على قيد الحياة ونصرةً لهذا الحرف الذي يحمل هوية أمة هي خير أمة أخرجت للناس.

وليكن ولوجنا من مصر المحروسة وكل بلاد العرب والإسلام محروسة بفضله وكرمه:
د/ مصطفى محمود ومشكلة الفرنجة.
ولو عدنا للشواهد على التنصل والتفريط في اللغة الأم لتخيلت المتصدي لها أشبه بمن يقف في وجه رمال الصحراء تدفعها ريح السموم دفعًا، أو من يواجه طواحين الهواء ومن " كتاب للراحل الدكتور//مصطفى محمود " رحمه الله" (الإسلام في خندق) يرى فيه أن الإسلام قد وقع في خندق بأيدي أتباعه وأنصاره ويقصدنا نحن العرب- إذ يبرز باختصار أن أعداء الإسلام قد صنعهم الآخر على شاكلتين مختلفتين- والأغرب من ذلك أن الشاكلتين تتفقان رغم اختلاف المنهج على تقويض حظيرة الإسلام، ولسنا بشأن الخوض في ثنايا الكتاب إلا في مٌعنونة للكاتب تحت اسم " الغزاة الجدد والذي أظهر فيه جزعه وخوفه من أمر ربما مَرَّ عليه الكثير مرور الكرام إلا القليل ممن يزعجهم طغيان اللسان الأعجمي وعزو الصدور قبل الدور فيصرح شاهدًا حاكيًا:
بجولة في شوارع القاهرة المٌعزية العربية الإسلامية ما قد أفزعه من أسماء انجليزية وفرنسية لمحلات ومطاعم، حتى الحلاق قد اقتبس اسمًا من أسماء مشاهير الغرب ليجذب إليه الكثير من شبابنا العربي فضلًا عن العديد من المحال التجارية، ويتعجب كيف تفرنجت؟!! ليسير الواحد منا في شوارع مصر الآن فيرى ما يخيل إليه أنه ببقعة من بلاد الغرب لولا جونا الدافئ فيقول:
"اللافتات وأسماء المحلات في الشارع المصري تكاد تختفي منها اللغة العربية وحيثما ذهبت بعينيك لا ترى إلا أسماء فرنسية وانجليزية وإيطالية.... على اليمين واليسار غزو ثقافي مكتسح".

ويعدّدّ الكاتب رحمه الله أسماءً لمحلات تجارية ومطاعم ومصانع وخلافهم لكنه يؤكد في نهاية المعنونة أن "الغزو الثقافي" رغم ضراوته لم يتجاوز القشرة الرقيقة الخارجية والتي ما تلبث أن تتمزق أمام أي عارض، وتظهر من ورائها الماهية والهوية الدينية الأصيلة لهذا البلد العريق[1].

ويشارك الراحل د مصطفى محمود// استشعار الخطر الداهم من تفشي الاستغراب داخل جغرافية الشرق العربي الأكاديمي أ. د/سليمان الشطي// في ثلاثية الاحتفال بسنوية اللغة العربية بمقاله " مشهد مؤلم اللغة العربية في عصرنا معنونة " لغة تمت تنحيتها " العربي / ع 709 / ص 100/ فيظهر قلقه وتخوفه كاتبًا:
(إن اللغة الانجليزية هي الأكثر استخدامًا في الأسواق والمستشفيات والشركات وكل تعاملاتك ستكون أسهل متى استخدمت اللغة الانجليزية في التعاملات اليومية فنرى الفاتورة والايصال والرسائل ومعرض السيارات وخلافها. وينقل الصورة المؤلمة كاتبًا: (تجد كل هذا وأكثر وأنت تسير في الشوارع والأسواق وتدخل المجمعات الضخمة تحت اسم (المولات بدلًا من المتاجر والدكاكين وكثير من أسماء ما أنزل الله بها من سلطان).

ولا يدعونا هذا الكلام أن نتخفف من همنا العربي الكبير بشأن اللغة قدر ما يستدعي حالة من الاستنفار "للأمن الثقافي" بأن يتحرك بخطى سريعة ذات شهامة وإنصاف!

جهود متواضعة.
جهد أول:
ولقد بٌذّلت جهود ضنينة ولكن تٌذكر لأصحابها اعترافًا لهم بما بذلوا حتى ولو كانت تلك الجهود قليلة لكنها محاولات منهم تشبه من يدفع بالقشة رواكد الطين الثقيلة التي جعلت الماء ساكنًا لا يجرى؛ وهذا الكلام نقلًا عن مقالة موثقةً للدكتور / جابر عصفور / بمجلة العربي الشهرية ولقد تناولت في التاليات من الصفحات بعضًا منها وما أنقله عنه الآن كنت أعلمه ولكن التوثيق بالمصدر أجدر بأن يكتب:
يذكر الكاتب أعني د/ جابر عصفور - في جزئية للمقال بعنوان " مقاومة لغزو الكلمات الأجنبية بعدما فشت الأسماء الأجنبية للمحال التجارية والشركات الأمر الذي أزعج الراحل د/ مصطفى محمود رحمه الله؛ قام وزير التموين والتجارة حينها د/ أحمد جويلي // وهو أستاذ جامعي أصلًا وابن محافظة دمياط إلي:
(1) (إصدار قرار بمراجعة الشركات والمحال التي تحمل أسماء أجنبية، وأنذارها بتعديل أسمائها إلى اللغة العربية طبقًا للقانون رقم 155 لسنة 1958 ) وينص على استخدام اللغة العربية في المعاملات والاعلانات التجارية. وكان دافع الوزير حينها إلى إعمال القانون الذي طواه النسيان) ينطلق من الوعي بضرورة الحفاظ على لغتنا التي هي عنوان هويتنا القومية، كما لا يصح في معنى الاستقلال الوطني أو القومي تجاهل أو تشويه أو استبدال هذه اللغة بأي حال من الأحوال[2].

جهد ثانِ:
( تقدم النائب الإذاعي فهمي عمر " وكان مذيعًا مقتدرًا في أدائه اللغوي بالإذاعة المصرية – بمذكرة حول الموضوع إلى لجنة الثقافة والإعلام بمجلس الشعب في دورة من الدورات واستجابت اللجنة الى المذكرة، ودعت لجلسات استماع من المتخصصين وكان من أبرز المتحدثين فيها أستاذنا / شوقي ضيف رحمه الله "وبرفقته الأمين العام للمجمع ومجموعة من خبراء الإعلام والثقافة والتعليم العام والعالي وانتدبتني الوزارة يقصد الثقافة لتمثيلها وكان من أبرز المحاضرين عاشق الضاد المذيع /طاهر أبو زيد) (25 – ص 80).

جهودٌ وإن كانت ضئيلة لكنها بمثابة الحراك من أجل تحريك الساكنات من العقول والأفئدة التي أٌشربت حٌب الفرنجة، لتعلم أنه لا عذب إلا لساننا العربي المبين، وللأسف لم يؤذن لتلك القوانين المٌنصفة أن تمَرَّر باستمرار.

ومن العجيب أننا كلما اطلعنا في خاتمة مقال عن الفصحى وخطر اندثارها وشيوع التغريب داخل القطر الشرقي يتفق الجميع على نقطة واضحة وضوح الشمس في كبد السماء ألا وهي المادة الأولى في الدستور والتي تقول بأن اللغة العربية " هي اللغة الرسمية للدولة نص صريح، فمتى يتفق الجميع على تفعيله؟!!

ومن مصر العربية للملكة العربية السعودية وشبكة الألوكة العالمية الراقية بكافة مواقعها من حضارة للكلمة وعلوم للقرآن الكريم حتى في المباحث العلمية والتقنية تحافظ على العربية حفاظًا يشهد لها القاصي قبل الداني بذلك دعمًا لحرف الضاد. ومجابهة الكاره الحاسد لحرفنا العظيم ليل نهار ليطمس هويته ونشوء أجيال عربية تستغرب فصيح كلامها ويستعظم عليها الإمساك بهوية العربية.

ولو دققنا وتصفحنا كثيرًا مما كتب الأكاديميون والأدباء في شأن قضية اللغة العربية والعودة بها إلى مكانتها التي هي عليها من سيادة وريادة لدٌهشنا بإجماع الكثير على حلول تكاد تكون مُتفقة ومتسقة ولربما بنفس الرؤية والسياق والترتيب حتى ولو قيل تداعي وتوارد أفكار؛ وكأننا قد علمنا العلة وكيف الوصول إلى تطبيب الجرح وما نحن بمناضلين النضال الذي يقف بنا على قارعة طريق النجدة للضاد العربية... وفى عدد "مجلة العربي " الصادر عن دولة الكويت أعزها الله في عددها (709 ) لعام 2017 م ملف خاص أو ثلاثية لأكاديميين من الكويت ولبنان والمغرب يتحدثون عن اللغة العربية في عيدها السنوي أو إن شئت قل "الذكرى السنوية للغة العربية" أو للتذكير بأن هناك ما يسمى باللغة العربية، وبتمعن في قراءته التي حلقت بي في سماء تحلق فيها نجوم ليست كنجوم السماء بل قل هي حروف العربية وقد تناثرت حولي بدءً من الألف انتهاءً بالياء تعرّض الأخير ا/ محمد الإدريسي من المغرب لمجموعة من الحلول المٌقترحة تتلخص في التشبث بالثوابت الحضارية من لغة وعادات وأكد على اللغة باعتبارها بيت قصيده في المقال والدعوة لمواجهة التهديدات القافية وعلى رأسها خطر خصخصة وعولمة نظم التربية والتعليم وتشجيع التراجم وحركة التعريب في مختلف المجالات وتبني دعوة الإصلاح اللغوي، والدفع بقاطرة التنمية اللغوية وتقوية الشراكة بين الحكومات والمجتمع المدني لجعل الدعوة لعودة اللغة بشكل يكتسب الصبغة الإلزامية وكل تلك التوصيات محمودة لكاتبها وصاحبها حتى وإن كانت منسدلة عن قائمة كبرى من توصيات كثيرة هي بحق العلاج الناجع لتلك المعضلة. فنحن أمة وسط في كل شيء في المأكل والمشرب والملبس لا غبار علينا إن نظرنا وتدارسنا ما كتب الآخر مراعين وبدقة عالية ما يخدم العقيدة وما يتنافى معها مجددين ما لم يدركه أسلافنا من تغير، مٌحلقين بتسام فوق ما يعكر صفو تراثنا العربي المجيد.

مقترحات بشأن الإصلاح:
ولو قلنا إن لدنيا بعضًا من حلول ومقترحات لكي يعود للغة العربية غيضًا من فيضها العذب وما كانت عليه من عِزة قبل، لقال البعض إنك لم تأت بجديد يٌحدث طفرة ولا عظيم يَصنع ضجة! لكنها الغَيرة مع الحسرة على حرفنا الضاد وإن لم تكن ذات فكرة مبٌتكرة صاحبها نكرة فلتكن براءةً وواجب وولاء!!

ولقد وفقني الله عز وجل لقليل من المقترحات لذلك وهي كالآتي:
إِيلاء اللغة العربية مكانتها التي كانت عليها من قدسية ومهابة ب: عودة المدقق اللغوي إلى عديد من الجهات التربوية والتعليمية والجدية في خلق برامج هادفة ترتقي باللغة العربية وتعزز دورها في البيئة المحيطة.
بث البرامج الداعية إلى المبادئ والقيم بلغة عربية فصيحة بعيدة عن الركاكة والتعقيد. اتخاذ الروضات والمدارس الابتدائية المزرعة الأولية لإخراج أجيال تقدس اللغة العربية باعتبارها لغة القران الكريم.
تجريم ومعاقبة كل من يتعرض للغة العربية بالإساءة أو السخرية والاستهزاء وسن قوانين لذلك تحت مظلة " العربية لغة القرآن ".

ابرام المسابقات الثقافية التي تهدف إلى تنمية الوعى اللغوي للناشئين وتَميّز للنص الفصيح على ما دونه في الدرجة والجوائز.

ادراج الثقافة اللغوية شرطًا رئيسيًا من شروط اجتياز الاختبارات للتوظيف والعمل كما فٌعل بالإنجليزية التي صارت مٌقومًا قويًا لذلك.

ربما كانت تلك المقترحات حلمًا لكنها كما أردفت محاولة وتسجيل اعتراض وشرف انتساب لحرف الضاد!

لم يتبق لنا في تلك السلسلة سوى مختصر رابع بشأن ثبوت بدر القصة العربية بجزيرة العرب.. بعون الله تعالى.


[1] الإسلام في خندق / د/ مصطفى محمود / بيروت / دار عودة للنشر / مقال / الغزاة الجدد / ص 46.

[2] مجلة العربي / الكويت العدد/ 592 / اللغة العربية أزمة واحدة أم أزمات متعددة؟ / د/ جابر عصفور / ص 76 / 81).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 25-09-2023, 06:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 141,692
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التراث والنبراس (1) نظرات في أعياد الضاد

التراث والنبراس (4)

ثبوت بدر القصة بجزيرة العرب

محمد صادق عبدالعال

وما مرَّ على حرف الضاد من جور وجحود مَرّ وما زال يمر على أشكاله وتصانيفه السردية والنثرية! وكل مٌرصع ببديع الأبجدية العربية؛ فها هي القصة العربية تقف خلف قضبان من أفكار شائكة وآراء مٌشككة في كونها الأسبق، وإن لم تأت على وتيرة النسق الحديث من فن القص المصنوع على أعين المحدثين لكنها موجودة ومعروضة أَقَرَّ بسبقها من أَقَرَّ ومارى في حضورها كل ممارى!!

ففي سلسلة (المراد الأسمى من القصص الأعلى1) والتي شَرٌّفت بأن تنشر بمواقع الألوكة الطيبة آفاق الشريعة / مقالات شرعية / علوم القرآن // وبخاصة في جزئها الأول ذكرت بإنعام من الله وفتح: أن معيارية القياس الصحيح للمفاضلة بين الأجناس الأدبية والأنظمة القصصية يكون على الأصل والمطبوع لا المستجد والمصنوع، وكان ذلك درءً لمفاسد قولية تحاول النيّل من عظمة القصص القرآني العظيم. ولعل البئر التي نضحت بتلك الشوائب ليست ببعيدة عن هذا المصدر القائل:- بأن العرب لم يبادروا لفن القصة إلا بعد ظهورها والتماع نجمها كلون أدبي جديد في الغرب وما هذا بقول حق لكنه مضموم إلى قائمة من المطففين في مكايل الميزان الأدبي الذين يظنون أنهم في حضارة بانتهاج كل مستغرب واتباع كل أعجمي ولسانِ ذي عوج.

إن استباق الغرب للنهضة العِلمية والعَملية عَقب الركود العربي الممقوت هو ما هيأ لهؤلاء بأن يؤخذ التقدم على كافة أشكاله متغافلين وغافلين عن فضيلة عظمى في عروبتنا وهي الثقافة والتراث والموروث الذي توارى بأيدِ عربية فكان ما نحن فيه وما هم عليه!! ناهيك عن إشكاليات أخرى ليس هذا مقامها ولا تلك السطور لأجلها وإن كانت غضاضة الواقع من بعض نواتجها، ويظل الأمل معقودًا بنواصي فرسان الأقلام العربية المٌنصفة الغيورة على حرفنا العربي وتراثنا الغانم بشتى صنوف الأدب والثقافة؛ وتعلن ديار إفتاءِ أدبية عربية (بثبوت بدر القصة في سماء العرب وشبة الجزيرة ) برغم اِدعاءات المستغربين الذين قالوا بأن بدرها وهلالها قد اكتملا بأرض غير عربية إذ اشتغلت العرب بالشعر ولم يكن للقصة حضور في تراث العرب بالصورة التي تجعلها تلج سباقات الإبداع القصصي. فها هي الفضلى د/ عائشة الحكمي توَّثق لهذا الإنصاف:
د/ عائشة الحكمي" تٌقّر بعربية النشأة لفن القص.
ولقد نظرت في مدونة تقنَّية للدكتورة " عائشة يحيى الحكمي" بعنوان " بحث شامل عن أدب القصة القصيرة وتاريخها، وتعرضت بالقراءة للجزئية التي اشتملت على من ذكرت من كٌتاب القصة القصيرة فالغالب سطع نجمه في بدايات القرن التاسع عشر، ومعلوم أن القصة العربية لها من التاريخ العريق ما يؤصلها حتى قبل العصور الوسطى فتقول الكاتبة:
(ومع بدايات القرن التاسع عشر بدأ انتشار الصحافة وانتشر معها الفن القصصي، ودخول القصة معترك السياسة أعطاها حيوية ومضيًّا كسلاح لا يُفَلّ، ودخلت في الصراع الاجتماعي والديني حتى أصبحت مناضلة دون مقصدها تتنفس بالشكوى والتمرد، وتصارع مع البسطاء قسوة الحياة وغلظتها، ويكفي أن نذكر أسماء ذات اعتبار لندرك كيف أن هذا القرن هو قرن القصة القصيرة (موباسان – تشيخوف - إدجار آلان بو – جوجول - أوسكار وايلد- دوديه – هوفمان...إلى غير أولئك.

وملخص القول في هذه القضية ما يؤكده الناقد الأدبي د. عبد المنعم تليمه (الأستاذ بكلية الآداب/جامعة القاهرة / بمصر) أن العرب لم يأخذوا القصة الحديثة عن أوروبا، فـ(القَصّ) جذوره ممتدة في التراث العربي.. أما القصة القصيرة بشكلها الحديث الذي وصلت إليه فهي نتاج أوربي بلا مراء، ولكن العرب لم يتخلفوا عن ركب القصة القصيرة؛ لأننا أبدعنا في هذا المجال في عصر موازٍ للإبداع الغربي، ودعوى سبق أوربا لنا لا تقوم؛ لأن الفارق الزمني بيننا وبينهم لا يتعدى عشرات من السنين، وهذا في رأيه ليس زمنًا طويلًا ولا عصرًا كاملًا.

والقصة العربية في العصر الحديث - كانت "المقامة " هي الإرهاصة الأولى لفن القصة القصيرة العربية بشكلها المٌتعارف عليه الآن. وبعد فترة خَفت صوت الحضارة العربية ليتلقف الغرب منجزها الفكري/ العلمي، فأضاف إليه بعد أن عكف على دراسته وتحليله، وكان لهذا الفكر دور مهم في النهضة الغربية الحديثة، وفي منتصف القرن التاسع عشر بدأت موجة من الترجمات عن الغرب -وإن كانت قد بدأت قبل ذلك وتحديدًا في الثلاثينيات، على يد رفاعة الطهطاوي- فحدث تفاعل وتلاقح نتيجة الاطلاع على هذا المٌنجز الذي أضاف ولا شك للبنية الفكرية العربية التي كانت تعيد تشكيل وعيها بعد فترة طويلة من السكون[1].

والرائع في المقال أن الكاتبة كانت مٌنصفة للآراء القائلة بأن: القصة العربية أقدم حتى ولو كانت تحت مسمى آخر كالمقامة وغيرها، فغالبية أشعار العرب قديما وخاصة الشعر الجاهلي كانت بمثابة قصة شعرية، يسرد ويرسم فيها الشاعر لوحة فنية تصلح لتكون قصة مكتملة الأركان؛ ولقد اتفقت مع الكاتبة الفضلى فيما أثبتت بأقدمية القصة قدم وأسبقية العرب لها، سجلت ذلك بمقال تفضلت شبكة الألوكة الطيبة العديدة المناقب بنشره وهذا مقتطف منه.

فن القص والحكي جذوره عربية والعهدة على التراث.
(ولقد أنكر البعض ثبوتَ بدر " القصة " والحكي بأنواعه في البيئة العربية قديمًا؛ مُعلِّلًا أن الشعرَ أسبقُ وأبقى، لكن من مقالة لها أدلة ومراجع للدكتور/ إبراهيم عوض، والمنشورة بشبكة الألوكة في صفحتها: حضارة الكلمة / دراسات ومقالات نقدية، في مقال له بعنوان "متى عرف الأدب العربي فن القصة؟" المنشور بتاريخ الإضافة 18/ 11/ 2013 ميلاديًّا/ 14/ 1/ 1435 هجريًّا - يؤكد فيه:
"أن فنَّ الحكي قديمٌ جدًّا، ودلَّل بأمثلة كثيرة، وهي على سبيل الذكر لا الحصر: "إن بعض الدارسين يَميلون إلى القول بأن القصة أحدُ الفنون الأدبية الطارئة على الأدب العربي، استمدَّها من الآداب الغربية في هذا العصر، والحقُّ - وخصوصًا بعد أن قرأنا ما قرأناه في المواد الثلاث الماضيات - أن هذا الرأي رأي مُتسرِّع، ففي التراث الأدبي الذي خلَّفه لنا أسلافُنا قَصص كثير؛ منه الدينيُّ، ومنه السياسيُّ، ومنه الاجتماعيُّ، ومنه الفلسفيُّ، ومنه الوعظيُّ، ومنه الأدبيُّ، ومنه ما وضع للتسلية ليس إلا، ومنه الواقعي، ومنه الرمزيُّ، ومنه المسجوعُ المُجنَّس، ومنه المسترسلُ، ومنه المُحتفَى بلغته، والبسيطُ المنساب[2]، وتلك السطور من المقال المنشور لي بالشبكة العربية الألوكة نقلًا عن الأستاذ الدكتور / إبراهيم عوض، والمنشورة بشبكة الألوكة في صفحتها: حضارة الكلمة / دراسات ومقالات نقدية.

( و"إدجار آلان بو" الذي استشهد به الناقد ومن ذكرتهم في إشكالية القصة القصيرة لا نٌنكر فضله وهو من قال " وقد وضع تخصيصًا صعبًا على حد قول ونقد د/ سيد حامد النساج " في رؤيته للقصة القصيرة من سلسلة كتابك والتي تصدر عن دار معارف مصر العدد18 ص 12 حيث أوضح:-
(إن القصة القصيرة عمل روائي نثري يستدعي لقراءته المتأنية نصف ساعة أو ساعتين ) بمعنى أنها قصة يمكن أن تٌقرأ بسهولة في جلسة واحدة وخالفه الرأي " هدسون " ( قد أصبح من المٌسلم به ومن المعروف أن القصة القصيرة الحقيقة ليست محض رواية مختصرة أو ملخصًا لرواية من ثلاثين صفحة فكما تختلف القصة القصيرة والرواية في الطول، فإنه يتعين عليها بالضرورة أن تخالفها في الدافع والخطة والبناء "(52) وأنا لهذا الرأي أميل حيث أن اختلاف البنيان الروائي عن القص القصير يتطلب سردية لا تستدعيها القصة القصيرة التي هي مجرد لقطة يتم تسليط الضوء عليها لا يمكن اختصارها أكثر من اللازم حتى ولو أخذت شكل "الومضة" المستحدثة فالقص من الحكي والسرد والامتاع.

ولعل الفضلى د/عائشة الحكمي الناقد الأدبي د عبد المنعم تليمه (الأستاذ بكلية الآداب/جامعة القاهرة /بمصر) قدما قدر المستطاع أدلة يرجع ثبوتها للقرن التاسع عشر في حين أن أ ابراهيم عوض الكاتب بشبكة الألوكة والذي نسخت من مقاله اقرارًا بأن جذور القصة العربية ممتد من قبل ذلك ولكل مجتهد دليله الذي عليه يعول فنحن لا ندعي ما ليس فينا ولا ونصبو لغير الحقيقة!!

وقبل أن نطو صفحات هذا المقال لتلحق بسابقات ربما قٌدر لها أن تلفت انتباه الغافل عن جمال القصة العربية وأدبها وحكمتها العالية أرى (هاجر) وقد جاءت بسطور جميلة تستنفر جدها العربي اعادة مجد القصة العربية فتقول:
أبتاه - يا جدَّ العرب - ما بكَ؟! صدرك مكتئب! أنفاسُك تَصعد في السماء، كأن بك عِلَّة تُخفيها، ولا تُبديها، فَفرِّج عنَّا وعنك، ما أتعسَ الضَّنْكَ!

ما رأيك لو تقْصُص قصة؟ فلك زمانٌ لم تسرد سردًا، في الحكي إزاحة هَمٍّ عن ذات الصدر، حدِّثني عن عصاك ذات المآرب، وحفيدك قليل العزائم الذي توارى بظلِّكَ!! أو "يوم أن أحدث الصمت صوتًا"، أو عن رائعة الإسقاط والرمز في "العمر الثاني لحبَّة قَمْحٍ".

جدِّي، لا تصمُتْ فصَمْتُكَ موت، جدي لا تصمت فصمتُك موت... أوَلستَ الناقل قول "عتاهية" في زمن المجد:
واصبِر على غِيرِ الزَّمان فإنَّما ♦♦♦ فَرَجُ الشدائد مثل حَلِّ عِقالِ[3]

ويمكننا القول على سبيل الاجتهاد أن: - القصة العربية وإن لم تكن تسير على مسارات رسمها المحدثون إلا في فترة القرن التاسع عشر وما يليه فهي راسخةٌ في مسكوكاتهم وتراثهم والحكم والأمثال والأشعار ومن يسأل فقيهًا لغويًا عن مناسبةِ لمسكوكة عربية أو مثل ضٌرب به أو سبب لبيت شِعر قيل فسوف ينٌبأ عن قصة تناقلتها الأجيال ورددها الرجال والعيال؛ ولولا انشغال العرب بإثبات الحكمة وتقديمها على سرد القصة نفسها لكانوا في فن القص ورسم قوانينه مدرسةٌ عليا لا يضاهيها مبدع كما كان في الِشعر ديدنهم ابتداع لستة عشر بحرًا لها من الأوزان والعروض ما أذهل العالم حتى يومنا هذا!!

والدليل على رسوخ ووجود القصة العربية أزلًا وهو ما يٌحمل على وجه الاستنتاج في قوله تعالى: ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ﴾ [يوسف: 3] فوصف الله عز وجل لقصص القرآن الكريم بأحسن القصص دليل على وجود فن القص أصلا في كلام العرب، ولا تكون المفاضلة إلا إذا وجد الأصل في الجودة والتميَّز. ولقد صاغ القرآن العظيم في قصصه الأعلى آيات قصصية تنتهي بالحكمة والموعظة الحسنة كما كان ذلك في عديد من أمثال العرب ومضارب الحكمة لديهم فوراء كل حكمة نقلت عنهم بالتراث قصة كقولهم (قطعت جهيزة قول كل خطيب) - تضرب مثالًا لفوات الأوان وحسم الأمر وفي جوهرها قصة معلومة إلى غير ذلك.. مع التنزيه التام والكامل لقصص القرآن المٌترفع عن كل شبيه أو مماثل فما كان حديثًا يفترى.

ولعل انكار المٌحٌدثين اشتمال القصة الحديثة بكافة صورها على حكمة ظاهرة في نهايتها أو من بين سطورها خوفًا من بهوت ومضة الإشراق في القصة كما يقولون هو ما جعلهم يخرجون حكايات العرب من فن القص وهذا ليس بإنصاف!

نحن لا ندعي في أدبنا العربي وتراثنا المجيد ما ليس فيه عنترية ولا كبرًا؛ بل هو ما بات محفورًا في ذاكرة الزمن وكشفت عن أصالته الكتب والمراجع والمخطوطات فمن شاء فليقل بذلك أو ليصمت، فالبلاغة مستقرها بلاد العرب والقصص منبته أرض العرب وإن صاغوا له ألف هيئة وهيئة!

وأخيرًا وليس بأخر تظل العربية بحرفها الضاد في معترك ومَعرض لهبات خماسينة قادمة من شمال يرمد عيون من لا يعرفون لهذا التراث عظيم آثاره ولا بديع مقاله إلا من كشف الغطاء بالاقتفاء واهتدى لهوية دان لها العالم قرونًا طويلة بالتميز والابداع. والحمد لله في بدءِ وفي مختتم.

[1] فن الحكي والقص (1) محمد صادق عبدالعال شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / اللغة.. والقلم / فن الكتابة.

[2] سلسلة كتابك / القصة القصيرة /د/ سيد حامد النساج ع 18/ص 12.

[3] شبكة الالوكة /حضارة الكلمة / أدبنا / بوبة النثر / كٌتاب الالوكة / قصة هاجر / محمد صادق عبد العال.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



مجموعة الشفاء على واتساب


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 123.40 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 120.35 كيلو بايت... تم توفير 3.05 كيلو بايت...بمعدل (2.47%)]