شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 571 - عددالزوار : 22309 )           »          المعجزات العلمية في السنة النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          قيام الليل يرفعك إلى درجة القانتين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          حديث: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المُحلل والمُحلل له (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث «كل أمتي يدخلون الجنة» الجزء الأول (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          حديث: إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          تخريج حديث: هذا وضوئي ووضوء المرسلين قبلي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          ثلاث آيات قرآنية تبين بطلان حديث: (اعرضوا الحديث على القرآن فما وافق القرآن فاقبلوه، (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          علم الحديث: رواية ودراية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          أحكام تتعلق بالهدي وبالذبح والنحر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #14  
قديم 26-04-2024, 10:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,244
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري

شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (14) باب : استماع النبي صلى الله عليه وسلم القرآن من غيره

اعداد: الفرقان



الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا. والحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا. والحمد لله الذي جعل كتابه موعظة وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة ونورا للمؤمنين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
2120. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :» اقْرَأْ عَلَيَّ الْقُرْآنَ « قَالَ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ ؟ قَالَ : « إِنِّي أَشْتَهِي أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي « فَقَرَأْتُ النِّسَاءَ حَتَّى إِذَا بَلَغْتُ ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ) رَفَعْتُ رَأْسِي أوْ غَمَزَنِي رَجُلٌ إِلَى جَنْبِي، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَرَأَيْتُ دُمُوعَهُ تَسِيلُ .
الشرح : قال المنذري في الباب الحادي والعشرين: باب استماع النبي صلى الله عليه وسلم القرآن من غيره .
وقد أخرجه مسلم في صلاة المسافرين ( 1/551 ) وبوب عليه النووي : باب فضل استماع القرآن، وطلب القراءة من حافظ للاستماع، والبكاء عند القراءة والتدبر . وقد رواه البخاري ( 5055 – 5056 ) في فضائل القرآن : باب البكاء عند قراءة القرآن .ش
قال النووي : البكاء عند قراءة القرآن صفة العارفين، وشعار الصالحين، قال الله تعالى { ويخرّون للأذقان يَبكُون } الإسراء : 109 . وقال { خرّوا سجدا وبكيا } مريم : 58، والأحاديث فيه كثيرة .
وأورد المنذري فيه حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : « اقرأ علي القرآن» .
فعبد الله بن مسعود لما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أقرأ علي القرآن « تعجب عبد الله من ذلك ؟! فقال : « أقرأ عليك وعليك أنزل !» .
قوله : «إني أشتهي أنْ أسمعه من غيري» يعني : أحب أن أسمعه من غيري، كما في الراوية الأخرى، والمقصود : من متقن مجوّد حافظ، فيستمتع بقراءته لكتاب الله عز وجل . وقال أهل العلم : إن الإنسان إذا استمع للقرآن من غيره، وأصغي له، ربما كان أبلغ في التفهم والتدبر، فان القارئ قد يكونه ذهنه مشغولاً بالقراءة ومخارج الحروف وتذكر الآيات، وأما المستمع فربما يفهم ويتدبر من القراءة أكثر من تدبر القارئ نفسه.
فقرأ عليه ابن مسعود رضي الله عنه من أول سورة النساء، حتى إذا بلغ قوله تعالى { فكيفَ إذا جئنا منْ كل أمةٍ بشهيد} أي : جئنا بالرسل شهداء على أقوامهم يوم القيامة، يشهدون عليهم بالخير والشر، وجئنا بك أنت يا رسول الله على هؤلاء شهيدا، أي : شهيد عليهم جمعيا، على الأمم كلها والرسل جميعا، وقد جاء ذلك في الحديث أيضا، وهذه منزلة عالية، ودرجة رفيعة لنبينا صلى الله عليه وسلم، إذْ هو سيد الأنبياء والمرسلين، وإمامهم ومقدمهم عليه الصلاة والسلام يوم القيامة .
ولما مرّ عبد الله بهذه الآية قال : « فرفعت رأسي فرأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم دموعه تسيل» أي : أنه بكى عليه أفضل الصلاة والتسليم عندما قرئت عليه هذه الآية .
قال ابن بطال : إنما بكى صلى الله عليه وسلم عند تلاوة هذه الآية، لأنه مثّل لنفسه أهوال يوم القيامة، وشدة الحال الداعية له إلى شهادته لأمته بالتصديق، وسؤاله الشفاعة لأهل الموقف، وهو أمرٌ يحق له طول البكاء».
فعقب الحافظ ابن حجر عليه بقوله : والذي يظهر أنه بكى رحمةً لأمته؛ لأنه علم أنه لا بد أنْ يشهد عليهم بعملهم، وعملهم قد لا يكون مستقيما، فقد يفضي إلى تعذيبهم، والله أعلم . (الفتح 9 / 99 ) .
وفي هذا الحديث : فضل البكاء عند قراءة القرآن من خشية الله تعالى، ويحصل البكاء عند استحضار القلب عند القراءة أو سماع التلاوة، وتذكر نعم الله سبحانه الكثيرة على العبد، وتقصير العبد في شكر تلك النعم، وتفريطه في حفظ العهود والمواثيق التي أخذها الله عليه، وتأمل ما في القرآن العظيم من التهديد الشديد، والوعيد الأكيد .
وفيه أيضا : تواضع النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، فلم يقل أنا الذي أنزل علي القرآن، وأنا الذي ينزل علي جبريل عليه السلام بالوحي، فكيف أسمعه من غيري ؟! بل تواضع عليه الصلاة والسلام وهو نبينا وقدوتنا في هذا الباب، باب العلم وتعليم القرآن والعلم الشرعي، فينبغي الاقتداء به، والتواضع مع الأتباع والطلاب، وعدم الاستكبار في الاستفادة منهم، فان العلماء لم يزالوا يستفيدون من طلبتهم بعض الفوائد، ويقفون على بعض التنبيهات، وما أشبه ذلك .
وفي الحديث : فضل استماع القرآن، وأنه مستحب وسنة نبوية، ولا سيما إذا كان القارئ متقنا حافظا؛ فإن الاستماع فيه خير كثير، وصح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : منْ استمع إلى آية من كتاب الله، كانت له نوراً يوم القيامة. وفي الحديث : أن ابن مسعود لما وقف عن القراءة، لم يقل : صدق الله العظيم، ولا أمره النبي عليه الصلاة والسلام بذلك ولا غيره، وإنما قال له: : « حسبك الآن» وقد بوب عليه البخاري ( 5050 ) باب : قول المقرئ للقارئ :: حسبك .
2121. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : كُنْتُ بِحِمْصَ، فَقَالَ لِي بَعْضُ الْقَوْمِ: اقْرَأْ عَلَيْنَا، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمْ سُورَةَ يُوسُفَ، قَالَ : فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ : وَاللَّهِ مَا هَكَذَا أُنْزِلَتْ ؟! قَالَ قُلْتُ : وَيْحَكَ وَاللَّهِ لَقَدْ قَرَأْتُهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، فَقَالَ لِي : أَحْسَنْتَ، فَبَيْنَمَا أَنَا أُكَلِّمُهُ إِذْ وَجَدْتُ مِنْهُ رِيحَ الْخَمْرِ، قَالَ: فَقُلْتُ : أَتَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَتُكَذِّبُ بِالْكِتَابِ، لَا تَبْرَحُ حَتَّى أَجْلِدَكَ، قَالَ : فَجَلَدْتُهُ الْحَدَّ .
الشرح : هذا الحديث في الباب نفسه، وهو عن عبد الله بن مسعود أيضا رضي الله عنه قال : «كنت بحمص «من أرض الشام، وتمر في أيامنا هذه بمحنة شديدة، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرفع عن أهلها البلاء، وأن يؤمّن روعاتهم، ويستر عوراتهم، ويكبت عدوهم .
قوله: « فقال لي بعض القوم : اقرأ علينا، فقرأت عليهم سورة يوسف، فقال رجل من القوم : والله ما هكذا أنزلت ؟! قال قلت : ويحك» وكلمة «ويح» فيها نوع من التوجع والتأسف.
قوله « والله لقد قرأتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم « أي: أنا قد قرأت هذه السورة على النبي صلى الله عليه وسلم فأقرني وأجازني، فكيف تقول لي: ما هكذا أنزلت ؟!
قوله: « فقال الرجل : أحسنت » أي : تراجع عن كلمته التي قال، وهذا من عدم اتزانه بسبب سكره، وذهاب عقله.
قوله « فقال فبينما أنا أكلمه إذ وجدت منه ريح الخمر» يعني شم منه رائحة الخمر قال : قلت -يعني قال عبد الله رضي الله عنه- : أتشرب الخمر وتكذب بالكتاب ؟!! أي : أتجمع بين هاتين الخصلتين السيئتين، فتشرب الخمر التي هي من الكبائر، بل هي أم الخبائث كما صح في الحديث .
قوله: «و تكذب بالكتاب «والمقصود بالتكذيب هنا الإنكار، وليس المقصود به التكذيب الحقيقي؛ لأنه لو كان يكذّب بالكتاب حقيقة كفر، وصار مرتداً يجب قتله، وقد أجمع علماء المسلمين على أن منْ جحد حرفاً مجمعا عليه، فهو كافرٌ بالله العظيم، تجري عليه أحكام المرتدين .
فقال بعد ذلك عبد الله : «لا تبرح حتى أجلدك « يعني : لا تفارق المكان ولا تقوم حتى أجلدك الحد؛ لأنه شمّ منه رائحة الخمر، واختلف العلماء : هل يجب إقامة الحد على الرجل بمجرد أن يوجد ريح الخمر منه ؟ محل خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال : إنّ انبعاث هذه الرائحة من الرجل، لا يجب بها إقامة الحد؛ لأنه قد يكون شربها خطأ، أو أُكره عليها أو غير ذلك، وهذا الحديث يحمل على أن الرجل اعترف بشربه للخمر؛ ولذلك أقام عليه ابن مسعود الحد وجلده .
وهاهنا مسألة أخرى أيضا وهي : كيف يقيم ابن مسعود الحد وهو ليس واليا ولا قاضيا ؟ والجواب : أن عبد الله بن مسعود يحتمل أنه كان نائبا عن الإمام في إقامة الحدود في تلك الناحية، أو أنه استأذن ولي الأمر في ذلك، ففوضه إليه، فأقام عليه الحد، وإلا فإقامة الحدود موكولة إلى السلطان ونوابه باتفاق أهل العلم، أما عامة الناس والأفراد فلا يحل لهم أن يقيموا الحدود، لما فيه من الافتيات على السلطان، وخشية الوقوع في الحيف والظلم بتجاوز الواجب، أو الكذب والزور، فلو أنا جوزنا لكل إنسان أن يقيم الحد، لصار كل إنسان بينه وبين الناس عداوة ادعى عليه أنه شرب الخمر، أو أنه سرق، أو قذف ليقيم عليه الحد؛ فيحصل بذلك فوضى واضطراب، وأيضا هذا ما كان عليه الأمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
وفي الحديث أيضا : إثبات فضيلة استماع القرآن، واجتماع الناس عليه في المجالس، فيقرأ عليهم واحد منهم القرآن وهم يستمعون ويتدبرون، وإذا كان مع التفسير والشرح والبيان كان أبلغ وأعظم وأنفع للخلق، وقد قلّت هذه المجالس وللأسف الشديد في أيامنا هذه، فلا تكاد ترى أحدا يجتمع في هذه المجالس المباركة حول كتاب الله سبحانه وتعالى .
باب الزجر عن الاختلاف في القرآن
2122. عن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرٍو قَالَ : هَجَّرْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا، قَالَ : فَسَمِعَ أَصْوَاتَ رَجُلَيْنِ اخْتَلَفَا فِي آيَةٍ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْغَضَبُ، فَقَالَ : « إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَان قَبْلَكُمْ، بِاخْتِلَافِهِمْ فِي الْكِتَابِ».
2123. عَنْ جُنْدَبٍ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اقْرَأوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فَقُومُوا».
الشرح : قال المنذري رحمه الله : باب الزجر عن الاختلاف بالقرآن.
وهذا الحديث أخرجه الإمام مسلم في كتاب العلم، وبوب عليه الإمام النووي : باب النهي عن متشابه القرآن والتحذير من متبعيه والنهي عن الاختلاف في القرآن .
يقول عبد الله بن عمر : « هجّرت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يوما» هجرت يعني : بكّرت إلى مسجده أو إلى مجلسه .
قال :«فسمع النبي صلى الله عليه وسلم أصوات رجلين اختلفا في آية « أي ارتفعت أصوات رجلين من أصحابه في آية من القرآن؛ لاختلافهما فيها،قال: «فخرج علينا رسول الله صلى الله عليهم وسلم يعرف في وجهه الغضب» وذلك لما سمعهم اختلفوا في القرآن وارتفعت أصواتهما فيه، فغضب عليه الصلاة والسلام، وغضبه يدل على أن هذا الفعل محرمٌ ومنكر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لا يغضب إلا إذا انتهكت حرمات الله .
فقال صلى الله عليه وسلم»: «إنما هلك من كان قبلكم» يعني بهذا الأمر حصل هلاك من قبلكم من الأمم، والهلاك هنا هو الهلاك في الدين، والوقوع في الابتداع؛ فإنّ الاختلاف في الكتاب يؤدي إلى ظهور الأهواء والبدع، ومن ثمَّ الافتراق والتحزب .
وقوله « إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم في الكتاب « تحذير من سلوك مسلك أهل الكتاب من قبلنا، كما قال تعالى { ولا تكونوا كالذين تفرّقوا واختلفوا منْ بعد ما جاءهمْ وأولئك لهم عذابٌ عظيم * يوم تبيض وجوهٌ وتسود وجوهٌ} (آل عمران : 105 – 106) .
وهذا من العجائب !! أن يكون اختلافهم من بعد ما جاءتهم الأدلة البينة الواضحة، والتي ينتظر منها أن توجب قطع الخلاف والنزاع، والسمع والطاعة لله ورسوله .
وقد وقع ما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن طوائف من هذه الأمة قد اختلفوا في الكتاب، ووقعوا في البدع والأهواء المضلة، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه: «لتتبعن سنن من كان قبلكم، شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضبٍ لدخلتموه، قالوا : اليهود والنصارى يا رسول الله ؟! قال : «فمن».
والحديث الثاني : حديث جندب بن عبد الله البجلي، وقد رواه البخاري في فضائل القرآن ( 5060 ) باب : اقرأوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم. وجندب هو العلقي أبو عبد الله صحابي مشهور، مات بعد الستين، روى له الستة. يقول : قال صلى الله عليه وسلم : «اقرأوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم فإذا اختلفتم فيه فقوموا» ما ائتلفت يعني: ما اتفقت عليه قلوبكم واجتمعت، أما إذا اختلفتم فيه وتنازعتم في معانيه « فقوموا» أي : تفرقوا لئلا يكون ذلك سبباً للافتراق .
وقال الإمام النووي : الأمر بالقيام عند الاختلاف في القرآن محمول عند العلماء على اختلاف لا يجوز، إذا حصل اختلافٌ لا يجوز، أو اختلاف يوقع فيما لا يجوز، كاختلاف في نفس القرآن، أو في معنى منه لا يسوغ فيه الاجتهاد، أو اختلاف يوقع في شكٍ أو شبهة أو فتنة وخصومة أو شجار ونحو ذلك .
قال : وأما الاختلاف في استنباط فروع الدين منه، ومناظرة أهل العلم في ذلك على سبيل الفائدة وإظهار الحق، واختلافهم في ذلك، فليس منهيا عنه، بل هو مأمورٌ به، وفضيلة ظاهرة، وقد أجمع المسلمون على هذا من عهد الصحابة إلى الآن. انتهى .
فالخلاف الذي يوقع في الشجار والفتنة والتقاطع والتدابر والتباغض، وكذا ما يؤدي إلى الشك في كتاب الله أو في دين الله، كله محرم لا يجوز. وكذا الخلاف : هل هذه آية أو ليست بآية ؟! فهذا محرم .
وكذا الخلاف في معنى من معاني القرآن لا يحلّ فيه الاختلاف؛ لأنه واضحٌ وبينٌ من كلام ربنا، ومن كلام العرب لم يختلفوا فيه .
أما اختلاف التنوع : وهو الذي يظهر لنا معاني جديدة في الآية، فتفسر الآية بعدة أوجه؛ لأن لها معاني مختلفة متنوعة، غير متضادة ولا متناقضة، فهذا مما يزيد الإنسان علما وفهما، وهو ناتج عن التدبر، فكلما تدبر في كتاب الله فتحت له أبواب جديدة، ومعاني جديدة .
قال العلامة صديق حسن خان رحمه الله : ومن الاختلاف في القرآن المنهي عنه : اتباع متشابهات الكتاب، ومثله في السنة المطهرة، فإنها تِلْو القرآن {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } (النجم : 3-4) . وأكثر الناس ابتلاء في هذا : أصحاب الرأي وأصحاب الكلام وأهل البدع والمحدثات، من الصوفية والباطنية وغيرهم، اختلفوا فيه اختلافا كثيرا، وجاءوا بتأويلات ركيكة، وتوجيهات سخيفة، واحتمالات بعيدة، صرفوا بها ظاهر القرآن عن معناه الشرعي واللغوي، اللذين عليهما مدار الاستنباط والأحكام والعقائد وغيرها؛ حماية للمذاهب ووقاية للمشارب، وخبطوا خبط العشواء، وعلى نفسها براقش تجني، فحملوا آيات الصفات على غير المعنى المراد، وأولوها بما يؤدي إلى تعطيلها، وكذلك أحاديث الصفات، وقالوا فيهما بالرأي وقد نهوا عنه، وتركوا طريقة السلف في إجرائها على ظاهرها، بلا تكييف ولا تأويل ولا تمثيل ولا تعطيل، وزعموا أن الحق فيما قالوه، وهم عن الحق وإيثاره على الباطل بمراحل بعيدة، وتمسكوا بتقليد الرجال، ووقعوا في شباك القيل والقال، وهلكوا كما هلك من قبلهم من أهل الكتاب . انتهى
وهذا حال من انصرف عن التمسك بالكتاب والسنة، وفهم سلف الأمة، وأوّل الكتاب، وحرف ظاهر الآيات، وجاء بمعاني باطلة بعيدة، تخالف كلام ربنا سبحانه وتعالى، وهذه الخصلة الذميمة مما حكاها الله تعالى عن أهل الكتاب في مواضع من القرآن، في قوله {أفتطمعون أنْ يؤمنوا لكم وقد كان فريقٌ منهم يسمعون كلام الله ثم يحرّفونه منْ بعد ما عقلوه وهم يعلمون} (البقرة: 75) .
وقوله: { منْ الذين هادوا يحرّفون الكلمَ عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا } النساء : 46 .
وقوله: { فبما نقضهم ميثاقهم لعنّاهم وجعلنا قلوبهم قاسيةً يُحرّفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به } (المائدة : 13) .
فهم قد وقعوا في التغيير والتبديل لكلام الله وكتابه، فيجعلون له معنى غير ما أراد الله ورسوله.
وهو كما قلنا مما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم عن اليهود والنصارى في قوله : « لتتبعن سنن منْ كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه» .
فهذا الحديث علمٌ من أعلام النبوة، ودلالة من دلالات الرسالة .
ففي هذا الحديث : حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من الاختلاف في القرآن العظيم، والقول على الله من غير علم، أو تحريف معاني كتاب الله والوقوع في التأويلات الفاسدة والتحريفات الباطلة، التي هي احتمالات بعيدة عن معنى كلام الله جل في علاه .
وهذا الحديث هو ختام هذا الكتاب: كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا، إنه هو السميع العليم .
وصلي الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 325.64 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 324.07 كيلو بايت... تم توفير 1.57 كيلو بايت...بمعدل (0.48%)]