كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله - الصفحة 26 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تحصين الأبناء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          شرح النووي لحديث:كانت تلعب بالبنات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          شرح النووي لحديث: إني لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت علي غضبى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الطريق لك ولغيرك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          موعظة عن الموت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          أنواع الوصول إلى الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          هنيئا لمن مات شهيدا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          ليشهدوا منافع لهـم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          {إن ربي لطيف لما يشاء} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الأبناء وارتكاب بعض الرذائل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة
التسجيل التعليمـــات التقويم

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #251  
قديم 02-05-2024, 06:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,180
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس

الحلقة (251)
صــــــــــ 101 الى صـــــــــــ 106



عدد الأيمان على كل حالف

(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا يجب على أحد حق في القسامة حتى تكمل أيمان الورثة

خمسين يمينا وسواء كثر الورثة أو قلوا وإذا مات الميت وترك وارثا واحدا أقسم خمسين يمينا واستحق الدية وإن ترك وارثين أو أكثر فكان أحدهما صغيرا أو غائبا أو مغلوبا على عقله أو حاضرا بالغا فلم يحلف فأراد أحدهما اليمين لم يحبس على غائب ولا صغير ولم يبطل حقه من ميراثه من دمه بامتناع غيره من اليمين ولا إكذابه دعوى أخيه ولا صغره وقيل للذي يريد اليمين: أنت لا تستوجب شيئا من الدية على المدعى عليهم ولا على عواقلهم إلا بخمسين يمينا فإن شئت أن تعجل فتحلف خمسين يمينا وتأخذ نصيبك من الميراث لا يزاد عليه قبلت منك وإن امتنعت فدع هذا حتى يحضر معك وارث تقبل يمينه فتحلفان خمسين يمينا أو ورثته فتكمل أيمانكم خمسين يمينا كل رجل منكم بقدر ما يجب عليه من الأيمان أو أكثر ولا يجوز أن يزاد على وارث في الأيمان على قدر حصته من الميراث إلا في موضعين: أحدهما ما وصفت من أن يغيب وارث أو يصغر أو ينكل فيريد أحد الورثة اليمين فلا يأخذ حقه إلا بكمال خمسين يمينا فيزاد عليه في الأيمان في هذا الموضع ولا يجبر على الأيمان أو يدع الميت ثلاث بنين فتكون حصة كل واحد منهم سبعة عشر يمينا إلا ثلث يمين فلا يجوز في اليمين كسر ولا يجوز أن يحلف واحد ستة عشر يمينا وعليه ثلثا يمين ويحلف آخر سبعة عشر ولا سبعة عشر وزيادة ويحلف كل واحد منهم سبعة عشر يمينا فيكون عليهم زيادة يمين بينهم، وهكذا من وقع عليه أو له كسر يمين جبرها وإن لم يدع القتيل وارثا إلا ابنه أو أباه أو أخاه أجزأه أن يحلف خمسين يمينا؛ لأنه مالك المال كله وكل من ملك شيئا حلف عليه وهكذا لو لم يدع إلا ابنته وهي مولاته حلفت خمسين يمينا وأخذت الكل: النصف بالنسب والنصف بالولاء، وهكذا لو لم يدع إلا زوجة وهي مولاته وإذا ترك أكثر من خمسين وارثا سواء في ميراثه كأنهم بنون معا أو إخوة معا أو عصبة في القعدد إليه سواء حلف كل واحد منهم يمينا وإن جازوا خمسين أضعافا؛ لأنه لا يأخذ أحد مالا بغير بينة ولا إقرار من المدعى عليه بلا يمين منه ولا يملك أحد بيمين غيره شيئا ولو كانت فيهم زوجة فورثت الربع أو الثمن حلفت ربع الأيمان ثلاثة عشر يمينا يزاد عليها كسر يمين أو ثمن الأيمان سبعة أيمان يزاد عليها كسر يمين؛ لما وصفت من أنه لا يجوز إذا كان على وارث كسر يمين إلا أن يأتي بيمين تامة. .
نكول الورثة واختلافهم في القسامة
ومن يدعى عليهم

(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فإذا كان للقتيل وارثان فامتنع أحدهما من القسامة لم يمنع ذلك الآخر من أن يقسم خمسين يمينا ويستحق نصيبه من الميراث، وكذلك إن كان الورثة عددا كثيرا فنكلوا إلا واحدا، وكذلك إن كان المقسم عليه عدلا والمقسم غير عدل قبلت قسامته؛ لأنه حق يأخذه بيمينه فالعدل وغير العدل سواء كما يكون للرجلين شاهد وللرجال شاهد فيمتنع أحدهم أو أكثرهم من اليمين ويحلف غيره منهم فيكون للحالف أخذ حقه، كما يدعى على الرجال حق فيقر به بعضهم وينكر بعض فيحلف المنكر ويبرأ ويؤخذ من المقر ما أقر به فإذا كانت على الرجل في القسامة أيمان فلم يكملها حتى مات كان على الورثة أن يبتدئوا الأيمان التي كانت على أبيهم ولا يحاسبون بأيمانه؛ لأن أيمانه غير أيمانهم

وهو لم يكن يأخذ بأيمانه شيئا حتى يكمل ما عليه فيه ولو كان لم يمت، ولكنه لم يكمل أيمانه حتى غلب على عقله فإذا أفاق احتسب بما بقي من أيمانه ولم يسقط من أيمانه الماضية شيء من قبل أن عليه عدد شيء فإذا أتى به مجموعا أو مفرقا عند حاكم فقد أدى ما عليه ولو جاء به عند حاكمين ويجب على الحاكم أن يثبت له عدد ما حلف عنده قبل يغلب على عقله وما حلف عند غيره ولو حلف على بعض الأيمان، ثم سأل الحاكم أن ينظر أنظره فإذا جاء ليستكمل الأيمان حسبت له ما مضى منها عنده وإذا كان للقتيل تجب فيه القسامة وارثان فادعى أحدهما على رجل من أهل المحلة أنه قتله وحده وأبرأه صاحبه بأن قال ما قتله كان فيها قولان: أحدهما أن لولي الدم المدعي الذي لم يبرئ أن يحلف خمسين يمينا ويستحق على المدعى عليه نصف الدية إن كان عمدا في ماله وعلى العاقلة إن كان خطأ ومن قال هذا القول قال لو كان عدلا فشهد له أنه كان في الوقت الذي قتل فيه وهم يتصادقون على الوقت غائبا ببلد لا يمكن أن يصل منه في ذلك الوقت ولا في يوم إلى موضع القتيل لم يبرأ؛ لأنه واحد لا تجوز شهادته ولوكان الوارثان اثنين عدلين فشهدا له بهذا أو شهدا على آخر أنه قتله أجزنا شهادتهما ولم نجعل فيه قسامة والقول الثاني أنه ليس للورثة أن يقسموا على رجل يبرئه أحدهم إذا كان الذي يبرئه يعقل فإن أبرأه منهم مغلوب على عقله أو صبي لم يبلغ كان للباقين منهم أن يحلفوا. .
ما يسقط حقوق أهل القسامة
من الاختلاف وما لا يسقطها

(قال الشافعي): وإذا اختلف الوارثان فيمن تجب عليه القسامة فكانت دعواهما معا مما يمكن أن يصدقا فيه بحال لم يسقط حقهما في القسامة وذلك مثل أن يقول: هذا قتل أبي عبد الله بن خالد ورجل لا أعرفه ويقول الآخر: قتل أبي زيد بن عامر ورجل لا أعرفه؛ لأنه قد يجوز أن يكون زيد بن عامر هو الرجل الذي عرفه الذي جهل عبد الله بن خالد وأن يكون عبد الله بن خالد هو الرجل الذي جهله الذي عرف زيد بن عامر ولو قال الذي ادعى على عبد الله قد عرفت زيدا وليس بالذي قتل مع عبد الله وقال الذي عرف زيدا قد عرفت عبد الله وليس بالذي قتل مع زيد ففيها قولان: أحدهما أن يكون لكل واحد منهما أن يقسم على الذي ادعى عليه ويأخذ منه ربع الدية ومن قال هذا قال حق كل واحد منهما غير حق صاحبه كرجلين لهما حق على رجل فأبرأه أحدهما بإكذاب البينة؛ لأنه قد يمكن في كل المدعى عليهما القتل وفي كل واحد من الوارثين وعلى كل واحد منهما الوهم أو يثبت كل واحد منهما أن مع الذي ادعى عليه قاتلا غيره وإن ادعى كل واحد منهما على غير الذي أبرأه أنه قاتل مع الذي ثبت عليه كان لكل واحد منهما أن يقسم ويأخذ منه حصته من الدية، والقول الثاني أن ليس لواحد منهما أن يقسم حتى تجتمع دعواهما على واحد فيقسمان عليه ومن قال هذا قال هذان ليسا كرجلين لهما حق على رجل فأكذب أحدهما بينته فبطل حقه وصدق الآخر بينته فأخذ حقه؛ لأن هذا الحق أخذ بغير قول المدعي وحده وأخذه بشهادة أمر المسلمين مقبول مثلها والقسامة حق أخذ بدلالة، وأيمانهما بها؛ لأنهما وارثان له ولا يأخذانه وكل واحد منهما يكذب صاحبه ومن قال هذا قال: لو أن وارثين وجبت لهما القسامة ادعى كل واحد منهما على رجل أنه قتل أباه وحده لم يكن لواحد منهما أن يقسم على واحد من الذي ادعيا عليه ولا على غيره؛ لأنه قد أبرأ غيره بدعواه عليه وحده وأنه لا يمكن فيهما أن يكونا صادقين بحال ولا يكون أحدهما قتله وحده والآخر قتله وحده وكذلك لو كان له معهما وارث ثالث فادعى على

الذي ادعيا عليه وحده أو معه غيره لم يكن ذلك له ولو وجبت لهما فادعى أحدهما على واحد بعينه وقال الآخر: لا أعرفه وامتنع من القسامة كان للذي أثبت القسامة عليه أن يقسم خمسين يمينا ويأخذ حصته من الدية؛ لأن امتناع أخيه من اليمين ليس بإكذاب له فإذا لم يكن إكذابا له فله أن يحلف بكل حال، وكذلك لو ادعى وارثان أنه قتل أباهما فقال أحدهما: قتله وحده وقال الآخر: قتله وآخر معه كان للذي أفرد الدعوى عليه وحده أن يحلف ويأخذ منه ربع الدية والآخر يحلف ويأخذ ربع الدية؛ لأنهما اجتمعا على أن عليه نصف الدية وأقر أحدهما بأنها عليه كلها ولا يؤخذ في هذا القول إلا بما اجتمعا عليه ولا يكون للذي ادعى على الباقي أن يحلف؛ لأن أخاه يكذبه أن يكون قاتلا فعلى هذا، هذا الباب كله. .
الخطأ والعمد في القسامة
أخبرنا الربيع قال قال الشافعي: إذا وجبت القسامة لم أحلف الورثة حتى أسألهم أعمدا قتل صاحبهم أو خطأ؟ فإن قالوا عمدا أحلفتهم على العمد وجعلت لهم الدية في مال القاتل حالة مغلظة كدية العمد وإن قالوا خطأ أحلفتهم لقتله خطأ، ثم جعلت الدية على عاقلة القاتل في مضي ثلاث سنين كدية الخطأ وهكذا إذا كانت لمسلمين على مشركين أو لمشركين على مسلمين أو لمشركين على مشركين أحرار لا تختلف فإذا كانت القسامة على عبد أو قوم فيهم عبد كانت الدية في الخطأ والعمد في عنق العبد دون مال سيده وعاقلته ولا تكون القسامة إلا عند حاكم وإذا أقسموا أبغير أمر الحاكم؟ أعاد عليهم الحاكم الأيمان ولم يحسب لهم من أيمانهم قبل استحلافه لهم شيئا. .
القسامة بالبينة وغيرها
(قال الشافعي): وإذا حلف ولاة الدم على رجل أنه قتل لهم قتيلا وحده وأخذوا منه الدية أو من عاقلته، ثم جاء شاهدان بما فيه البراءة للذي أقسموا عليه من قتل قتيلهم رد ولاة القتيل ما أخذوا من الدية على من أخذوها منه وذلك أن يشهد شاهدان أن هذا الذي أقسموا عليه كان يوم كذا من شهر كذا وذلك القاتل بمكة والقتيل بالمدينة أو كان ببلد لا يمكن أن يبلغ موضع القتيل في يوم ولا أكثر أو يشهدون على أن فلانا الذي أقسموا عليه كان معهم قبل طلوع الشمس إلى زوال الشمس وإنما قتل القتيل في هذا الوقت أو ما في معنى هذا مما يثبت الشاهدان أن هذا المقسم عليه بريء من قتل صاحبهم فإن شهدوا أن فلانا رجلا آخر قتل صاحبهم لم تخرج الدية حتى ينظر فإن جازت شهادتهم على فلان أخرجت الدية التي أخذت بالقسامة فردت إلى من أخذت منه وإن ردت عن فلان لم تخرج التي أخذت بالقسامة بشهادة من لم تجز شهادته على رجل بعداوة ولا بأن يعدلهم من يجر إلى نفسه أو يدفع عنها ولا يقبل شاهدان من عاقلة المدعى عليه إذا ادعى القتل خطأ أن يبتدئوها بما يبرئ المدعى عليه في الخطأ؛ لأن في ذلك براءة لهم مما يلزمهم من الدية.
وقد قيل: إن كان القتل عمدا لم يقبل ذلك للمدعى عليه؛ لأن ذلك إبراء له من اسم القتل ولا إن كان الشاهدان يكونان إذا شهدا أبرآ أنفسهما من شيء من الدية أو جرا إلى أنفسهما (قال الشافعي): وإن لم يقطعوا الشهادة بما يبين براءته لم يكن بريئا، وذلك مثل أن يكون القتيل ببلد فيقتل يوم الجمعة لا يدرى أي وقت قتل فيه فيشهد هؤلاء الشهود أن

هذا كان معهم يوم الجمعة طول النهار أو في بعض النهار دون بعض أو في حبس وحديد أو مريضا؛ لأنه قد يمكن أن يقتله في وقت لم يكن معهم فيه وينفلت من السجن والحديد ويقتله في الحديد ويقتله وهو مريض.
(قال الشافعي): ولو شهدوا على الورثة أنهم أقروا أن هذا المقسم عليه لم يقتل أباهم أو أنه كان غير حاضر قتل أبيهم أو أنه في اليوم الذي قتل فيه أبوهم كان لا يمكن أن يبلغ حيث قتل أبوهم أو أنهم أقسموا عليه عارفين بأنه لم يقتله أحد أخذت الدية منهم وللإمام تعزيرهم بإقرارهم وأخذ المال بالباطل، ولو كانوا شهدوا على أنهم قالوا إن كنا لغيبا عن قتله قبل القسامة وبعدها لم يردوا شيئا؛ لأني أحلفتهم وأنا أعلمهم غيبا، وكذلك لو شهدوا قبل القسامة وبعدها أنهم قالوا ما نحن على يقين من قتله كان لهم أن يقسموا؛ لأنهم قد يصدقون الشهود بما لا يستيقنون وإنما اليقين العيان لا الشهادة ولو شهدوا عليهم أنهم قالوا قد أخذنا منه الدية أو من عاقلته الدية بظلم سئلوا فإن قالوا: قلناه؛ لأن القسامة لا توجب لنا دية حلفوا بالله ما أرادوا غير هذا وقيل لهم: ليس هذا بظلم وإن سميتموه ظلما وإن لم يحلفوا على هذا حلف المدعى عليه ما قتل صاحبهم وردوا الدية فإن قالوا: أردنا بقولنا أخذنا الدية بظلم بأنا كذبنا عليه ردوا الدية وعزروا ولو أقسم الورثة على رجل أنه قتل أباهم وحده وشهد شاهدان على رجل غيره أنه قتل أباهم فادعى الورثة على القاتل المشهود عليه دم أبيهم وسألوا القود به أو الدية لم يكن ذلك لهم؛ لأنهم قد زعموا أن قاتل أبيهم رجل واحد فأبرءوا منه غيره وردوا ما أخذوا من الدية بالقسامة؛ لأنه قد شهد لمن أخذوا منه الدية بالبراءة وأبرءوه بدعواهم على غيره ولو ثبتوا أيضا على دعواهم على الأول وكذبوا البينة لم يأخذوا من الآخر عقلا ولا قودا؛ لأنهم أبرءوه وردوا ما أخذوا من الأول؛ لأن الشاهدين قد شهدا له بالبراءة ولو أن شاهدين شهدا لرجل بما يبرئه من دم رجل كما وصفت، ثم أقر المشهود له أنه قتله عمدا أو خطأ لزمه الدم كما أقر به.
وإذا أقر به خطأ لزمه في ماله في ثلاث سنين دون عاقلته ولو أن ولاة الدم أقروا أن رجلا لم يقتل أباهم وادعوه على غيره وأقر الذي أبرءوه أنه قتل أباهم منفردا فقد قيل: يؤخذ بإقراره ويكون أصدق عليه من إبرائهم له كشهادة من شهد له بالبراءة وقيل: لا يؤخذ بإقراره من قبل أن ولاة الدم قد أبرءوه من دمه وسواء ادعوا الوهم في إبرائه، ثم قالوا أثبتنا أنك قتلته أو لم يدعوه. .
اختلاف المدعي والمدعى عليه في الدم
(قال الشافعي): ولو أن رجلا ادعى أن رجلا قتل أباه عمدا بما فيه القود وأقر المدعى عليه أنه قتله خطأ فالقتل خطأ والدية عليه في ثلاث سنين بعد أن يحلف ما قتله إلا خطأ فإن نكل حلف المدعي لقتله عمدا وكان له القود وهكذا إن أقر أنه قتله عمدا بالشيء الذي إذا قتله به لم يقد منه ولو ادعى رجل على رجل أنه قتل أباه وحده خطأ فأقر المدعى عليه أنه قتله هو وغيره معه كان القول قول المقر مع يمينه ولم يغرم إلا نصف الدية ولا يصدق على الذي زعم أنه قتله معه.
ولو قال قتلته وحدي عمدا وأنا مغلوب على عقلي بمرض فإن علم أنه كان مريضا مغلوبا على عقله قبل قوله مع يمينه وإن لم يعلم ذلك فعليه القود بعد أن يحلف ولي الدم لقتله غير مغلوب على عقله وهكذا لو قامت عليه بينة بأنه قتله فقال: قتلته وأنا مغلوب على عقلي (قال الشافعي): وإذا وجد القتيل في محلة قوم يختلط بهم غيرهم أو صحراء أو مسجد أو سوق أو موضع مسير إلى دار مشتركة أو غيرها فلا قسامة فيه فإن ادعى أولياؤه على أهل المحلة لم يحلف لهم منهم إلا من أثبتوا بعينه فقالوا نحن ندعي أنه قتله فإن أثبتوهم كلهم وادعوا

عليهم وهم مائة أو أكثر وفيهم نساء ورجال وعبيد مسلمون كلهم أو مشركون كلهم أو فيهم مسلم ومشرك أحلفوا كلهم يمينا يمينا؛ لأنهم يزيدون على خمسين وإن كانوا أقل من خمسين ردت الأيمان عليهم فإن كانوا خمسة وعشرين حلفوا يمينين يمينين وإن كانوا ثلاثين حلفوا يمينين يمينين؛ لأن على كل واحد منهم يمينا وكسر يمين ومن كانت عليه كسر يمين حلف يمينا تامة وليس الأحرار المسلمون بأحق بالأيمان من العبيد ولا العبيد من الأحرار ولا الرجال من النساء ولا النساء من الرجال كل بالغ فيها سواء.
وإن كان فيهم صبي ادعوا عليه لم يحلف وإذا بلغ حلف فإن مات قبل البلوغ فلا شيء عليه ولا يحلف واحد منهم إلا واحدا ادعوا عليه بنفسه فإذا حلفوا برئوا وإذا نكلوا عن الأيمان حلف ولاة الدم خمسين يمينا واستحقوا الدية إن كانت عمدا ففي أموالهم ورقاب العبيد منهم بقدر حصصهم فيها وإن كانت خطأ فعلى عواقلهم وإن كان ولي القتيل ادعى على اثنين منهم فحلف أحدهما وامتنع الآخر من اليمين بريء الذي حلف وحلف ولاة الدم على الذي نكل، ثم لزمه نصف الدية في ماله إن كان عمدا وعلى عاقلته إن كان خطأ؛ لأنهم إنما ادعوا أنه قاتل مع غيره وسواء في النكول عن اليمين المحجور عليه وغير المحجور عليه إذا نكل منهم واحد حلف المدعى عليه.
وكذلك سواء في الإقرار إذا أقر المحجور عليه وغير المحجور عليه بالجناية لزمه منها ما يلزم غير المحجور عليه والجناية خلاف البيع والشراء وقد قيل: لا يلزمه إلا بجناية العمد في الإقرار والنكول.
باب الإقرار والنكول والدعوى في الدم

(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وكذلك العبد سواء في الإقرار بالجناية والنكول عن اليمين فيها إلا في خصلة بأن العبد إذا أقر بجناية لا قصاص فيها لم يتبع فيها وأشهد الحاكم بإقراره بها فمتى عتق ألزمه إياها؛ لأنه حين أقر أقر بمال لغيره فلا يجوز إقراره في مال غيره وإذا صار له مال كان إقراره فيه وإذا ادعوا على عشرة فيهم صبي رفعت حصة الصبي عنهم من الدية إن استحقت وإن نكلوا حلف ولاة الدم وأخذوا منهم تسعة أعشار الدية فإذا بلغ الصبي حلف فبريء أو نكل فحلف الولي وأخذ منه العشر إذا كان القتل عمدا.
(قال الشافعي): وإذا ادعوا على جماعة فيهم معتوه فهو كالصبي لا يحلف وذلك أنه لا يؤخذ بإقراره على نفسه فإن أفاق من العته أحلف، وتسعه اليمين بعد مسألته عما ادعوا عليه وإن نكل حلف ولاة الدم واستحقوا عليه حصته من الدية وإن ادعوا على قوم فيهم سكران لم يحلف السكران حتى يفيق، ثم يحلف فإن نكل حلف أولياء الدم واستحقوا عليه حصته من الدية (قال الشافعي): وإذا وجد القتيل في دار رجل وحده فقد قيل: لا يبرأ إلا بخمسين يمينا إذا ادعي عليه القتل.
قتل الرجل في الجماعة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت الجماعة في مسجد أو مجمع غير المسجد فازدحموا فمات رجل منهم في الزحام قيل لوليه: ادع على من شئت منهم فإن ادعى على أحد بعينه أو جماعة كانت في المجمع الذي قتل فيه أو جماعة يمكن أن تكون قاتلته بزحام قبلت دعواه وحلف واستحق على عواقلهم الدية في ثلاث سنين. وإن ادعاه على من لا يمكن أن يكون زحمه بالكثرة كأن يكون في

المسجد ألف فيدعيه عليهم فلا تقبل دعواه؛ لأنه لا يمكن أن يكون كلهم زحمه فإن لم يدع على أحد بعينه يمكن أن يكون زحمه لم يعرض لهم فيه ولم نجعل فيه عقلا ولا قودا (قال الشافعي): وهكذا إن قتل بين صفين لا يدرى من قتله، وهكذا قتل الجماعات في هذا كله (قال الشافعي): وإذا ادعي على رجل بعينه فأنكر المدعى عليه أن يكون كان في الموضع الذي قتل فيه القتيل لم يقسم ولي الدم عليه حتى تقوم بينة بأنه كان في ذلك الموضع فإذا أقر أو قامت عليه بينة بذلك فلولي القتيل أن يقسم عليه (قال الشافعي): وسواء فيما تجب فيه القسامة كان بالميت أثر سلاح أو خنق أو غير ذلك أو لم يكن؛ لأنه قد يقتل بما لا أثر له. فإن قال المدعى عليه القتل: إنما مات ميتك من مرض كان به أو مات فجأة أو بصاعقة أو ميتة ما كانت كان لولي القتيل القسامة بما وصفت من أنه قد يقتل بما لا أثر له ولو دفعت القسامة بهذا دفعتها بأن يقول: جاءنا جريحا فمات من جراحه عندنا. .
نكول المدعى عليهم بالدم عن الأيمان
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا لم أجعل لولاة الدم الأيمان فادعى رجل على رجل أنه قتل أباه عمدا أحلف المدعى عليه خمسين يمينا ما قتله فإذا حلف بريء من دمه ولا عقل ولا قود عليه، وإن كان أقر بقتله قتل به إلا أن يشاء الوارث العقل ويأخذه من ماله أو العفو عن العقل والقود وإن لم يقر ونكل عن اليمين قيل للوارث احلف خمسين يمينا لقتله ولك القود كهو بإقراره، وإن كان المدعى عليه القتل معتوها أو صبيا لم يحلف واحد منهما؛ لأنه لو أقر في حاله تلك لم ألزمه إقراره فإن أفاق المعتوه وبلغ الصبي أحلفته على دعوى ولي الدم فإن حلف برئ وإن أقر لم يكن عليه القود وكانت الدية عليه في ماله حالة إن كان القتل عمدا وإن كان القتل خطأ في ثلاث سنين ولا تضمن عاقلته بإقراره وإن نكل المدعى عليه الدم عن اليمين وامتنع الوارث من اليمين فلا شيء على المدعى عليه وهكذا الدعوى فيما دون النفس من جراح العمد والخطأ لا تختلف، ولو كانت الدعوى على رجلين أنهما قتلاه خطأ حلف كل واحد منهما خمسا وعشرين يمينا فإن حلف أحدهما ونكل الآخر عن اليمين حلف الولي خمسين يمينا على الناكل واستحق نصف الدية عليه ولا يستحق إلا بخمسين يمينا ويردد الأيمان على الذي حلف خمسا وعشرين يمينا حتى يتم عليه خمسون يمينا؛ لأنه لم يحلف معه تمام خمسين يمينا، وقد قيل: لا يبرأ واحد منهما لو حلفا معا إلا بخمسين يمينا ولا يحسب له يمين غيره (قال الشافعي): وإذا ادعى على رجل أنه قتله فلم ينكل ولم يحلف أو حلف فلم يتم الأيمان التي يبرأ بها حتى يموت لم يكن لولي الدم أن يحلف ويستحق عليه الدم ولو نكل في حياته عن اليمين كان لولي الدم أن يحلف ويستحق عليه الدم. .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #252  
قديم 02-05-2024, 06:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,180
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس

الحلقة (252)
صــــــــــ 107 الى صـــــــــــ 112



باب دعوى الدم
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ادعي على رجل أنه قتل رجلا وحده أو قتله هو وغيره عمدا فقد قيل: لا يبرأ إلا بخمسين يمينا. وقيل: يبرأ بحصته من الأيمان وهي خمسة وعشرون يمينا إذا

حلف مع المدعى عليه. وإذا ادعي عليه جرح أو جراح دون النفس فقد قيل يلزمه من الأيمان على قدر الدية فلو ادعيت عليه يد حلف خمسا وعشرين يمينا ولو ادعيت عليه موضحة حلف ثلاثة أيمان. .
باب كيف اليمين على الدم
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو ادعي على رجل أنه قتل رجلا عمدا حلف بالله الذي لا إله إلا هو عالم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ما قتل فلانا ولا أعان على قتله ولا ناله من فعله ولا بسبب فعله شيء جرحه ولا وصل إليه شيء من بدنه ولا من فعله، وإنما زدت هذا في اليمين عليه احتياطا؛ لأنه قد يرمي ولا يريده فتصيبه الرمية أو يرمي الشيء فيصيب رميه شيئا فيطير الذي أصابته رميته عليه فيقتله وقد يجرحه فيرى أن مثل ذلك الجرح لا يقتله وكذلك يضربه بالشيء فلا يجرحه ولا يرى أن مثل ذلك يقتله فأحلفه لينكل فيلزمه ما أقر به أو يمضي عليه اليمين فيبرئه (قال الشافعي): وإذا ادعى خطأ حلف هكذا وزاد ولا أحدث شيئا عطب به فلان، وإنما أدخلت هذا في يمينه أنه يحدث البئر فيموت فيها الرجل ويحدث الحجر في الطريق فيعطب بها الرجل. وإنما منعني عن اليمينين معا أن أحلفه ما كان سببا لقتله مطلقا أنه قد يحدث غيره في المقتول الشيء فيأتنف هو المحدث فيقتله فيكون سببا لقتله وعليه العقل ولا قود عليه. .
يمين المدعي على القتل
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا وجبت لرجل قسامة حلف بالله الذي لا إله إلا هو عالم خائنة الأعين وما تخفي الصدور لقد قتل فلان فلانا منفردا بقتله ما شركه في قتله غيره. وإن ادعى على غيره معه حلف لقتل فلان وفلان فلانا منفردين بقتله ما شركهما فيه غيرهما، وإن لم يعرف الحالف الذي قتله معه حلف لقتل فلان فلانا وآخر معه لم يشركهما في قتله غيرهما، فإذا أثبت الآخر أعاد عليه اليمين ولم تجزئه اليمين الأولى. وإن كان الحالف على القسامة يحلف على رجل جرح، ثم عاش مدة بعد الجرح، ثم مات حلف كما وصفت لقتل فلان فلانا منفردا بقتله لم يشركه فيه غيره، وإن ادعى الجاني أنه برأ من الجراحة أو مات من شيء غير جراحته التي جرحه إياها حلف ما برأ منها حتى توفي منها. .
يمين المدعى عليه من إقراره
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا أقر الرجل أنه قتل رجلا هو وآخر معه خطأ حلف بالله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم ما قتلت فلانا وحدي ولقد ضربه معي فلان فكان موته بعد ضربنا معا، وإنما منعني من أن أحلفه لمات من ضربكما معا أنه قد يموت من ضرب أحدهما دون الآخر والحكم أنهما إذا ضرباه فمات فمن ضربهما مات، وإذا ادعى ولي القتيل أن فلانا ضربه وهذا ذبحه أو فعل به فعلا لا يعيش بعده إلا كحياة الذبيح أحلفته على ما ادعى ولي القتيل. .

يمين مدعي الدم
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ادعى الجاني على ولي الدم أن أباه مات من غير ضربه أحلفته على دعواه فإن قال أحلفه ما زال أبوه ضمنا من ضرب فلان لازما للفراش حتى مات من ضربه أحلفته وإنما أحلفته لمات من ضرب فلان أنه قد يلزم الفراش حتى يموت من غير مرض ويلزم حتى يموت بحدث يحدث عليه آخر أو جناية يحدثها على نفسه (قال الشافعي): وتسعه اليمين على ما أحلفته عليه على الظاهر من أنه مات من ضربه (قال الشافعي): ولو حلف لمات من ضربه، ثم قال قد كان بعد ضربه برأ لم أقض له بعقل ولا قود؛ لأن الظاهر أن هذا يحدث عليه موت من غير ضربه إذا أقبل أو أدبر. ولو لم يزده السلطان على أن لا يحلف إلا بالله أجزأه ذلك؛ لأن كل ما وصفت من صفة الله عز وجل واليمين باسمه تبارك وتعالى كافية، وإنما جعل الله على المتلاعنين الأيمان بالله عز وجل في اللعان. .
التحفظ في اليمين
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وليتحفظ الذي يحلف فيقول للحالف: " والله لقد كان كذا وكذا أو ما كان كذا " فإن قال الحالف بالله كان كقوله والله؛ لأن ظاهرهما معا يمين. ولو لحن الحالف فقال والله بالرفع والنصب أحببت أن يعيد القول حتى يضجع ولو مضى على اليمين بغير إضجاع لم يكن عليه إعادة. وإن قال يالله بالياء لكان كذا لم يقبل منه وأعاد عليه حتى يدخل الواو أو الباء أو التاء.
وإذا نسق اليمين ثم وقف لغير عي ولا نفس قبل أن يكملها ابتدأها الحاكم عليه، وإن وقف لنفس أو لعي لم يعد عليه ما مضى منها فإن حلف فأدخل الاستثناء في شيء من يمينه، ثم نسق اليمين بعد الاستثناء أعاد عليه اليمين من أولها حتى ينسقها كلها بلا استثناء. .
عتق أمهات الأولاد والجناية عليهن
أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي إذا وطئ الرجل أمته بالملك فولدت له فهي مملوكة بحالها لا ترث ولا تورث ولا تجوز شهادتها وجنايتها والجناية عليها جناية مملوك، وكذلك حدودها ولا حج عليها فإن حجت، ثم عتقت فعليها حجة الإسلام ولا تخالف المملوك في شيء إلا أنه لا يجوز لسيدها بيعها وإذا لم يجز له بيعها لم يحل له إخراجها من ملكه بشيء غير العتق، وأنها حرة إذا مات من رأس المال وكما لا يجوز بيعها فكذلك لا يجوز لغرمائه أن يبيعوها عليه (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): والولد الذي تكون به أم ولد كل ما بان له خلق من سقط من خلق الآدميين عين أو ظفر أو إصبع أو غير ذلك، فإن أسقطت شيئا مجتمعا لا يبين أن يكون له خلق سألنا عدولا من النساء فإن زعمن أن هذا لا يكون إلا من خلق الآدميين كانت به أم ولد وإن شككن لم تكن به أم ولد ولا تكون أم ولد بهذا الحكم بأن ينكحها وهي في ملك غيره فتلد، ثم يملكها وولدها، ولا بحبل وهي مملوكة لغيره، ثم تلد في ملكه؛ لأن الرق قد جرى على ولدها لغيره، وقد قال بعض الناس إذا نكحها مملوكة فولدت له فمتى ملكها فلها

هذا الحكم؛ لأنها مملوكة وقد ولدت منه، ولو ملك ابنها عتق بالنسب فإن كان إنما أعتقها بأن ابنها يعتق عليه متى ملكه فقد عتق عليه ابنها وهي مملوكة لغيره، وقد جرى عليها الرق لغيره ولا يجوز إلا ما قلنا فيها، وهو تقليد لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وفيه أن المولود لم يجر عليه رق وهذا القول الذي حكيناه هو مخالف للأثر والقياس فأما أن يقول قائل: قولنا إذا ولدت منه في ملك غيره، ثم اشتراها، ثم يقول: لو حبلت منه في ملك غيره، ثم اشتراها فولدت بعد شرائه بيوم أو يومين. فهذا لا على اسم أنها قد ولدت له وملكها كما قال من حكيت قوله ولا على معنى أن الولد الذي تكون به أم ولد لها به هذا الحكم كان حمله في ملك سيدها الواطئ لها ويزوجها من شاء ويؤاجرها غرماؤه إن كانت لها صنعة.
فأما إن لم تكن لها صنعة فلا، وليس للمكاتب أن يتسرى. ولو فعل منع؛ لأنه ليس بتام الملك ولو ولدت له لم تكن أم ولد بهذا الولد حتى يعتق، ثم يحدث لها وطئا تلد منه بعد الملك (قال الشافعي): وللمكاتب أن يبيع أم ولده وللسيد أن ينزع أم ولد مدبره وعبده؛ لأنه ليس لهما أن يتسريا وليس للمملوك مال إنما المال للسيد ولسيده أن يأخذه من كل مملوك له أم ولد أو مدبر أو غيرهما ما خلا المكاتب فإنه محول دون رقبته وماله. وما كان للسيد أن يأخذه فلغرمائه أن يأخذوه ويأخذه السيد مريضا وصحيحا، ولو مات قبل أن يأخذه كان مالا من ماله موروثا عنه، إذا عقلنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبإجماع المسلمين أن له أن يأخذ أموالهم أحياء فقد عقلنا عنه، ثم عنهم أنه لا يأخذ إلا ما كان مالكا وما كان مالكا فهو موروث عنه (قال الشافعي): ووصية الرجل لأم ولده جائزة أنها إنما تملكها بعدما تعتق، وكذلك وصيته لمدبره إن خرج المدبر من الثلث وإن لم يخرج المدبر كله من الثلث فالوصية باطلة؛ لأنه مملوك لورثته.
الجناية على أم الولد
(قال الشافعي): وإذا جنى على أم الولد فالجناية عليها جناية على أمة تقوم أمة مملوكة، ثم يكون سيدها ولي الجناية عليها دونها يعفوها إن شاء أو يستقيد إن كان فيها قود أو يأخذ الأرش وإذا كانت هي الجانية ضمن الأقل من قيمتها أو الجناية للمجني عليه فإن عادت فجنت أخرى وقد أخرج قيمتها كلها ففيها قولان. أحدهما: إسلامه بدنها فيرجع المجني عليه الثاني بأرش جنايته على المجني عليه الأول فيشتركان فيها بقدر جنايتهما، ثم هكذا إن جنت جناية أخرى رجع المجني عليه الثالث على الأولين فكانوا شركاء في قيمتها بقدر الجناية عليهم وهذا قول يتوجه ويدخل من قبل أنه لو كان أسلم بدنها إلى الأول أخرجها من يدي الأول إلى الثاني ولم يجعلهما شريكين فإذا قام قيمتها مقام بدنها فكان يلزمه أن يخرج جميع قيمتها إلى المجني عليه الثاني إذا كان ذلك أرش جنايتها، ثم يصنع ذلك بها كلما جنت.
والقول الثاني أن يدفع الأقل من قيمتها أو الجناية فإذا عادت فجنت وقد دفع جميع قيمتها لم يرجع الآخر على الأول بشيء ورجع الآخر على سيدها فأخذ منه الأقل من قيمتها والجناية.
وهكذا كلما جنت وهذا قول

يدخل من قبل أنه إن كان إنما ذهب إلى العبد يجني فيعتقه سيده أن يضمن الأقل من قيمته أو الجناية فهذه لم يعتقها سيدها وذلك إذا عاد عقلت عنه العاقلة ولم يعقل هو عنه وهو يجعله يعقل عن هذه (قال الربيع) (قال الشافعي): والقول الثاني أحب إلينا.
(قال الشافعي): وإذا جنى عليها جناية فلم يحكم بها الحاكم حتى مات سيدها فهي لورثة سيدها من قبل أن سيدها قد ملكها بالجناية (قال الشافعي): وولد أم الولد بمنزلتها يعتقون بعتقها إذا عتقت كان من حلال أو حرام ولو ماتت أم الولد قبل سيدها كان أولادها في يد سيدها فإذا مات عتقوا بموته كما كانت أمهم تعتق بموته.
وإذا أسلمت أم ولد النصراني حيل بينه وبينها وأخذ بالنفقة عليها وأن تعمل له ما يعمل مثلها لمثله فمتى أسلم خلي بينه وبينها، وإن مات قبل أن يسلم فهي حرة بموته وقال بعضهم: إذا أسلمت أم ولد النصراني فهي حرة وعليها أن تسعى في قيمتها وروي عن الأوزاعي مثل قوله إلا أنه قال تسعى في نصف قيمتها وقال غيرهما هي حرة ولا تسعى في شيء.
(قال الشافعي): فإن كان إنما ذهب إلى أنه لم يكن له منها إلا أن يصيبها فحرمت عليه الإصابة بإسلامها فهو يجعل للرجل من أم ولده أن يأخذ مالها بأي وجه ملكته وهب لها أو تصدق به عليها أو وجدت كنزا أو اكتسبته ويجعل له خدمتها وبعض هذا أكثر من رقبتها فكيف أخرجها من ملكه وهذا لا يحل له وهو لا يبيع أم الولد، وإذا لم يبع مدبر النصراني يسلم فكيف باع أم ولده؟.
(قال الشافعي): وسواء في الحكم أم ولد النصراني أو المسلم يرتد (قال الربيع لا تباع) أم ولد النصراني كما لا تباع أم ولد المسلم.
(قال الشافعي): وليس للنصراني أن يبيع أم ولده النصرانية إذا حكمنا أنه محول دونها لم يخل وبيعها كما لا يخلى بينه وبين بيع ابنه ولا بين بيع مكاتبه، وإذا توفي الرجل عن أم ولده أو أعتقها فلا عدة عليها وتستبرأ بحيضة فإن كانت لا تحيض من صغر أو كبر فثلاثة أشهر أحب إلينا قياسا؛ لأن الحيضة إذا كانت براءة في الظاهر فالحمل يبين في التي لا تحيض في أقل من ثلاثة أشهر. والقول الثاني أن عليها شهرا بدلا من الحيضة؛ لأن الله عز وجل أقام ثلاثة أشهر مقام ثلاث حيض (قال الربيع) وبه يقول الشافعي (قال الربيع) وإذا كانت للرجل أم ولد فخصي أو انقطع عنه الجماع فليس لها خيار؛ لأنها ليست كالزوجة في حال. .
مسألة الجنين
(أخبرنا الربيع) قال (حدثنا الشافعي) إملاء قال أخبرنا يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتا بغرة عبد أو أمة، ثم إن المرأة التي قضي عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن ميراثها لبنيها وزوجها والعقل على عصبتها» (قال الشافعي): فبين في قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ قضى على امرأة أصابت جنينا بغرة وقضى على عصبتها بأن عليهم ما أصابت وأن ميراثها لولدها وزوجها أن العقل على العاقلة وإن لم يرثوا وأن الميراث لمن جعله الله عز وجل له وبين إذ قضى على عصبتها بعقل الجنين وإنما فيه غرة لا اختلاف بين أحد أن قيمتها خمس من الإبل

وفي قول غيرنا على أهل الذهب خمسون دينارا وعلى أهل الورق ستمائة درهم أن العاقلة في سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - تعقل نصف عشر الدية وذلك أن خمسا من الإبل نصف عشر دية الرجل وقد روى هذا إبراهيم النخعي عن عبيد بن نضلة عن المغيرة بن شعبة «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى في الجنين بغرة عبد أو أمة وقضى به على عاقلة الجانية التي أصابته» (قال الشافعي) وهذا قول أبي حنيفة وأصحابه يزعمون أن العاقلة تعقل نصف العشر فصاعدا ولا تعقل ما دونه. وقول غيرهم تعقل العاقلة كل ما كان له أرش وإذا قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن العاقلة تعقل خطأ الحر في الأكثر قضينا به في الأقل والله تعالى أعلم.
وإنما ذهب أبو حنيفة إلى أن يقضي به فيما قضى به النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة ولا يجعل شيئا قياسا عليه وهذا يلزمه في غير موضع قد بين في موضعه (قال الشافعي): وقال غير أبي حنيفة تعقل العاقلة الثلث فصاعدا ولا تعقل ما دونه. ولا يجوز أن يكون في هذا إلا ما قلنا من أن جناية الحر إذا كانت خطأ فجعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النفس على العاقلة وجعلها في الجنين وهو نصف عشر النفس على العاقلة وفرق بين حكمها وحكم العمد وفرق المسلمون فجعلوا عمد الحر في النفس وما دونها وفيما استهلك من مال في مال نفسه دون عاقلته وحكم ما أصاب من حر خطأ في نفس على عاقلته إلا أن يكون ما أصاب من حر من شيء له أرش على عاقلته كما حملت الأكثر حملت الأقل إذا كان من وجه واحد وما ذهب إليه أبو حنيفة من أنه يقضي على العاقلة بما قضى به النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يقضي عليها بغيره. فأما أنها تعقل الثلث فصاعدا فلم نعلم عند من قاله فيه خبرا يثبت إلا رأي الرجال الذين لا يكون رأيهم حجة فيما لا خبر فيه أو خبر لا يثبت مثله عندنا ولا عندهم فيما لا يريدون أن يقولوا به والسنة الثابتة «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه قضى بنصف عشر الدية على العاقلة» فمن زعم أنه لا يقضى بها على العاقلة فلينظر من خالف.
فإن قال فقد أثبت المنقطع كما قد أثبت الثابت فقد روى ابن أبي ذئب عن الزهري «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر رجلا ضحك في الصلاة أن يعيد الوضوء والصلاة» وهو يعرف فضل الزهري في الحفظ على من روي هذا عنه. وأخبرنا سفيان عن محمد بن المنكدر «أن رجلا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال إن لي مالا وعيالا وإن لأبي مالا وعيالا وهو يريد أن يأخذ مالي فيطعمه عياله فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - أنت ومالك لأبيك» وهو يخالف هذين الحديثين مما لعله لو جمع لكان كثيرا من المنقطع فإن كان أحد أخطأ بترك تثبيت المنقطع فقد شركه في الخطإ وتفرد دونه برد المتصل إنه ليروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - متصلا كثيرا عن الثقات، ثم يدعه فكيف يجوز أن يكون المتصل مردودا ويكون المنقطع مردودا حيث أراد ثابتا حيث أراد العلم أدى في هذا إلى الذي يزعم هذا إلا في الحديث. .
الجناية على العبد
(قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب أنه قال عقل العبد في

ثمنه وأخبرنا يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال عقل العبد في ثمنه كجراح الحر في ديته وقال ابن شهاب وكان رجال سواه يقولون يقوم سلعة (قال الشافعي): وخالف قول الزهري من الناس الذين قالوا هو سلعة وخالف قول سعيد بن المسيب، والزهري لم يحك فيه بالمدينة إلا هذين القولين ولم أعلم أحدا قط قال غير هذين القولين قبله فزعم في موضحة العبد ومنقلته ومأمومته وجائفته أنها في ثمنه مثل جراح الحر في ديته وزعم فيما بقي من جراحه أنها مثل جراح البعير فيه ما نقصه فلا بقول سعيد ولا بقول الناس الذين حكى عنهم الزهري (قال الشافعي): وهو يريد أن يجعل ابن شهاب ومثله حجة على سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يجعل قول ابن شهاب ولا قول القاسم ولا قول عامة أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - حجة على رأي نفسه مع ما لو جمع من الحديث موصولا كان كثيرا فإذا جاز أن يكون هذا مردودا بأن الوهم قد يمكن على عدد كثير يروون أحاديث كلهم يحيلها على الثقة حتى يبلغ بها إلى من سمعها من النبي - صلى الله عليه وسلم - فكيف جاز لأحد أن يعيب من رد الحديث المنقطع؛ لأنه لا يدري عمن رواه صاحبه وقد خبر من كثير منهم أنهم قد يقبلون الأحاديث ممن أحسنوا الظن به ويقبلونها ممن لعلهم لا يكونون خابرين به ويقبلونها من الثقة ولا يدرون عمن قبلها من قبلها عنه وما زال أهل الحديث في القديم والحديث يثبتون فلا يقبلون الرواية التي يحتجون بها ويحلون بها ويحرمون بها إلا عمن أمنوا وأن يحدثوا بها هكذا ذكروا أنهم لم يسمعوها من ثبت. كان عطاء بن أبي رباح يسأل عن الشيء فيرويه عمن قبله ويقول سمعته وما سمعته من ثبت (قال الشافعي) أخبرنا بذلك مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج عنه هذا في غير قول وكان طاوس إذا حدثه رجل حديثا قال إن كان الذي حدثك مليا وإلا فدعه يعني حافظا ثقة (قال الشافعي) أخبرنا عمي محمد بن علي عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال إني لأسمع الحديث أستحسنه فما يمنعني من ذكره إلا كراهية أن يسمعه سامع فيقتدي به أسمعه من الرجل لا أثق به قد حدثه عمن أثق به وأسمعه من الرجل أثق به حدثه عمن لا أثق به وقال سعيد بن إبراهيم لا يحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا الثقات (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد قال سألت ابنا لعبد الله بن عمر عن مسألة فلم يقل فيها شيئا فقيل له إنا لنعظم أن يكون مثلك ابن إمام هدى تسأل عن أمر ليس عندك فيه علم؟، فقال أعظم والله من ذلك عند الله وعند من عرف الله وعند من عقل عن الله أن أقول ما ليس لي به علم أو أخبر عن غير ثقة وكان ابن سيرين والنخعي وغير واحد من التابعين يذهب هذا المذهب في أن لا يقبل إلا عمن عرف وما لقيت ولا علمت أحدا من أهل العلم بالحديث يخالف هذا المذهب، والله أعلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #253  
قديم 02-05-2024, 06:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,180
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس

الحلقة (253)
صــــــــــ 113 الى صـــــــــــ 118



ديات الخطأ ديات الرجال الأحرار المسلمين
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال قال الله عز وجل {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله} فأحكم الله تبارك وتعالى في تنزيل كتابه أن على قاتل المؤمن دية مسلمة إلى أهله وأبان على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - كم الدية

فكان نقل عدد من أهل العلم عن عدد لا تنازع بينهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بدية المسلم مائة من الإبل فكان هذا أقوى من نقل الخاصة وقد روي من طريق الخاصة وبه نأخذ ففي المسلم يقتل خطأ مائة من الإبل أخبرنا سفيان عن علي بن زيد بن جدعان عن القاسم بن ربيعة عن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «ألا إن في قتيل العمد الخطأ بالسوط أو العصا مائة من الإبل مغلظة منها أربعون خلفة في بطونها أولادها» أخبرنا عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة عن عقبة بن أوس عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم فتح مكة ألا «إن في قتيل الخطأ شبه العمد قتيل السوط أو العصا الدية مغلظة منها أربعون خلفة في بطونها أولادها» أخبرنا مالك بن أنس عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم «في النفس مائة من الإبل» أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي بكر في الديات في كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم «في النفس مائة من الإبل» قال ابن جريج فقلت لعبد الله بن أبي بكر أفي شك أنتم من أنه كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال لا أخبرنا ابن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه وأخبرنا مسلم بن خالد عن عبيد الله بن عمر عن أيوب بن موسى عن ابن شهاب وعن مكحول وعطاء قالوا أدركنا الناس على أن دية الحر المسلم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة من الإبل فقوم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - تلك الدية على أهل القرى ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم فإن كان الذي أصابه من الأعراب فديته مائة من الإبل لا يكلف الأعرابي الذهب ولا الورق، ودية الأعرابي إذا أصابه أعرابي مائة من الإبل (قال الشافعي): ودية الحر المسلم مائة من الإبل لا دية غيرها كما فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (قال): فإن أعوزت الإبل فقيمتها وقد وضع هذا في غير هذا الموضع. .
دية المعاهد
(قال الشافعي): وأمر الله تعالى في المعاهد يقتل خطأ بدية مسلمة إلى أهله ودلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن لا يقتل مؤمن بكافر مع ما فرق الله عز وجل بين المؤمنين والكافرين فلم يجز أن يحكم على قاتل الكافر إلا بدية ولا أن ينقص منها إلا بخبر لازم فقضى عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان - رضي الله عنهما - في دية اليهودي والنصراني بثلث دية المسلم وقضى عمر في دية المجوسي بثمانمائة درهم وذلك ثلثا عشر دية المسلم؛ لأنه كان يقول تقوم الدية اثني عشر ألف درهم ولم نعلم أحدا قال في دياتهم أقل من هذا وقد قيل: إن دياتهم أكثر من هذا فألزمنا قاتل كل واحد من هؤلاء الأقل مما اجتمع عليه فمن قتل يهوديا أو نصرانيا خطأ، وللمقتول ذمة بأمان إلى مدة أو ذمة بإعطاء جزية أو أمان ساعة فقتله في وقت أمانه من المسلمين فعليه ثلث دية المسلم وذلك ثلاث وثلاثون من الإبل وثلث، ومن قتل مجوسيا أو وثنيا له أمان فعليه ثلثا عشر دية مسلم وذلك ست فرائض وثلثا فريضة مسلم وأسنان الإبل فيهم كهي في ديات المسلمين إذا كان قتلهم عمدا أو عمد خطأ فخمسا دية المقتول خلفتان وثلاثة أخماس نصفين: نصف حقاق ونصف جذاع فإذا كان القتل خطأ محضا فالدية أخماس: خمس بنات مخاض وخمس بنات لبون وخمس بنو لبون ذكور وخمس حقاق وخمس جذاع، وديات نسائهم على أنصاف ديات رجالهم كما تكون ديات نساء المسلمين على أنصاف ديات رجالهم وإذا قتل بعضهم

بعضا قضي عليهم بما وصفت يقضى به بين المسلمين وعلى عواقل من جرى عليه الحكم وقد وصفت هذا في الحكم بينهم في قتل العمد وإذا قتل لهم عبد على دينهم فديته ثمنه بالغا ما بلغ وإن بلغ ديات مسلم (قال): وإذا كان واحد منهم قاتلا لمسلم قتلا لا قصاص فيه قضي عليه بدية مسلم كاملة على عاقلته إن كان قتله خطأ أو شبه عمد كما يقضى على عاقلة المسلم، وإن لم يكن له عاقلة يجري عليهم الحكم ففي ماله وإن قتله عمدا فاختار ورثته العقل ففي مال الجاني كما قلنا في المسلمين الإبل أو قيمتها إن لم توجد في الجناية والدية والإبل لا غيرها ما كانت الإبل موجودة حيث كانت عاقلة الجاني والمحكوم لهم (قال الشافعي): يعقل عواقل الذميين إذا كانوا ممن يجري عليهم الحكم العقل عن جنايتهم الخطأ كما تعقل عواقل المسلمين.
دية المرأة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): لم أعلم مخالفا من أهل العلم قديما ولا حديثا في أن دية المرأة نصف دية الرجل وذلك خمسون من الإبل فإذا قضى في المرأة بدية فهي خمسون من الإبل وإذا قتلت عمدا فاختار أهلها ديتها فديتها خمسون من الإبل أسنانها أسنان دية عمد وسواء قتلها رجل أو نفر أو امرأة لا يزاد في ديتها على خمسين من الإبل وجراح المرأة في ديتها كجراح الرجل في ديته لا تختلف، ففي موضحتها نصف ما في موضحة الرجل وفي جميع جراحها بهذا الحساب، فإن قال قائل فهل في دية المرأة سوى ما وصفت من الإجماع أمر متقدم؟ فنعم أخبرنا مسلم بن خالد عن عبد الله بن عمر عن أيوب بن موسى عن ابن شهاب وعن مكحول وعطاء قالوا أدركنا الناس على أن «دية الحر المسلم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة من الإبل» فقوم عمر بن الخطاب تلك الدية على أهل القرى ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم ودية الحرة المسلمة إذا كانت من أهل القرى خمسمائة دينار أو ستة آلاف درهم فإذا كان الذي أصابها من الأعراب فديتها خمسون من الإبل ودية الأعرابية إذا أصابها الأعرابي خمسون من الإبل وأخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن أبيه أن رجلا أوطأ امرأة بمكة فقضى فيها عثمان بن عفان - رضي الله عنه - بثمانمائة ألف درهم وثلث.
(قال الشافعي): ذهب عثمان إلى التغليظ لقتلها في الحرم. .
دية الخنثى
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): إذا بان الخنثى ذكرا حكم له بذلك أو لم يحكم فديته دية الرجل وإذا بان أنثى فديته دية امرأة وإذا كان مشكلا فديته دية امرأة فإن جنى عليه وهو مشكل فلم يمت حتى بان ذكرا فديته دية رجل، وكذلك لو جنى عليه جرح فبرأ منه فأعطي أرشه وهو مشكل على أنه أنثى ثم بان ذكرا أتم له أرش جرح رجل وإذا اختلف ورثة الخنثى والجاني فقال الجاني: هو امرأة أو مشكل فالقول قوله مع يمينه وعلى الخنثى أو ورثته البينة بما يدل على أنه ذكر ولو مات الخنثى فاختلفت ورثته والجاني فأقام ورثته البينة بما يدل على أنه ذكر والجاني البينة بما يبين أنه أنثى طرحت البينتان معا في قول من طرح البينتين إذا تكافأتا وكان القول قول الجاني، ولو كان هذا والخنثى حي ثم

عاينه الحاكم فرآه ذكرا قضى له بأرش ذكر ولو كانت بينة متظاهرة أنه ذكر أو أنثى قبلت البينة كما تقبل على الاستئناف وليس ما أدرك الحاكم عيانه وأدركه الشهود وكان قائما بعينه يوم يشهد عليه عند الحاكم حتى يكون يمكن الحاكم أن يبتدئ أن يريه الشهود فيشهدون منه على عيان ثم آخرين بعد فتتواطأ شهاداتهم عليه ويدرك الحاكم العيان فيه كشهادة في أمر غائب عن الحاكم لا يدرك فيه مثل هذا ولا يشهد منها إلا على أمر منقض لا يستأنف الشهود علمه ولا غيرهم.
دية الجنين
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى - أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة - رضي الله عنه - «أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى فطرحت جنينها فقضى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغرة عبد أو وليدة» أخبرنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في الجنين يقتل في بطن أمه بغرة عبد أو وليدة فقال الذي قضى عليه كيف أغرم ما لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل ومثل ذلك يطل؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما هذا من إخوان الكهان» أخبرنا الثقة يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتا بغرة عبد أو أمة ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ميراثها لبنيها وزوجها والعقل على عصبتها»، أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال أذكر الله امرأ سمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجنين شيئا فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال «كنت بين جاريتين لي فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فألقت جنينا ميتا فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه بغرة» فقال عمر " إن كدنا أن نقضي في مثل هذا بآرائنا ".
(قال الشافعي): وبهذا كله نأخذ في الجنين والمرأة التي قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنينها بغرة حرة مسلمة فإذا كان الجنين حرا مسلما بإسلام أحد أبويه أو هما ففيه غرة كاملة فإن كان جنين حرة مسلمة من مشرك حر أو عبد من نكاح أو زنا أو جنين حرة مسلمة لقيط من زوج عبد أو حر أو زنا ففيه غرة كاملة؛ لإسلامه وحريته بإسلام أمه وحريتها، وكذلك جنين الأمة يطؤها سيدها بملك صحيح أو ملك فاسد أو يملك شقصا منها، وكذلك جنين الأمة ينكحها ويغر بأنها حرة؛ لأن من سميت لا يرق بحال وما قلت لا يرق بحال ففيه غرة كاملة، وأي جنين جعلته مسلما بكل حال بإسلام أحد أبويه جعلته جنين مسلم.
وأقل ما يكون به السقط جنينا فيه غرة أن يتبين من خلقه شيء يفارق المضغة أو العلقة أصبع أو ظفر أو عين أو ما بان من خلق ابن آدم سوى هذا كله ففيه غرة كاملة وإن جنى جان على امرأة فجاءت مكانها أو بعد بجنين فقالت هذا الذي ألقيت وأنكر الجاني لم يقبل قولها وكان القول قوله بيمينه ولا تلزمه الجناية إلا بإقراره أو ببينة تقوم عليه رجلان أو رجل وامرأتان أو أربع نسوة بأنها ألقت هذا أو ألقت جنينا فإن شهدوا أنها ألقت شيئا ولم يثبتوا الشيء وجاءت بجنين فقالت: هذا هو وأنكر أن يكون الذي ألقت فالقول قول الجاني عليها مع يمينه، وكذلك لو ألقته فدفنته ولم تثبته الشهود جنينا بأن يتبين فيه خلق آدمي ولم تختلف رواية من روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يسأل عن الجنين ذكر هو أو أنثى فإذا ألقته المرأة ميتا فسواء ذكران الأجنة وإناثهم

في أن في كل واحد منهم غرة عبد أو أمة، وفي «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في الجنين بغرة» دليل على أن الحكم في الجنين غير الحكم في أمه وإذا ألقت المرأة جنينا ميتا وعاشت أمه فدية الجنين موروثة كما يورث لو ألقته حيا ثم مات يرثه أبواه معا أو أمه إن لم يكن له أب ترثه مع من ورثه معها وإن لم يخرج إلا من الضرب الذي سقط به الجنين فلا شيء لها في الضرب؛ لأن الألم وإن وقع عليها فالتلف وقع على جنينها في جوفها.
وإن جرحها جرحا له أرش أو فيه حكومة فلها أرش الجراح والحكومة فيه دون ما في الجنين؛ لأنها جناية عليها، ودية الجنين موروثة لها ولأبيه أو ورثته إن لم يكن أبوه حيا معها (قال): وبهذا قلنا إذا ألقت المرأة أجنة موتى قبل موتها وبعده فذلك كله سواء وفي كل جنين منهم غرة ولها ميراثها مما ألقته وهي حية وما ألقته بعد الموت لم ترثه؛ لأنه لم يخرج وهي ترثه ولم يرثها؛ لأنه لم يخرج حيا فيرثها وإنما يرث الأحياء وإذا ألقت جنينين يجمعهما شيء من خلقة الإنسان لم يلزم عاقلته إلا دية جنين واحد وذلك أن تلقي بدنين مفترقين في رأس واحد أو في رقبتين مفترقتي الصدرين واليدين ويجمعهما رجلان أو أربعة أرجل إلا أنهما لا يفرقان بأن خلقا في الجلدة العليا أو فيها أو في أكثر منها فإن خرجا في جلدة بطن فشقت عنهما وبقيا ببدنين متفرقين فهما جنينان فيهما غرتان ولو كانا ناقصين أو أحدهما إذا بان في كل واحد منهما من خلقة الإنسان شيء فهما جنينان إذا خلقا متفرقين.
وإذا ألقت الجنين حيا ثم مات مكانه ففيه دية حر كاملة إن كان ذكرا فمائة من الإبل وإن كان أنثى فخمسون من الإبل ولا تعرف حياة الجنين إلا برضاع أو استهلال أو نفس أو حركة لا تكون إلا حركة حي، وإذا ألقته فادعت حياته فالقول قول الجاني في أنها ألقته ميتا وعلى وارث الجنين البينة فإن أقر الجاني على الجنين أنه خرج حيا وأنكرت عاقلته خروجه حيا وأقرت بخروجه ميتا أو قامت بينة بخروجه ولم تثبت له موتا ولا حياة ضمنت العاقلة دية الجنين ميتا وضمن الجاني تمام دية نفس حية إن كان ذكرا ضمن تسعة أعشار ونصف عشر دية رجل وذلك خمس وتسعون من الإبل فإذا كان أنثى فتسعة أعشار دية أنثى وذلك خمس وأربعون من الإبل.
(قال): وإن قامت بينة أنه خرج حيا وبينة أنه سقط ميتا فالقول قول البينة التي شهدت على الحياة؛ لأن الحياة قد تكون فلا يعلمها شهود حاضرون ويعلمها آخرون فيشهدون على أنه خرج ميتا بأنهم رأوه خارجا لم يعلموا حياته، ولو كانت البينة قامت على الجاني بإقراره بأنه خرج حيا وقامت أخرى بأنه قال خرج ميتا وليس هذا ولا الباب قبله تضادا في الشهادة يسقط به كلها (قال): وإذا ألقت جنينين أحدهما قبل الآخر أو معا فشهد الشهود على أنهم سمعوا لأحد الجنينين صوتا أو رأوا له حركة حياة ولم يثبتوا أيهما كان الحي قبلت شهاداتهم ولزم عاقلة الجاني دية جنين حي ودية جنين ميت، فإن كانا ذكرين لزمت العاقلة في الحي دية نفس رجل، وإن كانتا أنثيين لزمت العاقلة دية أنثى، وإن كانا ذكرا وأنثى لزمت العاقلة دية أنثى؛ لأنها اليقين ولم أعط وارث الجنين الفضل بين دية المرأة والرجل بالشك (قال): وإن أقر الجاني أن الذي خرج حيا ذكر أعطت العاقلة دية أنثى والجاني تمام دية رجل وهو نصف دية رجل خمسين من الإبل ويلزم العاقلة دية جنين غرة مع دية الحي، ولو ضرب رجل بطن امرأة فألقت جنينا ميتا ثم ماتت وألقت بعد الموت جنينا حيا ثم مات ورثت المرأة

الجنين الذي خرج قبل موتها وورثها الجنين الذي خرج حيا بعد موتها وورثه بعد موته ورثته غيرها؛ لأنها لم ترثه.
ولو ألقت جنينا حيا ثم ماتت ومات فاختلف ورثتها وورثة الجنين فقال ورثة الجنين: ماتت قبل موت الجنين فورثها وقال: ورثتها ماتت بعد الجنين فورثته لم يرث واحد منهما صاحبه وكانوا كالقوم يموتون لا يدرى أيهم مات أولا ويرثهم ورثتهم الأحياء بعد يمين كل واحد من الفريقين على دعوى صاحبه (قال): وإذا ألقت المرأة جنينا حيا ثم جنى عليه رجل فقتله فعليه القود وليس على الجاني عليه حين أجهضت أمه دية جنين وفيه حكومة لأمه خاصة بقدر الألم عليها في الإجهاض الذي هو شبيه بالجرح (قال): ولو قتله الجاني عليه عمدا أو جرح أمه جرحا لا أرش له كان عليه القود وفي ماله حكومة لأمه ولو قتله خطأ كانت دية النفس على عاقلته، وكذلك أمه إن كانت هي القاتلة خطأ فديته على عاقلتها وإن كانت قتلته عمدا فديته في مالها.
وكذلك أبوه وآباؤه وأمهاته؛ لأنه لا يقاد ولد من والد ولا يرث الجنين واحد من القاتلين قتله عمدا أو خطأ وسواء في أن دية الجنين دية نفس حية إذا عرف حياة الجنين خرج لتمام أو أجهض قبل التمام (قال): والمرأة التي قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - بدية الجنين على عاقلتها عمدت ضرب المرأة بعمود بيتها فإذا جنى الرجل أو المرأة على حامل فأجهضت جنينا ميتا أو حيا فمات وكانت جنايته بسيف أو بما يكون بمثله القود فلا قود في الجنين، وإن خلص ألم الجناية إلى الجنين فأجهضته فجنايته في غير حكم العمد المقصود به قصد من يقاد لا حائل دونه وإذا ماتت المرأة فلها القود.
وإن أراد ورثتها الدية ففي مال الجاني إذا كان ضربها بما يقاد من مثله وإن كان لا يقاد من مثله فعلى عاقلة الجاني الدية؛ لأن هذا يشبه الخطأ العمد الذي حكم فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - وسواء فيما وصفت من أنه لا يقاد من الجاني على أم الجنين ليجهض الجنين حيا ثم يموت الجنين عمد بطنها أو فرجها أو ظهرها بضرب ليقتل ولدها أو أرادهما عمدا؛ لأن وقع الجناية بالأم دون الجنين.
جنين المرأة الحرة
(قال الشافعي): وإذا جنى رجل على امرأة عمدا أو خطأ فألقت جنينا ميتا فعلى عاقلته غرة عبد أو أمة يؤدون أيهما شاءوا من أي جنس شاءوا وليس لهم أن يؤدوا ما فيه عيب يرد منه لو بيع ولا خصيا؛ لأنه ناقص عن غرة وإن زاد ثمنه بالخصاء ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حكم بالغرة من عبد أو أمة ولا خصيان نعلمهم ببلاده.
ولهم أن يؤدوا الغرة مستغنية بنت سبع سنين أو ثمان ولا يؤدونها في سن دون هذا السن؛ لأنها لا تستغني بنفسها دون هذه السن ولا يخير المولود بين الأبوين إلا في هذه السن ولا يفرق بين الأمة وولدها في البيع؛ لأنها صغيرة إلا بهذه السن وقيمة الغرة نصف عشر دية الرجل المسلم وذلك في العمد وعمد الخطأ قيمة خمس من الإبل خمساها وهو بعيران قيمة خلفتين أقل الخلفات وثلاثة أخماسها وهو قيمة ثلاث جذاع وحقاق نصفين من إبل عاقلة الجاني فإن لم تكن لهم إبل فمن إبل بلده أو أقرب البلدان منه.
وإذا كانت جناية الرجل على جنين المرأة ورمى غير أمه فأصاب أمه فدية الجنين على عاقلته غرة، تؤدي عاقلته أي غرة شاءوا غير ما وصفت أن ليس لهم أداؤه وقيمتها نصف عشر دية رجل من ديات الخطأ (قال): وهذا هكذا في جنين الأمة المسلمة أو الكتابية من سيدها يجني عليها الحربي الذي له أمان وجنين الذمية يجنى عليها من المسلم الحر وفي رقبة العبد إذا جنى على بعض أجنة من سميت لا يختلف في الخطأ والعمد.
(قال): فيؤدي في الخطأ على أم الجنين غرة، قيمتها قيمة خمس

من الإبل أخماس قيمة بنت مخاض وقيمة بنت لبون وقيمة ابن لبون ذكر وقيمة حقة وقيمة جذعة وليس لهم أن يؤدوا غرة هرمة ولا ضعيفة عن العمل؛ لأن أكثر ما يراد له الرقيق العمل وإنما يحكم للناس بما ينتفعون به لا بما لا ينفعهم ضعيفه وإذا منعت من أن تؤدي غرة معيبة عيبا يضر بالعمل فالعيب بالكبر أكبر من كثير من العيوب التي ترد بها.
وإذا جنى الرجل على جنين فخرج حيا ثم مات فقال مات من حادث كان بعد الجناية من غيري وقال ورثته: مات من الجناية فإن كان مات مكانه موتا يعلم في الظاهر أنه لا يكون إلا من الجناية ففيه دية نفس حية على عاقلته وإن قيل قد عاش مدة وإن قلت قد يمكن أن يكون مات من غير الجناية فالقول قول الجاني وعاقلته.
وعلى ورثة الجنين البينة أنه مات من الجناية، وأقبل على موته ما أقبل على أنه ولد فأقبل أربع نسوة ورجلا وامرأتين إذا كانوا عدولا ولا أقبل فيهم وارثا له (قال الربيع) وفيه قول آخر: إني لا أقبل عليه إلا شاهدين عدلين؛ لأنه في موضع يجوز للرجال النظر إليه إذا أمكنهم أن يخرجوه حيا بعد ما يولد فأما إذا لم يمكنهم أن يخرجوه لسرعة موته قبلت عليه شهادة أربع نسوة فيشهدن على موته بعد الحياة.
(قال الشافعي): وإذا أجهض الجنين حيا حياة لم تتم لجنين أجهض في مثلها حياة قط كأن أجهض لأقل من ستة أشهر ثم مات ففيه دية حر تامة.
وإن أجهض في حال يتم فيه لأحد من الأجنة حياة بحال فهو كالمسألة قبلها
وإذا خرج حيا لستة أشهر فصاعدا فقتله رجل عمدا فعليه القود كيف خرج إذا عرفت حياته وإن كان ضعيفا مفرطا وإن خرج لأقل من ستة أشهر فقتله إنسان عمدا فأراد ورثته القود فإن كان مثله يعيش اليومين والثلاثة أو اليوم ففيه القود.
وإذا شهد رجال أنه جنى على امرأة فألقت جنينا ولم يثبتوا أحيا أم ميتا فقال الجاني: ألقته ميتا وغيبته فالقول قوله مع يمينه ولو أقر هو بأنه خرج ميتا أو حيا فمات لزمه في ماله دون عاقلته؛ لأن هذا اعتراف إذا لم تصدقه عاقلته ولم تكن بينة.
ولو جنى جان على امرأة فقالت: ألقيت جنينا وقال الجاني: لم تلق شيئا فالقول قوله، وكذلك لو جاءت بجنين مكانها ميتا كان القول قوله؛ لأنه قد يمكن أن تأتي بجنين غيرها.
ولو خرج الجنين حيا فقتله غير الجاني على أمه عمدا قتل به ولم يكن على الجاني على أمه شيء ولو قتله الجاني على أمه عمدا فعليه القصاص أو الدية في ماله إن شاء الورثة وحكومة في ماله بجرح إن أصاب أمه لا أرش له معلوم لأمه دون ورثة الجنين
وإذا جنى على المرأة فألقت مكانها جنينا ميتا فعلى عاقلة الجاني ديته ولا يصدق ولا يصدقون أن إجهاضها بغير جناية؛ لأن الظاهر أن هذا من جنايته
ولو كانت تطلق فجنى عليها فألقت جنينا ميتا فقال ألقته من غير جنايتي لزم عاقلته دية الجنين كما لو كان مريضا في السياق فقتله رجل لزمه عمدا كان أو خطأ؛ لأنه قد يعيش وإن ظن أنه يموت وكذلك المرأة تطلق ثم يذهب الطلق عنها فتقيم أياما لا تلد.
ولو كانت تطلق فجنى عليها فألقت جنينا حيا ثم مات مكانه فقال لم تلقه من جنايتي وقالت: أسقطته من جنايتك فالقول قولها وضمنت عاقلته دية الجنين حيا ذكرا كان أو أنثى.
وإذا جنى الرجل على المرأة والقوابل عندها أو لسن عندها وهي ترى تطلق أو لا تطلق والحبل بها ظاهر فماتت وسكنت حركة ما في بطنها ضمن الأم ولم يضمن الجنين من قبل أني على غير إحاطة به أنه جنين مات بجنايته.
ولو خرج منها شيء يبين فيه خلق إنسان من رأس أو يد أو رجل أو غيره ثم ماتت أم الجنين ولم تخرج بقية الجنين ضمن الأم والجنين؛ لأني قد علمت أنه جنى على جنين في بطنها بخروج بعضه ولا فرق بين خروج بعضه وكله في علمي بأنه جنى على جنين، ألا ترى أنها لو ألقت كالمضغة يبين فيها شيء من خلق الإنسان ضمنته جنايته على جنين كامل ويضمن متى خرج منها شيء يبين به أنه جنى على جنين قبل موتها أو بعده.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #254  
قديم 02-05-2024, 06:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,180
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس

الحلقة (254)
صــــــــــ 119 الى صـــــــــــ 124



ولو خرج من فرج امرأة رأسا جنينين أو أربعة أيد لجنينين ولم يخرج ما بقي أغرمته جناية على جنين واحد؛ لأني لا أدري لعله يجمع الرأسين شيء من خلقة الإنسان فيكونان فيما يلزمه منهما كجنين واحد؛ لأن ذلك يمكن فيهما وإذا قضيت بدية في جنين خرج حيا ثم مات أو خرج ميتا فعلى الجاني عليه عتق رقبة مؤمنة.
(قال): وإذا جنى على امرأة فخرج منها بدنان في رأس أو جمع جنينين شيء واحد من خلقة آدمي فاللازم له فيه عتق رقبة والاحتياط أن يعتق اثنين، وكذلك لو خرج رأسان من فرج امرأة ثم ماتت ولم يتتام خروجهما فيعرفان لم أقض فيهما إلا بدية جنين واحد ولزم الجاني عتق رقبة وكان أن يعتق رقبتين في هذا المعنى أوكد عليه؛ لأن الأغلب أن الرأسين من بدنين مفترقين ما لم يعلم اجتماعهما بمعاينته
ولو اضطرب شيء في بطن أمه فماتت أحببت للجاني أن لا يدع أن يعتق ويحتاط فيعتق رقبتين أو ثلاثا ولا يبين أن يلزمه شيء؛ لأنه لم يعلمه ولدا وإذا ماتت الأم وجنينها أعتق بموت الأم رقبة وبموت جنينها أخرى.
جنين الذمية
(قال الشافعي): - رحمه الله تعالى -: وإذا كان الذميان الزوجان الحران على دين واحد فجنى على جنين امرأة منهم زوجها على دينها فخرج ميتا فديته عشر دية أمه، وإن كانا مختلفي الدين فحكمه لأكثرهما دية أجعل ديته أبدا لخير أبويه وأجعل ديته بحكم المسلم من أبويه إن كان منهما مسلم، مثل أن تكون ذمية عند مسلم فتكون دية جنين مسلم، ومثل أن تكون المسلمة أسلمت عند ذمي فتجعل دية جنينها دية جنين مسلمة، ومثل أن تكون أمة توطأ بملك سيدها فتكون دية جنينها نصف عشر دية أبيه؛ لأن الجنين حر بحرية أبيه ولا يكون ملكا لأبيه.
ولو كان أبوه مملوكا أو مكاتبا وطئ أمة له فجنى على جنينه من أمة له قبل عتق أبيه كان فيه عشر قيمة أمه؛ لأنه مملوك لا فضل في الحكم في الدية لأبيه على أمه بالحرية. وهكذا لو كانت مجوسية أو وثنية عند نصراني جعلت في جنينها ما في جنين النصرانية تحت النصراني؛ لما وصفت وسواء جنى على جنين الذمية مسلم أو ذمي أو حربي يحكم على عاقلته بديته إن كانت عاقلته ممن يجري عليه الحكم وإلا حكم بديته في مال الجاني (قال): وهكذا جنين الأمة الكافرة يطؤها سيدها بملك أو ينكحها مسلم ولا يعلم أنها مملوكة وتقول إنها حرة ففيه دية جنين حرة مسلمة.
ولو أن ذمية حملت فجنى عليها جان فألقت جنينا ميتا فقالت: هو من زنا بمسلم كانت فيه دية جنين نصرانية عشر دية أمه؛ لأنه لا يلحق بالزنا نسبه
ولو جنى رجل على نصرانية فألقت جنينا ميتا فقالت: كان أبوه مسلما وقال الجاني: بل كان ذميا أو لا نعرف له أبا لزمه جنين نصرانية ويحلف ما كان أبوه مسلما.
(قال): ولو اشترك مسلم وذمي في ظهر حرة بنكاح شبهة فجنى رجل على ما في بطنها فألقت جنينا ميتا جعلت على القاتل جنين ذمية من ذمي فإن ألحق الجنين بمسلم أتممت عليه جنين حرة مسلمة وإن هو أشكل فلم يبن لأيهما هو لم أجعل عليه إلا الأقل حتى أعرف الأكثر. .
جنين الأمة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): والأمة المكاتبة والمدبرة والمعتقة إلى أجل وغير المعتقة سواء أجنتهن أجنة إماء إذا لم تكن أجنتهن أحرارا بما وصفت من أن يطأ واحدة منهن مالك لها حر أو زوج حر غرته

بأنها حرة ففي جنين كل واحدة منهن إذا خرج ميتا عشر قيمة أمه يوم جنى عليها (قال): وإنما قلت هذا؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما كان في قضائه دلالة على أن لا يفرق بين الذكر والأنثى من الأجنة لم يجز أن يفرق بين الجناية على الجنين الذكر والأنثى من المماليك ولا يجوز أن يتفق الحكم فيهما بحال إلا بأن يكون في كل واحد منهما عشر قيمة أمه ومن قال في جنين الأمة إذا كان ذكرا نصف عشر قيمته لو كان حيا وإذا كان أنثى عشر قيمتها لو كانت حية فقد فرق بين ما جمع بينه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (قال): وإذا جنى على الأمة فألقت جنينا حيا ثم مات من الإجهاض ففيه قيمته ذكرا كان أو أنثى كما يقتل فيكون فيه قيمته بالغة ما بلغت. .
جنين الأمة تعتق والذمية تسلم
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا جنى الرجل على الأمة الحامل جناية فلم تلق جنينها حتى عتقت أو على الذمية جناية فلم تلق جنينها حتى أسلمت ففي جنينها ما في جنين حرة مسلمة؛ لأن الجناية عليها كانت وهي ممنوعة فيضمن الأكثر مما في جنايته عليها.
وإذا ضرب الرجل المرأة فأقامت يوما أو يومين ثم ألقت جنينا فقالت: ألقيته من الضربة وقال: لم تلقه منها فالقول قوله مع يمينه وعليها البينة أنها لم تزل ضمنة من الضربة أو لم تزل تجد الألم من الضربة حتى ألقت الجنين فإذا جاءت بهذا ألزمت عاقلته عقل الجنين وإذا ضربها فأقامت على ذلك لا تجد شيئا ثم ألقت جنينا لم يضمنه؛ لأنها قد تلقيه بلا جناية وإنما يكون جانيا عليه إذا لم ينفصل عنها ألم الجناية حتى تلقيه ولو أقامت بذلك أياما.
وإذا كانت الأمة بين اثنين فجنى عليها أحدهما ثم أعتقها ثم ألقت من الجناية جنينا فإن كان موسرا لأداء قيمتها ضمن جنين حرة وكانت مولاته وكان لشريكه فيها نصف قيمة الأم ولا شيء له في الجنين؛ لأنه ليس له ولاؤه وورثت أمه ثلث ديته وقرابة مولاه الذي جنى عليه الثلثين إن لم يكن له نسب يرثه ولا يرث منه المولى شيئا؛ لأنه قاتل وكذلك الرجل يجني على جنين امرأته تضمن عاقلته ديته وترث أمه الثلث وإخوته ما بقي فإن لم يكن له إخوة فقرابة أبيه ولا يرثه أبوه؛ لأنه قاتل وإذا ألقت الجنين وهو معسر فلشريكه نصف عشر قيمة أمة؛ لأنه جنين أمة.
وإذا جنى الرجل على أمة فألقت جنينا ثم عتقت فألقت جنينا ثانيا ففي الأول عشر قيمة أمة لسيدها وفي الآخر ما في جنين حر يرثه ورثته معها.
حلول الدية
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فالقتل ثلاثة وجوه: عمد محض، وعمد خطأ، وخطأ محض، فأما الخطأ فلا اختلاف بين أحد علمته في أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى فيه بالدية في ثلاث سنين (قال): وذلك في مضي ثلاث سنين من يوم مات القتيل فإذا مات القتيل ومضت سنة حل ثلث الدية ثم إذا مضت سنة ثانية حل الثلث الثاني ثم إذا مضت سنة ثالثة حل الثلث الثالث ولا ينظر في

ذلك إلى يوم يحكم الحاكم ولا إبطاء ببينة إن لم تثبت زمانا ولو لم يثبت إلا بعد سنتين من يوم القتيل أخذوا مكانهم بثلثي الدية؛ لأنها قد حلت عليهم (قال): والذي أحفظ عن جماعة من أهل العلم أنهم قالوا في الخطأ العمد هكذا وذلك أنهما معا من الخطأ الذي لا قصاص فيه بحال فأما العمد إذا قبلت فيه الدية وعفي عن القتل فالدية كلها حالة في مال القاتل، وكذلك العمد الذي لا قود فيه، مثل أن يقتل الرجل ابنه المسلم أو غير المسلم عمدا وهكذا صنع عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - في ابن قتادة المدلجي أخذ منه الدية في مقام واحد والدية في العمد في مال الجاني وفي الخطأ المحض والخطأ العمد على العاقلة في مضي ثلاث سنين كما وصفت وما لزم العاقلة من دية جرح وكان الثلث فما دونه فعليها أن تؤديه في مضي سنة من يوم جرح المجروح فإن كان أكثر من الثلث فعليها أن تؤدي الثلث في مضي سنة وما زاد على الثلث مما قل أو كثر أدته في في مضي السنة الثانية إلى الثلثين فما جاوز الثلثين فهو في مضي السنة الثالثة وهذا معنى السنة وما لم يختلف الناس فيه في أصل الدية. .
أسنان الإبل في العمد وشبه العمد
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): نص السنة في قتل العمد الخطأ مائة من الإبل منها أربعون خلفة في بطونها أولادها والخلفة هي الحامل من الإبل وقلما تحمل الأثنية فصاعدا فأي ناقة من إبل العاقلة حملت فهي خلفة وهي تجزي في الدية ما لم تكن معيبة (قال): ولا يجزي في الأربعين إلا الخلفة وإذا رآها أهل العلم فقالوا هذه خلفة ثنية أجزأت في الدية وجبر من له الدية على قبولها فإن أزلقت قبل تقبض لم تجز؛ لأنها لم تدفع خلفة فإن أجهضت بعدما تقبض فقد أجزأت وإن دفعت وأهل العلم يقولون: هي خلفة ثم علم أنها غير خلفة فلأهل القتيل ردها وأخذهم بخلفة غيرها وإن غاب أهل القتيل عليها فقالوا: لم تكن خلفة فالقول قولهم مع أيمانهم؛ لأنه لم يعلم أنها خلفة إلا بالظاهر (قال الربيع) وهذا عندي إذا قبضوها بغير رؤية أهل العلم (قال الشافعي): وإذا قالوا في البدن: ليست خلفة فقال أهل العلم: هي خلفة ألزموها حتى يعلم أنها ليست خلفة والستون التي مع الأربعين الخلفة ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وقد روي هذا عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو قول عدد ممن لقيت من أهل العلم المفتين أخبرنا مسلم عن ابن جريج قال قلت لعطاء تغليظ الإبل فقال مائة من الإبل من الأصناف كلها من كل صنف ثلثه (قال الشافعي): والتغليظ كما قال عطاء فيؤخذ في مضي كل سنة ثلاث عشرة وثلث خلفة وعشر جذاع وعشر حقاق ويجبر على أن يعطيه ثلث ناقة يكون شريكا له بها لا يجبر على قيمة إن كان يجد الإبل. ومثل هذا أسنان دية العمد إذا زال فيه القصاص بأن لا يكون على القاتل قصاص وذلك مثل الرجل يقتل ابنه أو يقتل وهو مغلوب على عقله بغير سكر أو صبي، وهكذا أسنان الدية المغلظة في الشهر الحرام وذي الرحم، ومن غلظت فيه الدية لا يزاد على هذا في عدد الإبل إنما الزيادة في أسنانها ودية العمد حالة كلها في مال القاتل. .

سنان الإبل في الخطأ
(قال الشافعي): - رحمه الله - وإذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قتل العمد الخطأ مغلظة منها أربعون خلفة في بعضها أولادها ففي ذلك دليل على أن دية الخطأ الذي لا يخلطه عمد مخالفة هذه الدية وقد اختلف الناس فيها فألزم القاتل عدد مائة من الإبل بالسنة ثم ما لم يختلفوا فيه ولا ألزمه من أسنان الإبل إلا أقل ما قالوا يلزمه؛ لأنه اسم الإبل يلزم الصغار والكبار فدية الخطأ أخماس - عشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون ابن لبون ذكر وعشرون حقة وعشرون جذعة. أخبرنا مالك عن ابن شهاب وربيعة وبلغه عن سليمان بن يسار أنهم كانوا يقولون دية الخطأ عشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون ابن لبون ذكر وعشرون حقة وعشرون جذعة. .
في تغليظ الدية
(قال الشافعي): - رحمه الله - وتغليظ الدية في العمد والعمد الخطأ والقتل في الشهر الحرام والبلد الحرام وقتل ذي الرحم كما تقدم في العمد غير الخطأ لا تختلف ولا تغلظ فيما سوى هؤلاء. وإذا أصاب ذا رحم في الشهر الحرام والبلد الحرام وهي مكة دون البلدان لم يزد في التغليظ على ما وصفت قليل التغليظ وكثيره في الدية سواء فإذا قومت الدية المغلظة قومت على ما يجب من تغليظها (قال): وتغلظ في الجراح دون النفس صغيرها وكبيرها بقدرها في السن كما تغلظ في النفس فلو شج رجل رجلا موضحة عمدا فأراد المشجوج الدية أخذ من الشاج خلفتين وجذعة ونصف جذعة وحقة ونصف حقة. فإن قيل: كيف يكون نصف حقة؟ قلت يكون شريكا فيها على نصفها وللجاني النصف كما يكون البعير بينهما وهذا هكذا فيما دون الموضحة مما له أرش باجتهاد لا يختلف فلو شجه هاشمة كانت له فيها عشر من الإبل أربع خلفات وثلاث حقاق وثلاث جذاع، ولو شجه منقلة كانت له فيها خمس عشرة ست خلفات وأربع جذاع ونصف وأربع حقاق ونصف، ولو فقأ عينه كانت له خمسون من الإبل عشرون خلفة وخمس عشرة جذعة وخمس عشر حقة، وإذا وجبت له الدية خطأ فكان أرش شجة موضحة أخذت منه على حساب أصل الدية كما وصفت في العمد فتؤخذ في الموضحة خمس من الإبل بنت مخاض وبنت لبون وابن لبون ذكر وحقة وجذعة. .
أي الإبل على العاقلة؟
(قال الشافعي): - رحمه الله -: قد حفظت عن عدد من أهل العلم أنهم قالوا: لا يكلف أحد غير إبله ولا يقبل منه دونها كان مذهبهم أن إبله إن كانت حجازية لم يكلف ما هو خير منها وإن كانت مهرية لم يؤخذ منه ما هو شر منها ثم هكذا ما كان بين الحجازية والمهرية من مرتفع الإبل ومنخفضها وبهذا

أقول. وهكذا إن كانت إبله عوادي أو أوراك أو خميصة، وإذا كان ببلد ولا إبل له كلف إبل أهل ذلك البلد فإن لم يكن لأهل ذلك البلد إبل كلف إبل أقرب البلدان به مما يليه ويجبر على أن يؤدي الإبل بكل حال؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى عليه بها فإذا كانت موجودة بحال كلفها كما يكلف ما سواها من الحقوق التي تلزمه إذا وجدت وإذا سأل الذي له الدية غير الإبل أو سألها الذي عليه الدية لم يكن ذلك لواحد منهما ويجبران على الإبل إلا أن يجتمعا على الرضا بغير الإبل فيجوز لهما صرفها إلى ما تراضيا به كما يجوز صرف الحقوق إلى ما يتراضيان عليه. فإن كانت إبل الجاني وإبل عاقلته هي مباينة لإبل غيرهم فإن أتت عليها السنة فتبقى عجافا أو مرضى أو جربا فإذا كان هكذا قيل للجاني إن أديت إليه إبلا صحاحا شروى إبلك أو خيرا منها جبر على قبولها منك وأنت متطوع بالفضل عن إبلك وإبل عاقلتك وإن أردت أن تؤدي شرا من إبلك وإبل عاقلتك لم يكن لك ولا لهم أن تؤدوا إلا شرواها ما كانت موجودة فإن لم توجد قيل أد قيم صحاح غير معيبة مثل إبلك وإذا حكمنا عليه بالقيمة حكمنا بها على الأغلب من نقد البلد الذي به الجاني إن كان دراهم فدراهم وإن كان دنانير فدنانير ولم يحكم بقيمة نجم منها إلا بعدما يحل على صاحبه فإذا قومناه أخذناه به مكانه فإن أعسر به أو مطل حتى يجد إبلا دفع الإبل وأبطلت القيمة فإذا حل نجم آخر قومت الإبل قيمة يومها. .
إعواز الإبل
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وعام في أهل العلم «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرض الدية مائة من الإبل» ثم قومها عمر - رضي الله عنه - على أهل الذهب والورق فالعلم محيط إن شاء الله تعالى أن عمر لا يقومها إلا قيمة يومها ولعله قوم الدية الحالة كلها في العمد، وإذا قومها عمر قيمة يومها فاتباعه أن تقوم كلما وجبت على إنسان قيمة يومها كما لو قومت إبل رجل أتلفها رجل شيئا ثم أتلف آخر بعدها مثلها قومت بسوق يومها ولو قومت سرقة ليقطع صاحبها شيئا ثم سرق بعدها آخر مثلها قومت كل واحدة منهما قيمة يومها ولعل عمر أن لا يكون قومها إلا في حين وبلد هكذا قيمتها فيه حين أعوزت ولا يكون قومها إلا برضا من الجاني وولي الجناية كما يقوم ما أعوز من الحقوق اللازمة غيرها وما تراضى به من له الحق وعليه. أخبرنا مسلم بن خالد عن عبيد الله بن عمر عن أيوب بن موسى عن ابن شهاب ومكحول وعطاء. قالوا: أدركنا الناس على أن دية الرجل المسلم الحر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة من الإبل فقوم عمر - رضي الله عنه - على أهل القرى ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم فإن كان الذي أصابه من الأعراب فديته مائة من الإبل لا يكلف الأعرابي الذهب ولا الورق.
(قال): وهذا يدل على ما وصفت من أن عمر لم يقوم الدية على من يجد الإبل ولم يقومها إلا عند الإعواز، ألا ترى أنه لا يكلف الأعرابي ذهبا ولا ورقا لوجود الإبل وأخذ الذهب والورق من القروي لإعواز الإبل فيما أرى - والله أعلم - أن الحق لا يختلف في الدية. أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم الإبل على أهل القرى أربعمائة دينار وعدلها من الورق ويقسمها على أثمان الإبل فإذا غلت رفع في قيمتها وإذا هانت نقص من قيمتها على أهل القرى والثمن ما كان». أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال قضى أبو بكر - رضي الله عنه - على أهل القرى حين كثر المال وغلت الإبل فأقام مائة من الإبل بستمائة دينار إلى ثمانمائة دينار أخبرنا مسلم بن خالد

عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أنه كان يقول على الناس أجمعين أهل القرى وأهل البادية مائة من الإبل على الأعرابي والقروي أخبرنا مسلم عن ابن جريج قال قلت لعطاء الدية الماشية أو الذهب؟ قال كانت الإبل حتى كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقوم الإبل بعشرين ومائة كل بعير فإن شاء القروي أعطى مائة ناقة ولم يعط ذهبا كذلك الأمر الأول (قال الشافعي): وبهذا كله نأخذ فتؤخذ الإبل ما وجدت وتقوم عند الإعواز على ما وصفت؛ لأن من لزمه شيء لم يقوم عليه وهو يوجد مثله، ألا ترى أن من لزمه صنف من العروض لم يؤخذ منه إلا هو فإن أعوز ما لزمه من الصنف أخذت قيمته يوم يلزم صاحبه. وقد يحتمل تقويم الإبل أن يكون أعوز من عليه الدية فقومت عليه أو كانت موجودة عند غيره ببلده فقومت والأول أشبه - والله أعلم -. وما روي مما وصفت من تقويم من قوم الدية - والله أعلم - على ما ذهبت إليه (قال): والدية لا تقوم إلا بالدنانير والدراهم كما لا يقوم غيرها إلا بهما. ولو جاز أن نقومها بغيرها جعلنا على أهل البقر البقر وعلى أهل الشاة الشاة فقد روي هذا عن عمر كما رويت عنه قيمة الدنانير والدراهم. وجعلنا على أهل الطعام الطعام وعلى الخيل الخيل وعلى أهل الحلل الحلل بقيمة الإبل ولكن الأصل كما وصفت الإبل فإذا أعوز فالقيمة قيمة ما لا يوجد مما وجب على صاحبه وليس ذلك إلا من الدنانير والدراهم (قال): وإن وجدت العاقلة بعض الإبل أخذ منها ما وجد وقيمة ما لم تجد إذا لم تجد الوفاء منه بحال. وإنما تقوم إبل من وجبت عليه الدية إن كانت الجناية مما تعقلها العاقلة قومت إبلها وإن كانت مما يعقلها الجاني قومت إبله إن اختلفت إبله وإبل العاقلة.
العيب في الإبل
(قال الشافعي): - رحمه الله -: ولا يكون للذي عليه الدية أن يعطي فيها بعيرا معيبا عيبا يرد من مثل ذلك العيب في البيع؛ لأنه إذا قضى عليه بشيء بصفة فبين أن ليس له أن يؤدي فيه معيبا كما يقضي عليه بدينار فلا يكون له أن يؤديه معيبا. وكذلك الطعام يقضي به عليه وغيره لا يكون له أن يؤديه معيبا.
(قال الشافعي): لم أعلم مخالفا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بالدية على العاقلة وهذا أكثر من حديث الخاصة ولم أعلم مخالفا في أن العاقلة العصبة وهم القرابة من قبل الأب وقضى عمر بن الخطاب على علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - بأن يعقل عن موالي صفية بنت عبد المطلب وقضى للزبير بميراثهم؛ لأنه ابنها.
(قال): وعلم العاقلة أن ينظر إلى القاتل والجاني ما دون القتل مما تحمله العاقلة من الخطأ فإن كان له إخوة لأبيه حمل عليهم جنايتهم على ما تحمل العاقلة فإن احتملوها لم ترفع إلى بني جده وهم عمومته فإن لم يحتملوها رفعت إلى بني جده فإن لم يحتملوها رفعت إلى بني جد أبيه ثم هكذا ترفع إذا عجز عنها أقاربه إلى أقرب الناس به ولا ترفع إلى بني أب ودونهم أقرب منهم حتى يعجز عنها من هو أقرب منهم كأن رجلا من بني عبد مناف جنى فحملت جنايته بنو عبد مناف فلم تحملها بنو عبد مناف فترفع إلى بني قصي فإن لم تحملها رفعت إلى بني كلاب فإن لم تحملها رفعت إلى بني مرة فإن لم تحملها رفعت إلى بني كعب فإن لم تحملها رفعت إلى بني لؤي فإن لم تحملها رفعت إلى بني غالب فإن لم تحملها رفعت إلى بني مالك فإن لم تحملها رفعت إلى بني النضر فإن لم تحملها رفعت إلى بني كنانة كلها ثم هكذا حتى تنفد قرابته أو تحتمل الدية (قال): ومن في الديوان، ومن ليس فيه من العاقلة سواء قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على العاقلة ولا ديوان حتى كان الديوان حين كثر المال في زمن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #255  
قديم 02-05-2024, 09:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,180
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس

الحلقة (255)
صــــــــــ 125 الى صـــــــــــ 130



ما تحمل العاقلة من الدية، ومن يحملها منهم
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولم أعلم مخالفا في أن المرأة والصبي إذا كانا موسرين لا يحملان من العقل شيئا وكذلك المعتوه عندي - والله أعلم - ولا يحمل العقل إلا حر بالغ ولا يحملها من البالغين فقير فإذا قضى بها ورجل فقير فلم يحل نجم منها حتى أيسر أخذ بها وإن قضى بها وهو غني ثم حلت وهو فقير طرحت عنه إنما ينظر إلى حاله يوم يحل. وإنما ينبغي للحاكم أن يكتب إذا حكم أنها على من احتمل من عاقلته يوم يحل كل نجم منها. فإن عقل رجل نجما ثم أفلس في الثاني ترك من أن يعقل ثم إن أيسر في الثالث أخذ بذلك النجم وإن حل النجم وهو ممن يعقل ثم مات أخذ من ماله؛ لأنه قد كان وجب عليه بالحلول واليسر والحياة. ولم أعلم مخالفا في أن لا يحمل أحد من الدية إلا قليلا وأرى على مذهبهم أن يحمل من كثر ماله وشهر من العاقلة إذا قومت الدية نصف دينار، ومن كان دونه ربع دينار ولا يزاد على هذا ولا ينقص عن هذا يحملون إذا عقلوا الإبل على قدر هذا حتى يشترك النفر في بعير فيقبل منهم إلا أن يتطوع أحد بأكثر فيؤخذ منه. .
عقل الموالي
(قال الشافعي): - رحمه الله -: ولا تعقل الموالي من أعلى وهم المعتقون عن رجل من الموالي وللمعتقين قرابة تحتمل العقل. وإن كانت له قرابة تحتمل بعض العقل عقلت القرابة وإذا نفد عقل الموالي المعتقون فإن عجزوا هم وعواقلهم عقل ما بقي جماعة المسلمين، وكذلك لا تعقل الموالي المعتقون عن المولى المعتق وللمولى المعتق قرابة تحتمل العقل فإن كانت له قرابة تحتمل بعض العقل بدئ بهم فإن عجزوا عقل عنه مولاه الذي أعتقه. ثم أقرب الناس إليه كما يعقلون عن مولاه الذي أعتقه لو جنى.
وهكذا إذا لم يكن لواحد من الجانين قرابة عقل عنه الموالي من أعلى وأسفل على ما وصفت وإن كان للمولى المعتق موال من فوق وموال من أسفل لم يعقل عنه مواليه من أسفل وعقل عنه مواليه من فوق فإن عجزوا ولم تكن لهم عاقلة عقل عنه مواليه من أسفل وإنما جعلت مواليه من فوق يعقلون عنه، ومن فوقهم من مواليهم؛ لأنهم عصبة وأهل ميراثه من دون مواليه من أسفل ولم أجعل على الموالي من أسفل عقلا بحال حتى لا يوجد نسب ولا موال من فوق بحال ثم يحملونه فإنه يعقل عنهم لا لأنهم ورثة؛ ولكنهم يعقلون عنه كما يعقل عنهم (قال): والسائبة معتق كالمعتق غير السائبة
عقل الحلفاء
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا يعقل الحليف بالحلف ولا يعقل عنه بحال إلا أن يكون مضى بذلك خبر لازم ولا أعلمه. ولا يعقل العديد ولا يعقل عنه ولا يرث ولا يورث وإنما يعقل بالنسب والولاء الذي هو نسب وميراث الحليف والعقل عنه منسوخ وإنما ثبت من الحلف أن تكون الدعوة واليد واحدة لا غير ذلك. .

عقل من لا يعرف نسبه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كان الرجل أعجميا وكان نوبيا فجنى فلا عقل على أحد من النوبة حتى يكونوا يثبتون أنسابهم إثبات أهل الإسلام، ومن ثبت نسبه قضيت عليه بالعقل بالنسب، فأما إن أثبتوا قراهم وكانوا يقولون إنما يكون في القرية أهل النسب لم أقض عليهم بالعقل بحال إلا بإثبات النسب، وكذلك كل قبيلة أعجمية أو غيرها لم تثبت أنسابهم وكل من لم يثبت نسبه من أعجمي أو لقيط أو غيره لم يكن له ولاء فعلى المسلمين أن يعقلوا عنه لما يجمع بينه وبينهم من ولاية الدين وإنهم يأخذون ماله إذا مات، ومن انتسب إلى نسب فهو منه إلا أن تثبت بينة قاطعة بما تقطع البينة على الحقوق بخلاف ذلك ولا تقبل البينة على دفع نسب بالسماع وإذا حكمنا على أهل العهد والمستأمنين في العقل حكمنا عليهم حكمنا على المسلمين يلزم ذلك عواقلهم الذين يجري حكمنا عليهم فإذا كانت عاقلة لا يجري حكمنا عليها ألزمنا الجاني ذلك وما عجزت عنه عاقلة إن كانت له ألزمناه في ماله دون غير عاقلته منهم ولا نقضي به على أهل دينه إذا لم يكونوا عصبة له؛ لأنهم لا يرثونه ولا على المسلمين لقطع الولاية بين المؤمنين والمشركين وأنهم لا يأخذون ماله على الميراث إنما يأخذونه فيئا. .
أين تكون العاقلة؟
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): والعاقلة النسب فإذا جنى الرجل بمكة وعاقلته بالشام فإن لم يكن مضى خبر يلزم بخلاف القياس فالقياس أن يكتب حاكم مكة إلى حاكم الشام فيأخذ عاقلته بالعقل ولا يحمله أقرب الناس إلى عاقلته بمكة بحال وله عاقلة بأبعد منها، وإن امتنعت عاقلته من أن يجري عليهم الحكم جوهدوا حتى يؤخذ منهم كما يجاهدون على كل حق لزمهم فإن لم يقدر عليهم لم يؤخذ من غيرهم وكان كحق عليهم غلبوا عليه متى قدر عليهم أخذ منهم (قال): وقد قيل: يحمله عاقلة الرجل ببلده ثم أقرب العواقل بهم ولا ينتظر بالعقل غائب يقدم ولا رجل ببلد يؤخذ منه بكتاب - والله أعلم -. وإن كانت العاقلة حاضرة فغاب منهم رجل يحتمل العقل أخذ من ماله ما يلزمه وإذا كانت العاقلة كثيرا يحتمل العقل بعضهم على ما وصفت أن الرجل يحتمل من العقل ويفضل وكانوا حضورا بالبلد وأموالهم فقد قيل يأخذ الوالي من بعضهم دون بعض؛ لأن العقل لزم الكل وأحب إلي أن يفض ذلك عليهم حتى يستووا فيه وإن قل كل ما يؤخذ من كل واحد منهم وإن كان من يحضر من العاقلة يحتمل العقل ومنهم جماعة غيب عن البلد فقد قيل يؤخذ من الحضور دون الغيب عن البلد على المعنى الذي وصفت في مثل المسألة التي قبلها، ومن ذهب إلى هذا قال الجناية من غير من تؤخذ منه وكل يلزمه اسم عاقلة رأيهم أخذ منه فهو مفض عليه مما أخذ منه ولا يؤخذ حاضر بغائب غيره (قال): ولا أرد الذي أخذت منه على من لم آخذ منه وهذا يشبه مذاهب كثيرة لأهل العلم - والله تعالى أعلم - ومن قال هذا القول قال لو تغيب بعض العاقلة ولم يوجد له مال حاضر ثم أخذ العقل ممن بقي ثم حضر الغائب لم يؤخذ منه شيء وقيل ذلك فيه لو كان حاضرا وامتنع من أن يؤدي العقل وإذا كانت إبل العاقلة مختلفة أدى كل رجل منهم من إبله ويجبرون على أن يشترك النفر في البعير بقدر ما يلزمهم من العقل وإذا جنى الحر على الحر خطأ فما لزمه من دية أو أرش جناية وإن قلت جعلتها على العاقلة. وإذا جنى الحر على العبد خطأ ففيها قولان:

أحدهما أن تحمله العاقلة عنه؛ لأنها جناية حر على نفس محرمة. والثاني لا تحمله العاقلة؛ لأنه قيمة لا دية، وإذا جنى الحر جناية عمد لا قصاص فيها بحال مثل أن يقتل ذميا أو وثنيا أو مستأمنا فالدية في ماله لا تضمن العاقلة منها، وكذلك إذا جنى رجل على رجل جائفة أو ما لا قصاص فيه فهو في ماله دون عاقلته، وإذا جنى الصبي والمعتوه جناية خطأ ضمنتها العاقلة، وإن جنيا عمدا فقد قيل تعقلها العاقلة كالخطأ في ثلاث سنين وقيل لا تعقلها العاقلة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قضى أن تحمل العاقلة الخطأ في ثلاث سنين ويدخل هذا أنا إن قضينا به عمدا إلى ثلاث سنين فإنما يقضي بدية العمد حالة وإن قضينا بها حالة فلم يقض على العاقلة بدية إلا في ثلاث سنين ولا تعقل العاقلة جناية عمد بحال. .
جماع الديات فيما دون النفس (قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -: أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه «أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم وفي الأنف إذا أوعي جدعا مائة من الإبل وفي المأمومة ثلث النفس وفي الجائفة مثلها وفي العين خمسون وفي اليد خمسون وفي الرجل خمسون وفي كل أصبع مما هنالك عشر من الإبل وفي السن خمس وفي الموضحة خمس». باب دية الأنف
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وفيما قطع من المارن ففيه من الدية بحساب المارن إن قطع نصفه ففيه النصف أو ثلثه ففيه الثلث (قال): ويحسب بقياس مارن الأنف نفسه ولا يفضل واحدة من صفحتيه على واحدة ولا روثته على شيء لو قطع من مؤخره ولا الحاجز من منخريه منه على ما سواه، وإن كان أوعيت الروثة إلا الحاجز كان فيما أوعيت سوى الحاجز من الدية بحساب ما ذهب منه وإذا شق في الأنف شق ثم التأم ففيه حكومة فإذا شق فلم يلتئم فتبين انفراجه أعطي من دية المارن بقدر ما ذهب منه وحكومة إن لم يذهب منه شيء (قال): قد روي عن ابن طاوس عن أبيه قال عند أبي كتاب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه «وفي الأنف إذا قطع المارن مائة من الإبل» (قال الشافعي): حديث ابن طاوس في الأنف أبين من حديث آل حزم ومعلوم أن الأنف هو المارن؛ لأنه غضروف يقدر على قطعه بلا قطع لغيره وأما العظم فلا يقدر على قطعه إلا بمؤنة وضرر على غيره من قطع أو كسر أو ألم شديد (قال الشافعي): ففي المارن الدية ومذهب من لقيت أن في المارن الدية وإذا قطع بعض المارن فأبين فأعاده المجني عليه أو غيره فالتأم ففيه عقل تام كما يكون لو لم يعد ولو لم يلتئم ولو قطعت منه قطعة فلم توعب وتدلت فأعيدت فالتأمت كان فيها حكومة؛ لأنها لم تجدع إنما الجدع القطع، وإذا ضرب الأنف فاستحشف حتى لا يتحرك غضروفه ولا الحاجز بين منخريه ولا يلتقي منخراه ففيه حكومة لا أرش تام، ولو كانت الجناية عليه في هذا عمدا لم يكن فيه قود ولو خلق هكذا أو جني عليه فصار هكذا، ثم قطع كانت فيه حكومة أكثر من حكومته إذا استحشف وما أصابه من هذا الاستحشاف وبقي
بعضه دون بعض ففيه حكومة بقدر ما أصاب من الاستحشاف وإنما منعني أن أجعل استحشافه كشلل اليد أن في اليد منفعة تعمل وليس في الأنف أكثر من الجمال أو سد موضعه وأنه مجرى لما يخرج من الرأس ويدخل فيه فكل ذلك قائم فيه وإن كان قد نقص الانضمام أن يكون عونا على ما يدخل الرأس من السعوط ولم يجز أن يجعل فيه إذا استحشف ثم قطع الدية كاملة وقد جعلت في استحشافه حكومة وهو ناقص بما وصفت. الدية على المارن
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا قطع من العظم المتصل بالمارن شيء من المارن كانت فيه حكومة مع دية المارن، وكذلك لو قطع دون المارن فصار جائفا وصار المارن منقطعا منه فإنما فيه حكومة، وهكذا لو قطع معه من محاجر العينين والحاجبين والجبهة شيء لا يوضح كانت فيه حكومة، ولو أوضح شيء مما قطع من جلده ولحمه كانت فيه موضحة أو هشم كانت فيه هاشمة، وكذلك منقلة ولو قطع ذلك قطعا كانت فيه حكومة أكثر من هذا كله؛ لأنه أزيد من المنقلة ولا يبين أن يكون فيه مأمومة؛ لأنه لا يصل إلى دماغ والوصول إلى الدماغ يقتل كما يكون وصول الجائفة إلى الجوف يقتل. .
كسر الأنف وذهاب الشم
(قال الشافعي): - رحمه الله - وإذا كسر الأنف ثم جبر ففيه حكومة ولو جبر أعوج كانت فيه الحكومة بقدر عيب العوج، ولو ضرب الأنف فلم يكسر لم يكن فيه حكومة؛ لأنه ليس بجرح ولا كسر عظم ولو كسر الأنف أو لم يكسر فانقطع عن المجني عليه أن يشم ريح شيء بحال فقد قيل فيه الدية، ومن قال هذا قاله لو جدع وذهب عنه الشم فجعل فيه الدية وفي الجدع دية (قال): وإن كان ذهب الشم عنه في وقت الألم ثم يعود إليه بعد انتظرته حتى يأتي ذلك الوقت فإن مات قبله أعطي ورثته الدية وإن جاء وقال: لا أشم شيئا أعطي الدية بعد أن يحلف ما يجد رائحة شيء بحال، وإن قال أجد ريح ما اشتدت رائحته وحدت ولا أجد ريح ما لانت رائحته وقد كنت أجدها فكان يعلم لذلك قدر جعل فيه بقدره. وإن كان لا يعلم له قدر ولا أحسبه يعلم ففيه حكومة بقدر ما يصف منه ويحلف فيه كله، وإن قضي له بالدية ثم أقر أنه يجد رائحة قضي عليه برد الدية وإن مر بريح مكروهة فوضع يده على أنفه فقيل وقد وجد الرائحة ولم يقر بأنه وجدها لم يرد الدية من قبل أنه قد يضع يده على أنفه ولم يجد شيئا من الريح ويضعها حاكا له وممتخطا وعبثا ومحدثا نفسه ومن غبار أو غيره. .
الدية في اللسان
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وإذا قطع اللسان قطعا لا قود فيه خطأ ففيه الدية وهو في معنى الأنف ومعنى ما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه بدية من تمام خلقة المرء وأنه ليس في المرء منه إلا واحد ومع أنه لا اختلاف بين أحد حفظت عنه ممن لقيته في أن في اللسان إذا قطع الدية واللسان مخالف
للأنف في معان منها أنه المعبر عما في القلب وأن أكثر منفعته ذلك وإن كانت فيه المنفعة بمعونته على إمرار الطعام والشراب وإذا جني على اللسان فذهب الكلام من قطع أو غير قطع ففيه الدية تامة ولا أحفظ عن أحد لقيته من أهل العلم في هذا خلافا.
وإذا قطع من اللسان شيء لا يذهب الكلام قيس ثم كان فيما قطع منه بقدره من اللسان فإن قطع حذية من اللسان تكون ربع اللسان فذهب من كلامه قدر ربع الكلام ففيه ربع الدية وإن ذهب أقل من ربع الكلام ففيه ربع الدية وإن ذهب نصف كلامه ففيه نصف الدية أجعل عليه الأكثر من قياس ما أذهب من كلامه أو لسانه وإذا ذهب بعض كلام الرجل اعتبر عليه بأصول الحروف من التهجي فإن نطق بنصف التهجي ولم ينطق بنصفه فله نصف الدية، وكذلك ما نطق به مما زاد أو نقص على النصف ففيه بحسابه، وسواء كل حرف أذهبه منه خف على اللسان وقل هجاؤه أو ثقل على اللسان وكثر هجاؤه كالشين والصاد والألف والتاء والراء سواء لكل واحد منها حصته من الدية من العدد ولا يفضل بعضها على بعض في ثقل وخفة وأي حرف منها لم يفصح به حين ينطق به كما ينطق به قبل أن يجنى عليه وإن خف لسانه لأن ينطق بغيره يريده فهو كما لم يخف لسانه بأن ينطق به له أرشه من العقل تاما مثل أن يريد أن ينطق بالراء فيجعلها باء أو لاما وما في هذا المعنى.
(قال): وإن نطق بالحرف مبينا له غير أن لسانه ثقل عما كان عليه قبل يجنى عليه ففيه حكومة وإن جنى على رجل كان أرت أو لا يفصح بحرف أو كان لسانه يخف به فزاد في خفته ونقص عن إفصاحه به أو زاد في رتته أو لثغه على ما كان في الحرف ففيه حكومة لا أرش الحرف تاما، وإذا جنى على لسان المبرسم الثقيل وهو يفصح بالكلام ففيه ما في لسان الفصيح الخفيف، وكذلك إذا جني على لسان الأعجمي وهو ينطق بلسانه، وكذلك إذا جني على لسان الصبي وقد حركه ببكاء أو بشيء يعبره اللسان فبلغ أن لا ينطق ففيه الدية؛ لأن العام الأغلب أن الألسنة ناطقة حتى يعلم أنها لا تنطق وإن بلغ أن ينطق ببعض الحروف ولا ينطق ببعضها كان له من الدية بقدر ما لا ينطق به وإذا جنى على لسان رجل كان ينطق به ثم أصابه مرض فذهب منطقه أو على لسان الأخرس ففيهما حكومة وإذا جنى الرجل على لسان الرجل فقال جنيت عليه وهو أبكم أو يفصح ببعض الكلام ولا يفصح ببعض فالقول قوله حتى يأتي المجني عليه بأنه كان ينطق فإذا جاء بذلك لم يقبل قول الجاني إلا ببينة.
ومن كان له لسان ناطق فهو ينطق حتى يعلم خلاف ذلك، وهكذا لو قال جنيت عليه وهو أعمى فإن قامت بينة أنه كان يبصر لم يقبل قول الجاني أنه حدث على بصره ذهاب إلا ببينة، ولو عرف المجني عليه ببكم أو عمى ثم ادعى أولياؤه أن بصره صح وأن لسانه فصح كان القول قول الجاني وكلفوا هم والمجني عليه البينة أنه عاد إليه بصره وأفصح بعد البكم فإن خلق للسان طرفان فقطع رجل أحد طرفيه فإن أذهب الكلام ففيه الدية وإن ذهب بعضه ففيه من الدية بحساب ما ذهب منه، وإن أذهب الكلام أو بعضه فأخذت له الدية ثم نطق بعدها رد ما أخذ له من الدية، وإن نطق ببعض الكلام الذي ذهب ولم ينطق ببعض رد من الدية بقدر ما نطق به من الكلام.
(قال): وإن قطع أحد الطرفين ولم يذهب من الكلام شيء فإن كان الطرفان مستويي المخرج من حيث افترقا كان فيه من الدية بقياس اللسان ربعا كان أو أقل أو أكثر فإن كان المقطوع زائلا عن حد مخرج اللسان ولم يذهب من الكلام شيء ففيه حكومة وإن كانت الحكومة أكثر من قدره من قياس اللسان لم يبلغ بحكومته قدر قياس اللسان، وإن قطع الطرفان جميعا وذهب الكلام ففيه الدية وإن كان أحد الطرفين في حكم الزائد من اللسان جعل فيه دية وحكومة بقدر الألم وإذا قطع الرجل من باطن اللسان شيئا فهو كما قطع من ظاهره وفيه من
الدية بقدر ما منع من الكلام فإن لم يمنع كلاما ففيه من الدية بحساب اللسان.
وإذا قطع الرجل من اللسان شيئا لم يمنع الكلام أو يمنع بعض الكلام ولا يمنع بعضه كان فيه الأكثر مما منع من الكلام أو قياس اللسان. .
اللهاة
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وإذا قطع الرجل لهاة الرجل عمدا فإن كان يقدر على القصاص منها ففيها القصاص وإن كان لا يقدر على القصاص منها أو أقطعها خطأ ففيها حكومة.
دية الذكر
(قال الشافعي): وإذا قطع الذكر فأوعب ففيه الدية تامة؛ لأنه في معنى الأنف؛ لأنه من تمام خلقة المرء وأنه ليس في المرء منه إلا واحد ولم أعلم خلافا في أن في الذكر إذا قطع الدية تامة وقد يخالف الأنف في بعض أمره وإذا قطعت حشفته فأوعبت ففيها الدية تامة.
ولم أعلم في هذا بين أحد لقيته خلافا وسواء في هذا ذكر الشيخ الفاني الذي لا يأتي النساء إذا كان ينقبض وينبسط وذكر الخصي والذي لم يأت امرأة قط وذكر الصبي؛ لأنه عضو أبين من المرء سالم ولم تسقط فيه الدية بضعف في شيء منه وإنما يسقط أن يكون فيه دية تامة بأن يكون به كالشلل فيكون منبسطا لا ينقبض أو منقبضا لا ينبسط فأما بغير ذلك من قرح فيه أو غيره من عيوبه جذام أو برص أو عوج رأس فلا تسقط الدية فيه بواحد من هذا والقول في أن الذكر ينقبض وينبسط قول المجني عليه مع يمينه؛ لأنه عورة فلا أكلفه أن يأتي ببينة أنه كان ينقبض وينبسط وعلى الجاني البينة إن ادعى بخلاف ما قال المجني عليه وإذا جنى الرجل على ذكر الرجل فجافه فالتأم ففيه حكومة.
وكذلك إذا جرحه أي جرح كان فلم يشله ففيه حكومة فإن أشله ففيه الدية تامة (قال الشافعي): وإذا جني على ذكر الأشل ففيه حكومة وإذا جنى عليه فقطع منه حذية حتى يبينها فإن كانت من نفس الذكر دون الحشفة ثم أعادها فالتأمت أو لم يعدها فسواء فيها بقدر حسابها من الذكر ويقاس الذكر في الطول والعرض معا في طوله وعرضه فيه الحشفة وإن كانت الجناية في الحشفة ففيها قولان: أحدهما إن الحساب في الجناية بالقياس من الحشفة؛ لأن الدية تتم في الحشفة لو قطعت وحدها؛ لأن الذي يلي الجماع هي فإذا ذهبت فسد الجماع والثاني أن فيها بحساب الذكر كله ولو قطع من الذكر حذية أو جافها فكان الماء والبول ينصب منها كان فيها الأكثر مما ذهب من الذكر بالقياس أو الحكومة في نقص ذلك وعيبه في الذكر وفي ذكر العبد ثمنه كما في ذكر الحر ديته ولو زاد قطع الذكر ثمن العبد أضعافا ولو جنى رجل على ذكر رجل فقطع حشفته ثم جنى عليه آخر فقطع ما بقي منه كان في حشفته الدية وفيما بقي حكومة وفي ذكر الخصي الدية تامة؛ لأنه ذكر بكماله والأنثيان غير الذكر.
وإذا جنى الرجل على ذكر الرجل فلم يشلل وانقبض وانبسط وذهب جماعه لم تتم فيه الدية؛ لأن الذكر ما كان سالما فالجماع غير ممتنع إلا من حادث في غير الذكر ولكنه لو انقبض فلم ينبسط أو انبسط فلم ينقبض كان هذا شللا وكانت فيه الدية تامة. .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #256  
قديم 02-05-2024, 09:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,180
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس

الحلقة (256)
صــــــــــ 131 الى صـــــــــــ 136



ذكر الخنثى

(قال الشافعي): وإذا قطع ذكر الخنثى وقف فإن كان رجلا فكان قطع ذكره عمدا، ففيه القود إلا أن يشاء الدية وإن كان خطأ ففيه الدية تامة وإن كان أنثى ففي ذكره حكومة وإن مات مشكلا فالقول قول الجاني أنه أنثى مع يمينه وفيه حكومة وإن أبى أن يحلف ردت اليمين على ورثة الخنثى يحلفون أنه بان ذكرا قبل أن يموت وفيه الدية تامة ولا يقبل قول ورثته بأنه بان ذكرا ولا الجاني بأنه بان أنثى إلا بأن يصف الحالف منهم ما إذا كان يصف قضي به على ما يقول وإن قالوا معا بان ولم يصفوا أو وصفوا فأخطئوا وقف حتى يعلم فإن لم يعلم ففيه حكومة.
وإن عدا رجل على خنثى مشكل فقطع ذكره وأنثييه وشفريه عمدا فسأل الخنثى القود قيل إن شئت وقفناك فإن بنت ذكرا أقدناك بالذكر والأنثيين وجعلنا لك حكومة في الشفرين وإن بنت أنثى فلا قود لك عليه وجعلنا لك دية امرأة تامة في الشفرين وحكومة في الذكر والأنثيين وإن مت قبل أن تبين فلك دية امرأة تامة وحكومة؛ لأنا على إحاطة من أنك ذكر أو أنثى فأعطيناك دية أنثى بالشفرين وحكومة بالذكر والأنثيين ولو كنت ذكرا أعطيناك دية رجل بالذكر والأنثيين وحكومة بالشفرين فكان ذلك أكثر مما أعطيناك أولا فيدفع إليك ما لا يشك أنه لك وإن كان لك أكثر منه ولا يدفع إليك ما لا يدري لعل لك أقل منه وهكذا لو كان الجاني على هذا الخنثى المشكل امرأة لا يختلف ولو أراد القود لم يقد حتى يتبين أنثى فيقاد في الشفرين.
وتكون له حكومة في الذكر والأنثيين أو يبين ذكرا فيكون له ديتان في الذكر والأنثيين وحكومة في الشفرين ولا يكون له قود بأنها ليست بذكر وهي وإن كانت قطعت له شفرين فإنما قطعت شفرين زائدين في خلقته إن كان ذكرا لا شفرين كشفريها اللذين هما من تمام خلقتها ولو جنى عليه خنثى مشكل مثله كان هكذا لا يقاد حتى يتبين الجاني والمجني عليه معا فإذا كانا ذكرين ففيهما القود وإن كان أحدهما ذكرا والآخر أنثى فلا قود وإذا جنى الرجل على الخنثى المشكل فقطع له ذكرا وأنثيين وشفرين فسأل عقل أقل ماله أعطيته إياه ثم إن بانت له زيادة زيدت وذلك إن أعطيته دية امرأة في الشفرين وحكومة في الذكر والأنثيين فتبين ذكرا فأزيده دية رجل ونصف ديته حتى أتم له بالأنثيين دية وبالذكر دية وأنظر في حكومة الذكر التي أخذت له أولا والأنثيين فإذا كانت أكثر من حكومة الشفرين رددت على الجاني ما زادت حكومة الذكر والأنثيين على دية الشفرين ثم جعلتها قصاصا من الدية والنصف الذي زدته إياها.
(قال): ولو جنى رجل وامرأة على خنثى مشكل فقطعا الذكر والأنثيين والشفرين فسأل الخنثى القود كان كجناية كل واحد منهما على الأنثى ولا يقاد حتى يتبين ذكرا فيقاد من الذكر، ويحكم له على المرأة بالأرش أرش امرأة أو يتبين امرأة فيقاد من المرأة ويحكم على الرجل بالأرش، أرش امرأة ولو خلق لرجل ذكران أحدهما يبول منه والآخر لا يبول منه فأيهما بال منه فهو الذكر الذي يقضي به وتكون فيه الدية وفي الذي لا يبول منه حكومة وإن بال منهما جميعا فأيهما كان مخرجه أشد استقامة على مخرج الذكر فهو الذكر وإن كانا مستويين معا فأبقاهما الذكر فإن أشكلا فلا قود له وفي كل واحد منهما حكومة أكثر من نصف دية ذكر.

دية العينين
(قال الشافعي) - رحمه الله -: أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه أن «الكتاب الذي كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم وفي العين خمسون وفي اليد خمسون وفي الرجل خمسون» (قال الشافعي): وفي الحديث ما يبين أنه - صلى الله عليه وسلم - يعني خمسين من الإبل (قال): وهذا دليل على أن كل ما كان من تمام خلقة الإنسان وكان يألم بقطعه منه فكان في الإنسان منه اثنان ففي كل واحد منهما نصف الدية وسواء في ذلك العين العمشاء القبيحة الضعيفة البصر والعين الحسنة التامة البصر وعين الصبي والشيخ الكبير والشاب إن ذهب بصر العين ففيها نصف الدية أو بخقت أو صارت قائمة من الجناية ففيها نصف الدية وإذا ذهب بصرها وكانت قائمة فبخقت ففيها حكومة ولو كان على سواد العين بياض متنح عن الناظر ثم فقئت العين كانت ديتها كاملة ولو كان البياض على بعض الناظر كان فيها من الدية بحساب ما صح من الناظر وألغي ما يغطى من الناظر ولو كان البياض رقيقا يبصر من ورائه ولا يمنع شيئا من البصر ولكنه يكله كان كالعلة من غيره وكان فيها الدية تامة وإذا نقص البياض البصر ولم يذهب كان فيه من الدية بحساب نقصانه، وعلل البصر وقياس نقصه مكتوب في كتاب العمد وسواء العين اليمنى واليسرى وعين الأعور وعين الصحيح ولا يجوز أن يقال في عين الأعور الدية تامة وإنما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العين بخمسين وهي نصف الدية وعين الأعور لا تعدو أن تكون عينا وإذا فقأ الرجل عين الرجل فقال فقأتها وهي قائمة وقال المفقوءة عينه إن كان حيا أو أولياؤه إن كان ميتا فقأها صحيحة فالقول قول الفاقئ إلا أن يأتي المفقوءة عينه أو أولياؤه بالبينة أنه أبصر بها في حال فإذا جاءوا بها بأنه كان يبصر بها في حال فهي صحيحة وإن لم يشهدوا أنه كان يبصر بها في الحال التي فقأها فيه حتى يأتي الفاقئ بالبينة أنه فقأها قائمة وهكذا إذا فقأ عين الصبي فقال فقأتها ولا يبصر وقال أولياؤه فقأها وقد أبصر فعليهم البينة أنه أبصر بها بعد أن ولد ويسع الشهود الشهادة على أنه كان يبصر بها وإن لم يتكلم إذا رأوه يتبع الشيء ببصره وتطرف عيناه ويتوقاه وهكذا إن أصاب اليد فقال أصبتها شلاء وقال المصابة يده صحيحة فعلى المصابة يده أن يأتي بالبينة أنها كانت في حال تنقبض وتنبسط فإذا جاء بها فهي على الصحة حتى يأتي الجاني بالبينة أنها شلت بعد الانقباض والانبساط وأصابها شلاء وهكذا إذا قطع ذكر الرجل أو الصبي فقال قطعته أشل أو قال قد قطع بعضه فعلى المقطوع ذكره أو أولياؤه البينة أنه كان يتحرك في حال فإذا جاء بها فهي على الصحة حتى يعلم أنه أشل بعد الصحة وإذا أصاب عين الرجل القائمة ففيها حكومة.
دية أشفار العينين
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وإذا قطع جفون العينين حتى يستأصلها ففيها الدية كاملة في كل جفن ربع الدية؛ لأنها أربعة في الإنسان وهي من تمام خلقته ومما يألم بقطعه قياسا على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل في بعض ما في الإنسان منه واحد الدية وفي بعض ما في الإنسان منه اثنان نصف الدية ولو فقأ العينين وقطع جفونهما كان في العينين الدية وفي الجفون الدية؛ لأن العينين غير الجفون ولو نتف أهدابهما فلم تنبت كان فيها حكومة وليس في شعر الشفر أرش معلوم؛ لأن الشعر بنفسه ينقطع فلا

يألم به صاحبه وينبت ويقل ويكثر ولا يشبه ما يجري فيه الدم وتكون فيه الحياة فيألم المجني عليه بما ناله مما يؤلم وما أصيب من جفون العينين ففيه من الدية بحسابه. .
دية الحاجبين واللحية والرأس
(قال الشافعي): - رحمه الله - وإذا نتف حاجبا الرجل عمدا فلا قود فيهما فإن قطع جلدتهما حتى يذهب الحاجبان فكان يقدر على قطع الجلد كما قطع ففيها القود إلا أن يشاء المجني عليه العقل فإن شاء فهو في مال الجاني، وكذلك إن كان قطعهما عمدا والقصاص لا يستطاع فيهما ففيهما حكومة في مال الجاني وفيهما حكومة إذا قطعهما خطأ إلا أن يكون حين قطع جلدهما أوضح عن العظم فيكون فيهما الأكثر من موضحتين أو حكومة وهكذا اللحية والشاربان والرأس ينتف لا قود في النتف وقد قيل فيه حكومة إذا نبت وإن لم ينبت ففيه حكومة أكثر منها وإن قطع من هذا شيء بجلدته كما وصفت في الحاجبين ففيه الأكثر من حكومة الشين وموضحة أو مواضح إن أوضح موضحة أو مواضح بينهن صحة من الرأس أو اللحية لم توضح أخبرنا مسلم عن ابن جريج قال سألت عطاء عن الحاجب يشين قال ما سمعت فيه بشيء (قال الشافعي): - رحمه الله - فيه حكومة بقدر الشين والألم أخبرنا مسلم عن ابن جريج قال قلت لعطاء حلق الرأس له قدر؟ قال لم أعلم (قال الشافعي): لا قدر في الشعر معلوم وفيه إذا لم ينبت أو نبت معيبا حكومة بقدر الألم أو الألم والشين. .
دية الأذنين
(قال الشافعي): في الأذنين إذا اصطلمتا ففيها الدية قياسا على ما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه بالدية من الاثنين في الإنسان أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال قال عطاء في الأذن إذا استوعبت نصف الدية (قال الشافعي): وإذا اصطلمت الأذنان ففيهما الدية وفي كل واحدة منهما نصف الدية وإن ذهب سمعهما ولم يصطلما ففي السمع الدية وإن ضربتا فاصطلمتا وذهب السمع ففي الأذنين الدية والسمع الدية والأذنان غير السمع (قال): وإن كانت الأذنان مستحشفتين بهما من الاستحشاف ما باليد من الشلل وذلك أن تكونا إذا حركتا لم تتحركا ليبس أو غمزتا بما يؤلم لم تألما فقطعهما ففيهما حكومة لا دية تامة وإن ضربهما إنسان صحيحتين فصيرهما إلى هذه الحال ففيهما قولان: أحدهما أن ديتهما تامة كما تتم دية اليد إذا شلت. والثاني أن فيهما حكومة؛ لأنه لا منفعة فيهما في حركاتهما كالمنفعة في حركة اليد إنما هما جمال فالجمال باق وإذا قطع من الأذن شيء ففيه بحسابه من أعلاها كان أو أسفلها بحسابه من القياس في الطول والعرض لا في إحداهما دون الأخرى، وإن كان قطع بعضه أشين من بعض لم أزد فيه للشين ولا أزيد للشين فيما جعلت فيه أرشا معلوما شيئا في مملوك ولا حر، ألا ترى أنه إذا قيل في الموضحة خمس فلو لم يشن بالموضحة حر ولم ينقص ثمن مملوك فأعطيت الحر خمسا والمملوك نصف عشر قيمته بلا شين كنت أعطيت الحر ما وقت له من اسم الموضحة فيما أصيب به والعبد؛ لأنه في معناه فإذا أعطيتهما بمال لا يشين ولا ينقص الثمن فإن شان ونقص الثمن لم يجز أن أزيدهما شيئا فأكون قد أعطيتهما مرة على ما وقت لهما من الجراح ومرة على الشين فيكون هذا حكما مختلفا. .

دية الشفتين
(قال الشافعي): وفي الشفتين الدية وسواء العليا منهما والسفلى وكذلك كل ما جعلت فيه الدية من شيئين أو أكثر أو أقل فالدية فيه على العدد لا يفضل أيمن منه على أيسر ولا أعلى منه على أسفل ولا أسفل على أعلى ولا ينظر إلى منافعه ولا إلى جماله إنما ينظر إلى عدده وما قطع من الشفتين فبحسابه.
، وكذلك إن قطع من الشفتين شيء ثم قطع بعده شيء كان عليه فيما قطع بحساب ما قطع. وفي الشفتين القود إذا قطعتا عمدا. وسواء الشفتان الغليظتان والرقيقتان والتامتان والقصيرتان إذا كان قصرهما من خلقتهما وإن أصاب إنسان شفتين فيبستا حتى تصيرا مقلصتين لا تنطبقان على الأسنان أو استرختا حتى تصير لا تقلصان عن الأسنان إذا كشر أو ضحك أو عمد تقليصهما ففيهما الدية تامة فإن أصابهما جان فكانتا مقلصتين عن الأسنان بعض التقليص لا تنطبقان عليها كلها وترتفعان إلى فوق أو كانتا مسترخيتين تنطبقان على الأسنان ولا تتقلصان إلى فوق كما تقلص الصحيحتان كان فيهما من الدية بحساب ما قصرتا عن بلوغه مما يبلغه الشفتان السالمتان يرى ذلك أهل البصر به. ثم يحكمون فيه إن كان نصفا أو أقل أو أكثر. وإن شق فيهما شقا ثم التأم أو لم يلتئم ولم يقلص عن الأسنان ففيه حكومة وإن قلص عن الأسنان شيئا حتى يكون كما قطع منهما فإن كان إذا مد التأم وإذا أرسل عاد فهذا انقباض لافتراق الشفة وليس بشيء قطعه فأبانه منها فليس فيه عقل معلوم وفيه حكومة بقدر الشين والألم ولو قطع من الشفة بشيء كان فيها بحساب ما قطع والشفة كل ما زايل جلد الذقن والخدين من أعلى وأسفل مستديرا بالفم كله مما ارتفع عن الأسنان واللثة فإذا قطع من ذلك شيء طولا حسب طوله وعرضه وطول الشفة التي قطع منها العليا كانت أو السفلى ثم كان فيه بحساب الشفة التي قطع منها. .
دية اللحيين
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): والأسنان العليا ثابتة في عظم الرأس والأسنان السفلى ثابتة في عظم اللحيين ملتصقتين فإذا قلع اللحيان من أسفل معا ففيهما الدية تامة وإن قلع أحدهما وثبت الآخر ففي المقلوع نصف الدية وإن لم يثبت وسقط الآخر معه ففيهما الدية معا وفي الأسنان التي فيهما في كل سن مع الدية في اللحيين وليست تشبه الأسنان اليد فيها الأصابع في الكف؛ لأن منفعة الكف واليد بالأصابع فإذا ذهبت لم يكن فيها كبير منفعة واللحيان إذا ذهبا ذهبت الأسنان وهما وقاية اللسان ومنعا لما يدخل الجوف ورد الطعام حتى يصل إلى الجوف ففيهما الدية دون الأسنان ولو لم يكن فيهما سن فذهبا كانت فيهما الدية لما وصفت وإن ضربا فيبسا حتى لا ينفتحا ولا ينطبقا كانت فيهما الدية وكذلك لو انفتحا فلم ينطبقا أو انطبقا فلم ينفتحا كانت فيهما الدية ولا شيء في الأسنان لأنه لم يجن على الأسنان بشيء إنما جنى على اللحيين وإن كانت منفعة الأسنان قد ذهبت إذا لم يتحرك اللحيان وإن ضرب اللحيان فشأنهما وهما ينطبقان وينفتحان ففيهما حكومة بقدر الشين لا يبلغ بها دية. .
دية الأسنان
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه «أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم في السن خمس» أخبرنا مسلم عن أبيه عن ابن جريج عن ابن طاوس

عن أبيه (قال الشافعي):
ولم أر بين أهل العلم خلافا في أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في السن بخمس وهذا أكثر من خبر الخاصة وبه أقول فالثنايا والرباعيات والأنياب والأضراس كلها ضرس الحلم وغيره أسنان وفي كل واحد منها إذا قلع خمس من الإبل لا يفضل منها سن على سن.
أخبرنا مالك عن داود بن الحصين عن أبي غطفان بن طريف المري أن مروان بن الحكم بعثه إلى عبد الله بن عباس يسأل ماذا في الضرس؟ فقال عبد الله بن عباس فيه خمس من الإبل. قال فردني إليه مروان فقال أتجعل مقدم الفم مثل الأضراس؟ فقال ابن عباس لو لم تعتبر ذلك إلا بالأصابع عقلها سواء.
(قال الشافعي): وهذا كما قال ابن عباس إن شاء الله تعالى (قال): والدية المؤقتة على العدد لا على المنافع.
(قال): وفي سن من قد ثغر واستخلف له من بعد سقوط أسنان اللبن ففيها عقلها خمس من الإبل فإن نبت بعد ذلك رد ما أخذ من العقل وقد قيل لا يرد شيئا إلا أن يكون من أسنان اللبن فإن استخلف لم يكن له شيء. وإذا أثغر الرجل واستخلفت أسنانه فكبيرها ومتراصفها وصغيرها وتامها وأبيضها وحسنها سواء في العقل كما يكون ذلك سواء فيما خلق من الأعين والأصابع التي يختلف حسنها وقبحها. وأما إذا نبتت الأسنان مختلفة ينقص بعضها عن بعض نقصا متباينا نقص من أرش الناقصة بحساب ما نقصت عن قرينتها وذلك مثل الثنية تنقص عن التي هي قرينتها، مثل أن تكون كنصفها أو ثلثيها أو أكثر فإذا تفاوت النقص فيهما فنزعت الناقصة منهما ففيها من العقل بقدر نقصها عن التي تليها وإن كان نقصها عن التي تليها متقاربا كما يكون في كثير من الناس كنقص الأشر ودونه فنزعت ففيها خمس من الإبل وهكذا هذا في كل سن نقصت عن نظيرتها كالرباعيتين تنقص إحداهما عن خلقة الأخرى ولا تقاس الرباعية بالثنية؛ لأن الأغلب أن الرباعية أقصر من الثنية ولا أعلى الفم من الثنايا وغيرها بأسفله؛ لأن ثنية أعلى الفم غير ثنية أسفله.
وتقاس العليا بالعليا والسفلى بالسفلى على معنى ما وصفت. ولو كانت لرجل ثنيتان فكانت إحداهما مخلوقة خلقة ثنايا الناس تفوت الرباعية في الطول بأكثر مما تطول به الثنية الرباعية والثنية الأخرى تفوتها فوتا دون ذلك فنزعت التي هي أطول كان فيها أرشها تاما، وفوتها للأخرى التامة كالعيب فيها أو غير الزيادة. وسواء ضربت الزائدة أو أصابت صاحبتها علة فزادت طولا أو نبتت هكذا فإذا أصيبت هذه الطائلة أو التي تليها الأخرى ففي كل واحدة منهما خمس من الإبل وإذا أصيب من واحدة من هاتين شيء ففيها بقياسها ويقاس السن عما ظهر من اللثة منها. فإذا أصاب اللثة مرض فانكشفت عن بعض الأسنان بأكثر مما انكشفت به عن غيرها فأصيبت سن مما انكشفت عنها اللثة فيبست السن بموضع اللثة قبل انكشافها، فإن جهل ذلك كان القول قول الجاني فيما بينه وبين ما يمكن مثله وإذا قال ما لا يمكن مثله لم يكن القول قوله وأعطي المجني عليه على قدر ما بقي من لثته لم ينكشف عما بقي من أسنانه وإن انكشفت اللثة عن جميع الأسنان فهكذا أيضا إذا علم أن باللثة مرضا ينكشف مثلها بمثله فإن جهل ذلك فاختلف الجاني والمجني عليه فقال المجني عليه هكذا خلقت وقال الجاني بل هذا عارض من مرض فالقول قول المجني عليه مع يمينه إن كان ذلك يكون في خلق الآدميين.
وإن كان لا يكون في خلق الآدميين فالقول قول الجاني حتى يدعي المجني عليه ما يمكن أن يكون في خلق الآدميين ولو خلقت لرجل أسنان قصار كلها من أعلى والسفلى طوال أو قصار من أسفل والعليا طوال أو قصار فسواء ولا تعتبر أعالي الأسنان بأسافلها في كل سن قلعت منها خمس من الإبل، وكذلك لو كان مقدم الفم من أعلى طويلا والأضراس قصار أو مقدم الفم قصيرا والأضراس طوال كانت في كل سن أصيبت له خمس من الإبل ويعتبر بمقدم الفم على مقدمه فلو نقصت ثنايا رجل عن رباعيته نقصانا متفاوتا كما وصفت نقص من دية الناقص منها بقدره أو كانت ثنيته تنقص عن رباعيته نقصانا بينا فأصيبت إحداهما ففيها بقدر ما نقص منها

أو كانت رباعيته تنقص عن ثنيته نقصانا لا تنقصه الرباعيات فيصنع فيهما هكذا، وكذلك يصنع في الأضراس ينقص بعضها عن بعض وإنما قلت هذا في الأسنان إن اختلفت ولم أقله لو خلقت كلها قصارا؛ لأن الاختلاف هكذا لا يكون في الظاهر إلا من مرض حادث عند استخلاف الذي يثغر أو جناية على الأسنان تنقصها.
وإذا كانت الأسنان مستوية الخلق ومتقاربة فالأغلب أن هذا في الظاهر من نفس الخلقة بلا مرض كما تكون نفس الخلقة بالقصر (قال): ولو خلقت الأسنان طوالا فجنى عليها جان فكسرها من أطرافها فانتقص منها حتى يبقى ما لو نبت لرجل كان من الأسنان تاما فجنى عليها إنسان بعد هذا جناية كان عليه في كل سن منها بحساب ما بقي منها ويطرح عنه بحساب ما ذهب وإن اختلف الجاني والمجني عليه فيما ذهب منها قبل الجناية فالقول قول المجني عليه مع يمينه ما أمكن أن يصدق. .
ما يحدث من النقص في الأسنان
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ذهب حد السن أو الأسنان بكلال لا تكسر ثم جنى عليها ففيها أرشها تاما، وذهاب أطرافها كلال لا ينقص فإذا ذهب من أطرافها ما جاوز الحد أو من طرف واحد منها نقص عن الجاني عليها بقدر ما ذهب منها ولو أن رجلا سحل سن رجل أو ضربها فأذهب حدها أو شيئا منها كان عليه من عقل السن بحساب ما ذهب منها وإذا أخذ لشيء من حدها أرشا ثم جنى عليها جان بعد أخذه الأرش نقص عن الجاني من أرشها بحساب ما نقص منها، وكذلك إن جنى عليها رجل فعفا له عن الأرش وإذا وهي فم الرجل من مرض أو كبر فاضطربت أسنانه أو بعضها فربطها بذهب أو لم يربطها به فقلع رجل المضطربة منها فقد قيل فيها عقلها تاما وقيل فيها حكومة أكثر من الحكومة فيها لو ضربها رجل فاضطربت ثم ضربها آخر فقلعها وإذا ضربها رجل فنغضت انتظر بها قدر ما يقول أهل العلم بها أنها إذا تركت فلم تسقط لم تسقط إلا من حادث بعده فإن سقطت فعليه أرشها تاما وإن لم تسقط فعليه حكومة ولا يتم فيها عقلها حتى تسقط ولو أن رجلا نغضت سنه ثم أثبتها فثبتت حتى لا ينكر شدتها ولا قوتها لم يكن على الجاني عليها شيء ولو نزعت بعد كان فيها أرشها تاما فإن قال ليست في الشدة كما كانت كان القول قوله وله فيها حكومة على الذي أنغضها وحكومة على النازع وقيل: أرشها تاما ولو ندرت سن رجل حتى يخرج سنخها فلا تعلق بشيء ثم أعادها فثبتت ثم قلعها رجل لم يكن على الجاني الآخر أرش ولا حكومة ولم يكن للذي أعادها إعادتها؛ لأنها ميتة وهكذا لو وضع سن شاة أو بهيمة مما يذكى أو سن غيره مكان سن له انقلعت فقلعها رجل لم يبن أن يكون عليه حكومة وقد قيل في هذا حكومة وهكذا لو وضع مكانها سن ذهب أو سن ما كان وإذا قلعت سن رجل بعدما يثغر ففيها أرشها تاما فإن نبتت بعد أخذه الأرش لم يرد عليه شيئا ولو جنى عليها جان آخر فقلعها وقد نبتت صحيحة لا ينكر منها قوة ولا لونا كان فيها أرشها تاما وهكذا لو قطع لسان رجل أو شيء منه فأخذ له أرشا ثم نبت لم يرد شيئا من الأرش فإن نبت صحيحا كما كان قبل القطع فجنى عليه جان ففيه الأرش أيضا تاما وإن نبت السن واللسان متغيرين عما كانا عليه من فصاحة اللسان أو قوة السن أو لونها ثم قلعت ففيها حكومة. .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #257  
قديم 02-05-2024, 09:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,180
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس

الحلقة (257)
صــــــــــ 137 الى صـــــــــــ 142



العيب في ألوان الأسنان
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا نبتت أسنان الرجل سودا كلها أو ثغرت سودا أو ما دون السواد من حمرة أو خضرة أو ما قاربها وكانت ثابتة لا تنغض وكان يعض بمقدمها ويمضغ بمؤخرها بلا ألم يصيبه فيما عض أو مضغ عليه منها فجنى إنسان على سن منها ففيها أرشها تاما وإن نبتت بيضا ثم ثغرت فنبتت سودا أو حمرا أو خضرا سئل أهل العلم بها فإن قالوا لا يكون هذا إلا من حادث مرض في أصولها فجنى جان على سن منها ففيها حكومة لا يبلغ بها عقل سن فإن أشكل عليهم أو قالوا تسود من غير مرض فجنى إنسان على سن منها ففيها أرشها تاما وهكذا إذا نبتت بيضا فاسودت من غير جناية وإذا نبتت بيضا فجنى عليها جان فاسودت ولم تنقص قوتها فعليه حكومة، وكذلك إن اخضرت أو احمرت وتنقص كل حكومة فيها عن السواد؛ لأن السواد أشبه وإن اصفرت من الجناية جعل فيها أقل من كل ما جعل في غيرها وإذا انتقصت قوتها مع تغير لونها زيد في حكومتها ولو أن إنسانا نبتت أسنانه بيضا ثم أكل شيئا يحمرها أو يسودها أو يخضرها ثم جنى عليها جان فقلع منها سنا ففيها أرشها تاما؛ لأن بينا أن هذا من غير مرض وإذا جنى رجل على سن رجل فاسودت مكانها فعليه حكومة، وكذلك إن آلمها ثم اسودت بعد أو دميت ثم اسودت بعد وإن أقامت مدة لم تسود ثم اسودت بعد سئل أهل العلم فإن قالوا: هذا لا يكون إلا من جناية الجاني فعليه حكومة إذا ادعى ذلك المجني عليه وحلف وإن قالوا قد يحدث فالقول قول الجاني مع يمينه ولا حكومة عليه (وقال) في الأسنان والأضراس منفعة بالمضغ وحبس الطعام والريق واللسان وجمال فلا يجوز أن يجني الرجل على الرجل فتسود سنه وتبقى لم يذهب منها شيء إلا حسن اللون فأجعل فيها الأرش تاما؛ لأن المنفعة بها أكثر من الجمال وقد بقي من جمالها أيضا سد موضعها وليست كاليد تشل فتذهب المنفعة منها ولا كالعين تطفأ فتذهب المنفعة منها، ألا ترى أن اليد إذا شلت ثم قطعت أو العين إذا طفئت ففقئت لم يكن في واحدة منهما إلا حكومة وإنما زعمت أن السواد إذا لم يعلم أنه من مرض في السن ينقصها لا ينقص عقلها أنى جعلت ذلك كالزرق والشهولة والعمش والعيب في العين لا ينقص عقلها؛ لأن المنفعة في كل طرف فيه عمل وجمال أكثر من الجمال وإذا جنى الرجل على السن السوداء التي سوادها من مرض معلوم نقص عنه من عقلها بقدر ذلك على ما وصفت.
أسنان الصبي
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا نزعت سن الصبي لم يثغر انتظر به فإن أثغر فوه كله ولم تنبت السن التي نزعت ففيها خمس من الإبل وإذا نبتت بطول التي نظيرتها أو متقاربة ففيها حكومة وإن نبتت ناقصة الطول عن التي تقاربها نقصا متفاوتا كما وصفت أخذ له من أرشها بقدر نقصها وإن نبتت غير مستوية النبتة بعوج كان إلى داخل الفم أو خارجه أو في شق كانت فيها حكومة وإن نبتت سوداء أو حمراء أو صفراء ففيها حكومة في كل واحد من هذا في الحكومة بقدر كثرة شين السواد على الحمرة والحمرة على الصفرة وإن نبتت قصيرة عن التي تليها بما تفوت به سن مما يليها ففيها بقدر ما نقصها
وسواء كان النقص في جميع السن أو بعضها دون بعض وإن نبتت مفروقة الطرفين ففيها بحساب ما نقص مما بين الفرقين، وكذلك إن كانت ناقصة أحد الطرفين وليس في شينها شيء في هذا الموضع وإن نبتت سنه ونبتت له سن زائدة معها لم يكن عليه في نبات السن الزائدة شيء وإن مات المنزوعة سنه ولم يستخلف من فيه شيء ففيها قولان: أحدهما أن في سنه حكومة؛ لأن الأغلب أن لو عاش نبتت، والثاني: إن فيها خمسا في الإبل ولا يخرج من أن يكون هذا فيها حتى يستخلف وإن استخلف من فيه ما إلى جنب سنه المنزوعة ثم مات نظر فإن كان ما إلى جنبها استخلف وعاش المنزوعة سنه مدة لا تبطئ السن المنزوعة إلى مثلها ففيها عقلها تاما في القولين وإن مات في وقت تبطئ السن المنزوعة إلى مثلها أو كانت إحداهما تقدمت الأخرى بأن ثغرت قبلها كانت فيها حكومة في قول من قال في سن الصبي إذا مات قبل تمام نبات سنه حكومة ودية في القول الآخر وإذا ثغرت سن فطلعت فلم يلتئم طلوعها حتى تستوي بنظيرتها حتى قلعها رجل آخر انتظر بها فإن نبتت ففيها حكومة أكثر من حكومتها لو قلعت قبل تثغر وإن لم تنبت ففيها عقلها تاما وقد قيل فيها من العقل بقدر ما أصاب منها (قال الشافعي): وإذا نزعت سن الصبي فاستخلف فوه ولم تستخلف فأخذ لها أرشها ثم نبتت رد الأرش وإذا قلعت سن الصبي فطلع بعضها ثم مات الصبي قبل يلتئم طلوعها فعليه ما نقص منها في قول من قال يلزمه ديتها إذا مات قبل طلوعها وحكومة في قول من لا يلزمه في ذلك إلا حكومة.
السن الزائدة
(قال الشافعي): وإذا قلعت السن الزائدة ففيها حكومة وإذا اسودت ففيها أقل من الحكومة التي في قلعها.
قلع السن وكسرها
(قال الشافعي): إذا كسرت السن من مخرجها فقد تم عقلها وكذا لو قلعها من سنخها في كل واحدة منها خمس من الإبل وإن كسرت فتم عقلها ثم نزع إنسان سنخها ففيما نزع منها حكومة وإن كسر إنسان نصف سن رجل أو أقل أو أكثر ثم نزع آخر السن من سنخها ففيها بحساب ما بقي ظاهرا من السن وحكومة السنخ وإنما تسقط الحكومة في السنخ إذا تم عقل السن وكانت الجناية واحدة فنزعت بها السن من السنخ وإذا ضرب رجل السن فصدعها ففيها حكومة بقدر الشين والنقص لها وإذا كسر الرجل من سن الرجل شيئا من ظاهرها أو باطنها أو منهما جميعا ففي ذلك بقدر ما نقص من السن كأنه أشظاها من ظاهر أو باطن ولم يقصم الموضع الذي أشظاها منه بها قيس طول ما أشظى منها وعرضه فكان ربع السن في الطول والعرض ثم قيس بما يليه فكان نصف ظاهر السن وكان فيه ثمن ما في السن وعلى هذا الحساب يصنع بما جنى عليه منها فإن أشظاها حتى تهدم موضعه من السن قيس ذلك بالطول والعرض ولم ينظر فيه إلى أن يكون الموضع الذي هدمه من السن أو أشظاه أرق مما سواه من السن ولا أغلظ. .

حلمتي الثديين

(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وكل ما قلت الدية أو نصفها أو ربعها إذا أصيب من رجل فأصيب من امرأة ففيه من دية المرأة بحسابه من دية الرجل لا تزاد فيه المرأة على قدره من أرشها على الرجل ولا الرجل على المرأة إذا كانا سواء في الرجل والمرأة ولا يختلف شيء من المرأة ولا الرجل إلا الثديين فإذا أصيبت حلمتا ثديي الرجل أو قطع ثدياه ففيهما حكومة وإذا أصيبت حلمتا ثديي المرأة أو اصطلم ثدياها ففيهما الدية تامة؛ لأن في ثدييها منفعة الرضاع وليس ذلك في ثديي الرجل ولثدييها جمال ولولدها فيهما منفعة وعليها بهما شين لا يقع ذلك الموقع من الرجل في جماله ولا شين عليه كهي، وإذا ضرب ثدي امرأة قبل أن تكون مرضعا فولدت فلم يأت لها لبن في ثديها المضروب وحدث في الذي لم يضرب أو لم يحدث لها لبن في ثدييها معا لم يلزم الضارب بأن لم يحدث اللبن في ثدييها إلا أن يقول أهل العلم به هذا لا يكون إلا من جنايته فيجعل فيه حكومة وإذا ضرب ثدياها وفيهما لبن فذهب اللبن فلم يحدث بعد الضرب ففيهما حكومة أكثر من الحكومة في المسألة قبلها لا دية تامة. فإن ضرب ثدياها فعابا ولم يسقطا ففيهما حكومة ولو ضربا فماتا ولا يعرف موتهما إلا بأن لا يألما إذا أصابهما ما يؤلم الجسد ففيهما ديتهما تامة وفي أحدهما - إذا أصابه ذلك - نصف ديتهما، وإذا استرخيا فكانا إذا رد طرفاهما على آخرهما لم ينقبض كانت في هذا حكومة هي أكثر من الحكومة فيما سواه؛ لأنه لو اجتمع مع هذا أن لا يألما إذا أصابهما ما يؤلم كان موتا وعيبا، ولو قطع ثدي المرأة فجافها كانت فيه نصف ديتها ودية جائفة ولو قطعت ثدياها فجافهما كانت فيهما ديتهما ودية جائفتهما، ولو فعل هذا برجل كانت في ثدييه حكومة وفي جائفته جائفة وقد قيل في ثديي الرجل الدية.
النكاح على أرش الجناية
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا شجت المرأة الرجل موضحة أو جنت عليه جناية غير موضحة عمدا أو خطأ فتزوجها على الجناية كان النكاح ثابتا والمهر باطلا ولها مهر مثلها وعلى عاقلتها أرشها في الخطأ ولا يجوز المهر من جناية خطأ ولا عمد من قبل أن جناية الخطأ تلزم العاقلة وتقبل إبلهم منها وإن اختلفت إبلهم ويؤخذ منهم أسنان معلومة، فإذا أدوا أعلى منها في السن وما يصلح لما يصلح له ما عليهم قبل منهم وهذا كله لا يجوز في البيع، والمهر لا يصلح إلا بما يجوز في البيع، وكذلك إن كانت الجناية عمدا فنكحها عليها جاز النكاح وبطل المهر؛ لأنها إنما يلزمها بالجناية إبل فأي إبل أدتها من إبل البلد بسن معلومة قبلت وهذا لا يجوز في البيع، فإذا نكحت على الجناية في الخطأ والعمد فالنكاح ثابت ولها مهر مثلها طلقها قبل الدخول أو لم يطلقها، وإذا نكحها على جناية عمد بطل القود؛ لأنه عفو عن القود فلا سبيل إلى قتلها وإن صارت الجناية نفسا ولا إلى القود منها في شيء من الجراحة وتؤخذ منها الدية في العمد حالة ومن عاقلتها في الخطأ ولها في ماله مهر مثلها. .

كتاب الحدود وصفة النفي
(أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال: قال الله تبارك وتعالى {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله} (قال الشافعي): وقال قائلون كل من لزمه اسم سرقة قطع بحكم الله تعالى ولم يلتفت إلى الأحاديث (قال الشافعي): فقلت لبعض الناس قد احتج هؤلاء بما يرى من ظاهر القرآن فما الحجة عليهم؟ قال: إذا وجدت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة كانت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دليلا على معنى ما أراد الله تعالى قلنا: هذا كما وصفت والسنة الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن القطع في ربع دينار فصاعدا (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن ابن شهاب عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «القطع في ربع دينار فصاعدا».
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطع سارقا في مجن قيمته ثلاثة دراهم» (قال الشافعي): وهذان الحديثان متفقان؛ لأن ثلاثة دراهم في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت ربع دينار وذلك أن الصرف كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اثني عشر درهما بدينار وكان كذلك بعده فرض عمر الدية اثني عشر ألف درهم على أهل الورق وعلى أهل الذهب ألف دينار. وقالت عائشة وأبو هريرة وابن عباس - رضي الله عنهم - في الدية اثني عشر ألف درهم (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن عمرة أن سارقا سرق أترجة في عهد عثمان فأمر بها عثمان فقومت ثلاثة دراهم من صرف اثني عشر درهما بدينار فقطع عثمان يده قال مالك وهي الأترجة التي يأكلها الناس.
(قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن حميد الطويل قال: سمعت قتادة يسأل أنس بن مالك عن القطع فقال أنس حضرت أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - قطع سارقا في شيء ما يسوى ثلاثة دراهم أو قال ما يسرني أنه لي بثلاثة دراهم.
(قال الشافعي): فقلت لبعض الناس: هذه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحد «أن القطع في ربع دينار فصاعدا» فكيف قلت لا تقطع اليد إلا في عشرة دراهم فصاعدا؟ قلت له: وما حجتك في ذلك؟ قال روينا عن شريك عن منصور عن مجاهد عن أيمن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شبيها بقولنا. قلنا: أوتعرف أيمن؟ أما أيمن الذي روى عنه عطاء فرجل حدث لعله أصغر من عطاء روى عنه عطاء حديثا عن ربيع ابن امرأة كعب عن كعب فهذا منقطع والحديث المنقطع لا يكون حجة.
قال فقد روينا عن شريك بن عبد الله عن مجاهد عن أيمن بن أم أيمن أخي أسامة لأمه. قلت لا علم لك بأصحابنا، أيمن أخو أسامة قتل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين قبل مولد مجاهد ولم يبق بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - فيحدث عنه. قال فقد روينا عن عمرو بن شعيب عن عبد الله بن عمر «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قطع في ثمن المجن» قال عبد الله بن عمرو كان قيمة المجن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دينارا (قال الشافعي): فقلت هذا رأي من عبد الله بن عمر. وفي رواية عمرو بن شعيب والمجان قديما وحديثا سلع يكون ثمن عشرة ومائة
ودرهمين فإذا قطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ربع دينار قطع في أكثر عنه وأنت تزعم أن عمرو بن شعيب ليس ممن تقبل روايته وتترك علينا أشياء رواها توافق أقاويلنا وتقول غلط فكيف ترد روايته مرة وتحتج به على أهل الحفظ والصدق مع أنه لم يرو شيئا يخالف قولنا؟ قال: فقد روينا قولنا عن علي - رضي الله عنه - قلنا: ورواه الزعافري عن الشعبي عن علي - رضي الله عنه - وقد أخبرنا أصحاب جعفر بن محمد عن جعفر عن أبيه أن عليا - رضي الله عنه - قال: " القطع في ربع دينار فصاعدا " وحديث جعفر عن علي - رضي الله عنه - أولى أن يثبت من حديث الزعافري عن الشعبي قال: فقد روينا عن ابن مسعود أنه قال " لا تقطع اليد إلا في عشرة دراهم " قلنا: فقد روى الثوري عن عيسى بن أبي عزة عن الشعبي عن عبد الله بن مسعود «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطع سارقا في خمسة دراهم» وهذا أقرب من أن يكون صحيحا عن عبد الله من حديث ابن مسعود عن القاسم عن عبد الله قال فكيف لم تأخذوا بهذا؟ قلنا هذا حديث لا يخالف حديثنا إذا قطع في ثلاث دراهم قطع في خمسة وأكثر.
قال: فقد روينا عن عمر أنه لم يقطع في ثمانية.
(قال الشافعي): قلت: رواه عن عمر بحديث غير صحيح وقد رواه معمر عن عطاء الخراساني عن عمر قال " القطع في ربع دينار فصاعدا " فلم ير أن يحتج به؛ لأنه ليس بثابت (قال الشافعي): وليس في أحد حجة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى المسلمين اتباعه فلا إلى حديث صحيح ذهب من خالفنا ولا إلى ما ذهب إليه من ترك الحديث واستعمل ظاهر القرآن.
السارق توهب له السرقة
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن صفوان بن عبد الله بن صفوان «أن صفوان بن أمية قيل له إن من لم يهاجر هلك فقدم صفوان المدينة فنام في المسجد وتوسد رداءه فجاء سارق فأخذ رداءه من تحت رأسه فجاء به صفوان إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تقطع يده فقال صفوان إني لم أرد هذا يا رسول الله هو عليه صدقة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهلا قبل أن تأتيني به؟» (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس مثل معنى حديث ابن شهاب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أمر صفوان (قال الشافعي): فقال قائل: لا تقطع يد هذا وكيف تقطع يد هذا ولم يقم عليه الحد حتى ملك ما تقطع فيه يده؟ فقيل لبعض من يقول قوله لا نرضى بترك السنة حتى نخطئ مع تركها القياس. قال وما القياس؟ قلنا متى يجب الحد على من سرق؟ أحين سرق أم حين يقام عليه الحد؟ قال بل حين سرق. قلنا وبذلك قلت وقلنا: لو أن سارقا سرق شيئا لم يكن الذي سرق يسوى ما تقطع فيه اليد فحبسه الإمام ليستثبت سرقته فلم تقم عليه البينة حتى صارت السرقة تسوى ما تقطع فيه اليد وأكثر قال لا تقطع؛ لأن الحد إنما وجب يوم كان الفعل. قلنا: وبهذا قلنا نحن وأنت لو سرق عبد من سيده فحبسه الإمام فأعتقه السيد لم يقطع ولو كان مكاتبا سرق فأدى فعتق لم يقطع؛ لأنه حين سرق لم يكن عليه قطع، ولو قذف عبد حرا
فأعتقه سيده حين فرغ من القذف ورفع إلى الإمام وهو حر حد حد عبد؛ لأن الحد إنما وجب يوم قذف، وكذلك لو كان المقذوف عبدا فأعتقه سيده ساعة قذف لم يكن له إذا ارتفع إلى الإمام حد؛ لأنه مملوك، وكذلك إن زنى عبد فأعتقه سيده مكانه ثم رفع إلى الإمام حد حد عبد؛ لأن الحد أنما وجب عليه يوم زنى. قال نعم: قيل فسارق صفوان سرق وصفوان مالك ووجب الحد عليه وحكم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصفوان مالك. فكيف درأت عينه؟ قال: إن صفوان إنما وهب له الحد.
قيل صفوان وهب له رداء نفسه في الخبر عنه. قال فإني أخالف صاحبي فأقول إذا قضى الحاكم عليه ثم وهب له قطع وإن وهب له قبل يقضي الحاكم لا يقطع؛ لأن خروج حكم الحاكم قبل مضي الحد كمضي الحد. قيل وهذا خطأ أيضا. قال، ومن أين؟ قلنا أرأيت لو اعترف السارق أو الزاني أو الشارب فحكم الإمام على المعترفين كلهم بحدودهم فذهب بهم من عنده لتقام عليهم حدودهم فرجعوا؟ قال لا يحدون. قلنا أو ليس قد زعمت أن خروج حكم الحاكم كمضي الحد؟ قال ما هو مثله. فلم شبهته به؟.
ما جاء في أقطع اليد والرجل يسرق
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى - أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - قطع يد سارق اليسرى وقد كان أقطع اليد والرجل وذكر عبد الله بن عمر عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد عن أبي بكر مثله (قال الشافعي): فقال قائل: إذا قطعت يده ورجله ثم سرق حبس وعزر ولم يقطع فلا يقدر على أن يمشي قيل قد روينا هذا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر في دار الهجرة وعمر يراه ويشير به على أبي بكر وقد روي عنه أنه قطع أيضا فكيف خالفتموه؟ قيل قاله علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قلنا فقد رويتم عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في القطع أشياء مستنكرة وتركتموها عليه منها أنه قطع بطون أنامل صبي ومنها أنه قطع القدم من نصف القدم.
وكل ما رويتم عن علي - رضي الله عنه - في القطع غير ثابت عندنا فكيف تركتموها عليه لا مخالف له فيها واحتججتم به على سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي لا حجة في أحد معها وعلى أبي بكر وعمر في دار الهجرة وعلى ما يعرفه أهل العلم؟ أرأيت حين قال الله عز وجل {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا} ولم يذكر اليد والرجل إلا في المحارب فلو قال قائل: يعتل بعلتكم أقطع يده ولا أزيد عليها؛ لأنه إذا قطعت يده ورجله ذهب بطشه ومشيه فكان مستهلكا أتكون الحجة عليه إلا ما مضى من السنة والأثر وإن اليد والرجل هي مواضع الحد وإن تلفت أرأيت حين حد الله عز وجل الزاني والقاذف لو حد مرة ثم عاد أليس يعاد له أبدا ما عاد؟ أرأيت إن قال قائل: قد ضرب مرة فلا يعاد له ما الحجة عليه إلا أن يقال للضرب موضع فمتى كان الموضع قائما حد عليه وكذلك الأيدي والأرجل ما كان للقطع موضع أتى عليها وهو أقطع اليد والرجل مستهلك فكيف لم يمتنعوا من استهلاكه واعتلوا في ترك قطع اليسرى بالاستهلاك؟ وكيف حدوا من وجب عليه القتل بالقتل وهذا أقصى غاية الاستهلاك ودرءوا الحدود ها هنا لعلة الاستهلاك مع خلاف السنة والأثر وكيف يقطعون يديه ورجليه لو قطع من أربع أناس يدين ورجلين؟ أرأيت لو قال قائل: إنه إذا قطع من كل رجل عضوا منه بقي له ثلاثة وإذا أتيت على أعضائه الأربعة كان مستهلكا فلا أقطعه إلا الواحد أو اثنين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #258  
قديم 02-05-2024, 09:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,180
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس

الحلقة (258)
صــــــــــ 143 الى صـــــــــــ 148



فإن قال قائل: قال الله عز وجل {والجروح قصاص} قال فأتأول ما كانت حال المقتص منه مثل حال المقتص له وأقول: أنت لا تقص من جرح واحد إذا أشبه الاستهلاك وتجعله دية والإتيان على قوائمه عين الاستهلاك ما الحجة عليه إلا أن للقصاص موضعا فكذلك للقطع موضع والله سبحانه وتعالى أعلم. .

باب السن التي إذا بلغها الغلام قطعت يده
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى - أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الله بن عمر عن نافع عن «ابن عمر قال عرضت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة فردني وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني» قال نافع فحدثت به عمر بن عبد العزيز فقال عمر هذا فرق بين الصغير والكبير وكتب لعماله أن يفرضوا لابن خمس عشرة في المقاتلة ولابن أربع عشرة في الذرية.
(قال الشافعي): وبهذا قلنا: تقام الحدود على من استكمل خمس عشرة وإن لم يحتلم؛ لأنه فصل بين المقاتلة وبين الذرية وذلك أنه إنما يجب القتال على من تجب عليه الفرائض، ومن وجبت عليه الفرائض وجبت عليه الحدود ولم أعلم في هذا مخالفا وقد أجاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القتال ابن خمس عشرة فقال قائل: لا تقام الحدود على الغلام إذا لم يحتلم حتى يستكمل تسع عشرة ولا على الجارية حتى تستكمل سبع عشرة فلا أدري ما أراد بهذه السنين ولا إلى أي شيء ذهب؟ أرأيت لو قال قائل: لا أقيم عليه الحد حتى يبلغ أربعين سنة؛ لأنها السن التي ذكرها الله تبارك وتعالى ما حجته عليه؟ أرأيت إذا فرق بين الجارية والغلام وهي إذا بلغت المحيض والغلام إذا بلغ الحلم فذلك الوقت وقت وجوب الحد عليهما ما الحجة فيما قال من الفرق بينهما؟ وخالفه أصحابه في هذا وقالوا قولنا فيه فقالوا: يقام الحد على من استكمل خمس عشرة سنة ذكرا كان أو أنثى واحتجوا بحديث ابن عمر فيه. .
في الثمر الرطب يسرق
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى - أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن رافع بن خديج أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول «لا قطع في ثمر ولا كثر» (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان عن رافع بن خديج أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «لا قطع في ثمر ولا كثر» (قال الشافعي): وبهذا نقول لا قطع في ثمر معلق ولا غير محرز ولا في جمار؛ لأنه غير محرز وهو يشبه حديث عمرو بن شعيب

قال الشافعي) احتج بهذا الحديث بعض الناس وقال هذا حديث رافع بن خديج يخبر أن لا قطع في ثمر معلق، فمن هنا قلنا لا يقطع في الثمر الرطب (قال الشافعي): فقلت له إذا ذهبت هذا المذهب فيه، فالثمر اسم جامع للرطب واليابس من التمر والزبيب وغيره أفتسقط القطع عمن سرق تمرا في بيت؟ قال لا، قلنا: فكذلك الثمر الرطب المحرز؛ لأن اسم الثمر يقع على هذا كما يقع على هذا قلت أرأيت الذميين إذا زنيا أتحكم بينهما بحكم الإسلام أم بحكمهم؟ قال فإن قلت بحكمهم؟ قلنا فيلزمك أن تجيز بينهم ما وصفنا مما أبطله حكم الإسلام ويلزمك إن كان في دينهم أن من سرق من أحد كان السارق عبدا للمسروق أن تجعله له عبدا قال: لا أجعله عبدا ولكن أقطعه قلنا: فأنت تحكم بينهم مرة بحكم الإسلام ومرة بحكم أهل الكتاب وتقول إنك تجيز بينهم ثمن الخمر والخنزير فكيف حكمت مرة بحكم الإسلام وحكمت مرة بخلافه؟ وخالفه صاحبه فقال: قولنا في اليهوديين يرجمان وتحصن اليهودية المسلم ثم عاد فوافقهم في أن أجاز بينهم ثمن الخمر والخنزير وهذا في كتاب إلى الطول ما هو. .
باب النفي والاعتراف في الزنا
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني - رضي الله عنهما - أنهما أخبراه «أن رجلين اختصما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أحدهما: يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله عز وجل وقال الآخر - وهو أفقههما - أجل يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله عز وجل وأذن لي في أن أتكلم قال تكلم قال قال: إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته فأخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة وجارية لي. ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني إنما على ابني جلد مائة وتغريب عام وإنما الرجم على امرأته فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله عز وجل أما غنمك وجاريتك فرد عليك وجلد ابنه مائة وغربه عاما وأمر أنيسا الأسلمي أن يغدو على امرأة الآخر فإن اعترفت رجمها فاعترفت فرجمها» (قال الشافعي): وبهذا قلنا وفيه الحجة في أن يرجم من اعترف مرة إذا ثبت عليها. وقد روى ابن عيينة بهذا الإسناد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وروى عبادة بن الصامت الجلد والنفي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (قال الشافعي): فخالف بعض الناس هذا الحديث فيما وصفت لك فقال: لا يرجم باعتراف مرة ولا يرجم حتى يعترف أربعا. وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنيسا إن اعترفت أن يرجمها وأمر بذلك عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أبا واقد الليثي وخالفه أيضا فقال: إذا اعترف الزاني فالحق على الإمام أن يبدأ فيرجم ثم الناس وإذا قامت البينة رجمهم الشهود ثم الإمام ثم الناس (قال الشافعي): أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برجم ماعز ولم يحضره وأمر أنيسا بأن يأتي امرأة فإن اعترفت رجمها ولم يقل أعلمني لأحضرها ولم أعلمه أمر برجمهم فحضره ولو كان حضور الإمام حقا حضره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقد أمر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أبا واقد الليثي يأتي امرأة فإن اعترفت رجمها. ولم يقل: أعلمني أحضرها وما علمت إماما حضر رجم مرجوم ولقد أمر عثمان بن عفان - رضي الله عنه - برجم امرأة وما حضرها (قال الشافعي): ويرجم الزاني الثيب ولا يجلد والجلد منسوخ عن الثيب قال الله تبارك وتعالى {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم} إلى {سبيلا} وهذا قبل نزول الحدود. ثم روى الحسن عن حطان الرقاشي عن عبادة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. أنه قال «خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا: الثيب بالثيب جلد مائة والرجم» فهذا أول ما نزل الجلد ثم قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على المنبر الرجم في كتاب الله عز وجل حق على من زنى إذا كان قد أحصن ولم يذكر جلدا ورجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ماعزا ولم يجلده وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنيسا أن يأتي امرأة فإن اعترفت رجمها وكل هذا يدلك على أن الجلد منسوخ عن الثيب، وكل الأئمة عندنا رجم بلا جلد، فإن قال قائل: لا أنفي أحدا فقيل لبعض من يقول قوله: ولم رددت النفي في الزنا وهو ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود والناس عندنا إلى اليوم؟ قال رددته؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «لا تسافر المرأة سفرا يكون ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم» فقلت له سفر المرأة شيء حيطت به المرأة فيما لا يلزمها من الأسفار. وقد نهيت أن تخلو في المصر برجل وأمرت بالقرار في بيتها. وقيل لها صلاتك في بيتك أفضل لئلا تعرضي أن تفتتني ولا يفتتن بك أحد وليس هذا مما يلزمها بسبيل. أرأيت لو قال قائل يستخف بخلاف السنة لا أجلدها يمجن ما الحجة عليه إلا ترك الحجة بالكتاب والخبر. أو رأيت إذا اعتللت في النفي بأن «النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تسافر المرأة ثلاثا إلا مع ذي محرم» ما هو من حد الزنا قال: إنهما يجتمعان في معنى أن في النفي سفرا قلنا: وإذا اجتمع الحديثان من الصنفين المختلفين في معنى من المعاني أزلت أحدهما بالآخر؟ قال: نعم قلنا: إذا كان النفي من أثبت ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأئمة بعده والناس إلى اليوم عندنا أن نقول كما قلت: لما اجتمعا في أن فيه سفرا أبحنا للمرأة أن تسافر ثلاثا أو أكثر مع غير ذي محرم، قال:
لا قلنا فلم كان لك أن تزيل أحدهما بالآخر ولا يكون ذلك لنا عليك؟ وقلت أرأيت إذا اعتللت بأنك تركت النفي؛ لأن فيه سفرا مع غير ذي محرم إن زنت بكر ببغداد فجلدتها فجاء أبوها وإخوتها وعدد كثير كلهم محرم لها فقالوا قد فسدت ببغداد وأهلها بالمدائن وأنت تبيح السفر مع ذي محرم إلى ما يبعد وتبيحه أقل من ثلاث مع غير ذي محرم. وقد اجتمع لك الأمران فنحن ذوو محرم فتنفيها عن بغداد فتخرج مع ذي محرم إلى شهر قد تبيحه لها مع غير ذي محرم إلى أهلها وتنحيها عن بلد قد فسدت به ولا تزال بذلك منعما علينا قال لا أنفيها؛ لأنها مالكة لنفسها فلا أنفيها قلنا: فقد زال المعنيان اللذان اعتللت بهما فلو كنت تركت النفي لها من أجلهما نفيتها في هاتين الحالتين وقلنا له: أرأيت إن كانت ببادية لا قاضي عند قريتها إلا على ثلاث ليال أو أكثر فادعى عليها مدع حقا أو أصابت حدا.
قال ترفع إلى القاضي قلنا مع غير ذي محرم؟ قال: نعم قلنا فقد أبحت لها أن تسافر ثلاثا أو أكثر مع غير ذي محرم. قال هذا يلزمها قلنا: فهذا يلزمها برأيك فأبحته لها ومنعتها منه فما سن فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخبر به عن الله جل وعلا فيها (قال الشافعي): وقلنا أرأيت إذا اعتللت في المرأة بما اعتللت به أيحتاج الرجل إلى ذي محرم؟ قال: لا قلنا: فلم لم تنفه؟ قال إنه حد واحد فإذا زال عن أحدهما زال عن الآخر قلنا وهذا أيضا من شبهكم التي تعتلون بها وأنتم تعلمون أنكم مخطئون فيها أو تعنون موضع الخطأ. قال وكيف؟ قلنا ما نقول في ثيب حر زنى ببكر وثيب حر زنى بأمة وثيب حر زنى بمستكرهة؟ قال على الثيب في هذا كله الرجم
وعلى البكر مائة وعلى الأمة خمسون وليس على المستكرهة شيء قلنا: وكذلك إن كانت المرأة ثيبا، ومن زنى بها عبدا رجمت وجلد العبد خمسين؟ قال: نعم. قلنا ولم؟ أليس؛ لأنك تلزم كل واحد منهما حد نفسه ولا تزيله عنه بأن يشركه فيه غيره؟ قال: نعم قلت: فلم لا يكون الرجل إذا كان لا يحتاج إلى محرم منفيا والنفي حده قال فقد نفى عمر رجلا وقال لا أنفي بعده. قلت نفى عمر رجلا في الخمر والنفي في السنة على الزاني والمخنث وفي الكتاب على المحارب وهو خلاف نفيهما لا على أحد غيرهم فإن رأى عمر نفيا في الخمر ثم رأى أن يدعه فليس الخمر بالزنا وقد نفى عمر في الزنا فلم لم تحتج بنفي عمر في الزنا؟ وقد تبينا نحن وأنت أن ليس في أحد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة؟ (قال الشافعي): وقال قائل لا أرجم إلا بالاعتراف أربع مرات؛ لأنهن يقمن مقام أربع شهادات قلنا وإن كن يقمن مقام أربع شهادات فإن اعترف أربع مرات ثم رجع؟ قال لا يحد قيل فهذا يدلك على فرق بين الاعتراف والشهادة أو رأيت إن قلت يقوم مقام الشهادة فلم زعمت أن السارق يعترف مرة فيقطع وكيف لا تقول حتى يعترف مرتين إن اعترف بحق لرجل مرة ألزمته أبدا فجعلت مرة الاعتراف أقوى من البينة. ومرة أضعف؟ قال: ليس الاعتراف من البينة بسبيل ولكن الزهري روى أنه اعترف عند النبي - صلى الله عليه وسلم - أربع مرات قلنا: وقد روى ابن المسيب أنه اعترف مرارا فردده ولم يذكر عددها وإنما كان ذلك في أول الإسلام لجهالة الناس بما عليهم، ألا ترى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في المعترف أيشتكي أم به جنة لا يرى أن أحدا ستر الله عز وجل عليه أتى يقر بذنبه إلا وهو يجهل حده؟ أو لا ترى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «اغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها» ولم يذكر عدد الاعتراف وأمر عمر - رضي الله تعالى عنه - أبا واقد الليثي بمثل ذلك ولم يأمره بعدد اعتراف.
ما جاء في حد الرجل أمته إذا زنت
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني - رضي الله عنهما - «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن فقال إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفير» قال ابن شهاب لا أدري أبعد الثالثة أم الرابعة (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد بن علي أن فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدت جارية لها زنت.
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وكان الأنصار ومن بعدهم يحدون إماءهم وابن مسعود يأمر به وأبو برزة حد وليدته، فإن قال قائل: لا يحد الرجل أمته وإنما ذلك إلى الإمام واعتلوا فيه بأن قالوا إن كان صاحب الأمة لا يعقل الحد؟ قلنا: إنما يقيم الحد من يعقله. وقلنا لبعض من يقول هذا القول: قال الله تبارك وتعالى {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا} (قال الشافعي): فقد أباح الله عز وجل أن يضرب الرجل امرأته وهي حرة غير ملك يمين قال: ليس هذا بحد قلت: فإذا أباحه الله عز وجل فيما ليس بحد فهو في الحد الذي بعدد أولى أن يباح؛ لأن العدد لا يتعدى والعقوبة لا حد لها فكيف أجزته في شيء وأبطلته في غيره قال: روينا عن ابن عباس ما يشبه قولنا قلت أو في أحد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة؟ قال: لا قلنا: فلم تحتج به وليس عن ابن عباس بمعروف؟ فقال لي بعض من يقول لا يحد الرجل أمته إذا زنت إذا
تركت الناس يحدون إماءهم أليس في الناس الجاهل أفيولى الجاهل حدا؟ (قال الشافعي): قلت له: لما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من زنت أمته أن يحدها كان ذلك لكل من كانت له أمة والحد موقت معروف قال فلعله أمر بهذا أهل العلم قلت ما يجهل ضرب خمسين أحد يعقل ونحن نسألك عن مثل هذا قال وما هو؟ قلت أرأيت رجلا خاف نشوز امرأته أو رأى منها بعض ما يكره في نفسه أله ضربها؟ قال:
نعم قلت له ولم؟ قال رخص الله عز وجل في ضرب النساء وأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يؤدب الرجل أهله قلنا: فإن اعتل عليك رجل في ضرب المرأة في النشوز والأدب بمثل علتك في الحد وأكثر وقال: الحد مؤقت والأدب غير مؤقت. فإن أذنت لغير العالم في الضرب خفت مجاوزته العدد قال: يقال له أدب ولا تجاوز العدد قلنا: فقال وما العدد؟ قال ما يعرف الناس قلت: وما يعرفون؟ قال الضرب غير المبرح ودون الحد قلنا قد يكون دون الحد ضربة وتسعة وثلاثين وتسعة وسبعين فأي هذا يضربها؟ قال ما يعرف الناس قلنا فإن قيل لك لعله لم يؤذن إلا للعالم قال حق العالم والجاهل على أهلهما واحد قلنا: فلم عبت علينا بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - من زنت أمته أن يحدها. ثم زعمت أن ليس للعالم أن يحد أمته؟ فإن اعتللت بجهالة الجاهل فأجز للعالم أن يحدها وأنت لا تجيزه، وإنما أدخلت شبهة بالجاهل وأحد يعقل لا يجهل خمسين ضربة غير مبرحة ثم صرت إلى أن أجزت للجاهلين أن يضربوا نساءهم بغير أن توقت ضربا. فإن اتبعت في ذلك الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم تجز لأحد أن يتأول عليك؛ لأنه جملة فهو عام للعالم ولغيره قال: نعم قلنا فلم لم تتبع الخبر الذي هو أصح منه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أن يحد الرجل أمته فأثبت أضعف الخبرين وجعلت العالم والجاهل فيهما سواء بالخبر ثم منعت العالم والجاهل أن يحد أمته؟ ما ينبغي أن يبين خطأ قول بأكثر من هذا؟ (قال الشافعي): ما إلى العلة بالجهالة ذهب من رد هذا ولو كانت العلة بالجهالة ممن يحد إذا لأجازه للعالم دون الجاهل فهو لا يجيزه لعالم ولا لجاهل وقد رد أقوى الخبرين وأخذ بأضعفهما وكلا الحديثين نأخذ به نحن ونسأل الله سبحانه التوفيق. .
باب ما جاء في الضرير من خلقته لا من مرض يصيب الحد
أخبرنا الربيع قال: (قال الشافعي) - رحمه الله -: أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد وأبي الزناد كلاهما عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف «أن رجلا قال أحدهما أحبن وقال الآخر مقعد كان عند جوار سعد فأصاب امرأة حبل فرمته به فسئل فاعترف فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - به قال أحدهما جلد بأثكال النخل وقال الآخر بأثكول النخل» (قال الشافعي): وبهذا نأخذ إذا كان الرجل مضنوء الخلق قليل الاحتمال يرى أن ضربه بالسوط في الحد تلف في الظاهر ضرب بأثكال النخل؛ لأن الله عز وجل قد حد حدودا منها حدود تأتي على النفس: الرجم والقتل غير الرجم بالقصاص فبينهما، وحد بالجلد فبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف الجلد وكان بينا في كتاب الله عز وجل ثم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الضرب لم يرد به التلف وأنه إنما أريد - والله أعلم - النكال للناس عن المحارم ولعله طهور أيضا. فإذا كان معروفا عند من يحد أن حده للضرير تلف لم يضرب المحدود بما يتلفه وضربه بما ضربه به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فإن قيل قد يتلف الصحيح المحتمل فيما يرى ويسلم غير المحتمل قيل إنما يعمل من هذا على الظاهر والآجال بيد الله عز وجل (قال الشافعي): فأما الحبلى والمريض
فيؤخر حدهما حتى تضع الحبلى ويبرأ المريض وليس كالمضنوء من خلقته فخالفنا بعض الناس. فقال: لا أعرف الحد إلا واحدا وإن كان مضنوءا من خلقته قلت أترى الحد أكثر أم الصلاة؟ قال كل فرض قلنا: قد يؤمر من لا يستطيع القيام في الصلاة بالجلوس، ومن لا يستطيع الجلوس بالإيماء وقد يزيل الحد عمن لا يجد إليه سبيلا (قال الربيع) يريد كأن سارقا سرق ولا يدين له ولا رجلين فلم يجد الحاكم إلى أخذ ما وجب عليه من القطع سبيلا قال هذا اتباع ومواضع ضرورات. قلنا وجلد المضنوء بأثكال النخل اتباع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي لا ينبغي خلافه وموضع ضرورة. .
الشهادة في الزنا
(قال الشافعي): - رحمه الله -: قال الله تبارك وتعالى في القذفة {لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون} (قال الشافعي): - رحمه الله - فلا يجوز في الزنا الشهود أقل من أربعة بحكم الله عز وجل ثم بحكم رسوله - صلى الله عليه وسلم - فإذا لم يكملوا أربعة فهم قذفة، وكذلك حكم عليهم عمر بن الخطاب فجلدهم جلد القذفة ولم أعلم بين أحد لقيته ببلدنا اختلافا فيما وصفت من أنه لا يقبل في الزنا أقل من أربعة وأنهم إذا لم يكملوا أربعة حدوا حد القذف وليس هكذا شيء من الشهادات غير شهود الزنا (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة «أن سعد بن عبادة قال يا رسول الله أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعم» (قال الشافعي): - رحمه الله - ففي هذا ما يبين أن شهود الزنا أربعة وأن ليس لأحد دون الإمام أن يقتل ولا يعاقب بما رأى (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب أن رجلا بالشام وجد مع امرأته رجلا فقتله أو قتلها فكتب معاوية إلى أبي موسى الأشعري بأن يسأل له عن ذلك عليا - رضي الله عنه - فسأله فقال علي " إن هذا لشيء ما هو بأرض العراق عزمت عليك لتخبرني " فأخبره فقال علي - رضي الله عنه - أنا أبو الحسن فإن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته " (قال الشافعي): - رحمه الله -: وبهذا كله نأخذ ولا أحفظ عن أحد قبلنا من أهل العلم فيه مخالفا
(قال الشافعي): فقال بعض الناس إن قتل رجل رجلا في داره فقام عليه أولياء القتيل فقال وجدته في داري يريد السرقة فقتلته نظرنا فإن كان المقتول يعرف بالسرقة درأنا عن القاتل القتل وضمناه الدية وإن كان غير معروف بالسرقة أقدنا ولي القتيل منه (قال الشافعي): فقلت له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يأذن لسعد بن عبادة في رجل لو وجده مع امرأته حتى يأتي بأربعة شهداء وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - يقول " إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته " فكيف خالفت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأثر عن علي - رضي الله عنه -؟ قال: روينا عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه أهدره فقلت له قد روى عمر أنه أهدره فقال هذا قتيل الله والله لا يودى أبدا وهذا عندنا من عمر أن البينة قامت عنده على المقتول أو على أن ولي المقتول أقر عنده بما وجب به أن يقتل المقتول قال هل رويتم هذا في الخبر؟ قلنا قال فالخبر على ظاهره قلنا فأنت تخالف ظاهره قال وأين؟ قلنا عمر لم يسأل أيعرف المقتول

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #259  
قديم 02-05-2024, 09:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,180
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس

الحلقة (259)
صــــــــــ 149 الى صـــــــــــ 154



بالزنا أم لا وأنت لا تجيز فيمن عرف بالزنا أن يعقل ويقتل به من قتله إلا أن تأتي عليه ببينة وعمر لم يجعل فيه دية وأنت تجعل فيه دية قال: فأنا إنما قسته على حكم لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قلت وما ذلك الحكم قال روى عمرو بن دينار أن عمر كتب في رجل من بني شيبان قتل نصرانيا من أهل الحيرة إن كان القاتل معروفا بالقتل فاقتلوه وإن كان غير معروف بالقتل فذروه ولا تقتلوه فقلت وهذا غير ثابت عن عمر - رضي الله عنه - وإن كان ثابتا عندك فتقول به؟
فقال: لا بل يقتل القاتل للنصراني كان معروفا بالقتل أو غير معروف به فقلت له أيجوز لأحد ينسب إلى شيء من العلم أن يزعم أن قصة رواها عن رجل ليست كما قضى به ويخالفها ثم يقيس عليها إذا تركها فيما قضى بها فيه لم يكن له أن يشبه عليه غيرها
(قال الشافعي): وقلت له أيضا تخطئ القياس الذي رويت عن عمر أنه أمر أن ينظر في حال القاتل أمعروف بالقتل فيقاد أو غير معروف به فيرفع عنه القود وأنت لم تنظر في السارق ولا إلى القاتل إنما نظرت إلى المقتول قال فما تقول؟ قلت أقول بالسنة الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والخبر عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - والأمر الذي يعرفه أهل العلم قال وما يعرف أهل العلم؟ قلت أما يكون الرجل ببلد غريبا لا يعرف بالسرقة فيقتله رجل فيسأل عنه بذلك البلد فلا يعرف بالسرقة وهو معروف ببلد غيره بالسرقة؟ قال بلى قلت أما يعرف بالسرقة ثم يتوب؟ قال بلى قلت: أما يكون أن يدعوه رجل لضغن منه عليه فيقول اعمل لي عمل كذا ثم يقتله ويقول دخل علي؟ قال بلى قلت: وما يكون غير سارق فيبتدئ السرقة فيقتله رجل وأنت تبيح له قتله به؟ قال بلى قلت فإذا كانت هذه الحالات وأكثر منها في القاتل والمقتول ممكنة عندك فكيف جاز أن قلت ما قلت بلا كتاب ولا سنة ولا أثر ولا قياس على أثر؟، قال فتقول ماذا قلت أقول: إن جاء عليه بشهود يشهدون على ما يحل دمه أهدرته فلم أجعل فيه عقلا ولا قودا وإن لم يأت عليه بشهود أقصصت وليه منه ولم أقبل فيه قوله وتبعت فيه السنة ثم الأثر عن علي - رضي الله عنه - ولم أجعل للناس الذريعة إلى قتل من في أنفسهم عليه شيء ثم يرمونه بسرقة كاذبين. .
باب أن الحدود كفارات
(قال الشافعي) - رحمه الله - أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن شهاب عن أبي إدريس عن عبادة بن الصامت قال «كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مجلس فقال بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا وقرأ عليهم الآية فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله عليه فهو إلى الله عز وجل إن شاء غفر له وإن شاء عذبه» (قال الشافعي): ولم أسمع في الحدود حديثا أبين من هذا وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «وما يدريك؟ لعل الحدود نزلت كفارة للذنوب» وهو يشبه هذا وهو أبين منه وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديث معروف عندنا وهو غير متصل الإسناد فيما أعرف وهو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «من أصاب منكم من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله عز وجل» (قال): وروي أن أبا بكر أمر رجلا في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - أصاب حدا بالاستتار وأن عمر أمره به وهذا حديث صحيح عنهما (قال الشافعي): ونحن نحب لمن أصاب الحد أن يستتر وأن يتقي الله عز وجل ولا يعود لمعصية الله فإن الله عز وجل يقبل التوبة عن عباده.
باب حد الذميين إذا زنوا
قال الله تبارك وتعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - في أهل الكتاب {فإن جاءوك فاحكم بينهم} قرأ إلى {بينهم بالقسط} (قال الشافعي): - رحمه الله - ففي هذه الآية بيان - والله أعلم - أن الله تبارك وتعالى جعل لنبيه - صلى الله عليه وسلم - الخيار في أن يحكم بينهم أو يعرض عنهم وجعل عليه إن حكم أن يحكم بينهم بالقسط، والقسط حكم الله تبارك وتعالى الذي أنزل على نبيه - عليه الصلاة والسلام - المحض الصادق أحدث الأخبار عهدا بالله تبارك وتعالى قال الله عز وجل {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك} (قال الشافعي): وفي هذه الآية ما في التي قبلها من أمر الله تبارك وتعالى له بالحكم بما أنزل الله إليه (قال): وسمعت من أرضى من أهل العلم يقول في قول الله تبارك وتعالى {وأن احكم بينهم بما أنزل الله}: إن حكمت لا عزما أن تحكم
(قال الشافعي): وحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يهوديين زنيا رجمهما وهذا معنى قوله عز وجل {وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط} ومعنى قول الله تبارك وتعالى {وأن احكم بينهم بما أنزل الله} والدليل الواضح أن من حكم عليهم من أهل دين الله فإنما يحكم بينهم بحكم المسلمين فما حكمنا به على مسلم حكمنا به على من خالف الإسلام وحكم به عليهم ولهم
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رجم يهوديين زنيا» قال عبد الله فرأيت الرجل يخبئ على المرأة يقيها الحجارة
(قال الشافعي): فأمر الله عز وجل نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالحكم بينهم بما أنزل الله بالقسط ثم حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهم بالرجم وتلك سنة على الثيب المسلم إذا زنى ودلالة على أن ليس لمسلم حكم بينهم أبدا أن يحكم بينهم إلا بحكم الإسلام (قال الشافعي): قال لي قائل إن قول الله تبارك وتعالى {وأن احكم بينهم بما أنزل الله} ناسخ لقوله عز وجل {فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} فقلت له: الناسخ إنما يؤخذ بخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو عن بعض أصحابه لا مخالف له أو أمر أجمعت عليه عوام الفقهاء فهل معك من هذا واحد؟ قال: لا، فهل معك ما يبين أن الخيار غير منسوخ؟ قلت قد يحتمل قول الله عز وجل {وأن احكم بينهم بما أنزل الله} " إن حكمت وقد روى بعض أصحابك عن سفيان الثوري عن سماك بن حرب عن قابوس بن مخارق أن محمد بن أبي بكر كتب إليه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في مسلم زنى بذمية أن يحد المسلم وتدفع الذمية إلى أهل دينها.
(قال الشافعي): فإذا كان هذا ثابتا عندك فهو يدلك على أن الإمام مخير في أن يحكم بينهم أو يترك الحكم عليهم ولو كان الحكم لازما للإمام في حال لزمه أن يحكم بينه في حد واحد حد فيه المسلم ولم تحد الذمية قال وكيف لم تحد الذمية من قبل أنها لم ترض حكمه وأنه مخير في أن يحكم فيها أو يدع الحكم؟ قال فما الحال التي يلزمه فيها أن يحكم لهم وعليهم؟ قلت إذا كانت بينهم وبين مسلم أو مستأمن تباعة فلا يجوز أن يحكم لمسلم ولا عليه إلا مسلم ولا يجوز أن يكون عقد بالمستأمن أمانا على ماله ودمه حتى يرجع أن يحكم عليه إلا مسلم قال فهذا زنا واحد قد رد فيه علي - رضي الله عنه - الذمية على أهل دينها قلنا: إنه لم يكن لها بالزنا على المسلم شيء تأخذه منه ولا للمسلم عليها شيء فيحكم لها وعليها وإنما كان حد فأخذه إن كان حديثكم ثابتا عنه من المسلم ورد الذمية إلى أهل دينها لما وصفنا من أنها لم ترض حكمه وأنه مخير في الحكم لها وعليها
(قال الشافعي): فقال وقد روى بجالة عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه كتب " فرقوا بين كل ذي محرم من المجوس وانهوهم عن الزمزمة " فكيف لم تأخذوا به؟ فقلت له بجالة رجل مجهول ليس بالمشهور ولا يعرف أن جزء معاوية كان لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عاملا ونحن نسألك فإن قلت ما قلنا فلم تحتج بأمر قد علمت أنه لا حجة فيه؟ وإن قلت بل نصير إلى حديث بجالة فحديث بجالة موافق لنا؛ لأن عمر إنما حملهم إن كان على ما كان حاملا عليه المسلمين؛ لأن المحارم لا يحللن للمسلمين ولا ينبغي للمسلم الزمزمة وهذا يدل إن كان ثابتا على أنهم يحملون على ما يحمل عليه المسلمون فحملتهم على ما يحمل عليه المسلمون وتبعتهم كما تتبع المسلمين قال: لا قلت: فقد خالفت ما رويت عن عمر قال فإن قلت أتبعهم فيما رأيت أنه تبعهم فيه عمر؟ قلت ولم تتبعهم أنت فيه إلا أنه يحرم عليهم؟ قال: نعم، قلت: فكذلك تتبعهم في كل ما علمت أنهم مقيمون عليه مما يحرم عليهم قال فإن قلت أتبعهم في هذا الذي رويت أن عمر تبعهم فيه خاصة قال قلت فيلزمك أن تتبعهم في غيره إذا علمتهم مقيمين عليه وأن تستدل بأن عمر إنما يتبعهم في شيء بلغه أنهم مقيمون عليه مما يحرم عليهم أن يتبعهم في مثله وأعظم منه مما يحرم عليهم فيلزمك أن تعلم أن عمر صيرهم أن حكم عليهم إلى ما يحكم به على المسلمين فتعلم أن الله تبارك وتعالى أمر بالحكم بينهم بالقسط ثم حكم بينهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالرجم وهي سنته التي سن بين المسلمين وقال - صلى الله عليه وسلم - فيها «لأقضين فيما بينكم بكتاب الله عز وجل» ثم زعمت عن عمر أنه حرم عليهم ما يحرم على المسلمين ثم زعمت عن علي - رضي الله عنه - أنه دفع نصرانية إلى أهل دينها فكل ما زعمنا وزعمت حجة لنا وكل ما زعمت تعرفه ولا نعرفه نحن حجة لنا، ولا يخالف قولنا وأنت تخالف ما تحتج به، قال منهم قائل: وكيف لا تحكم بينهم إذا جاءوك مجتمعين أو متفرقين؟ قلت أما متفرقين فإن الله عز وجل يقول {فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} فدل قول الله تبارك وتعالى {فإن جاءوك} على أنهم مجتمعون ليس إن جاءك بعضهم دون بعض ودل على أن له الخيار إذا جاءوه في الحكم أو الإعراض عنهم وعلى أنه إن حكم فإنما يحكم بينهم حكمه بين المسلمين
(قال الشافعي): ولم أسمع أحدا من أهل العلم ببلدنا يخالف في أن اليهوديين اللذين رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الزنا كانا موادعين لا ذميين
(قال الشافعي): وقال لي بعض من يقول القول الذي أحكي خلافه: إنه ليس للإمام أن يحكم على موادعين وإن رضيا حكمه وهذا خلاف السنة ونحن نقول: إذا رضيا حكم الإمام فاختار الإمام الحكم حكم عليهما
(قال الشافعي): وقد كان أهل الكتاب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بناحية المدينة موادعين زمانا وكان أهل الصلح والذمة معه بخيبر وفدك ووادي القرى ومكة ونجران واليمن يجري عليهم حكمه - صلى الله عليه وسلم - ثم مع أبي بكر حياته ثم مع عمر صدرا من خلافته حتى أجلاهم عمر بما بلغه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم في ولايته وحيث تجري أحكامه بالشام والعراق ومصر واليمن ثم مع عثمان بن عفان ثم مع علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - لم نعلم أحدا ممن سمينا حكم بينهم في شيء ولو حكموا بينهم لحفظ بعض ذلك إن لم يحفظ كله (قال الشافعي): وأهل الذمة بشر لا يشك بأنهم يتظالمون فيما بينهم ويختلفون ويتطالبون بالحقوق وأنهم يعقلون أو بعضهم ما لهم وما عليهم، وما نشك أن الطالب حريص على من يأخذ له حقه وأن المطلوب حريص على من يدفع عنه ما يطلب به وأن كلا قد يحب أن يحكم له من يأخذ له ويحكم عليه من يدفع عنه وأن قد يرجو كل في حكام المسلمين، والعلم يحكمهم أو الجهالة به ما لا يرجو في حاكمه وأن لو كان على حكام المسلمين الحكم بينهم إذا جاءهم بعض دون بعض وإذا جاءوهم مستجمعين لجاءوهم في بعض الحالات مستجمعين
(قال الشافعي): ولا نعلم أحدا من أهل العلم روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحكم بينهم إلا في الموادعين اللذين رجم ولا عن أحد من أصحابه بعده إلا ما روى بجالة مما يوافق حكم الإسلام وسماك بن حرب عن علي - رضي الله عنه - مما يوافق قولنا في أنه ليس على الإمام أن يحكم إلا أن يشاء (قال الشافعي): وهاتان الروايتان - وإن لم تخالفانا - غير معروفتين عندنا ونحن نرجو أن لا نكون ممن تدعوه الحجة على من خالفه إلى قبول خبر من لا يثبت خبره معرفته عنده (قال الشافعي): فقال لي بعض الناس: فإنك إذا أبيت الحكم بينهم رجعوا إلى حكامهم فحكموا بينهم بغير الحق عندك
(قال الشافعي): فقلت له: وأنا إذا أبيت الحكم فحكم حاكمهم بينهم بغير الحق ولم أكن أنا حاكما فما أنا من حكم حكامهم أترى تركي أن أحكم بينهم في درهم لو تظالموا فيه وقد أعلمتك ما جعل الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - من الخيار في الحكم بينهم أو الترك لهم وما أوجدتك من الدلائل على أن الخيار ثابت بأن لم يحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا من جاء بعده من أئمة الهدى أو ترى تركي الحكم بينهم أعظم أم تركهم على الشرك بالله تبارك وتعالى؟ فإن قلت فقد أذن الله عز وجل بأخذ الجزية منهم وقد علم أنهم مقيمون على الشرك به معونة لأهل دينه فإقرارهم على ما هو أقل من الشرك أحرى أن لا يعرض في نفسك منه شيء إذا أقررناهم على أعظم الأمور فأصغرها أقل من أعظمها
(قال الشافعي): فقال لي قائل فإن امتنعوا أن يأتوا حكامهم قلت أخيرهم بين أن يرجعوا إليهم أو يفسخوا الذمة، قال فإذا خيرتهم فرجعوا وأنت تعلم أنهم يحكمون بينهم بالباطل عندك فأراك قد شركتهم في حكمهم
(قال الشافعي): فقلت له لست شريكهم في حكمهم وإنما وفيت لهم بذمتهم، وذمتهم أن يأمنوا في بلاد المسلمين لا يجبرون على غير دينهم ولم يزالوا يتحاكمون إلى حكامهم برضاهم فإذا امتنعوا من حكامهم قلت لهم لم تعطوا الأمان على الامتناع والظلم فاختاروا أن تفسخوا الذمة أو ترجعوا إلى من لم يزل يعلم أنه كان يحكم بينكم منذ كنتم فإن اختاروا فسخ الذمة فسخناها وإن لم يفعلوا ورجعوا إلى حكامهم فكذلك لم يزالوا لا يمنعهم منه إمام قبلنا ورجوعهم إليهم شيء رضوا به لم نشركهم نحن فيه
(قال الشافعي): ولو رددناهم إلى حكامهم لم يكن ردنا لهم مما يشركهم ولكنه منع لهم من الامتناع (قال): وقلت لبعض من يقول هذا القول أرأيت لو أغار عليهم العدو فسبوهم فمنعوهم من الشرك وشرب الخمر وأكل الخنزير أكان علي أن أستنقذهم إن قويت لذمتهم؟ قال: نعم قلت: فإن قال قائل إذا استنقذتهم ورجعوا آمنين أشركوا وشربوا الخمر وأكلوا الخنزير فلا تستنقذهم فتشركهم في ذلك ما الحجة؟ قال الحجة أن نقول أستنقذهم لذمتهم قلت: فإن قال في أي ذمتهم وجدت أن تستنقذهم؟ هل تجد بذلك خبرا؟ قال لا ولكن معقول إذا تركتهم آمنين في بلاد المسلمين أن عليك الدفع عمن في بلاد المسلمين قلت فإن قلت أدفع عما في بلاد المسلمين للمسلمين فأما لغيرهم فلا قال إذا جعلت لغيرهم الأمان فيها كان عليك الدفع عنهم قلت وحالهم حال المسلمين؟ قال لا، قلت فكيف جعلت على الدفع عنهم وحالهم مخالفة حال المسلمين، هم وإن استووا في أن لهم المقام بدار المسلمين مختلفون فيما يلزم لهم المسلمين؟
(قال الشافعي): وإن جاز لنا القتال عنهم ونحن نعلم ما هم عليه من الشرك واستنقاذهم لو أسروا فردهم إلى حكامهم وإن حكموا بما لا نرى أخف وأولى أن يكون لنا - والله أعلم -
(قال الشافعي): فقال لي بعض الناس: أرأيت إن أجزت الحكم بينهم كيف تحكم؟ قلت: إذا اجتمعوا على الرضا بي فأحب إلي أن لا أحكم لما وصفت لك ولأن ذلك لو كان

فضلا حكم به من كان قبلي فإن رضيت بأنه مباح لي لم أحكم حتى أعلمهم أني إنما أجيز بينهم ما يجوز بين المسلمين وأرد بينهم ما يرد بين المسلمين وأعلمهم أني لا أجيز بينهم إلا شهادة الأحرار المسلمين العدول فإن رضوا بهذا فرأيت أن أحكم بينهم حكمت وإن لم يرضوا معا لم أحكم وإن حكمت فبهذا أحكم قال: وما حجتك في أن لا تجيز شهادتهم بينهم؟ قلت قول الله تبارك وتعالى {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} إلى قوله {ممن ترضون من الشهداء} وقول الله عز وجل {وأشهدوا ذوي عدل منكم} ففي هاتين الآيتين - والله أعلم - دلالة على أن الله عز وجل إنما عنى المسلمين دون غيرهم ولم أر المسلمين اختلفوا في أنها على الأحرار العدول من المسلمين خاصة دون المماليك العدول، والأحرار غير العدول وإذا زعم المسلمون أنها على الأحرار المسلمين العدول دون المماليك، فالمماليك العدول والمسلمون الأحرار وإن لم يكونوا عدولا فهم خير من المشركين كيفما كان المشركون في ديانتهم فكيف أجيز شهادة الذي هو شر وأرد شهادة الذي هو خير بلا كتاب ولا سنة ولا أثر ولا أمر اجتمعت عليه عوام الفقهاء؟
(قال الشافعي): ومن أجاز شهادة أهل الذمة فأعدلهم عنده أعظمهم بالله شركا أسجدهم للصليب وألزمهم للكنيسة فقال قائل: فإن الله عز وجل يقول حين الوصية {اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم}
(قال الشافعي): - والله أعلم - بمعنى ما أراد من هذا وإنما يفسر ما احتمل الوجوه ما دلت عليه سنة أو أثر عن بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا مخالف له أو أمر اجتمعت عليه عوام الفقهاء فقد سمعت من يتأول هذه الآية على من غير قبيلتكم من المسلمين ويحتج فيها بقول الله عز وجل {تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم} إلى {الآثمين} فيقول الصلاة للمسلمين والمسلمون يتأثمون من كتمان الشهادة لله فأما المشركون فلا صلاة لهم قائمة ولا يتأثمون من كتمان الشهادة للمسلمين ولا عليهم
(قال الشافعي): وسمعت من يذكر أنها منسوخة بقوله تعالى {وأشهدوا ذوي عدل منكم} - والله أعلم - ورأيت مفتي أهل دار الهجرة والسنة يفتون أن لا تجوز شهادة غير المسلمين العدول
(قال الشافعي): وذلك قولي (قال الشافعي): وقلت لمن يخالفنا في هذا فيجيز شهادة أهل الذمة ما حجتك في إجازتها؟ فاحتج بقول الله عز وجل {أو آخران من غيركم} قلت له إنما ذكر الله جل ثناؤه هذه الآية في وصية مسلم في السفر أفتجيزها في وصية مسلم بالسفر قال: لا قلت: أو تحلفهم إذا شهدوا؟ قال: لا قلت: ولم وقد تأولت أنها في وصية مسلم؟ قال: لأنها منسوخة قلت فإن نسخت فيما أنزلت فيه فلم تثبتها فيما لم تنزل فيه؟ فقال لي بعض الناس: فإنما أجزنا شهادتهم للرفق بهم ولئلا تبطل حقوقهم
(قال الشافعي): وقلت له: كيف يجوز أن تطلب الرفق بهم فتخالف حكم الله عز وجل في أن الشهود الذين أمروا أن يقبلوا هم المسلمون؟
(قال الشافعي): وقلت له: المذهب الذي ذهبت إليه خطأ من وجوه: منها أنه خلاف ما زعمت أنه حكم الله عز وجل من أن الشهادة التي يحكم بها شهادة الأحرار المسلمين وأنا لم نجد أحدا من أئمة المسلمين يلزم قوله أجاز شهادتهم ثم خطأ في قولك طلب الرفق بهم.
(قال): وكيف قلت؟ أرأيت عبيدا عدولا مجتمعين في موضع صناعة أو تجارة شهد بعضهم لبعض بشيء؟ قال: لا تجوز شهادتهم، قلت: إنهم في موضع لا يخلطهم فيه غيرهم قال وإن قلت فإن كانوا في سجن قال وإن قلت فأهل السجن والبدو الصيادون إن كانوا أحرارا غير معدلين ولا يخلطهم غيرهم شهد بعضهم لبعض؟ قال: لا تجوز شهادتهم. قلت فإن قالوا لك: لا يخلطنا غيرنا وإن أبطلت شهادتنا ذهبت دماؤنا وأموالنا قال وإن ذهبت فأنا لم أذهبها قلت فإن قالوا فاطلب الرفق بنا بإجازة شهادة بعضنا لبعض؟ قال لا أطلب الرفق لكم بخلاف حكم الله عز وجل فإن قالوا لك وما حكم الله؟ تعالى قال الأحرار العدول

المسلمون قلت فالعبيد العدول الذين يعتق أحدهم الساعة فتجيز شهادته أقرب من العدول في كتاب الله أم الذمي الذي يسلم فتجيز إسلامه قبل إجازة شهادته؟ قال بل العبد العدل قلت فلم رددت الأقرب من شرط الله جل ذكره وأجزت الأبعد منه لو كان أحدهما جائزا جاز العبد ولم يجز الذمي أو الحر غير العدل ولم يجز الذمي وما من المسلمين أحد إلا خير من أهل الذمة وكيف يجوز أن ترد شهادة مسلم بأن تعرفه يكذب على بعض الآدميين وتجيز شهادة ذمي وهو يكذب على الله تبارك وتعالى؟
(قال الشافعي): فقال قائل فإن شريحا أجاز شهادتهم فيما بينهم فقلت له أرأيت شريحا لو قال قولا لا مخالف له فيه مثله ولا كتاب فيه أيكون قوله حجة؟ قال لا: قلت: فكيف تحتج به على الكتاب وعلى المخالفين له من أهل دار الهجرة والسنة؟
(قال الشافعي): فإن احتج من يجيز شهادتهم بقول الله عز وجل {أو آخران من غيركم} فقال من غير أهل دينكم فكيف لم تجزها فيما ذكرت فيه من الوصية على المسلمين في السفر كيف لم تجزها من جميع المشركين وهم غير أهل إسلام؟ أرأيت لو قال قائل إذا كان غير أهل الإسلام هم المشركون فجاز لك أن تجيز شهادة بعضهم دون بعض بلا خبر يلزم فأنا أجيز شهادة أهل الأوثان.
؛ لأنهم ليسوا بأهل كتاب نبذوه وبدلوه إنما ضلوا بأنهم وجدوا آباءهم على شيء فلزموه وأرد شهادة أهل الكتاب الذين أخبرنا الله عز وجل أنهم قد بدلوا ما الحجة عليهم؟ فإن قال في أهل الكتاب من يصدق ويؤدي الأمانة ففي أهل الأوثان من يصدق ويؤدي الأمانة ويعف
(قال الشافعي): ما علمت من خالفنا في الحكم بين أهل الكتاب إلا ترك فيه التنزيل والسنة لما روى فيه من الأثر والقياس عليه وما يعرفه أهل العلم ثم لم يمتنع أن جهل وخطأ من علم.
(قال الشافعي): وقال لي منهم قائل فإذا حكمت بينهم أبطلت النكاح بلا ولي ولا شهود وهو جائز بينهم؟ قلت: نعم قال: وتبطل بينهم ثمن الخمر والخنزير؟ قلت: نعم قال: وإن قتله بعضهم لبعض أو غيرهم لهم لم تقض عليه بثمنه؟ قلت: نعم قال فهي أموالهم أنت تقرهم يتمولونها. قال فقلت له إن إقرارهم يتمولونها لا يوجب علي أن أحكم لهم بها. قال: وكيف لا يجب عليك أن تحكم لهم بما تقرهم عليه قلت له: أما أقرهم على الشرك وأقر عليه أبناءهم ورقيقهم؟ قال: بلى، قلت: فلو أسلم بعض رقيقهم وحكمت عليه بالخروج من ملكه ألست أحمده على الإسلام وأجبر السيد على بيعه ولا أدعه يسترقه ولا أعيده إلى الشرك؟ قال بلى قلت: أفلست أقررته على شيء ثم لم أحكم له بما أقررته عليه وقد كان في حال مقرا عليه؟ قال: بلى قلت: أو ما أقره على حكم حكامه وأنا أعلم أنهم يحكمون بغير الحق؟ قال بلى قلت ومن حكم بعضهم أن من سرق شيئا لرجل كان السارق عبدا للمسروق فأقرهم على ذلك إذا رضوه أفرأيت لو ترافعوا إلي الحكم بأن السارق عبد للمسروق قال: لا قلت: ومن حكم بعضهم أن ليس لرجل أن ينكح إلا امرأة واحدة لا يطلقها.
ومن حكم بعضهم أن ليس للمرأة أن تنكح إلا رجلا واحدا أفرأيت لو ترافعوا إلي ألزمتهم ذلك؟ قال: لا قلت فأراك تقرهم على أشياء من أحكامهم إذا صاروا إليك لم تحكم لهم بها وحكمت عليهم حكم الإسلام.
(قال الشافعي): وقلت لبعضهم: أرأيت إذا تحاكموا إليك وقد أربى بعضهم على بعض وذلك جائز عندهم؟ قال أرد الربا قلت فإن تحاكموا إليك وقد نكح الرجل محرمه في كتاب الله قال أرد النكاح قلت: فإن تحاكم إليك مجوسيان وقد أحرق أحدهما لصاحبه غنما قد اشتراها بين يديك بمائة ألف

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #260  
قديم 02-05-2024, 10:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,180
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس

الحلقة (260)
صــــــــــ 155 الى صـــــــــــ 160



وأربح فيها مائة ألف على أن يقذها لهم فوقذها كلها وتلك عنده ذكاتها فأحرقها أحدهم أو مسلم فقال قد أحرق هذا مالي الذي ابتعته بين يديك وأربحت فيه بمحضرك بمثل ما ابتعته به وهو مائة ألف؟ قال لا يغرم شيئا قال ولم؟ هذا مالي تقرني عليه مذ كنت وتجارتي أحرقها؟ قال هذا حرام. قلت: فإن قال لك أرأيت الخمر والخنزير أحلال هما؟ قال: لا قلت فإن قال فلم أجزت بيعهما عندك وحكمت على من استهلكهما بثمنهما إن كانا يتمولان وتقرهم على تمولهما وهما حرام ولم تحكم لي بثمن الميتة وهي تمول وقد كانت حلالا قبل قتلها عندك وجلدها حلال إذا دبغته؟ وإن كانت الميتة والخنزير لم تكن حلالا قط عندك ولا يكون الخنزير حلالا بحال أبدا.
(قال الشافعي): فقال لي بعضهم قولنا هذا مدخول غير مستقيم فما حجتك في قولك؟ فوصفت له كتاب الله تبارك وتعالى أن نحكم بينهم بحكمه الذي أنزل على نبيه - عليه الصلاة والسلام - ثم حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي حكم به بين المسلمين في الرجم.
(قال الشافعي): وقلت له: أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس أنه قال كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - أحدث الأخبار تقرءونه محضا لم يشب ألم يخبركم الله عز وجل في كتابه أنهم حرفوا كتاب الله تبارك اسمه وبدلوا وكتبوا الكتاب بأيديهم وقالوا {هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون} ألا ينهاكم العلم الذي جاءكم عن مسألتهم؟ والله ما رأينا أحدا منهم يسألكم عما أنزل الله إليكم وقلت له: أمرنا الله عز وجل بالحكم بينهم بكتاب الله المنزل على نبيه - صلى الله عليه وسلم - وأخبر أنهم قد بدلوا كتابه الذي أنزل وكتبوا الكتاب بأيديهم فقالوا {هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون}.
(قال الشافعي): وقلت له ترك أصحابك ما وصفنا من حكم الله عز وجل ثم حكم رسوله - صلى الله عليه وسلم - فإذا قيل لهم لم أقمتم الحدود على المعاهدين وإن لم يكونوا يرونها في دينهم وأبطلتم الحدود في قذف بعضهم بعضا وإن كانوا يرونها بينهم؟ قالوا بأن حكم الله تبارك وتعالى على خلقه واحد وبذلك أبطلنا الزنا بينهم ونكاح الرجل حريمه في كتاب الله عز وجل وإن كان ذلك جائزا بينهم. فإذا قيل لهم فحكم الله عز وجل يدل على أن تحكم بينهم حكمنا في الإسلام قالوا: نعم فإذا قيل فلم أجزتم بينهم ثمن الخنزير وغرمتم ثمنه وليس من حكم الإسلام أن يجوز ثمن الحرام؟ قالوا هي أموالهم وقد أبطلوا أموالهم بينهم.
(قال الشافعي): فرجع بعضهم إلى قولنا وقال هذا قول مستقيم على كتاب الله عز وجل ثم سنة نبي الله - صلى الله عليه وسلم - لا يختلف وأقام بعضهم على قولهم مع ما وصفت لك من تناقضه وسكت عن بعض للاكتفاء بما وصفت لك مما لم أصف. .
حد الخمر
(قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن شرب الخمر فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاقتلوه فأتي برجل قد شرب فجلده ثم أتي به الثانية فجلده ثم أتي به الثالثة فجلده ثم أتي به الرابعة فجلده ووضع القتل» فكانت رخصة (قال): سفيان ثم قال الزهري لمنصور بن المعتمر ومخول كونا وافدي أهل العراق بهذا الحديث.
(قال الشافعي): والقتل منسوخ بهذا الحديث وغيره وهذا مما لا اختلاف فيه بين أحد من أهل العلم علمته
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة أنها قالت: «سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البتع فقال كل شراب أسكر فهو حرام»
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أنه أخبره أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - خرج عليهم فقال إني وجدت من فلان ريح شراب الطلاء وأنا سائل عما شرب فإن كان يسكر جلدته فجلده عمر الحد تاما.
(قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه أن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - قال: لا أوتى بأحد شرب خمرا نبيذا أو مسكرا إلا حددته.
(قال الشافعي): قال بعض الناس الخمر حرام والسكر من كل الشراب ولا يحرم المسكر حتى يسكر منه ولا يحد من شرب نبيذا مسكرا حتى يسكره. فقيل لبعض من قال هذا القول: كيف خالفت ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وثبت عن عمر وروي عن علي ولم يقل أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلافه؟ قال روينا فيه عن عمر أنه شرب فضل شراب رجل حده. قلنا رويتموه عن رجل مجهول عندكم لا تكون روايته حجة قال: وكيف يعرف المسكر؟ قلنا لا نحد أحدا أبدا لم يسكر حتى يقول شربت الخمر أو يشهد به عليه أو يقول شربت ما يسكر أو يشرب من إناء هو ونفر فيسكر بعضهم فيدل ذلك على أن الشراب مسكر فأما إذا غاب معناه فلا يضرب فيه حدا ولا تعزيرا؛ لأنه إما الحد وإما أن يكون مباحا وإما أن يكون مغيب المعنى ومغيب المعنى لا يحد فيه أحد ولا يعاقب إنما يعاقب الناس على اليقين وفيه كتاب كبير وسمعت الشافعي يقول ما أسكر كثيره فقليله حرام.
(قال الشافعي): يقال لم قال إذا شرب تسعة فلم يسكر ثم شرب العاشر فسكر فالعاشر هو حرام فقيل له: أرأيت لو شرب عشرة فلم يسكر؟ فإن قال حلال قيل له فإن خرج فأصابته الريح فسكر فإن قال: حرام قيل أفرأيت شيئا يشربه رجل حلالا ثم صار في بطنه حلالا فلما أصابته الريح قلبته فصيرته حراما. .
باب ضرب النساء
(قال الشافعي): - رحمه الله -: أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لا تضربوا إماء الله قال فأتاه عمر فقال يا رسول الله ذئر النساء على أزواجهن فأذن في ضربهن فأطاف بآل محمد - صلى الله عليه وسلم - نساء كثير كلهن يشكون أزواجهن فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقد أطاف الليلة بآل محمد سبعون امرأة يشكون أزواجهن ولا تجدون أولئك خياركم»
(قال الشافعي): وقد أذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بضرب النساء إذا ذئرن على أزواجهن وبلغنا «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذن بضربهن ضربا غير مبرح وقال اتقوا الوجه»
(قال الشافعي): وقد أذن الله عز وجل بضربهن إذا خيف نشوزهن فقال {واللاتي تخافون نشوزهن} إلى {سبيلا} (قال): ولو ترك الضرب كان أحب إلي لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «لن يضرب خياركم» وإذا أذن الله عز وجل ثم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ضرب الحرائر فكيف عاب رجل أن يقيم سيد الأمة على أمته حد الزنا وقد جاءت به السنة وفعله أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعده. .
السوط الذي يضرب به
(قال الشافعي) - رحمه الله -: أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم «أن رجلا اعترف على نفسه بالزنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعا له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسوط فأتي بسوط مكسور قال فوق هذا فأتي بسوط جديد لم تقطع ثمرته فقال بين هذين فأتي بسوط قد ركب به ولان فأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلد ثم قال أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن محارم الله فمن أصاب منكم من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله»
(قال الشافعي) هذا حديث منقطع ليس مما يثبت به هو نفسه حجة وقد رأيت من أهل العلم عندنا من يعرفه ويقول به فنحن نقول به (قال الشافعي): ولم يبلغ في جلد الحد أن ينهر الدم في شيء من الحدود ولا العقوبات وذلك أن إنهار الدم في الضرب من أسباب التلف وليس يراد بالحد التلف إنما يراد به النكال أو الكفارة. .
باب الوقت في العقوبة والعفو عنها
(قال الشافعي): - رحمه الله -: أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «تجافوا لذوي الهيئات عن عثراتهم»
(قال الشافعي): سمعت من أهل العلم من يعرف هذا الحديث ويقول «يجافى الرجل ذي الهيئة عن عثرته ما لم يكن حدا» (قال): وذوو الهيئات الذين يقالون عثراتهم الذين لا يعرفون بالشر فيزل أحدهم الزلة
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن أبي الرجال عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن الله المختفي والمختفية» (قال الربيع) يعني النباش والنباشة
(قال الشافعي) وقد رويت أحاديث مرسلة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في العقوبات وتوقيتها تركناها لانقطاعها. .
صفة النفي
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي): النفي ثلاثة وجوه: منها نفي نصا بكتاب الله عز وجل وهو قول الله عز وجل في المحاربين {أو ينفوا من الأرض} وذلك النفي أن يطلبوا فيمتنعوا فمتى قدر عليهم أقيم عليهم حد الله تبارك وتعالى إلا أن يتوبوا قبل أن يقدر عليهم فيسقط عنهم حق الله وتثبت عليهم حقوق الآدميين والنفي في السنة وجهان: أحدهما ثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو نفي البكر الزاني يجلد مائة وينفى سنة وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «لأقضين بينكما بكتاب الله عز وجل» ثم قضى بالنفي والجلد على البكر والنفي الثاني أنه يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا أنه نفى مخنثين كانا بالمدينة يقال لأحدهما هيت وللآخر ماتع ويحفظ في أحدهما أنه نفاه إلى
الحمى وأنه كان في ذلك المنزل حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وحياة أبي بكر وحياة عمر وأنه شكا الضيق فأذن له بعض الأئمة أن يدخل المدينة في الجمعة يوما يتسوق ثم ينصرف وقد رأيت أصحابنا يعرفون هذا ويقولون به حتى لا أحفظ عن أحد منهم أنه خالف فيه وإن كان لا يثبت كثبوت نفي الزنا.
(قال الشافعي): في الرجل إذا طلق امرأته وله منها ولد فالمرأة أحق بالولد حتى يبلغ سبع سنين أو ثمان سنين فإذا بلغ خير أيهما شاء وعلى الأب نفقته ما أقام عند أمه فإن نكحت المرأة فالجدة مكان الأم وإن كان للجدة زوج فهي بمنزلة الأم إذا تزوجت لا يقضى لها بالولد قال الربيع إن كان زوج الجدة جد الغلام كان أحق بالغلام وإن كان غير جده لم يكن أحق به.
(قال): وحديث مالك أن عمر أو عثمان قضى أحدهما في أمة غرت من نفسها
(قال الشافعي): وإذا غرت المرأة رجلا بنفسها ثم استحقت كانت لمالكها وكان على الزوج المهر بالإصابة ملكا للمالك وكان أولاده أحرارا وعليه قيمتهم يوم ولدوا لا يوم يؤخذون؛ لأنهم لم يقع عليهم الرق.
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة «أن سعد بن عبادة قال يا رسول الله أرأيت إن وجدت رجلا مع امرأتي أمهله حتى آتي عليه بأربعة شهداء؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعم» (قال الشافعي): فمن قتل ممن لم تقم بينة بما يوجب قتله فعليه القود ولو صدق الناس بهذا أدخل الرجل الرجل منزله فقتله ثم قال وجدته يزني بامرأتي (قال): وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «لا يحل دم مسلم إلا من إحدى ثلاث كفر بعد إيمان» وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «من بدل دينه فاقتلوه» ولا يعدو الكافر بعد إيمان المبدل دينه بالكفر أن تكون كلمة الكفر والتبديل توجب عليه القتل وإن تاب كما يوجب عليه القتل من الزنا وإن تاب أو يكون معناهما من بدل دينه أو كفر بعد إيمان فأقام على الكفر والتبديل ولا فرق بين من بدل دينه فأظهر دينا معروفا أو دينا غير معروف فإن قال قائل: هو إذا رجع عن النصرانية فإن تاب قبلت توبته ترك الصليب والكنيسة فقد يقدر على المقام على النصرانية مستخفيا ولا يعلم صحة رجوعه إلى الله عز وجل فسواء رجع إلى دين يظهره أو دين لا يظهره وقد كان المنافقون مقيمين على إظهار الإيمان والاستسرار بالكفر فأخبر الله عز وجل رسوله - صلى الله عليه وسلم - ذلك عنهم فتولى حسابهم على سرائرهم ولم يجعل الله عز وجل إلى العباد أن يحكموا إلا على الظاهر وأقرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - على المناكحة والموارثة وأسهم لهم سهمان المسلمين إذا حضروا الحرب. .
حد السرقة والقاطع فيها وحد قاطع الطريق وحد الزاني
حد السرقة أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال قال الله تبارك وتعالى {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم} (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة والعمري عن ابن شهاب عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «القطع في ربع دينار فصاعدا» (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطع سارقا في مجن قيمته ثلاثة دراهم»
(قال الشافعي): فدلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -على من أراد الله قطعه من السراق البالغين غير المغلوبين وهذا مكتوب في باب غير هذا ودلت على من أراد قطعه فكان من بلغت سرقته ربع دينار فصاعدا وحديث ابن عمر موافق لحديث عائشة؛ لأن ثلاثة دراهم في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعده ربع دينار (قال الشافعي): أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبيه عن عمرة بنت عبد الرحمن أن سارقا سرق أترجة في عهد عثمان بن عفان - رضي الله عنه - فأمر بها عثمان فقومت بثلاثة دراهم من صرف اثني عشر درهما بدينار فقطع يده قال مالك هي الأترجة التي يأكلها الناس (قال الشافعي): فحديث عثمان يدل على ما وصفت من أن الدراهم كانت اثنا عشر بدينار، وكذلك أقام عمر الدية اثني عشر ألف درهم ويدل حديث عثمان على أن القطع في الثمر الرطب صلح بيبس أو لم يصلح؛ لأن الأترج لا ييبس فكل ما له ثمن هكذا يقطع فيه إذا بلغ قيمته ربع دينار مصحفا كان أو سيفا أو غيره مما يحل ثمنه فإن سرق خمرا أو خنزيرا لم يقطع؛ لأن هذا حرام الثمن ولا يقطع في ثمن الطنبور ولا المزمار (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن حميد الطويل أنه سمع قتادة يسأل أنس بن مالك عن القطع فقال أنس حضرت أبا بكر الصديق قطع سارقا في شيء ما يسرني أنه لي بثلاثة دراهم.
(قال الشافعي) أخبرنا غير واحد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال القطع في ربع دينار فصاعدا.
(قال الشافعي): فبهذا كله نأخذ فإذا أخذ سارق قومت سرقته في اليوم الذي سرقها فيه فإن بلغت قيمتها ربع دينار قطع وإن نقصت عن ربع دينار لم يقطع ولو حبس لتثبت البينة عليه وكانت يوم سرقها لا تسوى ربع دينار فلم تصح البينة حتى صارت تسوى ربعا لم يقطع ولو قومت يوم سرقها بربع دينار فحبس لتصح عليه البينة فرخصت حتى صارت لا تسوى ربع دينار قطع؛ لأن القيمة يوم سرق ولا يلتفت إلى ما بعد سرقته من غلاء السلعة ورخصها وما سرق من طعام رطب أو يابس أو خشب أو غيره مما يحوزه الناس في ملكهم يسوى ربع دينار قطع والأصل ربع دينار فلو غلت الدراهم حتى يكون درهمان بدينار قطع في ربع دينار وإن كان ذلك نصف درهم ولو رخصت حتى يصير الدينار بمائة درهم قطع في ربع دينار وذلك خمسة وعشرون درهما وإنما الدراهم سلعة كالثياب والنعم وغيرها فلو سرق ربع دينار أو ما يسوى ربع دينار أو ما يسوى عشر شياه كان يقطع في الربع وقيمته عشر شياه وكذلك لو سرق ما يسوى ربع دينار وذلك ربع شاة كان إنما يقطع في ربع الدينار وإذا كان الأصل الدينار فالدراهم عرض من العروض لا ينظر إلى رخصها ولا إلى غلائها والدينار الذي يقطع في ربعه المثقال فلو كان يجوز ببلد أنقص منه لم يقطع حتى يكون سرق ما يسوى ربع دينار مثقالا؛ لأنه الوزن الذي كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يقطع حتى يكون سرق من حرز ويكون بالغا يعقل. .
باب السن التي إذا بلغها الرجل والمرأة أقيمت عليهما الحدود
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -: أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الله بن عمر بن حفص عن نافع عن «ابن عمر قال عرضت على النبي - صلى الله عليه وسلم - عام أحد وأنا ابن أربع عشرة فردني وعرضت عليه عام الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني» قال نافع فحدثت به عمر بن عبد العزيز فقال عمر هذا فرق بين الذرية والمقاتلة ثم كتب إلى عماله أن يفرضوا لابن خمس عشرة في المقاتلة

ولابن أربع عشرة في الذرية (قال الشافعي): فبكتاب الله عز وجل ثم بهذا القول نأخذ قال الله عز وجل {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا} الآية فمن بلغ النكاح من الرجال وذلك الاحتلام والحيض من النساء خرج من الذرية وأقيم عليه الحدود كلها، ومن أبطأ ذلك عنه واستكمل خمس عشرة سنة أقيمت عليه الحدود كلها، السرقة وغيرها. .
باب ما يكون حرزا ولا يكون والرجل توهب له السرقة بعدما يسرقها أو يملكها بوجه من الوجوه
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى - أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن صفوان بن عبد الله «أن صفوان بن أمية قيل له من لم يهاجر هلك فقدم صفوان المدينة فنام في المسجد وتوسد رداءه فجاء سارق وأخذ رداءه من تحت رأسه فأخذ صفوان السارق فجاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تقطع يده فقال صفوان إني لم أرد هذا هو عليه صدقة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هلا قبل أن تأتيني به؟» وأخبرنا سفيان عن عمرو عن طاوس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى عن عمه واسع بن حبان أن رافع بن خديج أخبره أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «لا تقطع اليد في ثمر ولا كثر» أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان عن رافع بن خديج عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن أبي حسين عن عمرو بن شعيب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «لا قطع في ثمر معلق فإذا آواه الجرين ففيه القطع» (قال الشافعي): فانظر أبدا إلى الحال التي يسرق فيها السارق فإذا سرق السرقة ففرق بينها وبين حرزها فقد وجب الحد عليه حينئذ فإن وهبت السرقة للسارق قبل القطع أو ملكها بوجه من وجوه الملك قطع؛ لأني إنما أنظر إلى الحال التي سرق فيها، والحال التي سرق فيها هو غير مالك للسلعة وأنظر إلى المسروق فإن كان في الموضع الذي سرق فيه تنسبه العامة إلى أنه في مثل ذلك الموضع محرز فأقطع فيه وإن كانت العامة لا تنسبه إلى أنه في مثل ذلك الموضع محرز فلا يقطع فيه
(قال الشافعي): فرداء صفوان كان محرزا باضطجاعه عليه فمثله كل من كان في موضع مباح فاضطجع على ثوبه فاضطجاعه حرز له كان في صحراء أو حمام أو غيره؛ لأنه هكذا يحرز في ذلك الموضع وانظر إلى متاع السوق فإذا ضم بعضه إلى بعض في موضع بياعاته وربط بحبل أو جعل الطعام في خيش وخيط عليه فسرق أي هذا أحرز به فأقطع فيه؛ لأن الناس مع شحهم على أموالهم هكذا يحرزونه وأي إبل الرجل كانت تسير وهو يقودها فقطر بعضها إلى بعض فسرق منها أو مما عليها شيئا قطع فيه، وكذلك إن جمعها في صحراء أو أناخها وكانت بحيث ينظر إليها قطع فيها، وكذلك الغنم إذا آواها إلى المراح فضم بعضها إلى بعض واضطجع حيث ينظر إليها فسرق منها شيء قطع فيه؛ لأنه هكذا إحرازها، وكذلك لو نزل في صحراء فضرب فسطاطا وآوى فيه متاعه واضطجع فيه فإن سرق الفسطاط والمتاع من جوف الفسطاط فأقطع فيه؛ لأن اضطجاعه فيه حرز للمتاع والفسطاط إلا أن الأحراز تختلف فيحرز بكل ما يكون العامة تحرز بمثله والحوائط ليست بحرز للنخل ولا للثمرة؛ لأن أكثرها مباح يدخل من جوانبه فمن سرق من حائط شيئا من ثمر معلق لم يقطع فإذا آواه الجرين قطع فيه وذلك أن الذي تعرفه العامة عندنا أن الجرين حرز وأن الحائط غير حرز فلو اضطجع مضطجع في صحراء وضع ثوبه بين يديه أو ترك أهل الأسواق متاعهم في مقاعد ليس عليها حرز ولم يضم بعضها إلى بعض ولم تربط أو ألقى أهل الأسواق ما يجعل مثلها في السوق بسبب كالحباس الكبار ولم يضموها ولم يحزموها أو أرسل رجل إبله ترعى أو تمضي على الطريق ليست مقطورة أو أناخها بصحراء ولم يضطجع عندها أو ضرب فسطاطا لم يضطجع فيه فسرق من هذا شيء لم يقطع؛ لأن العامة لا ترى هذا حرزا

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 357.09 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 351.19 كيلو بايت... تم توفير 5.90 كيلو بايت...بمعدل (1.65%)]