أعمال القلوب الطاعات والذنوب

[ابوالوليد المسلم]

أعمال القلوب الطاعات والذنوب

• طاعات القلوب منها ما هو ركن ومنها ما هو واجب ومنها ما هو مستحب فالأركان هي المحبة والخوف والرجاء والواجبات مثل الإخلاص والتوكل والإنابة والمستحب مثل الرضا بقضاء الله وقدره والخشوع في الصلاة

بين أيدينا كتاب جديد من تراث المكتبة السلفية، وهو في الأصل مقالات نشرت في مجلة الفرقان، وقام مؤلفه الشيخ: د. أمير علي الحداد بجمع تلك المقالات في كتاب أسماه: (أعمال القلوب الطاعات والذنوب)، ويقع الكتاب في 326 صفحة، وكتب المؤلف عن الكتاب فقال: «موضوعه: أعمال القلوب، الطاعات والذنوب، وأن طاعة القلوب أعظم وأحب إلى الله من طاعات الجوارح، كما أن ذنوب القلوب أشد وأبغض إلى الله من ذنوب الجوارح، وأن من أراد النجاة والفوز بالجنة فليتعهد قلبه كما يريد ربنا ويرضى؛ فإن القلب هو محل نظر الرب».

المقدمة

سلط د. الحداد الضوء في المقدمة على أهمية موضوع الكتاب، والمقصود منه والأسلوب المتبع فيه؛ حيث ذكر أن كثيرا من الناس يجتهد في الطاعات والعبادات ويسعى لكسب الحسنات ورفع الدرجات؛ فلا يضيع فرضا ولا يتهاون في سنة ولا يقصر في حسن خلق، وأن هذه بلا شك هي السبيل لنيل رضا الله إن كانت وفق هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى منهجه وأنه - صلى الله عليه وسلم - كان من هديه الحرص على إصلاح القلوب والإرشاد إلى أعمالها لتقويمها؛ فهو القائل: «ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب». ثم بين أن طاعات القلوب منها ما هو ركن، ومنها ما هو واجب ومنها ما هو مستحب؛ فالأركان هي المحبة والخوف والرجاء، والواجبات مثل الإخلاص والتوكل والإنابة، والمستحب مثل بعض أنواع الرضا بقضاء الله وقدره من الألم والمرض والخشوع في الصلاة. أما عن أسلوبه الذي اتبعه في الكتاب فقال عنه: «في هذه الورقات التي بين يديك اجتهدت أن أجمع ما تيسر من أعمال القلوب، الطاعات والذنوب، بأسلوب حواري سهل ميسر ليقرب للناس هذه القواعد الأساسية من عقيدة المسلم، ذلك لينتبه المرء إلى قلبه، ويراقب أعماله القلبية ليقوّمها أكثر مما يُقوّم أعمال جوارحه لينجو يوم القيامة.

فصول الكتاب

تناول المؤلف في فصول الكتاب عددا من أعمال القلوب وطاعاتها في عدد من العناوين، ومن تلك العناوين ما يلي:

التوحيد

بين د. الحداد في هذا الموضوع: أن لله على العبد عبوديتين: عبودية باطنة وعبودية ظاهرة؛ فقيامه بالعبودية الظاهرة مع تعريه عن العبودية الباطنة لا يقربه إلى الله، ولا يوجب له الثواب؛ فإن المقصود امتحان القلوب وابتلاء السرائر. لا شك أن التوحيد الذي هو إفراد الله -تعالى- بما اختص به من الألوهية والربوبية والأسماء والصفات، أعظم أعمال القلوب، من مات عليه نجا من الخلود في النار ومن نقضه حرم من دخول الجنة، فهو نفي وإثبات في الحديث «من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه وحسابه على الله»، فلا يكفي أن يقول العبد لا إله إلا الله، بل يجب أن يكفر بما يعبد من دون الله من قبور وأضرحة ومزارات وقبب ومشاهد يعظمها بعض الناس ويتقربون إليها بالنذور والذبائح والتمسح وغيرها وهذه تنفي تلك.

تعظيم الله -عز وجل

«أعرف الناس بالله أشدهم له تعظيما وإجلالا» (مدارج السالكين)، إن تعظيم الله عمل قلبي، ينبغي على العبد أن يستحضره دائما، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «فمن اعتقد الوحدانية في الألوهية لله -سبحانه وتعالى- والرسالة لعبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ثم لم يُتبع هذه الاعتقاد موجبه من الإجلال والإكرام الذي هو حال في القلب يظهر على الجوارح، كان وجود ذلك الاعتقاد كعدمه»

الأنس بالله

من كان قريبا من الله أنس به، فيحتاج المرء بين فترة وأخرى أن يختلي بنفسه ليعبد الله، فيذهب إلى العمرة منفردا ويأنس بالقرب إلى الله، نعم هذا العمل من أعمال القلوب يبلغه العبد بعد منازل أخرى من الثقة والطمأنينة، والتوكل، والتفويض، فيستحضر العبد لطف الله، وإحسانه، مع تقصيره في حق ربه، فيتضرع ويناجي، ويلقي أثقال الدنيا، ويفرغ قلبه من هموم الحياة، ويملؤه بذكر الله، والخوف من الله، وحب الله، والرغبة بما عند الله، والزهد في الدنيا، فينال من الأنس والأمان والطمأنينة ما لا يتحصله بأموال الدنيا كلها.

الورع

الورع أمر جميل في دين الله، وكما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة: «كن ورعا تكن أعبد الناس، وكن قنعا تكن أشكر الناس، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنا، وأحسن مجاورة من جاورك تكن مسلما، وأقل الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب»، والورع ثلاث مراتب، ورع واجب: وهو الابتعاد عن المحرمات، وورع مندوب: وهو البعد عن الشهوات، وورع فضيلة: وهو الكف عن كثير من المباحات خشية الوقوع في الممنوعات، كما في حديث الحسن بن علي - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:»دع ما يريبك إلى ما لا يريبك».

الخشوع

وفي هذا الفصل تحدث المؤلف عن أن الخشوع عمل قلبي، يجتهد الإنسان في تحصيله، ويزيد وينقص، وربما يغيب أحيانا، ففي الحديث عن أبي ربعي حنظلة بن الربيع الأسيدي أحد كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:»لقيني أبوبكر - رضي الله عنه - فقال كيف أنت يا حنظلة؟ قلت: نافق حنظلة يا أبابكر، نكون عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي عين، فإذا رجعنا إلى الأزواج والضيعة نسينا كثيرا، قال فوالله إنا لكذلك، انطلق بنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانطلقنا، فلما رآه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مالك يا حنظلة؟ قال نافق حنظلة يا رسول الله، قال: وما ذاك؟ قلت نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي عين، فإذا رجعنا عافسنا الأزواج والضيعة ونسينا كثيرا: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لو تدومون على الحال التي تقومون بها من عندي، لصافحتكم الملائكة في مجالسكم وفي طرقكم، وعلى فرشكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة، ثلاث مرات»، فالمسلم تتقلب حاله، من زيادة الإيمان والخشوع والتقوى وتنقص، ولكن لا يترك صلاة الجماعة يزعم أنه لا يخشع فيها.

ذنوب القلوب

ثم شرع المؤلف في تناول العديد من الأمور التي عدها من ذنوب القلوب ومنها:-

النفاق

وبين المؤلف في هذا الفصل أن النفاق عمل قلبي بالدرجة الأولى وذنب عظيم، وأن من يمت منافقا فهو في الدرك الأسفل من النار، كما قال الله -تعالى-: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} والقرآن ذكر كثيرا من صفات المنافقين الظاهرة والباطنة، وجاءت هذه الآيات في صدر سورة البقرة وآل عمران والنساء والأنفال والأحزاب ومحمد والفتح والحديد والمجادلة والحشر والمنافقون والتوبة.

الرياء

بين د. الحداد في هذا العنوان أن أكبر هم للعبد الصادق مع الله، هو أن يرى ثواب عمله يوم القيامة حسنات وأجرا يدخله الجنة، ولعل أعظم ما يحبط العمل (الرياء) الشرك الخفي، كما أوضح د. الحداد أيضا أن الرياء غالبا يقع في أثناء العمل، وربما يبدأ العبد العبادة يريد وجه الله فيدخل قلبه الرياء، فيعمل لأجل من يرى أو يسمع فيحبط عمله، ففي صحيح مسلم عن جندب بن عبدالله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من سمَّع سمع الله به، ومن راءى راءى الله به».

الأمن من مكر الله

وقد أكد المؤلف في هذا الفصل أن المؤمن في الدنيا يكون على وجل من أن يبتلى ويفتن؛ فيسأل الله الثبات على الدين، كما في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك»، وكذلك لا يقنط من رحمة الله، بل يسأل الله الثبات على الدين، ويعلم أن ما فيه من خير وصلاح وهدى إنما هو من فضل الله، وهكذا دعاء المؤمنين: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ}.

قسوة القلب

ثم تحدث المؤلف في هذا الفصل عن القلب القاسي وأنه يمنع صاحبه من كل خير، فلا ينتفع بموعظة ولا يتذكر الآخرة، ولا يتورع عن معصية، حتى مع أولى الناس ببره ووالديه؛ لذا وجب على العبد أن يراقب قلبه فإذا بدأت فيه علامات القسوة عالجها فور حدوثها، كما ذكر أن من ضمن علامات قسوة القلب الغفلة عن الطاعات والآخرة والموت والانغماس في الشهوات والملذات، كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ اللهَ يبغضُ كلَّ جَعْظَرِيٍّ جَوَّاظٍ، صَخَّابٍ في الأسْواقِ، جِيفةٍ بالليلِ، حمارٍ بالنهارِ، عالمٍ بأمرِ الدُّنيا، جاهلٍ بأمرِ الآخرةِ».

التعريف بالمؤلف

هو أمير علي حسين الحداد، درجة البكالوريوس 1977 معهد (ستيفنز) للتكنولوجيا الولايات المتحدة الأمريكية، وحصل على درجة الماجستير 1980 معهد جورجيا للتكنولوجيا الولايات المتحدة الأمريكية، كما حصل على درجة الدكتوراه 1983 جامعة الولاية (كليفلاند - اوهايو) الولايات المتحدة الأمريكية، وتقلد مناصب عدة، كان أهمها: عميد مساعد للشؤون الإدارة - كلية الهندسة، مستشارا لوزارة الدفاع - الكويت، عضوا في لجنة تقييم أقنعة الدفاع الكيماوي - وزارة الدفاع، كما عمل مدرسا بجامعة الكويت، إلى الآن؛ حيث حصل على درجة بروفيسور، وله العديد من الإصدارات والمؤلفات المهنية والشرعية.


اعداد: الفرقان