ومن شر حاسد إذا حسد - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         زيادة ركعة بعد كل فرض بسبب الوسواس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          التلفظ بالنية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          دخل ووجد الإمام راكعا هل يلزمه تكبيرة أم تكبيرتان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          20 قاعدة لحقوق وواجبات العمل في الاقتصاد الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          رمضان ووحدة الأمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          كبســولات نفسيــــة خفيفـــة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 57 - عددالزوار : 4397 )           »          واجب الأمة نحو تعليم القرآن والمشتغلين بحفظه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          السلفية بين تهمة التشدد وواقع الغربة (معالم الوسطية بين النص الشرعي ونزعات الهوى ..) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          حق اللجوء في الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصور والغرائب والقصص > ملتقى القصة والعبرة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القصة والعبرة قصص واقعية هادفة ومؤثرة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 17-05-2023, 01:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,560
الدولة : Egypt
افتراضي ومن شر حاسد إذا حسد

ومن شر حاسد إذا حسد

الحمد لله والصلاة والسلام على نبيه ومصطفاه محمد بن عبد الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
اعْلَمْ أَنَّ الْحَسَدَ خُلُقٌ ذَمِيمٌ مَعَ إضْرَارِهِ بِالْبَدَنِ وَفَسَادِهِ لِلدَّيْنِ، حَتَّى لَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ شَرِّهِ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إذَا حَسَدَ} } [الفلق: 5]
وَنَاهِيكَ بِحَالِ ذَلِكَ شَرًّا. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «دَبَّ إلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ الْبَغْضَاءُ وَالْحَسَدُ هِيَ الْحَالِقَةُ حَالِقَةُ الدِّينِ لَا حَالِقَة الشَّعْرِ وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَمْرٍ إذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ اُفْشُوَا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ».
فَأَخْبَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَالِ الْحَسَدِ وَأَنَّ التَّحَابُبَ يَنْفِيهِ وَأَنَّ السَّلَامَ يَبْعَثُ عَلَى التَّحَابُبِ، فَصَارَ السَّلَامُ إذًا نَافِيًا لِلْحَسَدِ. وَقَدْ جَاءَ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا يُوَافِقُ هَذَا الْقَوْلَ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ادْفَعْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَك وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34]، قَالَ مُجَاهِدٌ: مَعْنَاهُ ادْفَعْ بِالسَّلَامِ إسَاءَةَ الْمُسِيءِ.


وَقَالَ الشَّاعِرُ:
قَدْ يَلْبَثُ النَّاسُ حِينًا لَيْسَ بَيْنُهُمْ ... وُدٌّ فَيَزْرَعُهُ التَّسْلِيمُ وَاللُّطْفُ


وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: الْحَسَدُ أَوَّلُ ذَنْبٍ عُصِيَ اللَّهُ بِهِ فِي السَّمَاءِ، يَعْنِي حَسَدَ إبْلِيسَ لِآدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَوَّلُ ذَنْبٍ عُصِيَ اللَّهُ بِهِ فِي الْأَرْضِ، يَعْنِي حَسَدَ ابْنِ آدَمَ لِأَخِيهِ حَتَّى قَتَلَهُ.
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ رَضِيَ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَسْخَطْهُ أَحَدٌ، وَمَنْ قَنعَ بِعَطَائِهِ لَمْ يَدْخُلْهُ حَسَدٌ. وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: النَّاسُ حَاسِدٌ وَمَحْسُودٌ، وَلِكُلِّ نِعْمَةٍ حَسُودٌ.

وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَمِّ الْحَسَدِ إلَّا أَنَّهُ خُلُقٌ دَنِيءٌ يَتَوَجَّهُ نَحْوَ الْأَكْفَاءِ وَالْأَقَارِبِ، وَيَخْتَصُّ بِالْمُخَالِطِ وَالْمُصَاحِبِ، لَكَانَتْ النَّزَاهَةُ عَنْهُ كَرَمًا، وَالسَّلَامَةُ مِنْهُ مَغْنَمًا. فَكَيْفَ وَهُوَ بِالنَّفْسِ مُضِرٌّ، وَعَلَى الْهَمِّ مُصِرٌّ، حَتَّى رُبَّمَا أَفْضَى بِصَاحِبِهِ إلَى التَّلَفِ مِنْ غَيْرِ نِكَايَةٍ فِي عَدُوٍّ وَلَا إضْرَارٍ بِمَحْسُودِ.


وَقَدْ قَالَ مُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَيْسَ فِي خِصَالِ الشَّرِّ أَعْدَلُ مِنْ الْحَسَدِ، يَقْتُلُ الْحَاسِدَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْمَحْسُودِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: يَكْفِيك مِنْ الْحَاسِدِ أَنَّهُ يَغْتَمُّ فِي وَقْتِ سُرُورِك. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: قُلْتُ لِأَعْرَابِيٍّ: مَا أَطْوَلَ عُمُرَك، قَالَ: تَرَكْتُ الْحَسَدَ فَبَقِيتُ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَزِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -:
اصْبِرْ عَلَى كَيْدِ الْحَسْوِ ** دِ فَإِنَّ صَبْرَكَ قَاتِلُـهُ
فَالنَّارُ تَأْكُلُ بَعْضَهَــــــا ** إنْ لَمْ تَجِدْ مَا تَأْكُلُهُ


الفرق بين الحسد والمنافسة:
وَحَقِيقَةُ الْحَسَدِ شِدَّةُ الْأَسَى عَلَى الْخَيْرَاتِ تَكُونُ لِلنَّاسِ الْأَفَاضِلِ وَهُوَ غَيْرُ الْمُنَافَسَةِ، وَرُبَّمَا غَلِطَ قَوْمٌ فَظَنُّوا أَنَّ الْمُنَافَسَةَ فِي الْخَيْرِ هِيَ الْحَسَدُ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا ظَنُّوا؛ لِأَنَّ الْمُنَافَسَةَ طَلَبُ التَّشَبُّهِ بِالْأَفَاضِلِ مِنْ غَيْرِ إدْخَالِ ضَرَرٍ عَلَيْهِمْ.


وَالْحَسَدُ مَصْرُوفٌ إلَى الضَّرَرِ؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ يَعْدمَ الْأَفَاضِلُ فَضْلَهُمْ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ الْفَضْلُ لَهُ، فَهَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُنَافَسَةِ وَالْحَسَدِ. فَالْمُنَافَسَةُ إذًا فَضِيلَةٌ؛ لِأَنَّهَا دَاعِيَةٌ إلَى اكْتِسَابِ الْفَضَائِلِ وَالِاقْتِدَاءِ بِأَخْيَارِ الْأَفَاضِلِ.
وَقَالَ الشَّاعِرُ:
نَافِسْ عَلَى الْخَيْرَاتِ أَهْلَ الْعُلَا ** فَإِنَّمَا الدُّنْيَا أَحَادِيــــثُ
كُلُّ امْرِئٍ فِي شَأْنِهِ كَـــــــــادِحٌ ** فَوَارِثٌ مِنْهُمْ وَمَوْرُوثُ


وَاعْلَمْ أَنَّ دَوَاعِيَ الْحَسَدِ ثَلَاثَةٌ:
أَحَدُهُمَا: بُغْضُ الْمَحْسُودِ فَيَأْسَى عَلَيْهِ بِفَضِيلَةٍ تَظْهَرُ، أَوْ مَنْقَبَةٍ تُشْكَرُ، فَيُثِيرُ حَسَدًا قَدْ خَامَرَ بُغْضًا. وَهَذَا النَّوْعُ لَا يَكُونُ عَامًّا وَإِنْ كَانَ أَضَرَّهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ يُبْغِضُ كُلَّ النَّاسِ.


وَالثَّانِي: أَنْ يَظْهَرَ مِنْ الْمَحْسُودِ فَضْلٌ يَعْجِزُ عَنْهُ فَيَكْرَهُ تَقَدُّمَهُ فِيهِ وَاخْتِصَاصَهُ بِهِ، فَيُثِيرُ ذَلِكَ حَسَدًا لَوْلَاهُ لَكَفَّ عَنْهُ. وَهَذَا أَوْسَطُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْسُدُ الْأَكْفَاءُ مَنْ دَنَا، وَإِنَّمَا يَخْتَصُّ بِحَسَدِ مِنْ عَلَا. وَقَدْ يَمْتَزِجُ بِهَذَا النَّوْعِ ضَرْبٌ مِنْ الْمُنَافَسَةِ وَلَكِنَّهَا مَعَ عَجْزٍ فَلِذَلِكَ صَارَتْ حَسَدًا.


وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ فِي الْحَاسِدِ شُحٌّ بِالْفَضَائِلِ، وَبُخْلٌ بِالنِّعَمِ وَلَيْسَتْ إلَيْهِ فَيَمْنَعُ مِنْهَا، وَلَا بِيَدِهِ فَيَدْفَعُ عَنْهَا؛ لِأَنَّهَا مَوَاهِبُ قَدْ مَنَحَهَا اللَّهُ مَنْ شَاءَ فَيَسْخَطُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَضَائِهِ، وَيَحْسُدُ عَلَى مَا مَنَحَ مِنْ عَطَائِهِ، وَإِنْ كَانَتْ نِعَمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَهُ أَكْثَرَ، وَمِنَحُهُ عَلَيْهِ أَظْهَرَ.


وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الْحَسَدِ أَعَمَّهَا وَأَخْبَثُهَا إذْ لَيْسَ لِصَاحِبِهِ رَاحَةٌ، وَلَا لِرِضَاهُ غَايَةٌ، فَإِنْ اقْتَرَنَ بِشَرٍّ وَقُدْرَةٍ كَانَ بُورًا وَانْتِقَامًا، وَإِنْ صَادَفَ عَجْزًا وَمَهَانَةً كَانَ كَمَدًا وَسَقَامًا.


وَقَدْ قَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ: الْحَسُودُ مِنْ الْهَمِّ كَسَاقِي السُّمِّ، فَإِنْ سَرَى سُمُّهُ زَالَ عَنْهُ غَمُّهُ.

وَاعْلَمْ أَنَّ بِحَسَبِ فَضْلِ الْإِنْسَانِ وَظُهُورِ النِّعْمَةِ عَلَيْهِ يَكُونُ حَسَدُ النَّاسِ لَهُ. فَإِنْ كَثُرَ فَضْلُهُ كَثُرَ حُسَّادُهُ، وَإِنْ قَلَّ قَلُّوا؛ لِأَنَّ ظُهُورَ الْفَضْلِ يُثِيرُ الْحَسَدَ، وَحُدُوثَ النِّعْمَةِ يُضَاعِفُ الْكَمَدَ.


قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَا كَانَتْ نِعْمَةُ اللَّهِ عَلَى أَحَدٍ إلَّا وَجَدَ لَهَا حَاسِدًا، فَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ أَقْوَمَ مِنْ الْقَدْحِ لَمَا عَدِمَ غَامِزًا.
وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ:
إنْ يَحْسُدُونِي فَإِنِّي غَيْرُ لَائِمِهِمْ ** قَبْلِي مِنْ النَّاسِ أَهْلُ الْفَضْلِ قَدْ حُسِدُوا
فَدَامَ لِي وَلَهُمْ مَا بِي وَمَا بِهِــــمْ ** وَمَاتَ أَكْثَرُنَا غَيْظًا بِمَا يَجِـــــــــــــــــــدُ


وَرُبَّمَا كَانَ الْحَسَدُ مُنَبِّهًا عَلَى فَضْلِ الْمَحْسُودِ وَنَقْصِ الْحَسُودِ، كَمَا قَالَ أَبُو تَمَّامٍ الطَّائِيُّ:
وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ نَشْرَ فَضِيلَــــــــةٍ ** طُوِيَتْ أَتَاحَ لَهَا لِسَانَ حَسُـــــودِ
لَوْلَا اشْتِعَالُ النَّارِ فِيمَا جَاوَرَتْ ** مَا كَانَ يُعْرَفُ طِيبُ عَرْفِ الْعُودِ
لَوْلَا التَّخَوُّفُ لِلْعَوَاقِبِ لَمْ يَزَلْ ** لِلْحَاسِدِ النُّعْمَى عَلَى الْمَحْسُـــودِ


علاج الحسد:
فَأَمَّا مَا يَسْتَعْمِلُهُ مَنْ كَانَ غَالِبًا عَلَيْهِ الْحَسَدُ، وَكَانَ طَبْعُهُ إلَيْهِ مَائِلًا لِيَنْفِيَ عَنْهُ وَيُكْفَاهُ وَيَسْلَمُ مِنْ ضَرَرِهِ وَعَدَاوَتِهِ، فَأُمُورٌ هِيَ لَهُ حَسْمٌ إنْ صَادَفَهَا عَزْمٌ.


فَمِنْهَا: اتِّبَاعُ الدِّينِ فِي اجْتِنَابِهِ، وَالرُّجُوعِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي آدَابِهِ، فَيَقْهَرُ نَفْسَهُ عَلَى مَذْمُومِ خُلُقِهَا، وَيَنْقُلُهَا عَنْ لَئِيمِ طَبْعِهَا. وَإِنْ كَانَ نَقْلُ الطِّبَاعِ عَسِرًا لَك بِالرِّيَاضَةِ وَالتَّدْرِيجِ يَسْهُلُ مِنْهَا مَا اُسْتُصْعِبَ، وَيُحَبَّبُ مِنْهَا مَا أَتْعَبَ
وَمِنْهَا: الْعَقْلُ الَّذِي يَسْتَقْبِحُ بِهِ مِنْ نَتَائِجِ الْحَسَدِ مَا لَا يُرْضِيهِ، وَيَسْتَنْكِفُ مِنْ هُجْنَةِ مُسَاوِيهِ، فَيُذَلِّلُ نَفْسَهُ أَنَفَةً، وَيَقْهَرُهَا حَمِيَّةً، فَتُذْعِنُ لِرُشْدِهَا، وَتُجِيبُ إلَى صَلَاحِهَا. وَهَذَا إنَّمَا يَصِحُّ لِذِي النَّفْسِ الْأَبِيَّةِ، وَالْهِمَّةِ الْعَلِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ ذُو الْهِمَّةِ يَجِلُّ عَنْ دَنَاءَةِ الْحَسَدِ.

وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ:
أَبِيٌّ لَهُ نَفْسَانِ نَفْسٌ زَكِيَّةُ ... وَنَفْسٌ إذَا مَا خَافَتْ الظُّلْمَ تُشْمِسُ


وَمِنْهَا: أَنْ يَسْتَدْفِعَ ضَرَرَهُ، وَيَتَوَقَّى أَثَرَهُ، وَيَعْلَمَ أَنَّ مَكَانَتَهُ فِي نَفْسِهِ أَبْلُغُ وَمِنْ الْحَسَدِ أَبْعَدُ، فَيَسْتَعْمِلُ الْحَزْمَ فِي دَفْعِ مَا كَدَّهُ وَأَكْمَدَهُ لِيَكُونَ أَطْيَبَ نَفْسًا وَأَهْنَأَ عَيْشًا. وَقَدْ قِيلَ: الْعَجَبُ لِغَفْلَةِ الْحُسَّادِ عَنْ سَلَامَةِ الْأَجْسَادِ.

وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ:
بَصِيرٌ بِأَعْقَابِ الْأُمُورِ كَأَنَّمَا ... يَرَى بِصَوَابِ الرَّأْيِ مَا هُوَ وَاقِعُ


وَمِنْهَا: مَا يَرَى مِنْ نُفُورِ النَّاسِ عَنْهُ وَبُعْدِهِمْ مِنْهُ فَيَخَافُهُمْ إمَّا عَلَى نَفْسِهِ مِنْ عَدَاوَةٍ، أَوْ عَلَى عِرْضِهِ مِنْ مَلَامَةٍ، فَيَتَأَلَّفُهُمْ بِمُعَالَجَةِ نَفْسِهِ وَيَرَاهُمْ إنْ صَلَحُوا أَجْدَى نَفْعًا وَأَخْلَصُ وُدًّا.
قَالَ الْمُؤَمَّلُ بْنُ أُمَيْلٍ:
لَا تَحْسَبُونِي غَنِيًّا عَنْ مَوَدَّتِكُمْ ... إنِّي إلَيْكُمْ وَإِنْ أَيَسَرْتُ مُفْتَقِرُ


فَإِنْ أَظْفَرَتْهُ السَّعَادَةُ بِأَحَدِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ، وَهَدَتْهُ الْمَرَاشِدُ إلَى اسْتِعْمَالِ الصَّوَابِ، سَلِمَ مِنْ سَقَامِهِ، وَخَلُصَ مِنْ غَرَامِهِ، وَاسْتَبْدَلَ بِالنَّقْصِ فَضْلًا وَاعْتَاضَ مِنْ الذَّمِّ حَمْدًا.

ثمرات الحسد المرة:
وَإِنْ صَدَّتْهُ الشَّهْوَةُ عَنْ مَرَاشِدِهِ، وَأَضَلَّهُ الْحِرْمَانُ عَنْ مَقَاصِدِهِ، فَانْقَادَ لِلطَّبْعِ اللَّئِيمِ، وَغَلَبَ عَلَيْهِ الْخُلُقُ الذَّمِيمِ، حَتَّى ظَهَرَ حَسَدُهُ وَاشْتَدَّ كَمَدُهُ، فَقَدْ بَاءَ بِأَرْبَعِ مَذَامَّ:
إحْدَاهُنَّ:
حَسَرَاتُ الْحَسَدِ وَسَقَامُ الْجَسَدِ، ثُمَّ لَا يَجِدُ لِحَسْرَتِهِ انْتِهَاءً، وَلَا يُؤَمِّلُ لِسَقَامِهِ شِفَاءً. وَقَالَ ابْنُ الْمُعْتَزِّ: الْحَسَدُ دَاءُ الْجَسَدِ.
وَالثَّانِيَةُ: انْخِفَاضُ الْمَنْزِلَةِ وَانْحِطَاطُ الْمَرْتَبَةِ لِانْحِرَافِ النَّاسِ عَنْهُ، وَنُفُورِهِمْ مِنْهُ وَقَدْ قِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: الْحَسُودُ لَا يَسُودُ.
وَالثَّالِثَةُ: مَقْتُ النَّاسِ لَهُ حَتَّى لَا يَجِدَ فِيهِمْ مُحِبًّا، وَعَدَاوَتُهُمْ لَهُ حَتَّى لَا يَرَى فِيهِمْ وَلِيًّا، فَيَصِيرُ بِالْعَدَاوَةِ مَأْثُورًا، وَبِالْمَقْتِ مَزْجُورًا.
وَالرَّابِعَةُ: إسْخَاطُ اللَّهِ تَعَالَى فِي مُعَارَضَتِهِ، وَاجْتِنَاءِ الْأَوْزَارِ فِي مُخَالَفَتِهِ، إذْ لَيْسَ يَرَى قَضَاءَ اللَّهِ عَدْلًا، وَلَا لِنِعَمِهِ مِنْ النَّاسِ أَهْلًا.

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَزِّ: الْحَاسِدُ مُغْتَاظٌ عَلَى مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ، بَخِيلٌ بِمَا لَا يَمْلِكُهُ، طَالِبُ مَا لَا يَجِدُهُ.
وَإِذَا بُلِيَ الْإِنْسَانُ بِمَنْ هَذِهِ حَالُهُ مِنْ حُسَّادِ النِّعَمِ وَأَعْدَاءِ الْفَضْلِ اسْتَعَاذَ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّهِ، وَتَوَقَّى مَصَارِعَ كَيْدِهِ، وَتَحَرَّزَ مِنْ غَوَائِلِ حَسَدِهِ، وَأَبْعَدَ عَنْ مُلَابَسَتِهِ وَإِدْنَائِهِ لِعَضْلِ دَائِهِ، وَإِعْوَازِ دَوَائِهِ. فَقَدْ قِيلَ: حَاسِدُ النِّعْمَةِ لَا يُرْضِيهِ إلَّا زَوَالُهَا. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ ضَرَّ بِطَبْعِهِ فَلَا تَأْنَسْ بِقُرْبِهِ، فَإِنَّ قَلْبَ الْأَعْيَانِ صَعْبُ الْمَرَامِ.
وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ: أَسَدٌ تُقَارِبُهُ خَيْرٌ مِنْ حَسُودٍ تُرَاقِبُهُ.


وَقَالَ مَحْمُودٌ الْوَرَّاقُ:
أَعْطَيْتُ كُلَّ النَّاسِ مِنْ نَفْسِي الرِّضَى ** إلَّا الْحَسُودَ فَإِنَّهُ أَعْيَانِــــــــي
لا أنَّ لِي ذَنْبًا لديه عَلِمْتُـــــــــــــــــــهُ ** إلَّا تَظَاهر نِعْمَة الرَّحْمَـــــــــنِ
وَأَبَى فَمَا يُرْضِيهِ إلَّا ذِلَّتِـــــــــــــــــي ** وَذَهَابُ أَمْوَالِي وَقَطْعُ لِسَانِي

__________________________________________________ _

اسم الكاتب: كتاب أدب الدنيا والدين بتصرف يسير
منقول








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 74.10 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 72.54 كيلو بايت... تم توفير 1.56 كيلو بايت...بمعدل (2.11%)]