فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         المعجزات العلمية في السنة النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          قيام الليل يرفعك إلى درجة القانتين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          حديث: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المُحلل والمُحلل له (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث «كل أمتي يدخلون الجنة» الجزء الأول (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          حديث: إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          تخريج حديث: هذا وضوئي ووضوء المرسلين قبلي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          ثلاث آيات قرآنية تبين بطلان حديث: (اعرضوا الحديث على القرآن فما وافق القرآن فاقبلوه، (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          علم الحديث: رواية ودراية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          أحكام تتعلق بالهدي وبالذبح والنحر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          أفضل الأنساك: التمتع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #40  
قديم 07-05-2024, 04:30 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,229
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ المائدة
المجلد السابع
الحلقة( 270)

من صــ 246 الى صـ 260



بل سيأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه فيتولون المؤمنين دون الكفار ويجاهدون في سبيل الله لا يخافون لومة لائم كما قال في أول الأمر {فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين}. فهؤلاء الذين لم يدخلوا في الإسلام وأولئك الذين خرجوا منه بعد الدخول فيه - لا يضرون الإسلام شيئا. بل يقيم الله من يؤمن بما جاء به رسوله وينصر دينه إلى قيام الساعة. وأهل اليمن هم ممن جاء الله بهم لما ارتد من ارتد إذ ذاك. وليست الآية مختصة بهم ولا في الحديث ما يوجب تخصيصهم. بل قد أخبر الله أنه يأتي بغير أهل اليمن كأبناء فارس لا يختص الوعد بهم. بل قد قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل} {إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير} وهذا أيضا خطاب لكل قرن وقد أخبر فيه أنه من نكل عن الجهاد المأمور به عذبه واستبدل به من يقوم بالجهاد. وهذا هو الواقع.
[فصل البرهان الخامس والعشرون " فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه " والجواب عليه]
فصل
قال الرافضي: " البرهان الخامس والعشرون: قوله تعالى:
{فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} [سورة المائدة: 54] قال الثعلبي: إنما نزلت في علي، وهذا يدل على أنه أفضل، فيكون هو الإمام ".
والجواب من وجوه: أحدها: أن هذا كذب على الثعلبي، فإنه قال في تفسيره [في] هذه الآية: " قال علي وقتادة والحسن: إنهم أبو بكر وأصحابه. وقال مجاهد: هم أهل اليمن ". وذكر حديث عياض بن غنم: أنهم أهل اليمن، وذكر الحديث: " «أتاكم أهل اليمن» ". فقد نقل الثعلبي أن عليا فسر هذه الآية بأنهم أبو بكر وأصحابه.
وأما أئمة التفسير، فروى الطبري عن المثنى، حدثنا عبد الله بن هاشم، حدثنا سيف بن عمر، عن أبي روق، [عن الضحاك]، عن أبي أيوب، عن علي [في قوله: {ياأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه} [سورة المائدة: 54] قال: علم الله المؤمنين، ووقع معنى السوء على الحشو الذي فيهم [من] المنافقين ومن في علمه أن يرتدوا، فقال: {من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله}: المرتدة في دورهم، {بقوم يحبهم ويحبونه}: بأبي بكر وأصحابه - رضي الله عنهم -.

وذكر بإسناده هذا القول عن قتادة والحسن والضحاك وابن جريج، وذكر قوم أنهم الأنصار، وعن آخرين أنهم أهل اليمن، ورجح هذا الآخر وأنهم رهط أبي موسى، قال: " ولولا صحة الخبر بذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما كان القول عندي [في ذلك] إلا قول من قال: هم أبو بكر وأصحابه " قال: " لما ارتد المرتدون جاء الله بهؤلاء على عهد عمر - رضي الله عنه -.
الثاني: أن هذا قول بلا حجة، فلا يجب قبوله.
الثالث: أن هذا معارض بما هو أشهر منه وأظهر، وهو أنها نزلت في أبي بكر وأصحابه، الذين قاتلوا معه أهل الردة. وهذا هو المعروف [عند الناس] كما تقدم. لكن هؤلاء الكذابون أرادوا أن يجعلوا الفضائل التي جاءت في أبي بكر يجعلونها لعلي، وهذا من المكر السيئ الذي لا يحيق إلا بأهله.
وحدثني الثقة من أصحابنا أنه اجتمع بشيخ أعرفه، وكان فيه دين وزهد وأحوال معروفة لكن كان فيه تشيع. قال: وكان عنده كتاب يعظمه، ويدعي أنه من الأسرار، وأنه أخذه من خزائن الخلفاء، وبالغ في وصفه. فلما أحضره، فإذا به كتاب قد كتب بخط حسن، وقد عمدوا إلى الأحاديث التي في البخاري ومسلم جميعها في فضائل أبي بكر وعمر ونحوهما جعلوها لعلي. ولعل هذا الكتاب كان من خزائن بني عبيد المصريين، فإن خواصهم كانوا ملاحدة زنادقة غرضهم قلب الإسلام، وكانوا قد وضعوا من الأحاديث المفتراة التي يناقضون بها الدين ما لا يعلمه إلا الله.

ومثل هؤلاء الجهال يظنون أن الأحاديث التي في البخاري ومسلم إنما أخذت عن البخاري ومسلم، كما يظن مثل ابن الخطيب ونحوه ممن لا يعرف حقيقة الحال، وأن البخاري ومسلما كان الغلط يروج عليهما، أوكانا يتعمدان الكذب، ولا يعلمون أن قولنا: رواه البخاري ومسلم علامة لنا على [ثبوت] صحته، لا أنه كان صحيحا بمجرد رواية البخاري ومسلم، بل أحاديث البخاري ومسلم رواها غيرهما من العلماء والمحدثين من لا يحصي عدده إلا الله، ولم ينفرد واحد منهما بحديث، بل ما من حديث إلا وقد رواه قبل زمانه وفي زمانه وبعد زمانه طوائف، ولو لم يخلق البخاري ومسلم لم ينقص من الدين شيء، وكانت تلك الأحاديث موجودة بأسانيد يحصل بها المقصود وفوق المقصود.

وإنما قولنا: رواه البخاري ومسلم كقولنا: قرأه القراء السبعة. والقرآن منقول بالتواتر، لم يختص هؤلاء السبعة بنقل شيء منه، وكذلك التصحيح لم يقلد أئمة الحديث فيه البخاري ومسلما، بل جمهور ما صححاه كان قبلهما عند أئمة الحديث صحيحا متلقى بالقبول، وكذلك في عصرهما وكذلك بعدهما قد نظر أئمة هذا الفن في كتابيهما، ووافقوهما على تصحيح ما صححاه، إلا مواضع يسيرة، نحو عشرين حديثا، غالبها في مسلم، انتقدها عليهما طائفة من الحفاظ، وهذه
المواضع المنتقدة غالبها في مسلم، وقد انتصر طائفة لهما فيها، وطائفة قررت قول المنتقدة.
والصحيح التفصيل ; فإن فيها مواضع منتقدة بلا ريب، مثل حديث أم حبيبة، وحديث خلق الله البرية يوم السبت، وحديث صلاة الكسوف بثلاث ركوعات وأكثر.
وفيها مواضع لا انتقاد فيها في البخاري، فإنه أبعد الكتابين عن الانتقاد، ولا يكاد يروي لفظا فيه انتقاد، إلا ويروي اللفظ الآخر الذي يبين أنه منتقد، فما في كتابه لفظ منتقد، إلا وفي كتابه ما يبين أنه منتقد.
وفي الجملة من نقد سبعة آلاف درهم، فلم يرج عليه فيها إلا دراهم يسيرة، ومع هذا فهي مغيرة ليست مغشوشة محضة، فهذا إمام في صنعته. والكتابان سبعة آلاف حديث وكسر.
والمقصود أن أحاديثهما انتقدها الأئمة الجهابذة قبلهم وبعدهم، ورواها خلائق لا يحصي عددهم إلا الله، فلم ينفردا لا برواية ولا بتصحيح، والله - سبحانه وتعالى - هو الكفيل بحفظ هذا الدين، كما قال تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [سورة الحجر: 9].
وهذا مثل غالب المسائل التي توجد في الكتب المصنفة في مذاهب الأئمة مثل القدوري والتنبيه والخرقي والجلاب، غالب ما فيها إذا قيل: ذكره فلان، علم أنه مذهب ذلك الإمام، وقد نقل ذلك سائر أصحابه، وهم خلق كثير ينقلون مذهبه بالتواتر.
وهذه الكتب فيها مسائل انفرد بها بعض أهل المذهب، وفيها نزاع بينهم، لكن غالبا هو قول أهل المذهب. وأما البخاري ومسلم فجمهور ما فيهما اتفق عليه أهل العلم بالحديث، الذين هم أشد عناية بألفاظ الرسول وضبطا لها ومعرفة بها من أتباع الأئمة لألفاظ أئمتهم، وعلماء الحديث أعلم بمقاصد الرسول [في ألفاظه] من أتباع الأئمة بمقاصد أئمتهم، والنزاع بينهم في ذلك أقل من تنازع أتباع الأئمة في مذاهب أئمتهم.

والرافضة - لجهلهم - يظنون أنهم إذا قبلوا ما في نسخة من ذلك، وجعلوا فضائل الصديق لعلي، أن ذلك يخفى على أهل العلم، الذين حفظ الله بهم الذكر.
الرابع: أن يقال: إن الذي تواتر عند الناس أن الذي قاتل أهل الردة هو أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - الذي قاتل مسيلمة الكذاب المدعي للنبوة وأتباعه بني حنيفة وأهل اليمامة. قد قيل: كانوا نحو مائة ألف أو أكثر، وقاتل طليحة الأسدي، وكان قد ادعى النبوة بنجد، واتبعه من أسد وتميم وغطفان ما شاء الله، ادعت النبوة سجاح، امرأة تزوجها مسيلمة الكذاب، فتزوج الكذاب بالكذابة.

وأيضا فكان من العرب من ارتد عن الإسلام، ولم يتبع متنبئا كذابا.
ومنهم قوم أقروا بالشهادتين، لكن امتنعوا من أحكامهما كمانعي الزكاة. وقصص هؤلاء مشهورة متواترة يعرفها كل من له بهذا الباب أدنى معرفة.
والمقاتلون للمرتدين [هم من الذين يحبهم الله ويحبونه]، وهم أحق الناس بالدخول في هذه الآية، وكذلك الذين قاتلوا سائر الكفار من الروم والفرس. وهؤلاء أبو بكر وعمر ومن اتبعهما من أهل اليمن وغيرهم. ولهذا روي أن هذه الآية لما نزلت سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن هؤلاء، فأشار إلى أبي موسى الأشعري، وقال: " هم قوم هذا ".
فهذا أمر يعرف بالتواتر والضرورة: أن الذين أقاموا الإسلام وثبتوا عليه حين الردة، وقاتلوا المرتدين والكفار، هم داخلون في قوله: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم} [سورة المائدة: 54].
وأما علي - رضي الله عنه - فلا ريب أنه ممن يحب الله ويحبه الله، لكن ليس بأحق بهذه الصفة من أبي بكر وعمر وعثمان، ولا * كان جهاده للكفار والمرتدين أعظم من جهاد هؤلاء، ولا حصل به من المصلحة للدين أعظم * مما حصل بهؤلاء، بل كل منهم له سعي مشكور وعمل مبرور وآثار صالحة في الإسلام، والله يجزيهم عن الإسلام وأهله خير جزاء، فهم
الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون، الذين قضوا بالحق، وبه كانوا يعدلون.

وأما أن يأتي إلى أئمة الجماعة الذين كان نفعهم في الدين والدنيا أعظم، فيجعلهم كفارا أو فساقا ظلمة، ويأتي إلى من لم يجر على يديه من الخير مثل ما جرى على يد واحد منهم، * فيجعله الله أو شريكا لله، أو شريك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو الإمام المعصوم الذي لا يؤمن إلا من * جعله معصوما منصوصا عليه، ومن خرج عن هذا فهو كافر، ويجعل الكفار المرتدين الذي قاتلهم أولئك كانوا مسلمين، ويجعل المسلمين الذين يصلون الصلوات الخمس، ويصومون شهر رمضان، ويحجون البيت، ويؤمنون بالقرآن يجعلهم كفارا لأجل قتال هؤلاء.
فهذا عمل أهل الجهل والكذب والظلم والإلحاد في دين الإسلام، عمل من لا عقل له ولا دين ولا إيمان.
والعلماء دائما يذكرون أن الذي ابتدع الرفض كان زنديقا ملحدا، مقصوده إفساد [دين] الإسلام. ولهذا [صار] الرفض مأوى الزنادقة الملحدين من الغالية والمعطلة، كالنصيرية والإسماعيلية ونحوهم.

وأول الفكرة آخر العمل، فالذي ابتدع الرفض كان مقصوده إفساد
دين الإسلام، ونقض عراه، وقلعه بعروشه آخرا، لكن صار يظهر منه ما يكنه من ذلك، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
وهذا معروف عن ابن سبأ وأتباعه، وهو الذي ابتدع النص في علي، وابتدع أنه معصوم. فالرافضة الإمامية هم أتباع المرتدين، وغلمان الملحدين، وورثة المنافقين، لم يكونوا أعيان المرتدين الملحدين.
الوجه الخامس: أن يقال: هب أن الآية نزلت في علي، أيقول القائل: أنها مختصة به، ولفظها يصرح بأنهم جماعة؟ قال تعالى: {من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} [سورة المائدة: 54] إلى قوله: {لومة لائم}. أفليس هذا صريحا في أن هؤلاء ليسوا رجلا، فإن الرجل لا يسمى قوما في لغة العرب: لا حقيقة ولا مجازا.
ولو قال: المراد هو وشيعته.
لقيل: إذا كانت الآية أدخلت مع علي غيره، فلا ريب أن الذين قاتلوا الكفار والمرتدين أحق بالدخول فيها ممن لم يقاتل إلا أهل القبلة، فلا ريب أن أهل اليمن، الذين قاتلوا مع أبي بكر وعمر وعثمان أحق بالدخول فيها من الرافضة، الذين يوالون اليهود والنصارى والمشركين، ويعادون السابقين الأولين.
فإن قيل: الذين قاتلوا مع علي كان كثير منهم من أهل اليمن.
قيل: والذين قاتلوه أيضا كان كثير منهم من أهل اليمن. فكلا العسكرين كانت اليمانية والقيسية فيهم كثيرة جدا، وأكثر أذواء اليمن كانوا مع معاوية، كذي كلاع وذي عمرو، وذي رعين، ونحوهم. وهم الذين يقال لهم: الذوين.
كما قال الشاعر:
وما أعني بذلك أصغريهم ... ولكني أريد به الذوينا.
الوجه السادس: قوله: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} لفظ مطلق، ليس فيه تعيين. وهو متناول لمن قام بهذه الصفات كائنا ما كان، لا يختص ذلك بأبي بكر ولا بعلي. وإذا لم يكن مختصا بإحداهما، لم يكن هذا من خصائصه، فبطل أن يكون بذلك أفضل ممن يشاركه فيه، فضلا عن أن يستوجب بذلك الإمامة.
بل هذه الآية تدل على أنه لا يرتد أحد [عن الدين] إلى يوم القيامة إلا أقام الله قوما يحبهم ويحبونه، أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين، يجاهدون هؤلاء المرتدين.
والردة قد تكون عن أصل الإسلام، كالغالية من النصيرية والإسماعيلية، فهؤلاء مرتدون باتفاق أهل السنة والشيعة، وكالعباسية.
وقد تكون الردة عن بعض الدين، كحال أهل البدع الرافضة وغيرهم. والله تعالى يقيم قوما يحبهم ويحبونه، ويجاهدون من ارتد عن الدين، أو عن بعضه، كما يقيم من يجاهد الرافضة المرتدين عن الدين، أو عن بعضه، في كل زمان.
والله سبحانه المسئول أن يجعلنا من الذين يحبهم ويحبونه، الذين يجاهدون المرتدين [وأتباع المرتدين]، ولا يخافون لومة لائم.
(فصل في الرد على من قال: إن المراد بمحبة الله محبة التقرب إليه)
قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:

ومن قال: إن المراد بمحبة الله محبة التقرب إليه فقوله متناقض؛ فإن محبة التقرب إليه تبع لمحبته. فمن أحب الله نفسه أحب التقرب إليه ومن كان لا يحبه نفسه امتنع أن يحب التقرب إليه. وأما من كان لا يطيعه ولا يمتثل أمره إلا لأجل غرض آخر فهو في الحقيقة إنما يحب ذلك الغرض الذي عمل لأجله وقد جعل طاعة الله وسيلة إليه وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد: يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه فيقولون ما هو؟ ألم يبيض وجوهنا؟ ويثقل موازيننا؟ ويدخلنا الجنة؟ ويجرنا من النار؟ فيكشف الحجاب فينظرون إليه فما أعطاهم شيئا أحب إليهم من النظر إليه وهو الزيادة} ". فأخبر أن النظر إليه أحب إليهم من كل ما يتنعمون به ومحبة النظر إليه تبع لمحبته فإنما أحبوا النظر إليه لمحبتهم إياه وما من مؤمن إلا ويجد في قلبه محبة الله وطمأنينة بذكره وتنعما بمعرفته ولذة وسرورا بذكره ومناجاته. وذلك يقوى ويضعف ويزيد وينقص بحسب إيمان الخلق. فكل من كان إيمانه أكمل كان تنعمه بهذا أكمل.

ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أحمد وغيره: {حبب إلي من دنياكم النساء والطيب - ثم قال - وجعلت قرة عيني في الصلاة} وكان صلى الله عليه وسلم يقول {أرحنا بالصلاة يا بلال} وهذا مبسوط في غير هذا الموضع. والمقصود هنا أن عباده المؤمنين يحبونه وهو يحبهم سبحانه وتعالى وحبهم له بحسب فعلهم لما يحبه كما في صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال {يقول الله تعالى من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها. فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه. وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه}.

فقد بين أن العبد إذا تقرب إلى الله بما يحبه من النوافل بعد الفرائض أحبه الله فحب الله لعبده بحسب فعل العبد لما يحبه الله. وما يحبه الله من عبادته وطاعته فهو تبع لحب نفسه وحبه ذلك هو سبب حب عباده المؤمنين فكان حبه للمؤمنين تبعا لحب نفسه. فالمؤمنون وإن كانوا يحمدون ربهم ويثنون عليه فهم لا يحصون ثناء عليه بل هو كما أثنى على نفسه كما في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: {اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك. وبك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك} وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قال {لا أحد أحب إليه المدح من الله من أجل ذلك مدح نفسه}. {وقال له الأسود بن سريع: إني حمدت ربي بمحامد فقال إن ربك يحب الحمد} فهو يحب حمد العباد له وحمده لنفسه أعظم من حمد العباد له ويحب ثناءهم عليه وثناؤه على نفسه أعظم من ثنائهم عليه. وكذلك حبه لنفسه وتعظيمه لنفسه فهو سبحانه أعلم بنفسه من كل أحد وهو الموصوف بصفات الكمال التي لا تبلغها عقول الخلائق فالعظمة إزاره والكبرياء رداؤه.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 1,071.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 1,069.51 كيلو بايت... تم توفير 1.57 كيلو بايت...بمعدل (0.15%)]