|
رمضانيات ملف خاص بشهر رمضان المبارك / كيف نستعد / احكام / مسابقات |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
لا يخرج المعتكف إلا لما لا بد منه
لَا يَخْرُجُ الْمُعْتَكِفُ إِلَّا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف قالَ الْمُصَنِّفُ –رَحِمَهُ اللهُ-: "وَلَا يَخْرُجُ الْمُعْتَكِفُ إِلَّا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَلَا يَعودُ مَريضًا، وَلَا يَشْهَدُ جِنازَةً، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ". هُنَا ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ أَحْكامَ خُروجِ الْمُعْتَكِفِ مِنْ مُعْتَكَفِهِ. وَالْكَلامُ هُنَا مِنْ وُجوهٍ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: خُروجُ الْمُعْتَكِفِ لِلضَّرورَةِ: وَهَذَا ذَكَرَهُبِ قَوْلِهِ: (وَلَا يَخْرُجُ الْمُعْتَكِفُ إِلَّا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ). وَهَذَا لِمَا جاءَ مِنْ حَديثِ عائِشَةَ –رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قالَتْ: «إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ –صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- لَيُدْخِلُ عَلَيَّ رَأْسَهُ وَهُوَ فِي المَسْجِدِ، فَأُرَجِّلُهُ، وَكَانَ لاَ يَدْخُلُ البَيْتَ إِلَّا لِحَاجَةٍ إِذَا كَانَ مُعْتَكِفًا»[1]؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَكِفَ إِذَا خَرَجَ لِحاجَةٍ فَلَا بَأْسَ؛ كَخُروجِهِ لِلْغائِطِ وَالْبَوْلِ، أَوْ مَا فِي مَعْناهُمَا؛ كَالْخُروجِ لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَأْتِي بِهِمَا، أَوِ الْخُروجِ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ كَحَيْضٍ أَوْ نِفاسٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُحْتَمَلُ، أوْ مَا شابَهَ ذلكَ مِنَ الضَّروراتِ، وَلَا يُمْكِنُ فِعْلُهُ بِالْمَسْجِدِ؛ فَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ، وَهَذَا بِإِجْماعِ أَهْلِ الْعِلْمِ[2]. وَكَذَلِكَ دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجوزُ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ لِغَيْرِ حاجَةٍ؛ فَإِذَا خَرَجَ لِغَيْرِ حاجَةٍ بَطُلَ اعْتِكافُهُ، وَهَذَا بِإِجْماعِ أَهْلِ الْعِلْمِ[3]. الْوَجْهُ الثَّانِي: خُروجُهُ لِغَيْرِ ضَرورَةٍ: وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (ولَا يَعودُ مَريضًا وَلَا يَشْهَدُ جِنازَةً إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ). اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَقْوالٍ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْرُجً، وَإِذَا خَرَجَ فَسُدَ اعْتِكافُهُ، حَتَّى وَإِنِ اشْتَرَطَ ذَلِكَ[4]؛ لِأنَّهُ لَيْسَ ضَرورَةً. وَهَذَا رِوايَةٌ عِنْدَ الْحَنابِلَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ المالكية[5]. الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ إِنِ اشْتَرَطَ ذَلِكَ، أمَّا إِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ فَلَيْسَ لَهُ الْخُروجُ. وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنابِلَةِ، وَالْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ[6]. الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَجوزُ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ لِمِثْلِ هَذَا وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ. وَهَذَا رِوايَةٌ عِنْدَ الْحنابِلَةِ[7]. وَأَمَّا الِاشْتِراطُ فَهُوَ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُعْتَكِفُ فِي ابْتِداءِ اعْتِكافِهِ الْخُروجَ مِنَ الْمَسْجِدِ لِأَمْرٍ لَا يُنافي الاِعْتِكافَ[8]. وَأَمَّا حُكْمُهُ فَاخْتَلَفَ الْعُلَماءُ فِيهِ عَلَى أَقْوالٍ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: جَوازُ الِاشْتِراطِ وَصِحَّتُهُ. وَهَذَا هُوَ الْمَشْهورُ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ[9]. وَاسْتَدَلُّوا بِـحَديثِ عائِشَةَ –رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قالَتْ: «دَخَلَ النَّبِيُّ –صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ وَأَنَا شَاكِيَةٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ –صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: حُجِّي وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي»[10]. وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنَ الْحَديثِ: أَنَّ الْإِحْرامَ أَلْزَمُ الْعِباداتِ بِالشُّروعِ، وَيَجوزُ مُخالَفَتُهُ بِالشَّرْطِ، فَالِاعْتِكافُ مِنْ بابِ أَوْلَى[11]. وَقَدْ نوقِشَ هَذَا الِاسْتِدْلالُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّ هَذَا قِياسٌ فِي الْعِباداتِ، وَالْعِباداتُ لَا قِياسَ فِيهَا؛ وَلِهَذَا يَقولُ مالِكٌ – رَحِمَهُ اللهُ -: "وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَذْكُرُ فِي الِاعْتِكافِ شَرْطًا"[12]. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ هَذَا الْقِياسَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الِاشْتِراطَ فِي الْحَدِيثِ مُتَعَلِّقٌ بِمَنْ حَصَلَ لَهُ مانِعٌ مِنْ إِتْمامِ الْحَجِّ، وَالاِشْتِراطُ فِي الاِعْتِكافِ مُتَعَلِّقٌ بِالِاسْتِمْرارِ فيهِ، وَفَرْقٌ بَيْنَهُمَا؛ وَلِهَذَا الْقِياسُ الصَّحيحُ إِنْ قيلَ بِهِ هُوَ أَنْ يَقْتَصِرَ فِي الشَّرْطِ عَلَى الْمانِعِ الَّذِي يَمْنَعُهُ مِنْ إِتْمامِ الِاعْتِكافِ كَمَا فِي الْحَجِّ، لَا عَلَى الِاسْتِمْرارِ فيهِ. كَمَا اسْتَدَلُّوا: بِحَديثِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ –رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ –صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قالَ: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ»[13]، وَهَذَا عامٌّ يَشْمَلُ الِاعْتِكافَ وَغَيْرَهُ. وَنوقِشَ هَذَا الِاسْتِدْلالُ -عَلَى فَرْضِ صِحَّةِ الْحَديثِ-: بِأَنَّهُ وَرَدَ فِي الْمُعامَلاتِ كَالْبُيوعِ وَنَحْوِهَا، وَلَيسَ فِي الْعِباداتِ، فَالِعِباداتُ مَبنْاهَا عَلَى التَّوْقيفِ، وَلَيْسَ فيهَا اشْتِراطٌ إِلَّا فِي الْحَجِّ لِمَنْ حَصَلَ لَهُ مانِعٌ يَمْنَعُهُ مِنْ إِتْمامِ النُّسُكِ، وَالْواجِبُ هُوَ الِاقْتِصارُ عَلَى ما وَرَدَ بِهِ النَّصُّ. الْقَوْلُ الثَّانِي: عَدَمُ جَوازِ الِاشْتِراطِ فِي الِاعْتِكافِ وَعَدَمُ صِحَّتِهِ. وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ مالِكٍ وَأَصْحابِهِ[14]. وَاسْتَدَلُّوا: بِأَنَّ الِاشْتِراطَ فِي الِاعْتِكافِ لَـمْ يَرِدْ فِي الشَّرْعِ، وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحابَةِ أَنَّهُ قالَ بِهِ، وَالْأَصْلُ فِي الْعِباداتِ الْحَظرُ وَالْمَنْعُ[15]. وَالْأَقْرَبُ -وَاللهُ أَعْلَمُ-: هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى هَذَا: حديثُ صَفِيَّةَ –رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قالت: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ –صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- مُعْتَكِفًا، فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلًا، فَحَدَّثْتُهُ ثُمَّ قُمْتُ فَانْقَلَبْتُ، فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي، وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَمَرَّ رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ –صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أَسْرَعَا، فَقَالَ النَّبِيُّ –صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ؛ فَقَالاَ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا سُوءًا، أَوْ قَالَ: شَيْئًا»[16]. فَدَلَّ عَلَى جَوازِ خُروجِ الْمُعْتَكِفِ لِلْحاجَةِ، وَأَنَّ خُروجَهُ لَا يُؤَثِّرُ عَلَى اعْتِكَافِهِ. [1] أخرجه البخاري (2029)، ومسلم (297). [2] انظر: الإجماع (ص:50)، والحاوي الكبير (3/ 492)، واختلاف الأئمة العلماء (1/ 265)، والمغني (3/ 192)، وتفسير القرطبي (2/ 335)، والمجموع (6/ 501). [3] انظر: الإقناع في مسائل الإجماع (1/ 244)، ومراتب الإجماع (ص: 41). [4] سيأتي بيان معنى الاشتراط، وحكمه. [5] انظر: شرح مختصر الطحاوي (2/ 473)، والمدونة (1/ 299)، والمغني، لابن قدامة (3/ 194). [6] انظر: النتف في الفتاوى (1/ 161، 162)، والأم للشافعي (2/ 115)، والمغني لابن قدامة (3/ 195). [7] انظر: الشرح الكبير على متن المقنع (3/ 137). [8] انظر: الأم، للشافعي (2/ 115). [9] انظر: النتف في الفتاوى (1/ 161، 162)، وروضة الطالبين (2/ 402)، والمغني، لابن قدامة (3/ 194، 195). [10] أخرجه البخاري (5089)، ومسلم (1207)، واللفظ له. [11] انظر: فقه الاعتكاف، للمشيقح (ص: 169). [12] موطأ مالك (5/ 1301). [13] أخرجه أبو داود (3594)، وصححه الحاكم (2309). [14] انظر: المدونة (1/ 299). [15] انظر: موطأ مالك (3/ 452). [16] أخرجه البخاري (3281)، ومسلم (2175).
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |