أسباب انقطاع المطر - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         سألت زوجَها طلاقًا في غيرِ ما بأسٍ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          النبأ العظيم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          هل قول الصحابي حجة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          من صلاة الفجر نبدأ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          بك نستعين يا الله.. (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          الجهاد في سبيل الله وعوامل النصر على الأعداء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          أحب الناس إلى الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          شرح النووي لحديث: لا تكونن إن استطعت أول من يدخل السوق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          حديث من دلائل النبوة:يوشك رجل شبعان متكئا علي أريكته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          أهمية الدعاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-05-2024, 08:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,272
الدولة : Egypt
افتراضي أسباب انقطاع المطر

أسباب انقطاع المطر

د. مراد باخريصة

أيها الصائمون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله سبحانه وتعالى، فإنها غاية الصيام وهدفه وسبب افتراضه علينا، كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ‌كُتِبَ ‌عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].

عباد الله، إنَّ الله جلَّ وعلا يبتلي عباده بعدد من أنواع البلايا ومختلف المصائب؛ امتحانًا لهم واختبارًا، ومن أعظم البلايا وأشد المصائب مصيبة انقطاع الغيث، وانحباس المطر، وانجداب الأرض، ﴿ ‌ظَهَرَ ‌الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41].

ولا شك أنَّ لانقطاع المطر عن العباد أسبابًا، فإذا زالت هذه الأسباب حصل الخير، وجاء الغيث بإذن الله سبحانه وتعالى ورحمته، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿ اللَّهُ الَّذِي ‌يُرْسِلُ ‌الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ * فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الروم: 48-50].

أيها الصائمون، إنَّ من أعظم أسباب انقطاع الأمطار عن العباد ضعف تعظيم الله جلَّ جلاله في قلوب العباد، وقلة الحياء منه، وغياب التوكل عليه، وضعف الاعتماد عليه سبحانه وتعالى.

يقول الله جل وعلا: ﴿ وَهُوَ الَّذِي ‌يُرْسِلُ ‌الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 57].

ويُذكرنا ربنا سبحانه وتعالى في آيات كثيرة أنه هو وحده منشئ السحاب، ومنزل المطر، فيقول: ﴿ ‌فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا ﴾ [الرعد: 17].

ويقول: ﴿ هُوَ الَّذِي ‌يُرِيكُمُ ‌الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ ﴾ [الرعد: 12-13].

﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ ‌مِنْهُ ‌شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ ﴾ [النحل: 10].

﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ ‌مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحج: 63].

﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ ‌فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ﴾ [المؤمنون: 18].

﴿ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ ‌عِلْمُ ‌السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ ﴾ [لقمان: 34].

﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ ‌يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 21].

﴿ وَهُوَ الَّذِي ‌يُنَزِّلُ ‌الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [الشورى: 28].

﴿ وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا ‌بِهِ ‌بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ﴾ [الزخرف: 11].

﴿ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ ‌الْحَصِيدِ ﴾ [ق: 9].

﴿ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ ‌الَّذِي ‌تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ ﴾ [الواقعة: 68-70].

فلو امتلأت قلوبنا بهذه العظمة لله وحده بأنه هو وحده القادر على جلب الخير والمطر إلينا دون غيره، وعلمنا علم اليقين أنَّ كل خير يصل إلينا هو من محض فضل الله سبحانه وتعالى وحده علينا، وشعرنا بالاضطرار إلى الله، والتعلق به، وأنه هو رب الأرباب، ومسبب الأسباب؛ لوقع المطر، وساق الله إلينا فضله وخيره وبركاته، ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ ‌بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96].

إنَّ بعض الناس لربما اعتقد أن الولي الفلاني أو صاحب القبر الفلاني واسطة بين الله وبين عباده في نزول المطر؛ فيلجأ إليه، ويستغيث به من دون الله، ويطلب منه متوسطًا به إلى الله، مخالفًا بذلك قول الحق جلَّ وعلا: ﴿ وَإِذَا ‌سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]، ومشابهًا بذلك قول من قال الله عنهم: ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ ‌وَلَا ‌يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [يونس: 18].

ومنا من يعظم الأسباب الكونية المادية؛ فيعزو مجيء المطر أو تأخره للأحوال الجوية وأحوال الطقس، أو يرجع ذلك إلى النجوم والمطالع، وهذا الذي نهانا الله عنه فقال: ﴿ ‌وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ﴾ [الواقعة: 82]. يقول زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليلة، فلما انصرف أقبل على الناس، فقال: ((هل تدرون ماذا قال ربكم؟)) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب، وأما من قال: بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي ومؤمن بالكوكب)).

وكذلك عزو نزول المطر أو تأخره إلى التشاؤم أو التبرك بفلان أو علان، فإذا تأخر المطر قالوا بسبب فلان أو فلان مشؤوم، وإذا وقع المطر قالوا ببركة فلان، أو لأنه صلى بنا علان، أو دعا لنا فلان.

فيجب إزالة كل هذه التعلقات، ويجب التعلق بالله وحده فقط؛ فإن كل خير حصل لنا هو من فضل الله، وكل شر نزل بنا هو من تقدير الله، فيجب أن نلتجئ دومًا إلى الله، ولا نلجأ أبدًا إلى أحد سواه.

أيها الصائمون، ومن أسباب انقطاع المطر وقلته: الكبر والغرور في الأرض، والتجبر على الخلق، والافتخار والتعالي على الآخرين بالمال أو غيره، فهذا محق للخيرات وذهاب للبركات، وسبب من أسباب العذاب وحصول التصحر والجفاف.

بعض الناس يشعر في نفسه بنوع من الكبر والأنفة، ولا يُحب أن يُظهر الضعف والذلة والمسكنة لله، وكأن لسان حاله يقول: يا رب، إن تحب أن تسقينا فاسقنا، وإلا فعندنا من المال والقدرة ما نستطيع به شراء الماء وجلبه، وهذا هو الجهل المركب والغرور والحماقة، وهؤلاء هم الذين قال الله عنهم: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ ‌يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 42-43].

إنَّ قوم عاد كانوا يشعرون في أنفسهم بالعلو والغطرسة، فحبس الله عنهم المطر، وقطع عنهم ماء السماء حتى ضاق بهم الحال، وحصل عندهم الجفاف؛ فكان الأولى بهم أنْ يلجئوا إلى الله، ويُظهروا له الحاجة والذلة والضعف؛ ولكنهم تعاموا عن ذلك، وأرسلوا وافدًا لهم ليدعو لهم عند جبال مكة، ولكنهم اختاروا رجلًا متجبرًا متكبرًا، فذهب ذلك الوافد، وفي الطريق مكث شهرًا كاملًا يشرب الخمر، وتغني له المغنيات حتى وصل مكة، فرفع يديه بغطرسة وكبر، فقال: اللهم إنك تعلم أني لم أجئ إلى مريض فأداويه، ولا إلى أسير فأفاديه، اللهم اسقِ عادًا ما كنت تسقيه، اسمعوا للكبر والغطرسة في كلامه، وقلة أدبه مع الله؛ وكأنه يقول: إنني لم آتيك يا رب لأمر كبير؛ وإنما أتيتك لأمر بسيط معتاد، فاسقِ عادًا ما كنت تسقيه في العادة.

فمرت به عدة سحابات، ونودي: اختر منها سحابة، فأومأ بيده إلى سحابة سوداء، فنودي من تلك السحابة: خذها رمادًا رَمددًا، لا تبقي من عاد أحدًا لا والدًا ولا ولدًا، ثم انطلق وانطلقت معه تلك السحابة، فلما رآها قومه ﴿ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ ‌مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [الأحقاف: 24-25].

ومن صور العلو والكبر والعناد الاستخفاف بالماء، والإسراف فيه، وبعثرته هنا وهناك، فهذا نوع من الغطرسة الماحقة، وسبب من الأسباب المانعة لحصول الرزق والخير والأمطار، يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ ‌مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ ‌مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأنعام: 141]، ويقول سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِذَا ‌مَسَّ ‌الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [يونس: 12]، ويقول: ﴿ وَلَا تُطِيعُوا ‌أَمْرَ ‌الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ ﴾ [الشعراء: 151-152].

لقد تأخر نزول المطر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج إلى المصلى بالناس وهو متبذل- أي: عليه ثياب رثة غير متزين ولا متطيب- متخشع في مشيته وجلوسه، راميًا بصره إلى الأرض تواضعًا لله، وهيبةً له غير مستعجل في مشيه، مبتهل إلى الله تعالى، متضرع له في الدعاء والخشوع، وحضور القلب.

فاحذروا الإسراف في الماء، وحذروا من ذلك أطفالكم ونساءكم، فإن ذلك محق للخير، ونزع للبركة، وسبب من أسباب قطع الأرزاق، وقلة الأمطار.

أيها الصائمون، ومن أسباب انقطاع المطر منع الزكاة، وضعف التكافل الاجتماعي، وقلة الرحمة، وعدم الإحساس بالآخرين، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتُليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن))، وذكر منها: ((ولم يمنعوا زكاة أموالهم، إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا..)).

فمنع الزكاة، وقلة التراحم من أعظم أسباب انحباس المطر، وهذا- مع الأسف- نجده واقعًا في مجتمعنا، فهناك أناس يمنعون حق الله عن الفقراء والمحتاجين بخلًا وعنادًا، وهناك من يملك الأرصدة والحسابات، ويحول عليها الحول، وتدور عليها السنة، وتبلغ النصاب؛ ولكنه لا يخرج من تلك الأموال شيئًا، أو يخرج منها أقل القليل الذي يظن أنه سيخرجه من العذر أمام الله سبحانه وتعالى، وبعض الناس ربما يخرج الزكاة، ولكنه يخرجها وهو كاره، يخرجها ونفسه غير طيبة بإخراجها، وكأنها غرامة فرضت عليه بالقوة، وهؤلاء هم الذي قال الله في وصفهم: ﴿ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ ‌كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ ﴾ [التوبة: 54]، ﴿ وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ‌الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 98].

ومن الناس من يخرج الزكاة ولكنه يخرجها بجهل، وعدم علم بأحكامها الشرعية؛ لبعده عن مجالس الدروس وحلق العلم، فتجده يخرجها ناقصة، أو يعطيها لغير مستحقيها؛ فيكون بذلك كمن لم يخرجها، أو يخرج الزكاة في بعض الأصناف دون بعض، فتجده يزكي في الزرع والحصاد، ولكنه لا يزكي في الذهب والفضة، أو يزكي في تجارته، ولكنه لا يزكي في غنمه ومواشيه، أو يزكي في عروض التجارة، ولا يزكي في العقار المعد للبيع والمتاجرة.

والأدهى من ذلك والأمَرُّ أنْ يتم التلاعب بالزكاة، والتفنن في التحايل والتهرب من إخراجها، فيتم إعطاؤها للأشخاص الذين للمزكي فيهم مصلحة، فتجده ربما يعطي زكاته بعض المسئولين أو بعض السماسرة الذين يُسوقون له أموره، ويُمشونها له، أو يعطيها بعض الأشخاص الذين يحتاج إليهم في مصلحة أو عمل أحيانًا حتى ولو كانوا غير مستحقين للزكاة، أو يكونون من أبعد الناس عن الصلاة والدين.

فهذه كلها صور من صور منع الزكاة التي تحبس المطر، وتقطع نزول الغيث، وتؤخر الرحمة.

فالإسلام حريص كل الحرص على التراحم بين الناس؛ ولهذا أمر بالزكاة لمستحقيها، وحث على الصدقة، وأمر الناس بالتراحم والتعاون والتعاطف، وأن يكونوا عباد الله إخوانًا متراحمين فيما بينهم، فالراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، كما أخبر بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم.

وأخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بينا رجل بفلاة من الأرض، فسمع صوتًا في سحابة: "اسق حديقة فلان"، فتنحى ذلك السحاب، فأفرغ ماءه في حرة (أرض بها حجارة سوداء)، فإذا شَرْجَة من تلك الشِّراج قد استوعبت ذلك الماء كله، فتتبع الماء، فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته (بمجرفته)، فقال له: "يا عبد الله، ما اسمك؟"، قال: "فلان"، للاسم الذي سمع في السحابة، فقال له: "يا عبد الله، لِمَ تسألني عن اسمي؟"، فقال: "إني سمعت صوتًا في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: "اسق حديقة فلان"، لاسمك، فما تصنع فيها؟"، قال: "أما إذ قلت هذا، فإني أنظر إلى ما يخرج منها، فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثًا، وأرد فيها ثلثه)).

فانظروا يا عباد الله كيف ساق الله هذه السحابة لتسقي شرج هذا الشخص باسمه؛ لأنه كان يتصدَّق بثلث منتوج أرضه التي يزرعها، ويأكل هو وعياله ثلثًا، ويرد فيها الثلث الثالث.

فتفقدوا من تعرفون وتثقون به من الفقراء والمساكين، وتلمسوا حاجة المحتاجين، وابحثوا عن الأسر التي لا تجد قوت يومها، والأشخاص المتعففين الذين لا يمدون أيديهم لأحد، وارحموا الضعفاء والمستضعفين من الأطفال والصغار، والعجزة والكبار، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في صحيح البخاري: ((هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم)).

وادعوا الله لإخوانكم في غزة وغيرها من بلاد المسلمين التي أصابها الجوع والفقر بأن يطعمهم كما أطعمنا، ويغيثهم كما أغاثنا، ويسقيهم كما سقانا، وأن نمدهم بكل ما نستطيع ونملك، فإن الخزي والعار أن يموتوا من الجوع والعطش وحولهم أكثر من مليارَي مسلمٍ يتفرجون عليهم، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

قلت ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفارًا، يرسل السماء عليكم مدرارًا.


الخطبة الثانية

أيها الصائمون، ومن أسباب الحرمان من المطر عدم استشعار هذه النعمة، وتقديرها حق قدرها، وهذا ما أشار الله إليه في كثير من الآيات التي تُذكرنا بنعمة الماء والمطر؛ كقوله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ‌أَفَلَا ‌يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنبياء: 30]، ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ ‌أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ ﴾ [الواقعة: 68-70]، ويقول سبحانه وتعالى: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ ‌غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ ﴾ [الملك: 30].

فالمطر يبعث في النفس الإيمان بالله وبقدرته الباهرة، والإيمان باليوم الآخر والبعث بعد الموت، ويحيي الأرض الهامدة الجافة بعد موتها، كما قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ ‌اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [فصلت: 39]، ﴿ فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ ‌رَحْمَتِ ‌اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الروم: 50].

فانقطاع المطر يسبب حصول القحط، وجفاف الأرض، وموت الأشجار والنباتات، وانخفاض مستويات المياه الجوفية في البحيرات والخزانات الأرضية.

وانقطاع المطر يكون سببًا في تراجع تدفق الأنهار والبحار، وحدوث الاضطرابات في الطقس والمناخ، والتأثير على جودة الهواء، وزيادة كمية الغبار والأتربة، ونقص مياه الشرب، وسوء نوعيتها، وانتشار بعض أنواع البعوض التي تتكاثر فوق المياه الراكدة.

كما تتسبب قلة الأمطار في حدوث الحرائق، وانخفاض دخل الأفراد، وهجرة الأفراد من مواطنهم الأصلية إلى أماكن أخرى، كما هو حاصل اليوم هنا في هذه المناطق من الترحل هنا وهناك طلبًا للماء.

لذا علينا استشعار هذه النعمة العظيمة نعمة المطر، وأنها حياة للأرواح والقلوب والبلدان، فإذا استشعرنا حقًّا هذه النعمة وحاجتنا الماسة إليها طلبناها من الله بصدق وإلحاح، وإذا طلبناها من الله بصدق وإلحاح أنعم الله بها علينا، كما قال تعالى: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ ‌الْمُضْطَرَّ ‌إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].

يقول مجاهد بن جبر رحمه الله: "إن البهائم تلعن عصاةَ بني آدم إذا اشتدت السَّنة، وأمسك المطر؛ وتقول: هذا بشؤم معصية ابن آدم".

وقال عكرمة في تفسير قوله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ ‌اللَّاعِنُونَ ﴾ [البقرة: 159]؛ "يَلْعَنُهُمْ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى الْخَنَافِسُ وَالْعَقَارِبُ يَقُولُونَ: مُنِعْنَا الْقَطْرُ بِذُنُوبِ بَنِي آدَمَ".

ومن أسباب الجدب وانقطاع المطر انتشار المعاصي والفجور والآثام، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: ((ولم ينقصوا المكيال والميزان، إلا أخذوا بالسنين، وشدة المؤونة، وجور السلطان عليهم))، فكم في مجتمعنا من صور النصب والاحتيال، والتطفيف في الكيل والميزان، والغش في المعاملات، والتسابق في أخذ حقوق الآخرين حتى ولو كانت صدقات أو أوقاف أو زكوات.

لو نظرنا إلى مجتمعاتنا اليوم سنرى عجبًا، فكم من المسلمين من لا يصلون بالكلية؟! وكم منهم من يتركون الجمعة والجماعات؟! وكم من المصلين من يؤخر الصلاة عن وقتها؟! وكم من عقوق ومظالم؟! وكم من أب ظالم لأولاده وغير مساوٍ بينهم؟ وكم من أخ أكل حق إخوانه وأخواته من الميراث وغيره؟! وكم من زوج ظالم لزوجته؟! وكم من أولياء الأمور من يسمحون لبناتهم وزوجاتهم وأهل بيتهم بالخروج متزينات، ويلبسن الملابس المغرية للشباب؟! وكم من الناس من يسهر كل الليل على معصية وإثم، ومقاطع خبيثة على اليوتيوب والتيك توك وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي؟!

فيجب علينا جميعًا الرجوع إلى الله، والاستغفار من ذنوبنا وخطايانا؛ حتى يرحمنا الله، وينعم علينا بالخير والرزق والمطر، فإن الله يقول: ﴿ وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ‌وَيَزِدْكُمْ ‌قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ﴾ [هود: 52]، ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ ‌غَفَّارًا* يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10-12].

اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا هَنِيئًا مَرِيئًا مَرِيعًا، غَدَقًا مُجَلَّلًا، عَامًّا طَبَقًا سَحًّا دَائِمًا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ، اللَّهُمَّ إِنَّ بِالْعِبَادِ وَالْبِلَادِ وَالْبَهَائِمِ وَالْخَلْقِ مِنَ اللَّأْوَاءِ وَالْجَهْدِ وَالْفَتْكِ مَا لَا يَشْكُو إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ أَنَبِتْ لَنَا الزَّرْعَ، وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ، وَاسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ، وَأَنْبِتْ لَنَا مِنْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْجَهْدَ وَالْجُوعَ وَالْعُرْيَ، واكْشِفْ عَنَّا مِنَ الْبَلَاءِ مَا لَا يَكْشِفُهُ غَيْرُكَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ، إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا، فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا.

هذا وصلوا وسلموا.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 63.77 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 62.24 كيلو بايت... تم توفير 1.53 كيلو بايت...بمعدل (2.40%)]