حوار مع كتاب :«الرؤى عند أهل السنـة والجـماعـة والمخالفـين»

[ابوالوليد المسلم]

حوار مع كتاب :«الرؤى عند أهل السنـة والجـماعـة والمخالفـين»




قال الفلاسفة في حقيقة الرؤيا: أن الحس المشترك في الإنسان، هو مجمع الحواس الظاهرة
علامات الرؤيا الصالحة هي الأمارات التي يستدل بها ويستأنس بها على صلاح الرؤيا
من دلالات الرؤيا: أن الرؤيا الصالحة تدل على خير رائيها وصلاحه غالبًا، وتدل على تثبيت الله لعباده المؤمنين، رؤيا السوء تدل على تلاعب الشيطان بالإنسان
الأحاديث صريحة في أن الرؤيا تقع على مثل ما تفسر به، وعليه يقال: إن الله إذا قدر أن تقع الرؤيا فإنه سبحانه يقدر للعابر أن يفسرها على وفق ما ستقع



في رسالة علميّة مهمة بعنوان: «الرؤى عند أهل السنة والجماعة والمخالفين» استظهر الباحث كل ما يتعلق من مسائل الرؤى وأحكامها وآدابها.

هذه الرسالة تقدم بها د. سهل بن رفاع العتيبي أستاذ العقيدة المشارك بجامعة الملك سعود بالرياض لنيل درجة الماجستير بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، في قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة.
وطبعتها دار كنوز إشبيليا، ونشرها موقع «الكتيبات الإسلامية» على الشبكة العنكبوتية.
وتتضح أهمية موضوع هذه الرسالة من جوانب متعددة، منها:
(1) اهتمام القرآن الكريم بالرؤيا الصالحة، ولاسيما رؤى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولا شك أن هذه الآيات في كتاب الله عز وجل بحاجة إلى تفسير وتدبر، وبيان لأحكامها وفوائدها.
(2) اهتمام السنة النبوية بالرؤى، فلا تجد كتابًا من كتب الحديث إلا ويفرد مؤلفه بابًا أو كتابًا للرؤى والتعبير، وانظر في الصحيحين، والسنن، والمسانيد، والجوامع، والمصنفات، والمستخرجات، والمستدركات وغيرها، وهذه الأحاديث بحاجة إلى دراسة علمية.
(3) مكانة الرؤيا الصالحة في الإسلام، من حيث كونها من مبشرات النبوة وجزءًا من أجزائها، وكون رؤيا الأنبياء وحيا، وهي مبدأ الوحي.
(4) حاجة جميع طبقات الناس إلى معرفة حقيقة الرؤى، وارتباطها بحياتهم اليومية، فكثيرًا ما يتحدثون عنها، ويسألون عنها أهل الذكر.
ولهذه الأهمية كان لنا هذا الحوار مع هذه الرسالة حول الرؤى والأحلام عند أهل السنة والجماعة والمخالفين.
- بداية ما الفرق بين الرؤيا والحُلُم ؟
- الرؤيا في اللغة تعني ما يراه الإنسان في منامه، وهي عبارة عن أمثال مضروبة.
الحُلمُ: بضم الحاء واللام أو ضم الحاء وسكون اللام، وهو ما يراه النائم .
قال الجوهري في الصحاح: (الحُلُم بالضم: ما يراه النائم، تقول منه، حَلَم بالفتح واحْتَلَم.
وتقول: حَلَمْت بكذا، وحَلَمْتُه أيضًا.
وقال ابن منظور في لسان العرب: (الحُلْمُ والحُلُم: الرؤيا، والجمع أحْلام، يقال: حَلَم إذا رأى في المنام.
يقال: حَلَم بالفتح، إذا رأى، وتَحَلَّم: إذا ادعى الرؤيا كاذبًا.
فالحُلُم بهذا المعنى اللغـوي، هو ما يراه الإنسان في منامه من الخير والشر، فهو مرادف للرؤيا، إلا أنه غلب في الاصطلاح الشرعي استعمال الرؤيا في الخير والشيء الحسن، وغلب استعمال الحلم على خلافه.
يقول ابن الأثير رحمه الله: «الرؤيا والحلم عبارة عما يراه النائم في نومه من الأشياء، لكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير والشيء الحسن، وغلب الحلم على ما يراه من الشر القبيح».
ومنه قوله تعالى: {أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ} (يوسف: 44)، ويستعمل كل واحد منهما موضع الآخر.
ودل على هذا التفريق أحاديث كثيرة، منها ما أخرجه البخاري- رحمه الله- من حديث أبي قتادة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الرؤيا الصادقة من الله، والحلم من الشيطان» الحديث.
يقول ابن حجر -رحمه الله-: ظاهر قول صلى الله عليه وسلم : «الرؤيا من الله والحلم من الشيطان» أن التي تضاف إلى الله لا يقال لها: (حلم) والتي تضاف إلى الشيطان لا يقال لها: (رؤيا) وهو تصرف شرعي وإلا فالكل يسمى رؤيا، وقد جاء في حديث آخر «الرؤيا ثلاث» فأطلق على الكل رؤيا.
ولهذا من فقه الإمام البخاري -رحمه الله- في كتابه الجامع الصحيح المسند من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه أنه في كتاب التعبير وضع بابًا بعنوان الرؤيا من الله وبابًا آخر بعنوان (الحلم من الشيطان) واستدل بحديث أبي قتادة السابق للتفريق بين الرؤيا والحلم.
ولعل الحكمة والله أعلم في نسبة الرؤيا إلى الله، والحلم إلى الشيطان، أن الله عز وجل كره أن يسمى ما كان من الله وما كان من الشيطان باسم واحد، فشرع التفريق بين الحق والباطل، بأن جعل الرؤيا ما كان من الله، والحلم ما كان من الشيطان؛ لأنه الذي يخيل بها ولا حقيقة له، فهو من إلقائه وتشويشاته وتلاعبه ووسوسته وتحزينه للإنسان، كما دلت على ذلك الأحاديث الكثيرة في نسبتها إلى الشيطان وبيان عداوته للإنسان.
وهذا التفريق بين الرؤيا والحلم من الاصطلاحات الشرعية، وإن كان كل من الرؤيا والحلم من عند الله عز وجل، وإنما ذلك جار على أدب العبودية من إضافة الخير إلى الله وإضافة الشر إلى غيره، كما قال تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} (النساء: 79).
- ما أهم الأقوال وأشهرها في الرؤى مع توضيح القول الحق لأهل السنة والجماعة؟
- اختلف الناس في بيان كيفية هذه الرؤى وحقيقتها اختلافًا عظيمًا {فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (البقرة: 213).
وسبب اختلافهم في حقيقة الرؤيا، هو إعراضهم عن الكتاب والسنة، ومحاولة الوقوف على أمور لا تدرك بالعقول.
و أهم هذه الأقوال وأشهرها هو:
القول الأول: قال صالح بن قبة : إن الرؤيا حق، وما يراه النائم في نومه صحيح كرؤية العينين في اليقظة، فإذا رأى الإنسان في المنام كأنه بإفريقية وهو ببغداد فقد اخترعه الله سبحانه بإفريقية في ذلك الوقت.
وهو قول مردود.
القول الثاني: قال أكثر المعتزلة: إن ما يراه الإنسان في منامه إنما هو تخيلات باطلة لا حقيقة لها ولا تدل على شيء.
وهو قول باطل وغريب.
القول الثالث: قال الفلاسفة في حقيقة الرؤيا: إن الحس المشترك في الإنسان، وهو مجمع الحواس الظاهرة، إذا أخذ الصورة الخارجية من الحواس الظاهرة يؤديها إلى القوة المتخيلة التي من شأنها تركيب الصورة، فربما انطبعت تلك الصور في الحس المشترك وصارت مشاهدة على حسب مشاهدة الصور الخارجية، فإن الصور الخارجية لم تكن مشاهدة لكونها صورة خارجية بل لكونها مرتسمة في الحس المشترك.
وهذا قول بلا شك باطل.
القول الرابع: قول أهل الحق أهل السنة والجماعة: لا نعدو قول نبينا لاصلى الله عليه وسلم فقد بين الرؤيا بيانًا واضحًا شافيًا فقسمها إلى ثلاثة أقسام: رؤيا حق من الله عز وجل، والله أعلم بكيفية ذلك، ورؤيا باطلة فهي أضغاث أحلام من تهويل الشيطان وتحزينه وتمثيله لابن آدم، أو مما يحدث به المرء نفسه في اليقظة فيراه في المنام.
- ما علامات الرؤيا الصالحة ؟
- علامات الرؤيا الصالحة هي الأمارات التي يستدل بها ويستأنس بها على صلاح الرؤيا، وقد جاءت السنة المطهرة ببيان علامات الرؤيا الصالحة، فمن علامات صلاحها ما يلي:
أولاً: التواطؤ عليها.
ثانيًا: كونها من المبشرات.
ثالثًا: كونها من أهل الصدق والصلاح.
- ما صفات الرؤيا الصالحة ؟
- وصفت الرؤيا الصالحة بصفات عديدة، تدل على أهميتها وعظم شأنها، فمن تلك الصفات.
(1) أنها من الله.
(2) الرؤيا الصالحة جزء من أجزاء النبوة.
(3) وصفها بأنها رؤيا حق.
(4) وصفها بأنها بشرى من الله.
(5) أنها مما تعجب الرائي.
(6) أنها مما يحب الرائي.
(7) وصفها بأنها صادقة.
(8) وصفها بالصالحة.
(9) وصف الرؤيا الصالحة، بأنها رؤيا حسنة.
- ما الآداب التي يلتزم بها المسلم إذا رأى ما يحب ، مع الدليل ؟
- الأول: أن يحمد الله عليها: فعند الإمام البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها، وليحدث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ من شرها، ولا يذكرها لأحد، فإنها لا تضره».
الثاني: أن يستبشر بها: أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي قتادة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الرؤيا الحسنة من الله؛ فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب، وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شر الشيطان، وليتفل ثلاثًا، ولا يحدث بها أحدًا، فإنها لن تضره».
وفي رواية لمسلم: «فإن رأى رؤيا حسنة فليبشر، ولا يخبر إلا من يحب».
الثالث: أن يتحدث بها ويخبر بها من يحب دون من يكره: فقد أخرج الإمام في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الرؤيا ثلاثة: فبشرى من الله، وحديث النفس، وتخوف من الشيطان؛ فإذا رأى أحدكم رؤيا تعجبه فليقصها إن شاء، وإذا رأى شيئًا يكرهه فلا يقصه على أحد وليقم فليصل» وأخرج الإمام أحمد أيضا في مسنده من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءًا من النبوة؛ فمن رأى خيرًا فليحمد الله عليه، وليذكره، ومن رأى غير ذلك فليستعذ بالله من شر رؤياه، ولا يذكرها، فإنها لا تضره».
- ما الآداب التي ينبغي أن يتأدب بها المسلم إذا رأى ما يكره، مع الدليل ؟
- حاصل هذه الآداب التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم ، التي ينبغي أن يتأدب بها المسلم إذا رأى ما يكره، ستة آداب كما يلي:
(1) أن يستعيذ بالله من الشيطان ثلاثًا، والدليل ما أخرجه الإمام أحمد ومسلم من حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثًا، وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثًا، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه».
(2) أن يستعيذ بالله من شر ما رأى، والدليل ما أخرجه ابن ماجة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأى أحدكم رؤيا يكرهها فليتحول، وليتفل عن يساره ثلاثًا، وليسأل الله من خيرها، وليتعوذ بالله من شرها».
(3) أن يبصق عن يساره ثلاثًا، والدليل الحديث السابق، وحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وفيه: «ومن رأى سوى ذلك، فإنما هي من الشيطان ليحزنه، فلينفث عن يساره ثلاثًا، وليسكت ولا يخبر بها أحدًا».
(4) أن يقوم فيصلي، والدليل حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند أحمد، وفيه: «وإذا رأى شيئًا يكرهه فلا يقصه على أحد وليقم فليصلِّ».
(5) أن يتحول عن جنبه الذي كان عليه إلى الجنب الآخر، والدليل ما أخرجه الإمام أحمد ومسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثًا، وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثًا، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه».
(6) ألاَّ يحدث بها أحدًا، والدليل حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وفيه: «وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ من شرها ولا يذكرها لأحد، فإنها لا تضره».
- ما المقصود بدلالات الرؤيا ؟
- دلالات الرؤيا، هي الأمور التي ترشد إليها الرؤيا.
ومن دلالات الرؤيا:
أولاً: أن الرؤيا الصالحة تدل على خير رائيها وصلاحه غالبًا.
ثانيًا: أنها تدل على تثبيت الله لعباده المؤمنين.
ثالثًا: أنها تدل على اهتمام صاحبها بما يراه في المنام.
رابعًا: أن رؤيا السوء تدل على تلاعب الشيطان بالإنسان.
- هل يمكن رؤية الملائكة في المنام؟ وما الدليل على ذلك؟
- رؤية الملائكة في المنام جائزة كما ذكر ذلك الإمام البغوي رحمه الله وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وأن تلك الرؤيا حق لأن الشيطان لا يتمثل بهم.
ومما يدل على ذلك ما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في قصة رؤياه وقال فيها: «فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا لها قرنان، وإذا فيها أناس قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار، قال: فلقينا ملك آخر، فقال: لم تُرَعْ».
وفي لفظ آخر قال: «فبينما أنا كذلك إذ جاءني ملكان في يد كل واحد منهما مقمعة من حديد يقبلان بي إلى جهنم، وأنا بينهما أدعو الله: اللهم أعوذ بك من جهنم، ثم أراني لقيني ملك في يده مقمعة من حديد، فقال: لن تُراع، نعم الرجل أنت لو تكثر الصلاة» قال العيني رحمه الله في شرح هذا الحديث: «وفيه رؤية الملائكة في المنام، وتحذيرهم للرائي؛ لقوله: فرأيت ملكين أخذاني».
- هل الرؤيا إذا عُبِّرت وقعت ؟
- اختلف العلماء- رحمهم الله- في الرؤيا: هل لها حقيقة مستقرة بنفسها، أم هي تابعة للتعبير، كيفما عبرت؟
وحاصل هذه الأقوال يرجع إلى ثلاثة أقوال على جهة التفصيل:
القول الأول: أن الرؤيا إذا عبرت وقعت، بمعنى أنها تقع كما عبرها العابر وتلزم، واستدل أصحاب هذا القول بأحاديث منها: ما أخرجه الحاكم في مستدركه، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الرؤيا تقع على ما تعبر، ومثل ذلك مثل رجل رفع رجله، فهو ينتظر متى يضعها؛ فإذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحا أو عالمًا» وغير ذلك من الأحاديث.
وقالوا: هذه الأحاديث صريحة في أن الرؤيا تقع على مثل ما تفسر به، وعليه يقال: إن الله إذا قدر أن تقع الرؤيا فإنه سبحانه يقدر للعابر أن يفسرها على وفق ما ستقع، ومن ثم أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم ألا نقص الرؤيا إلا على عالم، أو ناصح.
وقد أشار ابن كثير رحمه الله إلى هذا القول: في تفسيره لقوله تعالى: {قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} (يوسف: 41) حيث قال: «أعلمهما – يعني أن يوسف أعلم الفتيين- أن هذا قد فرغ منه، وهو واقع لا محالة؛ لأن الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، فإذا عبرت وقعت».
القول الثاني: قالوا إن للرؤيا حقيقة ثابتة مستقرة بنفسها وليست تابعة للتعبير.
واستدلوا بقوله تعالى في قصة الملك: {قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ} (يوسف: 44).
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره: «في الآية دليل على بطلان قول من يقول: إن الرؤيا على أول ما تعبر؛ لأن القوم قالوا: أضغاث أحلام، ولم تقع كذلك، فإن يوسف فسرها على سني الجدب والخصب، فكان كما عبر، وفيها دليل على فساد أن الرؤيا على رجل طائر، فإذا عبرت وقعت».
واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر عندما فسر الرؤيا: «أصبت بعضًا، وأخطأت بعضًا».
ووجه الدلالة: أن الرؤيا حقيقة لم يدرك بعضها أبو بكر، وأخطأ فيها، ثم بتعبيره لها لم تتغير حقيقتها.
القول الثالث: قال جمهور العلماء في هذه المسألة تفصيل:
فجمعوا بين أدلة أصحاب القولين السابقين، وقالوا بينها عموم وخصوص فقول صلى الله عليه وسلم : «الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، فإذا عبرت وقعت» فهذا الوقوع مخصوص بما إذا أصاب حقيقة الرؤيا، ودل على هذا الخصوص قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: «أصبت بعضًا وأخطأت بعضًا».
وممن رجح هذا القول الشيخ الألباني رحمه الله حيث قال في قوله صلى الله عليه وسلم : «على رجل طائر» أي إنها لا تستقر ما لم تعبر، كما قال الطحاوي والخطابي وغيرهما، والحديث صريح بأن الرؤيا تقع على مثل ما تعبر؛ ولذلك أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ألا نقصها إلا على ناصح أو عالم؛ لأن المفروض فيهما أن يختارا أحسن المعاني في تأويلها فتقع على وفق ذلك، لكن مما لا ريب فيه أن ذلك مقيد بما إذا كان التعبير مما تحتمله الرؤيا ولو على وجه، وليس خطأ محضًا، وإلا فلا تأثير له حينئذ، والله أعلم.


- ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : «رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة»؟

- قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله – لما سئل عن معنى هذا الحديث: معنى قول صلى الله عليه وسلم : «رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة» أن رؤيا المؤمن تقع صادقة؛ لأنها أمثال يضربها الملك للرائي، وقد تكون خبرًا عن شيء واقع، أو شيء سيقع، فيقع مطابقًا للرؤيا فتكون هذه الرؤيا كوحي النبوة في صدق مدلولها، وإن كانت تختلف عنها؛ ولهذا كانت جزءًا من ستة وأربعين جزءًا من النبوة.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



اعداد: وليد دويدار