ابوالوليد المسلم |
20-06-2021 03:18 AM |
الرجولة الحقة (خطبة عيد الفطر 1440هـ)
الرجولة الحقة
(خطبة عيد الفطر 1440هـ)
الشيخ عبدالله محمد الطوالة
الحمد لله، الحمد لله حمد الرضا، حمدًا كثيرًا طيبًا، حمدًا كبيرًا أرحبا، حمدًا جميلًا موجبًا، والشكر لله في بدء ومختتم، فالله أكرم من أعطى ومن وهبا، سبحانه وبحمده جل وعلا، أحاط بكل شيء علمًا، ووسع كل شيء رحمةً وحلمًا، وقهر كل مخلوق عزةً وحكمًا، ﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ﴾ [طه: 110]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ﴿ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ ﴾ [المؤمنون: 88]، ﴿ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ ﴾ [الأنعام: 14]، ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ﴾ [الأنعام: 103]، ﴿ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ [الأنبياء: 23]، ﴿ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ ﴾ [النحل: 20]، ﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [القصص: 88]، ﴿ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [البقرة: 117]، وأشهد أن محمدًا عبدالله ورسوله، ومصطفاه وخليله، بلغ العلا بكماله، كشف الـدجى بجماله، بهر الألى بمقاله، أسر العداء بـفـعاله، حسنت جميع خصاله، يا رب صلِّ عليه وآله، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى أيها المسلمون وأطيعوه، وعظموه في هذا اليوم المبارك وكبروه، واحمدوه على ما هداكم واذكروه، واشكروه على ما أعانكم عليه من الطاعات وسبحوه، أصلحوا يا عباد الله ماضيكم بالندم، وأصلحوا حاضركم بحسن العمل، وأصلحوا مستقبلكم بصادق النية وعظيم الأمل، فالحياة فسحة محدودة، وأنفاس معدودة، ثم إلى الله المصير، فريق في الجنة وفريق في السعير، وشتان بين الفريقين في المآل والمصير؛ ﴿ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ [الحشر: 20].
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون، أديتم فرضكم، وأطعتم ربكم، وصمتم شهركم، وصليتم ما شاء الله لكم أن تصلوا، وقرأتم ما فتح الله عليكم أن تقرؤوا، وتصدقتم بما يسر الله لكم أن تتصدقوا، وربما قمتم بغيرها من أعمال البر والتقوى، وها أنتم اليوم تحضرون عيدكم بعد تمام شهركم، واكتمال نعمة الله تعالى عليكم، فأسعد الله أيامكم، وبارك الله أعيادكم، وأدام الله أفراحكم، وتقبل الله منا ومنكم، وبشراكم بإذن الله فوزكم بالأجر العظيم والجزاء الأوفى، فربكم محسن كريم، لا يضيع أجر من أحسن عملًا، أوليس قد صح الخبر بأن للصائم فرحتين: فرحة عند فطره، وفرحة بلقاء ربه؟ فافرحوا بعيدكم واسعدوا، وأدخلوا الفرح والأنس على ذويكم وابتهجوا.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
معاشر المؤمنين الكرام، الهمة العالية شرف نبيل، ومقصد جميل، فبالهمم تعلو الأفراد والأمم، حتى تبلغ معاليَ القمم، ومحاسن الشيم، والرفعة منحة إلهية؛ ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11]، وقد أثنى الله تعالى على أصحاب الهمم العالية من الأنبياء والمرسلين، وأوصى نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهم، فقال له: ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ﴾ [الأحقاف: 35]، كما أثنى على أوليائه أولي الهمم العالية، والعزائم الماضية؛ ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 23].
وأمر الله سبحانه بالتنافس في المعالي؛ فقال: ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ [البقرة: 148]، وعلَّم النبي صلى الله عليه وسلم أمته علو الهمة؛ فقال: ((إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها، ويكره سفسافها))، وقال: ((إن في الجنة مائة درجة، أعدها الله للمجاهدين في سبيله، كل درجتين ما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس؛ فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة))؛ والحديث في البخاري، وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "لا تصغرن همتكم؛ فإني لم أرَ أقعد عن المكرمات من صغير الهمم"، وفي الحديث الصحيح: ((كل الناس يغدو فبايع نفسه؛ فمعتقها أو موبقها))، ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى ﴾ [الليل: 5 - 11].
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أخي المسلم، الحياة وأيامها، الزمان ولحظاته - هبةٌ الله لعباده، وهو في نفس الوقت ابتلاء لهم واختبار: كيف يسيرون في هذه الحياة؟ وكيف يستثمرون ما مُنحوا من الأوقات؟ ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الملك: 2]، تأملوا يا رعاكم الله هذا المشهد العجيب؛ ((فقد أخذ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مجلسه ثم قال لمن حوله: تمنوا، فقال أحدهم: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة ذهبًا؛ فأنفقه في سبيل الله، فقال عمر: تمنوا، فقال آخر: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة بأنفس الجواهر؛ لأنفقها في سبيل الله، فلا زال عمر رضي الله عنه يقول لهم: تمنوا، حتى قالوا: ما ندري يا أمير المؤمنين، ما نتمنى غير هذا، فقال الملهم عمر: أما أنا فأتمنى لو أن هذه الدار مملوءة رجالًا أمثال أبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة، وحذيفة بن اليمان؛ فاستعملهم في طاعة الله))، يا لروعتك يا أمير المؤمنين! فلقد كان مشغولًا بالأفراد الأفذاذ، الرجال الذين تكامل تكوينهم إيمانًا وعلمًا، وصدقًا وصبرًا، وتضحيةً في سبيل الله وبذلًا، أولئك في حس أمير المؤمنين أغلى من الذهب، وأنفس من الألماس والجوهر.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
ثقوا يا كرام أن في كل فرد منا خصائص وصفات، ومواهب وقدرات، وطاقات وإمكانيات، لو فعَّلها بالشكل الصحيح، واستثمرها بطريقة سليمة، لتغير طعم الحياة في حسه، ولشعر بعلو قيمته وسمو قدره، ولعاش سعيدًا ومات حميدًا، ألا إن الخسارة كل الخسارة أن يهبك الله عقلًا سليمًا، وجسمًا صحيحًا، وينعم عليك بما لا يحصى من النعم والطاقات، والمواهب والقدرات، ويمد في عمرك سنوات وسنوات، ثم يضيع جل ذلك في الترهات، والتافه من الاهتمامات، ألا ما أشد أن يخسر الإنسان نفسه! ﴿ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ [الحج: 11]، وإن أردت أخي الكريم إثباتًا، فتأمل فيمن حولك جيدًا، كم من الفرص العظيمة تضيع! وكم من القدرات الهائلة تهدر! وكم من المواهب الفذة لا تُستغَل! وكم من الأوقات النفيسة لا تستثمر! وصدق الله: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 1 - 3].
يا عباد الله، إن مفتاح النجاح، ومعراج الفلاح، وجماع الخير كله - أن يربيَ الإنسان نفسه على المعالي والأهداف العظيمة، أن يعرف المرء قيمته وقدره، وأن ينعتق من الدوران حول نفسه، فالإسلام يأبى لأتباعه أن يمضوا حياتهم سبهللًا، وأن تتصرم أيامهم سدًى، ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115]، الإسلام لا يرضى للمسلم أن تتضاءل أهدافه حتى تنحصر في ملذات الدنيا وشهواتها، فما الفرق إذًا بينه وبين من حُرم نور الإيمان؛ ﴿ أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ﴾ [الشعراء: 205 - 207]، والإنسان إذا بلغ رشده، واستوى على أشده، ولمَّـا يربِّ نفسه؛ فمن ذا يربيه:
قد هيئوك لأمر لو فطنت له *** فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهملِ
وفي الحديث الصحيح: ((إنما الناس كإبل مائة، لا تكاد تجد فيها راحلة))، الرجل الصالح الكفء هو أساس البناء، ومحور الإصلاح، هذا ما يقوله الواقع؛ ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ﴾ [مريم: 12]، ﴿ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾ [القصص: 26]، ﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ [يوسف: 55]، والرجولة معاشر الكرام أفعال وليست أشكال، مخابر وليست مناظر، فكم من شيخ في السبعين وقلبه في سن السابعة! يفرح بالتافه، ويبكي على الحقير، متعلق بالقشور، وفي المقابل كم من غلام صغير العمر، ولكنك ترى مخايل النجابة والرجولة في قوله وعمله، وفكره وخلقه! ألم يمر الفاروق رضي الله عنه على مجموعة من الصبيان يلعبون في أحد أزقة المدينة فهرولوا كلهم، كلهم هربوا إلا صبي واحد وقف ثابتًا في مكانه، فسأله الفاروق: لمَ لمْ تهرب مع أصحابك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، لم أقترف ذنبًا فأخافك، وليست الطريق ضيقةً فأوسعها لك، لله درك يا ابن الزبير، ما أجمل الموقف! وما أحلى الكلام! وغلام آخر يدخل على هشام بن عبدالملك في دار خلافته ليتحدث بحاجة قومه، فيقول له الخليفة: يا غلام، ليتقدم من هو أسن منك وأكبر، فقال: يا أمير المؤمنين، لو كان الأمر بالسن، لكان في الأمة من هو أولى منك بالخلافة، المرء بأصغريه: قلبه ولسانه، يا ألله، كم هو رجل، وإن كان في صورة غلام! نعم، فالرجولة ليست في بسطة الجسم، ولا في طول القامة، ولا في قوة البنية وحسن الهندام؛ فلقد كان الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه مع شهرته وعظيم منزلته - قصيرًا نحيلًا، دقيق الساقين، ولقد انكشفت ساقاه ذات يوم فضحك بعض الصحابة: فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((أتضحكون من دقة ساقيه؟ والذي نفسي بيده، لهما أثقل في الميزان من جبل أحد))، وجبل أحد لمن لا يعرفه طوله سبعة كيلومترات وعرضه ثلاثة، بينما قال الله عن بعض المنافقين: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ﴾ [المنافقون: 4]، ومع هذا فقد ذمهم بالبلادة والخور؛ ﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾ [المنافقون: 4]، وقال عنهم في آية أخرى: ﴿ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ﴾ [الكهف: 105]، وجاء في الحديث الصحيح: ((يأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة فلا يزن عند الله جناح بعوضة))، الرجولة معاشر الأحبة الكرام ليست بالحسب ولا بالنسب، ولا بالمال ولا بالمنصب، الرجولة قوة نفسية ترفع صاحبها لمعالي الأمور، وتنأى به عن سفسافها، قوة تجعله على بصيرة من أمره، واثقًا من ربه، ماضيًا في عزمه، منجزًا في عمله، يؤدي واجبه قبل أن يطالب بحقه، وأن يعرف ما عليه نحو نفسه، ونحو ربه، ونحو أهله ودينه ومجتمعه، يعلم أن معالي الأمور والطموحات الكبرى لا تأتي إلا بالكد والتعب، وأنه ما من أمة ترقت في مراتب المجد، وسطرت اسمها على صفحات العز - إلا كان وراء ذلك سلسلة من الأعمال الضخمة، والبذل المتوالي لأقصى الجهد وفي كل الميادين:
لا تحسب المجد تمرًا أنت آكله *** لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
والرجولة في القرآن صدع بالحق ونصرة لأهله؛ ﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ ﴾ [غافر: 28]، والرجولة في القرآن سعي في الخير ودعوة إليه؛ ﴿ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [يس: 20، 21]، الرجولة في القرآن طهارة قلب وبدن؛ ﴿ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾ [التوبة: 108]، الرجولة في القرآن صمود أمام الملهيات، وثبات على الطاعات؛ ﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾ [النور: 37]، الرجولة في القرآن بذل وتضحية في سبيل الله؛ ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 23].
يا أبناء خير أمة أُخرجت للناس، إن بين أيديكم أصح تراث سماوي، وفي قرآنكم ري العالم وعافيته، ألا فتيمموا شطر الفلاح، وخذوا من مشكاة ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾ [الشمس: 9]، ثم أتبعوا سببًا، واعلموا أن من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، وأن طريق العلا والمكرمات يحتاج إلى تعب وبذل وتضحيات:
ومن تكن العلياء همة نفسه *** فكل الذي يلقاه فيها محببُ
وإذا عرف الإنسان ما يطلب، هان عليه ما يبذل، ومن طلب عظيمًا خاطر بعظيم؛ ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69]، إن على أمة الإسلام وهي تمر بأحلك ظروفها، وأخطر منعطفات تاريخها - عليها أن تعلوَ بهمتها عن اللهو والعبث والترفه، والغفلة والخمول، وأن تربيَ أجيالها على الجد والطموح والهمم العالية؛ فقد قال الله لنبيها صلى الله عليه وسلم: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ ﴾ [المدثر: 1، 2]، ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [المزمل: 1، 2]، ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾ [الشرح: 7، 8]، و﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11].
فاستفرغوا الجهد والطاقة، وعليكم بعلو الهمة وقوة الإرادة، فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم، وتأتي على قدر الكرام المكارم، ومن كانت له نفس تواقة، طارت به نحو المعالي، والعمل الجاد إن لم يوصلك للقمة فسيقربك منها كثيرًا:
يتبع
|