ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الشعر والخواطر (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=30)
-   -   بين الشابي وقلبه (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=274597)

ابوالوليد المسلم 23-02-2022 08:18 PM

بين الشابي وقلبه
 
بين الشابي وقلبه


محمد فايع عسيري







أبو القاسم الشابِّي، شاعر تونس الخضراء، الذي زاحم باسمِه بقيةَ أسماء الشعر التونسية إلى الوقت الحاضر.



وُلِد ولم يَمُت على الرغم من تحديدِهم سنة وفاته بعام 1934، لكن هذا لم يمنعْ شعرَه من الاستمرار والاستقرار في الحياة؛ لأن أعظم ما كتبه الشابُّ (الشابي) هو ديوان "أغاني الحياة"؛ فكيف تموت أغانٍ للحياة؟! لقد كان الشابي فرعَ شجرةٍ طيِّبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، فحَفِظ القرآن، ودرس في الزيتونة، وأحبَّ، وتزوج، ولكن قلبه المرهف والمرهق لم يتحمَّل أكثر من هذا، فبعد أن تنقل كالنحلة في ربوع تونس الخضراء؛ ليرتشف الشهد، ويسقيه حسب الفصول الأربعة، قرَّر أن يتوسد بيتًا صغيرًا يكفيه لوحدته، ويحقق له آمال أمنية كان يطمح لها؛ وهي أن يعيش منفردًا وحيدًا، ليرتاح من عناء الدنيا وشقائها، وترك لنا قلبه وما دار بينه وبين قلبه.



لقد انطلقت حياة (الشابي) من قلبه، وحامت حوله وانتهت إليه، الأطباء الذين باشروا عضلته القلبية قالوا: إن قلبَه قد أضناه المرض منذ ولادته، فالشابي يقتات الطعام والشراب، والزمانُ يقتاتُ من قلبه وجسده، وقد أحسَّ هو بهذا الشعور المضني والمتعب؛ مما زاده ألمًا، وكتم أنفاسه، وحجزه عن كثير مما كان يريد كتابته من أدب، كما عبَّر عن ذلك في مذكراته، ثم زاده كربًا على كربه أفولُ كوكبين في حياته: (محبوبته) و(والده).





أَبِنتَ الدهر، عندي كلُّ بنتٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فكيف وصلتِ أنت من الزحامِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif






"المتنبي"

لقد كانت رياحًا عاصفة، وأمواجًا من القدر هادرة على زورقه، الذي لم يَكَدْ يبرح جزيرة الطفولة، فبكاهما بكاءَ الغيمة السابحة الممطرة أينما توجَّهت، على الرغم من مجاهدة نفسه في مقاومة هذا المد العاتي، الذي لم يشفع لقلبِه الصغير أن يتحمله، حتى لكأنك تحسُّ وتشعرُ بنبض قلبه في كل قصيدة، بل في كل بيت شعري أو سطر نثري، بل لم يكن حديثه إلا حديثَ القلب الذي أصقلتْه التجارب على صغره، وفتنته الحياة فأخلصته للأدب العربي نقيًّا صافيًا ينشده الناس في كل حين.



وما هذه الأسطر القليلة القادمة إلا وقوف لبرهةٍ على ضريح قلبِه، الذي خاطبه الشابي متسائلاً عن سرِّ قوته، وقدرته على تشكيل الحياة من جديد، وماذا قال لقلبه يوم وفاة والده، وكيف صارح قلبه يوم أن حُرِم من متع الحياة؛ كما "نصحه" أطباؤه، إلى أن يصل إلى رسالته لقلبه عن سر السعادة ورمز الراحة النفسية التي كان ينشدها.



إن هذه الأسطر القادمة ليستْ إلا اختلاسًا للمناجاة التي كانت بينه وبين فؤاده الكوني الإنساني العالمي، الذي بدأ صدى صوته الشعري يُسمَع أولاً خارج الحدود التونسية في صفحات مجلة "أبولو"، إن هذه الأسطر وقفة احترام وتبجيل، ولمحة خاطفة لهذا الهمس اللطيف بين الشاعر الشاب الشابي، وقلبه الذي قتله وأحياه.



أول الرسائل لقلب الشابي تُلمَح من احتفائه بالقلب أيَّما احتفاء، ومناداته إياه متعجبًا من القدرات العالية التي يتمتع بها، مستعرضًا هذا الاحتفاء بأسلوب يستحث الانتباه ويبعث التأمل؛ كالنداء، والتَّكرار، والتشبيه، والاستفهام.



يا قلبُ، إنك كونٌ مدهشٌ عجبٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

إِنْ يسألِ الناسُ عن آفاقِه يَجِمُوا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



كأنك الأبدُ المجهولُ، قد عجزتْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

عنك النُّهَى، واكفَهرَّتْ حولك الظُّلَمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif






لكنه قبل هذين البيتين اللذينِ قد رسما لوحة فنية بارعة، رحلَ فيها العقل رحلتين بين الحقيقة والخيال:

فأما الحقيقة، فهي في مفردات الطبيعة التي تكسو النص، وأما الخيال، فهو في خلق كون جديد، وأفق وغابة، وجبل وكهف في هذا القلب...



يا قلبُ، كم فيك من كونٍ، قد اتَّقَدتْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فيه الشموسُ وعاشتْ فوقه الأممُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



يا قلبُ، كم فيك من أفقٍ تنمِّقُهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

كواكبٌ تتجلَّى، ثم تنعدمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



يا قلبُ، كم فيك من قبرٍ، قد انطفأتْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فيه الحياةُ، وضجَّت تحته الرممُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



يا قلبُ، كم فيك من غابٍ ومن جبلٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

تدوي به الريحُ أو تسمو به القممُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



يا قلبُ، كم فيك من كهفٍ قد انبحستْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

منه الجداولُ تجري ما لها لُجَمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif








لقد أوجدتْ هذه الأحرفُ حالةً من الحياة المنتعشة في القلب، وحرَّكته من كونه عضلة تضخ الدم، إلى عضلة تنبِض بالحياة، ومظاهر الحياة من أرض وسماء وما بينهما.




استطاع - بقدرة خياله البارع - أن يلهم الناس رؤيةً جديدة للقلب، تخالف الرؤية التي يراها طبيب الجراحة أو فنيُّ التشريح، إن هذا الأفق الذي رسمه ليهدي العقول إلى تغيير نظراتنا إلى الحياة وتجديد رؤيتنا للكون، فليس كل ما تبصره هو ما تراه؛ بل إن رؤيتك للشيء تفوقُ مشاهداتك له، وتجعل للحياة معنى راقيًا.




ولم يكتفِ الشابي بهذا العرض العابر؛ بل راح يغوص في أعماق هذا العالم الجميل ويسأله عن سر قدرته على جمع نشاطات الحياة وإعادة ترتيبها، وإيجاد التوازن بين صوت الواقع ولحن الخيال، وصهر الحياة في إبريق الإبداع؛ ليسقي بشهده أهل الحياة، ويقتطف مفردة من الجنة ليوجدَ لهم بيئة راضية مرضيّة على مر الزمن:



كم توشَّحتَ من ليلٍ ومِن شَفَقٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ومن صباحٍ توشِّي ذيلَه السُّدُمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



وكم نسجتَ من الأحلامِ أرديةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

قد مزَّقتْها الليالي، وهْي تبتسمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



وكم ضَفَرتَ أكاليلاً مورَّدةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

طارتْ بها زعزعٌ تدوي وتحتدمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



يتبع








ابوالوليد المسلم 23-02-2022 08:19 PM

رد: بين الشابي وقلبه
 
وكم رسمتَ رسومًا، لا تشابهها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

هذي العوالِمُ، والأحلامُ، والنُّظُمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



كأنها ظُلَلُ الفردوسِ، حافلة https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

بالحُورِ، ثم تلاشتْ واختفى الحُلُمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



تبلو الحياةُ فتبليها وتخلعُها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وتستجدُّ حياةً ما لها قدمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif





وكأني به في هذا المقطع خاصة، وقد مازج مزجًا محكمًا بين العقل والقلب، بل ربما يذهب هو إلى أن العقل والقلب صنوانِ لا يفترقانِ، وأنهما يكملان بعضهما البعض؛ فلا فائدة من خيالٍ لم تؤجِّجه عاطفةٌ جيَّاشة متوقدة، ولا فائدة من عاطفة مشتعلة لا تستطيع ترتيب الحياة في صورة من النشاط الإبداعي، أو أن تعبِّر عن نفسها تعبيرًا حقيقيًّا.




وسؤال العقل والعاطفة سؤال جوهري في عالم الفن والأدب، لا تكاد تلقى شاعرًا لم يفتنْه هذا السؤال، أو لم يتحرَّش بخلَده يومًا؛ مما جعل الكثيرين يُدْلُون بدلائهم في هذا الباب، فمِن مستقلٍّ ومستكثرٍ.




والأمر الآخر الملاحظ على هذا النص، هو التَّكرار الكثير لبعض الكلمات، وخاصة (القلب)؛ حيث أصر الشابي، وألح على هذا النمط الأسلوبي بشكلٍ راسٍ متعاقب؛ ليؤكِّد على أهمية القلب الذي يشكل مصدرًا لوجعه وآلامه.



إن الشابي لم يجدْ مَن يشتكي إليه، أو مَن يستمع له من البشر، فراح يصادق قلبه ويرافقه، ويقول له كل ما يريد، ويكرِّر عليه بلا ملل؛ لأنه يعلم أنه ليس لديه إلا هذا القلب الممتلئ بالأيام والذكريات الجميلة وغيرها.



أما رسالته الثانية إلى قلبه، فهي ما دار بينه وبين قلبه يوم غادرت روحُ أبيه جسدَه؛ فلقد نَعى الشابي قلبَه عندما انفطر من رحيل أبيه، فتعالوا ندلج الزمان الذي احتوى آخر أيام أبيه، وندخل غرفته في المستشفى؛ لنرى ذلك الابن البارَّ وهو يضع رأسه على صدر أبيه، ويدرُّ الدمع رقراقًا عليه كوابل المطر، فلما التفت إليه أبوه وأرسل له نظرة الوداع، لم يكن للشابي بدٌّ من أن يكذِّب الوداع ذاتَه، وأن يطرد خيال الفقد من رأسه، ولكن هيهات، فهذه الدنيا تُعلِّمنا الغروب كما تعلمنا الشروق، وبعد لحظات يلتفت إلينا بعينيه التي امتلأت مآقيها بالدموع، وهو يقول: "آه يا قلبي، لقد كانت تلك نظرة الموت وأنا لا أدري، أنا الطفل الصغير الذي لا يعرف مواقف الموت، حسبتُها نظرات الحياة تدعوني، ثم لوى عنقه، وشخص ببصره، وارتجفت شفتاه بالشهادة التي لم يفترْ عن تردادها، ولفظ النفَس الأخير، لقد مات أبي أيها القلب! فماذا لك بعدُ في هذا العالم؟!".



إنه ينادي قلبه متأوِّهًا من الألم الذي عصره لحظة وفاة والده، وهذا من أعجب العجب، أن تتأوَّه لقلبك وتشتكي له، وكأنه ليس هو الذي منحك هذا الإحساس وهذه المشاعر، آه يا قلبه الطفولي الصغير! على الرغم من أنه يحملك شاب قد بلغ العقد الثالث من عمره، إلا أن روح الطفولة وبراءتها وفطرتها لا تزال تجري في عروقه، إن الرجل والمرأة يبقيانِ أطفالاً أمام والديهما مهما بلغا من الكِبَر عتيًّا، فإذا مات أحدهما شاخ المرءُ فجأةً؛ كما يقول نابليون بونابرت.



لقد مات أبوه القاضي، الذي سعدت الأراضي التونسية بسموِّ خُلُقه، وحسن سيرته، وطيب سيرته بين مسجده ومحكمته وبيته، حتى ختم حياته بالشهادة، وكأنه يربِّي ابنه في هذه اللحظة الحاسمة أن كُنْ مع الله يكنِ اللهُ معك، ولكن عظمَ حجم المأساة، وجُثُومُها على صدر الشاعر من هذا الفراق، قد حوَّلت أيامه ولياليَه إلى سواد كالح، نهارُها كليلِها، عن قلبه لا تحيد، وتحت قدميه به تَمِيد.



وأما الرسالة الثالثة، فهي عتاب غيرُ لطيفٍ إلى قلبه الذي أطعمه الحرمان، لقد كان الحرمان ألمًا ممضًّا يتجرَّعه آناء الليل وأطراف النهار، وهو لا يكاد يُسِيغُه، وتأتيه صور المتعة والبهجة من كل مكان وما هو بمبتهجٍ، ومن ورائه الأطباء يمنعونه من التمتُّع بها لأجل صحَّة قلبه، وهو لم يُرِدْ من غشيان هذه المتع الحياتية إلا صحة قلبه وسعادته، ولكن ما أبعدَ نَجْعَةَ الآمال عن قلبه، فبعد أن كان مصدرَ الإلهام صار مصدر الآلام.



لقد استنطقتْ هذه الأحرف صورةً رآها في يوم ما، فقال: "ها هنا صِبْيَة يلعبون بين الحقول، وهناك طائفة من الشباب الزيتوني والمدرسي يرتاضون في الهواء الطلق والسهل الجميل، ومَن لي بأن أكون مثلهم؟ ولكن أنى لي ذلك والطبيب يحذر علي ذلك لأن بقلبي ضعفًا! آهٍ يا قلبي! أنت مبعث آلامي ومستودع أحزاني، وأنت ظلمة الأسى التي تطغى على حياتي المعنوية والخارجية". فماذا بعد هذا الأسى إلا بقاءٌ يسير لم يتجاوز السنوات الأربع، حتى ودَّعت روحُه كل هذه المُهَج من الدنيا، ورحلت إلى عالم علوي سماوي في جنات عرضها كعرض السماء والأرض - بإذن الله.



من عاشَ بالوحي المقدَّس قلبُه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لم يلتفتْ لحجارةِ الفلتاءِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif






ولا يَعزُب عنَّا صوتٌ مميز لا يمكن أن يغيب صداه عن كل مَن سمع نداءاته لقلبه، ذلك الصوت الذي أخبر فيه قلبَه عن سر السعادة، وأنها حلم صنعته أوهام الناس من قديم الأزل، ويستدل على ذلك بحياته التي ملأها الحزن والألم:



تَرجُو السَّعادةَ يا قلبي ولو وُجِدَتْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

في الكونِ لم يشتعلْ حُزنٌ ولا أَلَمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



ولا استحالتْ حياة ُ الناسِ أجمعُها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وزُلزلتْ هاتِهِ الأكوانُ والنُّظُمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



فما السَّعادةُ في الدُّنيا سوى حُلُمٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ناءٍ تُضَحِّي لهُ أيَّامَهَا الأُمَمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



ناجتْ به النَّاسَ أوهامٌ مُعَرْبِدةٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لَمَّا تغَشَّتْهُمُ الأَحْلاَمُ والظُّلَمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



فَهَبَّ كُلٌّ يُناديهِ ويَنْشُدُهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

كأنَّما النَّاسُ ما ناموا ولا حلُمُوا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

يتبع



ابوالوليد المسلم 23-02-2022 08:20 PM

رد: بين الشابي وقلبه
 


والملحوظ في المقطع السابق البداءة في أول الأبيات بضمير الذات (قلبي)، إلا أن هذه الذاتية لم تبق طويلاً حتى التهمت الأمم كلها، ولكنه عاد بعد أن ألقى الريشة والألوان ليرفع اللوحة ويعيد رسم لوحة السعادة التي يرجوها لقلبه، والتي تمثّلت في قيم قلبية مُثلى، ومبادئ روحية كبرى؛ كالرضا والقناعة والصبر.



خُذِ الحياةَ كما جاءتْكَ مبتسمًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

في كفِّها الغارُ، أو في كفِّها العَدَمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



وارقُصْ على الوَرْد والأشواكِ مُتَّئِدًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

غنَّتْ لكَ الطَّيرُ، أو غنَّتْ لكَ الرُّجُمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



واعمل كما تأمرُ الدنيَا بلا مضضٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

والْجَمْ شعورَك فيها، إنها صَنَمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



فمَن تألَّم لن ترحمَ مضاضتَهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَمَنْ تجلَّدَ لم تَهْزأْ به القِمَمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



هذي سعادة ُ دُنْيَانا، فكُنْ رجلاً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

إِنْ شئْتَها أَبَدَ الآبادِ يَبْتَسِمُ! https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif






هكذا يرى السعادةُ الشابِّيُّ، وهو يلتقي هنا مع حروف مشعَّة، خطها المنفلوطي في رائعته "الفضيلة"، حين قال عن السعادة بأنها "ينبوع يتفجر من القلب، لا غيث يهطل من السماء، وإن النفس الكريمة الراضية البريئة من أدران الرذائل وأقذارها، ومطامع الحياة وشهواتها، سعيدةٌ حيثما حلَّت، في القصر وفي الكوخ، في المدينة وفي القرية، في الأنس وفي الوحشة، في المجتمع وفي العزلة، بين القصور والدُّور وبين الآكام والصخور،.فمن أراد السعادة فلا يسألْ عنها المال والنسب، والفضَّة والذهب، والقصور والبساتين، والأرواح والرياحين، بل يسأل عنها نفسه التي بين جنبيه؛ فهي ينبوع سعادته وهنائه".



وليختم رسالته إلى قلبه بوصية تكاد تكون من المتفق عليه بين الشعراء الرومانسيين، خاصة أدباءَ المهجر كـ"إيليا أبو ماضي"، و"جبران خليل جبران"، ألا وهي هجر صخب المدينة والتلحُّف برداءِ الصمت، والمَبِيت تحت سقف السماء وظل الأشجار؛ فليس الحلم هو ما تراه في المنام؛ بل الحلم هو ما تراه في اليقظة.



وإن أردتَ قضاءَ العيشِ في دَعَةٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

شعريَّة ٍ لا يغشِّي صفوَها نَدَمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



فاتركْ إلى النَّاس دُنْياهمْ وضجَّتَهُمْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وما بَنَوا لِنِظامِ العَيشِ أو رَسَمُوا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



واجعلْ حياتَكَ دَوحًا مُزْهرًا نَضِرًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

في عُزْلَةِ الغابِ ينمو ثُمَّ يَنْعَدِمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



واجعلْ لياليكَ أحلامًا مُغَرِّدةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

إنَّ الحياةَ وما تدوي به حُلُمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif






إن الشابي في مرض وفاته وعندما زاره أحدُ محبِّيه وجلاَّسه، فقال له: أتخشى الموت؟ قال: "لا، ولكن أخاف على هذه"، وأشار إلى ديوانه، أشار إلى ديوانٍ لم تكتمل صفحاتُه بحياة مبدعِه، الذي ما جاوز العقد الثالث بقليل، إلا واستلمتْه يد المنون، أشار إلى ديوان كتب، أشار إلى ذلك الديوان الذي كتبه بدم قلبه لأجل قلبه، لا لأجل أحد سواه، حشد السهل والجبل، والتل والقمر، والطير والبحار، والجداول والأنهار، وقيمًا رفيعة راقية لا تبلَى ولا تخلق مع مر الزمان وتعاقب الأمم والسنين، كيف لا، وكلنا نردِّد بيته الذي يجمع فيه أعظم قوى القلب وهي "قوة الإرادة"؟!



إذا الشعبُ يومًا أرادَ الحياة https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فلا بدَّ أن يَستَجِيبَ القَدَر https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif






وصلات المقال:

ديوان الشابي (أغاني الحياة).



مذكرات الشابي.



ديوان المتنبي.



الفضيلة (بول وفرجيني)، رواية صاغها مصطفى لطفي المنفلوطي.



(التكرار وأثره في إنتاج الدلالة.. قراءة في نصوص "أبي القاسم الشابي")؛ معمر الشميري.



برنامج تلفزيوني عن الشاعر على قناة الجزيرة الوثائقية.


الساعة الآن : 02:24 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 32.72 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.54 كيلو بايت... تم توفير 0.18 كيلو بايت...بمعدل (0.54%)]