الاكتئاب المَرَضي – بين حتمية العلاج.. وخطورة المفاهيم المغلوطة!
https://al-forqan.net/wp-content/upl...الاكتئاب-0.jpg الاكتئاب المَرَضي – بين حتمية العلاج.. وخطورة المفاهيم المغلوطة!
في عصر تتزايد فيه الاضطرابات النفسية والاجتماعية، أصبح من الضروري إعادة النظر في فهمنا لحقيقة الاضطرابات النفسية، وعلى رأسها الاكتئاب والقلق المرضي؛ لأن مثل تلك الاضطرابات النفسية لم تعد مجرد حالات عابرة من الحزن والتوتر، بل أصبحت تمثل حالات مرضية حقيقية، موثقة علميا، وتؤثر بعمق على حياة الأفراد وعلاقاتهم ومدى إنتاجيتهم، وقد تؤدي - في ظل غياب الفهم الصحيح والتعامل المهني - إلى نتائج مأساوية، كالعزلة واليأس والانتحار في بعض الحالات المتقدمة. وعلى الرغم من تقدم العلاجات النفسية والدوائية، لا تزال بعض المجتمعات - في ظل الجهل بحقيقة المرض وتغليب النظرة النمطية أحيانا - تقع في فخ التفسيرات غير الدقيقة لتلك الاضطرابات، كربطها المباشر بالذنوب أو الضعف الإيماني أو وساوس الشيطان، ما يزيد الطين بِلة، ويؤخر التشخيص السليم وتلقي العلاج، بل قد يرى بعضهم أن اللجوء إلى مراكز العلاج النفسي يمثل وصمة عار، ونظرا لخطورة تلك النظرة القاصرة، وارتفاع معدلات الاكتئاب حول العالم يأتي هذا الملف من أجل وضع النقاط على الحروف، والمساهمة في تصحيح المفاهيم وتوضيح الحقائق. حقيقة الاكتئاب الاكتئاب(Depression): هو اضطراب نفسي شائع، يصيب ما يقارب 5% من البالغين حول العالم، وذلك بحسب تقارير منظمة الصحة العالمية، وهو ليس مجرد حزن عابر، بل حالة مستمرة من الانخفاض في المزاج، وفقدان الاهتمام، وتراجع مستويات الطاقة، يصاحبها اضطرابات في النوم، وتغيرات شديدة في الشهية، وشعور دائم بالذنب أو عدم القيمة، وقد تتطور إلى أفكار انتحارية، وضلالات مرضية، أو محاولات لإيذاء النفس! ومن المهم هنا التفريق بين الحزن الطبيعي - وهو رد فعل صحي لفقد أو ضغط - وبين الاكتئاب المرضي الذي يحتاج إلى تدخل نفسي ودوائي، ويتطلب دعمًا متكاملًا من البيئة المحيطة، وقد بكى النبي - صلى الله عليه وسلم - لموت ابنه، وقال: «إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون..». مرض العصر! يُطلق على الاكتئاب «مرض العصر» في الأدبيات الطبية والاجتماعية؛ وذلك بسبب الانتشار المتزايد له عالميا وارتباطه الوثيق بأنماط الحياة الحديثة؛ حيث تشير الدراسات إلى أن معدلات الاكتئاب ارتفعت ارتفاعا ملحوظا في العقود الأخيرة، ولا سيما في المجتمعات التي شهدت تسارعًا في وتيرة التمدن والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية،أسباب ارتباط الاكتئاب بالعصر الحديث إلى مايلي:
أنواع الاكتئاب 1- الاكتئاب الجزئي: (الخفيف): وهي حالة من سوء المزاج تستمر لفترات طويلة نسبيا، لكنها لا تؤثر بشكل ملحوظ على أداء الشخص لمهامه اليومية والعملية. 2- الاكتئاب الذُهاني: هو إصابة الشخص باكتئاب شديد، فضلا عن نوع من الاضطرابات العقلية (مثل: الهلوسات والأوهام)، وتكون أعراضه مرتبطة بأوهام كئيبة مثل هلوسات الفقر والمرض وغيرهما. 3- الاكتئاب ثنائي القطب: يختلف اضطراب ثنائي القطب عن الاكتئاب، ولكنه يُذكَر ضمن أنواع الاكتئاب، لأن المصاب بثنائي القطب يواجه نوبات من الاكتئاب الشديد تتناوب مع نوبات ابتهاج عالية، والأمران متناقضان بلا شك.
الأسباب وعوامل الخطورة لعل من أبرز أسباب الإصابة بالاكتئاب ما يلي: (التاريخ العائلي، وصدمات الطفولة، ونمط الشخصية، والإصابة بالأمراض المزمنة والخطيرة (مثل السرطان)، وأمراض الشيخوخة، والإدمان على المخدرات والكحول، والحوادث والتعرض للعنف والضغوط الشديدة ولا سيما في بيئة العمل والدراسة كالتنمر وعدم الأمان الوظيفي.. الخ). جذور عميقة ومشكلات متراكمة تؤكد النظريات النفسية المعاصرة أن الاكتئاب لا ينبع من سبب واحد، بل من تفاعل معقد بين عوامل بيولوجية، ونفسية، وبيئية، وفكرية متعددة:
أعراض وفوارق مهمة كما ذكرنا، فإن الحزن والتوتر العادي هو شعور فطري يحفّز الإنسان على الحذر من المخاطر، لكنه قد يتحول إلى اضطراب مرضي عندما يفقد المرء توازنه، ويشعر باضطراب المزاج أو الخوف والهلع والتوتر لمدة أسبوعين أو أكثر، دون مسوغ واضح؛ بحيث يؤثر في التفكير والسلوك والمشاعر، والتأثير على الوظائف اليومية، وتأتي تلك الاضطرابات عادة مصحوبة بأعراض جسدية، مثل: تسارع نبضات القلب، والدوخة، والتعرق، والأرق، وصعوبة التركيز، وغالبًا ما تترافق هذه الأعراض مع أفكار تشاؤمية كالشعور بعدم القيمة، والرغبة في إنهاء الحياة وفقدان الطاقة والشعور بالإرهاق، وسيناريوهات كارثية لا تتوقف من تفاقم مشاعر الذنب وجلد الذات، والأفكار الانتحارية (في الحالات الشديدة). ومن الأعراض الاجتماعية الميل للانعزالية، وعدم الاهتمام بواجبات العمل أو المدرسة، والابتعاد عن الأهل والأصدقاء المقربين، وأحيانا اللجوء إلى المهدئات والإدمان وما إلى ذلك. الضلالات المَرَضية قد يستحوذ الشيطان على المريض في تلك الفترة الحرجة؛ لأنها مرحلة ضعف، وقد يوهمه بأنه عديم النفع في هذه الحياة، وأن الله غاضب عليه! وقد يشعر بأنه شخص شرير، بل قد يتجاوز ذلك الأمر إلى التشكيك في المعتقدات والغيبيات؛ بحيث تختلط لديه الأمور والمفاهيم، ويشعر تجاه الناس بالعدوانية، وتسيطر عليه عقلية المؤامرة، وهذه كلها من الضلالات المرضية المتوقعة، ومن المهم جدا في تلك المرحلة أن تتم التوعية بأن المرء حال فترة المرض الشديد غير مؤاخذ على تلك الظنون التي قد يكون السبب فيها اضطرابات نفسية وذهانية واختلالات هرمونية وعضوية، حتى لا يتسلل إليه القنوط واليأس من رحمة الله ! ضرورة العلاج أثبتت الأبحاث أن نسبة كبيرة من المصابين بالاكتئاب يتحسن حالهم تحسنا ملحوظا عند خضوعهم للعلاج المناسب، وتتعدد وسائل العلاج وفق ما يلي:
تفنيد المفاهيم المغلوطة وفق تلك الحقائق العلمية - وهذا المنظور الشمولي - يصبح من الظلم الشديد اختزال تلك المعاناة في إحالتها إلى «التقصير في العبادات»، وإلى «الوساوس الشيطانية»، أو إلى «تلبّس الجنّ» ! الأمر الذي من شأنه إرباك المريض، وحرمانه من فرص التعافي النفسي والعلاجي.. هذا من جانب النظرة النمطية والوصمة الاجتماعية، ومن ناحية أخرى فإن التوجه إلى مراكز العلاج النفسي المعتمدة لا يعني الضعف والعار، بل الشجاعة والأخذ بالأسباب التي دعا الشرع إلى اتخاذها كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما أنزل اللهُ داءً إلا أنزل له شفاءً، علمَهُ من علمه وجهلَه من جهِله». ومن المهم هنا التأكيد على أن العلاج الروحي والإيماني لا يتعارض مع العلاج النفسي، لكن لا يجوز اعتباره بديلًا علميًا عنه، وربما يكون بعض هؤلاء المرضى من المصلين الذاكرين المجتهدين، لكنهم يحملون في أذهانهم وفطرتهم مشاعر وأفكاراً لا يمكن كبحها بالدعاء فقط، بل تحتاج إلى فهم وتشخيص ومساعدة وعلاج وربما دواء لعلاج الأسباب العضوية، فالتداوي من سنن الدين، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ مَعَهُ شِفَاءً إِلَّا الْهَرَمَ»، لا أن يُستبدل العلاج الطبي والنفسي بالدعاء وحده.. فإن الخلل في هرمونات النواقل العصبية على سبيل المثال لا بد له من جرعات يقررها الطبيب المعالج، كما إن المشكلات الأسرية وتحديات العمل والدراسة - وما إلى ذلك - لا بد من التعامل معها بعقلانية واتزان، والسعي من أجل معالجة الأسباب الباعثة على الاضطرابات المتصلة بها، ولن يكفي فيها مجرد الدعاء.. وربما يتطلب الأمر أبعد من ذلك من خلال اللجوء إلى الاستشارات القانونية والأسرية وربما العمالية أحيانا، لإزالة أي تهديد أو مخاطر حقيقية. أرقام وإحصاءات مهمة
أبرز التوصيات
الخاتمة.. خلاصة الأمر أن الإصابة بالاضطراب أو المرض النفسي مثل (الاكتئاب) وغيره، لا يُنقص الإيمان، ولا يدل على ضعف الشخصية، بل هو ابتلاء رباني، وامتحان إنساني يتطلب منا الرحمة والعلم والحكمة، وكلما ازداد وعي المجتمع، وتم كسر حاجز الخوف، ارتفعت نسب الشفاء، وعادت الأرواح إلى الحياة والعطاء. كما إن المصاب بالاكتئاب ليس حالة شاذة؛ فالاكتئاب (مرض العصر)؛ حيث يرتبط انتشاره بأنماط الحياة المعاصرة والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية، حتى أصبح من أبرز أسباب الإعاقة الصحية عالميًا، ومن هذا المنطلق ليس من العدالة أن يوصف أولئك الذين يعانون من الاضطرابات النفسية بالجنون أو ضعف الإيمان! وهذه الوصمة الاجتماعية والتفسيرات الخطأ ما هي إلا تصورات ومفاهيم مغلوطة بعيدة كل البعد عن الدقة العلمية والعدالة الشرعية، والصواب والحق أن الصحة النفسية لا تُعارض الإيمان، بل تُكمله، وهو الخطوة الأولى، والطريق الأمثل نحو التعافي بإذن الله -تعالى-، مع تمنياتنا للجميع بالسلامة والشفاء. اعداد: ذياب أبو سارة |
الساعة الآن : 03:41 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour