عرض مشاركة واحدة
  #521  
قديم 13-12-2024, 04:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,450
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء التاسع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
الحلقة (521)
صــ 396 إلى صــ 410






وقال آخرون : بل"المقيمون الصلاة" من صفة غير"الراسخين في العلم" في هذا الموضع ، وإن كان"الراسخون في العلم" من"المقيمين الصلاة" .

وقال قائلو هذه المقالة جميعا : موضع"المقيمين" في الإعراب ، خفض .

فقال بعضهم : موضعه خفض على العطف على"ما" التي في قوله : " يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك " ، ويؤمنون بالمقيمين الصلاة .

ثم اختلف متأولو ذلك هذا التأويل في معنى الكلام .

فقال بعضهم : معنى ذلك : " والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك " ، وبإقام الصلاة . قالوا : ثم ارتفع قوله : "والمؤتون الزكاة" ، عطفا على ما في"يؤمنون" من ذكر"المؤمنين" ، كأنه قيل : والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك ، هم والمؤتون الزكاة .

وقال آخرون : بل"المقيمون الصلاة" ، الملائكة . قالوا : وإقامتهم الصلاة ، تسبيحهم ربهم ، واستغفارهم لمن في الأرض . قالوا : ومعنى الكلام : " والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك " ، وبالملائكة .

وقال آخرون منهم : بل معنى ذلك : "والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك" ، ويؤمنون بالمقيمين الصلاة ، هم والمؤتون الزكاة ، كما قال جل ثناؤه : ( يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ) [ سورة التوبة : 61 ] .

وأنكر قائلو هذه المقالة أن يكون : "المقيمين" منصوبا على المدح . وقالوا : إنما تنصب العرب على المدح من نعت من ذكرته بعد تمام خبره . قالوا : وخبر [ ص: 397 ] "الراسخين في العلم" قوله : " أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما " . قال : فغير جائز نصب"المقيمين" على المدح ، وهو في وسط الكلام ، ولما يتم خبر الابتداء .

وقال آخرون : معنى ذلك : لكن الراسخون في العلم منهم ، ومن المقيمين الصلاة . وقالوا : موضع"المقيمين" ، خفض .

وقال آخرون : معناه : والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك ، وإلى المقيمين الصلاة .

قال أبو جعفر : وهذا الوجه والذي قبله ، منكر عند العرب ، ولا تكاد العرب تعطف بظاهر على مكني في حال الخفض ، وإن كان ذلك قد جاء في بعض أشعارها .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال عندي بالصواب ، أن يكون"المقيمين" في موضع خفض ، نسقا على"ما" ، التي في قوله : "بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك" وأن يوجه معنى"المقيمين الصلاة" ، إلى الملائكة .

فيكون تأويل الكلام : "والمؤمنون منهم يؤمنون بما أنزل إليك" ، يا محمد ، من الكتاب "وبما أنزل من قبلك" ، من كتبي ، وبالملائكة الذين يقيمون الصلاة . ثم يرجع إلى صفة"الراسخين في العلم" ، فيقول : لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون بالكتب والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر .

وإنما اخترنا هذا على غيره ، لأنه قد ذكر أن ذلك في قراءة أبي بن كعب ( والمقيمين الصلاة ) ، وكذلك هو في مصحفه ، فيما ذكروا . فلو كان ذلك خطأ من الكاتب ، لكان الواجب أن يكون في كل المصاحف غير مصحفنا الذي [ ص: 398 ] كتبه لنا الكاتب الذي أخطأ في كتابه بخلاف ما هو في مصحفنا . وفي اتفاق مصحفنا ومصحف أبي في ذلك ، ما يدل على أن الذي في مصحفنا من ذلك صواب غير خطأ . مع أن ذلك لو كان خطأ من جهة الخط ، لم يكن الذين أخذ عنهم القرآن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمون من علموا ذلك من المسلمين على وجه اللحن ، ولأصلحوه بألسنتهم ، ولقنوه الأمة تعليما على وجه الصواب .

وفي نقل المسلمين جميعا ذلك قراءة ، على ما هو به في الخط مرسوما ، أدل الدليل على صحة ذلك وصوابه ، وأن لا صنع في ذلك للكاتب .

وأما من وجه ذلك إلى النصب على وجه المدح ل"الراسخين في العلم" ، وإن كان ذلك قد يحتمل على بعد من كلام العرب ، لما قد ذكرت قبل من العلة ، وهو أن العرب لا تعدل عن إعراب الاسم المنعوت بنعت في نعته إلا بعد تمام خبره . وكلام الله جل ثناؤه أفصح الكلام ، فغير جائز توجيهه إلا إلى الذي هو [ أولى ] به من الفصاحة .

وأما توجيه من وجه ذلك إلى العطف به على"الهاء" و"الميم" في قوله : "لكن الراسخون في العلم منهم" أو : إلى العطف به على"الكاف" من قوله : "بما أنزل إليك" أو : إلى"الكاف" من قوله : "وما أنزل من قبلك" ، فإنه أبعد من الفصاحة من نصبه على المدح ، لما قد ذكرت قبل من قبح رد الظاهر على المكني في الخفض .

[ ص: 399 ]

وأما توجيه من وجه"المقيمين" إلى"الإقامة" ، فإنه دعوى لا برهان عليها من دلالة ظاهر التنزيل ، ولا خبر تثبت حجته . وغير جائز نقل ظاهر التنزيل إلى باطن بغير برهان .

وأما قوله : "والمؤتون الزكاة" ، فإنه معطوف به على قوله : "والمؤمنون يؤمنون" ، وهو من صفتهم .

وتأويله : والذين يعطون زكاة أموالهم من جعلها الله له وصرفها إليه"والمؤمنون بالله واليوم الآخر" ، يعني : والمصدقون بوحدانية الله وألوهته ، والبعث بعد الممات ، والثواب والعقاب"أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما" ، يقول : هؤلاء الذين هذه صفتهم"سنؤتيهم" ، يقول : سنعطيهم"أجرا عظيما" ، يعني : جزاء على ما كان منهم من طاعة الله واتباع أمره ، وثوابا عظيما ، وذلك الجنة .
القول في تأويل قوله ( إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا ( 163 ) )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : " إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح " ، إنا أرسلنا إليك ، يا محمد ، بالنبوة كما أرسلنا إلى نوح ، وإلى سائر الأنبياء الذين سميتهم لك من بعده ، والذين لم أسمهم لك ، كما : - [ ص: 400 ]

10839 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن منذر الثوري ، عن الربيع بن خثيم في قوله : " إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده " ، قال : أوحى إليه كما أوحى إلى جميع النبيين من قبله .

وذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن بعض اليهود لما فضحهم الله بالآيات التي أنزلها على رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك من قوله : " يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء " فتلا ذلك عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالوا : "ما أنزل الله على بشر من شيء بعد موسى "! فأنزل الله هذه الآيات ، تكذيبا لهم ، وأخبر نبيه والمؤمنين به أنه قد أنزل عليه بعد موسى وعلى من سماهم في هذه الآية ، وعلى آخرين لم يسمهم ، كما : -

10840 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير وحدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال : حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال سكين وعدي بن زيد : يا محمد ، ما نعلم الله أنزل على بشر من شيء بعد موسى ! فأنزل الله في ذلك من قولهما : " إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده " إلى آخر الآيات .

[ ص: 401 ] وقال آخرون : بل قالوا لما أنزل الله الآيات التي قبل هذه في ذكرهم : "ما أنزل الله على بشر من شيء ، ولا على موسى ، ولا على عيسى "! فأنزل الله جل ثناؤه : ( وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء ) ، [ سورة الأنعام : 91 ] ، ولا على موسى ولا على عيسى .

ذكر من قال ذلك :

10841 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن كعب القرظي قال : أنزل الله : " يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء " إلى قوله : " وقولهم على مريم بهتانا عظيما " ، فلما تلاها عليهم يعني : على اليهود وأخبرهم بأعمالهم الخبيثة ، جحدوا كل ما أنزل الله ، وقالوا : "ما أنزل الله على بشر من شيء ، ولا على موسى ولا على عيسى !! وما أنزل الله على نبي من شيء"! قال : فحل حبوته وقال : ولا على أحد !! فأنزل الله جل ثناؤه : ( وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء ) [ سورة الأنعام : 91 ]

وأما قوله : " وآتينا داود زبورا " ، فإن القرأة اختلفت في قراءته .

فقرأته عامة قرأة أمصار الإسلام ، غير نفر من قرأة الكوفة : ( وآتينا داود زبورا ) ، بفتح"الزاي" على التوحيد ، بمعنى : وآتينا داود الكتاب المسمى"زبورا" .

وقرأ ذلك بعض قرأة الكوفيين : ( وآتينا داود زبورا ) ، بضم"الزاي" جمع"زبر" .

كأنهم وجهوا تأويله : وآتينا داود كتبا وصحفا مزبورة .

[ ص: 402 ]

من قولهم : "زبرت الكتاب أزبره زبرا" و"ذبرته أذبره ذبرا" ، إذا كتبته .

قال أبو جعفر : وأولى القراءتين في ذلك بالصواب عندنا ، قراءة من قرأ : ( وآتينا داود زبورا ) ، بفتح"الزاي" ، على أنه اسم الكتاب الذي أوتيه داود ، كما سمى الكتاب الذي أوتيه موسى "التوراة" ، والذي أوتيه عيسى "الإنجيل" ، والذي أوتيه محمد "الفرقان" ، لأن ذلك هو الاسم المعروف به ما أوتي داود . وإنما تقول العرب : "زبور داود " ، بذلك تعرف كتابه سائر الأمم .
القول في تأويل قوله ( ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما ( 164 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : إنا أوحينا إليك ، كما أوحينا إلى نوح وإلى رسل قد قصصناهم عليك ، ورسل لم نقصصهم عليك .

فلعل قائلا يقول : فإذ كان ذلك معناه ، فما بال قوله : "ورسلا" منصوبا غير مخفوض ؟ قيل : نصب ذلك إذ لم تعد عليه"إلى" التي خفضت الأسماء قبله ، وكانت الأسماء قبلها ، وإن كانت مخفوضة ، فإنها في معنى النصب . لأن معنى الكلام : إنا أرسلناك رسولا كما أرسلنا نوحا والنبيين من بعده ، فعطفت "الرسل" على معنى الأسماء قبلها في الإعراب ، لانقطاعها عنها دون ألفاظها ، إذ لم يعد عليها ما خفضها ، كما قال الشاعر .

[ ص: 403 ]


لو جئت بالخبز له منشرا والبيض مطبوخا معا والسكرا

لم يرضه ذلك حتى يسكرا


وقد يحتمل أن يكون نصب"الرسل" ، لتعلق"الواو" بالفعل ، بمعنى : وقصصنا رسلا عليك من قبل ، كما قال جل ثناؤه : ( يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما ) [ سورة الإنسان : 31 ] .

وقد ذكر أن ذلك في قراءة أبي ورسل قد قصصناهم عليك من قبل ورسل لم نقصصهم عليك ، فرفع ذلك ، إذ قرئ كذلك ، بعائد الذكر في قوله : "قصصناهم عليك" .

وأما قوله : " وكلم الله موسى تكليما " ، فإنه يعني بذلك جل ثناؤه : وخاطب الله بكلامه موسى خطابا ، وقد : -

10842 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا نوح بن أبي مريم ، وسئل : كيف كلم الله موسى تكليما ؟ فقال : مشافهة .

[ ص: 404 ]

وقد : -

10843 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو أسامة ، عن ابن مبارك ، عن معمر ويونس ، عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال : أخبرني جزء بن جابر الخثعمي قال : سمعت كعبا يقول : إن الله جل ثناؤه لما كلم موسى ، كلمه بالألسنة كلها قبل كلامه يعني : كلام موسى فجعل يقول : يا رب ، لا أفهم! حتى كلمه بلسانه آخر الألسنة ، فقال : يا رب هكذا كلامك ؟ قال : لا ولو سمعت كلامي أي : على وجهه لم تك شيئا!

قال ابن وكيع : قال أبو أسامة ( ) : وزادني أبو بكر الصغاني في هذا الحديث أن موسى قال : يا رب ، هل في خلقك شيء يشبه كلامك ؟ قال : لا وأقرب خلقي شبها بكلامي ، أشد ما تسمع الناس من الصواعق .

[ ص: 405 ]

10844 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو أسامة ، عن عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر قال : سمعت محمد بن كعب القرظي يقول : سئل موسى : ما شبهت كلام ربك مما خلق ؟ فقال موسى : الرعد الساكب .

10845 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : حدثنا عبد الله بن وهب [ ص: 406 ] قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب قال : أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن : أنه أخبره عن جزء بن جابر الخثعمي قال : لما كلم الله موسى بالألسنة كلها قبل لسانه ، فطفق يقول : والله يا رب ، ما أفقه هذا!! حتى كلمه بلسانه آخر الألسنة بمثل صوته ، فقال موسى : يا رب هذا كلامك ؟ قال : لا . قال : هل في خلقك شيء يشبه كلامك ؟ قال : لا ، وأقرب خلقي شبها بكلامي ، أشد ما يسمع الناس من الصواعق .

10846 - حدثني أبو يونس المكي قال : حدثنا ابن أبي أويس قال : أخبرني أخي ، عن سليمان ، عن محمد بن أبي عتيق ، عن ابن شهاب ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام : أنه أخبره جزء بن جابر الخثعمي : أنه سمع [ كعب ] الأحبار يقول : لما كلم الله موسى بالألسنة كلها قبل لسانه ، فطفق موسى يقول : أي رب ، والله ما أفقه هذا!! حتى كلمه آخر الألسنة بلسانه بمثل صوته ، فقال موسى : أي رب ، أهكذا كلامك ؟ فقال : لو كلمتك بكلامي لم تكن شيئا! قال : أي رب ، هل في خلقك شيء يشبه كلامك ؟ فقال : لا وأقرب خلقي شبها بكلامي ، أشد ما يسمع من الصواعق . [ ص: 407 ]

10847 - حدثنا ابن عبد الرحيم قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا زهير ، عن يحيى ، عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، عن جزء بن جابر : أنه سمع كعبا يقول : لما كلم الله موسى بالألسنة قبل لسانه ، طفق موسى يقول : أي رب ، إني لا أفقه هذا!! حتى كلمه الله آخر الألسنة بمثل لسانه ، فقال موسى : أي رب ، هذا كلامك ؟ قال الله : لو كلمتك بكلامي لم تكن شيئا! قال : يا رب ، فهل من خلقك شيء يشبه كلامك ؟ قال : لا وأقرب خلقي شبها بكلامي ، أشد ما يسمع من الصواعق .
القول في تأويل قوله ( رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما ( 165 ) )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بذلك : إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ، ومن ذكر من الرسل "رسلا" ، فنصب"الرسل" على القطع من أسماء الأنبياء الذين ذكر أسماءهم "مبشرين" ، يقول : أرسلتهم رسلا إلى خلقي وعبادي ، مبشرين بثوابي من أطاعني واتبع أمري وصدق رسلي ، ومنذرين [ ص: 408 ] عقابي من عصاني وخالف أمري وكذب رسلي"لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل" ، يقول : أرسلت رسلي إلى عبادي مبشرين ومنذرين ، لئلا يحتج من كفر بي وعبد الأنداد من دوني ، أو ضل عن سبيلي بأن يقول إن أردت عقابه : ( لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى ) [ سورة طه : 134 ] . فقطع حجة كل مبطل ألحد في توحيده وخالف أمره ، بجميع معاني الحجج القاطعة عذره ، إعذارا منه بذلك إليهم ، لتكون لله الحجة البالغة عليهم وعلى جميع خلقه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

10849 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل " ، فيقولوا : ما أرسلت إلينا رسلا .

"وكان الله عزيزا حكيما" ، يقول : ولم يزل الله ذا عزة في انتقامه ممن انتقم [ منه ] من خلقه ، على كفره به ، ومعصيته إياه ، بعد تثبيته حجته عليه برسله وأدلته"حكيما" ، في تدبيره فيهم ما دبره .
[ ص: 409 ] القول في تأويل قوله ( لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا ( 166 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : إن يكفر بالذي أوحينا إليك ، يا محمد ، اليهود الذين سألوك أن تنزل عليهم كتابا من السماء ، وقالوا لك : " ما أنزل الله على بشر من شيء " فكذبوك ، فقد كذبوا . ما الأمر كما قالوا : لكن الله يشهد بتنزيله إليك ما أنزل من كتابه ووحيه ، أنزل ذلك إليك بعلم منه بأنك خيرته من خلقه ، وصفيه من عباده ، ويشهد لك بذلك ملائكته ، فلا يحزنك تكذيب من كذبك ، وخلاف من خالفك" وكفى بالله شهيدا " ، يقول : وحسبك بالله شاهدا على صدقك دون ما سواه من خلقه ، فإنه إذا شهد لك بالصدق ربك ، لم يضرك تكذيب من كذبك .

وقد قيل : إن هذه الآية نزلت في قوم من اليهود ، دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى اتباعه ، وأخبرهم أنهم يعلمون حقيقة نبوته ، فجحدوا نبوته وأنكروا معرفته .

ذكر الخبر بذلك :

10850 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس ، عن محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال : حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس قال : دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من يهود ، فقال لهم : إني والله أعلم إنكم لتعلمون أني رسول الله! فقالوا : ما نعلم ذلك! فأنزل الله : " لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا " .

10851 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني ابن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة وسعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم عصابة من اليهود ، ثم ذكر نحوه .

[ ص: 410 ]

10852 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا " ، شهود والله غير متهمة .
القول في تأويل قوله ( إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيدا ( 167 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : إن الذين جحدوا ، يا محمد ، نبوتك بعد علمهم بها ، من أهل الكتاب الذين اقتصصت عليك قصتهم ، وأنكروا أن يكون الله جل ثناؤه أوحى إليك كتابه"وصدوا عن سبيل الله" ، يعني : عن الدين الذي بعثك الله به إلى خلقه ، وهو الإسلام . وكان صدهم عنه ، قيلهم للناس الذين يسألونهم عن محمد من أهل الشرك : "ما نجد صفة محمد في كتابنا!" ، وادعاؤهم أنهم عهد إليهم أن النبوة لا تكون إلا في ولد هارون ومن ذرية داود ، وما أشبه ذلك من الأمور التي كانوا يثبطون الناس بها عن اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم والتصديق به وبما جاء به من عند الله .

وقوله : " قد ضلوا ضلالا بعيدا " ، يعني : قد جاروا عن قصد الطريق جورا شديدا ، وزالوا عن المحجة .

وإنما يعني جل ثناؤه بجورهم عن المحجة وضلالهم عنها ، إخطاءهم دين الله الذي ارتضاه لعباده ، وابتعث به رسله . يقول : من جحد رسالة محمد صلى الله [ ص: 411 ] عليه وسلم ، وصد عما بعث به من الملة من قبل منه ، فقد ضل فذهب عن الدين الذي هو دين الله الذي ابتعث به أنبياءه ، ضلالا بعيدا .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.31 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.68 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.73%)]