حكم إمامة المحدث والمتنجس

[ابوالوليد المسلم]

حُكم إمامة المُحْدِث والمُتَنَجِّس

عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني


• إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
أقول وبالله التوفيق:
أولًا: إمامة المُحْدِث:
لا تخلو إمامة المُحْدِث من الأُمور التالية:
1- ألَّا يعلم الإمام بحَدَثه والمأموم بحَدَث الإمام إلا بعد فراغ الصلاة، فهنا تصح صلاة المأمومين دون الإمام، فيلزمه الإعادة ولا يُعذر هنا بجهله؛ لأن رفع الحَدَث من باب المأمورات لا يُعذر فيه بالجهل والنسيان، ولأن عُمر وعُثمان رضي الله عنهما كل منهما صلَّى بالناس وهو جُنُب، فأعادا ولم يأمرا غيرهما بالإعادة، ولأن المأموم أدى العبادة على وجه شرعي فلا تبطل إلا بدليل شرعي.

مثال ذلك في الحَدَث الأصغر: إمام أكل لحم إبل ولم يعلم أنه لحم إبل فصلَّى بالجماعة وهم لا يعلمون أنه أكل ذلك، فلما انتهت الصلاة علم أن اللحم الذي أكله لحم إبل؛ فهنا لا يُعيد المأمومون صلاتهم، والإمام يُعيد الصلاة؛ أما الإمام فلأنه صلَّى بغير وضوء، وأما المأموم فعُذره ظاهر؛ لأنه لا يعلم الغيب ولا يُكلف الله نفسًا إلا وسعها.

فإن علم أنه مُحدث في أثناء الصلاة فإن صلاته تبطل، والمُراد أنه تبين عدم انعقادها وصلاة المأمومين تبطل أيضًا.

أما بُطلان صلاته فظاهر؛ لأنه تبين أنه على غير وضوء، فتبين أن صلاته لم تنعقد.

وأما صلاة المأمومين فلأنه تبين أنهم اقتدوا بمن لا تصح صلاته فبطلت صلاتهم؛ لأن صلاتهم مبنية على صلاة إمامهم، فإذا بطلت صلاة الإمام بطلت صلاة المأموم.

ومثال ذلك في الحَدَث الأكبر: رجل استيقظ من نومه فتوضأ وذهب يُصلِّي إمامًا، وبعد انتهائه من الصلاة رأى عليه أثر جنابة ولكن كان جاهلًا بها، فهنا المأمومون صلاتهم صحيحة، أما هو فإنه يُعيد الصلاة؛ وذلك لأنهم كانوا جاهلين فهم معذورون بالجهل وليس بوسعهم ولا بواجب عليهم أن يسألوا إمامهم: هل أنت على وضوء أم لا؟ وهل عليك جنابة أم لا؟ فإذا كان هذا لا يلزمهم وصلَّى بهم وهو يعلم أنه مُحدث، فكيف تبطل صلاتهم؟!

وههنا قاعدة مُهمة جدًّا وهي (أن من فعل شيئًا على وجه صحيح بمُقتضى الدليل الشرعي فإنه لا يُمكن إبطاله إلا بدليل شرعي)؛ لأننا لو أبطلنا ما قام الدليل على صحته، لكان في هذا قول بلا علم، وفيه مشقة على المُكلف، فهم فعلوا ما أُمِروا به من الاقتداء بهذا الإمام، وما لم يُكلفوا به، فإنه لا يلزمهم حُكْمه.

على هذا فالصحيح أن صلاة المأمومين مع جهلهم بحاله صحيحةٌ بكل حال حتى وإن كان الإمام عالمًا؛ لأنه أحيانًا يكون الإمام مُحدثًا لكن لا يذكر إلا وهو يُصلِّي، ثم يستحي أن ينصرف، وهذا حرام عليه لا شك، لكن قد تقع من بعض الجُهَّال، فإذا ذكر الإمام أو علم في أثناء الصلاة أنه مُحْدِث وجب عليه الانصراف ويستخلف من يُكمل بهم الصلاة؛ لأن عُمر بن الخطاب رضي الله عنه لما طعنه أبو لُؤلؤة المجوسي بعد أن شرع في صلاة الصبح تناول عُمر يد عبدالرحمن بن عوف فقدَّمه، فصلَّى بهم صلاةً خفيفةً، وهذا بحضرة الصحابة رضي الله عنهم، فإن لم يفعل وانصرف فللمأمومين الخيار بين أن يُقدِّموا واحدًا منهم يُكمل بهم الصلاة أو يُتموها فُرادى؛ لأن إمامهم ذهب ولم يستخلف.

2- أن يعلم الإمام بحَدَثه أثناء الصلاة دون المأمومين فهنا صلاة الإمام تبطل أما بالنسبة لصلاة المأمومين فلا تبطل على القول الراجح، ويستخلف الإمام من يتم بهم، فإن لم يستخلف الإمام فإن المأمومين يستخلفون من يُصلِّي بهم، وهذا أحسن، فإن لم يفعلوا فإنهم يُصلُّون فُرادى ويُتمون صلاتهم.

3- أن يعلم الإمام والمأموم بالحَدَث، فلا تصحُّ صلاتهما، أما الإمام فالحُكم فيه ظاهر، وأما المأموم فلأنه وقف مع شخص يعلم أن صلاته باطلة فهو في حُكم المُنفرد.

4- أن يعلم بعض المأمومين بحَدَث الإمام وليس جميع المأمومين مثال ذلك: لو أن الإمام أكل لحم جزور ونسي وفي أثناء الصلاة ذكر بعض المأمومين أن الإمام مُحْدِث، وأنه قد أكل لحم جزور.

القول الراجح أن من جهل حَدَث الإمام فصلاته صحيحة، ولا تلزمه إعادة الصلاة، أما من علم حَدَث الإمام ولم يتمكَّن من تنبيهه، فإنه يجب عليه ألَّا يتابع الإمام وينفرد ويُكمل صلاته، وإن كان يجهل أنه يجب عليه أن ينفرد، فصلاته صحيحة.

ثانيًا: إمامة المُتَنَجِّس:
لا تخلو إمامة المُتَنَجِّس من الأُمور التالية:
1- ألَّا يعلم الإمام والمأمومون بالنجاسة إلا بعد الصلاة، فالقول الراجح صحة صلاتهما جميعًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى بنعليه وفيهما أذى، فأخبره جبريل، فخلعهما وبنى على صلاته.

وهذا صريح في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد لبس نعليه قذرتين لكنه لم يكن عالمًا بذلك، ولو كانت الصلاة تبطل مع الجهل لاستأنف النبي صلى الله عليه وسلم صلاته.

وكذلك لو علم بها لكن نسي أن يغسلهما فإن صلاته على القول الراجح صحيحة.

وعلى هذا إن علم الإمام في أثناء الصلاة بالنجاسة فإن كان يُمكنه إزالتها أزالها، وإن كان لا يُمكنه انصرف، وأتمَّ المأمومون صلاتهم.

مثال ذلك: لو كانت النجاسة في نَعْلَيه أو كانت في غُترته أو كانت في قميصه وعليه سِروال، فهذه يُمكن إزالتها فيخلع القميص ولا يُبقي عليه إلا السِّروال.

ومن هنا يتضح الفرق بين هذه المسألة والتي قبلها في الحَدَث على القول الراجح أنه إذا جهل المُصلِّي بالحَدَث أعاد الصلاة ولا يُعيد الصلاة إذا كان جاهلًا بالنجاسة.

والفرق بينهما: أن الطهارة من الحَدَث من باب فعل المأمور لا يُعذر فيه بالجهل والنسيان واجتناب النجاسة من باب ترك المحظور يُعذر فيها بالجهل والنسيان فلا يلحقه حُكْمه.

2- أن يعلم الإمام بالنجاسة وحده دون بقية المأمومين مثال ذلك: أن تكون النجاسة في عمامته أو طاقيته ونحو ذلك.

القول الراجح هنا أن صلاة المأمومين صحيحة، أما بالنسبة للإمام فإن أمكن إزالة النجاسة دون الإخلال بشيء من شُروط الصلاة أو واجباتها أزالها وبنى، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وإن لم يُمكنه استخلف من يتم الصلاة بالمأمومين أو استخلف المأمومين من يتم بهم، أو أتموا لأنفسهم فُرادى.

3- أن يعلم الإمام والمأمومون بنجاسة الإمام فلا تصح صلاتهم.

4- أن يعلم بعض المأمومين بنجاسة الإمام في أثناء الصلاة القول الراجح أن صلاة الإمام صحيحة؛ لأنه معذور بالجهل أو النسيان، وكذلك من لم يعلم من المأمومين؛ لأنه معذور بالجهل أو النسيان.

أما من علم بحال الإمام فإنه يجب عليه ألَّا يتابع الإمام وينفرد ويُكمل صلاته، وإن كان يجهل أنه يجب عليه أن ينفرد، فصلاته صحيحة.

• مسألة: ولو فرضنا في المسألتين: (مسألة إمامة المُحْدِث ومسألة إمامة المُتَنَجِّس) أن الإمام لم ينفصل في الحال التي يجب عليه أن ينفصل وأن يستخلف؛ وإنما استمر في صلاته.

القول الراجح أن صلاة المأمومين صحيحة أما الإمام فهو آثم؛ لأنه يجب عليه أن ينفصل، ولا يجوز له أن يستمر في صلاته وهو مُحدث أو عليه نجاسة.

أخي الحبيب، أكتفي بهذا القدر، وأسأل الله عز وجل أن يكون هذا البيان شافيًا كافيًا في توضيح المراد، وأسأله سُبحانه أن يرزقنا التوفيق والصواب في القول والعمل، وما كان من صواب فمن الله، وما كان من خطأ أو زلل فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه بريئان، والله الموفِّق، وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

• لا تنسونا من الدعاء.