|
|||||||
| ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#39
|
||||
|
||||
|
شرح كتاب الحج من صحيح مسلم .. باب: التَّرْغِيبُ في سُكْنى المَدِينة والصّبرُ على لأوائِها
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى الْمَهْرِيِّ: أَنَّهُ جَاءَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ لَيَالِي الحَرَّةِ، فَاسْتَشَارَهُ فِي الجَلَاءِ مِنْ الْمَدِينَةِ، وشَكَا إِلَيْهِ أَسْعَارَهَا، وكَثْرَةَ عِيَالِهِ، وأَخْبَرَهُ أَلَا صَبْرَ لَهُ عَلَى جَهْدِ الْمَدِينَةِ وَلَأْوَائِهَا، فَقَالَ لَهُ: وَيْحَكَ، لَا آمُرُكَ بِذَلِكَ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لَا يَصْبِرُ أَحَدٌ عَلَى لَأْوَائِهَا فَيَمُوتَ؛ إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعاً، أَوْ شَهِيداً، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِذَا كَانَ مُسْلِماً»، وعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَدِمْنَا المَدِينَةَ وهِيَ وبِيئَةٌ فَاشْتَكَى أَبُو بَكْرٍ، واشْتَكَى بِلَالٌ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - شَكْوَى أَصْحَابِهِ؛ قَالَ: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ؛ كَمَا حَبَّبْتَ مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وصَحِّحْهَا، وبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِها وَمُدِّهَا، وحَوِّلْ حُمَّاهَا إِلَى الْجُحْفَةِ»؛ في الباب حديثان رواهما مسلم في الحج (2/1001) وبوّب عليه النووي بمثل تبويب المنذري. الحديث الأول قوله: عن أبي سعيد مولى المهري: «أنه جاء أبا سعيد الخدري ليالي الحرة» يعني: الفتنة المشهورة، التي نُهبت فيها المدينة، سنة ثلاث وستين للهجرة.
فوائد الحديث (1) في الحديث الحَثُّ على سُكنى المَدينة، وفَضْل الصّبر على شدائدها، وضِيق العَيْش فيها، وأنَّ هذا الفَضل باقٍ مُسْتمرٌ إلى يومِ القيامة، قال النووي: اختلفَ العُلماء في المجاورة بمكة والمدينة: فقال أبو حنيفة وطائفة: تُكره المُجاورة بمكة؟ وقال أحمدُ وطائفة: لا تكره بل تُستحبّ، وإنّما كرِهها مَنْ كَرهها لأمُور، منها: خوف المَلَل، وقِلّة الحُرْمة للأنس، وخُوف مُلابسة الذُّنوب، فإنَّ الذَّنبَ فيها؛ أقبحُ منه في غيرها، كما أنَّ الحَسَنة فيها أعظمُ منها في غيرها. واحتج من استحبها: بما يحصل فيها مِنَ الطّاعات، التي لا تحصل بغيرها، وتضعيف الصَّلَوات والحسنات، وغير ذلك. قال: والمختار: أنَّ المُجاورة بهما جميعاً مُسْتحبة، إلا أنْ يَغلبَ على ظَنّه الوُقوع في المَحْذُورات المَذكورة، وقد جاورتهما خلائق لا يُحصون مِنْ سلف الأمّة وخلفها، ممن يقتدى به. وينبغي للمجاور: الاحتراز عن المَحْذُورات وأسْبابها. انتهى. (2) خصَّ اللهُ -سُبحانَه وتَعالَى- بعضَ بِقاعِ الأرضِ بِبَركاتٍ لم يَجعَلْها في غيْرِها، وجعَلَ بعضَها مَوطِنَ الشُّرورِ والفِتنِ، وبعضَها مَوطِنَ الخيرِ والبَرَكاتِ، وقدِ اختُصَّتِ المدينةُ النبويَّةُ بكَثيرٍ منَ الخيرِ والبَرَكةِ والفَضلِ. (3) حُبُّ الأوطانِ، والتَّعلُّقُ بها، والحَنينُ إليها؛ فِطرةٌ في النُّفوسِ، لم يُنكِرْها الإسلامُ، وإنَّما وجَّهَها الوِجْهةَ الصَّحيحةَ التي تَخدُمُ دِينَ اللهِ عزَّ وجلَّ وتُعْلي رايتَه. الحديث الثاني في هذا الحديثِ تَحكي أمُّ المؤمنينَ عائِشةُ -رضي الله عنها- أنَّه لَمَّا هاجَرَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابُه إلى المدينةِ، أُصِيبَ أبو بَكرٍ الصِّدِّيقُ وبِلالُ بنُ رَباحٍ -رَضيَ اللهُ عنهما- بالحُمَّى، فتَكلَّم كلٌّ منْهم بحسَبَ يَقينِه وعِلمِه بعَواقبِ الأمورِ، فتَعزَّى أبو بَكرٍ - رضي الله عنه - عنْدَ أخذِ الحمَّى له كما في الرواية: بقولِه: «كُلُّ امرئٍ مُصبَّحٌ في أهلِه» يعني: كلُّ إنسانٍ يُقال له: صَبَّحَك اللهُ بالخَيرِ، وأنْعَمَ اللهُ -تعالَى- صَباحَك، ونحْوُ ذلك ممَّا يُحيَّا به الإنسانُ مِن أحبابِه، «والمَوْتُ أدْنَى مِن شِرَاكِ نَعْلِهِ» والحالُ أنَّ الموتَ أقرَبُ إليه مِن شِراكِ النَّعلِ -وهو أحَدُ سُيورِ النَّعلِ التي تكونُ على وَجْهِها- قد يَفْجَؤه فلا يُمْسي حيًّا، إشارةً منه لشِدَّةِ قُرْبِ الموتِ مِن كلِّ إنسانٍ، سواءٌ أكان مَريضًا أمْ صَحيحًا. وأمَّا بِلالٌ - رضي الله عنه - فكان إذَا خَفَّت عنْه الحُمَّى وهَدَأَت سَورَتُها، يَرْفَعُ «عَقيرتَه» أي: صَوتَه، بأبياتٍ مِن الشِّعرِ تُعبِّرُ عن حَنينِه، وتَمنِّيه الرُّجوعَ إلى مكَّةَ، الَّتي كانَتْ فيها صِحَّتُه، فهو يَتمنَّى أنْ يَبيتَ لَيلةً واحدةً في وادي مكَّةَ، ويُطفِئَ أشواقَه الحارَّةَ مِن مِياهِ مَجَنَّةَ- وهي: ماءٌ عندَ عُكاظٍ على أميالٍ يَسيرةٍ مِن مكَّةَ بناحيةِ مَرِّ الظَّهرانِ، وكان به سُوقٌ في الجاهليَّةِ- وأنْ يُمتِّعَ ناظرَيْهِ بمُشاهَدةِ الإذْخِر والجَليلِ، وهما نَبْتانِ مِن الكلَأِ طَيِّبِ الرائحةِ يَكونانِ بمكَّةَ، وأنْ يُشاهِدَ شامةَ وطَفِيلًا، وهما جَبَلانِ مُتجاوِرانِ جَنوبَ غرْبِ مكَّةَ على قُرابةِ (90 كم) منها. دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - للمدينة فلمَّا رَأى رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ما نزَل بأصحابِه مِن الحُمَّى والوَباءِ، خَشِي عليهم أنْ يَكرَهوا المدينةَ؛ لِما في النُّفوسِ مِن استِثقالِ ما تَكرَهُه، فدَعا اللهَ أنْ يُحبِّبَ إليهم المدينةَ كحُبِّهم مكَّةَ بلْ أشدَّ، وأنْ يُبارِكَ لهم فيها، فيَزيدَ الخَيرُ، وأنْ يُبارِكَ في صاعِهِم ومُدِّهم، والصَّاعُ: أربعةُ أمدادٍ، والمُدُّ: مِقدارُ ما يَملَأُ الكَفَّينِ، وقدْ دَعا في حَديثٍ آخرَ في الصَّحيحَينِ: بأْن تكونَ البركةُ فيها؛ ضِعْفَيْ بَرَكةِ مكَّةَ، وسَأَلَ اللهَ -تعالَى- أنْ يَرفَعَ الوَباءَ عنهم، وأنْ يَنقُلَه إلى «الجُحفةِ» وخصَّها بذلك؛ لأنَّها كانت إذْ ذاك دارَ شِرْكٍ؛ ليَشتَغِلوا بالوباء والمرض عن مَعونةِ أهْلِ الكفْرِ، والجُحفة مَوضعٌ بيْن مكَّةَ والمدينةِ، تَبعُدُ عن مكَّةَ (190 كم). فاستجابَ اللهُ دَعوةَ نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -، فبُورِكَ في أقواتِ المَدينةِ، وأحبَّها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابُه، حُبًّا أدامَه في نُفوسِهم حتَّى ماتوا عليه، ومِن مَظاهرِ ذلك: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إذَا قَدِمَ مِن سَفَرٍ، فَرأى المَدِينةَ، جَعَلَ راحلتَه تُسرِعُ؛ مِن حُبِّهَا، كما في صَحيحِ البُخاريِّ. فوائد الحديث (1) أنَّ اللهَ -تعالَى- أباحَ للمُؤمنِ أنْ يَسأَلَ ربَّه صِحَّةَ جِسمِه، وذَهابَ الآفاتِ عنه إذا نزَلَتْ به، كسُؤالِه إيَّاه في الرِّزقِ والنَّصْرِ، وليس في دُعاءِ المؤمنِ ورَغبتِه في ذلك إلى اللهِ -تعالى-؛ لومٌ ولا قَدْحٌ في دِينِه ولا في زُهده. (2) وفيه: العِنايةُ بالناحيةِ الصِّحِّيَّةِ، والاهتِمامُ بجَودةِ الهَواءِ، ونَقاءِ الماءِ، والتَّحذيرُ مِن المِياهِ الراكدةِ المُتغيِّرةِ. (3) وفيه: الدُّعاءُ على الظَّالمينَ والكافرينَ بالوبَاء والمرض. اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي
__________________
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 5 ( الأعضاء 0 والزوار 5) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |