الخيانة المذمومة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 743 - عددالزوار : 202545 )           »          ابن عمي يتحرش بي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          وسواس يتعلق بالذات الإلهية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          وسوسة لا تضر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الوسواس القهري وحادثة على الطريق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          زوجي شاذ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          هل هذا الوسواس يخرج من الملة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          هل يجوز ترديد الوسواس الكفري؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          اضطراب الفتشية الجنسية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          زوجتي ومقاطع الشذوذ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29-06-2025, 08:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,781
الدولة : Egypt
افتراضي الخيانة المذمومة

الخيانة المذمومة

د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي

الخطبة الأولى
الحمد لله الذي كان بعباده خبيرًا بصيرًا، وتبارك الذي جعل في السماء بروجًا، وجعل فيها سراجًا وقمرًا منيرًا، وهو الذي جعل الليل والنهار خِلْفَةً لمن أراد أن يذَّكَّر أو أراد شكورًا.

أحمده سبحانه وتعالى حمدًا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، أرسل إلينا محمدًا صلى الله عليه وسلم هاديًا ومُبشِّرًا ونذيرًا، فبلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المَحَجَّة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، فجزاه الله عن أمة الإسلام خير الجزاء، ونسأل الله سبحانه وتعالى في عليائه أن يكثر عليه من الصلاة والتسليم ما ذكر المولى الذاكرون، وسبَّحه المسبِّحون، وما غفل عن ذكره الغافلون، أما بعد:
فيا عباد الله، اتقوا الله تبارك وتعالى قولًا وفِعالًا، اتقوه خضوعًا وامتِثالًا، بُكرًا وآصالًا؛ تُحقِّقوا عِزًّا وجلالًا، وسُؤددًا وكمالًا ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾ [الطلاق: 5].

قال الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27].

أيها المسلمون، إن أمتنا الإسلامية تمرُّ في هذا الزمان بمحَنٍ عظيمة، ونوازلَ شديدة، ونكَبات متلاحقة، أسهم فيها بشدة تعرُّض الأمة لخيانات متعددة، تارة من أعدائها، وتارات- وهو أنكى- من أبنائها.

يُخادعني العدوُّ فلا أُبالي وأبكي حين يخدعني الصديق

نعم، كل الخيانة قاسية، ولكن الأقسى أن يخونك مَنْ تتوقَّع منه العون.

وحتى لا نسير على درب الخونة الدَّنِس، ولا نتبع خطاهم الملوثة، ولكي يتقي اللهَ مسلمٌ أن يخون عهد الله وأمانته كانت هذه الخطبة.

قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27].

الخيانة أمر مذموم في شريعة الله، تنكرها الفطرة، وتأباها الطبيعة السويَّة، ولا تقبلها حتى الحيوانات.

الخيانة كلمة تجمع كل معاني السوء الممكن أن تلحق بإنسان، فهي نقض لكل ميثاق، أو عقد بين إنسان وخالقه، أو إنسان وإنسان، أو بين الفرد والجماعة.

قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ﴾ [الأنفال: 58]، وقال سبحانه: ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ﴾ [يوسف: 52]، وقرن الله جل وعلا بين الخيانة والكفر في قوله جلَّ وتعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ﴾ [الحج: 38].

والخيانة من سمات النفاق، فالخائن بالضرورة منافق، وإلا فكيف يُخفي خيانته إلا بالنفاق؟! قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ))؛ متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

وأشدُّ الناس فضيحة يوم القيامة هم الخائنون للحديث ((لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ، فَقِيلَ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلانِ بْنِ فُلانٍ))؛ متفق عليه من حديث بن عمر رضي الله عنهما، هذا الخائن وإن اندسَّ بين الناس وإن عرَفَ كيف يرتِّب أموره بحيث لا يُفتضح أمام عباد الله، فأين يذهب يوم القيامة؟!

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرْفَعُ لَهُ بِقَدْرِ غَدْرِهِ، أَلا وَلا غَادِرَ أَعْظَمُ غَدْرًا مِنْ أَمِيرِ عَامَّةٍ))؛ أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه.

فكل من كانت ولايته أعمَّ وأشمل ثم خان من تحت ولايته، فلا شكَّ بأن جرم هذا أكبر من جرم من هو أقل منه في الولاية.

وكلما كانت المسئولية أعظم ثم حصلت الخيانة كان الإثم أعظم. والله المستعان.

وكان عليه الصلاة والسلام يستعيذ من الخيانة كما روى أبو داود أنه كان يقول: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ؛ فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخِيَانَةِ؛ فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ))؛ رواه أبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وحسَّنه الألباني.

أيها المسلمون، إن الخيانة من أخلاق اليهود المتأصلة فيهم، فأين ومتى وجد يهود، وجدت الخيانة. قال الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ﴾ [المائدة: 13]، فمن خياناتهم محاولتهم لاغتيال الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد كان بينه وبينهم عهد أمان.

ومن خياناتهم تواطؤهم مع الأحزاب، وقد كان بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم عهد أمان، ولما كان أمر خيانة العهود والمواثيق أمرًا خطيرًا، أمر الله رسوله بأن يعلن للكافرين نبذ عهدهم، ويشعرهم بأن يستعدوا للمواجهة على صعيد سواء لا خيانة فيه ولا غدر، فقال تعالى: ﴿ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ﴾ [الأنفال: 58].

ولَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ إِلَّا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَسَمَّاهُمْ وَابْن أَبِي سَرْحٍ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ: وَأَمَّا ابْنُ أَبِي سَرْحٍ فَإِنَّهُ اخْتَبَأَ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَلَمَّا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ جَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، بَايِعْ عَبْدَ اللَّهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلاثًا، كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى، فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلاثٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: ((أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا حَيْثُ رَآنِي كَفَفْتُ يَدِي عَنْ بَيْعَتِهِ فَيَقْتُلُهُ))، فَقَالُوا: مَا نَدْرِي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فِي نَفْسِكَ، أَلا أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ قَالَ: ((إِنَّهُ لا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الأَعْيُنِ))؛ رواه أبو داود من حديث سعد رضي الله عنه، وصحَّحه الألباني.

المصطفى عليه الصلاة والسلام لم يرض أن يتخذ الخيانة وسيلة، حتى في حق كافر، محارب لله ورسوله، فما جرم أولئك الذين لا تكون خياناتهم إلا في مسلمين، كيف بالذين لا تكون خياناتهم إلا في حق مؤمنين موحِّدين لا يرقبون فيهم إلًّا ولا ذِمَّةً.

أيها المسلمون، وأما أنواع الخيانة:
فخيانة العقيدة، وعقيدتنا "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، وللعقيدة نواقض، ونواقضها أن تستحل ما حرَّم الله، أو أن تنكر أمرًا أمر الله به، قال تعالى: ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ﴾ [التحريم: 10]، والخيانة هنا هي خيانة الدين لا الفاحشة.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى: "إن نساء الأنبياء معصومات عن الوقوع في الفاحشة؛ لحرمة الأنبياء".

ومنها خيانة الأعراض: وقد حرم الله الزنا وعن مقاربته ومخالطة أسبابه، فقال: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء: 32].

ومن الخيانة في الأعراض النظرة الحرام؛ قال تعالى: ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ [غافر: 19]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "هذا الرجل يدخل على أهل بيت وفيهم امرأة حسناء، فإذا غفلوا نظر إليها، وإذا فطنوا غضَّ بصره".

ومنها خيانة الأخوة: فقد قال تعالى: ﴿ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: 29]، فنكون على عكس هذه الصورة؛ قوتنا على إخواننا، ومحبتنا لأعدائنا.

ومنها خيانة الكسب: والمسلم الحق يحرص على الحلال في مطعمه ومشربه، فلا غش ولا خداع، ولا كذب، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا، فَقَالَ: ((مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ))، قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ((أَفَلا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَي يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي))؛ أخرجه مسلم.

ومنها خيانة الوطن: وهي من أعظم الخيانات: وذلك بأن يكون مطية لأعداء الله في تنفيذ مخططاتهم وما فيها من دمار للبلاد والعباد، أو دليلًا لهم على عوراتها وممتلكاتها.

وبالخيانة عباد الله تم غزونا فكريًّا، فلم يستطع الغرب أبدًا أن يغزونا فكريًّا، ولا أن يهزم أرواحنا، ولكن تكفَّل بالمهمة الخونة من أبناء جلدتنا، وصدق الله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ﴾ [البقرة: 204].

بسلاح الغدر والخيانة ذلكم السلاح الذي تجرعت الأمة بسببه المرارات، وعن طريقه فقدت الأمة أعظم قادتها وخلفائها ممن أعجَزَ أعداءَها على مرِّ التاريخ، فالرسول صلى الله عليه وسلم سَمَّته يهود، وعمر قتله أبو لؤلؤة المجوسي، وعثمان قتلته يد الغدر من الخوارج.

وعلي رضي الله عنهم وغيرهم ممن أغاظ أعداء الله أذاقهم صنوف العذاب والهوان في ساحات النزال، وفي بئر معونة قُتِلَ سبعون من خيار الصحابة، لأجل هذا جاء التحذير من الخيانة، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27].

ومن معاني الخيانة ألَّا تحفظ حقوق المجالس التي تحضرها، فتدع لسانك يفشي أسرارها وينشر أخبارها، فكم من حبال تقطَّعت ومصالح تعطَّلت لاستهانة بعض الناس بأمانة المجلس، قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه أبو داود عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه ((إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ بِالْحَدِيثِ ثُمَّ الْتَفَتَ فَهِي أَمَانَةٌ))؛ حسَّنه الألباني.

ومن الخيانة خيانة العالم لعلمه، فالعلم أمانة في عنق العلماء، إن بيَّنوه للناس وصانوه من التحريف والتلاعب كانوا أوفياء لأقدس أمانة، وإن لم يفعلوا كانوا مرتكبين لأبشع صور الخيانة: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ﴾ [آل عمران: 187].

ومن معاني الخيانة خيانة الودائع التي وصَّى الله بها من فوق سبع سماوات ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾ [النساء: 58]، ويدخل في ذلك أداء الديون، فالمماطلة بها خيانة.

انظروا إلى رسول الله كيف استخلف ابن عمِّه علي بن أبي طالب ليُسَلم إلى المشركين الودائع التي حفظوها عنده، مع أنهم آذوه واضطروه إلى ترك أرضه.

والخيانة- عباد الله- متى ظهرت في قوم فقد أذنت عليهم بالخراب، فلا يأمن أحدٌ أحدًا، ويحذر كلُّ أحدٍ من الآخر، فلا يأمن صديقٌ صديقَه، ولا زوج زوجه، ولا أب ولده، وتترحَّل الثقة والمودة الصادقة فيما بين الناس.

تكون الخيانة أن يكون العبد عبدًا للدرهم والدينار والنساء والمناصب، ومثل هذا له ثمن؛ فيسهل على أعداء الله شراؤه، وللحديث ((تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ))؛ أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ أي: هلك من كانت عبوديته لغير الله سبحانه؛ كالمال والكساء، وكلها إلى فناء.

وأن يكون قد فقد الحياء من الله ومن الناس، وللحديث: ((إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَافْعَلْ مَا شِئْتَ))؛ رواه أبو داود وغيره من حديث أبي مسعود رضي الله عنه وصحَّحه الألباني.

بارك الله لي ولكم في القرآن والسُّنَّة، ونفعَنا بما فيهما من الآيات والذكر والحكمة، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائر المُسلمين من كل خطيئةٍ وإثمٍ؛ فاستغفِرُوه وتوبُوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله وليِّ المُتقين، أحمدُه تعالى حمدًا لا يتناهَى ولا يَبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه، أُسوةُ المُتزكِّين وقُدوةُ الطاهرين، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آلهِ الأصفِياء الميامين، وصحبِه البرَرَة السابِقين، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وبعد:
أيها المؤمنون، الخيانة من صفات المنافقين، والأمانة من صفات المؤمنين، فاختر أي الطريقين شئت، وتخيَّر أي الوصفين تريد، قال صلى الله عليه وسلم: ((لا إِيمَانَ لِمَنْ لا أَمَانَةَ لَهُ، وَلا دِينَ لِمَنْ لا عَهْدَ لَهُ))؛ رواه الإمام أحمد وغيره من حديث أنس رضي الله عنه، وصحَّحه الألباني.

إنه لا صلاح لأمة استشرت فيها الخيانة، ولا بقاء لمجتمع تفشَّت فيه الخيانة، ولا كرامة لأناس صارت الخيانة من أعمالهم وسلوكهم، هل يمكن لخونة أن يصلحوا وضعًا، أو أن يقيموا أساسًا، أو أن يشيدوا عمرانًا وحضارةً، لا يمكن أبدًا.

يوسف عليه السلام عندما طلب من ملك مصر أن يجعله على خزائن الأرض، وهو في مصطلحنا المعاصر يعني وزيرًا للمالية.

كان يعلم من نفسه عليه السلام أنه ليس بخائن، ولا يمكن أن تخطر الخيانة بفكره أبدًا؛ حيث قال تعالى حكاية عنه: ﴿ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ [يوسف: 55]، كان يعلم أنه من الأسس والقواعد الأساسية لإصلاح أي وضع، أن يتولَّى دفة الأمور الأمناء.

الأمناء في دينهم، الأمناء مع ربهم، الأمناء في التزامهم.

وأما موقف المسلم من الخيانة:
أن تُربَّى القلوب على مخافة الله وخشيته: مَرَّ عمر رضي الله عنه يتفَقَّد رعيته ليلًا فيسمع امرأة تقول لابنة لها: اخلطي الماء باللبن، فقالت البنت: لقد نهانا عمر عن ذلك، فقالت أمُّها: وما يدري عمر؟ قالت البنت: إن كان عمر غائبًا، فإن ربَّه حاضرٌ.

تقع هذه الكلمة في قلبه؛ فيجمع ولده ويعزم على أحدهم أن يتزوَّج هذه الفتاة، فيتزوَّجها ولده عاصم، فيكون من ولده عمر بن عبدالعزيز الذي ملأ الدنيا عدلًا، قال الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27].

ألا وصلُّوا- عباد الله- على رسول الهدَى، فقد أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

اللهم صل عليه ما تعاقب الليل والنهار، وصلَّى عليه المتقون الأبرار، وعلى آله وصحبه المهاجرين والأنصار، وعلى التابعين وتابعيهم وعنا معهم برحمتك يا عزيز يا غفّار.

وارضَ اللَّهمَّ عن الخلفاءِ الأربعة الرَّاشدين...

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين.....

اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتِّباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه.

اللهم اجعلنا نخشاك حتى كأننا نراك.

اللهم اهدنا إلى السنن، وأعِذْنا من الفتن، وارزقنا الاقتداء بنبيِّك والاقتداء بسُنَّته والتمسُّك بها في هذا الزمن الذي سيطرت فيه الفتن.

اللهم أعِنَّا على التمَسُّك بسُنَّة رسولك وحبيبك صلى الله عليه وسلم.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلهم هداةً مهتدين، واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتَّقاك، واتَّبَع رضاك، يا أرحم الراحمين.

اللهم أصلح حال المسلمين، اللهم أصلح حال المسلمين، اللهم أصلح حال المسلمين.

اللهم اجمع كلمتهم على الحق، وردَّهم إلى دينك ردًّا جميلًا.

اللهم إنا نعوذ بك من جَهْد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء.

اللهم فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، لا إله إلا أنت، رب كل شيء ومليكه، نعوذ بك من شرور أنفسنا، ومن شر الشيطان وشركه، وأن نقترف على أنفسنا سوءًا، أو نجرَّه إلى مسلم.

عباد الله، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 60.88 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 59.21 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.75%)]