مفاسد الغفلة وصفات أصحابها!
الغافل لا يميز بين الحق والباطل، له أذنان، ولكنه لا يسمع بهما الحق، ولكن يسمع بهما الباطل
إنَّ من الأدواء المُهلكة، والحُجُب التي تحجبُ عن اللهِ، وتعمي البصر والبصيرة - وبسببها كان هلاك قوم بأجمعهم - داء الغفلة عن الله، قال -تعالى-: {فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ}(الأعراف: 136)، وليستِ الغفلةُ مُقتصرةً على الجاهل فقط.
من المفارقات أن بعضَ المُتعلِّمين ممن يحملون شهادات مرموقة في علوم الدنيا هم من الغافلين، كما أخبر الله عنهم؛ فقال: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}(الروم: 7)؛ لذلك لابد من معرفة صفات الغافلين حتى لا تكون فينا صفة من صفاتهم ونحن لا نشعر. فالغافل لا يميز بين الحق والباطل، له أذنان، ولكنه لا يسمع بهما الحق، ولكن يسمع بهما الباطل، وله عينان، ولكنه لا يرى بهما الحق، فهو في الآخرة من الخاسرين؛ كما أخبر بذلك رب العزة والجلال؛ فقال: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107) أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (108) لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرونَ}(النحل). والغافل مشغول بزينة الحياة الدنيا، متبع لهواه، يلهو عند تذكيره بالله، مفرّط في أمر دينه ومولاه؛ ولذلك فقد حذَّر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - والأمة جمعاء من مجالسة هذا الصنف من الناس؛ فقال -تعالى-: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}(الكهف: 28)، وقال -تعالى-: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ}(الأنبياء). - ومن صفات الغافل أنه لا يذكر الله إلا قليلاً، والله قد أرشد نبيه - صلى الله عليه وسلم - إلى الإكثار من ذكره، وأمته تبعاً له، فقال -سبحانه-: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ}(الأعراف:205)، وعَنْ يُسَيْرَةَ -وَكَانَتْ مِنْ الْمُهَاجِرَاتِ- قَالَتْ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «عَلَيْكُنَّ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّقْدِيسِ وَاعْقِدْنَ بِالْأَنَامِلِ؛ فَإِنَّهُنَّ مَسْؤولَاتٌ مُسْتَنْطَقَاتٌ، وَلَا تَغْفُلْنَ فَتَنْسَيْنَ الرَّحْمَةَ».
- والغافل تقعد به غفلته عن الترقي في مراتب الكمال، يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله في ذلك-: «لا سبيل للغافل عن الذكر إلى مقام الإحسان، كما لا سبيل للقاعد إلى الوصول إلى البيت». وقال أيضاً: «إن مجالسَ الذكرِ مجالسُ الملائكةِ، ومجالسَ اللغوِ والغفلةِ مجالسُ الشياطينِ، فليتخيرِ العبدُ أعجبهما إليه وأولاهما به، فهو مع أهله في الدنيا والآخرة»
- وللغفلة مفاسد ومضار متعددة، فمن مفاسدِها كما لخَّصها بعضُ أهلِ العلمِ في ستّة أمورٍ: أنها تجلبُ الشيطانَ وتُسخطُ الرحمنَ، وأنها تُنزل الهم والغم في القلب وتبعد عنه الفرح وتميت السرور، وأنها مدعاة للوسوسة والشكوك، وأنها تورث العداوة والبغضاء وتذهب الحياء والوقار بين الناس، وأنها تبلد الذهن وتسد أبواب المعرفة، وأخيرا فهي تُبعد العبد عن الله وتجره إلى المعاصي.
اعداد: المحرر الشرعي