|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() باختصار .. حين يجهل الإنسان قَدْر نفسه.. من أخطر المداخل التي يتسلّل منها الشيطان إلى قلب الإنسان، بابُ الاغترار بالنفس؛ إذ يزيّن له ما حازه من عقلٍ أو علمٍ أو مالٍ أو سلطان، حتى يُخيَّل إليه أنّه قد ارتقى مقامًا رفيعًا، فينشأ في داخله كِبرٌ يرفعه فوق الخلق، وينسيه أنّه في جوهره مخلوق ضعيف، لا قيام له إلا برحمة ربّه، ولا حول له إلا بعونه؛ وليس ذلك إلا ثمرة جهلٍ بحقيقة النفس وضَعفها. وعلى النقيض، قد يُفرِّط المرء في نفسه ظلمًا لها، فيُهملها حتى يعجز عن أداء ما خُلق لأجله من العبادة، ويستغرق في غفلةٍ مغرقة، وهكذا، بين غلوّ الاغترار وتفريط الإهمال، تضيع النفس في متاهاتٍ من الصراع الداخلي والاضطراب النفسي، وتُبتلى بخصوماتٍ مع ذاتها ومع من حولها. وفي كتاب الله هدايات مضيئة ترسم للإنسان سبيل التعامل مع نفسه، وتضع لها ميزانًا قويمًا، فقد رفع الله شأن الإنسان وشرّفه بقوله: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} (الإسراء:70)، ليكون عزيزًا لا يذلّ نفسه، مكرّمًا لا يزدريها، كما نهاه -سبحانه- عن الكِبر والبَطر بقوله: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} (الإسراء: 37)، لئلا يغترّ بما أوتي، فيتجاوز قدره الذي قدّره الله له، وهكذا، بين التكريم والتحذير، يرسم القرآن للإنسان طريق التوازن: عِزّةً بلا تكبّر، وخضوعًا بلا مذلّة. ولقد كان إبليس أول من جهل قدره، حين أمره الله بالسجود لآدم؛ فظن أن مادة الخلق ترفع المقام، وغفل عن أن العبودية لا تُقاس بالنار أو الطين؛ بل تُقاس بالطاعة والتسليم، فقال متكبرًا: {أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} (الأعراف:12)، فطُرد من رحمة الله، وسقط من علياء القرب إلى دركات اللعن والبعد، وأصبح رمزًا للكبرياء الذي يُسقط صاحبه في مهالك الردى. وفرعون ما زلّت قدمه في دروب الطغيان إلا حين عميت بصيرته عن ضعفه، وغشّاه الغرور حتى نطق بكلمة الكفر فقال: {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي} (القصص: 38)، وقال: {أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى}، فكانت صرخة نابعة من نفسٍ متضخمة بالوهم، عمياء عن فقرها، غافلة عن عجزها، فكان هلاكها عبرةً خالدةً لمن نسي قدره، وغرّه سلطانه. وقارونُ لم يكن بأقلَّ جهلاً من إبليس، حين ظن أن كنوزه ثمرة علمه وعمله، لا فضلاً من ربه، فقال مغرورًا: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي}. فاجتمع فيه جهلان: جهلٌ بالربّ وحقوقه، وجهلٌ بالنفس وحقيقتها؛ فاستطال في الأرض استعلاءً، وهو في ميزان الحقّ لم يزدد إلّا سقوطًا وهوانًا. وهكذا، ما أحوجنا إلى أن نعرف ذواتنا حق المعرفة! فنزنها بميزان الوحي، ونسلك بها سبيل الحق؛ فإن معرفة النفس مفتاح السير إلى الله -تعالى-؛ إذ القلوب التي عظّمت ربها حق التعظيم هي التي أبصرت فقرها وضعفها، أما القلوب التي غفلت عن حقيقتها فقد استكبرت وقست، فلا ترى لله حقًا، ولا تعرف له مقامًا، قال -تعالى-: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}. ولن يقدره حق قدره إلا من عرف نفسه، فأيقن أنه لا يملك لها نفعًا ولا ضرًّا، ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا. اعداد: وائل رمضان
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |