|
ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() اجتهاد عمر رضي الله عنه الشيخ عبد العزيز المراغي عرضنا في المقال السابق لشيء من اجتهاد أبي بكر رضي الله عنه، ومقدار ما وهب من فطنة ودقة نظر وصلابة، إلى أن أفتي في حياة الرسول عليه السلام وبين يديه. ونحن اليوم نعرض لدرس ألوان من الاجتهاد من عقلية من أكبر العقليات في تاريخ الإسلام، ولسنا نعدو الحق إن قلنا من أكبر العقليات في تاريخ البشرية، تلك هي عقلية الخليفة الثاني عمر رضي الله عنه، ومؤسس الدولة الإسلامية بحق، ومرسي قواعد التشريع والإدارة على أمتن أساسها بحق. ولعمر رضي الله عنه نواحٍ ما أظن أحداً بمستطيع أن يلم بشتى أطرافها، فنواحيه مليئة بما شئت من فكر، ومن عظمة، ومن عبقرية، وحسبك في تلك العقلية إشادة بذكر وتخليداً لمجد أن نزل القرآن الكريم موافقاً لعمر رضي الله عنه في شيء كثير مما ارتآه، وما كان يحرص كل الحرص على أن يكون شرعاً خالداً للمسلمين. وقد ألف السيوطي رحمه الله رسالة في هذا الموضوع أسماها: (قطف الثمر في موافقات عمر). ولا يزال نظام عمر الإداري مثلا يحتذى حتى في عصور النور كما يسمونها، ولا تزال آراء عمر رضي الله عنه وما سنَّ من نظم للضرائب والجبايات مثلاً حقاً لمن أراد العدل والنَّصفة في التشريع، وأراد التخفيف عن كاهل الممولين، والتوفيق بين مصالح العمل ورأس المال. ولم يكن عمر رضي الله عنه رغم هذه العقلية الجبارة النفاذة البصيرة ليستبد برأي يظن من الخير أن يشرك فيه غيره من أصحاب الحل والعقد، روى البخاري «أن القراء كانوا أصحاب مجالس عمر ومشاوراته كهولا وشبانا». وفي مسلم «أن نافع بن الحارث الخزاعي لقي عمر بعسفان، وكان عمر يستعمله على مكة، فقال: من استعملت على أهل الوادي؟ قال: ابن أبزي، قال: ومن ابن أبزي؟ قال: مولى من موالينا، قال: فاستخلفت عليهم مولى؟ قال: إنه قارئ لكتاب الله عز وجل، وإنه عالم بالفرائض. قال عمر: أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال: «إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين». والقراء يومذاك كلمة ترادف العالم اللسن العارف باللغة الفاهم لمرامي القرآن ولحن الخطاب، ولم تكن القراءة يومذاك صنعة كما هي اليوم، وإنما هي صفة لمن توافرت فيه ما أسلفنا من شروط. ولست ترى جانباً من جوانب الحياة للجماعة لم يجتهد فيه عمر، حتى فيما نص عليه، فقد جاء عيينة بن حصن يطلب نصيبه من الصدقات باسم المؤلفة قلوبهم، فقال له عمر: [وَقُلِ الحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيكْفُرْ] {الكهف:29} فليس لمؤلف قلبه نصيب بعد اليوم». وهو يرى أن التأليف إنما كان وللناس إليه حاجة لجبر ضعفهم ودفع المعرة عنهم، أما وقد قويت شوكة الإسلام واستكملت الدولة نضوجها السياسي فليس لمنافق ولا لمداج ولا لمخادع نصيب. وعمر كان حريصا كل الحرص على إبراز هذه الناحية وتوضيحها من وجهة نظر المسلمين، ودفع تلك العناصر التي لا يجمعها شمل ولا يضمها عقد، وليست من بابة واحدة، وهذا هو السبب الذي دفع بعمر إلى إجلاء نصارى نجران وقد كانوا صالحوا الرسول صلى الله عليه وسلم على أن يدفعوا إليه الجزية مقابل أن يدفع المسلمون عنهم وأن يحفظوا لهم حرية عقيدتهم، ولما تولي أبو بكر رضي الله عنه أقر نصارى نجران على هذه المعاهدة، ولكن لعمر رأيه وله وجهته وغايته في النظر إلى كيان الدولة السياسي ووحدتها القومية. دعا عمر رضي الله عنه بعد توليه يعلى بن أمية، وطلب إليه أن يجلي نصارى نجران عن ديارهم، وقال له: «أيتهم ولا تفتنهم عن دينهم» ثم أجل من أقام منهم على دينه وأقرر المسلم وامسح أرض كل من يجلي منهم، ثم خيرهم البلدان، وأعلنهم أنا نجليهم بأمر الله ورسوله ألا يترك بجزيرة العرب دينان، فليخرج من أقام منهم على دينه، ثم نعطيهم أرضا كأرضهم إقرارا لهم بالحق على أنفسنا ووفاء بذمتهم فيما أمر الله من ذلك بدلاً بينهم وبين جيرانهم من أهل اليمن وغيرهم فيما صار لجيرانهم من الريف». وفي الحق لم يكن هذا من عمر نقضا لمعاهدة أقرها الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه من بعده. والناس لا يقدرون مقدار وحدة العقيدة وما لها من خطر، خصوصاً في القرون الوسطى، وما نظن عصرنا الحاضر- عصر المدنية كما يسمونه - بدعاً من ذلك، فلا تزال بلاد في الشرق والغرب تضطرم نيران الخلافات فيها، نظراً لاختلاف العقيدة، سواء أكانت دينية أم سياسية أم مذهبية، وشيء من الأناة فيما يقع اليوم بين الدول من اختلاف لا ندري ما يؤدي إليه، نظرا للخلاف المبني على فلسفتين في الحياة الاقتصادية حلتا من القوم في الشرق والغرب محل العقيدة عند من تبنى حياتهم على العقيدة. هذا أمر ما نظن أحداً ليمتري فيه إلا إذا كان مكابراً للواقع والحس. وهل الحروب الصليبية إلا أثر من آثار الخلافات؟وهل حروب النهضة في أوربا وما تلاها من الحروب إلا نتيجة مباشرة أو غير مباشرة لهذا الخلاف؟ وحروب الردة قد علَّمت المسلمين أن يتنبهوا للأخطار الكامنة في حياة الأمة الإسلامية، لوجود عناصر لا تلائمهم في العقيدة، والمخالفون لهم لم يتركوا فرصة لم يغتنموها لاستغلالها ضد المسلمين. وقد وُحِّدت الدولة بمجيء عمر رضي الله عنه، ورسخت مؤسساتها، وعمر رضي الله عنه لم يلجأ إلى لون من ألوان العسف التي تستعملها الدول عند تبادل السكان وتبادل أراضيهم، بل استعمل كل ما يمكن أن يقوم به مصلح إنساني يرعى القانون قبل المصلحة الفردية، ولم يكن النصارى ليضاروا بذلك، فقد أعطوا أرضا خارج الجزيرة، واستكملت لهم بذلك مصلحتهم، كما روعيت مصلحة المسلمين. وكذلك كان أمر اجتهاده مع اليهود، وهم قد رأوا من شدته وحزمه وتصرفه في الأمور ما لم يدع سبيلاً للريبة في نفوسهم بأن عمر رضي الله عنه فاعل بهم ما فعل لا رغبة في الانتقام لأنهم مخالفون في الدين، وإنما هو معنى من معاني التنسيق للدولة وتوحيد عناصرها وتوجيه جهودها، وإلا فقد بقي كثير من أهل الذمة على دينهم في البلاد التي فتحها المسلمون لقاء دراهم معدودة من الجزية ضمنوا بها حريتهم في العقيدة، وضمنوا بها حماية جيش المسلمين. وعمر رضي الله عنه كان يصدر في هذه التصرفات والاجتهادات السياسية عن نفس منظم لا تبالي بشيء في سبيل المصلحة. ولعل هذا هو السبب في أن الرسول عليه السلام لم يولِّ عمر رضي الله عنه شيئاً من أمر السرايا التي استهل بها المسلمون عهدهم بالغزو والقتال، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من الخير أن يبقي عمر بجواره، لما شهد من حسن رأيه وجميل سياسته. وقد روي في ذلك «أن وفد نجران حين قدم المدينة يجادل رسول الله ونزل قوله تعالى: [قُلْ يا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَينَنَا وَبَينَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيئًا وَلَا يتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ] {آل عمران:64} دعا الوفد إلى قبول هذه الحجة أو الملاعنة، ورأى الوفد أن يعود إلى بلده، وطلبوا من الرسول عليه السلام أن يبعث معهم رجلاً حكماً فيما شجر من خلاف بينهم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ايتوني العشية أبعث معكم الحكم القوي الأمين. قال ابن هشام: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول: ما أحببت الإمارة قط حبي إياها يومئذ رجاء أن أكون صاحبها، فرحت إلى الظهر مهجراً، فلما صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر سلم ثم نظر عن يمينه وعن يساره، فجعلت أتطاول له ليراني، فلم يزل يلتمس ببصره حتى رأى أبا عبيدة بن الجراح فدعاه، فقال: اخرج معهم فاقض بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه». هذا يفسر لنا المنزلة التي يراها الرسول عليه السلام لعمر رضي الله عنه في نفسه، وهولا يرى أن يترك عمر المدينة مدة قد تدعو حاجة لوجوده والاستئناس برأيه، والرسول عليه السلام ما كان ليترك استشارة أصحابه فيما يحزبهم من أمر، وقصة الأسارى في بدر شاهدة على ما نقول، وشاهدة على تلك الوجهة التي يراها عمر، وهو أن يقلل ما أمكن من دواعي الخلاف في العقيدة بين الجماعة، والعقيدة إذ ذاك واليوم أهم مقوم من مقوماتها، وفي سبيل هذه العقيدة لم يتوان عمر رضي الله عنه يوم بدر في قتل خاله العاص بن هشام، وقد روي أن عمر التقى يوم بدر مع سعيد ابن العاص فقال له إني أراك كأن في نفسك شيئا، أراك تظن أني قتلت أباك وإني لو قتلته لم أعتذر إليك من قتله، ولكني فتلت خالي العاص بن هشام ابن المغيرة، فأما أبوك فأني مررت به وهو يبحث بحث الثور بروقه فحدت عنه وقصده ابن عمه علي فقتله. هذه العقلية المتأثرة بروح المحبة للجماعة، وروح الحفاظ على كيان الدولة، هي التي دفعت بعمر رضي الله عنه إلى كثير مما اجتهد فيه من أحكام لمصلحة سياسية متصلة بالدولة أو بنظامها. ويجب أن نلاحظ أن كل شيء في ذلك الوقت كان منصرفا إلى تدعيم النظام العام، وتثبيت سلطان الجماعة على أي وضع كان، متى كان في ذلك تقرير لدين الله وإعلاء لكلمته، وكل شيء في سبيل ذلك هين مهما استدعي من بذل أو تضحية. وروح الجماعة متى استولى سلطانها على شيء كان التفكير دائما سليماً، لأنه تفكير منزه عن الغرض، بريء من مصلحة الفرد، خاصة إذا نبع من عبقرية جبارة كعبقرية عمر. وسنعرض في المقال المقبل لطرف آخر من اجتهاداته رضي الله عنه ؟ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. المصدر : مجلة الأزهر المجلد الثامن عشر رمضان 1366هـ ، العدد التاسع.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |