الإسلام في أفريقيا - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         فواصل للمواضيع . (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 28 - عددالزوار : 112 )           »          البشريات العشر الأولى للتائبين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          خواطرفي سبيل الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 35 - عددالزوار : 7046 )           »          قلبٌ وقلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 35 - عددالزوار : 6587 )           »          وتبقى الصلاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 173 )           »          الإمام الأوزاعي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          قولَ الحقِّ لم يدع لي صديقاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          الدعاء والذكر عند قراءة القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 91 )           »          صور من تأذي النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 25 - عددالزوار : 7404 )           »          سمك العنبر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث > ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24-09-2025, 10:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,118
الدولة : Egypt
افتراضي الإسلام في أفريقيا

الإسلام في أفريقيا -1-


محمد فاروق الإمام



الحمد لله الذي أنار بدينه الإسلامي الحنيف المعمورة، وأشاع بنور الحق مشارق الأرض ومغاربها، وبدد بضيائه دياجير الظلم والظلمات، وأدال بحوافر خيل جنده عروش البغاة والطغاة، ودك قلاع الكفر والإلحاد، وأعلى النداء الخالد: {الله أكبر.. الله أكبر}.
ليصدح في جنبات الوهاد وذرى شمم الجبال، ودروب الحضر والريف والبادية، وهدى بمعارفه الناس من كل لون وجنس ولغة، وأبان لهم الحق من الباطل فتسابقوا لاعتناق عقيدته فكراً وقولاً وعملاً. وصلى الله على النبي الصادق الأمين محمد بن عبد الله، ورضي الله عن صحبه الميامين، الذين حملوا الأمانة من بعده، مسترخصين الأرواح لإعلاء راية التوحيد ونشر الدين الحنيف.
لم يكن تتبّعي للتاريخ المغربي وشمال إفريقية عفوياً، بل كان إرضاءً لرغبةٍ جامحةٍ، وقد أخذ تاريخ المشرق من عمري سنين طويلة، فقد أحسست أنه لابد من ولوج تاريخ نصف هذه الأمة الذي يمتد آلاف الأميال في إفريقية وأعماقها، فرحت بشغفٍ وحبٍ أسيح في منعطفات تاريخ تلك البلاد، لأجد أن في ذلك التاريخ ما يهم كل مسلم من دارسٍ أو باحثٍ أو مطالع، فقد استوقفتني أحداث وتقلبات ومواقف تستحق تتبعها واستقصاؤها. وكان في مقدمة ما استهوتني من مواضيع مهمة، المواقف الخالدة والمشرفة لفقهاء إفريقية وعلمائها الأشاوس الذين تجشّموا المصاعب والمخاطر في سبيل تحصيل العلم، والثبات عند حدوده الشرعية، والوقوف عند حلاله وحرامه، وتصدّيهم بلا جزع أو خوف أو تردد لكل حاكم ظالم متجبر، ومحاربتهم لكل بدعة أو دعوة ضالة، واستشهادهم دون السنّة المطهرة والدين الإسلامي الحنيف، وضربهم أروع الأمثلة في التضحية والثبات والعدل والعبادة والزهد والورع والتقى والعفاف، محتسبين كل ذلك عند الله، فلم تمتد أيديهم لشيء يعتقدون فيه أنّه من سحتٍ أو اغتصاب، مؤثرين الكفاف وسدَّ الرمق بما يجدون فيه الطُهر والحلال، غير منحنين أمام الاغراءات مهما عَظُمت، وغير مُنساقين وراء هوى المناصب أو المراكز الدنيوية مهما علت. فرضوا مهابتهم على السلاطين والحكام بتعففهم وامتناعهم عن كل عطاء، وزرعوا محبتهم واحترامهم في قلوب الناس بكرمهم وسمو أخلاقهم وحسن معاملاتهم وصبرهم وحلمهم. فكانوا القدوة الصالحة والأسوة الحسنة من العلماء العاملين الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم.. للخلف من بعدهم الذين امتدت سلسلتهم المباركة في إفريقية حتى إخماد جذوة الدعوة العبيدية الضالة، واقتلاعها من أرضها الطيبة.
حول هؤلاء الرجال الأفذاذ الذين قلما يجود الدهر بأمثالهم يدور محور حلقاتي هذه، ولمواقفهم الخالدة المتميزة سخرت قلمي وجهدي ووقتي، فمن حقهم علينا أن نستذكر فصول حياتهم المليئة بالأحداث الجسام، لنتعلم منهم الصبر والحلم والشجاعة والكرم والإيثار والحميّة والمروءة والعبادة والزهد والفقه والحلم والورع. وقد غزت بلداننا الإسلامية موجة طاغية عاتية تتزيا بمسوح العلم والثقافة والمدنية والمعرفة وتطور الحياة، وهي في حقيقتها تريد استئصال شأفة هذا الدين الذي ما زال عصيّا عليهم منذ أربعة عشر قرناً وحتى الآن، خابت فيه غزواتهم وحملاتهم، وأخفقت كل مؤامراتهم في النيل منه، إلى أن بات يغزوهم هذا الدين في عقر دارهم وفي معاقلهم ومجتمعاتهم، رغم إمكانيات الدعاة المتواضعة، في مواجهة أباطرة القوة والمال والجبروت والطغيان{ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين..}سورة الأنفال: آية (8).{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}سورة الحجر: آية (9).







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 24-09-2025, 10:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,118
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الإسلام في أفريقيا

الإسلام في أفريقيا -2-


محمد فاروق الإمام


فتح أفريقية وبناء القيروان

لقد بدأ التفكير بفتح إفريقية بعد أن فتح الله على المسلمين مصر، فقد قاد عمرو بن العاص رضي الله عنه أول طليعة من الفرسان سنة (22هـ/642م)، إلى (برقة)، ثم فتح (طرابلس) سنة (23هـ/643م) ثم قاد عبد الله بن أبي السرح أيام عثمان بن عفان رضي الله عنه - وكان واليا على مصر - حملة على إفريقية سنة (27هـ/647م) ففتح (سبيطلة) سنة (28هـ/648م).
ثم كانت حملة معاوية بن حديج السكوني سنة (45هـ/665م) على رأس عشرة آلاف من المسلمين، وحقق انتصارات باهرة على الروم. وخرج عقبة بن نافع إلى إفريقية - وقد ولاه إياها الخليفة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه - سنة (50هـ/670م) وهو يعتبر أول الولاة الذين اختصوا بولاية إفريقية منفصلة عن مصر.
ولم يكن اختيار عقبة بن نافع لموضع مدينة (القيروان) عفويا، وإنما كان لحكمة وسعة أفق ودراية سياسية اتصف بها هذا القائد العظيم؛ فبالإضافة إلى هذا السهل المنبسط الفسيح، والذي يشبه في طبيعة أرضه ومناخه - إلى حد ما - مناخ وطبيعة الجزيرة العربية، فقد قدر هذا القائد الذي عركته التجارب أن مركز القيادة العربية الإسلامية الجديد يجب أن يكون بعيدا عن خطر البحر ومفاجآته، ولم يكن للجيش العربي الإسلامي بعد أساطيل بحرية قوية تتقي هجمات الأسطول البيزنطي، وفي نفس الوقت يكون هذا المركز في منأى عن البربر (سكان البلاد الأصليين) الذين اتخذوا من الجبال المنيعة معاقل وحصون لهم يحتمون فيها من الأعداء، ويتقون بها هجمات الغزاة.
كما وأن تلك المنطقة التي اختارها عقبة بن نافع لمدينة صالحة لرعي الإبل، وهي سفينة صحراء العربي التي لا غنى له عنها.
لهذه الأسباب وغيرها اتخذ عقبة بن نافع قراره في اختيار هذا الموقع ليكون دارا جديدة للعرب والمسلمين، على الرغم من مخالفة أصحابه له في أول الأمر، فقد كان الأمراء الذين معه يرون أن مركز القيادة ينبغي أن يكون قريبا من البحر ليجمعوا بين الجهاد والمرابطة. ولكن عقبة بن نافع رد عليهم قائلا: إني أخاف أن يطرقها صاحب (القسطنطينية) ويهلكها، ولكن اجعلوا بينها وبين البحر مالا يدركها معه صاحب البحر، ولا تقصر معه الصلاة فيكون لكم أجر المرابطة والجهاد. فلما اتفق رأيهم على ذلك قال لهم: قربوها من السبخة فإن دوابكم الإبل وهي التي تحمل أثقالكم.
وهنالك ملاحظة جديرة بالذكر ألا وهي أن العرب قد دأبوا منذ بواكير الفتوح الأولى وتخطيطهم لإقامة المدن والأمصار الإسلامية من البصرة والكوفة في العراق إلى الفسطاط في مصر إلى القيروان بإفريقية، أنهم كانوا يختارون لهذه المدن والأمصار السهول المنبسطة لتكون قريبة من نوع حياتهم في الصحراء العربية التي اعتادوا عليها لقرون طويلة.
وهكذا تم الأمر حسب رأي القائد عقبة. وشرع في تخطيطه مدينة القيروان. وبنى مسجدها الجامع الذي كان المنارة الأولى التي منها انطلق النداء الخالد:[الله أكبر.. الله أكبر] لتتجاوب مع النداء جنبات هذا الوادي الفسيح ويرتد صداها حتى يصل إلى أعماق إفريقية والمحيط الأطلسي وجنوب أوروبا في قابل الأيام. وأقام عقبة بن نافع قبلة محراب هذا المسجد في حفل مهيب أثار النفوس وملأها شجوا وفخارا.
لقد كان ينتظر هذه المدينة أحداث جسام، وقد أصبحت العاصمة الإسلامية الأولى في المغرب الإسلامي، فعليها أن تقوم بالدور الذي اختاره الله سبحانه وتعالى لها في نشر الإسلام وامتداد نفوذه في عمق إفريقية وأوروبا وجزر البحر المتوسط.
لقد أسس عقبة بن نافع مدينة القيروان سنة (51هـ/671م) لتكون قاعدة الإسلام الأولى وحصنه المنيع، وانطلاقا لجحافل جند الإيمان منها إلى مختلف الاتجاهات، لنشر الدين الإسلامي الحنيف. والقيام بهذا الدور الرحماني الذي يشمل كل مناحي الحياة العسكرية والسياسية والحضارية والدينية معا كل لا يتجزأ.
وبعد أن انتهى عقبة بن نافع من بناء القيروان جمع وجوه أصحابه وكبار العسكر، فدار بهم حول القيروان، وأقبل يدعو لها ويقول في دعائه: "اللهم املأها علما وفقها، واعمرها بالمطيعين والعابدين، واجعلها عزا لدينك، وذلا على من كفر، وأعز بها الإسلام، وامنعها من جبابرة الأرض".
وهكذا غدت مدينة القيروان في المغرب الإسلامي وشمال إفريقية مفخرة المغرب ومركز السلطان وأحد الأركان. وكان العلماء وأهل القيروان كالرأس وسائر بلدان إفريقية كالجسد، واعتبرت القيروان لأهل المغرب أصل كل خير، والبلاد كلهم عيال عليها، فما غصن في الآفاق المغربية مطلقا إلا منها علا، ولا فرع في جميع نواحيها إلا عليها ابتنى، ومنها خرجت علوم المذهب، وإلى أئمتها كل عالم ينتسب، وكان قاضي القيروان يمثل أعلى منصب ديني في عموم البلاد المغربية، وإليه المرجع في تسمية قضاة مختلف الجهات.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24-09-2025, 10:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,118
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الإسلام في أفريقيا

الإسلام في أفريقيا -3-


محمد فاروق الإمام


عقبة بن نافع يقود حملة لفتح غرب أفريقيا


بعد أن أنهى عقبة بن نافع بناء القيروان قاد عشرة آلاف فارس من أشد فرسانه وخيرة رجاله، وأناب على القيروان عمر بن علي القرشي وزهير بن قيس البلوي مع (600) مقاتل ثم سار غرباً عازماً على التوغل في غرب إفريقية دون حساب للصعاب.
حاصر عقبة في أول حملته مدينة (باغاية) وهي أهم المراكز العسكرية الهامة على مدخل جبال الأوراس من ناحية الشرق، بعد أن فتك بحاميتها الرومية.
ثم ترك حصارها واتجه غرباً إلى إقليم الزاب الخصب الفسيح، وكانت عاصمته (مسيلة) فقضى على حاميتها الرومية واستولى عليها. وبذلك تصبح هذه البلاد الغنية بمواردها الزراعية قوة للمسلمين ومخزن غذاء لهم.
واعتبر - كما يشير المؤرخون - أن استيلاء المسلمين على إقليم الزاب وفتحهم لمسيلة نقطة تحول حاسمة في سير فتوح إفريقية، حيث كانت الحرب تدور بين المسلمين والروم، وكان البربر يقفون موقف المحايد بين الطرفين، ولكن إقليم الزاب هو إقليم بربري وتقطنه قبائل بربرية، مما جعل هؤلاء يشعرون وكأنهم مقصودون بهذا الفتح، ولهذا نجدهم عندما استغاث بهم الروم هبوا لنجدتهم.
وعندما وصل عقبة إلى (تاهرت) وجد أمامه الروم والبربر، فقاتلهم وانتصر عليهم بعد أن دفع الثمن غاليا.
ووصل عقبة ومن معه إلى طنجة، وكان حاكمها (يليان) الذي بادر إلى مسالمة المسلمين والنزول على شروطهم دون أن يعرض الناس إلى سفك الدماء. وأسرَّ هذا إلى عقبة أنه خلَّف الروم وراءه ولم يبق إلا البربر أمامه، ونصحه بأن لا يفكر في (الأندلس).
وأخذ عقبة بنصيحة يليان واتجه إلى الجنوب، فحارب البربر في المغرب الأقصى حتى وصل إلى بلاد (السوس) معقل قبائل المصامدة حيث فرق جموعهم، ثم تابع مسيره جنوباً حتى بلغ (وادي درعة) فبنى هناك جامعاً رمزاً إلى وصول الإسلام إلى هذه الناحية القصية.
ثم دخل (السوس الأقصى) فأطاعته قبائل (مصمودة) واستولى على معسكر كبير هناك كان يسمى (الأغمات) فبنى عقبة هناك جامعا، ثم انحدر جنوبي (سهل مراكش) واحتل (إيجلليز السوس الأقصى) وكان هذا معقلا للقبائل في الجبال، وبنى فيه عقبة مسجداً، وأطاعته قبيلة (جزولة الصنهاجية) ودخل أهلها في الإسلام على يديه، فتركهم واتجه غرباً حتى وصل المحيط الأطلسي عند موضع يسمى (ايفران يطوف) جنوبي وادي السوس. وهناك أقحم عقبة فرسه في البحر وأشهد الله على أنه وصل إلى آخر البلاد غرباً ولو امتدت الأرض أمامه لاستمر في طريقه مجاهداً في سبيل الله.
لقد كان كثير من المؤرخين المحدثين يرون وصول عقبة إلى المحيط الأطلسي مجرد أسطورة، وأن أقصى ما يمكن أن يكون قد وصل إليه عقبة هو منطقة (وهران) ومصب (وادي شلف) ولكن المؤرخ (صالح بن عبد الحليم) من مؤرخي المغرب أيد القول بوصول عقبة إلى المحيط فعلا، فقد أورد من التفاصيل في كتابه (روض القرطاس) ما لا يدع مجالا للشك في حقيقة وصوله إلى المحيط الأطلسي.
وبعد أن رأى البربر بأم أعينهم فعال هذا القائد الهمام وهو يقحم فرسه في مياه المحيط ويشهد الله على أنه قام برسالته إلى أقصى ما يستطيع فعله إنسان، أخذوا في التسابق لدخول الإسلام.
ويتجه عقبة من (إيغران يطوف) شمالا، ليعبر وادي السوس مرة أخرى، فبنى على ضفته قرب المحيط رباطا ترك فيه رجلا من رجاله يسمى (شاكر) تجمع إليه البربر من كل ناحية، ليصبح رباط شاكر مركزا إشعاعيا لنشر الإسلام ومحجا لوفود القبائل البربرية.
لم يكن أعداء عقبة غافلين عما يقوم به وما يحقق من انتصارات وفتوحات بل كانوا يتتبعونه ويتحينون الفرصة لمهاجمته والقضاء عليه، وكان هؤلاء مجاميع متبقية من الروم والبربر، كان بإمكانهم مهاجمة عقبة بعد وصوله إلى المحيط، ولكنهم آثروا تركه يبعد في خطوط مواصلاته ويفقد رجاله وقواه شيئا فشيئا، فقد جربوا مواجهته وهو في عنفوان قوته فأخفقوا ولم يحصدوا إلا الهزائم.
ولقي عقبة في طريق عودته إلى طنجة مقاومة عنيفة من هؤلاء، ففي شما (وادي تنسيفت) تجمعت عليه قبائل (مصمودية) التي انقلبت عليه بعد أن أطاعته، ووقفت في طريقه وحاصرته في قلب (جبال ورن) فسارعت قبائل (الزناتة) من الشمال لنصرته في فك هذا الحصار، ودارت معركة حامية الوطيس راح فيها الآلاف من المصامدة، وفقد عقبة عددا كبيرا من خيرة رجاله، ولكن الله نصره عليهم، وكانت المعركة في موضع قريب من (وادي نفيس) وسمي موضعها (بمقبرة الشهداء).
قفل عقبة راجعا برجاله ومعه أبو المهاجر وصديقه البربري (كسيلة) أمير قبيلة (أوربة) مكبلين بالحديد، وقد أجهد أبو المهاجر نفسه في إقناع عقبة بالإحسان إلى كسيلة وفك قيده وإطلاق سراحه، فإن الرجل أمير قومه، وهو صديق للمسلمين، دون أن يفلح في ذلك، فقد كان عقبة متصلبا في رأيه، وهو يشتم رائحة خيانة كسيلة له.
ومن الطبيعي أن يفكر هذا الرجل بالانتقام من عقبة فراسل رجال قبيلته أوربة من معقله، فتجمع هؤلاء وراسلوا الروم، وكمنوا لعقبة عند بلدة (تهودة) جنوبي (بسكرة) متحصنين بأسوارها العالية المنيعة. وكان عقبة بعد أن انتصف طريق العودة أذن لأصحابه في أن يسرعوا إلى القيروان، وقد عضَّهم الشوق إلى أهلهم وعيالهم بعد غياب نحو سنتين في حروب متواصلة، فتركه معظم رجاله، وبقي في قلة من أصحابه لم تزد على خمسة آلاف رجل.
وعند دخول عقبة ورجاله سهل تهودة جنوبي (وادي الأبيض) كان الأعداء في انتظاره، فأكملوا حلقة الحصار حولهم بجموعهم المؤلفة من الروم والبربر.
ولم يكن عقبة أو رجاله من الفرارين، فترجل عقبة وأمر رجاله بأن يترجلوا لملاقاة العدو. وفي ملحمة فريدة من نوعها سقط عقبة شهيداً مع عدد كبير من رجاله سقوط الأبطال، ليكتب ورجاله صفحة رائعة من صفحات فتوح الإسلام في أواخر عام (64هـ/683م) وأوائل عام (65هـ/684م).
لقد كان استشهاد عقبة ملحمة تاريخية شهيرة، صحيح أنها كانت هزيمة عسكرية، ولكنها كانت نصراً رائعاً لأهل الإيمان.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 24-09-2025, 10:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,118
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الإسلام في أفريقيا

الإسلام في أفريقيا -4-


محمد فاروق الإمام


زهير بن قيس يواجه الروم والبربر

بعد استشهاد عقبة أصدر الخليفة عبد الملك بن مروان أوامره بتولية زهير بن قيس قيادة حملة لاستعادة إفريقية والثأر لعقبة من كسيلة، وأنجد عبد الملك زهيراً بقوة عسكرية كبيرة، وبعث إليه بالأموال من مصر، فنهض في سنة (69هـ/688م) متوجهاً إلى إفريقية، فدخل ناحية (قمونية) وعسكر بقواته فيها، وأسرع كسيلة لجمع قوة ضخمة من البربر والروم وسار بها لملاقاة زهير، وخامرت زهير فكرة الانسحاب وهو يرى الجموع الهائلة التي جمعها كسيلة، ولكن بعض القادة نصحوه بالثبات وحفّزوه على الزحف لملاقاة العدو.

وتقدم كسيلة بقواته وانتظر في موضع يسمى (ممس) قريب من الجبل، وكان ذلك المكان عامراً بالآبار الكثيرة التي سترتوي منها عساكره.
وقدم زهير برجاله ودار القتال في ممس، وكان قتالاً ملحمياً رائعاً لم تشهد له إفريقية من قبل مثيلاً في الشدة والعنف والمصابرة من كلا الطرفين. وثبّت الله المسلمين وأعانهم بجنود لم يروها، فأعملوا القتل في صفوف أعدائهم، وتمكنوا من قتل كسيلة ونفر من أعيان رجاله، وانتصر زهير وفئته القليلة المؤيدة بنصر الله على جموع الروم والبربر، وطارد المسلمون فلولهم المنهزمة إلى مسافات بعيدة، ودخل زهير القيروان منتصراً وأصلح من شأنها وشأن جامعها، ثم أرسل حملة استولت على بلد هام في شمال القيروان يعرف (بالكاف أو الكف) ويسميه العرب (شقبنارية).
وعمل الروم خلف زهير على إنزال أعداد كبيرة من قواتهم في برقة ليستعيدوها ويقطعوا على زهير خط العودة وطرق الإمداد، وتحصن الروم في (درنة) وأخذوا ينقلون إلى سفنهم الأسلاب التي غنموها في إفريقية وكذلك الأسرى والسبايا من المسلمين.
ويعود زهير مصوبا وجهته إلى المشرق - ليس عودة منهزم أو منسحب - بل لاستنقاذ برقة والمسلمين من الغزاة الروم، فيصل إلى قرب درنة والحال على تلك الصورة، وكان جيشه يسير ببطء نظراً لوعورة الأرض وطول الطريق وثقل أحمال الغنائم، فكان زهير في سبعين من رجاله فقط عندما وصل إلى قرب درنة فرأى الروم يسوقون أسرى المسلمين إلى مراكبهم، وأراد زهير انتظار وصول جيشه وهو في قلة لا تستطيع فعل شيء أمام عدو كثير العدد، فغمز فيه بعض الشباب المتحمس متهمين إياه بالجبن والخور من لقاء العدو، مما اضطره إلى خوض معركة غير متكافئة، بل كانت أشبه بعملية انتحار أقدم عليها زهير مرغماً حتى يدفع عن نفسه اتهام الآخرين له بالجبن والخوف، وكانت النتيجة استشهاده واستشهاد كل من كان معه، في ملحمة بطولية لا تقل بطولة عن ملحمة عقبة بن نافع.
وفاجأت هذه الأخبار السيئة عبد الملك، وهو عاجز عن فعل أي شيء وهو مشغول في حربه مع ابن الزبير في الحجاز.
وبعد أن انتهت أزمة ابن الزبير بمقتله سنة (72هـ/691م) واستقر الأمر بلا منازع لعبد الملك بن مروان شرع في السعي لاستعادة إفريقية ومواصلة الفتوح فيها، فاختار حسان بن النعمان الغساني على رأس جيش جرار قوامه (40,000) مقاتل ليقوم بهذه المهمة.
وخرج الجيش من دمشق سنة (73هـ/692م) ووصل إلى مصر وأقام فيها زمناً ريثما يكتمل تجمع الرجال وتكتمل عدتهم، وقد أمر عبد الملك بأن تؤخذ نفقات الجيش من خراج مصر، ولم يخرج هذا الجيش إلى إفريقية إلا في سنة (74هـ/693م)، حيث دخل حسان في تلك السنة القيروان، وأخذ يصلح من شؤونها ومن شؤون المسلمين الذين بقوا فيها ويرسم خططه للعمل المستقبلي.
وقرر حسان بداية القضاء على كل أثر للروم وسلطانهم في إفريقية، وكانت (قرطاجنة) عاصمة إفريقية البيزنطية ما زالت عامرة بالروم وحلفائهم من الأفارقة، فسار إليها ووقع بين المسلمين والروم معركة عنيفة أسفرت عن هزيمة الروم، فاقتحم المسلمون المدينة وأسروا العديد من الروم، وفر من نجا من البيزنطيين وحلفائهم إلى مراكبهم الراسية في الميناء، فحملتهم إلى صقلية وجزائر البحر. وأمر حسان بتخريب الميناء حتى لا تعود إليه مراكب الروم.
وهكذا تم لحسان القضاء على كل أمل للبيزنطيين في العودة إلى إفريقية عن طريق ميناء قرطاجنة، كان ذلك في سنة (74هـ/693م).
وبعد أن أراح حسان جنده من خلال منحهم مهلة لاستعادة قواهم وقد أنهك العديد من رجاله الجراحات التي أصابتهم في المعارك السابقة، وتيقن من جاهزية رجاله نهض للقضاء على البربر الذين ناصروا الرومان وحالفوهم ضد المسلمين.
وَيُفاجأ حسان بأمر لم يكن قد حسب حسابه، فقد ظن أن المقاومة الحقيقية تكمن في الروم وقد استطاع اجتزاز شأفتهم من بلاد إفريقية والقضاء عليهم، ليجد في مواجهته (الكاهنة) التي استطاعت تزعم البربر من قبيلة (جراوة الزناتية) فقد تجمع حولها بربر الأوراس (جبال أطلس الشرقية) متحدية المسلمين تحديا حقيقيا لم يخطر لهم على بال.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 24-09-2025, 10:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,118
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الإسلام في أفريقيا

الإسلام في أفريقيا -5-


محمد فاروق الإمام
حسان وكاهنة إفريقية


لقد كانت كاهن إفريقية امرأة ساحرة حقاً، تحمل صنماً خشبياً ضخماً تستعين به على ما تريد من عمل السحر والكهانة، وكانت ذات شعر جعد عظيم، تنشره عند استحضارها لشيطانها فيما تزعم، وتدق صدرها بيديها وتحمرُّ عيناها فتتملك الناس من حولها رهبة شديدة. وَيُفهم من النصوص التاريخية أنها لم تكن صغيرة السن بل كهلة، فقد كان لها أبناء في سن الشباب، وكان أحدهم من أب رومي، وقد تزوجت كثيراً من الرجال مما جعل لديها الكثير من الأبناء، وكانت إلى جانب مظهر السحر والشعوذة ذكية ذات كياسة ولباقة وتدبّر وحكمة وحسن سياسة.
وكان أول ما فعلته هذه الكاهنة - عندما بلغها أن المسلمين يقصدونها - هو تخريب الأرض في طريقهم، ظنا منها أن مطلبهم الغنيمة والأسلاب، فإذا وجدوا الأرض خرابا انكفؤوا على أنفسهم وعادوا خائبين. فقطعت الأشجار وخربت الزروع على طول الطريق، ثم أمرت بهدم قلعة (باغاية) حتى لا يعتصم بها المسلمون، فأصبحت الأرض جرداء قاحلة، وتعرّت التربة وتحولت إلى تراب تذروه الرياح.
ورغم ما فعلت هذه الكاهنة تقدم المسلمون نحوها بشجاعة نادرة وأدركوها في موضع تجمع قواتها على نهر بين العين البيضاء وتبة تسمى (نيني)، ووقف المسلمون في جانب من هذا النهر والكاهنة وأتباعها في الجانب الآخر، وباتوا ليلتهم شاكي السلاح.
وعند بواكير فجر الصباح الأولى خاض المسلمون الماء وشنوا هجوما صاعقا على الكاهنة وجندها، ودار قتال عنيف تكاثر فيه البربر على المسلمين وقتلوا منهم أعدادا كبيرة، مما دفع حسان إلى الانسحاب مع من تبقى من جنده إلى الشرق منهزما بعد أن ترك في أرض المعركة المئات من جثث الشهداء، في حين أسرت الكاهنة نحو ثمانين من خيار جند حسان، وللمفارقات أنها أحسنت معاملتهم، بل أخذت واحدا منهم واسمه (خالد بن يزيد) وجعلته ابنا لها وآخت بينه وبين ولديها، وهذا يدل على ذكاء هذه الكاهنة وبعد نظرها وحسن تفكيرها، وقد سمي الوادي الذي دارت فيه المعركة (بوادي سهر).
واستمر رجال الكاهنة في مطاردة حسان ومن فر معه حتى أخرجوهم إلى طرابلس، ثم إلى برقة حيث ضرب حسان خيامه هناك في مكان أصبح يسمى (قصور حسان)، وبعث بالخبر إلى دمشق وبات ينتظر الأوامر.
وهكذا فقد المسلمون إفريقية للمرة الثالثة في نحو عشر سنوات، الأولى بعد استشهاد عقبة، والثانية بعد استشهاد زهير، والأخيرة بعد هزيمة حسان في وادي نيني.
ولو أن غاية المسلمين المكاسب والأسلاب لكان كفاهم ما حل بهم وكفوا عن إفريقية وانصرفوا آيسين من فتحها، وقد تكبدوا في سبيلها خسائر فادحة وهزائم مريرة، وهلك من رجالهم الألوف من خيرة الوجوه، ولكن الإيمان كان دافعهم والجهاد ديدنهم وإعلاء كلمة التوحيد غايتهم، لذا لم تفتّ هذه الانتكاسات من عزائمهم أو تقلل من يقينهم من أن الله ناصرهم ومعلٍ شأن دينهم.
ولم تكف الكاهنة - بعد هزيمتها للمسلمين - عن فعالها الشنيعة، بل راحت تمضي في سياسة التخريب لتقطع أي أمل يراود المسلمين في تكرار غزو تلك البلاد، فقطع رجالها الأشجار على مسافات طويلة، وخربوا المدن، وهدموا الحصون، حتى يقول ابن عذاري: كانت إفريقية ظلاً واحداً من برقة إلى طنجة، وقرى متصلة ومدائن منتظمة، حتى لم يكن في أقاليم الدنيا أكثر خيرات ولا أوصل بركات، ولا أكثر مدائن وحصوناً من إقليم إفريقية والمغرب، مسيرة ألفي ميل، فخربت الكاهنة ذلك كله.
وبعد خمس سنوات من انتظار حسان عند قصوره في برقة وصلته الإمدادات من دمشق، فتحرك نحو إفريقية مجددا سنة (79هـ/698م)، وقد فتكت بها الكاهنة فتكاً ذريعاً مما جعل عامة أهلها والمغرب الأوسط في خوف من الكاهنة ورعب مما تفعله بالبلاد، فغادر عدد كبير منهم مهاجرين إلى صقلية وإيطاليا وحتى الأندلس، وهذه الأخبار شجعت حسان على استعجال أمره، فأغذ السير نحو إفريقية، فدخل (قابس) حيث استقبله أهلها استقبال المنقذ لهم، فقدموا له الأموال والمؤن، ولم يضيع حسان وقته بل رأى أن من الحكمة أن يسرع إلى الغرب دون أن يضيع وقته في القيروان، فاخترق إقليم (الجريد) المعروف (بقسطيلة) وأراح جنده في (قفصة) ثم دخل المغرب الأوسط من الطريق الصحراوي دون مقاومة، حيث انضمت إليه هناك جموع كثيرة من البربر لمساعدته في القضاء على الكاهنة والخلاص من تخريبها للبلاد.
وحدث لقاء غير حاسم بين قوات الكاهنة وبعض قوات حسان عند (حصن الجم) بين سوسة وصفاقس، فهزمت فيه الكاهنة وفرت بقواتها إلى المغرب الأوسط حيث اعتصمت بموطن قبيلتها جراوة في جبال الأوراس، وهذه الهزيمة أرعبت الكاهنة وأخافتها، وشعرت برجحان كفة المسلمين عليها، وخشيت خسارتها في أي حرب قد تندلع مع المسلمين، مما دفعها للتنبؤ بقرب مدتها فاستعدت لذلك، فجعلت خالد بن يزيد - الذي اتخذته ابناً - وسيطاً بينها وبين حسان، فأخذ أماناً لولديها، وبالفعل انتقل هذان الولدان إلى صفوف حسان.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 24-09-2025, 10:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,118
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الإسلام في أفريقيا

الإسلام في أفريقيا -6-


محمد فاروق الإمام


اللقاء الحاسم بين حسان وكاهنة إفريقية

وكان اللقاء الحاسم الأخير بين المسلمين والكاهنة في موضع من جبال الأوراس لا تحدده النصوص التاريخية إلا بقولها إنه يسمى (بئر الكاهنة). حيث دارت معركة حامية ودامية، قتلت فيها الكاهنة ونفر عظيم من أتباعها، في حين لم تكن خسائر المسلمين بأقل من خسائر جيش الكاهنة، ولكن النصر كان حليف المسلمين في النهاية. وكانت هذه المعركة الحاسمة في سنة (80هـ/699م).
واستغل الروم انشغال المسلمين بحرب الكاهنة فأرسلوا إلى إفريقية أسطولا يقوده البطريق (يوحنا) فنزل بقواته في قرطاجنة وفاجأ حرس المدينة من المسلمين وقتل منهم عددا واستعاد المدينة لنفوذ القسطنطينية.
وقرر حسان أن يقضي على قرطاجنة قضاء مبرماً - بعد أن وصلت إليه أخبار نزول الروم فيها- فسار إليها واقتحمها سنة (82هـ/701م) وطرد الروم منها وخربها تماماً، وقطع القناة التي توصل الماء إليها، وكان ذلك نهاية هذه المدينة العظيمة ذات العراقة التاريخية.
وهكذا تم لحسان بن النعمان فتح إفريقية والمغرب وقضى على كل جيوب المقاومة فيها. وبذلك يصنف المؤرخون حسان بأنه من أعظم الفاتحين في التاريخ الإسلامي.
وأدخل حسان نظم الإدارة الإسلامية، فدون الدواوين ونظم أمر الجزية التي يدفعها غير المسلمين من بقايا الروم والأفارقة والبربر الذين لم يشرح الله صدرهم للإسلام، وأنشأ الدواوين لذلك، وقرر كذلك مقادير الخراج التي يدفعها الناس سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين. وأرسل إلى القبائل الكبرى دعاة يدعون أهلها للإسلام ويرشدونهم إلى قواعده، ويقومون بالقضاء بينهم وفق شريعة الإسلام، فانتقل البربر شيئا فشيئا إلى الإسلام انتقالاً طبيعياً لعدم تأصل أي نوع من أنواع الديانات لديهم، فقد وجدوا في الإسلام الأمن والطمأنينة والعدل والمساواة.
وتوّج حسان بن النعمان أعماله بإنشاء (تونس) لتكون الميناء الرئيسي بعد تخريب قرطاجنة وباباً للمسلمين على البحر المتوسط، وقد استعان حسان في بنائه بنفر من المصريين، حيث استقدم منهم ألف أسرة فقاموا بالعمل على أكمل وجه وأحسن صورة، واستقروا في الميناء الجديد وسيّروا أمره.
ولخلافات بين حسان والبيت الأموي أقسم أن لا يلي لبني أمية عملاً، فاستعفى من ولاية إفريقية سنة (86هـ/705م) وكان في السبعين من عمره. واختار عبد العزيز بن مروان (والي مصر) موسى بن نصير لولاية المغرب.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 24-09-2025, 10:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,118
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الإسلام في أفريقيا

الإسلام في أفريقيا -7-


محمد فاروق الإمام


موسى بن نصير والياً على أفريقيا والأندلس

ذهب موسى بن نصير إلى المغرب سنة (86هـ/705م) والياً عليها من قبل عبد العزيز بن مروان والي مصر فوصل القيروان وخطب الناس في جامعها قائلا - كما جاء في كتاب الإمامة والسياسة لابن قتيبة - : إنما كان قبلي على إفريقية أحد رجلين: مسالم يحب العافية أو رجل ضعيف العقيدة قليل المعرفة. وأيم والله لا أريم هذه القلاع والجبال الممتنعة حتى يضع الله أرفعها ويذل أمنعها ويفتحها على المسلمين.
وكانت بداية أعمال موسى فتحه لحصن (سجوما) الذي كان يؤدي إلى (سبتة) وكان فتح سجوما أمراً على جانب كبير من الأهمية.
فقد كانت هذه البلدة قاعدة لجزء كبير من قبيلة أوربة - قبيلة كسيلة المسؤولة عن مقتل عقبة بن نافع - فقد انفتح أمام موسى الطريق إلى سبتة وطنجة فاستولى عليهما، فأحس (يليان) بخطر المسلمين فأخذ يصانع موسى بن نصير ويشجعه على غزو الأندلس وفتحها، وأسند ابن نصير إمارة طنجة إلى أحد قواده وهو طارق بن زياد يساعده طريف بن زرعة.
وبدأ موسى بن نصير بنشاط بحري، عبر حملات على جزائر البحر المتوسط، مما دفعه بالتالي إلى توسيع دار الصناعة في تونس وتعميق القناة التي تصلها بالبحر، ليصبح ميناء تونس صالحاً لاستقبال كافة أنواع السفن الكبيرة، وعمل على بناء المراكب، وتكّون للمسلمين أسطول في إفريقية قام بالعديد من الغزوات البحرية الموفقة. فقد وصلت الحملة الأولى إلى صقلية بقيادة عطاء بن رافع الهذيلي قائد أسطول مصر، وكان معه تابعيان هما أبو عبد الرحمن الحبلي وحنش بن عبد الله الصنعاني، وفي نفس الوقت قامت حملة أخرى على (سردينية) وكان الهدف من الغزوتين استطلاع أمر تلك الجزر، وقد كانت في سنة (92هـ/710م).
وبعد مدة قام موسى بن نصير بغزو الأندلس وتم له فتحها واعتمده الوليد بن عبد الملك(3) والياً على إفريقية والأندلس.
وبعد أن تم لموسى بن نصير هذه الفتوح استدعي إلى دمشق فلم يصلها إلا بعد وفاة الوليد وتولي سليمان الخلافة سنة (96هـ/714م).
ويعتبر موسى بن نصير ممهد أمور إفريقية والمغرب الأقصى، وهو فاتح الأندلس، ومن دهاة ولاة بني أمية وأكابرهم وعظمائهم.
كما أن موسى بن نصير يمثل آخر عهد الأمراء الفاتحين في إفريقية والمغرب الذين وطّدوا أركان الدولة الإسلامية في تلك البلاد ورسّخوا بنيانها.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 106.12 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 101.68 كيلو بايت... تم توفير 4.44 كيلو بايت...بمعدل (4.18%)]