|
|||||||
| الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
المنجيات الثلاث: مفاتيح النجاة والفلاح د. عبدالسلام حمود غالب نقف مع المنجيات الثلاث الواردة في حديث الرسول من حديث عبد الله بن عمر؛ حيث يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث مُهْلِكَات، وثلاث مُنْجِيَات، وثلاث كفارات، وثلاث درجات، فأما المُهْلِكات: فشحٌّ مُطاع، وهوًى مُتَّبَع، وإعجابُ المرء بنفسه، وأما المُنْجِيات: فخشيةُ الله في السرِّ والعلانية، والقصدُ في الفقر والغنى، والعدلُ في الغضب والرضا، وأما الكفارات، فانتظار الصلاة بعد الصلاة، وإسباغ الوضوء في السبرات، ونقل الأقدام إلى الجماعات، وأما الدرجات، فإطعام الطعام، وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام". هذا الحديث رواه الإمام البيهقي في كتاب "شعب الإيمان" من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، ورواه الطبراني في "المعجم الأوسط"، وقد حسَّنه بعض أهل العلم بمجموع طرقه وشواهده. إن هذا الحديث النبوي الشريف لا يكتفي بتشخيص أمراض القلب الخطيرة، بل يصف لها الدواء الشافي، فالمنجيات الثلاث هي الأضداد والمُقوِّمات التي تُعالج المهلكات وتُطهِّر القلب منها، وتُعيد التوازن إلى حياة الإنسان. وهذه المنجيات هي: 1- خشية الله في السر والعلن: المفهوم والتحليل:خشية الله هي أساس الإيمان وتاج الأعمال الصالحة، وهي تعني أن يُراقب الإنسان ربَّه في كل أحواله، سواء كان وحيدًا في خَلوته، أو بين الناس في العلن، هذه الخشية هي التي تمنع الإنسان من الوقوع في الخطأ، وتَحُثه على فعل الخير، فمن يخشى الله في السر لا يَغتر بعمله، ولا يتَّبع هواه، ولا يَرضَخ لشُحِّه؛ لأنه يعلم أن الله مُطَّلع عليه، هذه الخشية هي الدواء الشافي للعُجب والهوى، وهي التي تُرسخ في القلب التواضع والخضوع لله. مظاهرها ونتائجها: • مراقبة الله:تظهر خشية الله في سلوك الإنسان وتصرُّفاته؛ حيث يتجنب المعاصي حتى لو كان بعيدًا عن أعين الناس؛ لأن قلبه عامرٌ بالخوف من الله والرجاء في رحمته. • التواضع والاعتراف بالفضل:تجعل صاحبها يَنسُب كلَّ نجاح وتوفيق إلى فضل الله عليه، لا إلى جهده الشخصي؛ مما يمنعه من الوقوع في العُجب. • الاستقامة على المنهج:تُبعد الإنسان عن اتباع الأهواء، وتجعله يُقدِّم حكم الشرع على أي رغبة شخصية؛ لأنه يخشى أن يُضل عن سبيل الله. أقوال العلماء:يقول الإمام ابن القيم الجوزية في كتابه "مدارج السالكين": "الخشيةُ هي خوفٌ مقرونٌ بمعرفة، وإلا فمجردُ الخوف قد يكونُ من غير معرفة ... الخشيةُ هي ثمرةُ العلمِ والمعرفةِ بالله". وهذا يؤكد أن الخشية ليست خوفًا عابرًا، بل هي نتيجة لعلم عميق بعظمة الله وقدرته، وهي التي تُثمر التواضع والإنابة. 2- القصد في الفقر والغنى: "القصد" هو الاعتدال والتوسط، وهو العلاج المباشر للشُّح المُطاع، فالإنسان المؤمن يسير على طريق التوازن في كل شؤونه المالية؛ لا يكون مُسرفًا ولا مُبذرًا في غناه، ولا ييئَس ولا يتسخَّط في فقره، هذا الاعتدال يُحرر الإنسان من عبودية المال، ويجعله سيدًا له لا أسيرًا، كما يُخلِّصه من حرص الشُّح، ويُرسخ في قلبه الرضا والقناعة. مظاهرها ونتائجها: • الإنفاق المتوازن:في حالة الغنى يُظهر المؤمن قصده بالإنفاق في موضعه، لا إسراف ولا تقتير، بل يتصدق ويُزكي، ويُحسن إلى أهله بالمعروف. • الرضا بالقضاء:في حالة الفقر يُظهر المؤمن قصده بالصبر والرضا بقضاء الله، فلا يتسخط ولا يشتكي، مدركًا أن الفقر لا يَُنقص من قدره عند الله. • التحرر من الطمع:هذه الصفة تُخلِّص القلب من الطمع والجشع الذي يُمثل جوهر الشح، وتجعله قنوعًا بما قسَمه الله له. أقوال العلماء:يقول الإمام الغزالي في "إحياء علوم الدين": "القصد في المعيشة من سنن الأولين والآخرين، ومن شأن الأنبياء والصديقين، وهو خصلةٌ من خصال الإيمان، وسمةٌ من سمات أهل الإحسان"، ويُضيف أن القصد يقي الإنسان من آفات الفقر والغنى على حدٍّ سواء. 3- العدل في الغضب والرضا: العدل هو قمة الأخلاق، ولكن أن يكون الإنسان عادلًا، وهو في قمة غضبه أو في قمة رضاه، فهذا دليل على قوة الإيمان وسلامة القلب، وهو العلاج للهوى المُتَّبَع، فالغضب يُعمي القلب، والهوى يُضل العقل، ولكن المؤمن الحق يُحكِّم شرع الله وعدله، حتى وهو في أشد حالاته النفسية، فهو لا يظلم أحدًا لأنه غاضب منه، ولا يُنصف أحدًا لأنه يُحبه، هذه الصفة تُخلِّص الإنسان من تحكيم الهوى، وتجعله يُقدم الحق على العاطفة، والعدل على المصلحة الشخصية. مظاهرها ونتائجها: • الإنصاف في الأحكام:يتجلَّى العدل في الغضب والرضا، من خلال إنصاف الإنسان حتى لأعدائه، فلا يحمله بُغضه على ظلمهم، ولا يحمله حبُّه على محاباة أصدقائه. • الحكمة في القرارات:هذه الصفة تُرسخ في القلب مبدأ الحق، وتُجنب الإنسان اتخاذ قرارات متسرعة بناءً على العاطفة أو الغضب؛ مما يُحافظ على استقرار العلاقات. • تحكيم الشرع لا الهوى:العدل في الغضب والرضا هو التطبيق العملي لعدم اتباع الهوى؛ حيث يجعل المؤمن الشرع هو الحاكم، لا رغبته الشخصية. أقوال العلماء:يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى": "إن العدل واجبٌ لكل أحدٍ على كل أحدٍ، في كل حال ... وإذا كان الإنسان يحب شخصًا أو يَكرهه، وجب عليه العدل فيه"، وهذا يؤكد أن العدل لا يسقط حتى مع وجود مشاعر شخصية قوية، وهو ما يُعد العلاج الحاسم للهوى المُتَّبَع. خلاصة الحديث: هو منهج نبوي لإصلاح النفس. إن هذا الحديث النبوي الشريف هو منهج عملي متكامل لتطهير القلب والروح، فالمهلكات الثلاث تُفسد الإنسان وتُبعده عن الله، بينما المنجيات الثلاث تُصلح النفس وتُقربها من ربها، إن النجاة تكمُن في أن نُبدل شُحَّنا بالكرم، وهوانا بالحق، وإعجابنا بالخضوع والتواضع، وأن نتحلى بالخشية والاعتدال والعدل في كل أحوالنا.
__________________
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |