ولاية الله بين أهل الاستقامة وأهل الوسائط والخوارق - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5076 - عددالزوار : 2311702 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4661 - عددالزوار : 1594355 )           »          شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 131 - عددالزوار : 73344 )           »          (موقعة الزلاقة) إنقاذ دولة الإسلام في الأندلس خلفيات وأسباب وتوابع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 40 )           »          قضية التوحيد بين الثوابت والمتغيرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          قضايا دعوية معاصرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 5 - عددالزوار : 374 )           »          الإمام البويطي (حياته وفقهه وصبره وثباته) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          الدعاة في مواجهة مشاريع تقسيم الأمة الإسلامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          (ولا تهنوا في ابتغاء القوم) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          مرجعية الحضارة الإسلامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16-11-2025, 10:48 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,100
الدولة : Egypt
افتراضي ولاية الله بين أهل الاستقامة وأهل الوسائط والخوارق

ولاية الله بين أهل الاستقامة وأهل الوسائط والخوارق

أ. د. علي حسن الروبي

لقد خلق الله تعالى البشر ليعبدوه ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، فكانت عبادة الناس لربهم هي الغاية من إيجادهم، كما كانت هي مقصود الشرائع وإرسال الرسل وإنزال الكتب.

والمسلم ساعٍ في تحقيق هذه الغاية التي خلقه الله لأجلها، محاولًا الوصول إلى الكمال فيها، ليكون من السابقين الذين اختارهم الله وقربهم ﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ﴾ [الواقعة: 10، 11]، ﴿ فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ ﴾ [الواقعة: 88، 89]، وآيات القرآن كثيرة في مدح أهل الإيمان والعمل الصالح بأوصاف شتى فيها إغراء للمؤمنين بالتحقق بتلك الأوصاف والنعوت ليحصل لهم الجزاء الأخروي والدنيوي المترتب على تلك الأوصاف التي تحققوا، فتارة يسميهم ( عباد الرحمن) وتارة يسميهم ( أولياء الله) وتارة يسميهم ( الأبرار) وتارة يسميهم ( المتقون)،وتارة يصفهم بأنهم (صدقوا ما عاهدوا الله)، وتارة يصفهم (إذا ذكر...)، وتارة يصفهم بأنه (يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) إلى غير ذلك مما يمتلأ به الذكر الحكيم من أوصاف المؤمنين ونعوتهم.

وكان ضمن ما نعت به الله أهل الإيمان والعمل الصالح نعتهم بولاية الله في قوله تعالى: ﴿ ألا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾ [يونس: 62، 63]، قال أهل التفسير في معنى الآية: (هم خلص المؤمنين الذين حققوا الإيمان والتقوى فبشروا في الدنيا إما بالرؤيا الصالحة أو ببشارة الملائكة لهم عند الموت أو بثواب الله، ولهم كذلك بشارة في الآخرة إما بالجنة أو عند القيام من قبورهم).

وهو نظير قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت: 30]، وله نظائر من آيات أخرى تمدح أهل الإيمان والعمل الصالح وتعدد مناقبهم وتذكر جزاءهم المرتقب على ما اتصفوا به.

ولم يزل الصدر الأول من أهل الإسلام من الصحابة والتابعين وتابعيهم يرون أن الوصف بولاية الله هو وصف مدح للمؤمنين كغيره من أوصافهم، حتى خَلفتْ من بعد ذلك خلوفٌ بعدت عنهم شمس الرسالة، وجانبوا سبيل الصدر الأول في أمور شتى، منها مفهوم (ولاية الله) و(أولياء الله) حيث صار لهذين المصطلحين حمولات ودلالات أخرى غير التي تتبادر من السياق القرآني وبعيدًا عن فهم أهل القرون المفضلة لمعناهما، إلى أن أضحى مفهوم الولاية والولي يشبه من بعض الوجوه مفهوم الإمامة والإمام عند الاثنى عشرية.

وفي الكلمات التالية إشارة مقتضبة إلى الفرق بين منظور أهل الاستقامة للولاية ولصاحبها ومنظور مَن جعلوا مفهوم الولاية بمعنى الوساطة بين الله والعباد، وأن برهانها ما يكون مع صاحبها من كرامات وخوارق.

إنّ مفهوم الولاية عند أهل الاستقامة يدور حول الإيمان والعمل الصالح، فالإيمان والعمل الصالح إما أن يكونا شرطًا في ولاية الله وإما أن يكونا وصفًا ملازمًا لأولياء الله. وإن أفضل ما يكرم الله به أولياءه أن يثبتهم على الإيمان والعمل الصالح وأن يرقِّيهم في منازله ومدارجه ظاهرًا وباطنًا، فليست الكرامة في الصورة الشائعة لها عند الناس من حصول الخوارق والمعجزات، بل الكرامة كل الكرامة في الاستقامة على الأمر والنهي والقيام بحقوق الله وأداء الواجبات الشرعية، وإصلاح الظاهر بحفظ الجوارح، وإصلاح الباطن بتحقيق المقامات الإيمانية وتزكية النفس والقلب وتطهيرهما من رذائل الكبر والعجب والرياء والحسد والشح وسائر غوائل الشهوات والشبهات.

فعندهم أن الكرامة بخرق العادة ليست دليل الولاية الإيمانية الرحمانية ولا هي المقصود من الولاية، ولا ينبغي أن تكون المطلوب الذي يسعى إليه أهل الإيمان، فهي ليست شرطًا في صلاح العبد ولا دليلا على صلاحه في كل حال.

وأهل الاستقامة يرون أن ولاية الله تعالى كسبية، ينالها كل من وفقّه الله لطاعته ومحبته؛ قال تعالى: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾ [يونس: 62-63]؛ فمن آمن واتقى= صار وليًا لله تعالى بقدر ما معه من إيمان وتقوى، وكل مؤمن له حظ من ولاية الله تعالى، فمقل ومستكثر.

فهم يرون أن مقام الولاية ممكن لكل من استقام ظاهره وباطنه وجوارحه وقلبه، وأن سبيل الوصول إلى الولاية والترقي في مدارجها = هو تحقيق ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، والامتثال له ظاهرًا وباطنًا، وفعل الواجبات والمستحبات الظاهرة والباطنة واجتناب المحرمات والمكروهات الظاهرة والباطنة، ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ [آل عمران: 31] وفي الحديث القدسي: (وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ).
فأهل الله عند أهل الاستقامة هم كل تقي، صالح، مستقيم، نقي القلب والجوارح، وإن لم تنخرق لهم العادات أو تنكشف لهم الغيبيات، ومن ثم فليسوا محصورين في أشخاص محددين من الأحياء أو الأموات، عهد الله إلى كل واحد منهم بتصريف أحوال بلد من البلدان أو جهة من الجهات، فهو يغيث أهلها ويعطيهم المدد، كما يفعل الملك في استنابة الوزراء عنه، ولا هم يجتمعون في ديوان ليتدارسوا أحوال الناس، تعالى الله وتنزه عن تصور أهل الخرافات.

وأهل الله وأولياء الله عند أهل الاستقامة ليس لهم وظيفة بين الناس اسمها (أولياء الله) بحيث يقصدهم الناس في حياتهم بعد الحصول على تلك الوظيفة، يطلبون منهم البركات والنفحات، وإذا ماتوا هرعوا إلى قبورهم يطلبون منهم قضاء الحاجات وكشف البليات، بل هم ( أولياء الله) أناس من الناس، يعيش الواحد منهم كآحاد الناس غير متميز عنهم ولا مرتفع عليهم، يقوم بواجب ربه ويحرص على إخفاء أعماله وحاله مع الله تعالى، حتى إنهم لا يكادون يُشتهرون بالصلاح، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رُبَّ أشعثَ مدفوعٍ بالأبواب، لو أقسَمَ على الله لَأَبَرَّهُ"[1].

وإذا كانت الاستقامة على التكاليف الشرعية الظاهرة والباطنة كما أمر الله تعالى هي مناط الولاية وقطب رحاها= فعلى هذا لا ولاية لمن لم يكن من أهل التكليف لعارضٍ من جنونٍ أو نحوه مما لا يتأتى معه القيام بالتكاليف الشرعية التي تكون بها الاستقامة وعنها تكون الولاية، وإنّ ظهور خرقٍ للعادة على يد مجنونٍ أو صغير لا يميز= لا يلزم منه إفادة ولايته، كما لم يلزم من خرق العادة على يد بعض أهل الكفر، لتخلف الشرط أو الوصف الملازم للولاية وهو الإيمان والعمل الصالح.

وأهل الاستقامة إن حصل لواحد كرامة بخرق العادة، فرح بما أفضل الله عليه واستحيا من الله، أن آتاه هذا الفضل مع تقصيره في القيام بحقه، ورأى أنه ليس أهلا لذلك الفضل، فسعى في كتم ما أعطاه الله من خرق العادة قدر جهده، وخشي أن يكون هذا العطاء استدراجًا له، ولم يبارز الخصوم بخرق العادة أو يتحدى مَن لا يسلم له بالولاية بطائفة من تلك الخوارق، ومن ثم فهو أبعد ما يكون عن أن يقول للناس: قد خرقت لي العادة فأنا ولي الله الصالح فتعالوا خذوا من البركات والنفحات والمدد، وإذا مت فأقيموا على قبري ضريحًا، واعكفوا عنده، واتخذوه مزارًا، وطوفوا حوله وهاتوا حوائجكم أقضيها لكم.

فالولي الصالح من أهل الاستقامة خائفُ وجِلٌ، يخشى أن لا يكون صادقًا في طاعاته وعباداته، ويخشى على نفسه الفتنة ولا يأمن عليها النكول والانتكاسة ويعلم أن القلوب بين يدي الله يقلبها كيف يشاء، ولا يدري بماذا يختم له، وإذا أثني عليه بالخير والصلاح كان وجلًا حذرًا، يخشى أن يؤاخذه الله بما يقال فيه، كما قال ولي الله الصديق الأكبر: ( اللهم اجعلني خيرًا مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون).

فهو دائمًا في مقام التقي العارف بالله الخائف ألا تقبل أعماله الصالحة أو أن يؤاخذ بذنوبه وخطاياه، ولا يرى أنه فوق الناس في رتبةٍ ولا منزلةٍ ولا مقامٍ، فضلًا عن أن يقول للناس: أنا ولي من أولياء الصالحين وأنّ من دخل طريقتي وآمن بولايتي غُفرت له ذنوبه أو ضُمنت له الجنة كما يفعل أدعياء الولاية من أهل الخوارق والوسائط.

وأما أهل الوسائط والخوارق فإنهم يرون الكرامة بخرق العادة دليل الاستقامة وبرهان الولاية، فمن كثرت على يديه الخوارق وعظمت = كان ذلك دليلًا على أن حظه من الولاية أعظم وأن مقامه فيها أرفع، بقطع النظر عن استقامته وطاعته، لأن الولاية عندهم وهبية كالنبوة. وقد يجتهد المرء في الطاعات ظاهرًا وباطنًا ولا يُعطى الولاية، وقد يؤتاها صبي في المهد أو مجنون لم يصلِ لله تعالى ركعة!

وأولياء الله عند أهل الوسائط والخوارق لا ينتهي بهم المقام عند اصطفاء الله إياهم بالطاعة وتحقيقهم لتوحيده ظاهرًا وباطنًا، بل ما دام قد جرت على أيديهم الخوارق، فلا بد أن يكون الله قد أناط بهم دورًا أكبر من ذلك، بأن يُعطوا تصرفًا في شئون الناس بحيث يوزعون النفحات والبركات وتقضى عن طريقهم الحوائج وتدفع بهم الشدائد، أحياء كانوا أم أمواتًا؛ إذ لا فرق بين الحالين عندهم، حتى إنه ليقال في مدح أحدهم بلا مواربة: (... المهاب الذي إذا دُعي في البر والبحر أجاب)!

فهم وسطاء وشفعاء لعموم المؤمنين عند الله، فإن عموم المؤمنين أهل ذنوب وتقصير، فلا بد أن يتجهوا إن أرادوا خيرًا دينيًا أو دنيويًا إلى أهل الولاية والكرامة، فبهم يقبلهم الله ويستجيب لهم، وبهم يدفع الشر عنهم ويصرفه.

فلسان حالهم إن لم يكن لسانُ قالِ بعضِهم: إنّ المؤمنين حتى وإن قاموا بجميع ما أوجبه الله عليهم من شرائع إيمانية من صلاة وصيام وزكاة وجهاد وأمر بمعروف ونهي عن منكر وتزكية للنفوس وتطهير للقلوب = لن يكون هذا كله كافيًا في تحقيق مقاصدهم ومطلوباتهم الدنيوية والأخروية ما لم يعرفوا مكانة أولئك الوسطاء ويقدروهم قدرهم وينزلوهم منازلهم ويعترفوا بجاههم ويتوسلوا ويتشفعوا إلى الله بهم، فليست عبادة الله والتفاني فيها سببًا كافيا في الوصول إلى مرضاة الله والفوز بموعوده حتى ينضم إليها التوسل بأولئك الوسطاء.

ولهذا فإن أهل الوسائط والخوارق إذا نزلت بأحد منهم نازلة أو حلت به غائلة = فإنه يهرع من فوره إلى ضريح مَن يعتقده وساطته عند الله ومَن اشتهر أنه صاحب حظ عظيم من الخوارق الباهرات، فيطرح نفسه بفناء ضريحه باكيًا خاشعًا شاكيًا متمسحًا بالمقاصير والعتبات يشكو إليه ما حلّ به، ويناديه صُراحا بما ينادي به المؤمنُ ربَّه (يا سيدي فلان اشف لي ذاك الولد) (يا سيدي فلان اقض لي تلك الحاجة)..إلخ، فإذا نهاه ناهٍ عن هذا الفعل الذي هو شرك بالله = كان جوابه أن يتلو الآية الكريمة: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [يونس: 62]!

وأعجبُ من جوابه صنيعُ بعض المنتسبين للعلم من أهل الوسائط، الذين يسارعون إلى تسويغ هذا الفعل وإبعاده عن الشركية مطلقًا بإقرانه بالمجاز العقلي، وأن هذه الصيغة الصريحة في الدعاء هي صيغة طلب دعاء، فيكون تشفعًا وتوسلًا وليس دعاء لغير الله، وفاتهم أن هذا الصنيع إن نفع في إعذار فاعله وعدم تكفيره = إلا أن في تسويغه إغراء للعوام بتعليق قلوبهم بغير الله، إذا ما دهت الواحد منهم الدواهي ونزلت به النوازل. ذلك أن الذي ينادي غدوة يوم متخشغًا متذللًا (يا سيدي فلان أغثني واجبر خاطري واكشف ما نزل بي) لن يقدر أن يُعفِّر وجهه في ظلام الليل ساجدًا بين يدي الله تعالى ذارفًا الدموع مستغيثًا خائفًا ضارعًا متلهفًا، طالبًا من الله وحده عين هذا المطلب الذي ذكره لصاحب الضريح نهارًا، فإن القلب لا يجتمع فيه هذان التعلقان معًا البتة، مهما ادعى المدعون حصول ذلك أو إمكانه. وإن الذي نادى خاشعا متذللا باكيًا (يا سيدي فلان اقض هذه الحاجة) حتى وإن زعم أن قصده: اشفع لي عند الله في قضاء هذه الحاجة، فإن قلبه سيتعلق بهذا الولي في الشفاعة وأن حصول هذه الحاجة متوقف على هذه الشفاعة لا غير، وأن هذه الشفاعة متوقفة على رضا هذا الولي عن هذا الرجل الداعي، وأن الولي إن لم يرض عنه فلن يشفع له، ولذلك يكون المنادون عند تلك الأضرحة بهذا الخشوع والخضوع الذي يشابه خشوع الداعي والمصلي.

فهذا أقل العواقب على قلب الإنسان، ولينظر العاقل إلى نهي الشارع وإلى تحذير أهل المعرفة بالله من ركون العبد إلى الأسباب الظاهرة والتعلق بها، فكيف بما لم يشرعه الله، بل موضوع القرآن من أوله إلى آخره هو النهي عنه، والحض على إفراد الله تعالى بالقصد والطلب والسؤال والدعاء والتوكل والتذلل والتخشع!!

وأما أهل الاستقامة فإنهم يقدرون ربهم حق قدره، ويعلمون أن بيده وحده النفع والضر، وأنه المتفرد بمقاليد الأمور وتصريف الأقدار وتسبيب الأسباب، وأنه أقرب إليهم من كل قريب وأرحم بهم من كل راحم وأرأف بهم من الوالدة والوالد بولدهما، وأنه هو وحده - سبحانه -الذي يجيب دعاء المضطر ويكشف السوء ويرفع البلوى ويعلم النجوى ويسمع الشكوى.

ولذلك كله، فإذا أصابت أهلَ الاستقامة مصيبة أو نزلت بهم نازلة أو حلت بهم غائلة = كان أول ما يفعلونه ويهرعون إليه أن يذرفوا الدموع ويرفعوا أكف الضراعة للحي الذي لا يموت، يبثونه همومهم ومشاكلهم وما حلّ بهم ونزل بساحتهم، فيدعونه كما أمرهم ( ادعوني استجب لكم) ويتمثلون أدعية الكرب والاضطرار التي علّمهم إياها نبيهم صلى الله عليه وسلم، سائلين بالاسم الأعظم ومتشفعين بافتتاح الدعاء بالثناء على الله تعالى وحمده وبالصلاة على النبي الأكرم، متحرين أوقات إجابة الدعاء في الأسحار وفي السجود ويوم الجمعة وبين الأذان والإقامة...ونحو ذلك مما أرشدهم إليه النبي المكمل.

وأهل الاستقامة قد أغنتهم كذلك أورادهم من القرآن وأحزابهم من الأدعية والأذكار النبوية، فنزلت عليهم الأمداد الربانية وشملتهم النفحات والرحمات وتحققت لهم بها المطلوبات واندفعت عنهم ببركات تلك الأوراد الكروبُ والمكروهاتُ، فلم يحتاجوا في طلب الأمداد واستنزال النفحات إلى توسيط أحياء ولا أموات، مستغنين بالله وبما أنزل الله وبما شرعه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) فرماهم أهل الإحداث والزيغ بالغلظة ولجفاء والبغض للآل وللأولياء، فإنا لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

[1] رواه مسلم في صحيحه (2622) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 57.49 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 55.82 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.90%)]