|
|||||||
| ملتقى التنمية البشرية وعلم النفس ملتقى يختص بالتنمية البشرية والمهارات العقلية وإدارة الأعمال وتطوير الذات |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
ترتيب الأولويات .. قاعدة راسخة في فقه الحياة
أرسى الإسلام قاعدةً راسخةً في فقه الحياة وتنظيم شؤونها، ألا وهي قاعدة ترتيب الأولويات وتقديم الأهم على المهم؛ فبها تستقيم الأعمال، وتُوزن المقاصد بميزان الحكمة والاعتدال، وهذا الترتيب أصلٌ عظيمٌ في الشريعة الإسلامية، جاء لتحقيق المصالح وتكميلها، ودفع المفاسد وتقليلها، وترجيح خير الخيرين عند تعارضهما، وتحصيل أعظم المصلحتين ولو بتفويت أدناهما، ودفع أعظم المفسدتين ولو باحتمال أدناهما، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا المنهج الرباني في قوله -تعالى-: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ} (التوبة: 19)، إذ بيّن سبحانه أن مراتب الأعمال تتفاوت، وأن الإيمان والجهاد مقدمان على سقاية الحاج وعمارة المسجد. وهكذا جاءت الشريعة بمنهجٍ متوازنٍ يُعطي كلّ أمرٍ قدره، ويضع لكلّ واجبٍ موضعه، ليعيش الإنسان على بصيرةٍ من أمره، ويؤدي رسالته في الحياة وفق ترتيبٍ حكيمٍ، يُحقق مقاصد الدين، ويُسهم في عمارة الأرض بالخير والعدل. مفهوم ترتيب الأولويات في الإسلام يأتي هذا المفهوم من قاعدة (الأولى)، بمعنى الأحق والأجدر والأقرب، أو وضع كل شيء في مرتبته، فلا يُؤخر ما حقه التقديم، أو يقدم ما حقه التأخير، ولا يصغر الأمر الكبير ولا يكبر الأمر الصغير. وتعود كلمة أولويات إلى أصل (و، ل، ي) ولي، والوَلي: هو القُرب يقال: جلستُ مما يليه: أي مما يقاربه، ومن ذلك قوله -تعالى-: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} (القيامة)، أي أهلكك الله -تعالى- هلاكا أقرب لك من كلّ شرّ، وقال الأصمعي: قاربه ما يهلكه، بمعنى التهديد والوعيد، والأَوْلَى صيغة تفضيل على وزن أفعل للمقاربة، من باب أحرى، وفي التنزيل: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} (آل عمران: 68)، بمعنى الأحق والأجدر. ترتيب الأولويات في القرآن والسُنَّة والمتأمل في آيات القرآن الكريم يجد أنها لم تأت بأوامر مطلقة مجردة عن اعتبار الزمان والمكان والأشخاص؛ فجميع الأوامر والتوجيهات كانت تأتي مع إشارات واضحة إلى اعتبار ظروف التطبيق، وتقرير البديل الذي يتناسب مع حال المكلّف، وهذا الاعتبار هو ما يسمى بمراعاة ترتيب الأولويات في معالجة القضايا، عن طريق تقديم الأهم فالمهم. يقول الله -تعالى-: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَن جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى} (عبس)، فالسورة الكريمة تصور لنا مجلسا من مجالس رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وهو يدعو فيه إلى الله -تعالى-، حريصًا على هداية زعماء قريش؛ إذ جاءه ابن أم مكتوم، وكان ضريرا أعمى، جاءه مقبلاً، فلما لم يلتفت إليه، وعبس في وجهه عبسة المهتم بأمر خطير؛ وما ذاك إلا لشدة حرصه - صلى الله عليه وسلم - على أولئك الزعماء، نزلت هذه السورة، وهذه الآيات تُبيّن كيف يزن الناس كل أمور الحياة، وكيف يقدّمون الأَولى؟ ومن أين يستمدون القيم التي يزِنون بها؟ وهذه القيم هي التي يحددها الله -تعالى- لا المتعارف عليها عند الناس. ![]() مفاضلة الأحكام وهناك آيات جاءت لتؤصل مراعاة الأولويات عن طريق مقارنة بين مسألتين فقهيتين، ومفاضلة الأحكام التي يفضل بعضها بعضا، من ذلك قول الله -تعالى-: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (البقرة:271)، فالآية فيها دلالة على أنّ إسرار الصدقة أفضل من إظهارها؛ لأنه أبعد عن الرياء، إلا إذا ترتب على الإظهار مصلحة راجحة من اقتداء الناس، فيكون أفضل من هذه الحيثية. شُعب الإيمان وإذا انتقلنا إلى سنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - نجد معنى مراعاة الأولويات في كثير من المواقف والأوامر والتوجيهات التي تلقاها الصحابة- رضي الله عنهم- وفهموا منها ترتيب الأولى، فعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «الإيمان بضع وسبعون شعبة: أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق»، في هذا الحديث نجد أن النبي- صلى الله عليه وسلم - نَبّه على أن للإيمان شعبا أفضلها: التوحيد المتعين على كل فرد الذي لا يصح شيء من الشعب إلا بعد صحّته، وأدناها: ما يُتوقع ضرره بالمسلمين من إماطة الأذى عن طريقهم، وبقي بين هذين الطرفين أعداد كثيرة من الشعب، ترك رسول الله- صلى الله عليه وسلم - للعقول السليمة البحث عنها، وأجرى النووي عملية إحصائية لما في الكتاب من خصال الخير، فوجدها تنقص عن السبعين، ولِمَا في السنة النبوية فوجدها كذلك، وجمع ما في القرآن وما في السنة فوجدها تزيد عن ذلك، فعرف أن المقصود ليس عين العدد. أيّ العمل أفضل؟ وقد صحّ عن أبي هريرة- رضي الله عنه - أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - سُئل: أيّ العمل أفضل؟ فقال: «إيمان بالله ورسوله»، قيل: ثم ماذا؟ قال: «الجهاد في سبيل الله»، قيل: ثم ماذا؟ قال: «حج مبرور»، وكثرت الأحاديث النبوية في مثل هذا السياق؛ فكانت الأسئلة عن أي العمل أفضل؟ وأيها خير؟ وأيها أحب إلى الله ورسوله؟ ولم تكن الإجابة واحدة بل متعددة، والاختلاف قد يعود إلى اختلاف أحوال السائلين وظروفهم، وقد أعلم رسول الله- صلى الله عليه وسلم - كل قوم بما يحتاجون إليه، أو بما لهم فيه رغبة، أو بما هو لائق بهم، أو لاختلاف الأوقات وما يتناسب معها. ونجد الحديث الشريف يُعطي الأولوية للإيمان، ثم الجهاد، ثم الحجّ، وفي حديث آخر عن عبدالله بن مسعود قال: سألت رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: أي العمل أفضل؟ قال: «الصلاة لوقتها»، قال: قلت: ثمّ أي؟ قال: «برّ الوالدين»، قلت: ثمّ أي: قال: «الجهاد في سبيل الله»، فما تركت أستزيده إلا إرعاءً (رفقا به) عليه. كيفية ترتيب الأولويات في الإسلام ويُمكن ترتيب الأولويات في الإسلام من خلال اتباع الآتي: (1) الاهتمام بالعقيدة أولًا ونعني بذلك تقديم ما يتصل بالإيمان بالله -تعالى- وتوحيده، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وهي أركان الإيمان كما بينها القرآن الكريم، يقول -تعالى-: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} (البقرة: 177)، ولقد أمضى النبي- صلى الله عليه وسلم - حياته في الدعوة إلى هذه العقيدة وجاهد أعداءه من أجلها؛ فقال- صلى الله عليه وسلم -: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله...». (2) الفرائض قبل السنن والنوافل فقد ثبت عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إنَّ أوَّلَ ما يُحاسَبُ الناسُ به يومَ القيامةِ مِن أعمالِهم الصَّلاةُ، قال: يقولُ ربُّنا -عزَّ وجلَّ- لملائكتِه -وهو أعلَمُ-: انظُروا في صلاةِ عبدي أتَمَّها أم نقَصَها؟ فإنْ كانتْ تامَّةً كُتِبتْ له تامَّةً، وإنْ كان انتقَصَ منها شيئًا، قال: انظُروا، هل لعبدي مِن تطوُّعٍ؟ فإنْ كان له تطوُّعٌ، قال: أَتِمُّوا لعبدي فريضتَه مِن تطوُّعِه. ثمَّ تؤخَذُ الأعمالُ على ذاكم». (3) أولوية حقوق العباد فالشرع الحنيف يؤكد في كثير من أحكامه تعظيم ما يتعلق بحقوق العباد، ففرض العين المتعلق بحق الله -تعالى- وحده يمكن التسامح فيه، بخلاف فرض العين المتعلق بحقوق العباد، قال العلماء: إن حقوق الله -تعالى- مبنية على المسامحة، وحقوق العباد مبنية على المشاحة؛ لاستغناء الله، وحاجة الناس. فعن أبي هريرة- رضي الله عنه - أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: «أتدرون ما المفلسُ؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناتهُ قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطُرحت عليه، ثم طُرح في النار» . (4) تقديم المصلحة العامة على الخاصة اقتضت حكمة الله -تعالى- أن تكون مصالح العباد عامة وخاصة، وقد بنى الإسلام تشريعاته على تأمين الاثنين؛ فالإسلام يدور مع المصلحة والنفع للعباد؛ فحيثما وجدت المصلحة وجد الإسلام، قال -تعالى-: {وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} (الرعد: 17)؛ فالحق هو عين المنفعة وعين المصلحة، وقد فهم الصحابة هذا المعنى وبنوا عليه رسالتهم، فأظهرها ربعي بن عامر- رضي الله عنه - لرستم، مبينا له معالم هذه الرسالة العظيمة وما تقتضيه من حمل المصلحة للعباد، حين قال: «نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة». (5) درء المفاسد مقدم على جلب المنافع هذه قاعدة عظيمة من قواعد الفقه الإسلامي، والأدلة عليها قول الله -تعالى-: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} (الأنعام:108)؛ فالله -جل وعلا- نهى الصحابة الكرام أن يسبوا الآلهة أو يسفهوا أحلام من يعبد هذه الآلهة، مع أن سب الآلهة الباطلة ممدوح، بل محثوث عليه، وتسفيه أحلام من يفعل ذلك ممدوح، بل محثوث عليه، بل يثاب المرء إذا فعل ذلك، لكن منع الله -جل في علاه- هذه المصلحة لدرء مفسدة أعظم منها، أو لتعارض مفسدة مع هذه المصلحة، ألا وهي سبّ الله -جل جلاله-. فهم الأنسب والأجدر نخلص من هذا أن ترتيب الأولويات في الإسلام، هي تلك القاعدة المَبْنيّة على فهم الأنسب والأجدر من الأعمال، ومعرفة فاضل الأعمال ومفضولها، وراجحها ومرجوحها، بناءً على العلم بمراتبها وبالواقع الذي يتطلبها؛ بغرض تحقيق أهم المصالح بأخف الأضرار، ومعرفة النتائج التي يؤول إليها تطبيق تلك الأعمال. اعداد: اللجنة العلمية في الفرقان
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |