خطبة: خطر الخمور والمخدرات - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 563 - عددالزوار : 304473 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4867 - عددالزوار : 1844363 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4434 - عددالزوار : 1186280 )           »          إنه ينادينا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 9 - عددالزوار : 210 )           »          5 أفكار لدمج ورق الحائط فى ديكور البيت.. موضة 2025 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          لنوم هادئ ومريح.. 8 نباتات احرص على شرائها فى غرفة نومك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          طريقة عمل سلطة البطاطس المقلية بالصوص والأعشاب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          لو عندك برطمانات زجاجية.. اعرفى إزاى تنضفيها فى 5 خطوات سهلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          وصفات طبيعية لتفتيح البشرة بخطوات بسيطة.. من الكركم للعرقسوس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          5 طرق فعالة تخلى غسيلك الأبيض مزهزه.. بعضها مكونات طبيعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-06-2021, 03:46 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,073
الدولة : Egypt
افتراضي خطبة: خطر الخمور والمخدرات

خطبة: خطر الخمور والمخدرات (1)
د. صغير بن محمد الصغير



الحمد لله...
فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى.
حديثنا اليوم عن مشكلة خطيرة، أليمة البداية، شديدة الألم في النهاية، تبدأ عادة نتيجة لأدنى موقف يمر به الشاب يلتقطه رفيق سوء، فيصور له أنه يستطيع مساعدته على الهروب من الواقع الأليم ويوهمه بأنَّ الطريق لحل مشكلته أو مشكلاته متوفر ويسير، عبر عقاقير أو حبوب أو شماتٍ أو شراب.. والواقع أنه يعقد المشكلة ويسد أبواب حلها، ويزيده مرارة وحرقة وكآبة حتى تتدهور قدرته على مواجهة الواقع ومشكلاته! وتعمل على تدمير علاقته بالآخرين، حيث يفقد كل صديق أو قريب فلا يتعاطف معه أحد ولا يصدقه أحد ولا يهتم أحد بمساعدته.. بل إن المجتمع كله يرفضه وينبذه وبالتالي يفقد ذاته وأهله وأصدقائه بل ومستقبله، وتكون حياة البهائم والحشرات أرقى من حياته وأفضل، فهي تهنأ بلقمتها وإشباع غرائزها بينما المتعاطي لا يهنأ بشيء، فقد فَقَدَ كل شيء.

نعم هذه هي الحقيقة المؤلمة أيها الإخوة.. فقد استفحل خطر الخمور والمخدرات وتنوَّعت طُرُق استخدامها.. ﴿ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 90].

بل وربما وقع بعض الأبرياء -إن صح التعبير-، فريسة لها وهو لا يدري، بل وربما أوهم نفسه بعد أخذه جرعة من المخدر أو كأس من الخمر بشعور نشوة وسعادة غامرة؛ ناسياً أو متناسياً أن تلك السعادة لا تدوم سوى لحظات معدودة، وبعدها يعود إلى الضعف والخور، ومن ثم يحاول معاودة الكرَّة؛ وذلك بتكرار جرعات مضاعفة للحصول على نشاط آخر أو نشوة أخرى، وهكذا حتى يحصل التسمم الذي قد يودي بحياته بين آونة وأخرى.

أيها الإخوة:
سمى النبي صلى الله عليه وسلم الخمر "أمَّ الخبائث"، ولعن الله الخمر وشاربها وساقيها وعاصرها ومعتصرها، وبائعها ومبتاعها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها[1]... فهذا الخبث وذلك اللعن ما كان ليكون إلا لثبوت أضرارها الخطيرة جداً.

وبين يديكم شيئاً من ذلك:
أولاً: فقدان السيطرة على حركات الأيدي والأرجل، وسر ذلك أن هناك إشارات تصل من الأطراف إلى المخ، ومن المخ إشارات تصل إلى الأطراف لتنظم حركاتها.

والذي يحدث فعلاً في حالة المدمن أن الإشارات لا تصل للمخ، أو تصل إليه بطريقة غير صحيحة، وهكذا يفقد المخ السيطرة على حركة الأطراف، وتكون النتيجة إيقاع المدمن بالضرر لنفسه بارتكاب حوادث سببها عدم دقة الحركة.

ثانياً: انعدام قدرة المدمن على التركيز في التفكير، كما أن حكمه على المكان والزمان يصبح خاطئًا.

ثالثاً: ازدياد حساسية المدمن لكثير من الأصوات بل ويُصاب بكثير من التخيلات.

فضلاً على الآثار النفسية التي تتلخص في:
أ‌- الإصابة وقتيًا بمركب العظمة وزيادة الثقة في النفس، مما يؤدي إلى انعدام الشعور بالذنب بعد ارتكاب الأخطاء، وينتهي الأمر بعدم انسجام المدمن مع المجتمع الذي يعيش فيه.

ب‌- يُصاب بعض المدمنين بأمراض مختلفة مثل: الهلوسة، والخوف من أتفه الأسباب، وتغيير المبادئ والأفكار.

ج‌- وكثيرًا ما يفتقد المدمن الثقة بنفسه، ويبلغ به القلق عن عجزه حدًّا يجعله عاجزًا عن اتخاذ أي قرار ويملؤه اليأس الذي يعقبه الاكتئاب النفسي الذي يؤدي غالبًا إلى الانتحار.

د‌- يؤدي التعاطي المزمن إلى زيادة في نبضات القلب، وانقباض في الصدر، وسرعة في النبض، وصداع في الرأس، وتقلص في العضلات، وبرودة في الأطراف، وتقلصات حشوية، وجفاف في الحلق، وتخثر في إفرازات الفم والحلق، وانخفاض في ضغط الدم، وعطش شديد، وضعف في التوازن الحركي والجسمي، ودوي في الأُذن، واحمرار في العيون، وهزال في الجسم، واسوداد في الوجه.

أيها الإخوة:
وقانا الله وإياكم من هذه الآفات المهلكة، وهل بعد ذلك دليل على أن تعاطي هذه المهلكات يعدُّ معصية من كبائر الذنوب.. وللمعصية من الآثار القبيحة المذمومة المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا الله تعالى.. أُلخِّص لكم بعضًا من ذلك:
أولاً: حرمان العلم. فإن العلم نور يقذفه الله في القلب، والمعصية تطفئ ذلك النور.

ثانياً: حرمان الرزق. وفي المسند «إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه».

ثالثاً: وحشة يجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله تعالى، لا توازنها ولا تقارنها لذة أصلاً، ولو اجتمعت له لذَّات الدنيا بأسرها لم تف بتلك الوحشة، فلو لم تترك الذنوب إلا حذرًا من وقوع تلك الوحشة، لكان العاقل حريًّا بتركها.

رابعاً: ظُلمة يجدها في قلبه حقيقة يحس بها كما يحس بظلمة الليل البهيم المدلهم، فتصير ظلمة المعصية لقلبه كالظلمة الحسية لبصره؛ فإن الطاعة نور والمعصية ظلمة، وكلما قويت الظلمة ازدادت حيرته، حتى يقع في البدع والضلالات والأمور المهلكة وهو لا يشعر.

خامساً: أن المعاصي توهن القلب والبدن، أما وهنها للقلب فأمر ظاهر، بل لا تزال توهنه حتى تزيل حياته بالكلية.

وأما وهنها للبدن فإن المؤمن قوته في قلبه، وكلما قوي قلبه قوي بدنه. وأما الفاجر فإنه -وإن كان قوي البدن- فهو أضعف شيء عند الحاجة فتخونه قوَّته أحوج ما يكون إلى نفسه.

سادساً: حرمان الطاعة، فلو لم يكن للذنب عقوبة إلا أنه يصد عن طاعة تكون بدله وتقطع طريق طاعة أخرى، فيقطع عليه الذنب طريقًا ثالثة، ثم رابعة وهلم جرًّا، فينقطع عليه بالذنب طاعات كثيرة، وهذا كرجل أكل أكلة أوجبت له مرضة طويلة منعته من عدة أكلات خير منها، والله المستعان.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41]

قال الإمام السعدي رحمه الله: "أي استعلن الفساد في البر والبحر أي: فساد معايشهم ونقصها وحلول الآفات بها، وفي أنفسهم من الأمراض والوباء وغير ذلك، وذلك بسبب ما قدمت أيديهم من الأعمال الفاسدة المفسدة بطبعها. هذه المذكورة ﴿ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا ﴾ أي: ليعلموا أنه المجازي على الأعمال فعجل لهم نموذجا من جزاء أعمالهم في الدنيا، ﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ عن أعمالهم التي أثرت لهم من الفساد ما أثرت، فتصلح أحوالهم ويستقيم أمرهم. فسبحان من أنعم ببلائه وتفضل بعقوبته وإلا فلو أذاقهم جميع ما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة"[2].
أقول قولي هذا وأستغفر الله..


الخطبة الثانية
الحمد لله.. عباد الله اتقوا الله...
ومن أضرار الخمور والمخدرات وإدمانها:
سابعاً: ومنها معصية وكبيرة من كبائر الذنوب أن المعاصي تقصر العمر، وتمحق البركة، ولا بدّ؛ فإن البرّ كما يزيد في العمر فالفجور يقصر العمر.

ثامناً: أن المعاصي تزرع أمثالها، ويولد بعضها بعضًا، حتى يعز على العبد مفارقتها والخروج منها، كما قال بعض السلف: إن من عقوبة السيئةِ السيئةُ بعدها، وإن من ثواب الحسنةِ الحسنةُ بعدها[3].

تاسعاً: أنها تضعف القلب عن إرادته، فتقوى إرادة المعصية، وتضعف إرادة التوبة شيئًا فشيئًا، إلى أن تنسلخ عن قلبه إرادة التوبة بالكلية فلو مات نصفه لما تاب إلى الله.

عاشراً: ومنها أنه ينسلخ من القلب استقباحها، فتصير له عادة، فلا يستقبح من نفسه رؤية الناس له، ولا كلامهم فيه، وهذا عند أرباب الفسوق هو غاية التهتك وتمام اللذة، حتى يفتخر أحدهم بالمعصية، ويحدث بها من لم يعلم أنه عملها.

الحادي عشر: أن المعصية سبب لهوان العبد على ربه وسقوطه من عينه. قال الحسن البصري: هانوا عليه فعصَوه، ولو عزّوا عليه لَعَصَمهم[4]. وإذا هان العبد على الله لم يكرمه أحد، كما قال الله تعالى: ﴿ مَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ[لحج: 18].

هذه بعض الأضرار[5]، وللحديث بقية إن شاء الله في جمعة قادمة..
نسأل الله تعالى أن يحفظنا وشبابنا والمسلمين..

﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].


[1] حديث ابْن عُمَر رضي الله عنهما، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ، وَشَارِبَهَا، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ» أخرجه أحمد (8/ 405)، وأبو داود (3674)، وغيرهما، وصححه الألباني في "صحيح الجامع الصغير" (5091).

[2] تفسير السعدي ص (643).

[3] ذكره ابن القيم في كتابه "الداء والدواء"(1/ 139).

[4] ذكره ابن القيم الجوزية في كتابه " الداء والدواء"(1/ 144).

[5] ملخص من رسالة اللقمة الملعونة لد. الصغير.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 02-06-2021, 03:47 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,073
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خطبة: خطر الخمور والمخدرات

خطبة: خطر الخمور والمخدرات (2)
د. صغير بن محمد الصغير



إن الحمد لله؛ أما بعد:
فيا عباد الله، اتقوا الله تعالى، أيها الإخوة، كان الحديث في الجمعة الماضية عن شيء من خطر الخمور والمخدرات، فظن بعض الفضلاء من المصلين أني بالغت في تعداد الأضرار، وخاطبني بعد الصلاة بذلك، فأقول وبالله التوفيق:

ما ذُكر جزء من الأضرار وليس كاملها، والخمر ليست خبيثة من الخبائث، بل هي أم الخبائث كما سماها النبي صلى الله عليه وسلم، ولعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها[1]، وايم الله ليست مبالغة، فهذا تحذير من الشارع الحكيم؛ لأنه قد كرَّم الله الإنسان بالعقل، وجعله مناط التكليف، وأحاطه بالخطاب والتنبيه في القرآن والحديث الشريف، فبالعقل تميز الإنسان وتكرم، وترقى في شأنه وتعلم؛ لذا جعله الشارع الحكيم ضرورة كبرى، وشرع لصيانته الحق والحد؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾ [الإسراء: 70].

بالعقل يميز الإنسان بين الخير والشر، والنفع والضر، وبه يتبين أوامر الشرع، ويعرف الخطاب ويرد الجواب، ويسعى في مصالحه الدينية والدنيوية، فإذا أزال الإنسان عقله، لم يكن بينه وبين البهائم فرق، بل هو أضل منها؛ كما قال تعالى: ﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 44]، بل قد يُنتفع بالحيوان، أما الإنسان فلا يُنتفع به بعد زوال عقله، بل يكون عالةً على غيره، يُخشى شره ولا يُرجى خيره.

ومع كل ذلك فقد أبى بعض التائهين إلا الانحطاط إلى درك الذلة، والانحدار إلى المهانة والقلة، فأزالوا عقولهم معارضين بذلك العقل والشرع والجبلة، وذلك بتعاطي الخمور والمسكرات، والمفترات والمخدرات[2]؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل مُسكِرٍ خمر، وكل مسكر حرام))؛ رواه مسلم[3]، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كل شراب أسكر فهو حرام))[4]، وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كل مسكر حرام، إن على الله عز وجل عهدًا لمن يشرب المسكر أن يسقيَه من طينة الخَبال، قالوا: يا رسول الله، وما طينة الخبال؟ قال: عَرَقُ أهل النار أو عصارة أهل النار))؛ رواه مسلم[5].

وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها لم يتُبْ، لم يشربها في الآخرة))؛ رواه مسلم وأخرجه البخاري مختصرًا[6]، وروى الإمام أحمد بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مدمن الخمر إن مات، لقي الله كعابد وثن))[7].

أيها الإخوة، الخمور والمخدرات أم الكبائر والمعاصي، والعبد لا يزال يرتكب الذنب حتى يهون عليه ويصغُرَ في قلبه، وذلك علامة الهلاك؛ فإن الذنب كلما صغُر في عين العبد عظُمَ في عين الله.

والمعاصي تورث الذل ولا بد، فإن العزَّ كلَّ العز في طاعة الله تعالى؛ قال الله تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ ﴾ [فاطر: 10]؛ أي: فليطلبه بطاعة الله، فإنه لا يجدها إلا في طاعة الله.

وقال الحسن البصري: "إنهم وإن طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البَراذين، فإن ذُلَّ المعصية في رقابهم، أبى الله إلا أن يذل مَن عصاه"[8] [9].

والمعاصي تفسد العقل ولا شك، فإن للعقل نورًا، والمعصية تطفئ نور العقل ولا بد، وإذا انطفأ نوره ضعف ونقص.

والذنوب تُدخِل العبد تحت لعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لعن على معاصٍ، تعاطي المخدرات أكبر منها فهي أَوْلَى بدخول فاعلها تحت اللعنة؛ ولهذا كان ابن القيم رحمه الله يسمى الحشيش "اللقمة الملعونة"[10].

أيها الإخوة، والذنوب عمومًا والخمور والمسكرات والمخدرات خصوصًا - تطفئ من القلب نار الغيرة، وتُذهِب الحياء الذي هو مادة حياة القلب، وهو أصل كل خير، وذَهابه ذهاب الخير أجمعه، وتزيل النعم وتحل النقم، فما زالت عن العبد نعمة إلا بذنب، ولا حلت به نقمة إلا بذنب.

ومن عقوبات المعاصي عمومًا والخمور والمخدرات خصوصًا ما يلقيه الله سبحانه وتعالى من الرعب والخوف في قلب العاصي، فلا تراه إلا خائفًا مرعوبًا؛ فإن الطاعة حصن الله الأعظم الذي من دخله كان من الآمنين من عقوبة الدنيا والآخرة، ومن خرج منه أحاطت به المخاوف من كل جانب، ووقعت الوحشة العظيمة في قلبه، فيجد المذنب نفسه مستوحشًا، قد وقعت الوحشة بينه وبين ربه، وبين الخلق وبين نفسه، وكلما كثرت الذنوب اشتدت الوحشة، وأمرُّ العيش عيش المستوحشين الخائفين، وأطيب العيش عيش المستأنسين؛ يقول الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82].

رزقنا الله وإياكم الفلاح والتقوى، وجعلنا وإياكم وذرارينا من عباده المؤمنين المهتدين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله.

الخطبة الثانية
الحمد لله.
أيها الإخوة، ومن عقوبات المعاصي عمومًا والخمور والمخدرات خصوصًا أن العاصي دائمًا في أَسْرِ شيطانه، وسجن شهواته، وقيود هواه، فهو أسير مسجون مقيد، ولا أسير أسوأ حالًا من أسيرٍ أَسَرَهُ أعدى عدوٍّ له، ولا سجن أضيق من سجن الهوى، ولا قيد أصعب من قيد الشهوة.

ومن عقوباتها سقوط الجاه والمنزلة والكرامة عند الله وعند خلقه؛ فإن أكرم الخلق عند الله أتقاهم، وأقربهم منه منزلة أطوعهم له، وعلى قدر طاعة العبد له تكون منزلته عنده، فإن عصاه وخالف أمره سقط من عينه؛ فأسقطه من قلوب عباده.

ولا شك أن هذه الآفات تمحق بركة العمر، وبركة الرزق، وبركة العلم، وبركة العمل، وبركة الطاعة، بل تمحق بركة الدين والدنيا، فلا تجد أقل بركة في عمره ودينه ودنياه ممن عصى الله، وما مُحقت البركة من الأرض إلا بمعاصي الخلق؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 96].

ومن عقوباتها أنها تنسي العبد نفسه، وإذا نسي نفسه أهملها وأفسدها وأهلكها؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [الحشر: 19]، فلما نسوا ربهم سبحانه، نسيهم وأنساهم أنفسهم؛ كما قال الله تعالى: ﴿ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ﴾ [التوبة: 67]؛ أما بعد:

أيها الإخوة، فقد اتضح الطريق المأساوي لهذه الشرور والأخطار والآفات، والكبائر من الخمور والمخدرات، وليست المأساة في نهايته فحسب، بل إن المأساة تبدأ مع بدايته، وتبلغ عند نهايته أبشع صورها، وليتها تنتهي بالموت، وإن بعد الموت حسابًا وكتابًا مسجلًا، كل ما للإنسان وما عليه، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ويجد كل ما عمله حاضرًا وليس هناك ظلم لأحد[11].

أسأل الله تعالى أن يحمي أنفسنا وأبناءنا وبناتنا ومجتمعاتنا من كل سوء وآفة، وأن يحبب إلينا الإيمان ويزينه في قلوبنا، ويكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، ويجعلنا من الراشدين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


[1] حديث ابْن عُمر رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم: «لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ، وَشَارِبَهَا، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ» أخرجه أبو داود "واللفظ له"(3674) وأحمد بلفظ: لُعِنَتِ الْخَمْرُ عَلَى عَشْرَةِ وُجُوهٍ: لُعِنَتِ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا، وَشَارِبُهَا، وزاد فيها: وَآكِلُ ثَمَنِهَا"، (8 /405-4787)، وابن ماجه "بنحو لفظ أحمد"(3380)، وغيرهم.
وصححه الألباني في "صحيح وضعيف ابن ماجه"(3380)، وإرواء الغليل (2385)، وقال محققو مسند أحمد طابعة الرسالة: "صحيح بطرقه وشواهده" (4787).

[2] ملخص من خطبة بعنوان: المسكرات والمخدرات.

[3] أخرجه مسلم (2003).

[4] متفق عليه؛ أخرجه البخاري (242)، ومسلم (2001).

[5] أخرجه مسلم (2002).

[6] أخرجه البخاري مختصراً بلفظ: «مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا، حُرِمَهَا فِي الآخِرَةِ» (5575)، ومسلم "واللفظ له"(73-2003).

[7] أخرجه أحمد (2453)، وقال الألباني "فالحديث بمجموع طرقه حسن أو صحيح"؛ "الصحيحة"(677).

[8] مجموع رسائل ابن رجب (1 /74).

[9] الطَّقْطَقة: صوْت قَوَائِمِ الْخَيْلِ عَلَى الأَرض الصُّلبْة؛ "اللسان" مادة: (طقطق)، (10 /225).

(2) والهَمْلَجَة: حُسْنُ سَيْرِ الدَّابَّةِ فِي سُرْعة؛ "اللسان" مادة: (هملج)، (2 /393).
(3) الْبَرَاذِينُ مِنَ الخَيْلِ: مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ نِتاج العِرابِ "اللسان" مادة: (برذن)، (13 /51).

[10] انظر: مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم الجوزية (78).

[11] ملخص: من كتاب الداء والدواء للإمام ابن القيم، ورسالة اللقمة الملعونة لـ: د. الصغيّر.








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 76.15 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 74.02 كيلو بايت... تم توفير 2.13 كيلو بايت...بمعدل (2.80%)]