|
ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الشاعر الناقد د. وليد قصاب.. وصفحات من سيرة عنترة محيي الدين صالح منذُ مِئات السِّنين وإلى الآن تَمُوج الساحة الأدبيَّة العربيَّة بكثيرٍ من القصائد الشعريَّة التي صاغَها أصحابها بِناءً على قصائد سابقة لها على سبيل المعارضة؛ مثل قصيدة أحمد شوقي التي بدأها بقوله: رِيمٌ عَلَى القَاعِ بَيْنَ البَانِ وَالعَلَمِ ![]() أَحَلَّ سَفْكَ دَمِي فِي الأَشْهُرِ الحُرُمِ ![]() وقد عُدَّتْ هذه القصيدة معارضةً لقصيدة البوصيري الشهيرة التي يقول في أولها: أَمِنْ تَذَكُّرِ جِيرَانٍ بِذِي سَلَمِ ![]() مَزَجْتَ دَمْعًا جَرَى مِنْ مُقْلَةٍ بِدَمِ ![]() وكذلك معارضة شوقي لسينيَّة البحتري ونونية ابن زيدون، والأمثلة في ذلك كثيرة. وهناك ظاهرة شعريَّة أخرى هي تسبيع أو تخميس القصائد الشهيرة، كما فعل القاضي البيضاوي أيضًا في بردة البوصيري حين أضاف خمسة مقاطع قبل كلِّ بيت من البردة كقوله: ال لهُ يَحْرُسُ نَفْسِي مِنْ عَمَايَتِهَا ![]() لَعَلَّ تَحْظَى بِخَيْرٍ فِي نِهَايَتِهَا ![]() كَمْ حَمَّلَتْنِي ذُنُوبًا فِي بِدَايَتِهَا ![]() وَكَمْ تَرُومُ مَزِيدًا عَنْ كِفَايَتِهَا ![]() وَلَيْسَ تَأْمُرُ خَيْرًا فِي وِلاَيَتِهَا ![]() وبعد هذه المقاطع الخمسة وضع البيضاوي بيت البوصيري الذي يقول فيه: مَنْ لِي بِرَدِّ جِمَاحٍ مِنْ غَوَايَتِهَا ![]() كَمَا يُرَدُّ جِمَاحُ الخَيْلِ بِاللُّجُمِ ![]() وهناك ظواهر شعريَّة أخرى أقلُّ شهرة تناوَل فيها اللاحقون من الشعراء بعضَ قصائد السابقين بالشرح والتحليل بأساليب شعريَّة مُتبايِنة. والجديد الذي أتى به الشاعر الناقد د. وليد قصاب هو أنَّه سلَك دربًا لم يسلُكْه أحدٌ قبله - على ما نعلم - وهو يتناوَل سيرة شاعر جهير شهير، وشخصيَّة عربيَّة عظيمة خلَّد نفسَه بنفسِه، وتحدَّى العبوديَّة التي وجد نفسه فيها فقهرها، وذاب وَجْدًا في دُروب العِشق حين ذاقَها، وبنى مجدَه بفروسيَّته عندما استُدعِي لها، وحقَّق آمال قومه وكل مَن لجأ إليه واعتبرها غاية المكارم، كما سعى لنيلها لنفسه سواء في سعيه للفكاك من العبوديَّة أو في عشقه أو في فروسيَّته. ولذلك فإنَّ الدكتور وليدًا في ديوانه الموسوم "صفحات من سيرة عنترة" تتبَّع بعض المراحل البارزة لعنترة بن شداد العبسي الذي أرَّخ لحياته من خِلال قصائده، واستَطاع الدكتور وليد أنْ يسبر أغوار بعض أبيات عنترة، وأنْ يسافر عبرها ومن خِلالها إلى أعماق الماضي السحيق؛ ليَغُوص فيها إلى حيث تكمن الدرر الثمينة، إلا أنَّه لم يكتَفِ باستخراج هذه الدرر وعرضها كما هي أو بقليل من التوضيح كما فعل كثيرٌ من النقَّاد، لكنَّه عرضها بأسلوبٍ مُبتَكر في (فاترينة) أنيقة صاغها د. قصاب؛ ليضع فيها مجوهرات العبسي، فأتْقن إبداعها، وتفنَّن في ربطها شكلاً ومضمونًا بالواقع والتاريخ في آنٍ. وإنْ كنت لا أدري بماذا نسمِّي هذا الأسلوب المبتكَر الذي ليس بمعارضةٍ ولا بتخميس أو تسبيع، إلا أنَّني لا أشكُّ في أنَّ الدكتور وليدًا بهذا العرض الجيِّد والأسلوب الجديد في تناوُل شِعر السابقين يكون قد أصَّل أو مهَّد الدرب لِمَن يريد أنْ ينسِج على هذا المِنوال، وبذلك يكون له فضل الريادة والسبق؛ حيث لم يسبقه أحدٌ في هذا اللون بهذه الطريقة. وإذا كان د. وليد قصاب قد تناوَلَ أربعة جوانب فقط من حياة العبسي، هي (عنترة العبد - وعنترة العاشق - وعنترة الفارس - وعنترة الأمل) فإنَّه محقٌّ تمامًا في ذلك؛ لأنَّ الجوانب الأخرى في حياة عنترة ليست ذات قيمة كبيرة، ولا هي مُوثقة ولا هي مُؤثِّرة في أدبيَّات هذا الشاعر العِملاق، ثم إنَّ أيَّة جوانب أخرى في سيرة العبسي يمكن أنْ تحتويها هذه الصفحات التي جاءت مضمَّنة في الفصول الأربعة التي وضَعَها د. قصاب إطارًا عامًّا يدخُل من خِلالها إلى مكنونات عنترة أو يتداخَل عبرها مع أبياته أخذًا وعطاءً. وديوان "صفحات من سيرة عنترة" يبدؤه الشاعر المبدِع والناقد المتمكِّن د. وليد قصاب بسؤالٍ مختصر وعميق ومُحيِّر؛ حيث يتساءَل قائلاً: لِمَن تُهدَى قَصائد عنترة؟ وكأنَّ الحالة التي وصَل إليها الإنسان العربي لا علاقة لها بماضي أجداده الذين تحدَّوا القيود وعاشوا بوجداناتهم وَلَهًا، واشتهروا بالفروسيَّة، وسعوا لتحقيق الآمال. ويبدو أنَّ د.قصاب لم ينتظر ممَّن انقطعت صلتهم بالماضي العريق أيَّة إجابة، فقد راح يَصُوغ الإجابة من تِلقاء رُؤاه وحِسِّه المرهف ومنظوره الأدبي، ربما لأنَّ مُجرَيات الأمور في الساحة العربيَّة وانبهار روَّادها بالآخَر الخصم أوحَتْ له بأنْ يتصدَّى للإجابة عن سؤاله، أو هكذا خطر في ذهنه. والإجابة على هذا السؤال يستغرق من د. قصاب سبع قصائد متفاوتة الطول، جاءتْ متتاليةً في صدر الديوان قبل أنْ يبدأ في استعراض الصفحات التي اختارَها للوُلوج من خِلالها إلى الطَّرح الذي يريد أنْ يصل إليه. ومن الجميل واللافت للنظر ذلك التوافُق بين عدد الفصول التي حوَت الصفحات التي استدعاها د.قصاب من سِيرة عنترة العبسي وهي أربعة فصول، وبين عدد الفئات التي يُخاطِبها أو يرى د. وليد أنهم تُهدَى إليهم قصائدُ عنترة، وهي أيضًا أربع فئات: الفئة الأولى هي فئة المغاوير الذين يقول عنهم: للسَّائِلينَ عن الشَّهامَة والبُطُولَة والجَلالْ وَعنِ الكريمِ مِنَ الفِعالْ للباحِثينَ عن الرِّجالْ (القصيدة الأولى في الديوان) ويضيف إليهم في القصيدة الثانية: للواثِبِينَ إلى العُلا والثَّائِرينَ عَلى الخَنا للصَّابِرينَ على الظَّمَا ولِمَن سَمَا ونلاحظ أنَّ هاتين القصيدتين تتوافقان مع المجموعة الثالثة من صفحات عنترة التي عَنوَن لها الدكتور وليد (عنترة الفارس). وأهل الفئة الثانية هم الذين قال عنهم (في القصيدة الثالثة): للخارِجِينَ إلى ذُرَا التَّارِيخِ مِنْ قَلْبِ العدَمْ للخارِجِينَ ولا فُحولةَ مِنْ أبٍ رَفعَتْهُم أوْ حازَها خالٌ وعَم وهذه القصيدة تتوافَقُ مع مُعطَيات صفحات الفصل الأول أو المجموعة الأولى من صفحات عنترة، والتي جاءت تحت عنوان (عنترة العبد). الفئة الثالثة التي يرى د. وليد أنهم ينبغي أنْ تُهدَى إليهم قصائد عنترة هم أهل العشق والهُيام الذين يقول عنهم في القصيدة الرابعة: للعاشِقِينَ نَسائِمُ الفَجْرِ الطَّهُور للقادِمِينَ يَقُودُهُمْ نُورُ المحبَّة والحبُور للنَّافِرينَ مِنَ الخنا والثَّائِرينَ على الفُجُور ثم يقول عنهم أيضًا في القصيدة السابعة: للعاشِقِين وعِشقُهُمْ نهرُ الوَفاء ولِكُلِّ حُبٍّ أَخْضر وسَقَتْه غَيْماتُ الصَّفاء ولِكُلِّ عَبْلةَ أَخلَصتْ فتدفَّقتْ وَجْدًا وجادَت بالعَطاء وإنْ كنتُ أُفضِّل أنْ تكون هذه القصيدة هي الخامسة في الترتيب حتى يَتناسَق العرض بالتوالي، ولكنَّها رؤية الدكتور وليد، وهو أدرى بمقصوده بهذا الترتيب. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |