قرة العين في بر الوالدين - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         إزدواجية الملتزم بين أخلاق الإسلام وغواية الشيطان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          غـزوة مؤتـة: بداية الفتح الإسلامي وإنهيار دولة الرومان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          إصدارات لتصحيح المسار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 875 )           »          السنة كالقرآن في الأسماء الحسنى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          شـهر رمضـان- أمامك موسم من مواسم الآخرة فاستعد لعمارته بالأعمال الصالحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          قناديل على الدرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 35 - عددالزوار : 8742 )           »          تفسير آيات الصيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 17 )           »          لا تحاســدوا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          التصلب المتعدد Multiple sclerosis (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          الجمل الندية من ألقاب المسائل الفقهية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 5 - عددالزوار : 144 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 30-12-2021, 04:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,942
الدولة : Egypt
افتراضي قرة العين في بر الوالدين

قرة العين في بر الوالدين
الشيخ محمد عبدالتواب سويدان




الحمد لله له الحمد في الأولى والآخرة، أحمده وأشكره على نعمه الباطنة والظاهرة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، هدى بإذن ربه القلوب الحائرة، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه نجوم الدجى والبدور السافرة، والتابعين، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
فيا أيها الكرماء الأجلاء عباد الله، لو لم يرد في دين الله عز وجل الأمر ببر الوالدين، لكانت المروءة الإنسانية والفطرة البشرية داعية إلى البر بهما، وموجبة ذلك لهما؛ قال الإمام ابن الجوزي (رحمه الله): غير خافٍ على عاقلٍ لزومُ حق المنعم، ولا منعم بعد الحق سبحانه على العبد كالوالدين؛ فقد حمَلَتِ الأم بحمله أثقالًا كثيرةً، ولقيت وقت وضعه مزعجاتٍ مثيرةً، وبالغت في تربيته وسهِرَت في مداراته، وأعرضت عن جميع شهواتها لمرادته، وقدَّمته على نفسها في كل حال وقد ضم الوالدُ إلى تسبُّبه في إيجاده ومحبته بعد وجوده وشفقته في تربيته الكسبَ له والإنفاق عليه، والعاقل يعرف حق المحسن ويجتهد في مكافأته، وجهل الإنسان بحقوق المنعم من أخسِّ صفاته، فإذا أضاف إلى جحد الحق المقابلةَ بسوء الأدب، دل على خبث الطبع ولؤم الوَضْع وسوء المنقلب، وليعلم البارُّ بالوالدين أنه مهما بالغ في برهما لم يفِ بشكرهما؛ (كتاب البر والصلة - لابن الجوزي).

أيها الكرماء الأجلاء عباد الله، البر معناه: الإحسانُ والخير والعطاء. وهو اسم جامع لكل معاني الخير.

- البَرُّ مِن أسماء الله الحسنى: قال سبحانه: ﴿ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ﴾ [الطور: 28]، الْبَر: أي المحسِنُ إلى عباده.
معنى بر الوالدين: بر الوالدين: الإحسانُ إلى الوالدين بالقول والفعل؛ تقرُّبًا إلى الله تعالى.

وسُئل الحسن البصري رحمه الله: ما بر الوالدين؟ قال: (أن تبذل لهما ما ملكت، وأن تطيعهما فيما أمراك به، إلا أن يكون معصية).

أيها الأحبة في الله، إن من له أدنى علاقة بكتاب الله - عز وجل - وسنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ليلحظ ذلك الكم الهائل من نصوص القرآن والسنة التي تحث على بر الوالدين، وتنهى عن عقوقهما، وليس المقام مقام حصر واستيفاء، وإنما الغرض الإشارة إلى طرف من هذه النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي تذكر وتؤكد هذا الحق العظيم، لعلها تكون موقظة عند من ابتلي بكبيرة العقوق.

كثيرًا ما يقرن الله - عز وجل - الأمر بطاعة الوالدين بعبادته - سبحانه وتعالى - كما في قوله تعالى: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [النساء: 36]، وكما في قوله: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [الإسراء: 23].

وفي هذا الاقتران ما يدل على تعظيم شأن بر الوالدين، بل كثيرًا ما يوصي الله عز وجل بالإحسان إلى الوالدين؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ﴾ [لقمان: 14]، وقوله سبحانه: ﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [البقرة: 83]، وقوله - عز وجل -: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ﴾ [الأحقاف: 15].

بل قرن الله - عز وجل - في كتابه الكريم شكر الوالدين بشكره سبحانه، فقال - عز وجل -: ﴿ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [لقمان: 14]، فأمر الله تعالى الولد بشكر الوالدين، وقرن شكرهما بشكره سبحانه، وهذا والله غاية عظيمة في الوصاية بالوالدين.

بل إن شريعتنا الإسلامية المباركة لا تهمل الإحسان إلى الوالدين، ولو كانا كافرين، فضلًا عن الوالدين العاصيين ولقد حثنا القرآن العظيم بأسلوب رائع بليغ على بر الوالدين، وإن كانا مشركينِ؛ عسى أن تكون هذه المعاملة الطيبة سببًا في هدايتهما.

قال الله عز وجل: ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [لقمان: 15].

وأما ما جاء في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الحثِّ على بر الوالدين، فهو كثيرٌ، من ذلك: ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف من أدرك والديه عند الكبر - أحدهما أو كلاهما - فلم يدخل الجنة"؛ أي: رغم أنف من أدرك والديه في سن الكبر، فلم يفعل معهما ما يوجب دخوله الجنة، بل عقهما وفعل معهما ما يوجب تعذيبه، وما يوجب سخط الله - تبارك وتعالى - وغضبه عليه.

وروى الشيخانِ عن عبدالله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ قال: ((الصلاة على ميقاتها))،قلت: ثم أي؟ قال: ((ثم برُّ الوالدينِ))، قلت: ثم أي؟ قال: ((الجهاد في سبيل الله))؛ (البخاري مسلم).

وروى مسلمٌ عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: أقبل رجلٌ إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجرَ من الله، قال: ((فهل مِن والديك أحَدٌ حيٌّ؟))، قال: نعم بل كلاهما قال: ((فتبتغي الأجرَ من الله؟))، قال: نعم قال: ((فارجع إلى والديك فأحسِنْ صحبتَهما))؛ (مسلم).

وروى الشيخان عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فاستأذنه في الجهاد، فقال: ((أحيٌّ والداك؟))، قال: نعم قال: ((ففيهما فجاهِدْ))؛ (البخاري مسلم).

قال الإمام ابن حجر العسقلاني - تعليقًا على هذا الحديث -: يحرُمُ الجهادُ إذا منع الأبوان أو أحدهما، بشرط أن يكونا مسلمينِ؛ لأن برَّهما فرض عين عليه، والجهاد فرض كفاية، فإذا تعيَّن الجهادُ فلا إذنَ؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني).

وروى مسلم عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يَجزي ولدٌ والدًا إلا أن يجدَه مملوكًا فيشتريَه فيُعتقَه))؛ (مسلم)، قوله: (لا يجزي)؛ أي: لا يكافئ. قوله: (ولدٌ والده)؛ أي: إحسانَ والدِه.
- قوله: (إلا أن يجده)؛ أي: يصادف والده مملوكًا لرجلٍ آخر.
- قوله: (فيعتقه) معناه: يجعله حرًّا بالشراء.

وروى أبو داود عن أبي سعيدٍ الخدري: أن رجلًا هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن اليمن، فقال: ((هل لك أحد باليَمن؟))، قال: أبواي قال: ((أَذِنا لك؟))، قال: لا، قال: ((ارجِعْ إليهما فاستأذنهما، فإن أذنا لك فجاهِدْ، وإلا فبَرَّهما))؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني).

روى ابن ماجه عن جابر بن عبدالله أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن لي مالًا وولدًا، وإن أبي يريد أن يجتاح (يأخذ) مالي، فقال: ((أنتَ ومالُك لأبيك))؛ (حديث صحيح) (صحيح ابن ماجه للألباني).

وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، مَن أحق الناس بحُسن صَحابتي؟ قال: ((أمك))، قال: ثم من؟ قال: ((ثم أمك))، قال: ثم من؟ قال: ((ثم أمك))، قال: ثم من؟ قال: ((ثم أبوك))؛ (البخاري ومسلم).

وروى ابن ماجه عن المقدام بن معد يكرب أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله يوصيكم بأمهاتكم ثلاثًا، إن الله يوصيكم بآبائكم، إن الله يوصيكم بالأقربِ فالأقرب))؛ (حديث صحيح) (صحيح ابن ماجه - للألباني).
قوله: (ثلاثًا)؛ أي: كرره ثلاث مرات لمزيد التأكيد.

فضائل بر الوالدين أيها الكرمــاء الأجلاء:
لــبــر الــوالدين من الفضائل الكثير والكثير؛ أذكر منها أن: بر الوالدين من صفات الأنبياء: قال تعالى عن يحيى بن زكريا عليهما السلام: ﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا ﴾ [مريم: 14]، وقال سبحانه عن عيسى ابن مريم: ﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ﴾ [مريم: 32].

بر الوالدين بركة في العمر وسَعة في الرزق: روى مسلم عن أنس بن مالكٍ، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَن سَرَّه أن يبسط عليه رزقه، أو يُنسَأ في أثره، فليصِلْ رحمه))؛ (مسلم).
- (يُنسَأ)؛ أي: يؤخَّر.
- (أثره)؛ أي: أجَله
- (يبسط عليه رزقه) بسطُ الرزق: توسيعُه وكثرته وقيل: البركة فيه.
-قال الإمام النووي (رحمه الله): وأما التأخير في الأجل، ففيه سؤال مشهور، وهو أن الآجال والأرزاق مقدَّرة لا تَزيد ولا تنقص؛ قال الله تعالى: ﴿ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [الأعراف: 34].

وأجاب العلماء بأجوبةٍ الصحيح منها: الأول: أن هذه الزيادة بالبركة في عمره، والتوفيق للطاعات، وعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخرة، وصيانتها عن الضياع في غير ذلك.

والثاني: أنه بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة في اللوح المحفوظ، ونحو ذلك، فيظهر لهم في اللوح أن عمره ستون سنةً إلا أن يصل رحمه، فإن وصلها زيد له أربعون، وقد علم الله تعالى ما سيقع له من ذلك، وهو مِن معنى قوله تعالى: ﴿ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ﴾ [الرعد: 39]، فبالنسبة إلى علم الله تعالى وما سبق قدره لا زيادة، بل هي مستحيلة، وبالنسبة إلى ما ظهر للمخلوقين يتصور الزيادة، وهو مراد الحديث.

والثالث: أن المرادَ بقاءُ ذِكره الجميل بعده، فكأنه لم يمُتْ؛ (مسلم بشرح النووي).
أيها المسلمون، إن مِن أعظم بركات بر الوالدين أنه سبب في تفـريج الكربات وإجابة الدعوات، فقد روى البُخاري ومسلم من حديث عبدالله بن عُمر بن الخطَّاب - رضِي الله عنْهُما - قال: سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يقول: ((انطلق ثلاثةُ رهْطٍ ممَّن كان قبلكم، حتَّى أوَوا المبيتَ إلى غارٍ فدخلوه، فانحدرتْ صخرةٌ من الجبل فسدَّت عليهم الغار، فقالوا: إنَّه لا يُنجيكم من هذه الصَّخرة إلاَّ أن تدعوا الله بصالِح أعمالكم، فقال رجُل منهم: اللَّهُمَّ كان لي أبَوانِ شيْخان كبيران، وكنت لا أغْبق قبلهما أهلًا ولا مالًا، فنأى بي في طلب شيءٍ يومًا فلم أرُح عليهما حتَّى ناما، فحلبتُ لهُما غبوقَهما فوجدتُهما نائمَين، وكرهت أن أغبقَ قبلَهما أهلًا أو مالًا، فلبثْتُ والقدح على يدي أنتظِر استيقاظَهُما حتَّى برق الفجْر، فاستيْقَظا فشرِبَا غبوقَهما، اللَّهُمَّ إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتِغاء وجْهِك، ففرِّج عنَّا ما نحن فيه من هذه الصَّخرة، فانفرجت شيئًا).
فانظر كيف كان البر سببا في تفريج الكربة وانفراج الصخرة.

وروى مسلم عن أسير بن جابرٍ قال: كان عمر بن الخطاب إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم: أفيكم أويس بن عامرٍ؟ حتى أتى على أويسٍ، فقال: أنت أويس بن عامرٍ؟ قال: نعم قال: من مرادٍ ثم من قرنٍ؟ قال: نعم قال: فكان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهمٍ؟ قال: نعم، قال: لك والدة؟ قال: نعم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يأتي عليكم أويس بن عامرٍ مع أمداد أهل اليمن، من مرادٍ، ثم من قرنٍ، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهمٍ، له والدة هو بها برٌّ، لو أقسم على الله لأبَرَّه، فإن استطعت أن يستغفر لك، فافعل))، فاستغفِرْ لي، فاستغفر له، فقال له عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟ قال: أكون في غبراء الناس أحبُّ إليَّ؛ (مسلم).
- قوله: (أمداد أهل اليمن) هم الجماعة الغزاة الذين يمدون جيوش الإسلام في الغزو؛ (مسلم بشرح النووي).
- غبراء الناس: فقراء الناس الذين لا يَنتبه إليهم أحدٌ.

تأمل - أخي المسلم الكريم - كيف كان بر الوالدين سببًا في جعل أويس بن عامرٍ القرني مجابَ الدعوة، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى أصحابه رضي الله عنهم أن يطلبوا من أويس أن يستغفرَ لهم.

بر الوالدين أقرب طريق إلى الجنة: هل علمت أيها العاقل: أن بر الوالدين أقرب طريق إلى الجنة؟! وليس هذا من عندي، بل هو من كلام رسولنا صلى الله عليه وسلم، فاسمع، وتدبَّر!

عن عبدالله بن مسعود رضى الله عنه قال: قلت: يا نبي الله، أي الأعمال أقرب إلى الجنة؟! قال: «الصلاة على مواقيتها»، قلت: وماذا يا نبي الله؟ قال: «بر الوالدين»، قلت: وماذا يا نبي الله؟ قال: «الجهاد في سبيل الله»؛ [رواه البخاري ومسلم، واللفظ لمسلم].

وروى البخاري (في الأدب المفرد) عن طيسلة بن مياسٍ، قال: قال لي ابن عمر: أتفرَقُ النارَ وتحب أن تدخل الجنة؟ قلت: إي والله، قال: أحيٌّ والدُك؟ قلت: عندي أمي، قال: فوالله لو ألَنْتَ لها الكلام، وأطعَمْتَها الطعام، لتدخلن الجنةَ ما اجتنبتَ الكبائر؛ (صحيح) (صحيح الأدب المفرد - للألباني).

رضا الوالدين سبب في رضا الله تعالى: ما أعظمها من غنيمة أن يفوز البار لوالديه برضا الله تعالى، وإذا رضي الله تعالى عن عبد من عباده ؛ أسعده في الدنيا والآخرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رضا الله في رضا الوالد، وسخط الله في سخط الوالد»؛ [رواه الترمذي، وابن حبان، والحاكم/ صحيح الترغيب للألباني].

قال لقمان الحكيم لابنه: يا بني، مَن أرضى والديه فقد أرضى الرحمنَ، ومن أسخَطهما فقد أسخَط الرحمنَ؛ (بر الوالدين - لأبي بكر الطرطوشي).

بر الوالدين يوصل إلى الله تعالى: تتفاوت الأعمال الصالحة بتفاوت درجاتها وفضلها، ولكن كلها تقرب إلى الله تعالى، إلا أن بر الوالدين طريق قصير لبلوغ قرب الله تعالى؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: (إني لا أعلم عملًا أقرب إلى الله من بر الوالدة).

بر الوالدين سبب في غفران الذنوب: ويدلك على ذلك؛ هذه القصة: جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: إني أذنبت ذنبًا عظيمًا، فهل لي من توبة؟ فقال: «هل لك من أم؟»، قال: لا, قال: «فهل لك من خالة؟»، قال: نعم, قال: «فبرَّها»؛ [رواه الترمذي – واللفظ له – وابن حبان والحاكم/ صحيح الترغيب للألباني].

صُوَر مشرقة
أيها الكرماء الأجلاء عباد الله، هناك الكثير من النماذج المشرقة في بر الوالدين، وسوف نذكر بعضًا منها؛ لتكون نبراسًا يسير عليه أبناؤنا في كل مكان.

إبراهيم عليه السلام: ذكَر لنا الله تبارك وتعالى مثالًا رائعًا في معاملة الوالدِ الكافر؛ فهذا إبراهيم عليه السلام يدعو أباه الكافرَ إلى الإيمان بالله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة؛ يقول الله تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا *يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ﴾ [مريم: 41 - 45].

أخي الكريم، إذا كانت هذه هي معاملة الوالد الكافر، فكيف تكون معاملة العصاة من الوالدين؟! فليتدبَّر كلٌّ منا هذا النموذج الرائع في بر الوالدين ونضعه أمام أعيننا، ولنتَّقِ اللهَ في آبائنا.

إسماعيل صلى الله عليه وسلم مع أبيه إبراهيمَ عليه السلام: قال الله تعالى عن إبراهيم: ﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الصافات: 102].

رَسُول اللَّهِ ﷺ وهذه صور من بر النبي:
أيها المسلمون: لم ينسَ النبي صلي الله عليه وسلم أمه التي ولدته أو أرضعته ورعته إذ أنه أبر خلق الله عليه الصلاة والسلام، فقد أخرج مسلم عن أبي هريرة قال: زار النبي قبر أمه فبكى وأبكى مَن حوله، فقال: استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذِن لي، فزوروا القبور فإنها تذكِّر بالموت.
يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 113.30 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 111.62 كيلو بايت... تم توفير 1.68 كيلو بايت...بمعدل (1.48%)]