أحي والداك؟.. ففيهما فجاهد - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         أسباب الضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          من قال ١٠ مرات: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له.. (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          نجاح موسم الحج يستوجب الشكر لله ثم للقائمين عليه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          توضيح وبيان مراتب وأركان الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          من الدروس المستفادة من الحج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 13487 - عددالزوار : 732981 )           »          عشر دعوات جامعة لخيري الدنيا واﻵخرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          المسافة تروي العلاقة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          تأملات في سورة الإسراء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          أسباب اختلاف الفقهاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 15-12-2024, 09:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,523
الدولة : Egypt
افتراضي أحي والداك؟.. ففيهما فجاهد

أحيٌ والداك؟.. ففيهما فجاهد

الشيخ عبدالله بن محمد البصري

أَمَّا بَعدُ، فَأُوصِيكُم أَيُّهَا النَّاسُ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، حِينَمَا يُحَثُّ عَلَى أَمرٍ في مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَإِنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَهَمِّيَتِهِ وَعُلُوِّ شَأنِهِ، كَيفَ إِذَا جَاءَ الحَثُّ عَلَيهِ مَقرُونًا بِالأَمرِ بِتَوحِيدِ اللهِ وَالنَّهيِ عَنِ الشِّركِ بِهِ؟! وَقُرِنَ رِضَا اللهِ عَنِ العَبدِ بِفِعلِهِ؟! وَفُضِّلَ مِن بَعضِ الوُجُوهِ عَلَى الجِهَادِ في سَبِيلِ اللهِ؟! وَجَاءَ الأَمرُ بِهِ بَعدَ الأَمرِ بِالصَّلاةِ؟! قَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [النساء: 36]، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [الأنعام: 151]، وَقَالَ تَعَالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 23، 24]، وَقَالَ جَلَّ وَعَلا: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [لقمان: 14، 15].

وَعَن أَبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَن أَحَقُّ بِحُسنِ صَحَابَتي؟! قَالَ: " أُمُّكَ"، قَالَ: ثُمَّ مَن؟! قَالَ: "أُمُّكَ"، قَالَ: ثُمَّ مَن؟! قَالَ: "أُمُّكَ"، قَالَ: ثُمَّ مَن؟! قَالَ: "أَبُوكَ"؛ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

وَعَن عَبدِاللهِ بنِ مَسعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَأَلتُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم: أَيُّ الأَعمَالِ أَحَبُّ إِلى اللهِ؟ قَالَ: "الصَّلاةُ لِوَقتِهَا"، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "بِرُّ الوَالِدَينِ"، قُلتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "الجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ"؛ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

وَعَن أَبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "رَغِمَ أَنفُهُ رَغِمَ أَنفُهُ رَغِمَ أَنفُهُ"، قِيلَ: مَن يَا رَسُولَ اللهِ؟! قَالَ: "مَن أَدرَكَ وَالِدَيهِ عِندَ الكِبَرِ أَحَدُهُمَا أَو كِلاهُمَا، ثَمَّ لم يَدخُلِ الجَنَّةَ"؛ رَوَاهُ مُسلِمٌ.

وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "رِضَا الرَّبِّ في رِضَا الوَالِدِ، وَسَخَطُ الرَّبِّ في سَخَطِ الوَالِدِ"؛ رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَغَيرُهُ، وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ.

يَا لَهَا مِن نُصُوصٍ مَا أَعظَمَهَا وَأَكرَمَهَا، وَأَحَقَّهَا بِأَن تُفهَمَ وَتُلتَزَمَ، وَيَعمَلَ الأَبنَاءُ بِمَا أَرشَدَت إِلَيهِ عَمَلَ المُستَقِيمِ عَلَى الصِّرَاطِ، المُتَمَسِّكِ بِالأُصُولِ الثَّابِتِ عَلَى المَبَادِئِ، الرَّاجِي لِمَا عِندَ رَبِّهِ مِن أَجرِ البِرِّ، الخَائِفِ مِن عَاقِبَةِ العُقُوقِ وَالصُّدُودِ، ثُمَّ إِنَّ هَذَا البِرَّ أَيُّهَا المُسلِمُونَ، فَضلًا عَن كَونِهِ عِبَادَةً وَقُربَةً، فَهُوَ عَمَلٌ نَبِيلٌ جُبِلَت عَلَيهِ الفِطَرُ السَّوِيَّةُ وَالنُّفُوسُ السَّلِيمَةُ، بِهِ تَستَمتِعُ، وَلِلَذَّتِهِ تَستَطعِمُ، وَبِالاستِمرَارِ عَلَيهِ تَفتَخِرُ، وَبِكُلِّ خَطوَةٍ فِيهِ تَجِدُ قِيمَةَ الوَفَاءِ، وَتَعلَمُ مَعنى حِفظِ العَهدِ وَرَدِّ الجَمِيلِ، فَإِذَا هِيَ تَرَكَتهُ وَغَفَلَت عَنهُ، شَعَرَت بِالضِّيقِ وَالحَرَجِ، وَلم تَجِدْ لِمَلَذَّاتِ الحَيَاةِ طَعمًا وَإِن هِيَ انغَمَسَت فِيهَا.

إِنَّ وُجُودَ الوَالِدَينِ نِعمَةٌ كَبِيرَةٌ، بِهَا تَطِيبُ حَيَاةُ الأَبنَاءِ وَيَستَقِرُّ عَيشُهُم، إِذْ يَعِيشُونَ في كَنَفِهِمَا مُجتَمِعِينَ مُتَآلِفِينَ، وَيَستَمتِعُونَ بِرُؤيَتِهِمَا وَيَستَظِلُّونَ بِظِلِّهِمَا، وَيَستَرشِدُونَ بِنُصحِهِمَا وَيَستَنِيرُونَ بِخِبرَاتِهِمَا، فَتَصلُحُ أَحوَالُهُم وَتُحَلُّ مُشكِلاتُهُم، فَإِذَا فَارَقَا الحَيَاةَ وَرَحَلا عَنِ الوُجُودِ، تَغَيَّرَ وَجهُ الحَيَاةِ وَاكفَهَرَّ، وَانطَفَأَت مَصَابِيحُ البَهجَةِ، وَغَابَت كَثِيرٌ مِن مَعَاني السَّعَادَةِ، وَهُجِرَت مَنَازِلُ كَانَت عَامِرَةً، وَاستَوحَشَت دِيَارٌ كَانَت مَأنُوسَةً، وَذَهَبُ سُرُورُ الأَبنَاءِ، وَتَكَدَّرَ مِنهُمُ الصَّفَاءُ، وَبَدَأَ بَينَهُمُ النُّفُورُ وَالجَفَاءُ، وَحَدَثت في حَيَاتِهِم صُدُوعٌ وَظَهَرَت شُقُوقٌ.

أَجَل أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّ بَقَاءَ الوَالِدِ وَوُجُودَ الوَالِدَةِ، نَبعٌ مِن يَنَابِيعِ السَّعَادَةِ الصَّافِيَةِ، وَنَهرٌ مِن أَنهَارِ الحَسَنَاتِ الجَارِيَةِ، وَلا وَاللهِ مَا فَقَدَ إِنسَانٌ كَوَالِدٍ أَو وَالِدَةٍ كَانَا لَهُ حَنَانًا وَعَطفًا، وَرَحمَةً وَشَفَقَةً وَأُنسًا، وَسَكِينَةً وَرَاحَةً وَعَطَاءً.

وَمَعَ كُلِّ هَذَا وَمَعَ تَكَرُّرِ الحَثِّ عَلَى بِرِّ الوَالِدَينِ وَالإِحسَانِ إِلَيهِمَا، وَمَعَ مَا يُرَدَّدُ مِن مَوَاعِظِ الخُطَبَاءِ وَأَحَادِيثِ العُقَلاءِ وَنُصحِ الأُمَنَاءِ، فَإِنَّ النَّاسَ قَد يَغفُلُونَ أَو يَتَغَافَلُونَ في مَطلَعِ الشَّبَابِ وَقِمَّةِ الفُتُوَّةِ، فَتَضِيعُ عَلَى أَحَدِهِم فُرَصُ الخَيرُ وَيَفُوتُهُ أَجرُ البِرِّ، حَتى إِذَا صَحَا مِن سَكرَتِهِ وَأَفَاقَ مِن غَيبُوبَتِهِ، نَدِمَ أَشَدَّ النَّدَمِ عَلَى أَنَّهُ ضَيَّعَ وَفَرَّطَ.

وَعَلَى هَذَا أَيُّهَا المُوَفَّقُونَ، فَإِنَّ بِرَّ الوَالِدَينِ وَالإِحسَانَ إِلَيهِمَا، مُسَابَقَةٌ لِلزَّمَانِ قَبلَ أَن يَرحَلَ بِهِمَا، وَمُسَارَعَةٌ لِلوَفَاءِ لَهُمَا قَبلَ فِرَاقِهِمَا، وَاستِثمَارٌ لِوُجُودِهِمَا لِرَدِّ جَمِيلِهِمَا، وَاهتِبَالٌ لِلفُرَصِ لإِسعَادِهِمَا وَإِدخَالِ السُّرُورِ عَلَيهِمَا، إِنَّهُ حُضُورٌ بَينَ أَيدِيهِمَا وَمُجَالَسَةٌ، وَقُربٌ مِنهُمَا وَمُؤَانَسَةٌ، وَرِفقٌ بِهِمَا وَمُدَارَاةٌ لِخَواطِرِهِمَا، وَبَسطُ وَجهٍ لَهُمَا وتَوَدُّدٌ وتَوَاضُعٌ، وَعُذُوبَةُ قَولٍ ومُلاطَفَةٌ وَلِينُ جَانِبٍ، وَوَفاءٌ وَعَطَاءٌ وَإِحسَانٌ، وَصِدقُ مَوَدَّةٍ وَصَبرٌ وَتَحَمُّلٌ، وَتَضحِيَةٌ بِكُلِّ هَوًى وَرَغبَةٍ تُخَالِفُ هَوَاهُمَا وَمُرَادَهُمَا أَو تُكَدِّرُ صَفوَهُمَا، أَلا فَلْيَتَّقِ اللهَ كُلُّ ابنٍ حَيٍّ وَالِدَاهُ، وَلْيَغتَنِمِ التِّجَارَةَ في سُوقِ الآخِرَةِ، وَلْيَأخُذْ أَوفَرَ نَصِيبٍ مِنَ البَرَكَةِ وَالتَّوفِيقِ، فَإِنَّهُ وَاللهِ ثُمَّ وَاللهِ ثُمَّ وَاللهِ، لا يَحِقُّ لِتِجَارَةٍ مَهمَا كَبُرَت، وَلا لأَموَالٍ مَهمَا كَثُرَت، وَلا لِصُحبَةٍ وَإِن صَفَت، وَلا لأَعمَالٍ مَهمَا شَقَّت، وَلا لأَيِّ شَيءٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ القَصِيرَةِ الحَقِيرَةِ، أَن يَشغَلَ ابنًا عَن أُمِّهِ وَأَبِيهِ، عَن عَبدِاللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَاستَأذَنَهُ في الجِهَادِ، فَقَالَ: "أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟"، قَالَ: نَعَم، قَالَ: "فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ"؛ رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ.

وَعِندَ مُسلِمٍ عَنهُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: أَقبَلَ رَجُلٌ إِلى نَبيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أُبَايِعُكَ عَلَى الهِجرَةِ وَالجِهَادِ أَبتَغي الأَجرَ مِنَ اللهِ؛ قَالَ: "فَهَل مِن وَالِدَيكَ أَحَدٌ حَيٌّ؟"، قَالَ: نَعَم، بَل كِلاهُمَا؛ قَالَ: "فَتَبتَغِي الأَجرَ مِنَ اللهِ؟ "قَالَ: نَعَم، قَالَ: "فَارجِعْ إِلى وَالِدَيكَ فَأَحسِنْ صُحبَتَهُمَا".

هَذَا هُوَ الجِهَادُ لِمَن أَرَادَهُ، وَهَذِهِ هِيَ التِّجَارَةُ لِمَن رَغِبَ فِيهَا، وَهَذَا هُوَ الذِّكرُ الحَسَنُ لِمَن طَلَبَهُ، إِنَّهُ جِهَادُ النَّفسِ في بِرِّ الوَالِدَينِ، وَاحتِسَابُ الأَجرِ في حُسنِ صُحبَتِهِمَا، فَهَنِيئًا لِمَن أَدرَكَ وَالدَيهِ، فَخَفَضَ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ وَرَحِمَهُمَا وَأَطَاعَهُمَا، وَبَرَّهُمَا بِنَفسٍ طَيِّبَةٍ وَخَاطِرٍ مُنشَرِحٍ، وَكَانَ في حَاجَاتِهِمَا دُون تَضَجُّرٍ وَلا تَسَخُّطٍ، فَإِنَّ الوَلَدَ قَد يَلقَى في طَرِيقِ البِرِّ شِدَّةَ طَبعٍ مِن وَالِدٍ أَو سَلاطَةَ لِسَانٍ، أَو عَدَمَ اتِّفَاقٍ بَينَ وَالِدَينِ أَو تَشَتُّتَ أُسرَةٍ، أَو حَاجَةً لِعِنَايَةٍ خَاصَّةٍ في شِدَّةِ مَرَضٍ، وَبِمِثلِ هَذَا يَتَبَيَّنُ البَارُّ الوَاصِلُ مِنَ العَاقِّ القَاطِعِ، وَيَظهَرُ المُحسِنُ الوَافي مِنَ المُسِيءِ الجَافي، فَرَحِمَ اللهُ وَلَدًا رَحِمَ ضَعفَ وَالِدَيهِ فَرَعَاهُمَا، وَسَرَّهُمَا بِصَلاحِهِ وَاستِقَامَتِهِ، وَقَالَ في دُعَائِهِ وَرَدَّدَ كَثِيرًا: ﴿ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 24].

الخطبة الثانية
أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، وَاعلَمُوا أَنَّهُ وَإِن كَانَ بَعضُنَا قَد رَحَلَ وَالِدَاهُ وَخَلَّفَاهُ، فَإِنَّ بَابَ البِرِّ مَا زَالَ مَفتُوحًا، بِالدُّعَاءِ لَهُمَا بِالمَغفِرَةِ، وَالتَّرَحُّمِ عَلَيهِمَا وَالصَّدَقَةِ عَنهُمَا، وَوَصلِ أَقَارِبِهِمَا وَأَهلِ وُدِّهِمَا؛ قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "إِذَا مَاتَ الإِنسَانُ انقَطَعَ عَنهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِن ثَلاثَةٍ: إِلاَّ مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَو عِلمٍ يُنتَفَعُ بِهِ، أَو وَلَدٍ صَالِحٍ يَدعُو لَهُ"؛ رَوَاهُ مُسلِمٌ.

وَفي البُخَارِيِّ أَنَّ سَعدَ بنَ عُبَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: "يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَت وَأَنَا غَائِبٌ عَنهَا، أَيَنفَعُهَا شَيءٌ إِنْ تَصَدَّقتُ بِهِ عَنهَا؟ قالَ: "نَعَم"، قَالَ: فَإِنِّي أُشهِدُكَ أَنَّ حَائِطِيَ المِخرَافَ صَدَقَةٌ عَلَيهَا"؛ رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

وَعِندَ مُسلِمٍ عَن عَبدِاللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ يقولُ: "إِنَّ مِن أَبَرِّ البِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعدَ أَن يُوَلِّيَ"؛ رَوَاهُ مُسلِمٌ.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 70.46 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 68.78 كيلو بايت... تم توفير 1.68 كيلو بايت...بمعدل (2.39%)]