|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() • ومنه السرقة من أملاكه، أو التعدّي على أدواته. فهذا الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: (مَا تَقُولُونَ فِي الزِّنَا؟ )قَالُوا: حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؛ فَهُوَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: (لَأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشْرَةِ نِسْوَةٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارِهِ!) فَقَالَ: (مَا تَقُولُونَ فِي السَّرِقَةِ؟) قَالُوا: حَرَّمَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ؛ فَهِيَ حَرَامٌ. قَالَ: ( لَأَنْ يَسْرِقَ الرَّجُلُ مِنْ عَشْرَةِ أَبْيَاتٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ جَارِهِ ). رواه أحمد وصححه الألباني. • ومنه الكتابة على جداره. • ومنه إيذاء أبنائه، والعبث بسيّارته وسائر ممتلكاته. 6- إيذاؤه بالجلبة، وبرفع الأصوات بالغناء والملاهي، أو برفع الصوت بالشجار بين أهل البيت، أو بلعب الأولاد بالكرة، وإزعاجهم للجيران، أو بطرق باب الجار، وضرب جرس منزله دون حاجة، أو بإطلاق الأبواق المزعجة أمام بيته خصوصًا في الليل، أو في أوقات الراحة. فلربما كان أحد الجيران مريضًا، أو كبيرًا لا ينام إلا بشق الأنفس، أو لديه طفل يريد إسكاته وتهدئته، فلا يستطيع ذلك بسبب الإزعاج والجلبة. 7- تأجير من لا يرغب في إسكانه كالعزّاب والفسّاق. قال ابن رجب: "ومذهب أحمد ومالك أن يمنع الجار أن يتصرّف في خاصّ ملكه بما يضرّ بجاره، فيجب عندهما كفّ الأذى عن الجار بمنع إحداث الانتفاع المضرّ به، ولو كان المنتفع إنما ينتفع بخاصّ ملكه". 8- خيانته والغدر به، ومن صور ذلك: • الإغراء به، والتجسس عليه، والوشاية به عند أعدائه. • تتبع عوراته، والنظر إلى محارمه عبر سطح المنزل، أو عبر النوافذ المطلّة عليه، أو حال زيارة الجيران لأهل ذلك الغادر. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أيّ الذنب أعظم؟ قال: ((أن تجعل لله ندًا))، قلت: ثم أيّ؟ قال: (أن تقتلَ ولدك مخافةَ أن يطعم معك)، قلت: ثم أي؟ قال: (أن تزانيَ حليلة جارك). فلقد كان العرب في الجاهلية يعظمون حق الجار، ويحترمون الجوار، ويعتزون بثناء الجار عليهم، ويفخرون بذلك، وكان منهم من يحفظ عورات جاره ولا ينتهكها، وقد قال عنترة بن شداد في ذلك شعراً: وأغض طرفي إن بدت لي جارتي ♦♦♦ حتى يواري جارتي مثواها 9- قلّة الاهتمام بإعادة ما استعير منه. 10- كثرة الخصومة معه وملاحاته، وربما هجره ومقاطعته لأدنى سبب. 11 - حسد الجار: الحسد هو تمني زوال نعمة المحسود، أو هو البغض والكراهية لما يراه من حال المحسود. الحق الثاني: الإحسان إليه وإكرامه: كي نقطف ثِمار الإسلام، بادِرْ أنت، اقْطَع لسان جارك، كيف تقْطعْهُ؟ بالإحسان إليه، بادِرْ أنت السيّئ بالإحسان يصبحُ صالحًا فالسيّئ إذا أحْسنْتَ إليه حجَّمْتَهُ، حجَّمته وأربكْتهُ وأسْكَنْتَ لِسانهُ. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم والآخر فليكرم جاره) عن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره). من صور الإحسان إلى الجار: 1- المبالغة في إعطائه حقوقَ المسلم على أخيه المسلم إن كان مسلمًا لتأكُّدها في حقه. 2- التركيز على الخصال التالية: إن استقرضَك أقرضتَه، وإن استعانك أعنته، وإن مرض عدته، وإن احتاج أعطيته، وإن افتقر عدتَ عليه، وإن أصابه خير هنّيته، وإن أصابته مصيبة عزّيته، وإذا مات اتّبعت جنازته، ولا تستطيل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، ولا تؤذيه بريح قِدرك إلا أن تغرفَ له، وإن اشتريت فاكهة فأهدِ له، وإن لم تفعل فأدخلها سرًا، ولا تخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده. سأل النبي عليه الصلاة فقال: أتَدْرون ما حقّ الجار؟ قال: إذا استعان بك أعنته وإذا اسْتنْصرَك نصرْتهُ، وإن مرضَ عُدْتهُ، وإن أصابهُ خيرٌ هنَّأتهُ، وإن أصابتهُ مصيبةٌ عزَّيْتهُ وإن مات شيَّعْتهُ، ولا تستطل عليه بالبناء، فتحجُب عنه الرّيح إلا بإذنه، وإن اشْتريْتَ فاكهةً فأهْدِ له منها، فإن لم تفعل فأدْخِلها سرًّا. ماذا يُقاس على هذا التوجيه؟ إذا أرسلْت مع ابنك إلى المدرسة فاكهة غاليَة الثّمن أو نادرة، أو قِطع من الحلويّات غاليَة جدًّا، وأكلها أمام زملائِهِ الفقراء، هذا يدخلُ في هذا التوجيه، فإذا اشْتريْتَ فاكهةً فأهْدِ له منها، فإن لم تفعل فأدْخِلها سرًّا، ولا يخرج بها ولدك لِيَغيضَ ولدهُ، ولا تؤْذِهِ بِقُتار قدرك، إلا أن تغرف له منها. 3- أن ينصره إذا استنصره، ويبدأه بالسلام، ويلين له الكلام، ويتلطّف في مكالمة ولده، ويرشد إلى ما فيه صلاح دينه ودنياه، ويرعى جانبه، ويحمي حماه، ويصفح عن زلاته. 4- احترامه وتقديره، والسماح للجيران ببعض التصرفات إن كانت لا تؤذي فلا يمنعه أن يضع خشبة في جداره لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يمنعن أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره). رواه البخاري ومسلم. 5- قبول دعوته: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: (إِنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا) [رواه البخاري]. 6- إسداء المعروف إليه: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا نساء المسلمات، لا تحقرنّ جارة لجارتها ولو فِرسَن شاة). رواه البخاري. قال الحافظ ابن حجر: "قوله: (فِرسِن) بكسر الفاء والمهملة بينهما راء ساكنة وآخره نون هو عظم قليل اللّحم... وأشير بذلك إلى المبالغة في إهداء الشّيء اليسير وقبوله لا إلى حقيقة الفرسن؛ لأنّه لم تجر العادة بإهدائه، أي: لا تمنع جارة من الهديّة لجارتها الموجود عندها لاستقلاله، بل ينبغي أن تجود لها بما تيسّر وإن كان قليلا فهو خيرٌ من العدم، وذكر الفرسن على سبيل المبالغة... وفي حديث عائشة المذكور: (يا نساء المؤمنين، تهادوا ولو فرسن شاة، فإنّه ينبت المودّة ويذهب الضّغائن). وفي الحديث الحضّ على التّهادي ولو باليسير لأنّ الكثير قد لا يتيسّر كلّ وقت، وإذا تواصل اليسير صار كثيرًا، وفيه استحباب المودّة وإسقاط التّكلّف". وعن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصاه فقال له: (وإذا صنعت مرقة فأكثر ماءها، ثم انظر أهل بيت من جيرانك فأصبهم منه بمعروف) رواه مسلم. هذه سنّة؛ أنْ يتهادى الجيران بعض الطّعام، وهذه تَزيدُ المودّة مودَّةً، وتزيدُ العلاقة متانةً، تزيدُ الأخوّة أخوَّةً، تزيدُ الحبّ حبًّا. (يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَهَا وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ) قد تقَدِّمُ شيئًا لا يُذْكَر، لكن له معنى كبير. بل إنّ عبد الله بن عمر رضي الله عنه ذُبِحَت له ذبيحة، فقال: هل أهْدَيتُم لِجارنا، وكان جارهُ ليس مسلماً، معنى ذلك أيّ جارٍ يجبُ أن تُحسنَ إليه، ولو لم يكن مسلمًا، وهذا حديث صحيح أخذه عن النبي صلى الله عليه وسلّم. قال التابعي الجيل مجاهد رحمه الله: كنت عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وغلام له يسلخ شاة فقال: يا غلام إذا سلخت فابدأ بجارنا اليهودي، قال ذلك مرارا، فقال الخادم: كم تقول هذا؟ فقاله له ابن عمر: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يوصينا بالجار حتى خشينا أنه سيورثه" (متفق عليه). الإهداء إليه تأسّيًا بعائشة رضي الله عنها في قولها للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، إن لي جارين، فإلى أيهما أهدي؟ قال: ((إلى أقربهما منك بابا)) 6- تفقد أحواله، ومواساته عند حاجته: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال صلى الله عليه وسلم: (ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع) وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أوّل خصمين يوم القيامة جاران). 7- حق الشفعة: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (مَنْ كَانَ لَهُ شَرِيكٌ فِي حَائِطٍ فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَعْرِضَهُ عَلَيْهِ) [رواه أحمد]. أي لا يَبِعْ حقّه في الشِّرْكة أو حقّه في البيت إذا كان له جارٌ حتى يستأذن جارهُ أو شريكه وهذا لَعَمْري لَمِن أدقّ الحقوق التي بيّنها النبي عليه الصلاة والسلام. الحق الثالث: احتمال أذاه: من ابتلي بجار يؤذيه فعليه بالصبر، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ يَشْكُو جَارَهُ، فَقَالَ: «اذْهَبْ فَاصْبِر، فَأَتَاهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا فَقَالَ: اذْهَبْ فَاطْرَحْ مَتَاعَكَ فِي الطَّرِيقِ، فَطَرَحَ مَتَاعَهُ فِي الطَّرِيقِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَيُخْبِرُهُمْ خَبَرَهُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَلْعَنُونَهُ: فَعَلَ اللَّهُ بِهِ وَفَعَلَ وَفَعَلَ، فَجَاءَ إِلَيْهِ جَارُهُ فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ لا تَرَى مِنِّي شَيْئًا تَكْرَهُهُ» (رواه أبو داود وقال الألباني: حسن صحيح). معنى ذلك أنّ الإنسان يعيشُ بِسُمعته، ويعيشُ بِكَرامته، يعيشُ بِثَناء الناس عليه فحينما بالغ هذا الجار بالإساءة إلى جاره، النبي عليه الصلاة والسلام أهْدَرَ كرامته، هذا لا كرامة له، ولا غيبة له، اُذْكر ما يفعلهُ لِيَحذر الناس منه. يقول الغزَّالي رحمه الله كما في "الإحياء" "واعلم أنه ليس حق الجوار كف الأذى فقط، بل احتمال الأذى، فإن الجار أيضًا قد كف أذاه، فليس في ذلك قضاء حقه، ولا يكفي احتمال الأذى، بل لا بد من الرِّفق، وإسداء الخير والمعروف. يُروى أن رجلاً جاء إلى عبدالله بن مسعود رضي الله عنه فقال له: إن لي جارًا يؤذيني ويشتمني، ويُضيِِّق علي، فقال: اذهب، فإن هو عصى الله فيك، فأطِع الله فيه". وهناك فضل آخر، وهو أن يغضي عن هَفواته، ويتلقى بالصفح كثيرًا من زَلاَّته وإساءاته، ولا سيما إساءة صدرت عن غير قصد، أو إساءة ندِم عليها وجاء معتذرًا منها. فاحتمال أذى الجار وترك مقابلته بالمثل من أرفع الأخلاق وأعلى الشِّيم. لهذا معاشر المسلمين فإننا مأمورون بتحرّي حقوق جيراننا والقيام بها؛ لننال الفضل في الدنيا، وننجو من المؤاخذة في الآخرة. العنصر السادس: أثر الاهتمام بحقوق الجار على المجتمع المسلم: لا شك أن لأداء حقوق الجار وحسن الجيرة أثر بالغ في المجتمع وحياة الناس، فهو يزيد التراحم والتعاطف، وسبيل للتآلف والتواد، به يحصل تبادل المنافع وقضاء المصالح واستقرار الأمن، واطمئنان النفوس، وسلامة الصدور، فتطيب الحياة ويهنأ المرء بالعيش فيها. فلو أحسن كل جار إلى جاره لظللت المجتمعات السعادة ولعاشت كأنها أسرة واحدة فتنصرف الهمم إلى الإصلاح والبناء والسعي نحو الرقى والتقدم.. ويتضح مما سبق البعد الإنساني للدين الإسلامي الذي يحرص على تحقيق روح المودة بين المسلمين بسبل شتى بالترغيب في مرضاة الله عزوجل والترهيب عن سوء العاقبة لمن يتجرأ على عصيان الخالق والإفساد في الأرض وهو مأمور بعمارتها، هذه العمارة التي لا تتصور مع وجود النفور بين الناس عامة وبين الجيران خاصة، فالمسلم إذا صان حقوق جاره وترفق به كسب ثواب الدنيا والآخرة. العنصر السابع: نماذج مضيئة من حياة السلف في معاملة الجيران: ما أحوجنا أن نري القدوة العملية أمامنا في معاملة الجار حتي نتأسي بها في حياتنا وهذه بعض النماذج المضيئة في الإحسان إلي الجار والصبرعليه منها: جوار الإمام مالك ابن دينار: يُروى أن مالك بن دينار رحمه الله كان له جار يهودي، فحول اليهودي مستحمه إلى جدار البيت الذي فيه مالك، وكان الجدار متهدِّمًا، فكانت تدخل منه النجاسة، ومالك ينظف البيت كلَّ يوم، ولم يقل شيئًا، وأقام على ذلك مدة وهو صابر على الأذى، فضاق صدر اليهودي من كثرة صبره على هذه المشقة، فقال له: يا مالك، آذيتك كثيرًا وأنت صابر، ولم تُخبرني، فقال مالك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما زال جبريل يوصيني بالجار؛ حتى ظننت أنه سيُورِّثه)، فندِم اليهودي وأسلم؛ "الإحياء". جوار الإمام عبدالله ابن المبارك: كان للإمام عبد الله بن المبارك جارٌ يهودي؛ فأراد أن يبيعَ داره، فقيل له: بكم تبيع؟ قال بألفين؛ فقيل له: إنها لا تساوي إلا ألفاً؛ قال: صدقتم؛ ولكنْ ألفٌ للدار، وألفٌ لجوار عبد الله بن المبارك؛ فأُخبر ابنُ المبارك بذلك، فدعاهُ فأعطاه ثمن داره وقال: لا تبعها. جوار الوليد ابن القاسم الهمذاني: قال ابن الجنيد الدقاق: سئل أحمد بن حنبل عن الوليد بن القاسم الهمداني فقال: ثقة، كتبنا عنه، وكان جارًا ليعلى بن عبيد، فسألت يعلى عنه، فقال: نِعمَ الرجل، هو جارنا منذ خمسين سنة، ما رأينا إلا خيرًا. جوار سهل ابن عبدالله التستري: روي عن سهل بن عبد الله التستري رحمه الله أنه كان له جار ذمّي، وكان قد انبثق من كنيفه إلى بيت في دار سهل بثق، فكان سهل يضع كلّ يوم الجفنة تحت ذلك البثق، فيجتمع ما يسقط فيه من كنيف المجوسي، ويطرحه بالليل حيث لا يراه أحد، فمكث رحمه الله على هذه الحال زمانًا طويلاً إلى أن حضرت سهلاً الوفاة، فاستدعى جاره المجوسي، وقال له: ادخل ذلك البيت، وانظر ما فيه، فدخل، فرأى ذلك البثق والقذر يسقط منه في الجفنة، فقال: ما هذا الذي أرى؟ قال سهل: هذا منذ زمان طويل يسقط من دارك إلى هذا البيت، وأنا أتلقّاه بالنهار، وألقيه بالليل، ولولا أنه حضرني أجلي وأنا أخاف أن لا تتّسع أخلاق غيري لذلك وإلا لم أخبرك، فافعل ما ترى، فقال المجوسي: أيها الشيخ، أنت تعاملني بهذه المعاملة منذ زمان طويل وأنا مقيم على كفري؟! مدّ يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ثم مات سهل رحمه الله. جوار الإمام أبو حنيفة: كان لأبي حنيفة جار بالكوفة إسكاف، يعمل نهاره أجمع، حتى إذا جنه الليل رجع إلى منزله وقد حمل لحمًا فطبخه، أو سمكة فيشويها، ثم لا يزال يشرب، حتى إذا دبّ الشراب فيه غنى بصوت وهو يقول: أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا ♦♦♦ ليوم كريهةٍ وسداد ثغر فلا يزال يشرب ويردّد هذا البيت حتى يأخذه النوم، وكان أبو حنيفة يسمع جلبته، وأبو حنيفة كان يصلّي الليل كلّه، ففقد أبو حنيفة صوته، فسأل عنه، فقيل: أخذه العسس منذ ليال، وهو محبوس، فصلّى أبو حنيفة صلاة الفجر من غد، وركب بغلته، واستأذن على الأمير، قال الأمير: ائذنوا له، وأقبلوا به راكبًا، ولا تدعوه ينزل حتى يطأ البساط، ففُعل، ولم يزل الأمير يوسّع له من مجلسه، وقال: ما حاجتك؟ قال: لي جار إسكاف، أخذه العسس منذ ليال، يأمر الأمير بتخليته، فقال: نعم وكلّ من أخذه بتلك الليلة إلى يومنا هذا، فأمر بتخليتهم أجمعين، فركب أبو حنيفة، والإسكافي يمشي وراءه، فلمّا نزل أبو حنيفة مضى إليه فقال: يا فتى أضعناك؟ قال: لا، بل حفظت ورعيت، جزاك الله خيرًا عن حرمة الجوار ورعاية الحقّ، وتاب الرجل ولم يعد إلى ما كان. جوار أحد الصالحين: شكا بعضهم كثرة الفأر في داره، فقيل له: لو اقتنيت هرًّا، فقال: أخشى أن يسمع الفأر صوتَ الهر، فيهرب إلى دور الجيران، فأكون قد أحببت لهم ما لا أحبّ لنفسي. الخاتمة: عباد الله: إن الديارَ لا تقاس على الحقيقة بجميلِ بنيانها، وإنما تغلو وترخص بجيرانها، فعلى المسلم إن أراد أن يسكن بيتاً أنْ يجتهدَ وسعه في اختيار جيرانه، فإنَّ بهم صلاحَ السكنى وفسادَها؛ وقد قيل: اطلب لنفسك جيراناً تجاورهم ♦♦♦ لا تصلح الدارُ حتى يصلحَ الجارُ وإذا ابتُليتَ بجارٍ مؤذٍ؛ فاصبر على ما بُليت به حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، فإنَّ من حسن الجوار الصبر على أذى الجار، حتى قال الحسن البصري: « ليس حسنُ الجوار كفّ الأذى، حسن الجوار الصبر على الأذى »؛ وقال: « إلى جنْبِ كلِّ مؤمنٍ منافقٌ يؤذيه » فلا تقابل الإساءةَ بالإساءة، بل اصبرعلى ذلك؛ فإن الله ناصرُك، قال صلي الله عليه وسلم: «واعلم أن النصر مع الصبر ». أيها المسلمون: إن من أعظمِ التوفيق وأسبابِ السعادة أن يُحسَن المرء إلى جيرانه ويُحسنوا إليه؛ وأن يبذلَ جهده في ذلك، وأن يبسطَ إليهم معروفه ويحفظَ جوارهم غاية الحفظ وبما استطاع إلى ذلك سبيلاً؛ فإن حفْظَ الجوار من كمال الإيمان؛ والموفق من وفقه الله تعالى. ومن أجل ذلك فقد قال النبي صلي الله عليه وسلم: « تعوذوا بالله من جارالسوء في دارالمقام فإنَّ جارالبادية يتحول عنك » وقال أيضا(أعوذ بك من يوم السوء، ومن ليلة السوء، ومن ساعة السوء، ومن صاحب السوء، ومن جار السوء). وكان يستعيذ بالله من جار السوء، الذي إن رأى خيراً كتمه، وإن رأى شراً أذاعه؛ فليتق اللهَ كل منا بكف أذاه عن جيرانه؛ وليكن كفُّ الأذى قولاً وفعلاً، ولا يستغلُّ حياءَ بعض جيرانه أو ضعفهم، وليحذرأنْ يسلِّط اللهُ عليه من لا يرحمُه، جزاءً وفاقاً بعمله السيئ. قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾. نسأل الله أن يهدي ضال المسلمين؛ وأن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين. انتهت بفضل الله
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |