|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() رحلة العمر أحمد بن علوان السهيمي الحمد لله رب العالمين، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريَكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، وصل اللهم وسلم على نبينا محمدٍ وآله وصحبه أجمعين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإن خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعةٌ، وكلَّ بدعة ضلالةٌ، وكلًّ ضلالة في النار. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102] ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 35]. يا عباد الله، فُرضَ الحج في السنة التاسعة وأمَّرَ النبي صلى الله عليه وسلم في هذه السنة أبا بكر رضي الله عنه على الناس، ثم ألحق به علي رضي الله عنه ليبلغ الناس رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، ألا وهي ((ألَّا يحج بالبيت بعد هذا العام لا مشرك ولا عريان))؛ انتهى زمن الشرك وبزغ فجر الإسلام. وفي العام التالي أعلن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سوف يحج هذا العام، فأقبل الناس إلى المدينة أفواجًا ليحجوا معه صلى الله عليه وسلم. إنها فرصة العمر أن تكون رفيق محمد صلى الله عليه وسلم في حجته، وفي خمس ليالٍ بقين من ذي القعدة أعلن الرحيل، فخرج من المدينة بعد صلاة الظهر إلى ميقات أهل المدينة ذي الحليفة - وهو أبعد المواقيت عن مكة - ليصلي به العصر والمغرب والعشاء والفجر والظهر، ثم يحرم بالحج والعمرة، فعندما استوت به راحلته على البيداء أهلَّ بكلمة التوحيد وأصحابه في مشهد مهيب بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وشماله على مد البصر، قُدِّرَ عددهم بمائة وعشرين ألفًا. الكل ينظر إليه ليقتدي بهديه ويستن بسنته، ما أجملها وأمتعها من رحلة مع خير من وطئت قدماه الثرى، الكل يتمنى أن يكون قريبًا منه، أن ينظر إليه، أو يسمع كلامه، رحلة ليس لها مثيل في تاريخ كل الأمم، يشير بيده، فمن هنا مر موسى، وهنا لبى عيسى، كل الأنبياء سلكوا هذا الطريق إلى البيت العتيق ملبِّين، وقابلته بعض الأعراب في الطريق ليحجوا معه، وقَدِمَ مكة صبيحة يوم الأحد رابع ذي الحجة حَتَّى إِذَا أَتَى الْبَيْتَ، اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ نَفَذَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام، فَقَرَأَ: ﴿ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ﴾ [البقرة: 125]، فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، وصلى ركعتين، ثم سعى بين الصفا والمروة، وأقام بالأبطح ثلاثة أيام غير يوم الدخول ويوم الخروج، وكان يوم خروجه إلى منى يوم الخميس ثامن ذي الحجة، وهو يوم التروية، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلًا حتى طلعت الشمس، وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجاز حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضرب له بنمرة، فنزل بها وذلك امتثالًا لقوله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 199]، فخالف في ذلك قريشًا، حتى إذا زالت الشمس، أتى بطن وادي عرنة وخطب الناس، وقد خطب عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع أربع خطب وهي يوم عرفة، وخطبة يوم النحر بمنى وثاني أيام التشريق واليوم السابع، فقال عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ، فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابُ اللهِ))، هذه أمور بينها في هذا المجمع العظيم، وفي هذا اليوم المشهود لعظمها، وليجلي الأمر للناس ويبلغ الشاهد منهم الغائب، وتقوم عليهم الحجة. وبعدها أخذ إقرارهم عليها، فقال: ((وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ))، فيجب على كل مؤمن أن يشهدها، فماذا أنتم قائلون عن نبيكم؟ وأنا أشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ وأدى ونصح صلوات الله وسلامه عليه. ثُمَّ أَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ، فاستقبل القبلة، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا، حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ، قال عليه الصلاة والسلام: ((خير الدعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير))؛ حسنه الألباني. وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ ذلك الفتى الأسمر؛ ليعلم الناس ألا فضل لأبيض على أسود إلا بالتقوى، إنها دروس وعبر لكل ما شهد وسمع. أقولُ قولي هذا، واستغفر اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلِ نذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ. الخطبة الثانية الحمد لله رب العالمين، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريَكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهمَ صلِّ وسلم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبِهِ. أما بعدُ: فيا عبادَ اللهِ، سار عليه الصلاة والسلام حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ، فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، وَصَلَّى الْفَجْرَ، حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ، بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ، حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَدَعَاهُ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ، فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا، مِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ، رَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمَنْحَرِ، فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا، فَنَحَرَ مَا غَبَرَ، وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ، ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ، فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ، فَطُبِخَتْ، فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفَاضَ إِلَى الْبَيْتِ، فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ. إنها رحلة العمر ومع خير البشر إلى البيت العتيق الذي تهفو إليه الأفئدةُ إجابةً لدعوة إبراهيم عليه السلام وطاعةً للرب العالمين. عباد الله، صلوا وسلموا على نبينا محمدٍ فإنه يقول أعز من قائلٍ علميًا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]. اللهم صلِّ وسلم على عبدِك ورسولِك محمدٍ ما تعاقب الليل والنهار، اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واللهم جنِّبنا الفتنَ ما ظَهَرَ منها وما بطنَ، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، وعافي مبتلانا، واحمِ حوزة الدين، ربنا اغفرْ لنا ولوالدينا وجميعِ المسلمينَ: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201]. عباد الله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90] فاذكرُوا اللهَ العظيمَ يذكرْكم واشكرُوه على نعمِهِ يزدْكم: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |