|
الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() مشاريع إصلاح التعليم بالعالم الإسلامي خالد أوعبو شهِد العالم الإسلامي خلال الفترة الممتدة على طول القرنين الماضيين أحداثًا ووقائع أثَّرت بشكل عميق في مسار تطور الأفكار الإصلاحية لنخبته المثقفة، لقد استفاق المفكِّر الإسلامي خلال هذه الحقبة على وقع صدمات هزت كيانه بشكل قوي، تمثلت بالأساس في إطباق الاستعمار الأجنبي على كل البلاد العربية، وسعيه إلى إحداث انفصام في الشخصية العربية من خلال العمل على طمس هويتها الدينية والثقافية، والتأسيس لمنظومة تعليمية معينة تستمر في خدمة مَصالحه حتى بعد الاستعمار. لقد بلَغَت الأمة الإسلامية حدًّا مَرَضيًّا من الجمود والتخلف الحضاري العام، وعلى المستوى التربوي والتعليمي في شموليته على وجه الخصوص، الذي طغى عليه غياب الخطاب العلمي التربوي السليم نتيجة ضعف الوعي بأهمية الدراسة العلمية، النظرية والتجريبية، للتكوين العقلي للإنسان، كما تميز بالتخلف العلمي والتقني، وذلك نتيجة الخلل الذي أصاب منهجه، فاستغرق في التأملات النظرية وضَعُف الفكرُ العِلْمي التجريبي، وتميز كذلك بغياب الجانب الوجداني والنفسي المتمثل في ضعف الإرادة، والعجز عن المبادرة الخَلاقة في الخطاب التربوي الإسلامي نتيجة تشوه الرؤية الإسلامية التي لم تَعُد كونية توحيدية شمولية. يمكن القول: إن النظام التعليمي أصابه ما أصاب الأمة من تمزق وضياع نتيجة عوامل ذاتية؛ كانصراف معظم بلدان العالم الإسلامي عن تطبيق شرع الله، والخمول الحضاري، وانتشار الجهل والخرافات والأمية، وعوامل موضوعية نتيجة الوقوع في براثن الهيمنة الأجنبية. وقد طال التخلفُ كذلك المؤسساتِ التي شكلت المشعل المضيء والمنار الهادي في التاريخ الحضاري والثقافي للأمة الإسلامية، والمتمثلة في القرويين والزيتونة والأزهر؛ حيث عانت من فساد تعليمي حقيقي، تَجلَّى في ضعف البرامج والمناهج وطغيان الطرق التقليدية في التدريس، فأصبح العلم عبارة عن معلومات جافة تَجُول وتنتقل من دماغ إلى دماغ، وحِيل بين العقول وبين التفكير الحر؛ فعجزت هذه المؤسسات عن مواجهة التحديات المعاصرة؛ كالتحدي الثقافي والأيديولوجي المتمثل في قوة الغرب وهيمنته، والتحدي العلمي والتكنولوجي، والتحدي الناتج عن حدوث مشكلات اجتماعية؛ كمختلف مظاهر الانحراف الأخلاقي، إضافة إلى المشكلات السياسية والاقتصادية. وقد كان طبيعيًّا والوضعية على هذه الشاكلة، أن تعمل النخبة المثقفة الإسلامية على امتداد القرن الماضي، شعورًا منها بالمخاطر المحدقة بالأمة الإسلامية - على بلْورة أفكار إصلاحية، استهدفت إخراجها من أَسْر أوضاعها المتهاوية إلى الدرْك الأسفل، ووضعها على عتبة مسايرة تطور الركب الحضاري الإنساني. لقد ألَّف العلامة الطاهر بن عاشور في ذلك كتابه: "أليس الصبح بقريب"، كما أبدع العلامة علال الفاسي "النقد الذاتي"، وألف المختار العياشي "الزيتونة والزيتونيون"، وكتب عبدالهادي التازي "جامع القرويين، الجامع والجامعة"، وكشف محمد عابد الجابري سنة 1973 عن "أضواء على مشكل التعليم في المغرب"، وفي الألفية الأخيرة اهتدى عبدالحميد أبو سليمان سنة 1992 م إلى أن الأزمة هي "أزمة الإرادة والوجدان المسلم"، كما قدم الدكتور سعيد إسماعيل رؤيته في الموضوع من خلال كتابه: "أصول التربية الإسلامية" سنة 1999 م، وغير هؤلاء كثير. لقد أدرك المفكرون الإسلاميون أهمية مقاومة الآثار السلبية للوجود الاستعماري وللفكر الخُرافي السائد، وذلك بإصلاح التعليم وتطوير أساليب تدريسه، إلى جانب الإصلاحات الدينية والسياسية، فدعَوْا إلى الاستناد إلى المرجعية الفكرية الإسلامية، والاستفادة من الإرث التربوي الإسلامي والاسترشاد به في بناء المستقبل، كما دعوا إلى الالتزام بمنظومة القيم الأخلاقية التي أكد عليها الإسلام في الكتاب والسنة، مع ضرورة اعتماد المنهج العقلي في التفكير في مظاهر الوجود المختلفة؛ ذلك أن الرُّقِي الحضاري للأمة الإسلامية مرتبط بالاحتكام للعقل والأخذ بالمعرفة في أبعادها المختلفة. لقد تنبهوا للدور المحوري للأسرة في الإصلاح؛ لامتلاكها القوة والمشروعية التي تحدد نوع التأثير الذي يمكن أن تمارسه المؤسسات والمجتمع على البناء النفسي والوجداني وعلى القدرات المعرفية للطفل، الذي يعتبر قاعدة الانطلاق في إنجاز المشروع الحضاري الإسلامي، المؤسَّس على الوجدان من خلال التحلي بالقيم والأخلاق الحسنة والحرية والإحساس بالمسؤولية، باعتبارها قيمًا يجب أن تطبع فكرنا الاجتماعي، وتحافظ على هويتنا الإسلامية وثوابتنا ومقدساتنا الدينية. كما تنبه هؤلاء المفكرون إلى أن التعليم هو القنطرة الأساسية والوحيدة لتحقيق التنمية الفعلية والمستدامة، وأن كل تقدم مجتمعي وحضاري لا بد أن يستند إلى التعليم، وبالتالي ضرورة تبني رؤية واضحة وشاملة بخصوص قضايا التعليم والفكر، فلا تغيير ولا تطور ولا ازدهار مجتمعي بدون نهج سياسة تعليمية واضحة، فما فتِئوا يطالِبون بإصلاحه بشكل عام، وبإصلاح التعليم الديني على وجه الخصوص، مؤكدين على أن إصلاح المؤسسات التعليمية يستلزم إعادة النظر في مناهج تعليمها وطرق تدريسها، سِيَّما فيما يتعلق بأَسْلَمة المعارف والعلوم وتعريبها وربطها بالتوجيه الإعماري للتعليم، وبمبدأ الاستخلاف في الأرض، مناهج تتأسس على تنمية التفكير الإسلامي الناقد، وتحرص على بناء الإنسان ثقافيًّا ووجدانيًّا، تتوحد فيها مصادر المعرفة وتتكامل إسلاميًّا، مبرزين الدور المركزي للأسرة في الحفاظ على الفطرة الإلهية والهوية الإسلامية، وكذا لرجال التعليم، باعتبارهم رواد المؤسسة الثانية للتنشِئة الاجتماعية، داعين إلى تكوينهم معرفيًّا وأخلاقيًّا، كما طالبوا بالعناية بالتعليم الديني، ومنح اللغة العربية المكانة التي تستحقها، بتحقيق التعريب الشامل العميق في مختلف مجالات حياتنا الاجتماعية والفكرية. إن رؤيتهم الإصلاحية ترتكز على مبدأ العدل التعليمي من خلال مجَّانيته وإجباريته، والتأكيد على تعليم المرأة، باعتبار ذلك قضية إنسانية واجتماعية ودينية. يمكن القول: إن هذه المشاريع والرؤى الإصلاحية التي قدمها هؤلاء المفكرون، والتي يتداخل فيها الديني مع السياسي والتربوي المعرفي مع الوجداني، والفكري مع المؤسساتي - تشكل مجتمِعةً رؤية شاملة، يمكن أن تُستثمَر كأرضية صلبة لكل إصلاح تربوي مستقبلي.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |