|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() تأملات في اسمي الله تعالى القوي والمتين محسن الشعار (1) أولًا: من ناحية التفاضل اللغوي: مما لمحته في أسماء الله تعالى كقاعدة مطردة، أن الصفة الكبرى، التي تستلزم صنف صفات تحتها، يجعل الله لها اسمين، يشتق اسمًا بصيغة تفيد المبالغة أو اسم فاعل، واسمًا آخرَ بصيغة تفيد مبالغة أشد، على أن يكون الاسمان مشتقين من نفس مادة الصفة، فيتعلق الاسم الآخر بذات الله تعالى، لا يذكر في مواضع تتعدى إلى المفعولين، وإنما للدلالة على ذات الله تعالى، وأصل صفته، والاسم الأقل في صيغ المبالغة يُذكر للدلالة على آثاره مقترنًا بمفعولاته. فمثلًا: • صفة الرحمة، لها الرحيم والرحمن؛ فالرحمن يدل على ذات الله تعالى وأصل الصفة، دون أن يذكر في مواضع الآثار والمفعولات، بخلاف الرحيم، فإنما جعل كي يتعدى إلى المرحومين. قال تعالى: ﴿ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 43]، ﴿ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [النساء: 29، والإسراء: 66]، ولا موضع في القرآن: كان بكذا رحمانا. • صفة الوحدانية، لها الواحد والأحد؛ فالأحد ذكر في موضع واحد في القرآن، في سياق التعريف بالله إجمالًا، في سورة وازنت ثلُثَ القرآن، بخلاف اسم الله تعالى الواحد، فقد ذكر متعلقًا بتوحيد الألوهية تارة، والربوبية تارة، أي بمقتضاياته من العبادة، والخضوع للملك الواحد. قال تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]. وقال تعالى: ﴿ يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [يوسف: 39]، ﴿ يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ [غافر: 16]. • وهكذا باطراد. فإذ وصلنا لاسم الله القوي: فهذا بصيغة ما يفيد صفة القوة، والقوة لا يشتق منها فَعْلان مثلًا كالرحمن، ولا أَفْعل كالأحد، فإن أقوى لا تفيد تناهي القوة، ولكن تفضيلًا بها. فما يقابل الرحمن في الرحمة، والأحد في الوحدانية، هو المتين في القوة. حتى يقال للرجل الذي استقرت قوته، واتسم بها غالبةً لأقوياء من حوله: هو متين، يهاب لمتانته من الأقوياء، فضلًا عن الضعفاء. والملحوظ أن اسم الله المتين ورد مرة واحدة في القرآن مقترنًا بالقوة ﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 58]، وهذه الآية بها صيغة تناهي الرزق كذلك، وهي الرزَّاق، ومعلوم أن من أسمائه تعالى الرازق. أما القوي، فوردت في مواضع عدة، مقترنة بآثارها من الغلبة والنُّصرة، والإعزاز والإذلال. (٢) ثانيًا: من ناحية المعنى الجليل: بعدما نرى قدرة الله تعالى وقوته في كتابه، في مواضع ذكر القوة؛ من نصرة لأوليائه، وغلبة على أعدائه، ومن عقاب شديد للقرون الظالمة، في الدنيا والآخرة، لا يبقى إلا أن نستشعر مقتضى هذا الاسم في أنفسنا ومشاعرنا. لسنا بالضرورة في معركة حامية الوطيس، وقد تمر أوقات رخاء وأمان نأمن فيها ظلمَ الظالمين - عجَّل الله بهلاكهم - لكن صفة الله في كل وقت تقتضي شعورًا لا يجوز أن ينضب فينا، فما هو؟ من عَلِمَ أن الله قويٌّ متين، واستشعر في نفسه (أن القوة لله جميعًا)، أورثه ذلك شعورًا في اتجاهين. أولهما: اتجاه الخضوع والتسليم، ألا تكون نفسه قابلة للخضوع لغير الله تعالى؛ لا لسلطان، ولا لضغوطات، ولا لهوى؛ إذ خضع بادئ ذي بدئ للقويِّ المتين، الواحد القهار، وهذا مقام الألوهية بتمام! وثانيهما: اتجاه الالتجاء، ألا يلجأ بالاستعانة لغير الله، وهذا معنى واسع، يشتمل ما يشتمل حتى يبلغ التفريط في جنب الله. فالقويُّ تعالى: هو الذي لا يعجزه شيءٌ، وقال تعالى: ﴿ وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا ﴾ [الجن: 12]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الأحقاف: 32]، والموضعان على لسان الجن، ذوي القدرات والعجائب. وقال تعالى: ﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ﴾ [الذاريات: 50]، فكلها في إجابة دعوة الله، وطاعته وحسن عبادته، وأنه لا مفرَّ من الله تعالى إلا إليه، فتفر من عذاب الله باللجوء إليه، وطلب توفيقه وتسديده ورحمته. ولا ينفع أحد غير هذا؛ ببساطة لأنه ليس له من دون الله أولياء يبلُغون من القوة ما يُعجِزون به اللهَ تعالى، تنزَّه الله عن ذلك. ومعلوم عند العبد ضعفه في نفسه، فليلجأ لذي القوة القهار! ولا غالب إلا الله. وقد قال تعالى: ﴿ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [التوبة: 118]. فضاقت عليهم الأرض بما رحبت، بما فيها من مغانمَ وملاجئ؛ ليس لشيء، وضاقت عليهم أنفسهم، وظنوا أنْ لا ملجأ من الله إلا إليه! ذلك أنه لا حمى في غير جنب الله، كما هو لا أعظم من التفريط في جنب الله. ﴿ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ﴾ [التوبة: 118]، ذلك الموضع الوحيد في القرآن التي تذكر في التوبة من طرفين، أو على مرحلتين؛ توبة من الله على عبده بتوفيقه للتوبة! لأن هذا مدخل الالتجاء، والانكسار، والخضوع، وتحقيق مفهوم الربوبية في النفس بتمام. هذا مفاد قوة الله تعالى، ألا تلجأ إلا إليه. وهذا أول خطوة للتوبة؛ التجرد عن الملاجئ الدنيا، واللجوء إلى ربها القويِّ المتين! إنك لو أذنبت في جنب ملك قويٍّ من ملوك الدنيا، قد تلجأ لسفارة مملكة أعظم، فهل من ملك أقوى من الله تعالى؟ لا؛ فلا يليق إلا كما قال ربُّ العزة عن نفسه: ﴿ أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ﴾ [التوبة: 118]، وهذا شأن عظيم في باب التوبة لمن تدبر. والحمد لله أنْ هداني لهذا المعنى، وقد كنت في فترة من أشد فترات الإرهاق والتأنيب. فلا ملجأ من الله، يا مذنب، يا مفرط، يا مقصِّر، إلا إليه. لا مفر!.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |