أيها المسلمون، إن أردتم الأرزاق والنصر على الأعداء فأحسنوا إلى المساكين والمستضعفين و - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         عون المعبود شرح سنن أبي داود- الشيخ/ سعيد السواح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 449 - عددالزوار : 85950 )           »          قصَّة موسى في القرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 28 - عددالزوار : 266 )           »          عابدة متعبدة ميمونة السوداء* (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          أرجوحة الصبر.... (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          لحظات من رحمة المرض (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          قبلة الجبين..عرفان ووقار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          أدب التعليق وأصول التعقيب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          الصوم ... والتأهيل الحضاري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 43 )           »          أخطاءٌ لغويَّـة في ضَبط ألفاظ السنَّة النبويَّـة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          حكم المبيت بالمخيمات بعد طواف الوداع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22-03-2022, 08:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,807
الدولة : Egypt
افتراضي أيها المسلمون، إن أردتم الأرزاق والنصر على الأعداء فأحسنوا إلى المساكين والمستضعفين و

أيها المسلمون، إن أردتم الأرزاق والنصر على الأعداء فأحسنوا إلى المساكين والمستضعفين والضعفاء
الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد





إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد؛ فإنَّ أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

أعاذني الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين.

أيها المسلمون؛ إن أردتم الأرزاق والغنى والثراء، والنصر على الأعداء، فأحسنوا إلى المساكين والمستضعفين والضعفاء، قَالَ سبحانه وتَعَالَى: ﴿ لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 91].

فمن هم الضعفاء؟ ومن هم المستضعفون؟
هم الذين استثناهم الله سبحانه وتعالى من القتال والجهاد، من هم الضعفاء والمستضعفون الذين أمرنا الله عز وجل أن نحسن إليهم ونرحمهم ونقاتل من دونهم إنهم من الرجال؛ كبارُ السن، والمرضى، والنساء والأطفال، قال سبحانه: ﴿ وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا ﴾ [النساء: 75].

والضعفاء يدخل فيهم المساكين والفقراء، والمسئولون عنهم أصحاب المال والثراء.

ومن الضعفاء المرضى وأصحابُ البلاء، والمسئولون عنهم أصحابُ الصيدلة والأطباء.

وأصحابُ الهموم والغموم، والمسئولون عنهم أصحابُ النخوة والشهامة والمروءة.

ومن الضعفاء عمومُ الناس والجهلاء، والمسئولون عنهم العلماءُ والوعَّاظ والخطباء.

والمظلومون والمقهورون، والمسئولون عنهم أصحابُ الحكومة والشرطة والقضاء، ليدفعوا عنهم الظلم، ويرفعوا عنهم القهر.

فينبغي على الأئمة والخطباء الرحمة بالضعفاء من المصلين، فيا إمام الصلاة، يا أيها الخطيب، يا أيها الواعظ، ارحم مَن خلفَك من الضعفاء؛ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، اجْعَلْنِي إِمَامَ قَوْمِي، فَقَالَ: ((أَنْتَ إِمَامُهُمْ، وَاقْتَدِ بِأَضْعَفِهِمْ، وَاتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا))، (س) (672)، (د) (531)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (3773).

وعنه في رواية: ((... فَمَنْ أَمَّ قَوْمًا فَلْيُخَفِّفْ؛ فَإِنَّ فِيهِمُ الْكَبِيرَ، وَإِنَّ فِيهِمُ الْمَرِيضَ، وَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ، وَإِنَّ فِيهِمْ ذَا الْحَاجَةِ، وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ وَحْدَهُ، فَلْيُصَلِّ كَيْفَ شَاءَ))، (م) 186- (468).

والنساءُ واليتامى من الضعفاء؛ فقد شدَّد النبي صلى الله عليه وسلم وحرَّج وضيَّق على من ضيَّع حقوقَ النساء واليتامى، وَحذَّر مِنْ ذَلِكَ تَحْذِيرًا بَلِيغًا، وَزجَر عَنْهُ زَجْرًا أَكِيدًا؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: الْيَتِيمِ، وَالْمَرْأَةِ))، (جه) (3678)، (حم) (9666)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (2447)

أيها الحكَّام، يا أصحاب الملك والقوة والسلطان، أيها الأغنياء والأثرياء، إنما أنتم تتمتعون بمناصبِكم وأموالكم في كَنَفِ المساكين والضعفاء، فتواضعوا لله يرفعْكم ويعلي مكانتَكم، ويزيدَكم من فضله؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((... مَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ، إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ عز وجل))، (م) 69- (2588).

يا أصحاب السلطان والدولة، يا أصحاب الحكومة، لن يحالفَكم نصرٌ ولا توفيقٌ من الله، ولا يتحسَّن اقتصاد بلادكم؛ إلا إذا أحسنتم إلى الضعفاء والمساكين؛ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ لَهُ فَضْلًا عَلَى مَنْ دُونَهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّمَا يَنْصُرُ اللهُ هَذِهِ الأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا؛ بِدَعْوَتِهِمْ، وَصَلاتِهِمْ وَإِخْلاصِهِمْ))، (س) (3178)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (2388).

فلا تجعلوهم يدعون عليكم، بسببِ قطع الرواتب، أو تأخير ما لهم فيما يسمى (الشئون الاجتماعية)، ولا تضيّقوا عليهم معيشتهم بالضرائب والجمارك والمخالفات المجحفة؛ بل اجعلوا هؤلاء الضعفاء وهم عيالُ الله سبحانه، اجعلوهم يدعون لكم؛ لأنهم السبب في نصركم ووفرة اقتصادكم، ففي الحديث عند البخاري: ((هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ))، (خ) (2896).

وقد كان صلى الله عليه وسلم يتفقَّدُهم ويسأل عنهم، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((ابْغُونِي الضُّعَفَاءَ، فَإِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ))، (ت) (1702)، (س) (3179)، (د) (2594)، انظر الصَّحِيحَة: (779).

فابحثوا عن الضعفاء وارحموهم، والتمسوا المساكين وأحسنوا إليهم؛ حتى تُوهَبَ لكم الأرزاق والأموال، وتنالوا النصرَ والتمكين، فقد دلَّ الحديث أنَّ الاستنصار إنما يكون بدعاء الصالحين، لا بذواتهم وجاههم.

إنهم عيالُ الله، فأحسنوا إليهم، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَحَبُّ الْعبادِ إلى اللهِ، أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ))، (طب) (10033)، (يع) (3315)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (172).

وأهل البلاء -أيضًا- من الضعفاء: وهم المرضى وذوو الاحتياجات الخاصة وغيرُهم؛ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((كُنْ مَعَ صَاحِبِ الْبَلاءِ، تَوَاضُعًا لِرَبِّكَ وَإِيمَانًا))، (طح) (7075)، انظر الصَّحِيحَة: (2877).

ولعل الرواية الصحيحة: ((كُلْ ‌مَعَ ‌صَاحِبِ ‌الْبَلَاءِ تَوَاضُعًا لِرَبِّكَ وَإِيمَانًا بِهِ))، كما في ناسخ الحديث ومنسوخه لابن شاهين (ت ٣٨٥هـ) (ص409) ح (542)، وكذا إتحاف المهرة لابن حجر (14/ 224) (ح) (17672)، ونخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار للعيني (14/ 94)، وعزاه للطحاوي، والفتح الكبير في ضم الزيادة إلى الجامع الصغير للسيوطي (ت ٩١١هـ) (2/ 300) ح (8663).

وقال شرَّاح الحديث: "((كل ‌مع ‌صاحب ‌البلاء)) كأجذم وأبرص؛ ((تواضعًا لربك وإيمانًا))، فإنه لا يصيبك منه شيء إلا بتقدير الله تعالى، وهذا خطاب لمن قوي يقينه، أمَّا من لم يصل إلى هذه الدرجة؛ فمأمور بعدم أكله معه، كما يفيده خبر: ((فر من المجذوم))"؛ فيض القدير للمناوي القاهري (ت ١٠٣١هـ) (5/ 43).

أيها الحاكم، أيها السلطان، أيها القائد، أيها المسئول، ثم أنت أيها الغني، أيها السريّ، أيها الثريّ، ثم أنت أيها المتكبِّر، أيُّها الجبار الفظُّ المستكبر، احذرْ سوءَ عاقبةِ ظُلمِ المستضعفين الضعفاء، ولا تكونوا من شرّ عباد الله؛ عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: "كُنَّا مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فِي جِنَازَةٍ"، فَقَالَ: ((أَلَا أُخْبرُكُمْ بشَرِّ عِبادِ اللهِ؟! الْفَظُّ الْمُسْتَكْبرُ، أَلَا أُخْبرُكُمْ بخَيْرِ عِبادِ اللهِ؟! الضَّعِيفُ الْمُسْتَضْعَفُ، ذُو الطِّمْرَيْنِ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبرَّ اللهُ قَسَمَهُ))، (حم) (23457)، انظر صَحِيح التَّرْغِيبِ: (2904)، (3198).

(الْفَظُّ): هو الخَشِنُ الفظ في الكلام.

(الطِّمْر): الثوبُ الخَلِق البالي، وهو الذي يلبس الثوب الخلق البالي، فالناس لا تنظر إليه وعند الله لهم مكانة عُليا، فلنحذر من إيذاء هؤلاء أو الإساءة إليهم.

فاحذر أيها المسلم مِن ظُلم الضعفاءِ؛ الذين لهم مكانةٌ عظيمة عند الله القوي الجبار، حيث لو حلفوا على شيء لحقَّقه الله لهم؛ عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَوْ أَتَى بَابَ أَحَدِكُمْ فَسَأَلَهُ دِينَارًا لَمْ يُعْطِهِ إِيَّاهُ، وَلَوْ سَأَلَهُ دِرْهَمًا لَمْ يُعْطِهِ إِيَّاهُ، وَلَوْ سَأَلَهُ فَلْسًا لَمْ يُعْطِهِ إِيَّاهُ.

وَلَوْ سَأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ لَأَعْطَاهَا إِيَّاهُ، وَلَوْ سَأَلَهُ الدُّنْيَا لَمْ يُعْطِهَا إِيَّاهُ، وَمَا يَمْنَعُهَا إِيَّاهُ لِهَوَانِهِ عَلَيْهِ؛ ذُو طِمْرَيْنِ، لَا يُؤْبَهُ لَهُ، لَوْ يُقْسِمُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَأَبَرَّهُ))، (الزهد لأحمد بن حنبل) ح (67)، و(هناد في الزهد) (587) عن التابعي سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ موقوفًا، انظر الصَّحِيحَة: (2643).

(أبرَّ اللهُ قَسَمَه)؛ أي: صدَّقَه وأجابَه وأمْضَاه.

هذا الحديث يبين هوانَ بعض الناس عند بعض، ولكنهم عند الله ذووا مكانة عظيمة.

أيها الزعيمُ مكانةً ومالًا، كن بَشَرًا من البشر، لا تنسَ ذلك؛ فعَن الْأَسْوَدِ رحمه الله قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَة رضي الله عنها: مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ (قَالَتْ: "كَانَ بَشَرًا مِنْ الْبَشَرِ")، ("يَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَرْقَعُ ثَوْبَهُ")، ("وَيَحْلبُ شَاتَهُ، وَيَخْدمُ نَفْسَهُ")، ("وَيَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ الرِّجَالُ فِي بُيُوتِهِمْ")، ("فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ، خَرَجَ إِلَى الصَلَاةِ")، الحديث بزوائده عند (خ) (676)، (5363)، (حم) (24749)، (حم) (24903)، (26194)، انظر صَحِيح الْجَامِع: 4937، الصَّحِيحَة: (671)، وقال الأرناؤوط: حديث صحيح.

وفي السَّفَرِ لا بدَّ من الرِّفْق بِالضُّعَفَاءِ فِي السَّيْر: ونجعل أضعفَنا أميرَنا، وهذا ما كان يفعله صلى الله عليه وسلم، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَخَلَّفُ فِي الْمَسِيرِ، فَيُزْجِي الضَّعِيفَ، وَيُرْدِفُ، وَيَدْعُو لَهُمْ"، (د) (2639)، هداية الرواة: (3837).

(فَيُزْجِي الضَّعِيفَ أَيْ: يَسُوق مَرْكَبَه، لِيُلْحِقهُ بِالرِّفَاقِ.

(وَيُرْدِفُ)؛ أَيْ: يُرْكِب خَلْفه الضَّعِيف مِن المُشَاة.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الآخرة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:
الظالمُ المتكبِّرُ المتجبِّرُ عندما يَظلم مظلومًا من الضعفاء والمساكين، يرى في عيني المظلوم نظراتٍ تطلبُ الرحمةَ من الظالم، تطلبُ العفوَ والإحسان، فإن أحسنَ إليه فرحمَه كان أجرُه عند الله، وإن استمرّ في ظلمه، فسيأتي يومٌ تنقلبُ فيه الأمور، وربما في الدنيا قبل الآخرة يكون الظالمُ محلَّ المظلوم، يرفعَ عينيه إلى من ظلمه؛ ليرحمه ويحسن إليه؛ ونحن نوجه الكلام إلى أي مسئول فنقول: أيها المسئول يا صاحب المنصب والجاه والمال، إن أخطأ في حقِّك ضعيف، فاصفح، واكظم غيظَك، فأجرك عظيم يوم القيامة عند الله سبحانه وتعالى؛ فعَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ، دَعَاهُ اللهُ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ مَا شَاءَ))، (د) (4777)، (ت) (2493)، (جه) (4186)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (6522).

ألا واعلموا عباد الله عمومًا، والمستضعفين من هذه الأمة خاصة، أن الجنة أكثر سكَّانها الضعفاء والمساكين؛ أمّا النار فأغلب سكانها الظلمةُ والجبارون والمتكبرون؛ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو بن العاص رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ؟!)) قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: ((هُمْ الضُّعَفَاءُ الْمَظْلُومُونَ))، وفي رواية: ((كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ))، الحديث بزوائده عند (خ) (4918)، (م) (2853)، (جه) (4115)، صَحِيح التَّرْغِيبِ: (3196)، (حم) (8821)، انظر الصَّحِيحَة: (932).

الْمُرَاد بِالضَّعِيفِ مَنْ نَفْسُهُ ضَعِيفَة؛ لماذا؟ لِتَوَاضُعِهِ، فهو ضعيف ويتواضع لله سبحانه وتعالى، وَضَعْفُ حَاله فِي الدُّنْيَا، فليس له منصب ولا جاه، وَالْمُسْتَضْعَف الْمُحْتَقَر؛ الناس تحتقره لِخُمُولِهِ فِي الدُّنْيَا، فليس له جاه وليس لديه مال.

وقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم بما يحدث يوم القيامة؛ فـعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((تَحَاجَّتِ الجَنَّةُ وَالنَّارُ)) (حجاج ومجادلة بين الجنة والنار) ((فَقَالَتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالـمُتَجَبِّرِينَ، وَقَالَتِ الجَنَّةُ: مَا لِي لا يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ؟! قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِلْؤُهَا،...))، (خ) (4850)، (م) 35- (2846).

فالذين يعجزون عن طلب الدنيا في هذه الحياة التي نعيشها، وليس لهم تمكينٌ ولا ثروةٌ، وليس لهم شوكةٌ ولا جاهٌ، هؤلاء أهلُ الإيمان الذين لم يتفطَّنوا للشُّبهِ، ولم توسوس لهم الشياطين بشيء من ذلك، فهم العوامُّ الضعفاءُ، أهلُ عقائدَ سليمةٍ في الله، وإيمانٍ ثابت، وهم الجمهور؛ جمهورُ أهلِ الجنةِ كذلك، هم الكثرة، أمَّا أهلُ العلمِ والمعرفةِ فهم بالنسبة إليهم قليل.

فصلُّوا على رسول الله صلى الله عليه في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلِّم وباركْ على نبيِّنا محمَّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وارضَ اللهمَّ عن الخلفاءِ الأربعة؛ أبي بكر وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ، وعن سائر الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.


اللهم إنا نسألك العفوَ والعافية، والمعافاةَ الدائمةَ في الدين والدنيا والآخرة.

اللهم تولَّ أمرنا، وارحم ضعفَنا، واجبُرْ كسرَنا، واغفرْ ذنبنَا، وبلِّغْنا فيما يرضيك آمالَنا.

عباد الله ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90].


فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 62.28 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 60.61 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.69%)]