|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() مراتب الفضل والرحمة في الجزاء الرباني على الحسنة والسيئة عبدالقادر دغوتي إن الله عز وجل يجازي عبادَه على أعمالهم وفقًا لمقتضى عدله وفضله، أما مقتضى عدله فذلك أنه يوفِّيهم أجورهم كاملة غير منقوصة، فلا تُظلم نفسٌ شيئًا، ولا يؤاخذ إنسانٌ إلا بما كسبت يداه؛ قال جل وعلا: ﴿ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾[البقرة: 281]، وقال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [غافر: 17]، وأما مقتضى فضله سبحانه فله مراتبُ نتعرف على شيء منها في ما يلي: (أ) ـ الجزاء على السيئة بالمثل وعلى الحسنة مضاعفة: ففي المجازاة على السيئة بالمثل يقول الله تعالى: ﴿ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الأنعام: 160]، ويقول جل وعلا: ﴿ وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ﴾ [يونس: 27]، وفي المجازاة على الحسنة مضاعفة؛ يقول ربنا الكريم:﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ﴾[الأنعام: 160]. وهو أقل ما تضاعف به الحسنة، كما أنه سبحانه يبشِّر بمضاعفةٍ مطلقةٍ غير مقيدة بعدد، فيقول: ﴿ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 40]. وقد ضرب الله تعالى مثلًا لمضاعفة الحسنات، بالحبة الواحدة تُنبت سبع سنابل في كل سنبة مائة حبة، ومضاعفة ذلك لمن يشاء؛ قال ربنا الكريم سبحانه: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261]. وضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلًا آخر لمضاعفة الصدقة وتنميتها حتى تصير مثل الجبل، فقال: (لا يتصدَّق أحدٌ بتمرة من كسبٍ طيب، إلا أخذها الله بيمينه فيُربَيها له كما يربَي أحدُكم فَلُوَّه أو قَلوصه، حتى تكون مثل الجبل أو أعظم"[1]. الفلو: بفتح الفاء وضم اللام وتشديد الواو، ويقال أيضًا بكسر الفاء وإسكان اللام وتخفيف الواو، وهو المُهر (مهر الخيل الصغير)، والقلوص من الإبل: الفتِية من حين تُركب إلى التاسعة من عمرها. فمن فضله سبحانه مجازاته على السيئة بمثلها وقد يغفرها، ومجازاته على الحسنة مضاعفة أضعافا كثيرة، أقلها عشرة أضعاف، ففي الحديث القدسي عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "يقول الله عز وجل: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها أو أزيد، ومن جاء بالسيئة فجزاؤها سيئةٌ مثلُها أو أغفر"[2]، وفي حديث قدسي آخر: "الحسنة بعشر أمثالها أو أزيد، والسيئة واحدة أو أغفرها، ولو لقيتني بقُراب الأرض خطايا ما لم تشرك بي، لقيتك بقُرابها مغفرة"[3]. (ب) ـ الجزاء على مجرد الهمِّ بالحسنة، وعدم المؤاخذة على الهمِّ بالسيئة حتى تُعْمل: فمن مراتب الفضل والرحمة: ـ أن الحسنة تُكتبُ كاملة لمجرد الهمِّ بها، فإن عُملت كُتبت مضاعفة. ـ وأن السيئة لا تُكتب لمجرد الهمِّ بها حتى تُعمل، فإن تُركت خوفًا وحياءً من الله بعد الهمِّ بها، كُتبت حسنة. وهذا ما أخبر به الله عز وجل في الحديث القدسي الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل: "إذا همَّ عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه، فإن عمِلها فاكتبوها سيئة ..."[4]، والهم بالشيء: القصد إليه بالقلب، والعزم على فعله. وفي حديث قدسي آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى قال: "إن الله عز وجل كتب الحسنات والسيئات، ثم بيَّن، فمن همَّ بحسنة فلم يعملها، كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن همَّ بها فعملها، كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، وإن همَّ بسيئة فلم يعملها، كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن همَّ بها فعملها، كتبها الله سيئة واحدة"[5]. (ج) ـ إمهال وتأجيل كتابة السيئة رجاء استغفار صاحبها: فمن قواعد كتابة السيئات: إمهالُ وتأجيل كتابة السيئة لبعض الوقت من قِبل الملك المكلَّف بذلك؛ رجاء أن يندم صاحبها ويستغفر، وإلا كتَبها عليه سيئة واحدة، ففي الحديث عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن صاحب الشمال ليرفع القلم ست ساعات عن العبد المسلم المخطئ أو المسيء، فإن ندم واستغفر الله منها وألقاها، وإلا كتبت واحدة"[6]. (د) ـ تبديل السيئات حسنات: وهذا للتائبين؛ قال المولى الكريم سبحانه: ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 70]. وفي بيان معنى تبديل السيئات حسنات قولان لأهل العلم: الأول: أن الله تعالى يبدلهم بالعمل السيئ عملًا صالحًا، يوفقهم إليه، ويثيبهم عليه حسنات؛ قال الحسن البصري رحمه الله: "أبدلهم الله بالعمل السيئ العمل الصالح، وأبدلهم بالشرك إخلاصًا، وأبدلهم بالفجور إحصانًا، وبالكفر إسلامًا، وهذا قول أبي العالية وقتادة وجماعة آخرين"[7]. والثاني: أن تلك السيئات الماضية تنقلب بنفس التوبة النصوح حسنات، وما ذاك إلا لأنه كلما تذكر ما مضى، ندم واسترجع واستغفر، فينقلب الذنب طاعة بهذا الاعتبار"[8]. وفي الحديث عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولًا الجنة، وآخر أهل النار خروجًا منها؛ رجل يؤتى به يوم القيامة، فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه، فيقال: عملت يوم كذا وكذا، كذا وكذا، وعملت يوم كذا وكذا، كذا وكذا، فيقول: نعم؛ لا يستطيع أن ينكر، وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تُعرض عليه، فيقال له: فإن لك مكان كل سيئة حسنة، فيقول: رب، عملتُ أشياء لا أراها ها هنا"؛ فلقد رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه[9]. خاتمة: * إن ربنا الكريم يعامل عباده المؤمنين بواسع رحمته وفضله في مجازاتهم على أعمالهم، فلا يؤاخذهم على الهمِّ بالسيئة حتى يعملوها، فإن عمِلوها كتبها عليهم سيئة واحدة، وقد يغفرها لهم، ويبدِّلها لهم حسنات إذا تابوا وأصلحوا؛ أما الحسنة فيَكتُبها لهم لمجرَّد الهم بها وإن لم يعملوها، فإن عملوها كتبها لهم مضاعفة أضعافًا كثيرة. * وهذا فضلٌ عظيم يَجب شكرُه بالإكثار من القربات، والتسابق إلى فعل الخيرات، والإسراع إلى التوبة والاستغفار بعد كل ذنبٍ وسيئة. وصلِّ اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين. [1] صحيح مسلم، رقم الحديث:1014/64. [2] صحيح مسلم، رقم الحديث: 2687. [3] رواه الحاكم وصححه، وحسنه الألباني في الصحيحة، رقم الحديث: 128. [4] صحيح مسلم، رقم الحديث:128. [5] صحيح البخاري، رقم الحديث:6491، وصحيح مسلم، رقم الحديث: 131. [6] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، رقم الحديث: 7781، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة. [7] تفسير القرآن العظيم؛ الإمام ابن كثير، ج:6، ص:24، مكتبة الصفا ـ القاهرة، ط1(1425هـ/ 2004). [8]ـ المرجع السابق. [9] صحيح مسلم، رقم الحديث:277.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |