الإمام الحافظ أبو علي الغساني الجياني (ت: 498 ه) وكتابه: «تقييد المهمل وتمييز المشكل»

[ابوالوليد المسلم]

الإمام الحافظ أبو علي الغساني الجياني (ت: 498 ه)

وكتابه: «تقييد المهمل وتمييز المشكل»

د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر

وُلد الإمام الحافظ أبو علي الحسين بن محمد بن أحمد الغساني الجياني الأندلسي، في شهر المحرم، سنة سبع وعشرين وأربعمائة للهجرة، تلقَّى علوم الحديث في الأندلس دون أن يرحل منها، وابتدأ طلبه للعلم سنة أربع وأربعين وأربعمائة، وتلقى عن عدد من كبار المحدثين، وروى عنه جماعة من الأئمة، وأثنى عليه غير واحد.

تُوفِّيَ الإمام أبو علي الجياني ليلة الجمعة، الثاني عشر من شهر شعبان سنة ثمانٍ وتسعين وأربعمائة، بعد أن لزم داره لمرضٍ ألمَّ به.

وقد خلَّف الإمام الغساني جملةً من المصنفات الجليلة؛ من أشهرها كتابه: «تقييد المهمل وتمييز المشكل»، وهو كتاب بالغ القيمة، أفرد فيه الحديث عمن ورد في الصحيحين، لا سيما صحيح البخاري، من الرواة المهملين أو المشتبهين في أسمائهم أو أنسابهم أو ألقابهم، ويُعَدُّ هذا العمل من أوائل وأبرز المصنفات في هذا الباب، حتى قيل: إن من جاء بعده عالة عليه.

يتألف الكتاب من خمسة أقسام رئيسة:
• الألقاب: جمع فيه ألقابَ من اشتهر بلقب من رواة الصحيحين.
• المؤتلف والمختلف: عالج فيه ما اتفق رسمًا واختلف نطقًا من الأسماء والكُنى والأنساب.
• شيوخ البخاري المهملون: وهم من لم يُذكروا بأسمائهم الكاملة في الصحيح.
• التنبيه على الأوهام في «صحيح البخاري».
• التنبيه على الأوهام في «صحيح مسلم».

وفي القسمين الأخيرين، وخصوصًا ما يتعلق بـ «صحيح البخاري»، قدم الإمام الغساني مجهودًا نقديًّا بالغًا، تناول فيه الأوهام التي وقعت في أسانيد «الصحيح»، سواء من نقلة الكتاب عن الإمام البخاري، أو من شيوخه الذين روى عنهم، بل أشار أحيانًا إلى مواضع يسيرة قد يكون البخاري نفسه قد وهم فيها، وهذه الملاحظات تُعَدُّ امتدادًا لما بدأه الإمام الدارقطني في الاستدراكات، لكنها أوسع منه في باب تتبع أوهام الرواة، وتكمل مشروع النقد الحديثي لكتاب «الجامع الصحيح».

وقد نصَّ الغساني في مقدمة كتابه على ذلك؛ فقال: "وأن أذكر الأوهام التي في الأسانيد، التي العهدة في أكثرها على نقلة الكتابين، وأبيِّن وجه الصواب في ذلك، وذكرت أن البخاري ربما حدث عن شيوخ في الجامع الصحيح ولم ينسبهم، فأحببتُ أن تقف على أسمائهم منسوبين معرفين".

كما قال في مقدمة الجزء الخامس والسادس المعنون بـ «كتاب التنبيه على الأوهام الواقعة في المسندين الصحيحين في الأسانيد وأسماء الرواة»: "واعلم - وفقك الله - أنه قد يندر للإمامين مواضعُ يسيرة من هذه الأوهام، أو لمن فوقهما من الرواة، لم تقع في جملة ما استدركه الشيخ الحافظ أبو الحسن الدارقطني عليهما ... فرأينا أن نذكرها في هذا الباب لتتم الفائدة بذلك، والله الموفق للصواب".

لقد تناول الإمام أبو علي الغساني الجياني في كتابه «التنبيه على الأوهام الواقعة في الصحيح»، وخصوصًا في قسمه المتعلق بصحيح البخاري، جملةً من الملاحظات النقدية التي تنوعت في طبيعتها وأهدافها.

طبيعة أوهام الرواة عند الغساني:
تتسم ملاحظات الغساني بالدقة والتنوع؛ حيث لم تقتصر على نوع واحد من الأوهام، بل شملت:
• أوهامًا في الأسانيد: مثل: الانقطاع أو الإرسال أو الإدراج؛ حيث أشار إلى مواضع في صحيح البخاري قد تكون فيها الأسانيد غير متصلة، أو تحتوي على إدراجات.

• أوهامًا في أسماء الرواة: تناول الغساني التصحيفَ أو التحريف في أسماء الرواة، مما قد يؤدي إلى الخلط بين رواة مختلفين.

• أوهامًا في المتن: أشار إلى بعض المواضع التي قد يكون فيها اضطراب في المتن، أو تقديم وتأخير في الرواية.

وقد أظهر الغساني اهتمامًا خاصًّا بتتبع هذه الأوهام بدقة، مستندًا إلى معرفته الواسعة بالرواة وطرق الحديث[1].

[1] لمزيد تفصيل عن صور الاختلافات التي نبَّه عليها الجياني في كتابه، ووقعت لرواة «صحيح البخاري»، مع بيان ترتيب الحديث الذي نبه على وقوع الاختلاف فيه بحسب تسلسله في كتابه «التنبيه»، ولبيان أهم نسخ «صحيح البخاري» وعدد الروايات التي انتقدها الجياني لكل منها، انظر: «الروايات المنتقدة بسبب اختلاف نسخ صحيح البخاري: دراسة تحليلية لانتقادات الإمامين أبي مسعود الدمشقي وأبي علي الغساني الجياني» لأمين محمد سلمان القضاة، وشفاء علي الفقيه.