كشف الأستار بشرح قصة الثلاثة الذين حبسوا في الغار - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح صحيح مسلم الشيخ مصطفى العدوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 409 - عددالزوار : 58009 )           »          روائع قرآنية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          السلطان نور الدين والقبر النبوي الشريف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          وليمة جابر بن عبد الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          سمك العنبر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          لأنسين الروم وساوس الشيطان بخالد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          الصحابي عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          أو حسبت أن نيل العلا بالتمني..؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          عبادة التفكر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          نحن وأطفالنا أينا أحوج إلى الآخر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 30-07-2025, 11:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,873
الدولة : Egypt
افتراضي كشف الأستار بشرح قصة الثلاثة الذين حبسوا في الغار

كشف الأستار

بشرح قصة الثلاثة الذين حبسوا في الغار

أبو عاصم البركاتي المصري
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله؛ وبعد:
أخرج البخاري برقم (2272) ومسلم (2743) واللفظ للبخاري عن عبد اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " انْطَلَقَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى أَوَوْا المَبِيتَ إِلَى غَارٍ، فَدَخَلُوهُ فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ، فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الغَارَ، فَقَالُوا: إِنَّهُ لاَ يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَكُنْتُ لاَ أَغْبِقُ قَبْلَهُمَا أَهْلًا، وَلاَ مَالًا فَنَأَى بِي فِي طَلَبِ شَيْءٍ يَوْمًا، فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا، فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا، فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ وَكَرِهْتُ أَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلًا أَوْ مَالًا، فَلَبِثْتُ وَالقَدَحُ عَلَى يَدَيَّ، أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا حَتَّى بَرَقَ الفَجْرُ، فَاسْتَيْقَظَا، فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ، فَانْفَرَجَتْ شَيْئًا لاَ يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ"، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ، كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ، فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا، فَامْتَنَعَتْ مِنِّي حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ، فَجَاءَتْنِي، فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا، فَفَعَلَتْ حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا، قَالَتْ: لاَ أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ، فَتَحَرَّجْتُ مِنَ الوُقُوعِ عَلَيْهَا، فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وَهِيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أَعْطَيْتُهَا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ مِنْهَا "، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَقَالَ الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ، فَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهَبَ، فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الأَمْوَالُ، فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي، فَقُلْتُ لَهُ: كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ مِنَ الإِبِلِ وَالبَقَرِ وَالغَنَمِ وَالرَّقِيقِ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ لاَ تَسْتَهْزِئُ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي لاَ أَسْتَهْزِئُ بِكَ، فَأَخَذَهُ كُلَّهُ، فَاسْتَاقَهُ، فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، فَخَرَجُوا يَمْشُونَ ".

تخريج الحديث:
أخرجه البخاري بأرقام (2215)، (2272)، (2333)، (3465) (5974) ومسلم (2743) وأبو داود (3387) وأحمد (5973) وابن حبان في صحيحه (897).

ولحديث ابن عمر شواهد منها:
شاهد عن أبي هريرة رضي الله عنه: أخرجه ابن حبان في صحيحه (971) والطبراني في "الدعاء" (193)، (194) وأبو عوانة في "المستخرج" (5585)، (5586).

وشاهد عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أخرجه الطبراني في "الدعاء" (195) وأبو عوانة في "المستخرج" (5587) والروياني في مسنده (265).

وشاهد عن علي رضي الله عنه: أخرجه أبو عوانة في "المستخرج" (5581) والبزار في مسنده (906 بحر) والطبراني في الدعاء (187) وابن الأعرابي في المعجم (187).

وشاهد عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما: أخرجه أحمد في المسند (18417) والطبراني في الدعاء (190).

وشاهد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أخرجه أحمد في "المسند" (12454) والطبراني في "الدعاء" (192) وأبو يعلي الموصلي في "المسند" (2937).

وشاهد عن عائشة رضي الله عنها: أخرجه أبو عوانة في "المستخرج" (5580).

وشاهد عن عبد الله ابن أبي أوفى رضي الله عنه: أخرجه أبو عوانة في "المستخرج" (5588).

معاني الكلمات:
رهط: ما دون العشرة من الرجال ولا يكون فيهم امرأة.

أَوَوْا: التجؤوا.

غَار: النقب في الجبل.

انْحَدَرَتْ: سقطت.

يُنْجِيكُمْ: يُخَّلِصكم.

أَغْبِقُ: من الغبوق وهو شراب العشي من اللبن.

نَأَى: بَعُدَ.

أُرِحْ: أرجع.

القَدَحُ: الإناء.

بَرَقَ الفَجْرُ: ظهر الفجر واتضح.

أَلَمَّتْ: أحاطت ونزلت.

سَنَةٌ: سنة من سني القحط فأحوجتها.

ولا تَفُضَّ: أي: لا تكسر.

الخَاتَم:كناية عن عذرتها وكانت بكرا.

إِلَّا بِحَقِّهِ: إلا بالحلال وهو الزواج.

تَحَرَّجْتُ: تَجَنَّبَته مَعَ مَشَقَّةٍ وَضَيْقٍ.

ثَمَّرْتُ: نَمَّيتُ.

أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي: أعطني.

الرَّقِيقِ: المملوك غير الحر.

شرح الحديث وبيان فوائده
أولًا: قوله صلى الله عليه وسلم: "انْطَلَقَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ " والرهط الجماعة من الثلاثة إلى ما دون العشرة، ولا يكون فيهم امرأة، ورَهْطُ الرَّجُل: أهله، وقومُه وعشيرته الأقربون، كما في قول الله تعالى: ﴿ قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ * قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ [هود: 91 - 92].

ثانيًا: جواز النقل عن بني اسرائيل بالضوابط المعتبرة.
قوله صلى الله عليه وسلم: " مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ" أي من بني إسرائيل، فالحديث من الإسرائيليات التي حدث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بوحي الله تعالى فإن النبي صلى الله عليه وسلم ما جلس يومًا إلى معلم من البشر فهذه القصص بوحي الله تعالى وحدث بها رسول الله للعبرة والعظة، ونقلت بالسند الصحيح، وفي الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه(4/ 170) برقم (3461) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ".

ثالثا: بيان معنى الغار والفرق بينه وبين الكهف:
قوله صلى الله عليه وسلم: " حَتَّى أَوَوْا المَبِيتَ إِلَى غَارٍ، فَدَخَلُوهُ" وفي لفظ في الصحيحين: "بَيْنَمَا ثَلاَثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يَمْشُونَ، إِذْ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ، فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ".

والغار هو النقب في الجبل، والكَهْف كالمَغارة في الجبل إلا أَنه أَوسع منها، فإذا صغر فهو غار.

رابعًا: الامتحان بالحبس في الغار، لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ، فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الغَارَ" أي سقطت صخرة عظيمة من أعلى الجبل فاستقرت على فتحة باب الغار فأطبقت عليه وأغلقته بإحكام، فَعَالَجُوهَا، فَلَمْ يَسْتَطِيعُوهَا.

خامسًا: في الحديث بيان لمشروعية التوسل لله بالعمل الصالح، لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" فَقَالُوا: إِنَّهُ لاَ يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ " وفي رواية أبي عوانة: "فَقَالَ النَّفْرُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: وَقَعَ الْمَطَرُ، وَعَفَا الْأَثَرُ، وَوَقَعَ الْحَجَرُ، وَلَا يَعْلَمُ بِمَكَانِكُمْ إِلَّا اللَّهُ، فَتَعَالَوْا فَلْيَدْعُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِأَوْثَقِ عَمَلِهِ[1]".

ومن أدلة التوسل لله بالعمل الصالح قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 16]

وقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [ المائدة: 35 ].

وعن بُرَيدةَ بنِ الحُصَيبِ الأَسلَمِيِّ رضي الله عنه قال: سَمِعَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رجلًا يدعو وهو يَقولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أسألُك بأنِّي أشهَدُ أنَّك أنت اللهُ لا إلهَ إلَّا أنت، الأحَدُ الصَّمَدُ الذي لم يَلِدْ ولم يُولَدْ ولم يَكُنْ له كُفُوًا أحَدٌ. قال: فقال: "والذي نَفْسي بيَدِه لقد سأل اللهَ باسمِه الأعظَمِ الذي إذا دُعِيَ به أجاب، وإذا سُئِلَ به أعطى" [أخرجه أبو داود (1493)، والترمذي (3475) واللفظ له، وابن ماجه (3857) ].

سادسًا: في الحديث بيان لفضل الدعاء، حيث استجاب الله دعاءهم وتوسلهم، قال تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60].

وقال - عز وجل -: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [سورة البقرة: 186].

وأخرج أبو داود والترمذي عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ، قَالَ رَبُّكُمْ: ﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾".

وأخرج ابن ماجه عن سلمان الفارسي رضي الله عنه عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا".

وأخرج البخاري في "الأدب المفرد" (710) وأحمد (11133) عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا"، قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ؟، قَالَ: "اللَّهُ أَكْثَرُ".

سابعًا: في الحديث تحقيق قول الله تعالى: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ﴾.

والمضطر قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ ذُو الضَّرُورَةِ الْمَجْهُودُ.

وَقَالَ السُّدِّيُّ: الَّذِي لَا حَوْلَ لَهُ وَلَا قُوَّةَ.

وَقَالَ ذُو النُّونِ : هُوَ الَّذِي قَطَعَ الْعَلَائِقَ عَمَّا دُونَ اللَّهِ.

وفي إجابة دعاء المضطرين يقول تعالى: ﴿ قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام: 63 -64].

قال القرطبي في "تفسيره" (13/ 207): فَأَجَابَهُمْ عِنْدَ ضَرُورَتِهِمْ وَوُقُوعِ إِخْلَاصِهِمْ، مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُمْ يَعُودُونَ إِلَى شِرْكِهِمْ وَكُفْرِهِمْ.انتهى

وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دُعَاءِ الْمُضْطَرِّ: اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ.[ أخرجه أبو داود (5090)، وأحمد (20430) وحسنه الألباني]

ثامنًا: اليقين في إجابة الدعاء.
قال تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ " [أخرجه الترمذي (3479)، وحسنه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (2/141)].

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أيضا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلَا يَقُلْ: اللهُمَّ! اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، وَلَكِنْ لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ، وَلْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ، فَإِنَّ اللهَ لَا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ " أخرجه البخاري (6339)، ومسلم (2679) واللفظ له.

وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة كذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يُسْتَجابُ لأحَدِكُمْ ما لَمْ يَعْجَلْ، يقولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي".

وفي رِوايةٍ لِمُسلِمٍ: "لا يَزَالُ يُسْتَجَابُ للعبدِ ما لم يَدْعُ بإِثْمٍ أو قَطِيعَةِ رَحِمٍ، ما لم يَستعجِلْ. قِيلَ: يا رَسولَ اللهِ، ما الاستِعجالُ؟ قال: يقولُ: قَدْ دَعَوْتُ وقدْ دَعَوْتُ، فلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لي، فَيَسْتَحْسِرُ عندَ ذلك، ويَدَعُ الدُّعاءَ".

تاسعًا: حسن الظن بالله:
بدا جليًا من الحديث حسن ظن الثلاثة بالله تعالى شأنه، وحسن ظن العبد بربه معناه الثقة في الله، ودفع القلق والوساوس والريبة التي قد تعتري القلوب خشية على الرزق أو الأجل أو المستقبل قال الله تعالى: ﴿ فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 87]، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يقول الله تعالى: أنا عند ظنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأ خيرٍ منهم، وإن تقرب إليَّ بشبر تقربت إليه ذراعًا، وإن تقرب إليَّ ذراعًا تقربت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولةً)).

وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، فلْيَظُنَّ بي ما شاء))؛ [رواه أحمد].

وأخرج أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: ((أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، إِنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ)).

وفي رواية لمسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللهَ يَقُولُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي )).

وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يَمُوتَنَّ أحدكم إلا وهو يُحسِن الظَّنَّ بالله عز وجل)).

وفي رواية أحمد عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ بِاللَّهِ الظَّنَّ؛ فَإِنَّ قَوْمًا قَدْ أَرْدَاهُمْ سُوءُ ظَنِّهِمْ بِاللَّهِ)) فَقَالَ اللَّهُ: ﴿ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ، فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [فصلت: 23].

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ)) [رواه الترمذي].

ومما نسب إلى عمر رضي الله عنه: "إني لا أحمل هم الإجابة ولكن أحمل هم الدعاء، فإذا أُلهِمت الدعاء فإن الإجابة معه".
يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 109.84 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 108.13 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.56%)]