|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() وليس كل ما يُروى عن الصالحين وقع: إبراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى أنموذجًا إبراهيم الدميجي الحمد لله، وبعد: فيكثر نقل المصنفين في سيرة هذا الرجل الصالح إبراهيم بن أدهم وأمثاله لأخبارٍ كثيرها من وضع الطرقية الذين يحبون نسج الحكايات حول الناس لتعظيمهم في النفوس، وفيها مجازفات شديدة ونكارة؛ كأمره للجبال أن تهتزَّ وتسكن، ونحو ذلك، فخيرٌ للمصنِّفين الضرب عنها صفحًا؛ لبطلانها، ومنها ما صح نقله وقُبِلَ شاهدُه وعُمل بوعظه. أما ما ينسب لغيره من محالات وخرافات فقد جاوز هذا القدْر ببون بعيد، وانظر كثيرًا من ذلك الغثاء في طبقات الشعراني مما يُقطع بكذب كثير منها بداهة، بل وجاوز الأمر إلى تهوين بعض مروياتهم لشعائر الدين وأصول الملة لأذواق وكشوف أهل الخرافة، وكثير منها راجعة لوحي الشياطين لو كانوا يعلمون! ولما قيل لابن عمر رضي الله عنه: إن المختار بن أبي عبيد يزعم أنه يُوحى إليه! قال: صدق، ذلك وحي الشياطين- أو نحو هذا - ثم تلا قوله تعالى: ﴿ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ﴾ [الأنعام: 112]. وإبراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى غنيٌّ بصلاحه واستقامته وعلمه وعبادته وبِرِّه وزهده وورعه عن الكذب لأجله- ولا أُزكِّيه على الله تعالى- وليس في ذلك نفي لكرامات الله لأوليائه، بل هي حقٌّ، وهي من بركة اتِّباعهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كما فصَّل ذلك الأئمة؛ كشيخ الإسلام في رسالته "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان"، وبيَّن حال الكرامة عن غيرها من الخوارق، فالله تعالى يخرق العادة كرامة لوليه لحاجته بقدرها، وقد بَسَطَ ذلك بالدلائل والشواهد والأمثلة. إنما الإنكار على الزيادات والمبالغات والخرافات، بل والشركيات أحيانًا، التي لا تأتي بها الشريعة، وصارت ديدنًا وموردًا لأهل الخرافة والتصوف، فكل من أرادوا رفعه عن أقرانه أو تعظيمه لدى متبوعيهم حتى في زماننا نسجوا حوله غرائب الحكايات، وعجائب الكرامات، ومحالات الأحداث، حتى استغنوا عن معين الوحي الصافي وصراطه المستقيم بمنامات وحكايات وبلاغات أقاموا بها مجالس ذكرهم بدلًا عن الكتاب والسنة والهدي النبوي، فينهلون من تأليف العقول ما يسدُّ جوعة أرواحهم للإيمانيات، وهذه فتنة وضلال، فاستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير. وفي الجملة؛ لا بأس في ذكر ما يُنسب للصالحين من كرامات ومنامات، ولكن تكون بقدر، وتكون تابعة لا أصلًا، وخير الأمور أوساطها، والحكمة ضالَّة المؤمن، والعلم دين وأمانة فانظر عمن تأخذ دينك، والقصد القصد تبلغوا، والتوازن مطلب بلا وكس ولا شطط، ومن وصايا السلف: «يا بن آدم، نفسك تريد الكرامة، وربك يطالبك بالاستقامة». علمًا أن الحافظ ابن كثير رحمه الله قد ذكر سبب نقله في هذا الكتاب «البداية والنهاية» لبعض ما يخالف المعقول من خرافات الناس فقال معتذرًا: «لولا أنها مُسطَّرة في كثير من كتب التفسير وغيرها من التواريخ وأيام الناس لما تعرَّضنا لحكايتها؛ لسقاطتها وركاكتها ومخالفتها للمعقول والمنقول»؛ البداية والنهاية (1 /114). والبلاغات ليست بحجة، ويكثر ذكرها عند الطرقيَّة وأهل التصوف استغناء بها عن معاناة مشاقِّ أسانيد صحيح السُّنَّة، وما ضرَّ العلمَ كالكذب فيه. والحديث ذَكَرٌ لا يطيقه إلا ذكور الرجال لا مؤنَّثوهم كما قال الزُّهْري رحمه الله تعالى. وتأمَّل ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في المقارنة بين أهل التوحيد وعُبَّاد القبور من جهة تعظيم كلا الفريقين للرُّسُل عليهم الصلاة والسلام، وأنَّ حقيقة التعظيم لله تعالى والإخلاص له وصدق الاتِّباع لرسوله هو الفيصل بين الموحِّدين والمشركين فقال في: الاستغاثة في الرد على البكري (ص: 327): «إن أهل التوحيد والسُّنَّة يصدقون الرسل عليهم السلام فيما أخبروا، ويُطيعونهم فيما أمروا، ويحفظون ما قالوا، ويفهمونه ويعملون به، وينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ويجاهدون من خالفهم، ويفعلون ذلك تقربًا إلى الله طلبًا للجزاء منه لا منهم، وأهل الجهل والغلو لا يميزون بين ما أمروا به ونهوا عنه، ولا بين ما صحَّ عنهم وما كُذِبَ عليهم، ولا يفهمون حقيقة مرادهم؛ ولا يتحرون طاعتهم ومتابعتهم، بل هم جُهَّال بما أتوا به، معظمون لأغراضهم؛ إما لينالوا منهم منفعة، أو ليدفعوا بهم عن أنفسهم مضرة. فالسدنة الذين عند القبور ونحوهم غرضهم أن يأكلوا أموال الناس بهم، وأتباعهم غرضهم تعظيم أنفسهم عند الناس وأخذ أموالهم لهم، والصادق المحض المتدين منهم غرضه أنه إذا سألهم واستغاث بهم في دفع شدة أو طلب حاجة قضوها له، فأي الفريقين أشد تعظيمًا أولئك أو هؤلاء؟». وبالله التوفيق والعصمة، ومنه العون وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |