|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() مسائل حول الخلاف والاجتهاد محمد حسن نور الدين إسماعيل قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الحجرات: 1]. سورة الحجرات مدنية، وآياتها ثماني عشرة آية، وهي بداية المفصَّل، فأشهر الأقوال أن أوَّل المفصل (الحجرات)، وأول وَسَط المفصل (عبس)، وأول قصار المفصَّل (الضحى)، هذا أشهر أقوال المالكية، وطلب هذا لأجل الصلاة المفروضة؛ ففي الصبح يُستحب القراءة بطوال المفصَّل، وفي الظهر والعشاء بمتوسِّطه، وفي المغرب بقصاره. ذكر لسبب نزول هذه السورة عدةُ روايات، منها ما ذكَره الواحديُّ ورواه البخاري؛ وهو أن راكبًا من بني تميم قَدِم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: أمِّر القعقاعَ بنَ معبد، وقال عمر: أمِّر الأقرعَ بن حابس، فقال أبو بكر: ما أردتَ إلا خِلافي، فقال عمرُ: ما أردتُ خلافَك، فتماريا حتى ارتفعَت أصواتُهما، فنزلت في ذلك: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا [1] بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾[2]. ونزلت هذه السورة في الأمر بمكارم الأخلاق ورعاية الآداب، زيادةً على ما تضمَّنَت من الأحكام الشرعية والهدايات القرآنية[3]. قال الشيخ أبو بكر الجزائري في تفسير الآية الكريمة: لو بحثنا عن المناسبة بين هذه السورةِ والتي قبلَها لتجلَّت لنا واضحةً إذا رجعنا بالذاكرة إلى موقف عمر رضي الله عنه، وهو يريد أن لا يتمَّ صلح بين المؤمنين والمشركين، وإلى موقف الصحابة كافة من عدم التحلُّل من إحرامهم ونحر هداياهم، والرسول صلى الله عليه وسلم يأمر وهم لا يَستجيبون، حتى تقدَّمهم صلى الله عليه وسلم فنحر هديَه، ثم نحَروا بعده وتحلَّلوا؛ إذ تلك المواقف التي أشرنا إليها فيها معنى تقديم الرأي والقولِ بين يديِ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك مضرةٌ لا يعلم مداها إلا اللهُ. ولما انتهت تلك الحال وذلك الظرف الصعب أنزل الله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾؛ أي: بالله ربًّا وإلهًا وبالإسلام شرعة ودينًا وبمحمد نبيًّا ورسولاً، ناداهم بعنوان الإيمان؛ ليقول لهم ناهيًا: ﴿ لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾؛ أي: قولاً ولا عملاً، ولا رأيًا ولا فكرًا؛ أي: لا تقولوا ولا تعملوا إلا تبعًا لما قال الله ورسوله، وشرَع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ في ذلك؛ فإن التقدُّم بالشيء قبل أن يشرع اللهُ ورسوله صلى الله عليه وسلم فيه معنى أنكم أَعلم وأحكم من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهذه زلَّة كبرى وعاقبتها سوء؛ ولذا قال: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ ﴾؛ أي: لأقوالكم، ﴿ عَلِيمٌ ﴾ بأعمالكم وأحوالكم. ومن هنا فواجبُ المسلم أن لا يقولَ ولا يعمل ولا يقضيَ ولا يفتي برأيه، إلا إذا علم قولَ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وحكمَهما، وبعد أن يكون قد علم أكثرَ أقوال الله والرسول وأحكامهما؛ فإن لم يجد من ذلك شيئًا اجتهد[4]، فقال أو عمل بما يراه أقربَ إلى رضا الله، فإذا لاح له بعد ذلك نصٌّ من كتابٍ أو سنَّة عَدَل عن رأيه، وقال بالكتاب والسنة[5]. فيجب تقديمُ كلام الله وكلامِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحكامِهما، وأمرهما ونهيهما على سائر الكلام والأحكام، والأوامر والنواهي، فكلُّ ما فيه الخلافُ بين الصحابة فمَن بَعدهم يجب ردُّه إلى الكتاب والسنة، قال تعالى: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ [النساء: 59]؛ فالرَّد إلى الله تعالى هو الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو الرَّد إلى سُنته بعد انقطاع الوحي؛ فما وافَقَهما قُبِل، وما خالفهما رُدَّ على قائله كائنًا مَن كان. وقال علي بن أبي طالب: "لو كان الدِّين بالرأي لكان أسفلُ الخُفِّ أَولى بالمسح مِن أعْلاه. وقال عمر بن عبدالعزيز: "لا رأي لأحد مع سنَّة سَنها رسول الله صلى الله عليه وسلم". وقال الشافعي: "أجمع الناسُ على أن من استبانَت له سُنةٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يكن له أن يدعَها لقولِ أحد من الناس"[6]. فصل في الخلاف والاجتهاد: الخلافُ كلُّه شرٌّ: ولا شك أن الخلاف كلَّه شر، سواء كان في أصول الدين أو فروعه، في المسائل الكبار أو الصغار، في مسائل الاعتقاد التي ينبني عليها عملٌ أو التي لا ينبني عليها عمل، أو في المسائل العَملية غير الاعتقادية، وكم من مَسألةٍ من مسائل العمل، ومن فروع الدين وقع بسببها فتنٌ عظيمة وبلاء عظيم في المسلمين، بل وقتال وسفْكُ دماء! والفتنُ الأولى بين الصحابة رضوان الله عليهم وحرب "الجَمَل"، و"صِفِّين" لم تكن حولَ قضايا عقائدية، ولا أصلٍ من أصول الدين، ولكن على خِلافٍ في حكم تقديم أو تأخير المطالبة بدم عثمان الذي كان فيه الجميعُ متفقًا على وجوب الأخذ بثأره وقتل قاتليه. الخلاف درجات: ولكنَّ الخلاف درجات؛ فهناك خلاف يُخرج فريقًا من المختلفين من الإسلام، ويُحلُّ قتالهم ودماءهم، وهناك خلاف دون ذلك. 1- الخلاف المخرج من ملَّة الإسلام: وأعظم الخلاف هو الذي يُخرج صاحبَه من ملة الإسلام ويُلحقه بالكفار، ويوجب على أهل الإسلام قتاله؛ وذلك كجُحود المرتدين للزَّكاة، ومنع إعطائها لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك قاتَلهم أبو بكر الصديق قتالَ الكفار، وسمَّاهم بالمرتدِّين، علمًا بأنهم لم يَنفوا الشهادتين ولا الصلاة. 2- خلاف البدعة غير المكفِّرة: ويلي ذلك خلافُ البدعة غير المكفرة مع إيجاب قتل قائليها؛ كخلاف الخوارج الذين قالوا بكفر مرتكب الكبيرة، واستحلُّوا دماء المسلمين وأموالهم، فقاتلهم علي بن أبي طالب والخلفاءُ من بعده، وقد جاء في شأنهم أحاديثُ كثيرة تبيِّن أصلَ بدعتهم ووجوب قتالهم. والخلاف الواقع بين أهل السنة والجماعة والفِرَق إنما هو في هذا الباب والذي قبله؛ فقد قاموا على الدوام بردِّ المقالات والعقائد والأهواء المخالِفة للكتاب والسنة وإجماعِ الأمة؛ كالذي انتَحلتْه فِرَق الخوارج والرافضة والجهمية والقدريَّة والمرجئة، وما تفرَّع من هذه الفِرَق. 3- القول الاجتهادي المخالف للقرآن والحديث: وهناك الأقوالُ الاجتهادية المخالِفة لصريح القرآن وصحيح السنة، وقد يُتصوَّر هذا من بعض المجتهدين والأئمة لأسباب كثيرة جدًا؛ منها: النسيان، والغفلة عن النَّص، ومنها: تأويله بغير معناه الحقيقي، أو معارضته بما يظنه أقوى منه، أو ظنه أنه منسوخ... إلى غير ذلك من الأسباب الكثيرة، وقد يقع العالمُ المجتهد في مخالفته النصَّ بزلَّة من الزلاَّت؛ فإن العصمة منفيَّةٌ إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا الخلافُ يُعذَر قائلُه إذا كان مجتهدًا متحرِّيًا للحق، ويؤجر أجرًا واحدًا، ولا يجوز لأحد استبانَت له السنة، وعرف الحقَّ أن يقلِّده فيه. 4- اختلاف الأقوال الاجتهادية في الأمور العارية عن الدليل: والخلاف الرابع وهو أخف أنواع الخلاف هو اختلاف آراء المجتهدين فيما لا نصَّ فيه من أمور الدين، وهذا الخلاف يقع لاختلاف الفُهوم والعقول، والاطِّلاع والنظر، وليس هذا من الخلاف المذموم، ما لم يقع به فُرقةٌ في الدين، وتباغضٌ وتشاجر بين المسلمين. واجب المسلم إزاء الخلاف: 1- الاعتصام بالكتاب والسنَّة وإجماع الأمة، فهذه هي الأصول التي لا يتطرق إليها الخللُ ولا يعتريها النقص؛ قال تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ﴾ [آل عمران: 103]، وجعل اللهُ كتابَه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والجماعة عصمةً من الافتراق، ((ومن شَذَّ شذ في النار)). 2- وجوب الردِّ إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإذا وقع خلافٌ بين المسلمين وجب عليهم أن يردُّوا ما تنازعوا فيه إلى كلام الله وكلام رسوله، كما قال الله تعالى: ﴿ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ﴾ [الشورى: 10]، وقال: ﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ [النساء: 59]. 3- وجوب الرِّضا بحكم الله وحكم رسوله، فيجب على المؤمن أن يرضى بحكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يخرج عن ذلك، كما قال تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ﴾ [النساء: 65] الآية. 4- وجوب مجانبة الهوى والبغي؛ فأعظمُ الأسباب الموجِبة لمخالفة أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم هو الهوى والبغي، فالهوى يعمي ويصمُّ عن الحق، قال تعالى: ﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [ص: 26] الآية، فذكر سبحانَه وتعالى أن الهوى يصدُّ ويضل صاحبه عن سبيل الله، وقال تعالى ذاكرًا سببَ ترك الكفار للحق: ﴿ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ ﴾ [النجم: 23]، وقال: ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾ [القصص: 50]. وأما البغي؛ وهو العدوان والظلم والتحاسد والتباغض، فقد ذكر اللهُ سبحانه أنه كان سببَ الفُرقة في اتباع الأنبياء، قال تعالى: ﴿ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [البقرة: 213]، و{بَغْيًا} هنا مفعول لأجله؛ أي: لأجل البغي. 5- إقرار المخالِف في الأمور الاجتهادية إذا لم يظهر رجحان الرأي الآخر. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "وقد اتفق الصحابةُ في مسائلَ تنازعوا فيها على إقرار كلِّ فريق للفريق الآخر على العمل باجتهادهم؛ كمسائلَ في العبادات، والمناكح والمواريث، والعطاء والسياسة وغير ذلك"، وقال أيضًا رحمه الله تعالى: "وقد تنازع الصحابةُ في مسائلَ علمية اعتقادية؛ كسماع الميِّت صوتَ الحي، وتعذيب الميت ببكاء أهله، ورؤية محمد ربَّه قبل الموت، مع بقاء الجماعة والأُلفة". 6- لا إنكار فيما يسوغ فيه الاجتهاد مما لا يخالف نصًّا من كتابٍ أو سنة أو إجماع. وقد سئل شيخ الإسلام رحمه الله تعالى عمَّن ولي أمرًا من أمور المسلمين ومذهبه لا يُجَوِّز "شركةَ الأبدانِ"[7]، فهل يجوز له منعُ الناس؟ فقال رحمه الله: "ليس له منعُ الناس من ذلك، ولا من نظائره مما يسوغ فيه الاجتهاد، وليس معه بالمنع نصٌّ من كتاب ولا سنة ولا إجماع، ولا ما هو في معنى ذلك، لا سيما وأكثرُ العلماء على جواز مثل ذلك، وهو مما يَعمل به عامةُ المسلمين في عامة الأمصار"[8]؛ اهـ. وإذا تمَّ الاتفاق بينهم على ذلك، فما تقبَّله أحدُهم من عملٍ لزم بقيةَ الشركاء فعلُه، فيطالب كل واحد بما تقبَّله شريكه من أعمال؛ لأن هذا هو مقتضاها[9]. الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى من أجِلَّة العلماء: ومن أئمة العلم والفضل: الأئمة الأربعة[10] أصحاب المذاهب المتبوعة رحمهم الله تعالى وأجزلَ مثوبتَهم، وقد كانوا مع جلالة قدرهم وسَعة عِلمهم ينهَون الناسَ عن تقليدهم، وقد أمَروا إذا رأَوا دليلاً في الكتاب أو السنة يُعارض قولَهم أن يأخذوا بما دلَّ عليه الكتاب والسنة ويدَعوا أقوالَهم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: وليُعلَم أنه ليس أحدٌ من الأئمة المقبولين عند الأئمة قَبولاً عامًّا يتعمَّد مخالفةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من سُنَّته دقيقٍ ولا جليل؛ فإنهم متفقون اتفاقًا على وجوب اتباع الرسول، وعلى أن كلَّ أحد من الناس يُؤخذ من قوله ويُترك إلا رسول الله، ولكن إذا وُجد لواحدٍ منهم قولٌ قد جاء حديثٌ صحيح بخلافه فلا بدَّ له من عذر في تركه. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |