بر الوالدين كفارة للكبائر - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          النقد العلمي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          لماذا يشعر بعض المسلمين أحيانا بثقل بعض الأحكام الشرعية وعدم صلاحيتها؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          وحدة الأمة الإسلامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          التراجم: نماذج من المستشرقين المنصِّرين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 17 - عددالزوار : 8483 )           »          أبرز المعالم التاريخية الأثرية والدينية في قطاع غزة كتاب الكتروني رائع (اخر مشاركة : Adel Mohamed - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 581 - عددالزوار : 304806 )           »          الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-(سؤال وجواب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 45 - عددالزوار : 37723 )           »          هل الخلافة وسيلة أم غاية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28-11-2019, 03:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,121
الدولة : Egypt
افتراضي بر الوالدين كفارة للكبائر

بر الوالدين كفارة للكبائر



الشيخ محمد كامل السيد رباح








الحمد لله رب العالمين ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:

فيا عباد الله: اتقوا الله -عز وجل- والتزموا حدوده التي حدها، واحذروا من تضييع فرائضه وارتكاب مساخطه، ألا وإن مما فرضه ربكم -عز وجل- وأكد عليه وبالغ في الأمر بالاهتمام به والعناية به وأعلى سبحانه من منزلته ورفع شأنه ودرجته: بر الوالدين؛ هذه العبادة العظيمة وهذه القربة العظيمة، التي لها في دين الله -عز وجل- القدر المعلى، والنصيب الأوفى من الأوامر والنواهي، بل هذا الجانب الإنساني الذي يقدره أهل الفطر السوية، والقلوب السليمة، والنفوس الصحيحة، وإن لم يكونوا أهل إسلام.

لو لم يرد في دين الله -عز وجل- الأمر ببر الوالدين لكانت المروءة الإنسانية والفطرة البشرية داعية إلى البر بهما، وموجبة ذلك لهما. وإن مما يدعو للحديث عن هذا الموضوع المهم ما يلحظ في أوساط المجتمع من قِبل فئة من الناس ضعفت التقوى عندهم، وانعدمت الشفقة في نفوسهم، وزالت الرأفة من قلوبهم، فتنكروا لوالديهم وعقوهم بأبشع أنواع العقوق، ما بين فترة وأخرى يسمع المرء قصة أو حادثة تنبئ عما وصل إليه كثير من الناس في عقوقهم لوالديهم من انحطاط عظيم.

تعريف البر:
من معاني البر في اللغة:
الخير والفضل والصدق والطاعة والصلاح وفي الاصطلاح:
يطلق في الأغلب على الإحسان بالقول اللين اللطيف الدال على الرفق والمحبة، وتجنب غليظ القول الموجب للنفرة، واقتران ذلك بالشفقة والعطف والتودد والإحسان بالمال وغيره من الأفعال الصالحات

قيل للحسن: ما برِ الوالدين؟ فقال: تبذل لهما ما ملكت، وتطيعهما فيما أمراك، ما لم يكن معصية وذكر أبو اللّيث السّمرقنديّ: «أنّ من حقوق الوالد على ولده أن يطعمه إذا احتاج إلى طعمة، ويكسوه إذا قدر» قال معاوية بن إسحاق عن عروة بن الزبير - رحمهم الله ورضي عنهم - أنه قال: ما برَّ والده من شدَّ الطرف إليه.

أيها الإخوة في الله: إن من له أدنى علاقة بكتاب الله - عز وجل - وسنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ليلحظ ذلك الكم الهائل من نصوص القرآن والسنة التي تحث على بر الوالدين، وتنهى عن عقوقهما، وليس المقام مقام حصر واستيفاء، وإنما الغرض الإشارة إلى طرف من هذه النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي تذكر وتؤكد هذا الحق العظيم، لعلها تكون موقظة عند من ابتلي بكبيرة العقوق.

كثيرًا ما يقرن الله - عز وجل - الأمر بطاعة الوالدين بعبادته - سبحانه وتعالى - كما في قوله تعالى: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [النساء: 36]، وكما في قوله: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء: 23].

وفي هذا الاقتران ما يدل على تعظيم شأن بر الوالدين، بل كثيرًا ما يوصي الله -عز وجل- بالإحسان إلى الوالدين كما في قوله تعالى: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ﴾ [لقمان: 14]، وقوله سبحانه: ﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [البقرة: 83]، وقوله - عز وجل -: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا [الأحقاف: 15].

بل قرن الله - عز وجل - في كتابه الكريم شكر الوالدين بشكره سبحانه، فقال -عز وجل-: ﴿ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [لقمان: 14]، فأمر الله تعالى الولد بشكر الوالدين، وقرن شكرهما بشكره سبحانه، وهذا والله غاية عظيمة في الوصاية بالوالدين.

كيف يقرن الخالق - عز وجل - الأمر بشكره بالأمر بشكر الوالدين؟! وإنما كان ذلك كذلك في حق الوالدين لأنك إذا تأملت فستجد أنهما السبب في وجودك، ثم من حين استقرار النطفة في قرارها إلى أن تولد وهم في حرص عليك، فالحديث كله من قِبل أبيك لأمك: إياكِ، إياكِ، حذرًا على النطفة، ثم يتأهبان لتربيتك وجلب المنافع إليك ودفع المضار عنك، ولو تُرِكتَ بعد والدتك في الأرض أكلتك الهوام وعاقرتك الحشرات.

وأما ما جاء في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الحثّ على بر الوالدين، فهو كثيرٌ كثير، من ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف من أدرك والديه عند الكبر - أحدهما أو كلاهما - فلم يدخل الجنة". أي: رغم أنف من أدرك والديه في سن الكبر فلم يفعل معهما ما يوجب دخوله الجنة، بل عقهما وفعل معهما ما يوجب تعذيبه، وما يوجب سخط الله - تبارك وتعالى - وغضبه عليه. إلى غير ذلك من الأحاديث التي أكد فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أكده الله - عز وجل - في الآيات السابقة من كتابه - تبارك وتعالى- من التوصية ببر الوالدين.

وبر الوالدين يستمرّ في ذرية الإنسان وعقبِه من بعده؛ عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بروا آباءكم تبركم أبناؤكم، وعفّوا تعِف نساؤكم".

كذلك بر الوالدين يزيد في العمر، عن سهل بن معاذ - رضي الله عنه - أن رسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "من بر والديه طوبى له، زاد الله في عمره".

وليس بر الوالدين مقصورًا عليهما في الحياة فقط، بل يتعدى إلى ما بعد وفاتهما؛ ففي سنن أبي داود وفي صحيح ابن حبان عن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي - رضي الله عنه - قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جاء رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله: هل بقي علي من بر والدي شيءٌ أبرهما به بعد موتهما؟! قال: "نعم، الصلاة عليهما - يعني الدعاء لهما والاستغفار لهما -، وإنفاذ عهدهما، وصلة الرحم التي لا صلة لك إلا من قبلهما، وإكرام صديقهما"..

فاتقوا الله أيها المسلمون: اتقوا الله في الوالدين. فإن حقهما من أعظم الحقوق، وعقوقهما من أكبر الكبائر والآثام. واسمعوا رحمكم الله إلى نصيحة هذا الشاعر، حيث يوجه الأبناء تجاه والديهم، فيقول:
قضى الله أن لا تعبدوا غيره حتما
فيا ويح شخص غير خالقه أما

وأوصاكوا بالوالدين فبالغوا
ببرهما فالأجر في ذاك والرحما

فكم بذلا من رأفة ولطافة
كم منحا وقت احتياجك من نعما





وقال غيره:
لأمك حق لو علمت كبير
كثيرك يا هذا لديه يسير

فكم ليلةٍ باتت بثقلك تشتكي
لها من جواها أنةٌ وزفير





والسؤال المهم في هذه الخطبة: كيف نَبَر والدَينا أحياءً وأمواتًا؟!
هذه بعض الأفكار العملية في بر الوالدين:
أولاً: السمع والطاعة: فإذا أمرك والداك في غير معصية فطاعتهما واجبة، ولو منعاك من الجهاد في سبيل الله، كما ثبت في الأحاديث الصحيحة، إلا إذا تعين عليك الجهاد.

ثانيًا: التوقير والاحترام: قال تعالى: ﴿ فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا ﴾ [الإسراء: 23]، قال الهيثمي: "أي اللين اللطيف المشتمل على العطف والاستمالة، وموافقة مرادهما وميلهما ومطلوبهما ما أمكن، لا سيما عند الكبر...

ثالثًا: الدعاء لهما: اجعل الدعاء لهما ملازمًا لك، تذكرهما في سجودك، في وترك، في دعائك المطلق، ادع لهما بالرحمة، بالمغفرة، بالعافية، بالهداية والصلاح، بطول العمر على الطاعة، بحسن الخاتمة، بدخول الجنة والنجاة من النار، بأن يجزيهما عنك خير الجزاء.

رابعًا: الترويح عنهما وإدخال السرور عليهما: يمكنك أخذهما في رحلة برية، إلى مكان جميل، إلى جولة داخل المدينة، زيارةِ بعض الأقارب، زيارةِ بعض الأحياء القديمة أو المناطق الأثرية، زيارةِ منزلكم القديم، جيرانِكم السابقين.

خامسًا: مدحهما والثناء عليهما: امدح والديك في حضورهما، افتخر بهما، تشرف بالانتساب إليهما، إن نجحت في دراستك فقل: هذا النجاح بفضل الله ثم تربية الوالد والوالدة، إن وُفقت في عمل أو زواج، أو ترقيت في وظيفة أو رزقت بمال فقل: هذا بتوفيق الله ثم دعاء الوالد والوالدة، إذا رأيتهما فقل: الحمد لله أن رزقني والدين مثلكما، ولا تستحيي ولا تتحرج من إدخال السرور عليهما بمثل هذه الكلمات اللطيفة.

سادسًا: مشاورتهما وتقديم رأيهما: شاورهما وخذ برأيهما، واعلم أن فيه الخير والبركة، شاورهما في اختيار تخصصك الجامعي، واختيار الزوجة، والسكن، وأسماء الأولاد، ونوع السيارة، واختيار الوظيفة، وسترى التوفيق بإذن الله.

سابعًا: الصدقة عنهما: في حياتهما وبعد موتهما، بالتبرع لهما استقلالاً، أو إشراكهما في أجر الصدقات، وبناء المساجد، وحفر الآبار، وطباعة المصاحف، والأوقاف الخيرية العامة ولو بالقليل.

قصص في بر الوالدين:
أحبابي في الله: إليكم هذه القصة وبدون مقدمات، ذكر أن أمية الكناني كان عنده ولد اسمه كلاب، وكان شابا صالحا، وحين سمع أن الجهاد أفضل الأعمال في الإسلام، ذهب إلى عمر بن الخطاب، وقال له: أرسلني إلى الجهاد، قال عمر: أحي والداك؟

قال: نعم، قال: فاستأذنهما، فاستأذنهما وبعد إلحاح شديد، وافقا على مضض، فقدا وحيدهما وكان شديد البر بهما، يؤنسهما ويساعدهما في كل شؤونهما، ذهب كلاب إلى الجهاد، ومرت الأيام على الأبوين بطيئة ثقيلة، وما لبِث أن اشتد الشوق بالوالد. فصار البكاء رفيقه في ليله ونهاره، وذات يوم جلس أمية تحت شجرة، فرأى حمامه تُطعم فراخها فجعل ينظر، وينشد:
لمن شيخان قد نشدا كلابا
كتاب الله لو عقلا الكتابا

تركت أباك مرعشة يداه
وأمك لا تسيغ لها شرابا


ثم اشتد حزنه على ولده، وطال بكاؤه حتى أصابه ما أصاب يعقوب عليه السلام، فابيضت عيناه من الحزن، وفقد بصره، وصار لا يفتر عن ذكر ولده، ومن شدة ما في قلبه أخذ يدعو على عمر بن الخطاب، ويقول شعرًا:
أعاذل قد عذلت بغير علم
وما تدرى أعاذل ما ألاقي

إن الفاروق لم يردد كلابا
على شيخين سامهما فراق





فما كان من أحد أصحابه إلا أخذ بيده حتى أقبل به على حلقة عمر بن الخطاب وأجلسه فيها، وهو لا يدرى، ثم قال له صاحبه: يا أبا كلاب، قال: نعم، قال: أنشدنا من أشعارك، ولشدة تعلقه بولده، فإن أول ما تبادر إلى ذهنه:
إن الفاروق لم يردد كلابا
على شيخين سامهما فراق

سأستعدى على الفاروق ربا
له دفع الحجيج إلى بساق





فقال عمر: من هذا؟ قالوا: هذا أميه الكناني قال عمر: فما خبره؟ قالوا: أرسلت ولده إلى الثغور، قال: ألم يأذن؟ قالوا: أذن على مضض.

فوجه عمر من فوره أن ابعثوا إلى كلاب ابن أمية الكناني على وجه السرعة، فلما مثل كلاب بين يدي عمر، قال له: اجلس يا كلاب، فلما جلس قال له عمر: ما بلغ من برك بأبيك يا كلاب؟ قال: والله يا أمير المؤمنين، ما أعلم شيئا يحبه أبى إلا فعلته قبل أن يطلبه منى، ولا أعلم شيئا يبغضه أبى إلا تركته قبل أن ينهاني عنه، قال عمر: زدني..

قال: يا أمير المؤمنين والله إني لا آلوه جهدي برًا وإحسانًا، قال عمر: زدني، قال كلاب: كنت إذا أردت أن أحلب له آتى من الليل إلى أغزر ناقة في الإبل ثم أنيخها وأعقلها حتى لا تتحرك طوال الليل، ثم استيقظ قبيل الفجر فاستخرج من البئر ماء باردًا، فاغسل ضرع الناقة حتى يبرد اللبن، ثم احلبه وأعطيه أبى ليشرب، قال عمر: عجبًا لك، كل هذا لأجل شربة لبن، فافعل لي كما كنت تفعل لأبيك، قال كلاب: ولكني أود الذهاب إلى أهلي يا أمير المؤمنين، قال عمر: عزمت عليك يا كلاب، فمضى كلاب إلى الناقة فحلب وفعل كما كان يفعل لأبيه، ثم أعطى الإناء لعمر بن الخطاب، قال عمر لمن حوله: خذوا كلاب فادخلوه في هذه الغرفة وأغلقوا عليه الباب.

ثم أرسل عمر إلى الشيخ ليحضر، فاقبل يقاد لا يعلم ما يُراد به، فإذا شيخ واهن، قد عظم همه واشتد بكاؤه وطال شوقه، يجر خطاه جرًا، حتى وقف على رأس أمير المؤمنين، فسأله الفاروق يا أمية: ماذا بقى من لذاتك في الدنيا؟ قال: ما بقى لي من لذة يا أمير المؤمنين، قال عمر: فما تشتهى؟ قال أمية: اشتهي الموت، قال عمر: أقسمت عليك يا أمية إلا أخبرتني بأعظم لذة تتمناها الآن قال أمية: أما وقد أقسمت علي، فإني أتمنى لو أن ولدى كلابا بين يدي الآن أضمه واشمه وأقبله قبل أن أموت، قال عمر: فخذ هذا اللبن لتتقوى به، قال أمية: لا حاجة لي به يا أمير المؤمنين، قال عمر: أقسمت عليك يا أمية إلا شربت من هذا اللبن، فلما أخذ الإناء وقربه من فمه، بكى بكاءً شديدًا، وقال: والله إني لأشم رائحة يدي ولدى كلاب في هذا اللبن، فبكى عمر حتى جعل ينتفض من بكائه، ثم قال: افتحوا الباب، فاقبل الولد إلى أبيه فضمه أبوه ضمة شديدة طويلة، وجعل يقبله تارة، ويشمه تارة، وجعل عمر رضي الله عنه يبكي، ثم قال: إن كنت يا كلاب تريد الجنة، فتحت قدمي هذا.

عن أنس بن النضر الأشجعي: استقت أم ابن مسعود ماء في بعض الليالي، فذهب فجاءها بشربة، فوجدها قد ذهب بها النوم، فثبت بالشربة عند رأسها حتى أصبح.

جاء رجل إلى عمر رضي الله عنه فقال: إن لي أمًا بلغ بها الكبر، وإنها لا تقضي حاجتها إلا وظهري مطية لها، وأوضؤها، وأصرف وجهي عنها؛ فهل أديت حقها؟ قال: لا، قال: أليس قد حملتها على ظهري، وحبست نفسي عليها؟ فقال عمر رضي الله عنه: إنها كانت تصنع ذلك بك، وهي تتمنى بقاءك، وأنت تتمنى فراقها.

عن أُسير بن عمرو ويقال ابن جابر قال: كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم: أفيكم أويس بن عامر حتى أتى على أويس -رضي الله عنه-، فقال له: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم، قال: من مراد ثم من قرن؟ قال: نعم، قال: فكان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم، قال: لك والدة؟ قال نعم، قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: " يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن؛ من مراد، ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره؛ فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل "، فاستغفِرْ لي، فاستغفَرَ له، فقال له عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة، قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟ قال: أكون في غبراء الناس أحبَّ إليَّ، فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم فوافق عمر، فسأله عن أويس، فقال: تركتُه رثَّ البيت قليلَ المتاع، قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: " يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن؛ من مراد، ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره؛ فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل " فأتى أويسًا، فقال: استغفر لي، قال: أنت أحدث عهدًا بسفر صالح فاستغفر لي؟ قال لي: لقيت عمر؟ قال: نعم فاستغفر له، ففطن له الناس، فانطلق على وجهه. رواه مسلم.

من فوائد (بر الوالدين):
1- من كمال الإيمان وحسن الإسلام.
2- من أفضل العبادات وأجلّ الطّاعات.
3- طريق موصّل إلى الجنّة.
4- الزّيادة في الأجل والنّماء في المال والنّسل.
5- رفع الذّكر في الاخرة وحسن السّيرة في النّاس.
6- من برّ آباءه برّه أبناؤه والجزاء من جنس العمل.
7- برّ الوالدين يفرّج الكرب.
8- من حفظ ودّ أبيه لا يطفأ اللّه نوره.
نسال الله عز وجل البر بوالدينا


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 65.01 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 63.34 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.57%)]