
16-07-2020, 03:04 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,064
الدولة :
|
|
الحث على ذكر الله والتحذير من الإعراض عنه
الحث على ذكر الله والتحذير من الإعراض عنه
الشيخ صالح بن عبدالرحمن الأطرم
الحمد لله الواحد القهار، يذكر مَن يذكره ويجعله مع الأبرار، ويذكره في الملأ الأخيار، أحمده سبحانه وأشكره، وقد تأذَّن بالزيادة للشاكرين الذاكرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ [الأحزاب: 41، 42]، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أفضل الذاكرين والشاكرين، والمحذِّر مَن أعرض عن ذِكْر رب العالمين، اللهم صلِّ وسلم وزِد وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وجميع أتباعه، الذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم.
أما بعد، فأيها الناس:
اتقوا الله، ولازِموا ذِكْر الله، واحذروا من الإعراض عنه؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا * وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا * وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا ﴾ [الكهف: 57-59]، لما حكى الله - سبحانه وتعالى - عن الكفار جدالهم بالباطل مبيِّنًا هدفَهم، وهو إدحاضهم الحق، وبيَّن استهزاءهم بآيات الله وبرسل الله المبشِّرين المنذِرين والدعاة إلى الحق وإلى الهدى وإلى إنقاذ البشرية من الهَلَكة إلى النجاة، وصَف الله - سبحانه وتعالى - هؤلاء في هذه الآية التي سمعناها بالصفات الموجِبة للهلاك والخِذلان؛ كل ذلك تحذيرًا لنا عن سلوك طريقهم واستحسان فِعالهم، عِلمًا بأن هذه الصفات ناتجة عن الإعراض عن آيات الله لمَّا ذُكِّروا بها، ومعنى ذُكِّر: وُعِظ وخُوِّف وبُشِّر بالسعادة، وأُنذِر عن الشقاوة، والآيات يراد بها: السمعية؛ أي: التي تسمع في الآذان وتعي القلوب معانيها، ويراد بالآيات أيضًا: الكونيَّة الدالة على قدرة الله المحسوسة كالسموات والأرضين، والبحار والنجوم والجبال، والشجر والدواب، فالقادر على خلْق هذه الأشياء هو المستَحِق للوفاء والعبادة والسمع والطاعة، وهذه لا تَصدُر إلا ممن نفعت فيه الذكرى، ووقعت الموعظة من قلبه موقعها، والمُعرِض عن ذلك هو المعنيُّ بهذه الآية والمستحق لهذه الصفات والنتائج، ومعنى الإعراض؛ أي: الترك والتولي والصدود، وعدم العمل والاستماع.
والمُعرِض: يسمع وكأنه لا يسمع، ويُبصِر وكأنه لا يرى، فلا وقْع للآيات القرآنية في قلبه كالصفاة لا يَقِر عليها الماء، وكأن هذه المخلوقات عند المُعرِض ليس لها خالق، والأوامر ليس لها مَن يأتمر، والمنهيات ليس لها من ينتهي، ونتائج الإعراض وخيمة، ومنها:
• وصف المُعرِض بالظلم؛ إذ لا أظلم منه لنفسه بارتكابه المعاصي، واستهزائه بالله، واستغنائه عن ذِكْر الله، وقولُه: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ ﴾ أي: لا ظُلْم أعظم مِن كُفْر مَن تَرِد عليه الآيات فأعرض عنها، ﴿ وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ﴾ [الكهف: 57] من أعمال العصيان والكفر، مع أن الله تعالى لم يُغفِله ﴿ أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ ﴾ [المجادلة: 6]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ﴾ [مريم: 64]، ﴿ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى ﴾ [طه: 52]، ولا حسرة أعظم من حسرة مَن فرَّط في جَنبِ الله؛ ظنًّا منه عدم المؤاخذة، وحينئذٍ لا تنفعه مقالته: ﴿ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴾ [الزمر: 56]، والنسيان يُراد به: التغافل، والتشاغل، والتساهل، والترك، فإن مَن ترَك الأمر بغيًا وعدوانًا وعصيانًا، ينسى ما تَعمَل جوارحه؛ فيُصِر على عمله ولا يتوب منه.
• ومن نتائج الإعراض: جعلُ الأَكِنَّةِ على القلوب، والوَقْر في الآذان عن سماع الحق والتفقه فيه؛ وذلك عقوبة على إعراضهم ورجوعِهم عن الصراط المستقيم، ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا ﴾ [الكهف: 57].
• ومن نتائج الإعراض: أنه نفى الاهتداء عنهم؛ لعِلْمه بشقاوتهم، قال تعالى: ﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ [الأنفال: 23].
• ومن نتائج الإعراض عن ذِكْر الله: انتقام الله منهم؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ ﴾ [السجدة: 22].
• ومن نتائج الإعراض عن ذلك: ضَنْك المعيشة في الحياة ماديًّا ومعنويًّا، والعمى في الآخرة ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 124].
• ومن نتائج المُعرِضين: تشبيههم بالبهائم المتوحِّشة المُنزعِجة من الرماة؛ قال تعالى: ﴿ فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ﴾ [المدثر: 49-51].
• ومن نتائج الإعراض الوخيمة: توقُّع العقوبة العاجلة من صيحة أو صاعقة أو ريح أو غيرها؛ قال تعالى: ﴿ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ﴾ [فصلت: 13].
• ومن النتائج الوخيمة للإعراض: أن الله يسلك صاحبه عذابًا صَعَدًا؛ أي: شديدًا بليغًا، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا ﴾ [الجن: 17].
• ومن النتائج السيئة للإعراض: تقييد قرناء السوء من الشياطين للمُعرِضين عن ذِكْر الله؛ ليَصُدوهم عن الطريق المستقيم، وعن السبيل القويم؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ﴾ [الزخرف: 36]، والنتائج السيئة والعواقب الوخيمة على من أعرض عن ذِكْر الله أكثر من أن تُحصَر، ويكفي ما ذُكِر لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 124].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|