الفتوى: آدابها، خطورة التجرؤ عليها - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 13610 - عددالزوار : 737095 )           »          العز بن عبد السلام (سلطان العلماء وبائع الملوك والأمراء) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          أبعاد التشويه التاريخي للدولة الأموية (أسباب ودوافع – أمثلة وردود) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 181 - عددالزوار : 56191 )           »          الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-(سؤال وجواب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 50 - عددالزوار : 39419 )           »          شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 60 - عددالزوار : 32783 )           »          اشتراط الحول والنصاب في الزكاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          لا أحد أحسن حكما من الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          دلالة السنة والنظر الصحيح على أن الأنبياء عليهم السلام هم أفضل البشر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة
التسجيل التعليمـــات التقويم

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19-09-2020, 03:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,746
الدولة : Egypt
افتراضي الفتوى: آدابها، خطورة التجرؤ عليها

الفتوى: آدابها، خطورة التجرؤ عليها


كمال عبدالمنعم محمد خليل




الفتوى هي الإبانة والتوضيح لِما هو مبهَم وغير واضح، وهي الإجابة عن التساؤل، وهي تبين المشكل من الأحكام، والمفتي هو الذي يجيب الناس على أسئلتهم، ويبين لهم أحكام الله تعالى فيما يسألونه، والمستفتي هو طالبُ الفتوى مِن أهلها.



ولقد وردت كلمة الفتوى في كتاب الله تعالى في آيات، منها: قوله سبحانه وتعالى: ﴿ فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ ﴾ [الصافات: 11]، يعني: فاسأَلْهم سؤال تقرير، وقال جل جلاله: ﴿ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ﴾ [النساء: 176]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ ﴾ [النساء: 127]؛ أي: يسألونك سؤال تعلُّـم.



والمستفتي يسأل عن المسألة ليبرئ ساحةَ ذمته من المساءلة أمام الله تعالى فيما يريد الإقدامَ على فعله، حتى تطمئنَّ إليه نفسه، وما لم تطمئن إليه النفس من فتوى فلا ينبغي للمسلم أن يأخُذَ به، حتى يستشير ويستفتي ثانية؛ روى أبو يعلى في مسنده عن وابصة الأسدي رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أريد ألا أدَعَ شيئًا من البر والإثم إلا سألته عنه، فأتيته وحوله عصابة من المسلمين يستفتونه، فجعلت أتخطَّاهم إليه، فقالوا: إليك يا وابصة، فقلت لهم: دعوني أدنو منه؛ فإنه أحبُّ الناس إليَّ أن أدنوَ منه، فقال: ((دعُوا وابصة، ادنُ يا وابصة، ادنُ يا وابصة))، فدنوت فجلست بين يديه، فقال لي: ((يا وابصة، أتسألني أو أخبرك؟))، قلت: بل أخبرني يا رسول الله، قال: ((جئتَ تسألني عن البر والإثم؟))، قلت: نعم، فجمَع أنامله، ثم جعل ينكُتُ بهن في صدري، ويقول: ((يا وابصة، استفتِ قلبك، واستفتِ نفسك، استفتِ قلبك، واستفتِ نفسك، البرُّ ما اطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتَوْك)) ثلاث مرات.



وقد يتهاون البعضُ في أمر الفتوى، فيتصدى لها مِن غير أن يكون على درايةٍ وعلم بما يفتي فيه، فيكون بذلك قد ضلَّ وأضلَّ؛ فالفتوى في الدين لا بد أن تكونَ صادرة من أهل العلم والاختصاص، الذين أمَرنا الله تعالى أن نرجع إليهم عند تعسُّر الوصول إلى المعرفة؛ قال الله تعالى: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43]، والمفتي موقِّع عن الله رب العالمين؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: " ... فطاعةُ اللهِ ورسوله، وتحليل ما أحله الله ورسوله، وتحريم ما حرمه الله ورسوله، وإيجاب ما أوجبه الله ورسوله - واجبٌ على الثَّقَلين الإنسِ والجن، واجب على كل حال؛ سرًّا وعلانية، لكن لمَّا كان مِن الأحكام ما لا يعرفه كثيرٌ من الناس، رجع الناس في ذلك إلى من يعلِّمهم؛ لأنه أعلم بما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، وأعلم بمراده، فأئمة المسلمين الذين اتبعوهم وسائلُ وطرق وأدلة بين الناس وبين الرسول، يبلِّغونهم ما قاله، ويفهِّمونهم مرادَه بحسَب اجتهادهم واستطاعتِهم.."[1].



(2)

خطر الفتوى:

علَّم الله تعالى نبيه أن يقول: ﴿ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ﴾ [ص: 86]، وورَد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ((.. إن العلماءَ ورثةُ الأنبياء))[2]، هذا الفضل وتلك المنزلة لم تأتِ مِن فراغ، ولكن لِما يتحمله العلماء من أمانة التبليغ عن الله ورسوله، والفتوى ركنٌ ركين من هذا البلاغ؛ ورَد في الصحيحين عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "أيها الناس، مَن سُئل عن علم يعلَمه فليقل به، ومن لم يكن عنده علم فليقل: الله أعلم؛ فإن مِن العلم أن يقول لِما لا يعلم: الله أعلم"، وقال الإمام محمد بن المنكدر ـ رحمه الله ـ: "إن العالم بين الله تعالى وبين خَلْقه؛ فلينظُرْ كيف يدخل بينهم!"[3]، روى الدراميُّ في سننه عن أبي موسى رضي الله عنه أنه قال في خطبته: "مَن علِم علمًا فليعلِّمْه الناس، وإياه أن يقول ما لا علم له به، فيمرُقَ مِن الدِّين، ويكون من المتكلفين"، من هنا تكمن خطورة الفتوى؛ لذلك هاب الفتوى أكابرُ العلماء، على الرغم من علمهم الوفير، وعملهم بهذا العلم، ولم تدفعهم شهرتهم الواسعة إلى التجرؤ على الفتوى، فلا يتحرج أحدهم من قول: لا أدري إن كانت المسألة معضِلة، أو يؤخر الجواب إلى حين البحث عنها، روى الإمام ابن المبارك في الزهد بسند صحيح عن عبدالرحمن بن أبي ليلي قال: "أدركتُ عشرين ومائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - أراه قال: في هذا المسجد - فما كان منهم محدِّث إلا ودَّ أن أخاه كفاه الحديث، ولا مُفْتٍ إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا" [4]، ورَوى - بسند صحيح - أن ابن عمرَ رضي الله عنهما سُئل عن شيء، فقال: "لا أدري"، ثم أتبعها، فقال: "أتريدون أن تجعَلوا ظهورنا لكم جسورًا في جهنَّم، أن تقولوا: أفتانا ابنُ عمرَ بهذا"، وهذا شأنُ أهل العلم والفضل، المشهودِ لهم بالإمامة في العلم والدين، قال الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة رضي الله عنه: "ما أفتيتُ حتى شهِد لي سبعون أنِّي أهل لذلك"، وورد عن أبي حصين عثمان بن عاصم ـ رحمه الله تعالى ـ قوله: "إن أحدَكم ليُفتي في المسألة، ولو وردَتْ على عمر رضي الله عنه لجمَع لها أهل بدرٍ"[5]، وذكر الحافظ أبو عمر بن عبدالبر الأندلسي عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنهم ـ: أن رجلًا جاءه ليسأله عن مسألة، فقال القاسم: لا أُحسِنه، فقال الرجل: إني لا أعرف أحدًا غيرك، فقال القاسم: لا تنظر إلى طول لحيتي، وكثرة الناس حولي، والله ما أُحسِنه، فقال شيخ من قريش كان جالسًا: يا بنَ أخي، الزَمْها؛ فوالله ما رأيتك في مجلس أنبلَ منك اليوم، قال القاسم: والله لأن يُقطَعَ لساني أحبُّ إليَّ مِن أتكلم بما لا علم لي به[6]، ورُوي عن الشافعي ـ رحمه الله ـ أنه سئل عن مسألة فسكَت، فقيل له: ألا تُجيب رحمك الله؟، فقال: حتى أدري الفضل في سكوتي أم في الجواب![7]، وكان الإمام أحمدُ بن حنبل ـ رحمه الله ـ على غزارة علمه يستفتى، فيُكثر مِن قول: لا أدري.



مهمة ثقيلة:

إن الذي يعرِّض نفسه للفتوى لا بد أن يعلم يقينًا أنه سيحاسب عن كلِّ ما يتكلم به، فإذا أفتى بغير علم، أو أفتى بخلاف ما هو صواب، لهوًى، أو لغرَضٍ، أو لتحقيق دنيا عاجلة - إنما يُقحِم نفسه في الويل والهلاك.



(3)

فالإفتاء بغير علمٍ حرامٌ، ومن الكبائر؛ لأنه يتضمنُّ الكذبَ على الله تعالى ورسوله، ويتضمن إضلال الناسِ؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 33]، فقرَن سبحانه وتعالى القولَ على الله بغير علم بالفواحش والبغيِ والشِّرك.



وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله لا يقبِضُ العلم انتزاعًا ينتزعه مِن العباد، ولكن يقبض العلمَ بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبْقِ عالمًا، اتخذ الناسُ رؤوسًا جهَّالًا، فسُئلوا، فأفتَوا بغير علم؛ فضلُّوا وأضلُّوا))، وروى أبو داودَ في سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن أُفتِيَ بغير علم، كان إثمُه على مَن أفتاه))، و قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: "مَن أفتى الناسَ وليس بأهلٍ للفتوى، فهو آثِمٌ عاصٍ، ومَن أقرَّه مِن ولاة الأمور على ذلك فهو آثِمٌ أيضًا".



قال ابن قيِّم الجوزية ـ رحمه الله ـ: ".. ويلزمُ وليَّ الأمر منعُهم كما فعل بنو أمية، وهؤلاء بمنزلة مَن يدل الرَّكْب وليس له علم بالطريق، وبمنزلة الأعمى الذي يرشد الناس إلى القِبلة، وبمنزلة مَن لا معرفة له بالطب وهو يطُبُّ الناس، بل هو أسوأ حالًا مِن هؤلاء كلهم! وإذا تعين على وليِّ الأمر منعُ مَن لم يُحسِن التطبيب من مداواة المرضى، فكيف بمن لم يعرف الكتاب والسنَّة ولم يتفقه في الدين؟"[8]، وإنك لتعجَب كل العجب ممَّن يبحث عن الطبيب الحاذق ليعالجه، والمهندس الماهر ليرسم له ويخطط، والمحامي حاضر الذهن ليدافع عنه، أما إذا تعلق الأمر بالدين فالتساهل يكون سائدًا، وتتبُّع الرُّخَص يكون هو الغالبَ.



شروط المفتي:

ذكَر العلماء شروطًا لا بد أن تتوفر فيمَّن يتصدى للإفتاء، منها:

أولًا: المعرفة الجيدة باللغة العربية وقواعدها؛ فإن شريعةَ المصطفى صلى الله عليه وسلم متلقَّاها ومستقاها الكتاب والسنَّة، وآثار الصحابة ووقائعهم، وأقضيتهم في الأحكام، وكلها بأفصحِ اللغات، وأشرف العبارات؛ فلا بد مِن الارتواء باللغة العربية؛ فهي الذريعةُ لمداركِ الشريعة.



ثانيًا: ما يتعلَّقُ بأحكام الشريعة مِن آيات الكتاب، والإحاطة بناسخها ومنسوخها، عامِّها وخاصِّها، وتفسير مجملاتها؛ فإن مرجعَ الشرع وقُطْبَه الكتابُ العزيز.



ثالثًا: معرفة السنن؛ فهي القاعدةُ الكبرى؛ فإن معظمَ أصول التكاليف متلقًّى مِن أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله، وفنون أحواله، ومعظم آي الكتاب لا يستقلُّ دون بيان الرسولِ صلى الله عليه وسلم، ولا يمكن الاعتمادُ على السُّنن إلا بالتبحُّر في معرفة الرجال، والعلم بالصحيح من الأخبار والسقيم منها، وأسباب الجرح والتعديل، وما عليه التعويلُ في صفات الإثبات مِن الرواة، والثقات، والمسنَد والمرسَل.



رابعًا: معرفة مذاهب المتقدِّمين من الفقهاء؛ حتى لا تتعارض فتواه مع ما تقدم من إجماعٍ مِن قِبَل هؤلاء الفقهاء.

خامسًا: الإحاطة بطرق القياس، ومراتب الأدلة.

سادسًا: الورَع والتقوى؛ لأن الفاسقَ لا يوثَق بأقواله، ولا يعتمد في شيء مِن أحواله[9].



(4)

ولصعوبة تلك الشروط وشدَّتها، ينبغي على كل مَن يستسيغ أمر الفتوى أن يفكِّرَ ألف مرة قبل أن يُقدِمَ على هذا الصنيع؛ فإنه ليس أمرًا عاديًّا كما يتخيلُ البعض، ولا تنفع فيه المعرفةُ السطحية ببعض أمور الدين؛ إذ لا بدَّ فيه مِن التمييز بين القشر واللُّباب.



آداب المفتي:

ينبغي على مَن حمَّله الله تعالى أمانةَ الفتوى أن يراعيَ بعض الآداب الهامة وهو يؤدي رسالته، وهذه الآداب تتمثل في الآتي:

أن يطَّلِع جيدًا على السؤال المطلوب الإجابة عليه.



إن كانت المسألة فيها تفصيل فلا يطلِق إجابته؛ أي: لا يعممها، وعليه أن يوضح الجزئية التي يسأل عنها السائلُ، ويكتفي بذلك إن كان أوقَعَ للسائل وأفيدَ، ويمكن أن يفصل ويبين حكم كل قسم من أقسام المسألة.



أن يحسِن إلى المستفتي (طالبِ السؤال)، ويترفَّقَ به، خاصة إن كان بطيء الفهم، وأن يصبر عليه حتى يعلَم مرادَه مِن سؤاله، وأن يجيب عليه بتُؤَدة ورويَّة.



يُستحبُّ للمفتي أن يستشير أهلَ العلم مثله، خاصة في المسائل الدقيقة؛ حتى تكونَ فتواه قويةً، وهو بذلك يقتدي بالسلف الصالح، ولا ينقص هذا مِن قدر المفتي شيئًا.



إن كانت إجابتُه على الفتوى مكتوبة، فلا بد أن تكون بخط واضح، وبعبارات لا تحتمل رأيينِ، يفهمُها العامة، ولا يزدريها الخاصة.



يستحب للمفتي أن يبدأ فتواه بالاستعاذة بالله، أو بالحمد لله، أو يصدر فتواه بقوله تعالى: ﴿ سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [البقرة: 32]، أو بقوله تعالى: ﴿ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي ﴾ [طه: 25 - 28]، وأن يختِمَ فتواه بالقول: والله أعلم، أو: والله الموفِّق.



على المفتي ألا يهضِمَ حقَّ الخَصم في فتواه.



كذلك هناك جملةٌ مِن الآداب لا ينبغي أن يُغفِلَها المفتي، منها: عدم التسرُّع في الإجابة قبل النظر والفكر، وأن يرجع في فتواه إن تبين خطؤه؛ فالمؤمنُ رجَّاٌع إلى الحق دائمًا، وأن يُمسِكَ عن الفتوى إن كان في حالة لا تسمَحُ له بالفتيا؛ مثل: الغضب، والمرض، والملَل، والنُّعَاس، والتعجُّل، ومدافعة الأخبثينِ، وألا يميل في فتواه إلى مذهبه إن كان مرجوحًا[10].



آداب المستفتي:

على المستفتي أن يبذُلَ جهدًا في الوصول إلى مَن يطمئنُّ إلى فتواه، وقد ورد عن الصحابة سفرُهم المسافاتِ الطويلة بحثًا عمَّن يحمِل العلم الصحيح النافع؛ فقد روى الترمذيُّ في سننه عن جابر، قال: سمعتُ بسر بن عبيدالله يقول: إن كنتُ لأركب إلى مصرٍ مِن الأمصار في الحديث الواحد لأسمعه، وعن أبي العاليةِ قال: كنا نسمعُ الرواية بالبصرةِ عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم نرضَ حتى ركِبْنا إلى المدينةِ فسمِعْناها.



(5)

مِن أفواههم.

جابر بن عبدالله، قال: بلَغني عن رجلٍ حديثٌ سمعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاشتريتُ بعيرًا، ثم شددتُ رحلي فسِرْتُ إليه شهرًا حتى قدمت الشام، يعني يسأله عن هذا الحديث.



بالنسبة للعامي، قال النووي: إن العاميَّ لا مذهب له؛ لأن المذهبَ لعارفِ الأدلة، فعلى هذا أن يستفتيَ مَن شاء من حنفي وشافعي وغيرهما، ويعمل بما يفتيه به أيُّ واحد منهم.



إذا اختلَف على العاميِّ فتوى مفتيَيْنِ - أي ممن توجد فيهم شروط أهل الفتوى - ففيه خمسةُ أوجه للأصحاب، الصحيح منها: أنه يتخيَّرُ فيأخذ بقول أيهما شاء، وهو الصواب[11].



إذا لم يكُنْ في الموضع الذي هو فيه إلا مُفْتٍ واحد فأفتاه، فالذي تقتضيه القواعد أن نفصل فنقول: إذا أفتاه المفتي نظر، فإن لم يوجد مفتٍ آخر لزمه الأخذُ بفتياه، وإن وُجد مفتٍ آخر، فإن استبان أن الذي أفتاه هو الأعلم الأوثق لزمه ما أفتاه به، بناءً على الأصح في تعيُّنه، وإن لم يستبِنْ ذلك، لم يلزمه ما أفتاه به بمجرد إفتائه؛ إذ يجوز له استفتاءُ غيرِه وتقليده[12].



أن يستفتي بنفسه؛ لأنه صاحب القضية أو المشكلة، ويعرف تفاصيلها، وله أن يبعث ثقة يعتمد خبره ليستفتي له، وله الاعتماد على خط المفتي إذا أخبره من يثقُ بقوله أنَّه خطه، أو كان يعرف بنفسه خطَّه، ولم يتشكك في كون ذلك الجواب بخطه، خاصة في المسائل الشخصية؛ كأحكام الطلاق وغيرها؛ لأن الفتوى فيها على اللفظ وما نواه المتكلِّم.



على المستفتي أن يتأدَّبَ مع مَن يفتيه بالعبارات المنتقاة، التي تحفَظ للعالم قدره ومكانته، ولا يذكر عنده قول غيره من المفتين.

من هنا، لا بد أن ننتبه إلى خطورة مهمة الإفتاء؛ فالمفتي موقِّعٌ عن الله ربِّ العالمين، فلينظر أي توقيع يوقعه؟!





[1] مجموع الفتاوى لابن تيمية، ج 20، ص 223، 224.




[2] جزء من حديث، أوله: ((مَن سلك طريقًا يلتمسُ فيه علمًا ...))؛ رواه أبو داود وابن حبان، وابن ماجه والدارميُّ عن أبي الدرداء رضي الله عنه.




[3] الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي ج 2 ص 168.




[4] الزهد لابن المبارك (1/ 19).




[5] أدب الفتوى للنووي ص 15.





[6] إعلام الموقِّعين عن رب العالمين؛ لابن قيم الجوزية، ج 4، ص201.




[7] صفة الفتوى؛ أحمد بن حمدان الحراني الحنبلي ص 10.




[8] إعلام الموقعين عن رب العالمين؛ لابن قيم الجوزية، ج 4، ص199 - 200.




[9] مِن كتاب: غِياث الأمم؛ لأبي المعالي الجويني (بتصرُّف )، ص 286 ـ 288.




[10] أدب المفتي والمستفتي؛ لتقي الدين ابن الصلاح (بتصرُّف) ص100 ـ 140.




[11] آداب الفتوى؛ للنووي: 1 /78، فتاوى ابن الصلاح: 1/89، أدب المفتي والمستفتي: 1 /164، المسوَّدة؛ لابن تيمية: 1/414.




[12] آداب الفتوى للنووي: 1 /81.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 69.47 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 67.80 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.41%)]