|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الأمراض والمصائب للمؤمن نعمة ولغيره نقمة الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد الحمد لله ﴿ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ * رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ * وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ * وَاغْفِرْ لِأَبِي ﴾ [الشعراء: 79 - 86]. - قالها إبراهيم عليه الصلاة والسلام - ﴿ وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ * وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 86 - 89]. والصلاة والسلام على رسول الله المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وبعد؛ تمر بالإنسان مصائبُ وأَمْرَاضٌ وابتلاءاتٌ، فتكون للمؤمنين مكفراتٌ وممحصاتٌ ونِعَمٌ، وتكون على غيرهم عقوباتٌ ونِقَمٌ. لم يسلم من هذه الممحصات وهذه الابتلاءات الأنبياء فضلا عن الصالحين، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: (دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مَوْعُوْكٌ) - أي مصاب بالحمَّى عليه الصلاة والسلام- (عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ، فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَيْهِ، فَوَجَدْتُ حَرَارَتَهَا فَوْقَ الْقَطِيفَةَ)، فَقُلْتُ: (مَا أَشَدَّ حَرَّ حُمَّاكَ يَا رَسُولَ اللهِ!) فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّا كَذَلِكَ؛ يُشَدَّدُ عَلَيْنَا الْبَلَاَءُ، وَيُضَاعَفُ لَنَا الْأَجْرُ"، - و(الْبَلَاء): معناه الْمِحْنَة وَالْمُصِيبَة.- فَقُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ أَشَدُّ النَّاسِ بَلاَءً؟!) قَالَ: "الْأَنْبِيَاءُ"، قُلْتُ: (ثُمَّ مَنْ؟!) قَالَ: "ثُمَّ الْعُلَمَاءُ"، قُلْتُ: (ثُمَّ مَنْ؟!) قَالَ: "ثُمَّ الصَّالِحُونَ، كَانَ أَحَدُهُمْ يُبْتَلَى بِالْفَقْرِ؛ حَتَّى مَا يَجِدُ إِلَّا الْعَبَاءَةَ يَلْبَسُهَا، وَيُبَتَلَى بِالْقَمْلِ حَتَّى يَقْتُلَهُ، وَلأَحَدُهُمْ أَشَدُّ فَرَحًا بِالْبَلاَءِ، مِنْ أَحَدِكُمْ بِالْعَطَاءِ"[1]. والله يبتلي من شاء من عباده بالأمراض، حتى الأنبياء، وقصة أيوب عليه السلام مشهورة، جاء بعض يهود المدينة، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا -وهذا من ضمن حديث طويل-: (...أَخْبِرْنَا أَيُّ الطَّعَامِ حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ؟!) قَالَ -عليه الصلاة والسلام-: "فَأَنْشُدُكُمْ" -أي أستحلفكم- "بِالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى صلى الله عليه وسلم هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ إِسْرَائِيلَ يَعْقُوبَ مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا، وَطَالَ سَقَمُهُ، فَنَذَرَ للهِ نَذْرًا لَئِنْ شَفَاهُ اللهُ مِنْ سَقَمِهِ، لَيُحَرِّمَنَّ أَحَبَّ الشَّرَابِ إِلَيْهِ، وَأَحَبَّ الطَّعَامِ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَحَبَّ الطَّعَامِ إِلَيْهِ لُحْمَانُ الْإِبِلِ، وَأَحَبَّ الشَّرَابِ إِلَيْهِ أَلْبَانُهَا".[2]، وفي رواية: ("كَانَ" -أي يعقوب عليه السلام- "يَشْتَكِي عِرْقَ النَّسَا، فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا يُلَائِمُهُ إِلَّا لُحُومَ الْإِبِلِ وَأَلْبَانَهَا، فَلِذَلِكَ حَرَّمَهَا")، فَقَالُوا: (اللَّهُمَّ نَعَمْ!) - أي صدقت، وهذا ما يوافق ما عندهم- قَالَ -عليه الصلاة والسلام-: ("اللَّهُمَّ اشْهَدْ عَلَيْهِمْ")[3]. (عِرْق النَّسَا): وَجَعٌ يَبْتَدِئُ مِنْ مَفْصِلِ الْوَرِكِ، وَيَنْزِلُ مِنْ جَانِبِ الْوَحْشِيِّ عَلَى الْفَخِذِ، وَرُبَّمَا اِمْتَدَّ إِلَى الرُّكْبَةِ، وَإِلَى الْكَعْبِ، وَ -كلمة- النَّسَا: وَرِيدٌ يَمْتَدُّ عَلَى الْفَخِذِ مِنْ الْوَحْشِيِّ -هناك ورك إنسي، والوحشي في الخارج والإنسي في الداخل- إِلَى الْكَعْبِ. (فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا يُلَائِمُهُ) أَيْ: مِنْ -الأدوية والأطعمة و- الْمَاكُولَاتِ وَالْمَشْرُوبَاتِ -إلا لحوم الإبل وألبانها هي موافقة وفيها شفاء لعرق النسا-. (فَلِذَلِكَ حَرَّمَهَا)-على نفسه- أَيْ: لُحُومَ الْإِبِلِ وَأَلْبَانَهَا[4]. ماذا يفعل المرض بالمؤمن؟ عَنْ أَسَدِ بْنِ كُرْزٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الْمَرِيضُ تَحَاتُّ خَطَايَاهُ، كَمَا يَتَحَاتُّ وَرَقُ الشَّجَرِ"[5]. والمرض بلاء لا يتمناه المؤمن لكنه يؤمن به أنه من قدر الله سبحانه وتعالى، حتى تظهر صلابة دينه وشدتُه، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟!) فَقَالَ: "الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الصَّالِحُونَ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ". -أَيْ: الْأَشْرَفُ فَالْأَشْرَفُ -عند الله سبحانه وتعالى-، وَالْأَعْلَى فَالْأَعْلَى رُتْبَةً وَمَنْزِلَةً[6]. -قال صلى الله عليه وسلم:- "يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صَلابَةٌ، زِيدَ فِي بَلَائِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ" -أَيْ: إِنْ كَانَ فِي دِينِهِ ضَعْفٌ وَلِينٌ-. "خُفِّفَ عَنْهُ، وَمَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ، حَتَّى يَمْشِي عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ"[7]. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ، فِي جَسَدِهِ، وَأَهْلِهِ، وَمَالِهِ، حَتَّى يَلْقَى اللهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ"[8]. فالمرض والمصيبة للمؤمن كفارة، ورجوع عن السيئات وأعمالِ المعاصي، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ سَلْمَانَ رضي الله عنه وَعَادَ مَرِيضًا فِي كِنْدَةَ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ: (أَبْشِرْ!) -سلمان يبشر المريض- (فَإِنَّ مَرَضَ الْمُؤْمِنِ يَجْعَلُهُ اللهُ لَهُ كَفَّارَةً وَمُسْتَعْتَبًا)، -استَعْتَب: -يطلب الرجوع عن مرضه، يتمنى لو كان صحيحا حتى يرجع على الإساءة مرة أخرى، هذه فوائد المرض كفارة واستعتابا- طلبَ أن يُرْضَى عنه، كما تقول: استَرْضَيْتُه فأرْضاني. والمُعْتَب: المُرْضَى، ومنه الحديث: "لا يَتَمنينَّ أحَدُكم الموت؛ إمَّا مُحْسِنا فلَعلَّه يَزْدَادُ، وإمّا مُسِيئا فلعله يَسْتَعْتِب". أَيْ: يَرْجِعُ عن الإساءة ويَطلُبُ الرِّضَا[9]. (وَإِنَّ مَرَضَ الْفَاجِرِ، كَالْبَعِيرِ عَقَلَهُ أَهْلُهُ)، -أي: رَبَطوهُ بالحبل-، (ثُمَّ أَرْسَلُوهُ، فَلَمْ يَدْرِ لِمَ عَقَلُوهُ، وَلَمْ يَدْرِ لِمَ أَرْسَلُوهُ)[10]. فهو غافل؛ هؤلاء الفجرة والكفرة في غفلة، لا يدري لمَ مرض، ولا يدري لمَ عادت إليه عافيته، أما المؤمن فيعلم. إن الذي لم يصَب بمصيبة في الدنيا، ولم يمرض طيلة حياته ليس خيرا له، بل يخشى عليه من النار، لأن العبد غير معصوم عن اقتراف السيئات، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: (مَرَّ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَعْرَابِيٌّ أَعْجَبَهُ صِحَّتُهُ وَجَلَدُهُ) -أي أعجبه صحته وقوته ونشاطه. فَدَعَاهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "مَتَى أَحْسَسْتَ أُمَّ مِلْدَم؟" قَالَ -الأعرابي-: (وَأَيُّ شَيْءٍ أُمُّ مِلْدَمٍ؟!) قَالَ: "الْحُمَّى"، قَالَ: (وَأَيُّ شَيْءٍ الْحُمَّى؟!) قَالَ: "حَرٌّ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ"، قَال: (مَا وَجَدْتُ هَذَا قَطُّ!) قَالَ: "فَمَتَى أَحْسَسْتَ بِالصُّدَاعِ؟" قَالَ: (وَأَيُّ شَيْءٍ الصُّدَاعُ؟!) -سبحان الله حتى الصداع لا يعرفه- قَالَ: "عِرْقٌ يَضْرِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي رَأسِهِ"، قَالَ: (مَا وَجَدْتُ هَذَا قَطُّ!) فَلَمَّا وَلَّى الْأَعْرَابِيُّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا")[11]. بعض الناس تكون له المنزلة العالية عند الله سبحانه وتعالى، وليس له عمل صالح يبلغها به، ما عنده أعمال صالحة يبلغ بها المنزلة والمكانة عند الله سبحانه وتعالى التي كتبت لهذا العبد، فيبتلى ليصل إلى منزلته تلك، عَنْ اللَّجْلَاجِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنْ اللهِ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ، ابْتَلَاهُ اللهُ فِي جَسَدِهِ، أَوْ فِي مَالِهِ، أَوْ فِي وَلَدِهِ، ثُمَّ صَبَّرَهُ عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى يُبَلِّغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ"). [12]، ("مِنْهُ")[13]. وهكذا إن الصالحين يشدد عليهم، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (مَرِضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَضًا اشْتَدَّ مِنْهُ وَجَعُهُ، فَجَعَلَ يَشْتَكِي) -بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام- (وَيَتَقَلَّبُ عَلَى فِرَاشِهِ)، فَقُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّكَ لَتَضْجَرُ، لَوْ صَنَعَ هَذَا بَعْضُنَا لَوَجِدْتَ عَلَيْهِ)، فَقَالَ: ("إِنَّ الصَّالِحِينَ يُشَدَّدُ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّهُ مَا مِنْ مَرَضٍ أَوْ وَجَعٍ؛ نَكْبَةٍ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ؛ إِلَّا حُطَّتْ بِهِ عَنْهُ خَطِيئَةٌ، وَرُفِعَ بِهَا دَرَجَةً")[14]. فـ"الْمُؤْمِنُ مُكَفَّرٌ". كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم[15]. • أَيْ: أنَّهُ مُرَزَّأ -أي مصاب- في نَفْسِهِ وَأَهْلِه، وأنَّهُ لَا يَزَالُ يُنْكَبُ وتُصِيبُهُ الْمَكَارِه، فتكونُ كَفّارةً لِذِنُوبِه. والمرض يؤثر على العبد المؤمن فيعيقه عن بعض ما كان يفعله من طاعات، ولكن الأجر والثواب ما زال ساريا مستمرا، قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى رضي الله تعالى عنه مِرَارًا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ إِذَا مَرِضَ أَوْ سَافَرَ، كَتَبَ اللهُ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ كَمَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا"[16]. فمن نعمة الابتلاء على العبد المؤمن أن يقوم من بلائه كيوم ولدته أمه، عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ قَالَ: (رُحْتُ إِلَى مَسْجِدِ دِمَشْقَ، وَهَجَّرْتُ) -أي بكَّرت- (بِالرَّوَاحِ، فَلَقِيتُ شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ رضي الله عنه وَالصُّنَابِحِيَّ مَعَهُ)، فَقُلْتُ: (أَيْنَ تُرِيدَانِ يَرْحَمُكُمَا اللهُ؟!) فَقَالَا: (نُرِيدُ هَاهُنَا إِلَى أَخٍ لَنَا مَرِيضٍ نَعُودُهُ)، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُمَا حَتَّى دَخَلَا عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ، فَقَالَا لَهُ: (كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟!) قَالَ: (أَصْبَحْتُ بِنِعْمَةٍ)، -يعني اعتبر هذا المرض نعمة، وحقا هو نعمة- فَقَالَ لَهُ شَدَّادٌ: (أَبْشِرْ بِكَفَّارَاتِ السَّيِّئَاتِ، وَحَطِّ الْخَطَايَا)، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ اللهَ عز وجل يَقُولُ: إِنِّي إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدًا مُؤْمِنًا مِنْ عِبَادِي، فَحَمِدَنِي عَلَى مَا ابْتَلَيْتُهُ، فَإِنَّهُ يَقُومُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ مِنْ الْخَطَايَا كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، وَيَقُولُ الرَّبُّ عز وجل: أَنَا قَيَّدْتُ عَبْدِي وَابْتَلَيْتُهُ، فَأَجْرُوا لَهُ كَمَا كُنْتُمْ تُجْرُونَ لَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ"[17]. وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("إِذَا ابْتَلَى اللهُ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ بِبَلَاءٍ فِي جَسَدِهِ، قَالَ اللهُ لِلْمَلَكِ الَّذِي يَكْتُبُ عَمَلَهُ: اكْتُبْ لِعَبْدِي فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِثْلَ مَا كَانَ يَعْمَلُ مِنْ الْخَيْرِ مَا دَامَ مَحْبُوسًا فِي وَثَاقِي، حَتَّى أَقْبِضَهُ") -أي يموت في مرضه- ("أَوْ أُطْلِقَهُ، فَإِنْ شَفَاهُ، غَسَلَهُ وَطَهَّرَهُ، وَإِنْ قَبَضَهُ، غَفَرَ لَهُ وَرَحِمَهُ")[18]. وغالب البلايا والأمراض من ذنوب العباد، عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا اخْتُلِجَ" -أي ما نزع- "عِرْقٌ وَلَا عَيْنٌ إِلَّا بِذَنْبٍ، وَمَا يَدْفَعُ اللهُ عَنْهُ أَكْثَرُ". [19]، (اختُلِج): انتُزِعَ، أو اقتُطِع. ألا واعلموا أن "مَنْ يُرِدْ اللهُ بِهِ خَيْرًا، يُصِبْ مِنْهُ"[20]. • أَيْ: يُصِبْ مِنْهُ بِالْمَرَضِ الْمُؤَثِّرِ فِي صِحَّتِهِ، وَأَخْذِ الْمَالِ الْمُوَثِّرِ فِي غِنَاهُ، وَالْحُزْنِ الْمُؤَثِّرِ فِي سُرُورِهِ، وَالشِّدَّةِ الْمُؤَثِّرَةِ فِي صَلَاحِ حَالِهِ، فَإِذَا صَبَرَ وَاحْتَسَبَ، كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِمَا أَرَادَهُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ مِنَ الْخَيْرِ[21]. والعبد إذا كان مؤمنا محسنا، مطيعا عابدا، دل ابتلاؤه على محبة ربه له، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ، مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْط"[22]. وعلى العبد المؤمن بقضاء الله وقدره ألا يسب المصائب ولا يلعنها، لما فيها من الفوائد والنعم، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ: (دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أُمِّ السَّائِبِ رضي الله عنها)، -وكانت ترتجف من شدة الحمى والمرض- فَقَالَ: "مَا لَكِ يَا أُمَّ السَّائِبِ تُزَفْزِفِينَ؟!" -أَيْ: تَتَحَرَّكِينَ -بشدة و- حَرَكَةً سَرِيعَةً، وَمَعْنَاهُ: تَرْتَعِدُ. قَالَتْ: (الْحُمَّى؛ لَا بَارَكَ اللهُ فِيهَا)، فَقَالَ: "لَا تَسُبِّي الْحُمَّى، فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ، كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ"[23]. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: (ذُكِرَتِ الْحُمَّى عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَبَّهَا رَجُلٌ)، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَسُبَّهَا، فَإِنَّهَا تَنْفِي الذُّنُوبَ، كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْحَدِيدِ"[24]. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. الخطبة الآخرة الحمد لله على نعمه، والصلاة والسلام على رسول الله المبعوث رحمة مهداة للعالمين كافة، وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين، أما بعد: المؤمن الخطَّاء المذنب المسيء، إذا ابتلي في الدنيا تُمحى عنه خطاياه فلا يعذب بسببها يوم القيامة، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الْحُمَّى حَظُّ الْمُؤْمِنِ مِنَ النَّارِ".[25]، فالمؤمن حظه في الدنيا إذا أصيب بمثل هذه الابتلاءات، فالحمى حظ المؤمن من النار. وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الْحُمَّى كِيرٌ" -أي منفاخ من نار- "مِنْ جَهَنَّمَ، فَمَا أَصَابَ الْمُؤْمِنَ مِنْهَا، كَانَ حَظَّهُ مِنْ جَهَنَّمَ"[26]. وهذه تسلية وتعزية وبشرى لمن أصيب بمصائب وأمراض وهموم، هذه كلها بدل أن تعذب بها يوم القيامة، أخذتها في الدنيا، ولكن يا عبد الله لا تتمنَّ المصائب، لا تتمنَّ الأمراض، ولا تتمنَّ الهموم والأحزان، لكن إن جاءتك هذا قدر الله، هنا يظهر إيمان العبد المؤمن إن شاء الله. كثير من أهل الصحة والعافية في الدنيا سيتمنَّون ألَّو كانوا قد ابتلوا في الدنيا بشتى أنواع الابتلاء، التمني في الآخرة ما في مانع، أن يتمنى الابتلاء لأنه لن يقع عليه إلا لمن كتب له في الآخرة، لـمَّا رأوا ما يعطاه أهل الابتلاء على ابتلائهم في الآخرة، أهل الابتلاء لهم نصيب وحظ وافر في الآخرة من الأمور التي يستحبها الإنسان يوم القيامة، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلَاءِ الثَّوَابَ، لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالْمَقَارِيضِ"[27]. عندما يرون ما يعطى أهل البلاء أهل العافية في الدنيا يتمنون هناك أن لو كانوا في الدنيا تقطع أعضائهم بالمقصات، بالمقاريض من شدة الألم في الدنيا ذهب يوم القيامة فلا يكون هناك ألم، فأخذه في الدنيا فانتهى الأمر، وهم يتمنون هذا لأن الدنيا فانية، والدنيا قصيرة، وما فيها من أعمال هي ذاهبة، فيبقى لك ما عملت تحاسب عليه يوم القيامة إن لم يكفر في الدنيا بالممحصات والابتلاءات والكفارات. اللَّهُمَّ إِنّا نَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ، والمعافاة الدائمة فِي الدين والدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ نَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِنا وَدُنْيَانا وَأَهْلِنا وَمَالنا، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنا، وَآمِنْ رَوْعَاتِنا، وَاحْفَظْنا مِنْ بَيْنِ أيَدَينا، وَمِنْ خَلْفِنا، وَعَنْ أيَماننا، وَعَنْ شمَائلنا، وَمِنْ فَوْقِنا، وَنَعُوذُ بِكَ أَنْ نُغْتَالَ مِنْ تَحْتِنا. وأقم الصلاة فـ ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45]. [1] (هق) (6325)، (خد) (510)، (جة) (4024)، (ك) (119)، (5463)، (7848)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (995)، الصَّحِيحَة: (2047)، صَحِيح التَّرْغِيبِ (3403). [2] (حم) (2514). [3] (ت) (3117)، (حم) (2483)، (2514). [4] تحفة الأحوذي (7/ 444). [5] (حم) (16705)، انظر صَحِيح التَّرْغِيبِ (3426). [6] تحفة الأحوذي (6/ 188). [7] (جة) (4023)، (حم) (1481)، (ت) (2398)، (جة) (4023)، صَحِيح الْجَامِع: (992)، صَحِيح التَّرْغِيبِ (3402). [8] (خد) (494)، (ت) (2399)، (حم) (7846)، صحيح الجامع: (5815)، الصَّحِيحَة: (2280). [9] النهاية في غريب الأثر (3/ 382). [10] (خد) (493)، انظر صَحِيحُ الْأَدَبِ الْمُفْرَد: (379). [11] (حم) (8376)، (8780)، (خد) (495)، (ن) (7491)، (حب) (2916). [12] (د) (3090)، (حم) (22392). [13] (حم) (22392)، (د) (3090)، صَحِيح الْجَامِع: (1625)، الصَّحِيحَة: (1599). [14] ابن سعد (2/ 207)، انظر الصَّحِيحَة: (1103)، (حم) (25303)، (25377)، وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح. انظر الصَّحِيحَة: (1610). [15] (ك) (192)، (7640)، صَحِيح الْجَامِع: (6657)، الصَّحِيحَة: (2367). [16] (حم) (19768)، (خ) (2834)، (د) (3091)، (ش) (10805)، وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح. [17] (حم) (17159)، وحسنه الألباني في الإرواء تحت حديث: (560)، وصَحِيحِ الْجَامِع: (4300)، وفي الصحيحة تحت حديث: (1611). [18] (حم) (12525)، (13526)، (6916)، (6870)، (12525)، (يع): (4235)، صَحِيح التَّرْغِيبِ: (3422)، المشكاة: (1560). [19] (طص) (1053)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 247)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (5521)، والصحيحة: (2215). [20] (خ) (5321)، (حم) (7234). [21] المنتقى شرح الموطأ (4ص 357). [22] (ت) (2396)، (جة) (4031)، (حم) (23672)، صَحِيح الْجَامِع: (285)، الصَّحِيحَة: (146). [23] (م) (53)- (2575)، (خد) (516). [24] (جة) (3469). [25] (طس) (7540)، (كر) (59/ 313)، انظر الصَّحِيحَة: (1821)، صَحِيح التَّرْغِيبِ: (3445). [26] (حم) (22328)، (طب) (7468)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (3188)، صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: (3446). [27] (ت) (2402)، (هق) (6345)، انظر الصَّحِيحَة: (2206).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |