
28-01-2021, 04:40 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,842
الدولة :
|
|
قدسية الإنسان والمكان في الإسلام.. وحي إلهي
قدسية الإنسان والمكان في الإسلام.. وحي إلهي
د.الصابوني: الإسلام دين إنسانيٌّ لا يفرّق في عدله بين أتباعه ومناوئيهم
د.العوا: حقوق الإنسان "فروض واجبة".. والوطن يصنع الهوية ويعزز الانتماء
د.حلمي: الحضارات ليست نسيجًا واحدًا في قِيَمها.. وعلى المسلمين الأخذ بقيم دينهم
د.الحفناوي: تسامح الإسلام وإنسانيته جعلاه يصل إلى كل أرجاء العالم
د.عبدالحي: الانتماء لا يكون بترديد الشعارات والأغنيات.. لكن بالتنمية والعلم
عبدالله شريف:
يقال إن "الشيء المقدس هو المبارك الذي يبعث في النّفس احترامًا وهيبة"، وهو الأمر الذي يظهر بجلاء في عناية شريعة الإسلام بقيمة الإنسان والمكان بصرف النظر عن انتمائه الديني؛ فقد قال الله تعالى "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا".
ومن هذا المنطلق، أكد علماء ومفكرون لـ"الوعي الإسلامي" أن الشريعة الإسلامية تنظر إلى حقوق الإنسان باعتباها فرائض إلهية وواجبات شرعية، بينما تراها الحضارة الغربية مجرد "حقوق" قابلة للخرق إذا استدعى الأمر ذلك، وأشاروا إلى أن الإسلام حفظ كرامة الإنسان وجعل المساس بنفسه أو ماله وعرضه جريمة منكرة تستوجب أشد العقاب. كما أكدوا أن الإسلام أعطى للإنسان حريته كاملة في اختيار الدين الذي يؤمن به ووضع مبدأ راسخًا بأنه "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ".. مزيد من التفاصيل في سياق التحقيق التالي.
نبدأ مع فضيلة الشيخ محمد علي الصابوني، الأستاذ بكلية الشريعة بمكة المكرمة، الذي يؤكد أن الإسلام حوى مجموعة من الشرائع الخالدة التي كرمت الإنسان وجعلت المساس بنفسه أو بماله أو بعرضه جريمة منكرة وجعل لها عقوبات رادعة؛ فالبغي في الأرض بالقتل والسلب والاعتداء على الآمنين جرائم عالجها الإسلام بشدّة وصرامة، حتى لا يعيث المجرمون في الأرض فسادًا ولا يكون هناك ما يُخل بأمن الأفراد والمجتمعات، قال الله تعالى: "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِغڑ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَاغ– وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ"، وقال أيضًا: "وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ".
وأضاف: الإسلام دين إنسانيٌّ لا يفرّق عند إقرار العدل بين مسلم وغير مسلم، فلا يجوز ظلم أي إنسان ومنعه من حقه الذي وهبه الله إياه في حياة كريمة شريفة عادلة، مهما كان دينه وجنسه ولونه؛ بل الإسلام يدعونا إلى نصرة أي مظلوم في الأرض.
تحقيق العدل
وتابع د.الصابوني: رب العزة والجلال قال لنبيه عليه الصلاة والسلام: "إِنَّا أَنزلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا" ولم يقل "بين المسلمين أو بين العرب فقط"، بل قال "بَيْنَ النَّاسِ"؛ أي لتحكم يا محمد بالعدل بين جميع الناس، لأن الله لا يرضى بالظلم، ومن لا يرضى بالظلم فسينصر المظلوم أيًا كان.
وأشار إلى أن الله عز وجل أنزل في القرآن الكريم آيات في سورة النساء دفاعًا عن يهودي مظلوم وعتابًا للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وبعض المسلمين لأنه حكم على يهودي وبرّأ المسلم، فقال الله تعالى: "إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً (105) وَاسْتَغْفِرِ اللّهَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً (106) وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (108) هَاأَنتُمْ هَـؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً"، ومع أن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام أصدر حكمه بناءً على ما سمع من أدلة، فهو حكم بالدليل، لكن الله عاتبه ودافع عن اليهودي ونصره لأنه مظلوم.
وأوضح أن الإسلام دعا الناس إلى الأخلاق السامية في التخاطب، بالإضافة إلى الأدب في الكلام واللطف في المناظرة واللين والبساطة في الدعوة؛ لكسب عطف الناس وثقتهم بنزاهة قصده وصدق توجيهه. وشدد على ضرورة أن يلتزم الأئمة والدعاة بهذا المنهج وألا يُكرهوا الناس في الدين، وأن يسهلوا عليهم أمور دينهم دون مخالفات، وأن يبتعدوا عن التشدد الذي يضر ولا ينفع.
وتابع: على الأمة أن تنهض وتحيي تراثها الذي صان الإنسان والعرض والأرض؛ من خلال تربية النشء على قيم الإسلام السمحة وتعليمها للأطفال حتى في المناطق التي تشهد حروبًا ونزاعات، وهذه الآداب والأخلاق والصفات الإنسانية فطرة الإسلام، فنجد الأطفال معجبين مثلًا بمن يحنو على الحيوانات ومن يزرع شجرة أو يروي أرضًا، وعلينا دعم هذه الأفكار.
وأضاف: من إنسانية الإسلام أن حرم التخويف والترعيب والإشارة بالسلاح ولو بطريق اللهو في وجه المسلم، كما حرم كل صفة ذميمة ووضع آدابًا حتى في المأكل والمشرب والحديث بقصد عدم إزعاج الآخرين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يُشِرْ أحَدُكُمْ إلى أخيهِ بالسِّلاحِ، فإنَّهُ لا يَدْري لعلَّ الشَّيْطانَ يَنْزِعُ في يَدِهِ فَيَقعَ في حُفْرَةٍ مِن النّار" متفق عليه، وفي رواية لمسلم قال: قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أشارَ إلى أخيهِ بحديدَةٍ فإنَّ الملائِكةَ تَلْعَنُهُ حتّى يَنْزِعَ، وَإنْ كانَ أخاهُ لأبيهِ وأمِّهِ".
وتابع: نرى أحداثًا خرجت عن الإنسانية ويتخذها أعداء الدين ذريعة لمهاجمة الإسلام، وبدورنا نقول إن الأخطاء واردة ولا يمكن تعميمها على الأصل، وعلى وسائل الإعلام ومسؤولي التعليم والدعاة دور كبير في ثلاثة أمور: أولها نشر صور العفو في الإسلام والتسامح ونشر أخلاقه التي اختفت بين الشباب إلا ما رحم ربي، ثم لا بد من تنقية التراث من القصص غير الواقعة؛ فهي تضر ولا تنفع، تبعد الناس ولا تقربهم من الدين، وكذلك لا بد من العمل على تثقيف الشباب بعظمة إسلامهم وتوعيتهم لألا يلتفتوا إلى مبادئ الغرب المشبوهة التي تظهر بمظهر حسن وهي -في حقيقتها- تستهدف دمار الأمة.
تقدير الإنسان والوطن
المفكر الإسلامي د.محمد سليم العوا أكد بدوره أن الإسلام سبق العالم وكل المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان منذ أكثر من 1400 عام؛ بترسيخ مبادئ حقيقية تحفظ الإنسان وتكرمه وتحفظ الأرض والنسل والعرض والمال والدين، كما أمر وأوجب تنظيم الدفاع عنها.
وأضاف: نظّم الإسلام الدفاع عن حقوق الإنسان بأمور عدة؛ منها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على البر والتقوى ومواجهة الظلم، والآيات على ذلك كثيرة؛ منها قول الله تعالى: "وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِغڑ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"، والأمر بالعدل والإحسان في قول الله تعالى: "إِنَّ اللَّه يَأْمُر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَر وَالْبَغْي يَعِظكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ"، وقوله تعالى: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ"، وكذا قول النبي عليه الصلاة والسلام: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ, فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ, وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإيمَانِ".
وتابع: الشريعة الإسلامية تنظر إلى حقوق الإنسان على أنها فرائض إلهية وواجبات شرعية، في حين أن الحضارة الغربية تراها مجرد "حقوق"، وأحد الفروق الجوهرية بين الحق والواجب أن الأول قابلٌ للتنازل عنه وممارسته ليست ملزمة، بينما الثاني لا يستطيع صاحبه إسقاطه ويأثم إن فرَّط فيه أو تنازل عنه.
وأشار إلى أنه إذا كانت حقوق الإنسان في نظر الإسلام "فروضًا واجبة" فإن التعاون على تحقيقها تعاون على البر لا ريب فيه، والتعاون على منع انتهاكها تعاون على منع الإثم والعدوان بلا مراء؛ ومن ثم فإن "منع الظلم في سياق تكريم الإنسان" مبدأ إسلامي أصيل؛ فالله تبارك وتعالى يأمرنا بالعدل والإحسان ويتوعد الظالمين في مثل قوله تعالى: "إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّغڑ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ". ويَعِدُ المظلومين بحسن العاقبة في مثل قوله تعالى: "وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةًغ– وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُغڑ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" وينذر القرى الظالمة بالهلاك في مثل قوله تعالى: "فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ"، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة". وقوله صلى الله عليه وسلم أيضًا: "إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّه بِعِقَابٍ مِنْهُ" .
وتابع: "في هذه الأحاديث وأمثالها نرى الخطاب موجهًا إلى جماعة المسلمين، والحديث عن "الناس" بلفظ الجمع يؤكد أن العمل في هذا الشأن "جماعيٌّ" لا يقوم به إلا مجموع أفراد يصدعون بالأمر بالنبوي الشريف، ولم يأت الأمر على هذا النحو إلا إيذانًا بأن "الفرد" مهما بلغ تأثيره لا يستطيع أن يصنع في هذا الشأن صنيع الجماعة.
وعن قدسية الوطن أضاف العوا: الوطن يصنع هوية الإنسان ويمنحه نعمة الانتماء ويصنع له علاقة بالآخرين ثابتة فيه، يرسخها تاريخ الآباء والأجداد وتمتد في الأبناء والأحفاد، وحب الأوطان يقتضي حمايتها من الشرور والذودَ عنها عند المحن وتقوية الحق فيها وردّ الباطل عند الفتن، موضحًا أن الإسلام أمر بحفظ الأرض وإعمارها، فقال تعالى: "وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ" وقال: "وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها"، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ".
نظام أخلاقي
إلى ذلك، يوضح د.مصطفى حلمي، أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، أن الإسلام أسس نظامًا أخلاقيًا يهدف إلى حماية الإنسانية جمعاء ويوجهنا نحو السيطرة على النفس بالذات ويعلمنا كيف نسلك على غير ما تريد دوافعنا الباطنة؛ فلا يترك نشاطنا ينساب في مجراه على هوى، ولكن يعلمنا كيف نقدم السلوك بمجهود. ولذا فإن كل فعل أخلاقي يتضمن مقاومة نبديها لميل معين وكبتًا لشهوة ما وتقييمًا لنزوع خاص.
وأضاف: العقيدة قامت مكتملة الأركان من حيث عقيدة التوحيد وتكريم الإنسان وإخضاعه لله تعالى وحده وكفالة تحرره من سلطان العقائد الوثنية والعقائد الباطلة، وجاء الإسلام فخلص البشر من العبودية لغير الله وحررهم من الخضوع للأوثان والأحجار والآلهة الزائفة وأعطى الإنسان مكانة متميزة باعتباره كائنًا سخر الله له مافي الكون جميعًا؛ فكان ذلك دافعًا للنظر في ملكوت السماء والأرض والسير في مناكبها بحثًا وتنقيبًا وتطلعًا واكتسابًا للعلوم والمعارف.
وتابع: على المسلمين الأخذ بما يمليه عليهم دينهم وليس النظر إلى المفاهيم المغلوطة للغرب عن الإنسانية، فتقليد الغرب يؤدي إلى نكسة، والحضارات ليست نسيجًا واحدًا في مُثُلها وقيمها؛ فيستحيل أن تتشابه حضارة مع أخرى أو يلتقيا على أسس واحدة في العقيدة والفكر.
وقال: الإسلام جاء مخاطبًا للإنسان حاثًا إياه على الارتفاع إلى المستوى الأخلاقي اللائق ليتهيأ لخلافة الله تعالى في الأرض، وجاء باعتباره الحلقة الأخيرة الكاملة لدين الله: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا".
وتابع: بهذه الصيغة جاء الإسلام لينظم مسلك الإنسان في الحياة الدنيا المتجه إلى الآخرة بالضرورة؛ فكان الانسجام في الحياة النفسية والأخلاقية لدى المسلمين، ولهذا لا وجود في صفحات التاريخ لمشكلات وأزمات نفسية وجرائم أخلاقية مفزعة وعصبية عانى منها المسلمون كالصورة التي يضج بها عالم اليوم.
وتابع: نُظُم الإسلام في عباداته وشرائعه ومبادئه خطت أحسن الطرق للإنسان، باعتبار أن طبيعته تجمع بين الجسد والروح وأن الحياة ممتدة من الدنيا إلى الآخرة، والأمراض النفسية المعاصرة والجرائم وافدة ضمن ما وفد من الغرب؛ أي من أساليبه ونظمه في المذاهب والفلسفات والحياة الاجتماعية والسياسية، و"الإنسان وجد لعمارة الأرض"، وهذا مفهوم تثبته آيات القرآن الكريم، بل هو أحد الأهداف الإلهية من خلق الإنسان، ولم يقتصر المعنى الأخلاقي للعبادة كفعل منافٍ للشهوات؛ ولكن جعل الأعمال الإنسانية كلها ألوانًا من العبادات؛ أي إن مظاهر العبادة سيطرة الإنسان وتسخيره لما في السماء والأرض من موجودات لصالحه والارتقاء به ونجاحه في الاكتشافات العلمية المؤدية إلى استخراج ما في باطن الأرض وظاهرها واستغلال كنوزها واستخدام الآلات المخترعة في توفير احتياجاته وتحقيق سعادته في الدنيا والتمتع بخيراتها، وحث على الجهود الإنسانية بقواها كافة للوصول إلى تسخير المخلوقات وتحسين ظروف الحياة على ظهر الأرض، جاعلًا من كل هذه الأعمال لونًا من العبادات"، قال رسول الله: "إنك لن تنفق نفقة تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا آجَرَكَ اللَّهُ بِهَا حَتَّى اللُّقْمَةَ تَجْعَلُهَا فِي فِي امْرَأَتِكَ".
وأشار إلى أن الإنسان خلق لثلاثة أمور: عمارة الأرض (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ) وعبادته (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وخلافته (قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ).
وأوضح أن خير مثال على أن تعاليم الإسلام تحث الإنسان على حب الوطن ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقف يُخاطب مكة المكرمة مودعًا لها وهي وطنه الذي أُخرج منه، فقد روي عن عبد الله بن عباسٍ -رضي الله عنهما- أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة: "ما أطيبكِ من بلد وأحبَّكِ إليَّ، ولولا أن قومي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيركِ".
كما أن الله عندما شرع عقوبات جعل منها التغريب والنفي: "وَلَوْلَا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاء لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا"، وكذلك من العقوبات في الشريعة النفي عن الوطن؛ عقابًا لجرائم عدة ارتكبها الإنسان، ما يدل على عظم الأوطان والبقاء فيها.
وطالب حلمي وزارات الأوقاف في العالم الإسلامي بتعليم الأئمة أساليب الدعوة ومنعها من التدرج في الدعوة، وتبسيط الشرح بطرح الأسئلة ووضع الإجابات والتشبيه وضرب الأمثال والترغيب والترهيب، وأن تحثهم على القراءة أيضًا في غير أمور الدين حتى يفهموا متطلبات الأمة وواقعها.

اتهام خسيس
أما د.محمد إبراهيم الحفناوي، أستاذ أصول الفقه بكلية الشريعة والقانون بطنطا، فيؤكد أن من أخس الاتهامات التي وجهت إلى الإسلام أنه يعادي الإنسانية، خاصة من قبل من يدّعون أنهم على ارتباط بثقافات العالم، موضحًا أن كل صغيرة وكبيرة في الدين الإسلامي تدل على حماية الإنسان وتسعى إلى الحفاظ عليه حتى في نومه.
وأضاف: تسامح الإسلام وإنسانيته جعلاه يصل إلى العالم، وقد تكونت أمم إسلامية عريقة من خلال مجموعة من التجار المسلمين حقًا الذين لا يغشون ولا يظلمون"، قال تعالى: "وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" وقوله: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن"، وقوله: "وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً".
وأشار إلى حرص الإسلام على مراعاة شعور الجيران والمواصلة بالزيارة والتهادي والعيادة والمواساة والمعونة وكفّ الأذى واحتماله والمناصرة بالحقّ والمشاركة في المسرات والأفراح، وهذا منتهى تكريم الإنسان ورفعة الأخلاق، قال تعالى: "وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًاغ– وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْغ— إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا"، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَالا يَعْنِيهِ".
وتابع: في عصرنا الحديث علينا إطلاق قوافل لدحض الشائعات التي تلصق بالإسلام كذبًا، خاصة في بلاد الغرب، وقوافل أخرى لمساعدة الفقراء وقوافل لإماطة الأذى، وهذا موجود؛ لكن علينا دعمه أكثر، وعلى الإعلام دور كبير في ذلك؛ من خلال إطلاق الحملات الإنسانية التي تحث على الخير.
تعاليم الإسلام تنقي المجتمع
أخيرًا، يوضح د.صابر عبدالحي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة المنصورة، أن تعاليم الإسلام لحماية الإنسان شملت النفس والمال والعقل والنسل والعرض والأرض أيضًا؛ فإذا اُتُبعت وعملت بها الشعوب فستكون قادرة على بناء المجتمعات وإقامة ما أمر الله به وإعمار الأرض.
وأضاف أن أداء هذه التعاليم يجعل الإنسان حريصًا على حياته وحياة غيره، مسلمًا كان أو كافرًا؛ فيبتعد عن قتل النفس دون وجه حق ويبتعد عن إلقاء نفسه إلى التهلكة بتناول المخدرات والمسكرات والسجائر وغيرها، فيُخلق مجتمع سوي يقدر العقل ويحفظه وينميه ولا يسرف في المال ولا يبذر ولا يتعامل بالربا مهلك الاقتصاد.
وتابع: أمر الإسلام بإماطة الأذى عن الطريق وعدم إلقاء القمامة في الشوارع، وأمر بالنظافة والتطهر لعدم إيذاء الغير، وحذر من التخريب والفساد والدمار والغش؛ بل وحتى في الحرب لا تهدم المنازل ولا تقتلع الأشجار، ومن ثم علينا تعليم الأطفال حفظ الحقوق الخمسة حتى يصبح المجتمع كاملًا، ونبدأ من المدرسة؛ فعلى مسؤولي التعليم في العالم العربي تدريب التلاميذ على تنظيف فصولهم والاهتمام بنظافة ملابسهم وهيئتهم، بالإضافة إلى تدريبهم على البناء وعدم التكسير وأن تستفيد الحكومات من تجارب العالم؛ فمثلًا في اليابان مادة "السلوك والأخلاقيات" (الطريق إلى الأخلاق) في المناهج الدراسية اليابانية واجبة في كل المراحل، ولا يعتمد مسؤولو التعليم على سياسة الرسوب والنجاح؛ بل الهدف الأساسي تعليم الأخلاق والأساسيات، فنجد أن في أول سبع سنوات دراسة يسعى النظام التعليمي إلى غرس قيم النظافة والاحترام والتعاون، فضلًا عن مظاهر أخرى مثل خلع الأحذية عند دخول المدرسة واستبدالها بأخرى، وأيضًا تكوين مجموعات تشرف وتكون مسؤولة عن تنظيم الطلاب منهم أنفسهم، وكذلك تجربة الوظائف، حيث تكون هناك حصة لمعرفة مستقبل الطفل؛ فيجرب أكثر من وظيفة حتى يختار ما يحب أن يكون عليه.
وتابع: "علينا أيضًا غرس حب الوطن والانتماء إليه؛ من خلال التذكير والقدوة من التاريخ، وزرع قصص التسامح والعفو في عقول الأطفال"، وتعليم الانتماء لا يكون بترديد الشعارات والأغنيات الوطنية صباح كل يوم؛ لكن بالتنمية والعلم النابع من تنفيذ أوامر الله بإعمار الأرض ومن غريزة حب مكان التنشئة.
كما أكد ضرورة محاربة سينما العنف والتطرف التي تخلق الارتباك في نفوس الأطفال وتزرع فيهم حب الجريمة والقتل والبلطجة وتخلق أمام أعينهم قادة مخالفين للدين مستبيحين للدماء، مشيرًا إلى دراسة أجراها المعهد الوطني للاضطرابات العصبية والسكتة الدماغية في بريطانيا تؤكد أن مشاهدة العنف في الأفلام وألعاب الفيديو ووسائل الإعلام الأخرى قد تجعل المراهقين أكثر قبولًا للعنف وقد تغرس فيهم نزعة عدوانية، مضيفًا: الدراسة أظهرت أن عاطفة المراهقين تكون أكثر تبلدًا لدى مشاهدة مقاطع عنف خفيفة ومتوسطة عن تلك المتدنية، وبلغت أقصاها بين الذين تعرضوا إلى أعلى مستويات من الإعلام العنيف بشكل منتظم".
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|