حقوق الأخوة في الله - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الصحبة الصالحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 118 )           »          فوائد من قصة يونس عليه السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 93 )           »          ثمرات الابتلاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 78 )           »          نهي العقلاء عن السخرية والاستهزاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »          فتنة المسيح الدجال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 65 )           »          معجزة الإسراء والمعراج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 59 )           »          كيف أتعامل مع ابني المدخن؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          حقوق الأخوة في الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          الأقصى: فضائل وأحداث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          الشباب أمل وألم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم اليوم, 12:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,210
الدولة : Egypt
افتراضي حقوق الأخوة في الله

حقوق الأخوة في الله

د. أمير بن محمد المدري

الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ملكه وسلطانه، ولا مثل له في أسمائه وصفاته، وبره وإحسانه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، المؤيد ببرهانه، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه وأعوانه.
وبعد:
سيكون الحديث في هذه الدقائق مع حقوق الأخوة أي أخوة إنها ليست أخوة النسب وليست أخوة الدم والعرض إنها الأخوة في الله.

إن الأخوة في الله لا يمكن أبدًا أن تتحقق إلا على عقيدة التوحيد بصفائها وشمولها. هذه الأخوة حولت الجماعة المسلمة الأولى من رعاة للغنم إلى سادة وقادة لجميع الدول والأمم يوم أن آخى النبي ابتداءً بين الموحدين في مكة ثم آخى ثانيًا بين أهل المدينة من الأوس والخزرج.

الأخوة في الله نعمة من الله وفيض من الله يغدقها الله على المؤمنين الصادقين. الأخوة في الله امتزاج روح بروح، وتصافح قلب مع قلب.

الأخوة في الله شرابٌ طهور يسقيه الله للمؤمنين الأصفياء الأتقياء.

الأخوة في الله قرينة الإيمان فلا أخوة بلا إيمان، ولا إيمان بلا أخوة، فإن وجدت أخوة من غير إيمان، فاعلم بأنها التقاء مصالح وتبادل منافع وإن رأيت إيمانًا بدون أخوة صادقة، فاعلم بأنه إيمان ناقص يحتاج صاحبه إلى دواء وإلى علاج؛ لذا جمع الله بين الإيمان والأخوة، فقال سبحانه: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10].

فالمؤمنون جميعًا كأنهم روح واحد، حل في أجسام متعددة كأنهم أغصان متشابكة تنبثق كلها من دوحة واحدة وهو مصداق قول الرسول الكريم: «مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»؛ [البخاري ومسلم].

أن أخوة الإيمان أعظم حقًا من أخوة النسب فإخواننا في الإيمان يذكروننا بالله بينما أخواننا في النسب يذكروننا بالدنيا وما عليها.

الأخوة الموصولة بحبل الله، نعمة امتن بها ربنا جل وعلا على المسلمين الأوائل، فقال سبحانه وتعالى: ﴿َيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران:103].

فالأخوة من الله نعمة امتن الله عزوجل بها على المسلمين فمستحيل أن تجد قانونًا وضعيًا على ظهر الأرض يؤلف بين القلوب أبدًا ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[الأنفال:63]. ولقد كان من الحكم العظيمة لأركان الإسلام الخمسة إرساء دعائم الأخوة الإيمانية، فالشهادتان هما الشعار الجامع للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.

والصلاة شُرع أداؤها في جماعة ليجتمع المسلمون في الصلوات الخمس اجتماعًا صغيرًا ثم يأتي الاجتماع الأكبر لأهل الحي في صلاة الجمعة ثم اجتماع أكبر لأهل البلد في صلاة العيد والغرض من هذه الاجتماعات أن يتعارف المسلمون وأن يتآلفوا ويتعرفوا على حوائج من يحتاج منهم إلى مساعدة.

ثم الزكاة تؤدي إلى التآخي والتراحم بين الأغنياء والفقراء.

ثم الصيام صورة لاجتماع المسلمين على شعيرة ظاهرة يمسكون عن الطعام في وقت واحد ويفطرون في وقت واحد، ويشعر الصائمون بحاجة الجائعين.

ثم الحج اجتماع للمسلمين يضم وفودًا من كل فج عميق من فجاج الأرض فيتعرف المسلمون من خلاله على أحوال إخوانهم في شتى بقاع الأرض.

إن الأمة المتشرذمة المتشتتة الممزقة، لن تقوم لها قائمة ولن يكون لها كيان إلا إذا اتحد صفها والتقى شملها وتجمع أبناؤها، ولن يجمع هذا الشتات المتنافر إلا الأخوة الصادقة في الله أسأل الله أن يجعلنا من الصادقين.

ومن حقوق هذه الأخوة:
الحق الأول: الحب في الله والبغض في الله، محال أن تتحقق أخوة صادقة من غير حب في الله وبغض في الله، فالحب في الله والبغض في الله أوثق عرى الإيمان يقول - صلى الله وعليه وسلم -: «أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله والحب في الله والبغض في الله عز وجل » [رواه الطبراني بسند حسن].

وفي الحديث الذي رواه أبو داود والضياء المقدسي وصححه الشيخ الألباني من حديث أبى أمامة - رضي الله عنه - أنه - صلى الله وعليه وسلم - قال: « من أحب وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان».


هل تحب لله؟ هل تبغض لله؟ هل تعطى لله؟ هل تمنع لله؟ ما الذي جاء بك الآن؟ لماذا أتيت؟ ولماذا لم تأت؟ ولماذا تكلمت؟ ولماذا صَمَت؟ ولماذا أعطيت؟ ولماذا منعت؟ ولماذا ابتسمت؟ ولماذا غضبت؟ ولماذا واليت؟ ولماذا عاديت؟

وفى الصحيحين من حديث أنس - رضي الله عنه - أنه - صلى الله وعليه وسلم -قال: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعوذ في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار».


إذا كانت هذه هي حلاوة الإيمان، فإن للإيمان طعمًا، إن للإيمان حلاوة، «وأن يجب المرء لا يحبه إلا لله»، وفى الصحيحين من حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله وعليه وسلم - قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله».


في يوم ستدنو فيه الشمس من الرؤوس لا عمارات ولا أشجار ولا بيوت، ولا مكيفات، الشمس فوق الرؤوس، تغلي الرؤوس من حرارتها، الزحام يكاد وحده أن يخنق الأنفاس، فالبشرية كلها من لدن آدم إلى آخر رجل، قامت عليه الساعة في أرض المحشر تقف كلها في أرض واحدة وجهنم تزفر وتزمجر، قد أتى بها لها سبعون ألف زمام مع كل سبعون ألف ملك يجرونها.

في ظل هذه المشاهد التي تخلع القلب ينادى الله جل وعلا على سبعة من البشر في أرض المحشر ليظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله من هؤلاء؟ « إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله» أسأل الله أن تكون منهم « ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه» من منا يعجز عن هذه؟ « ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه- أي اجتمعا على الحب في الله وتفرقا على الحب في الله- ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال- أي: للزنا- فقال: إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه».


اللهم ارزقنا عينًا دامعة وقلبا خاشعًا وعملا متقبلًا يا رب العالمين.

وفى صحيح مسلم من حديث أبى هريرة - رضي الله عنه -أن النبي قال: «أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى فأرصد الله له على مدرجته ملكا فلما أتى الملك قال له الملك: أين تريد؟ قال: أريد أخًا لي في هذه القرية هل لك من نعمة عليه تربها- أي تبتغى زيادتها- قال: لا، غير أنى أحببته في الله عزوجل فقال له الملك: فإني رسول الله إليك أخبرك بأن الله قد أحبك كما أحببته».

و عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله وعليه وسلم - قال: « إن من عباد الله لأناسًا ما هم أنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء و الشهداء بمكانتهم من الله. فقالوا: يا رسول الله تخبرنا من هم؟ قال: قوم تحابوا بينهم على غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم لعلى نور، لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنوا إذا حزنوا، ثم قرأ: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [يونس: 62].

وفى الحديث الذي رواه البخاري ومسلم أنه - صلى الله وعليه وسلم -قال: «والذي نفسي بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شئ إذا فعلتموه تحاببتم» قالوا: بلى يا رسول الله قال: « أفشوا السلام بينكم ».

سلم على أخيك بصدق وحرارة لا تسلم سلامًا باهتًا باردًا ووجهك في اتجاه آخر، خذ على يد أخيك بحب، فإنك قد ترى الأخ يمد يده أو طرف أصابعه في يد أخيه ويلوى عنقه إلى ناحية أخرى لا تشعر بحرارة اللقاء، ولا بإخلاص المصافحة لا تشعر بأن القلب قد صافح القلب، ولا تحس بأن الروح قد سلمت وامتزجت بالروح.

والنبي - صلى الله وعليه وسلم - يقول كما في صحيح مسلم من حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - قال عليه الصلاة والسلام: «الناس معادن كمعادن الفضة والذهب وخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا والأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف».

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا[مريم:96]. أي محبة في قلوب عباده المؤمنين كما في الصحيحين من حديث أبى هريرة رضي الله عنه: « إذا أحب الله عبدا نادى السماء: يا أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم ينادى جبريل في أهل الأرض: يا أهل الأرض إن الله يحب إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل وينادى في أهل السماء: يا أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه فيبغضه أهل السماء: ثم ينادى في الأرض: إن الله يبغض فلانا فأبغضوه فيوضع أو فتوضع له البغضاء في الأرض»، اللهم عاملنا بفضلك ورحمتك واستر علينا ذنوبنا وعيوبنا بفضلك وكرمك يا أرحم الراحمين.

أخي المسلم: فتش عن قلبك الآن هل تحب الممثلين والممثلات؟ ستحشر معهم هل تحب الساقطين والساقطات واللاعبين واللاعبات؟ ستحشر معهم أو تحب الأطهار والأخيار والأبرار ابتداءً من نبيك المختار وصحابته الأبرار؟ ستحشر معهم.

ففي الصحيحين من حديث أنس - رضي الله عنه - جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله وعليه وسلم - فقال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: «وماذا أعددت لها؟ » قال: ما أعددت لها كثير عدد إلا أنى أحب الله ورسوله قال المصطفى- صلى الله وعليه وسلم -: «المرء مع من أحب».


يقول أنس: فما فرحنا بشيء كفرحنا بقولة رسول الله - صلى الله وعليه وسلم -: «المرء مع من أحب» ثم قال أنس: وأنا أحب رسول الله - صلى الله وعليه وسلم - وأبا بكر وعمر، وأرجو الله أن يحشرني معهم، وإن لم أعمل بمثل أعمالهم.

ونحن نحب رسول الله - صلى الله وعليه وسلم - وأبا بكر وعمر وعثمان وعليا وجميع أصحاب الحبيب النبي - صلى الله وعليه وسلم -، ونرجو الله بفضله لا بأعمالنا أن يحشرنا معهم بمنه وكرمه وهو أرحم الراحمين.

الحق الثاني: ألا يحمل الأخ لأخيه غلًا في صدره ولا حقدًا، ولا حسدًا، لماذا؟
المؤمن سليم الصدر، المؤمن طاهر النفس، زكى النفس، نقى القلب.

المؤمن ينام على فراشه في آخر الليل، وهو يشهد الله في عليائه أنه لا يحمل ذرة غل أو حقد أو حسد لمسلم على وجه الأرض، والنبي يقول كما في الصحيح من حديث أنس - رضي الله عنه -: «لا تباغضوا ولا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانًا».


فالحقد والحسد من أخطر أمراض القلوب، يرى الأخ أخاه في نعمة فيحقد عليه ويحسده، ونسى هذا الجاهل أنه ابتداء لم يرضى عن الله الذي قسّم الأرزاق، فمن الذي وهب؟ إنه الله، من الذي أعطى هذا العلم؟ وأعطى هذا المال؟ وأعطى هذه الزوجة الصالحة؟ وأعطى هذا الولد الطيب؟ إنها أرزاق، قسّمها الرزاق.

﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ[الحشر: 10].

الحق الثالث: التورع في القول من حق أخيك عليك إن لم تستطع أن تنفعه بمالك، فكف عنه لسانك، وهذا أضعف الإيمان. فمن حقوق الأخوة بين المسلمين والمؤمنين: تعظيم بعضهم لحرمات بعض، وعدم تنقص بعضهم لبعض، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ[الحجرات: 11]، ونهى سبحانه عن اللمز، وهو الطعن في حق المسلم، وعن التنابز بالألقاب.

فتورع في القول عن إخوانك فإن اللسان من أخطر جوارح هذا الجسم قال الله جل وعلا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ[النور:19]، وفي الصحيحين من حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت».


جلس رجل في مجلس عبد الله بن المبارك الإمام المجاهد التقى العابد الورع فاغتاب أحد المسلمين فقال له عبد الله بن المبارك: يا أخي هل غزوت الروم؟ قال: لا، فقال: هل غزوت فارس؟ قال: لا، فقال عبد الله بن المبارك: سلم منك الروم وسلم منك فارس، ولم يسلم منك أخوك.

وفى الصحيحين من حديث أبى موسى - رضي الله عنه -أن رسول الله - صلى الله وعليه وسلم - سئل: يا رسول الله أي المسلمين أفضل؟ قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده».


وفى الصحيحين من حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - واللفظ للبخاري أنه - صلى الله وعليه وسلم - قال: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقى لها بالا فيرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقى لها بالا، فيهوى بها في جهنم» والعياذ بالله.

وأختم هذه الطائفة النبوية الكريمة بهذا الحديث الذي يكاد يخلع القلب، والحديث رواه الطبراني وقال عنه شيخنا الألباني في السلسلة الصحيحة: حديث صحيح بمجموع طرقه قال - صلى الله وعليه وسلم -: »من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال» قيل: ما ردغة الخبال؟ قال: « عصارة أهل النار حتى يخرج مما قال وليس بخارج».

الحق الرابع من حقوق الأخوة: الإعانة على قضاء حوائج الدنيا على قدر استطاعتك: فمن حق الأخ على أخيه إن استطاع أن يعينه في أمر من أمور الدنيا أن لا يبخل عليه إن كان يستطيع ذلك.

النبي - صلى الله وعليه وسلم - يقول كما في صحيح مسلم من حديث أبى هريرة - رضي الله عنه -: «من نفّس عن مؤمن كرية من كرب الدنيا، نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه».

وفي الصحيحين من حديث عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - قال: آخى النبي - صلى الله وعليه وسلم - بين عبد الرحمن بن عوف من المهاجرين وبين سعد بن الربيع الأنصارى رضى الله عنهم: تدبر ماذا قال الأخ لأخيه، قال سعد بن الربيع: يا عبد الرحمن، أنا أكثر الأنصار مالا وسأقسم مالي بيني وبينك شطرين، ولى زوجتان فانظر إلى أعجبهما إليك لأطلقها حتى إذا انقضت عدتها تزوجتها»أ. ه.

والله إن اللسان ليجف وإن القلب ليرتعد حرجًا ووجلا، وإن الكلمات كلها تتوارى خجلًا وحياء أمام هذه الأخوة.

لولا أن الحديث في الصحيحين لظننت أنه من نسج الخيال أن يقول رجل عربي له شهامة وعنده من الرجولة ما نعلم جميعا يقول لأخيه: سأقسم مالي بيني وبينك شطرين ولى زوجتان فانظر إلى أعجبهما إليك لأطلقها حتى إذا انقضت عدتها تزوجتها.

فيرد عليه العفيف الشريف عبد الرحمن بن عوف: بارك الله في أهلك ومالك ولكن دلني على السوق.

إن سألني سائل: وأين الآن من يعطى عطاء سعد بن الربيع؟! والجواب: وأين من يتعفف عفة عبد الرحمن بن عوف؟! فلقد وجد سعد يوم وجد عبد الرحمن، وضاع سعد يوم ضاع عبد الرحمن.

جاء رجل إلى أحد الأغنياء الأثرياء ليسأله الصدقة بإلحاح فلما امتنع الغنى قال له الفقير: أين من ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرًا وعلانية؟! فقال له: ذهبوا مع من لا يسألون الناس إلحافا.

فيا أخي المسؤول يا من منّ الله عليك بمنصب، ويا من منّ الله عليك بمال، ويا من منّ الله عليك بوجاهة أو جاه إن استطعت أن تنفع إخوانك أفعل، لا تبخل وبالمقابل يجب على الإخوة أن لا يكلفوا إخوانهم ما لا يطيقون فإن كلفوهم فعجزوا فليعذروهم.

الحق الخامس من حقوق الأخوة: التناصح: المؤمنون نصَحة، والمنافقون والمشركون غششة.

وفى صحيح مسلم من حديث أبى رقية تميم الداري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله وعليه وسلم - قال: «الدين النصيحة» تصور يلخص النبي - صلى الله وعليه وسلم -الدين في هذه الكلمة «الدين النصيحة» قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: « لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم».


قال الشافعي – رحمه الله -: «من نصح أخاه بين الناس، فقد شانه، ومن نصح أخاه فيما بينه فقد ستره وزانه»، فقد يأتي أخ لينصحك، فتشم من رائحة نصيحته الحقد والغل ولا تشعر أبدا بحب.

يا لها من مصيبة! ويا له من عار! نجلس فقط ونتفنن ونتحذلق في تصيد أخطاء بعضنا البعض، ويجلس الأخ منتفخًا منتشيًا، وهو يتكلم عن أخيه، كأنه يتكلم عن مشرك كأنه لا يتكلم عن أخ يربط بينه وبينه رباط الإسلام ورباط الحب في الله، يتمنى أن لو ذبح أخاه وشفاه، وينشر لحمه بين الناس.

الحق السادس من حقوق الأخوة: التناصر: قال - صلى الله وعليه وسلم -: « انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا» قالوا: يا رسول الله عرفنا كيف ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما؟ قال: « أن تكفه عن الظلم فذاك نصره»[رواه البخاري رقم ( 2444 )].

انصر أخاك في كل الأحوال إن كان ظالمًا خذ بيد أخيك عن الظلم، وإن كان مظلومًا وأنت تملك أن تنصره، أنصره ولو بكلمة وإن عجزت بقلبك، وذلك أضعف الإيمان.

إن استطعت أن تنصر أخاك بيدك أنصره بيدك، وإن عجزت عن نصرته باليد انصره بلسانك وإن عجزت عن ذلك فبقلبك، وذلك أضعف الإيمان.

مسلمة استغاثت في أقصى بلاد الروم ونادت وقالت: وا إسلاماه وا معتصماه فنصرها المعتصم قال: لبيك لبيك أختاه.

الحق السابع - وأختم به الحقوق -: الستر والتغافر: من أعظم حقوق الأخ على أخيه الستر والتغافر من حق الأخ على أخيه أن يستر عليه، فالأخ ليس ملكًا مقربا ولا نبيا مرسلًا، فإن زل الأخ في هفوة فهو بشر استر عليه.

قال علماؤنا باتفاق: الناس صنفان وأرجو أن تعوا هذا الكلام جيدًا الناس صنفان: صنف أشتهر بين الناس بالصلاح والبعد عن المعاصي، هذا إن زل ووقع وسقط في هفوة من الهفوات لبشريته وجب على المسلمين أن يستروا عليه.

رجل مشهور بالصلاح والدين والأخلاق والعلم والفضل زل وهو بشر ليس ملكًا ولا نبيًا؟! لقد مضى زمن العصمة بموت المعصوم المصطفى صلى الله وعليه وسلم فإن زل أخوك استر عليه ولا تتبع عوراته.

الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وأبو داود من حديث أبى برزة - رضي الله عنه - أنه - صلى الله وعليه وسلم - قال: « يا معشر من آمن بلسانه ولما يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه في جوف بيته». اللهم استرنا ولا تفضحنا.

يعنى يأتي الأخ يتكلم عن أحد إخوانه كأنه مبرأ من كل ذنب كأنه مبرأ من كل عيب، ونسى المسكين أن بيته من الزجاج، وهو الذي يقذف الناس بالطوب والحجارة، كل يتذكر ضعفه ونقصه وعيبه ﴿كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [النساء: 94]. أما إن كان الرجل والعياذ بالله ممن يبارز الله بالمعاصي، وممن يجهر بالمعصية وممن يتباهى بالمعصية، فهذا هو الفاسق الفاجر الذي لا غيبة له.

الله سبحانه يعاملنا يوم القيامة بالحسنات والسيئات، فمن رجحت حسناته على سيئاته في كفته سيئات ولكن الحسنات إن رجحت نجا العباد يوم القيامة بالحسنات والسيئات، ونحن لا نريد أن نعامل إخواننا بهذا.

ومن حقوق الأخوة في الإيمان والإسلام:
الحق الثامن: عدم الغش والخديعة للمسلمين قال صلى الله وعليه وسلم: «من غشنا فليس منا»، ومن ذلك الغش في البيع والشراء.

فإن كثيرًا من الناس اليوم اتخذوا البيع والشراء وسيلة احتيال يحتالون بهما للاستيلاء على أموال الناس بالكذب والخداع والغش.

عن حكيم بن حزام - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله وعليه وسلم - قال: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا فعسى أن يربحا ويمحقا بركة بيعهما، واليمين الفاجرة منفقة للسلعة ممحقة للكسب» [رواه البخاري ومسلم وغيرهما].

وعن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه عن جده رضي الله عنهما: أنه خرج مع رسول الله إلى المصلى، فرأى الناس يتبايعون فقال: «يا معشر التجار»، فاستجابوا لرسول الله ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه. فقال: «إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارًا إلا من اتقى الله وبر وصدق»، [ رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجة، وابن حبان في ((صحيحه))، والحاكم وقال: صحيح الإسناد].

وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله وعليه وسلم قال: «ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم»، قال: فقرأها رسول الله ثلاث مرا ت، فقلت: خابوا وخسروا يا رسول الله، ومن هم؟ قال: «المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب» [رواه مسلم وغيره].

هذا و اللهَ أسأل أن يوفقنا جميعًا لخير القول و العمل، و أن يعصمنا من الضلالة والزلل، وأن يصلح ذات بيننا ويؤلف بين قلوبنا، ويأخذ بأيدينا إلى ما فيه رضاه عنّا.

وصلى الله وسلم وبارك على نبيّه محمد، وآله، وصحبه أجمعين.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 66.90 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 65.23 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.50%)]