|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() خطبة المسجد النبوي – قطوف من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم
كانت خطبة المسجد النبوي -لهذا الأسبوع بتاريخ 11 ذو القعدة 1446هـ الموافق 9 مايو 2025م- بعنوان: (قطوف من سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم -)، التي ألقاها إمام وخطيب المسجد النبوي فضيلة الشيخ/د. عبدالباري بن عواض الثبيتي -حفظه الله-؛ حيث تناول في بداية خطبته الوصية الربانية بتقوى الله -عز وجل- ومراقبته -سبحانه- قائلا: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، قال الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}(آلِ عِمْرَانَ: 102). السيرة تمنح البصيرة سيرة محمد - صلى الله عليه وسلم - ليست مجرد رواية لأحداث مضت، ولا صفحات تُتلى من كتب التاريخ، بل هي إحياء لرسالة تنبض بالحياة، وسيرة حيَّة تُؤنِس القلوبَ، وتُحيي الضمائرَ، وتَمنَح البصيرة في زمن الفتن، رحلة مفعَمة بالدروس، من المهد إلى اللحد، من خلوته في غار حراء؛ حيث بدأ الوحي، إلى منبر المدينة؛ حيث أعلنت الرسالة، من يتم وابتلاء، إلى ريادة وتمكين، من أول نداء بالعلم: {اقْرَأْ}(الْعَلَقِ: 1)، إلى آخر وصية خالدة: «الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم». اليتم في حياة النبيز من المحنة إلى المنحة وُلِدَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يتيمًا، لكن اليتم ليس ضَعفًا، وإن بدَا في ظاهره حرمانًا، فهو حافز للنبوغ، ودافع للتوكل على الله أولًا، ثم الاعتماد على النفس بثقة وثبات، واليتم حين يلتقي بالإرادة يتحول إلى شعلة تضيء الطريق، وهذا ما تجلى في سيرة النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم -، وسير العظماء قبله وبعده، فكم من يتيم خط اسمه في سجل الخالدين، وارتقى بالإيمان، وتسلح بالعلم، حتى أصبح من رُوَّاد النهضة وصُنَّاع الحضارة. بدأت الرسالة الخالدة بـ «اقْرَأْ» تزوج النبي -صلى الله عليه وسلم - خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها-، فكان زواجا أسس على حب صادق، ومودة ورحمة وشراكة صادقة، وأي بيت تبني دعائمه على هذه القِيَم النبيلة لا تهزه العواصف، ولا تفتك به الخلافات، ولا ينهار أمام أتفه الأسباب، وفي سن الأربعين، وبينما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يختلي بنفسه في غار حراء متأمِّلًا في ملكوت الله، نزل عليه جبريل -عليه السلام- بأعظم نداء سمعته البشريَّة: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}(الْعَلَقِ:1)، نداء لم يكن مجرد أمر بالقراءة، بل إعلانًا لميلاد أمة، أمة شعارها القراءة باسم الله، ومنهجها العلم، وحصنها الإيمان، لقد بدأت الرسالة الخالدة بـ «اقْرَأْ»؛ لتؤسس إنسانًا يعي، وعقلًا يفكر، وقلبًا يؤمن، وأمة تنهض على نور من الوحي. كلمة السيدة خديجة الخالدة عاد النبي -صلى الله عليه وسلم [- إلى بيته، وقد ارتجف جسدُه من هول أول لقاء بالوحي، فلم يجد مأوى أحن ولا أصدق من حضن خديجة -رضي الله عنها-، فاحتوته بسكينة وثبات القلب المحب، وقالت كلمتها الخالدة، التي سكنت قلبه، وبددت خوفه: «كلا، والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الدهر»، وبِناءً على ذلك فلن يخزي الله أبدًا من سار على هدي نبيه، فجعل الإحسان طريقه، والرحمة خلقه، والنبوة قدوته. الرحمة والحكمة في الدعوة كان المنهج النبوي في الدعوة مؤسَّسًا على التوجيه الإلهي: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}(النَّحْلِ: 125)، فانطلقت دعوته بكلمة تلامس القلوب، وصبر جميل يغلب الصدود، يرد على الجهل بالحلم، ويقابل القسوة بالرفق، كانت دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - رحمة تسري، لا سطوة تفرض، قال الله -تعالى-: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}(الْأَنْبِيَاءِ:107)، رحمة بالحائر، رفقا بالجافي، حلمًا على من أساء، حتى في أشد المواقف، لم يقابل الجهل بالجهل، ولا الغلظة بالغلظة، بل قاد القلوب إلى الله باللين، وفتح المغاليق بالمحبة. وفي زمننا كثرت فيه الأصوات وارتفع فيه الجهل، وقل فيه الأسلوب الحكيم، ونحن في أمسِّ الحاجةِ للعودة إلى ذلك المنهج النبوي الراشد، منهج يخاطب العقول بالحكمة، والقلوب بالرحمة، ويدعو إلى الله برفق يحيي، لا بغلظة تنفر. {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} وإذا تحدثتَ عن خُلُقِهِ - صلى الله عليه وسلم - فلن توفيه الكلماتُ قدرَه؛ فهو خُلُق تجسَّد، ورحمة تمشي، كان الصفح عنده سجية، والكرم عادة، والتواضع طريقًا، يعفو عمن ظلمه، يصل من قطعه، يكرم من أساء إليه، يواسي الحزين، يمسح على رأس اليتيم، يرحم الصغير، يوقر الكبير، لا يُفرِّق بينَ غني وفقير، يجلس بين أصحابه، يصغي إليهم، يؤانسهم كأنه واحد منهم، ومع ذلك كانت له هيبة تملأ النفوس، ومحبة تأسر القلوب. في غزوة أُحُد، شُجَّ رأسُه الشريفُ، وأُدمي وجهُه الطاهرُ، وسالت دماؤُه الزكيةُ، ورغم ألم الجراح، لم يعرف قلبه انتقامًا، ولا نطق لسانه بوعيد، بل ارتقى فوق جراحه، وسما فوق آلامه، فقال: «اللهمَّ اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون». عظمة النبي في العفو والبناء لا في الانتقام وفي يوم فتح مكة وقد أحيط بمن آذوه وأخرجوه، وقفوا بين يديه منكسي الرؤوس، وهو في موقف قوة وسلطة، قادر على أن ينزل بهم أشد العقاب، لكنَّه - صلى الله عليه وسلم - لم يطلق سيفًا، بل أطلق الصفح، وصدح بكلمة العظماء: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}(يُوسُفَ: 92)، فيا ترى: كيف يكون حال أمة لو تطبعت بهذا السمو؟! كيف لو تشربت نفوسها هذا الخُلُق؟! واستنشقت قلوبها هذا العبير؟! وكم ستكون طاهرة في تعاملها، راقية في علاقاتها، قويَّة في وحدتها، شامخة في مدارج المجد والعز والتمكين، لقد كان -صلى الله عليه وسلم - عظيمًا بكل المقاييس، كان قائدًا يربي، وحاكمًا يدير دفة أمة، ويقيم أركان حضارة، وزوجًا حنونًا، يرعى شؤون بيته، وعبدا شكورًا يقوم بين يدي ربه في جوف الليل، حتى تتفطر قدماه، ومُصلِحًا حكيمًا يداوي عللَ المجتمع، وفي كل جانب من هذه الجوانب كان نموذجًا فريدًا ومعلمًا للقدوة والاقتداء. وصايا الوداع خارطة طريق للأمة وفي حجته الأخيرة وقَف النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على صعيد عرفات، تحيط به أمواج من القلوب المؤمنة؛ أكثر من مئة ألف نفس تُنصِت بخشوع، لتشهد أعظمَ بيان عرَفَه التاريخُ، خطبة خالدة، رسَم فيها النبي -صلى الله عليه وسلم - للأمة خارطة الطريق، وحدد فيها معالم البقاء وعوامل العز، أعلن فيها المساواة بين البشر، وأبطل كل تفاضل زائف، قائم على النسب أو المال أو اللون أو الجنس، وغرس في القلوب ميزانا ربانيًّا؛ ألا وهو التقوى، ثم أوصى بالنساء خيرًا، وحذر من الظلم، وذكر بحرمة الدماء، وختم خطبته الأخيرة العظيمة بوصية خالدة، هي حبل النجاة، ودستور الفلاح في الدنيا والآخرة فقال: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي». آخر اللحظات.. وأعظم الوصايا بعد أن بلَغ النبي - صلى الله عليه وسلم - الرسالة، وأدَّى الأمانةَ، وربى أمة، وأقام حضارة، اشتد عليه المرض في آخر حياته، لكنَّه لم يغفل عن أمته، بل كان آخر وصاياه: «الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم»، خرج إلى الناس في لحظاته الأخيرة يتأملهم بعين المحبة، وكأن قلبه يطوف بهم مودعًا، ثم عاد إلى بيته وأسلم روحه الطاهرة في حجر عائشة -رضي الله عنها-، وارتجت المدينة لكن نوره لم ينطفئ، وسنته لم تغب، بل بقيت حية في قلوب المؤمنين، راسخة في حياة الأمة، مات الجسد، لكن بقي الأثر، وبقيت الأمانة، في أعناق هذه الأمة؛ أن يسيروا على هديه، ويحيوا سنته، ويبلغوا رسالته للعالمين؛ فمن أحب النبي حقًّا فليقتفِ أثرَه، في نفسه وأهله ومجتمعه، فالمحبة الصادقة ليست ادعاء باللسان، بل اتباعًا بالأفعال، قال الله -تعالى-: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(آلِ عِمْرَانَ: 31). اعداد: المحرر الشرعي
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |